الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَائِمًا، أَمَّا الأَْكْل قَائِمًا فَقَدْ قَال الْبُهُوتِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ قَائِمًا، وَيَتَوَجَّهُ كَشُرْبٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الأَْكْل وَالشُّرْبُ، قَائِمًا (1) .
وَسَبَبُ الاِخْتِلَافِ أَنَّهُ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ مُتَعَارِضَةٌ فِي الأَْكْل وَالشُّرْبِ قَائِمًا.
مِنْهَا: عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَجَرَ وَفِي رِوَايَةٍ: نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا، قَال قَتَادَةَ: فَقُلْنَا: فَالأَْكْل، فَقَال: ذَاكَ شَرٌّ وَأَخْبَثُ (2) "، وَيَدُل هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَنْعِ الأَْكْل وَالشُّرْبِ قَائِمًا.
وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ أُخْرَى تُجِيزُ الأَْكْل وَالشُّرْبَ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمَاشِيًا.
مِنْهَا: مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال: كُنَّا نَأْكُل عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَمْشِي، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ (3) .
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَال: شَرِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ (4) .
(1) كشاف القناع 5 / 177. والآداب الشرعية 3 / 175، 176.
(2)
حديث أنس بن مالك: " أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر (وفي رواية: نهى) عن الشرب قائمًا ". أخرجه مسلم (2 / 1600 - 1601) .
(3)
حديث ابن عمر: " كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 300) وقال: حديث حسن صحيح.
(4)
حديث ابن عباس: " شرب النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم وهو قائم ". أخرجه الترمذي (4 / 301) وقال: حديث حسن صحيح.
الْقِيَامُ حَال التَّبَوُّل:
21 -
يُسْتَحَبُّ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (1) أَنْ يَبُول الإِْنْسَانُ قَاعِدًا؛ لأَِنَّهُ أَسْتَرُ وَأَبْعَدُ مِنْ مُمَاسَّةِ الْبَوْل؛ وَلِئَلَاّ يُصِيبَهُ الرَّشَاشُ، فَيَتَنَجَّسَ، وَيُكْرَهُ الْبَوْل قَائِمًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِلَاّ لِعُذْرٍ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قَضَاءُ الْحَاجَةِ ف 9) .
الْقِيَامُ لِلْقَادِمِ وَالْوَالِدِ وَالْحَاكِمِ وَالْعَالِمِ وَأَشْرَافِ الْقَوْمِ:
22 -
وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْقِيَامِ لِلْقَادِمِ إِذَا كَانَ بِقَصْدِ الْمُبَاهَاةِ وَالسُّمْعَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّل لَهُ الرِّجَال قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (2) ، وَثَبَتَ جَوَازُ الْقِيَامِ لِلْقَادِمِ إِذَا كَانَ بِقَصْدِ إِكْرَامِ أَهْل الْفَضْل، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ أَهْل قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - سَيِّدِ الأَْوْسِ - فَأَرْسَل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَسْجِدِ، قَال لِلأَْنْصَارِ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ
(1) الدر المختار 1 / 318، والشرح الصغير 1 / 87، والمهذب 1 / 26، ومغني المحتاج 1 / 40، والمغني 1 / 164.
(2)
حديث: " من سره أن يتمثل له الرجال قيامًا. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 91) من حديث معاوية بن أبي سفيان، وحسنه الترمذي.
خَيْرِكُمْ (1) . .
قَال النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ (2) مُعَلِّقًا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: فِيهِ إِكْرَامُ أَهْل الْفَضْل، وَتَلَقِّيهِمْ بِالْقِيَامِ لَهُمْ، إِذَا أَقْبَلُوا، وَاحْتَجَّ بِهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لاِسْتِحْبَابِ الْقِيَامِ، قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْقِيَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَنْ يَقُومُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَالِسٌ، وَيَمْثُلُونَ قِيَامًا طِوَال جُلُوسِهِ، وَأَضَافَ النَّوَوِيُّ: قُلْتُ: الْقِيَامُ لِلْقَادِمِ مِنْ أَهْل الْفَضْل مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ شَيْءٌ صَرِيحٌ.
وَيُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لأَِهْل الْفَضْل كَالْوَالِدِ وَالْحَاكِمِ؛ لأَِنَّ احْتِرَامَ هَؤُلَاءِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا وَأَدَبًا.
وَقَال الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ أَبُو الْمَعَالِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَإِكْرَامُ الْعُلَمَاءِ وَأَشْرَافِ الْقَوْمِ بِالْقِيَامِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ (3) .
وَنَقَل ابْنُ الْحَاجِّ عَنِ ابْنِ رُشْدٍ - فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيل - أَنَّ الْقِيَامَ يَكُونُ عَلَى أَوْجُهٍ:
الأَْوَّل: يَكُونُ الْقِيَامُ مَحْظُورًا، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ
(1) حديث أبي سعيد الخدري: " أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 7 / 411) .
(2)
شرح مسلم 12 / 93.
(3)
الآداب الشرعية لابن مفلح 2 / 260.
إِكْبَارًا وَتَعْظِيمًا لِمَنْ يُحِبُّ أَنْ يُقَامَ إِلَيْهِ تَكَبُّرًا وَتَجَبُّرًا.
الثَّانِي: يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَهُوَ قِيَامُهُ إِكْبَارًا وَتَعْظِيمًا وَإِجْلَالاً لِمَنْ لَا يُحِبُّ أَنْ يُقَامَ إِلَيْهِ، وَلَا يَتَكَبَّرُ عَلَى الْقَائِمِينَ إِلَيْهِ.
الثَّالِثِ: يَكُونُ جَائِزًا، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ تَجِلَّةً وَإِكْبَارًا لِمَنْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ، وَلَا يُشْبِهُ حَالُهُ حَال الْجَبَابِرَةِ، وَيُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ نَفْسُ الْمَقُومِ إِلَيْهِ.
الرَّابِعِ: يَكُونُ حَسَنًا، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ لِمَنْ أَتَى مِنْ سَفَرٍ فَرَحًا بِقُدُومِهِ، أَوْ لِلْقَادِمِ عَلَيْهِ سُرُورًا بِهِ لِتَهْنِئَتِهِ بِنِعْمَةٍ، أَوْ يَكُونَ قَادِمًا لِيُعَزِّيَهُ بِمُصَابٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (1) .
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَقَدْ قَال الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالإِْمَامِ الْعَادِل وَفُضَلَاءِ النَّاسِ، وَقَدْ صَارَ هَذَا كَالشِّعَارِ بَيْنَ الأَْفَاضِل. فَإِذَا تَرَكَهُ الإِْنْسَانُ فِي حَقِّ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَفْعَل فِي حَقِّهِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَنْسُبَهُ إِلَى الإِْهَانَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِ، فَيُوجِبُ ذَلِكَ حِقْدًا، وَاسْتِحْبَابُ هَذَا فِي حَقِّ الْقَائِمِ لَا يَمْنَعُ الَّذِي يُقَامَ لَهُ أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ، وَيَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ (2) .
وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: وَيُسَنُّ الْقِيَامُ لِنَحْوِ عَالِمٍ وَمُصَالِحٍ وَصَدِيقٍ وَشَرِيفٍ لَا لأَِجْل غِنًى،
(1) المدخل لابن الحاج 1 / 139 طبع. الإسكندرية سنة 1291هـ.
(2)
مختصر منهاج القاصدين ص249.