الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى يَدِ غَيْرِ نَبِيٍّ، وَقَالُوا: إِنَّ الْخَوَارِقَ دَلَالَاتُ صِدْقِ الأَْنْبِيَاءِ، وَدَلِيل النُّبُوَّةِ لَا يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِ النَّبِيِّ، وَلأَِنَّهَا لَوْ ظَهَرَتْ بِأَيْدِي الأَْوْلِيَاءِ لَكَثُرَتْ بِكَثْرَتِهِمْ، وَلَخَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا خَارِقَةً لِلْعَادَةِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهَا كَذَلِكَ (1) .
قَوْل مَنِ ادَّعَى مَا لَا يُمْكِنُ عَادَةً:
9 -
إِذَا ادَّعَى أَحَدٌ مَا لَا يُمْكِنُ عَادَةً، وَيُمْكِنُ بِالْكَرَامَةِ فَلَا يُقْبَل شَرْعًا وَهُوَ لَغْوٌ، كَأَنِ ادَّعَى أَنَّهُ رَهَنَ دَارِهِ بِالشَّامِ وَأَقْبَضَهُ إِيَّاهَا، وَهُمَا بِمَكَّةَ لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ، قَال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَا يُمْكِنُ مِنْ كَرَامَاتِ الأَْوْلِيَاءِ، وَكَذَا إِنْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فِي الْمَغْرِبِ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ وَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَلْحَقُهُ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الأُْمُورَ لَا يُعَوَّل عَلَيْهَا بِالشَّرْعِ، وَإِنْ خَصَّ الشَّارِعُ شَخْصًا بِحُكْمٍ يَبْقَى الْحُكْمُ خَاصًّا بِهِ، وَلَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ بِالْقِيَاسِ، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَحَسْبُهُ (2) ، وَهَذِهِ مَكْرُمَةٌ خَاصَّةٌ بِخُزَيْمَةَ بَعْدَ شَهَادَتِهِ بِشَهَادَتَيْنِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لأَِنَّهُ كَرَامَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (3)
(1) حاشية شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم البيجوري المسماة بتحفة المريد على جوهرة التوحيد ص 80 وما بعدها.
(2)
حديث: " من شهد له خزيمة أو شهد عليه. . ". أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (4 / 87) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9 / 320) : رجاله ثقات.
(3)
تحفة المحتاج 5 / 107، ومسلم الثبوت 2 / 327.
كَرَاهَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْكَرَاهَةُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ كَرِهَ، يُقَال: كَرِهَ الشَّيْءَ كَرْهًا وَكَرَاهَةً وَكَرَاهِيَةً فَلَا أَحَبَّهُ، فَهُوَ كَرِيهٌ وَمَكْرُوهٌ (1) .
وَفِي الاِصْطِلَاحِ: خِطَابُ الشَّارِعِ الْمُقْتَضِي الْكَفَّ عَنِ الْفِعْل اقْتِضَاءً غَيْرَ جَازِمٍ (2) .
أَقْسَامُ الْكَرَاهَةِ:
2 -
قَال الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ تَكُونُ الْكَرَاهَةُ شَرْعِيَّةً، وَقَدْ تَكُونُ إِرْشَادِيَّةً أَيْ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، وَمِنْهُ كَرَاهَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْل التَّمْرِ لِصُهَيْبٍ وَهُوَ أَرْمَدُ (3) ، وَمِنْهُ كَرَاهَةُ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ عَلَى رَأْيٍ (4) .
وَتَنْقَسِمُ الْكَرَاهَةُ إِلَى كَرَاهَةٍ تَحْرِيمِيَّةٍ، وَكَرَاهَةٍ تَنْزِيهِيَّةٍ.
(1) المفردات، والتعريفات، والمعجم الوسيط.
(2)
جمع الجوامع 1 / 80، وشرح مسلم الثبوت 1 / 58.
(3)
حديث: " كراهة النبي صلى الله عليه وسلم أكل التمر لصهيب وهو أرمد ". أخرجه ابن ماجه (2 / 1139) من حديث صهيب، وصحح إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2 / 206) .
