الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأن لا حاجة له في الأوراق، فضاع سفره بغير فائدة، ثم إن أُسكار ملك السويد والنرويج، بعث إلى السلطان، ان يبعث إليه وفدا من أبناء العرب، يسألهم عن أشياء في القرآن، وعن أشعار العرب، وأن يكون فيهم محمد محمود الشنقيطي. فبعث إليه السطان بأن يتهيأ للسفر. فقال: لا، حتى تعطوني مكافأة أتعابي. فغضب عليه السلطان، وأمره بالسفر إلى المدينة.
خروجه من المدينة
تقدم أن أهل المدينة، صاروا يداً واحدة عليه، ما عدا عبد الجليل برادة رحمه الله، فإنه لم يزل يواليه ويحتمله، إلى أن أتفق إنه دخل على جماعة ممن يعاديه. وكان عبد الجليل قاعدا بينهم، فلم يقم إليه أحد منهم، وما قام عبد الجليل أيضا. فقال: هو بال حمار، فاستبال أحمره. فغضب عبد الجليل، حيث جعله حماراً في وجهه، ثم اتهم اتفقوا على إخراجه من المدينة، وكلموا الوالي في ذلك، فبعث إليه: لئن أصبح في المدينة، لأفعلن به كيت وكيت. فخرج ليلا، وشيعه الأديب الفاضل، محمد بن عبد الرحمن القاضي، وأمين برى شيخ الفراشين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وسعد المخرج، رحم الله الجميع. وترك كتبه وجاريته، وعند أمين برى، وسار إلى مصر، ونزل عند نقيب الأشراف السيد توفيق البكري، فأكرم منزله واستأجر له بيتا، وأجرى عليه خمس جنيهات في الشهر، وبعث أحد أعوانه إلى جاريته وكتبه، ومصروف الكل من عنده. ثم جمع عليه شمله، وكان السيد البكري يشرح إذ ذاك أراجيز العرب، فطبعها فلما تم طبعها، ادعى محمد محمود إنه اغتصب شرحه ونسبه إلى نفسه، ورفع عليه قضية، ففشل فيها. والحق أن السيد البكري، لا يعجز عن تأليف مثل ذلك الشرح، وقد ألف ما هو أحسن منه.
على أنا لو فرضنا إنه لمحمد محمود، لكان الواجب عليه أن يتركه له، لكثرة إحسانه عليه. فذلك سبب النفرة بينهما، ثم
خرج من عنده، واتصل بمحمد عبده مفتى مصر السابق، وسعى له في راتب من الأوقاف، قدره خمس جنيهات، ولم تقع بينهما وحشة، حتى ماتا رحمهما الله.
أما مرتبته عندي في الشعر، فإنها تعلم من قصائده التي طبعت في رحلته، فإن كان له شعر كثير، فتلك خلاصته. ومن أسلسها ألفاظا، قصيدته التي هجا بها الأزهريين عموما، وخص منها شيخ المالكية في ذلك العصر، الأستاذ البشرى، ومنها:
فأشلى عَلَىَّ الأزهر اللدَّ بُسلَاّ كأنّ لهم عندي دماء الطوائل
حلائب علم للسباق أعدها
…
سوابقها في الشوط خلف الفساكل
وهجا فيها البشرى هجوا قبيحا. وهي طويلة عددها 131 بيتا. أما قصيدته التي هجا بها البرزنجيين، فليست بشيء، وهي طويلة، ومنها يخاطب السيد أحمد البرزنجي:
رِبَاك في النسب المجهول زاد على
…
رباك في فضةٍ بيضاء أو ذهب
ومنها يذكر زرُّوق باشا، وعبد الجليل براده، رحمهما الله تعالى:
زروق والذيخ برادة قد ارتضيا
…
أن تدخل النار ذات الجمر والحطب
ويدخلا النار مَعْكَ لاتفاقكم
…
على أباطيل من غيّ ومن شغب
إذ أنتم حزبُ شيطان ضعيف قوي
…
يقتادكم في فيافي الجهل والتبب
وله قصيدة في هجو عبد الجليل براده، والسيد أحمد البرزنجي، وغيرهم ممن شاركهم في تلك الشحناء، وعددها 142 بيتا، ومطلعها:
أحنُّ إلى الرسول فيعتريني
…
إذا ليلى دجا ما يعتريني
