الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّابِعُ: مَا وَقَعَتِ الشُّبْهَةُ فِي تَحْرِيمِهِ كَلَحْمِ السَّبُعِ وَيَسِيرِ النَّبِيذِ، هَكَذَا عَدَّهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ أَقْسَامِ الْكَرَاهَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا فِي الْفُرُوعِ فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِل الاِجْتِهَادِيَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِي جَوَازِهَا، لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّ مَنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى تَحْرِيمِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَمَنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى حِلِّهِ فَلَا مَعْنَى لِلْكَرَاهَةِ فِي حَقِّهِ، إِلَاّ إِذَا كَانَ فِي شُبْهَةِ الْخَصْمِ حَزَازَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ، فَلَا يَصْلُحُ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْكَرَاهَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الظَّنِّ الْحِل، وَيَتَّجِهُ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُول: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ يَقُول: كُل مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَالْحِل عِنْدَهُ مَقْطُوعٌ بِهِ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ (1) .
3 -
وَهَل إِطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ عَلَى هَذِهِ الأُْمُورِ مِنَ الْمُشْتَرَكِ أَوْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّنْزِيهِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، وَهَل الْمَكْرُوهُ مِنَ التَّكْلِيفِ أَمْ لَا وَهَل الْمَكْرُوهُ مِنَ الْقَبِيحِ أَمْ لَا يُوصَفُ بِقُبْحٍ وَلَا حُسْنٍ، وَهَل الْمَكْرُوهُ يَدْخُل تَحْتَ الأَْمْرِ الْمُطْلَقِ أَمْ لَا، وَهَل هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَمْ لَا وَهَل تَرْكُ الْمَنْدُوبِ يُعْتَبَرُ مِنَ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا أَمْ لَا؟ .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ كُلِّهِ يُنْظَرُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
(1) البحر المحيط للزركشي 1 / 297.
خِلَافُ الأَْوْلَى:
4 -
قَال الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا النَّوْعُ أَهْمَلَهُ الأُْصُولِيُّونَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ وَهُوَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالإِْبَاحَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ هَل هِيَ مَكْرُوهَةٌ، أَوْ خِلَافُ الأَْوْلَى كَالنَّفْضِ وَالتَّنْشِيفِ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِمَا؟
قَال إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ. . . التَّعَرُّضُ لِلْفَصْل بَيْنَهُمَا مِمَّا أَحْدَثَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ يُقَال فِيهِ: مَكْرُوهٌ، وَمَا لَا فَهُوَ خِلَافُ الأَْوْلَى وَلَا يُقَال: مَكْرُوهٌ، وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْمَقْصُودِ أَنْ يَكُونَ مُصَرَّحًا بِهِ كَقَوْلِهِ: لَا تَفْعَلُوا كَذَا، أَوْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ كَذَا، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَمَرَ بِمُسْتَحَبٍّ فَإِنَّ تَرْكَهُ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَإِنْ كَانَ الأَْمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ؛ لأَِنَّا اسْتَفَدْنَاهُ بِاللَاّزِمِ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَقَال فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّمَا يُقَال: تَرْكُ الأَْوْلَى إِذَا كَانَ مُنْضَبِطًا كَالضُّحَى وَقِيَامِ اللَّيْل، وَمَا لَا تَحْدِيدَ لَهُ وَلَا ضَابِطَ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ لَا يُسَمَّى تَرْكُهُ مَكْرُوهًا، وَإِلَاّ لَكَانَ الإِْنْسَانُ فِي كُل وَقْتٍ مُلَابِسًا لِلْمَكْرُوهَاتِ الْكَثِيرَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَقُمْ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، أَوْ يَعُودُ مَرِيضًا وَنَحْوَهُ.
قَال الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ نَقْل هَذِهِ الأَْقْوَال: وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ خِلَافَ الأَْوْلَى قِسْمٌ مِنَ الْمَكْرُوهِ، وَدَرَجَاتُ الْمَكْرُوهِ تَتَفَاوَتُ كَمَا فِي