الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَسْجِدِ هَل يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ الْبَيْعَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ: مِنْ غَيْرِ سِمْسَارٍ، وَأَمَّا الْبَيْعُ بِالسِّمْسَارِ فِيهِ فَمَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ (1) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَكُل عَقْدٍ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، بَل يَكُونُ مَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ بِدُونِ إِحْضَارِ السِّلْعَةِ (2) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْمَسْجِدِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَلَا يَصِحَّانِ (3) .
وَقَال ابْنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا عُقِدَ مِنَ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ (4) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ أَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ بَل يُبَاحُ (5) ، وَنَقَل الزَّرْكَشِيُّ تَرْخِيصَ بَعْضِ أَهْل الْعِلْمِ فِيهِ (6) .
الْكَسْبُ الْخَبِيثُ وَمَصِيرُهُ:
17 -
طَلَبُ الْحَلَال فَرْضٌ عَلَى كُل مُسْلِمٍ (7) ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالأَْكْل مِنَ
(1) مواهب الجليل 6 / 14.
(2)
حاشية ابن عابدين 1 / 445، والحموي على الأشباه 2 / 633.
(3)
مطالب أولي النهى 1 / 175.
(4)
تحفة الراكع والساجد ص 208، ومواهب الجليل 6 / 14.
(5)
إعلام الساجد ص 325.
(6)
إعلام الساجد ص 324.
(7)
مختصر منهاج القاصدين ص 86، وانظر إحياء علوم الدين 2 / 90.
الطَّيِّبَاتِ، فَقَال سبحانه وتعالى:{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (1)، وَقَال فِي ذَمِّ الْحَرَامِ:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} (2) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآْيَاتِ (3) .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: وَلَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالاً مِنْ حَرَامٍ، فَيُنْفِقُ مِنْهُ فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَل مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَاّ كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ (4)، وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَاّ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ (5) .
وَالْحَرَامُ كُلُّهُ خَبِيثٌ، لَكِنَّ بَعْضَهُ أَخْبَثُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ حَرَامٌ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ فِي دَرَجَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى سَبِيل الْقَهْرِ، بَل الْمَغْصُوبُ أَغْلَظُ؛ إِذْ فِيهِ إِيذَاءُ الْغَيْرِ وَتَرْكُ طَرِيقِ الشَّرْعِ فِي الاِكْتِسَابِ،
(1) سورة البقرة / 172.
(2)
سورة البقرة / 188.
(3)
مختصر منهاج القاصدين 87.
(4)
الزواجر عن اقتراف الكبائر 1 / 188 ط. المطبعة الأزهرية، وتنبيه الغافلين 2 / 501 وحديث:" لا يكسب عبد مالاً من حرام. . . " أخرجه أحمد (1 / 387)، وأورده الهيثمي في المجمع (1 / 53) وقال: رواه أحمد، وإسناده بعضهم مستور، وأكثرهم ثقات.
(5)
الزواجر 1 / 188. وحديث: " لا يربو لحم نبت. . . ". أخرجه الترمذي (2 / 513) من حديث كعب بن عجرة وقال: حديث حسن.
وَلَيْسَ فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ إِلَاّ تَرْكُ طَرِيقِ التَّعَبُّدِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ الْمَأْخُوذُ ظُلْمًا مِنْ فَقِيرٍ أَوْ صَالِحٍ أَوْ يَتِيمٍ أَخْبَثُ وَأَغْلَظُ مِنَ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوِيٍّ أَوْ غَنِيٍّ أَوْ فَاسِقٍ (1) .
وَالْكَسْبُ الْخَبِيثُ هُوَ أَخْذُ مَال الْغَيْرِ لَا عَلَى وَجْهِ إِذْنِ الشَّرْعِ، فَيَدْخُل فِيهِ الْقِمَارُ وَالْخِدَاعُ وَالْغُصُوبُ وَجَحْدُ الْحُقُوقِ وَمَا لَا تَطِيبُ نَفْسُ مَالِكِهِ، أَوْ حَرَّمَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَإِنْ طَابَتْ بِهِ نَفْسُ مَالِكِهِ كَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَأَثْمَانِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (2) .
وَالْوَاجِبُ فِي الْكَسْبِ الْخَبِيثِ تَفْرِيغُ الذِّمَّةِ وَالتَّخَلُّصُ مِنْهُ بِرَدِّهِ إِلَى أَرْبَابِهِ إِنْ عَلِمُوا، وَإِلَاّ إِلَى الْفُقَرَاءِ (3) .
قَال النَّوَوِيُّ نَقْلاً عَنِ الْغَزَالِيِّ: إِذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ حَرَامٌ، وَأَرَادَ التَّوْبَةَ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ وَجَبَ صَرْفُهُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى وَكِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَجَبَ دَفْعُهُ إِلَى وَارِثِهِ، وَإِنْ كَانَ لِمَالِكٍ لَا يَعْرِفُهُ، وَيَئِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ كَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَصَالِحِ طَرِيقِ
(1) مختصر منهاج القاصدين ص 87 - 88 وانظر إحياء علوم الدين 2 / 95 ط. الحلبي.
(2)
تفسير القرطبي 2 / 317، وانظر الزواجر 1 / 187 - 188.
(3)
منحة الخالق على البحر الرائق 2 / 221، والطحطاوي على الدر 1 / 390، والفتاوى الهندية 5 / 349، وحاشية ابن عابدين 5 / 247، وكشاف القناع 4 / 115.
مَكَّةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، وَإِلَاّ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ فُقَرَاءَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْقَاضِي إِنْ كَانَ عَفِيفًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا لَمْ يَجُزَ التَّسْلِيمُ إِلَيْهِ، فَإِنْ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ صَارَ الْمُسْلِمُ ضَامِنًا، بَل يَنْبَغِي أَنْ يُحَكِّمَ رَجُلاً مِنْ أَهْل الْبَلَدِ دَيِّنًا عَالِمًا، فَإِنَّ التَّحَكُّمَ أَوْلَى مِنَ الاِنْفِرَادِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ تَوَلَاّهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّرْفُ إِلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِذَا دَفَعَهُ إِلَى الْفَقِيرِ لَا يَكُونُ حَرَامًا عَلَى الْفَقِيرِ، بَل يَكُونُ حَلَالاً طَيِّبًا، وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا، لأَِنَّ عِيَالَهُ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ فَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ، بَل هُمْ أَوْلَى مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ؛ لأَِنَّهُ أَيْضًا فَقِيرٌ.
قَال النَّوَوِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَل قَوْل الْغَزَالِيِّ الْمَذْكُورَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي هَذَا الْفَرْعِ ذَكَرَهُ الآْخَرُونَ مِنَ الأَْصْحَابِ، وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ، وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْل الْوَرَعِ؛ لأَِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِتْلَافُ هَذَا الْمَال وَرَمْيُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَاّ صَرْفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ (1) .
وَمَنْ وَرِثَ مَالاً وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ
(1) المجموع 9 / 351، وانظر إحياء علوم الدين 2 / 127 - 133.