الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَفْوٌ. ف 18 وَمَا بَعْدَهَا) .
ب - وَإِذَا كَانَتِ الْكَبِيرَةُ سَرِقَةً يَجُوزُ عَفْوُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَنِ السَّارِقِ قَبْل بُلُوغِ الإِْمَامِ، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ (1) ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (سَرِقَةٌ ف 72) .
ج - وَإِذَا كَانَتِ الْكَبِيرَةُ حِرَابَةً وَتَابَ الْمُحَارِبُونَ قَبْل أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ حَدُّ الْحِرَابَةِ مِنَ الْقَتْل أَوِ الصَّلْبِ أَوِ الْقَطْعِ أَوِ النَّفْيِ، لَا إِنْ تَابُوا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْحَالَتَيْنِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ حُقُوقُ الْعِبَادِ مِنَ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَالدِّيَاتِ وَغَرَامَةِ الْمَال فِيمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (حِرَابَةٌ ف 24) .
د - لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحُدُودِ بَعْدَ أَنْ تَبْلُغَ الإِْمَامَ، كَمَا تَحْرُمُ الشَّفَاعَةُ وَطَلَبُ الْعَفْوِ (2) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَاّ أُسَامَةُ حِبُّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَكَلَّمَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَل مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ
(1) السياسة الشرعية لابن تيمية 65، والمغني 10 / 294، 300، 304.
(2)
السياسة الشرعية لابن تيمية 65.
الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا (1) .
هـ - الْعَفْوُ فِي الْكَبَائِرِ الَّتِي فِيهَا تَعْزِيرٌ جَائِزٌ لِلإِْمَامِ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الْعَفْوِ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ قُدَامَةَ مَا لَوْ كَانَ التَّعْزِيرُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ (2) ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (عَفْوٌ ف 32) .
أَثَرُ التَّوْبَةِ فِي انْتِفَاءِ الْفِسْقِ عَنْ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ، وَأَثَرُهَا فِي تَكْفِيرِ الْكَبَائِرِ:
15 -
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ رَأْيُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَصَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ، إِلَى أَنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ لَيْسَ بِكَفَّارَةٍ، وَلَا بُدَّ مَعَهُ مِنَ التَّوْبَةِ؛ لأَِنَّهَا فَرْضٌ لَازِمٌ عَلَى الْعِبَادِ، قَال ابْنُ رُشْدٍ (الْجَدُّ) الْحَدُّ يَرْفَعُ الإِْثْمَ وَيَبْقَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْفِسْقِ، مَا لَمْ يَتُبْ وَتَظْهَرْ تَوْبَتُهُ.
وَذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ إِلَى أَنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِمُجَرَّدِهِ كَفَّارَةٌ (3)، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ
(1) حديث عائشة: " أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 87) ومسلم (3 / 1315) واللفظ للبخاري.
(2)
المغني لابن قدامة 10 / 349.
(3)
لوامع الأنوار للسفاريني 1 / 376، البيان والتحصيل لابن رشد 10 / 149.
فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ (1) .
قَال الْمِنْهَاجِيُّ: التَّوْبَةُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ تُسْقِطُ الإِْثْمَ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا إِقْلَاعٌ، وَنَدَمٌ، وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ، وَتَبْرِئَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ حَقٍّ مَالِيٍّ إِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، كَمَنْعِ زَكَاةٍ أَوْ غَصْبٍ، بِرَدِّهِ أَوْ بَدَلِهِ إِنْ تَلِفَ، قَال ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُعْتَبَرُ رَدُّ الْمَظْلِمَةِ وَأَنْ يَسْتَحِلَّهُ أَوْ يَسْتَمْهِلَهُ، وَهَذَا فِي الأَْمْوَال، أَمَّا فِي مِثْل الْقَذْفِ وَالْغِيبَةِ فَقَدْ قَال الْكَرْمِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْهَا إِعْلَامُهُ وَالتَّحَلُّل مِنْهُ، بَل يَحْرُمُ إِعْلَامُهُ (أَيْ: لِدَرْءِ الْفِتْنَةِ) ثُمَّ قَال الْمِنْهَاجِيُّ: أَمَّا التَّوْبَةُ الظَّاهِرَةُ الَّتِي تَعُودُ بِهَا الشَّهَادَةُ وَالْوِلَايَةُ فَالْمَعَاصِي إِنْ كَانَتْ قَوْلِيَّةً شُرِطَ فِيهَا الْقَوْل، فَيَقُول فِي الْقَذْفِ: قَذْفِي بَاطِلٌ وَلَا أَعُودُ إِلَيْهِ، أَوْ مَا كُنْتَ مُحِقًّا فِي قَذْفِي (2) .
وَهَل مِنْ شُرُوطِ تَوْبَتِهِ إِصْلَاحُ الْعَمَل وَالْكَفُّ عَنِ الْمَعْصِيَةِ سَنَةً؟ قَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مُجَرَّدُ التَّوْبَةِ كَافٍ، وَقَال مَالِكٌ: يُشْتَرَطُ صَلَاحُ حَالِهِ أَوِ الزِّيَادَةُ فِي صَلَاحِهَا.
وَقَال بَعْضُهُمْ: ظُهُورُ أَفْعَال الْخَيْرِ عَلَيْهِ
(1) حديث عبادة بن الصامت: " ومن أصاب من ذلك. . . ". تقدم تخريجه ف14.
(2)
جواهر العقود للمنهاجي 2 / 437، والبيان والتحصيل لابن رشد 10 / 149، والفروع لابن مفلح 6 / 569، وعناية المنتهي للكرمي 3 / 474، ورحمة الأمة 2 / 232.
وَالتَّقَرُّبُ بِالطَّاعَاتِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ بِسَنَةٍ وَلَا غَيْرِهَا (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَقْوَالٌ: فَفِي الْخَانِيَّةِ: الْفَاسِقُ إِذَا تَابَ لَا تُقْبَل شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَنٌ تَظْهَرُ فِيهِ التَّوْبَةُ، ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّل، وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ كَانَ عَدْلاً فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ وَشَهِدَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ (2) .
وَهَذَا فِي الْكَبَائِرِ كُلِّهَا عَدَا الْقَذْفَ فَفِيهِ خِلَافٌ، بَعْدَ الاِتِّفَاقِ عَلَى زَوَال اسْمِ الْفِسْقِ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَل شَهَادَةُ الْقَاذِفِ إِنْ تَابَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ تَوْبَتُهُ قَبْل الْحَدِّ أَمْ بَعْدَهُ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَاّ الَّذِينَ تَابُوا} وَقَالُوا: الاِسْتِثْنَاءُ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ إِلَاّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ذَلِكَ خَبَرٌ، وَلأَِنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْفِسْقِ، وَقَدِ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ، لَكِنَّ مَالِكًا اشْتَرَطَ أَنْ لَا تُقْبَل
(1) شرح زروق على الرسالة 2 / 284.
(2)
حاشية ابن عابدين 5 / 474، ورحمة الأمة 2 / 233 - 235، والميزان للشعراني 2 / 215.