الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ إِيفَائِهِ، وَبِالنَّفَقَةِ قِوَامُ الاِزْدِوَاجِ وَدَوَامُهُ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا، وَلأَِنَّ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ يُسْتَحْقَرُ وَيُسْتَهَانُ بِهِ فِي الْعَادَةِ، كَمَنْ لَهُ نَسَبٌ دَنِيءٌ، فَتَخْتَل بِهِ الْمَصَالِحُ كَمَا تَخْتَل عِنْدَ دَنَاءَةِ النَّسَبِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ قَدْرُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ؛ لأَِنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا، قَال الْبَابَرْتِيُّ: لَيْسَ بِمُطَالَبٍ بِهِ فَلَا يُسْقِطُ الْكَفَاءَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْمَهْرِ؛ لأَِنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِي الْمَهْرِ وَيُعَدُّ الْمَرْءُ قَادِرًا عَلَيْهِ بِيَسَارِ أَبِيهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ تَسَاوِيَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْغِنَى شَرْطُ تَحَقُّقِ الْكَفَاءَةِ، حَتَّى إِنَّ الْفَائِقَةَ الْيَسَارِ لَا يُكَافِئُهَا الْقَادِرُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ؛ لأَِنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِالْغِنَى وَيَتَعَيَّرُونَ بِالْفَقْرِ.
وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَتَقَدَّرَ الْمَال بِمِقْدَارِ مِلْكِ النِّصَابِ أَوْ غَيْرِهِ، بَل إِنْ كَانَ حَال أَبِيهَا مِمَّنْ لَا يُزْرِي عَلَيْهَا بِتَزْوِيجِهَا بِالزَّوْجِ، بِأَنْ يَكُونَ مُوَازِيًا أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْمَال الَّذِي يَقْدِرُ بِهِ عَلَى نَفَقَةِ الْمُوسِرِينَ، بِحَيْثُ لَا تَتَغَيَّرُ عَادَتُهَا عِنْدَ أَبِيهَا فِي بَيْتِهِ، فَذَلِكَ الْمُعْتَبَرُ.
وَالْقَائِلُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْيَسَارِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْكَفَاءَةِ،
فَقِيل: يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، فَيَكُونُ بِهِمَا كُفْئًا لِصَاحِبَةِ الأُْلُوفِ، وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ؛ لأَِنَّ النَّاسَ أَصْنَافٌ: غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ وَمُتَوَسِّطٌ، وَكُل صِنْفٍ أَكْفَاءٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْمَرَاتِبُ.
وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ؛ لأَِنَّ الْمَال غَادٍ وَرَائِحٌ وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْل الْمُرُوءَاتِ وَالْبَصَائِرِ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْيَسَارِ؛ لأَِنَّ الْفَقْرَ شَرَفٌ فِي الدِّينِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْيَسَارِ مَا يُقْدَرُ بِهِ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ (1) .
و
السَّلَامَةُ مِنَ الْعُيُوبِ:
12 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّ السَّلَامَةَ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِخِيَارِ فَسْخِ النِّكَاحِ مِنْ خِصَال الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ.
وَقَال ابْنُ رَاشِدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: الْمُرَادُ أَنْ يُسَاوِيَهَا فِي الصِّحَّةِ، أَيْ يَكُونَ سَالِمًا مِنَ الْعُيُوبِ الْفَاحِشَةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الأَْصْحَابِ (2) .
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: مِنَ الْخِصَال
(1) بدائع الصنائع 2 / 319 - 320، والهداية وشروحها فتح القدير، والعناية 2 / 423، وحاشية القليوبي 3 / 236، وروضة الطالبين 7 / 82، ومطالب أولي النهى 5 / 86، والمغني 6 / 484.
(2)
مواهب الجليل 3 / 460، والشرح الكبير 2 / 249.
الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ السَّلَامَةُ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ، فَمَنْ بِهِ بَعْضُهَا كَالْجُنُونِ أَوِ الْجُذَامِ أَوِ الْبَرَصِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِسَلِيمَةٍ عَنْهَا؛ لأَِنَّ النَّفْسَ تَعَافُ صُحْبَةَ مَنْ بِهِ ذَلِكَ، وَيَخْتَل بِهِ مَقْصُودُ النِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَ بِهَا عَيْبٌ أَيْضًا، فَإِنِ اخْتَلَفَ الْعَيْبَانِ فَلَا كَفَاءَةَ، وَإِنِ اخْتَلَفَا وَمَا بِهِ أَكْثَرُ فَكَذَلِكَ، وَكَذَا إِنْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ مَا بِهَا أَكْثَرُ فِي الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَعَافُ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا وَهِيَ رَتْقَاءُ أَوْ قَرْنَاءُ.
وَاسْتَثْنَى الْبَغَوِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيُّ الْعُنَّةَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا، فَلَا نَظَرَ إِلَيْهَا فِي الْكَفَاءَةِ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الإِْسْنَوِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي، قَال الشَّيْخَانِ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَإِطْلَاقُ الْجُمْهُورِ يُوَافِقُهُ، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَوَجَّهَ بِأَنَّ الأَْحْكَامَ تُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّحَقُّقِ.
وَأَلْحَقَ الرُّويَانِيُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ الْعُيُوبَ الْمُنَفِّرَةَ، كَالْعَمَى وَالْقَطْعِ وَتَشَوُّهِ الصُّورَةِ، وَقَال: هِيَ تَمْنَعُ الْكَفَاءَةَ عِنْدِي، وَبِهِ قَال بَعْضُ الأَْصْحَابِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ.
وَاشْتِرَاطُ السَّلَامَةِ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَلِيِّ، فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ
وَالْبَرَصُ، لَا الْجَبُّ وَالْعُنَّةُ.
قَال الزَّرْكَشِيُّ وَالْهَرَوِيُّ: وَالتَّنَقِّي مِنَ الْعُيُوبِ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَيْنِ خَاصَّةً دُونَ آبَائِهِمَا، فَابْنُ الأَْبْرَصِ كُفْءٌ لِمَنْ أَبُوهَا سَلِيمٌ. . . قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَالأَْوْجَهُ وَالأَْقْرَبُ أَنَّهُ لَيْسَ كُفْئًا لَهَا لأَِنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ.
وَقَال الْقَاضِي: يُؤَثِّرُ فِي الزَّوْجِ كُل مَا يَكْسِرُ سُورَةَ التَّوَقَانِ (1) .
وَقَال الْمَقْدِسِيُّ وَالرَّحِيبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ فِي الْكَفَاءَةِ فَقْدُ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِخِيَارِ الْفَسْخِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُنَا، لَكِنْ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ شَرْطٌ، قَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ: أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ بِمَعِيبٍ وَإِنْ أَرَادَتْ، فَعَلَى هَذَا السَّلَامَةُ مِنَ الْعُيُوبِ مِنْ جُمْلَةِ خِصَال الْكَفَاءَةِ (2) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ: لَا تُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ السَّلَامَةُ مِنَ الْعُيُوبِ (3) ، لَكِنَّ ابْنَ عَابِدِينَ نَقَل عَنِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ، أَنَّ غَيْرَ الأَْبِ وَالْجَدِّ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ عِنِّينٍ مَعْرُوفٍ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْجِمَاعِ شَرْطُ الْكَفَاءَةِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، بَل
(1) شرح المنهاج، وحاشية القليوبي 3 / 234، ومغني المحتاج 3 / 165، ونهاية المحتاج 6 / 251.
(2)
مطالب أولي النهى 5 / 86.
(3)
رد المحتار 2 / 324، والمغني 6 / 485.