وله أيضا قصيدة أخرى في هجوهم، عددها 120 بيتا، ومطلعها:
صراط العلم نستبق استباقا
…
وشأو الجهل نجتنبُ السباقا
ومما هجاه به عبد الجليل أفندي براده، ينتصر للقاضي عياض لما غلطه:
يا أبا الفضل إن يكن ساء قولٌ
…
لجهول من شأنه الازدراءُ
زور قولٍ به تبجَّحَ جَهلا
…
تركزيٌّ له الحماقة داءُ
تركزيٌّ بكل خِزي مليٌّ
…
شأنهُ العُجْبُ دأبُهُ الافتراءُ
ليس يدرى بأنه ليس يدرى
…
وله الحُمْق عادة والمراءُ
ظنَّ منْ حُمْقهِ بأن عياضاً
…
عاكشٌ خاب ظنهُ والرجاءُ
كلُّ من رامَ أن يُخطّئ قَوْلا
…
لك ذاك الغبيُّ والخطَّاءُ
يا أبا الفضلِ أنت للفضلِ أهلٌ
…
ولك الفضل شيمةٌ والوفاءُ
ولك الفخرُ بالمشارق أضحى
…
شاهداً والشفاءُ نعم الشفاءُ
ومساعيك بالمآثر أمستْ
…
مالها في قبيلها أكفاءُ
لك بحرٌ من العلوم عميقٌ
…
لم تكدّرْ صفاَء ذاك الدلاءُ
ولقد قام نصرةً لك مِنَّا
…
عندَ دعواكَ مَعْشرٌ خُشَناءُ
نصروا الحقَّ بانتصارِكَ حق
…
لاحَ ما فيهِ للعيونِ خفاءُ
لم يكونوا أبناَء درزة كلاّ
…
لا ولا قطُّ أسلموا من جاءوا
نصرةُ الحقّ دينهمْ من قديم
…
ليس فيها على الدُّهور امتراءُ
فلامٌ عل ضريحكَ مِنَّا
…
وثناءٌ وَرَحمةٌ وَدَعاءُ
وقال أيضا:
متى تسألوا شنقيط عن شرّ أهلِها
…
تجبكم بأعلا الصَّوْتِ تُرْكُزْ تُرْكُز
فتركُزُ في شنقيط شرُّ قبيلةٍ
…
لدائرَةِ اللؤمِ المحيطةِ مركزُ
ومنها في تعداد مساوئ محمد محمود المذكور:
وللفخرِ فخرِ الدين قام منقصاً
…
يُكرّرُ تُفْ تُفْ لا يبالي ويهمزُ
وفي مصرَ للكفارِ قام مفضِّلاً
…
على أهلها في نظمِهِ الرّذلِ يُلْغِزُ
ومنها:
وما العلم إلا ما يَزين لأهله
…
ويهدى وعن قبح الأفاعيل يَحْجِزُ
وهي طويلة، وله من أخرى:
أوْصتْ بنيها تُرْكُزٌ بوصيةٍ
…
يا بئسَ ما أوصت به أبناَءها
شنقيطُ فيها التركُزِيُّ مُحَقَّرٌ
…
يدرى بذلك كلُّ من قد جاَءها
وابن التلاميذِ الخبيثُ التركزي
…
أخزى شناقطةَ البلاد وساَءها
هو لحمةٌ لا منْ زوايا أرض شن
…
قيطٍ ولا حَسانِها أمراَءها
وعلى الذين لهم عليه مِنَّةٌ
…
مُتسلط لا يأتلي إيذاَءها
واللهِ لوْ قُسمَ الذي فيه على
…
كلّ التراكزِ مِلْمَساوي ناءها
ومنها:
يا ابن التلاميد الذين لهم على
…
رَكَب الفتاةِ توائُبٌ ما ساَءها
حلفتْ تقُولُ لمن يلومُ على الخنا
…
غيرُ التلاميدِ امرؤٌ ما جاَءها
وقد أرَّخ موته أحد أدباء المصريين. يقال له: كامل، وكان يعاديه. فلما بلغه موته، نظم أربعة أبيات، وبعثها إلى بعض المجلات فنشرتها، ونشرت موته هو أيضا، وقد لقيته بعد المغرب، فأنشدني الأبيات، ومات في الليلة القابلة من غير علة. ومطلع الأبيات:
مات الإمام التركزي وانقضى
…
وبموته مات السبابُ والشغَبْ
وضاع مني غيره، إلا موضع التاريخ وهو آخرها:
أمات الله سراق الكتُبْ
تتميم لما تقدم من قصائد، قد أمليتها ناقصة لطول عهدي بها، وبعد طبعها وردت علىّ، فأحببت تتميمها، لتحصل الفائدة لمن يحب الاطلاع عليها، وهذه قصيدة ابن رازكة، المترجم في أوَّل الكتاب، وتقدم بعضها يمدح بها سيدي محمد العالم ابن السلطان مولاي إسماعيل:
دع العِيسَ والبيداَء تذرَعُها شطحا
…
وسمها بُحُورَ الآلِ تسبَحها سبْحا
ولا ترْعها إلا الذميلَ فطالما
…
رعت ناضرَ القيصوم والشيح والطلْحا