(4)
البحر المحيط 1 / 298.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: قَدْ يُطْلَقُ الْمَكْرُوهُ عَلَى الْحَرَامِ، كَقَوْل الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْل صَلَاةِ الإِْمَامِ وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا، وَهُوَ مَا كَانَ إِلَى الْحَرَامِ أَقْرَبَ وَيُسَمِّيهِ مُحَمَّدٌ حَرَامًا ظَنِّيًّا.
وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا وَهُوَ مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ، وَيُرَادَفُ خِلَافَ الأَْوْلَى، وَفِي الْبَحْرِ مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْبَابِ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كُرِهَ تَحْرِيمًا، وَهُوَ الْمَحْمَل عِنْدَ إِطْلَاقِهِمُ الْكَرَاهَةَ، وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: أَنَّهُ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ لَا يَثْبُتُ إِلَاّ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَاجِبُ يَعْنِي بِالظَّنِّيِّ الثُّبُوتُ.
ثَانِيهِمَا: الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا، وَمَرْجِعُهُ إِلَى مَا تَرْكُهُ أَوْلَى، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ " الْكَرَاهَةَ ". . . فَحِينَئِذٍ إِذَا ذَكَرُوا مَكْرُوهًا فَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي دَلِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ نَهْيًا ظَنِّيًّا يُحْكَمُ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، إِلَاّ لِصَارِفٍ لِلنَّهْيِ عَنِ التَّحْرِيمِ إِلَى النَّدْبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الدَّلِيل نَهْيًا، بَل كَانَ لِلتَّرْكِ غَيْرِ الْجَازِمِ فَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ (1) .
قَال الزَّرْكَشِيُّ: وَيُطْلَقُ " الْمَكْرُوهُ " عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ.
أَحَدُهَا: الْحَرَامُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {كُل
(1) ابن عابدين 1 / 89.
ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (1) أَيْ مُحَرَّمًا. وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَمِنْهُ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي بَابِ الآْنِيَةِ: وَأَكْرَهُ آنِيَةَ الْعَاجِ، وَفِي بَابِ السَّلَمِ: وَأَكْرَهُ اشْتِرَاطَ الأَْعْجَفِ وَالْمَشْوِيِّ وَالْمَطْبُوخِ؛ لأَِنَّ الأَْعْجَفَ مَعِيبٌ، وَشَرْطُ الْمَعِيبِ مُفْسِدٌ، قَال الصَّيْدَلَانِيُّ: وَهُوَ غَالِبٌ فِي عِبَارَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَنَاوَلَهُمْ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} (2) فَكَرِهُوا إِطْلَاقَ لَفْظِ التَّحْرِيمِ.
الثَّانِي: مَا نُهِيَ عَنْهُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا.
الثَّالِثُ: تَرْكُ الأَْوْلَى، كَصَلَاةِ الضُّحَى لِكَثْرَةِ الْفَضْل فِي فِعْلِهَا، حَكَى الإِْمَامُ فِي النِّهَايَةِ: أَنَّ تَرْكَ غُسْل الْجُمُعَةِ مَكْرُوهٌ مَعَ أَنَّهُ لَا نَهْيَ فِيهِ، قَال: وَهَذَا عِنْدِي جَارٍ فِي كُل مَسْنُونٍ صَحَّ الأَْمْرُ بِهِ مَقْصُودًا. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الأُْمِّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ غُسْل الإِْحْرَامِ مَكْرُوهٌ، وَفَرَّقَ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي قَبْلَهُ: أَنَّ مَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ يُقَال فِيهِ: مَكْرُوهٌ، وَمَا لَا، يُقَال فِيهِ خِلَافُ الأَْوْلَى وَلَا يُقَال: مَكْرُوهٌ (3) .
(1) سورة الإسراء / 38.
(2)
سورة النحل / 116.
(3)
البحر المحيط 1 / 296، وحاشية ابن عابدين 1 / 48 وما بعدها، وانظر جواهر الإكليل 1 / 233.