ولا تصغِ للناهينَ فيما نويتَهُ
…
وخفْ حيثُ يخفى الغِشَّ من يَظهِرُ النُّصحا
فكنْ قمراً يفرى الدُّجى كل ليلةٍ
…
ولاتكُ كالقُمْرِّ يستعذبُ الصَّدحا
وقارضْ همومَ النفس بالسيرِ والسُّرى
…
على ثقةٍ باللهِ في نيلِكَ الربْحا
وأمَّ بساطَ ابن الشريفِ محمدٍ
…
مبيدِ العدا ذكراً ومبدي الهدى صبحا
فتيً يسعُ الدنيا كما هي صدْرُهُ
…
فأمسى به صَدْرُ الديانةِ مندَحَّا
ومَنْ هدْيُهُ ساوى النهارَ وليلهُ
…
فأمسى ينيرُ الخافقينَ كما أضحا
ومن هو غيثٌ اخضَلَ الأرضَ رَوْضُهُ
…
فلا يظمأُ الآوِى إليه ولا يضحى
وليثٌ بحقِّ الله لم يُبقِ رُعْبُهُ
…
عُواءً لكلبِ التُّرهاتِ ولا نَبْحا
هِزَبْرٌ عدا في شِرْعةِ الرمح والعدا
…
غَدَوْا بَقَراً يستعملُ النحرَ والذبحا
أميرٌ ملوكُ الكفرِ أضحوْا لِسيفهٍ
…
كما تتبغّى الذبحَ في عيدَها الأضحى
تزيدُ على الفاقاتِ فيضاتُ كفهِ
…
فيَغرَقُ في التّيارِ مَن يأملُ النَّضحا
فأيُّ مُنىً لم نرْوَ مِنها فإن تكنْ
…
فمحرُومةٌ أن تُبرِدَ الظمأ البَرْحا
فلا تَرُمِ التشبيهَ فيهِ فقدْ جرى
…
معَ الظاهر المُدئى إلى السكَّرِ الملْحا
سعى وسعوا للمكرُماتِ فأقصرُوا
…
ولم يرضَ حتى استكمل الكرَمَ القُحَّا
وفلَّقَ فيهمْ بيضةَ المجدِ قاسِمٌ
…
فناوَلهمْ قَيْضاً وناولهُ المُحا
فتى يستقلُّ البحر جود بنانِهِ
…
على حالةِ استكثارِ حاتمٍ الرَّشحا
مساعيهِ في الخطب الجليل يرُومُهُ
…
كآمالِ منْ يرْجُوهُ تستصحِبُ النُّجْحا
صِفاتٌ كَدُرِّ البَحرِ صَفواً ولجّهِ
…
حِساباً فمن يأتي على مائهِ مَزْحا
وآياتُ عِلمٍ أغمدَ الجهلَ نُورُها
…
وغاياتُ جِدٍّ ليس تطلا بُها مَزْحا
ورأىٌ يُرِيهِ اليوْمَ ما في حشا غدٍ
…
ويكشِفُ عنهُ من دُجى ليلهِ جنْحا
وَحَزْمٌ يَهُزُّ الراسياتِ ثَباتهُ
…
وعزمٌ يُحاكى الزندَ ماضِيُّهُ قدحا
وكفٌ تُرِى وكْفَ الحيا كيف ينهمى
…
إلى خُلُقٍ يُرِى نسيمَ الصَّبا النفحا
وبشرُ مُحيًّا عَلّمَ الصُّبْحَ ما السَّنا
…
وقبْضٌ أَرَى النارَ التأجُّجَ واللفْحا
وتأليفُهُ أشتاتَ كلِّ فضيلةٍ
…
ومكرُمةٍ غرَّاَء تعجزنا شرْحا
كفانا اتخاذ الفالِ في القصدِ يمنُهُ
…
فلسنا نخطُّ الرمل أو نضربُ القِدْحا
مهيبٌ مخوفٌ بطشُهُ تحتَ حلمِهِ
…
عَفُوٌّ يَرى إلا عن الباطلِ الصَّفْحا
فهلْ كان معزوًّا إلى الحلم قبله
…
نعمْ أو كريم يدَّعى غيرَهُ سَمْحا
فأقدمَ حتى فارق الجُبنَ صافرٌ
…
وجاد إلى أن عاف مادِرٌ الشُّحا
ولم تُذْعِنِ الأعداءُ محضَ مودّة
…
إليه ولكنْ إنما كرهوا القرْحا
رأَوْا ضيْغَماً يعطِى الحروب حقوقَها
…
وإن تضع الأوزارَ يُبْرِمْ لها صلحا
ويستغرِقُ الأوقات في الجِدّ كلها
…
ولا يَهبُ التلعابَ ما يَسعُ اللمحا
مواصلةٌ حَبْلَ الجهادِ جيادُهُ
…
ووقفاً على غَزْوِ العِدى عَدْوها ضبْحا
معادِيهُ مُعظّى بالحياةِ منيةً
…
وبالجنةِ الأخرى وبالسُّندس المُسحا
أبا ابنُ أميرِ المؤمنينَ وسيفُهُ
…
وصمصامه أن يرفَع الضربَ والنطحا
تُشابههُ خَلْقاً وَخُلُقاً فسامِهِ
…
إلى الفَلَكِ الأعلى فإنكَ لا تُلْحا
تهندستِ العليا فأحرَزت جسمها
…
لإحرازك النقطاتِ والخطّ والسَّطحا
فكم من حديثٍ كان يُسندُ للندَى
…
ولكنهُ لولا نوالكَ ما صَحَّا
فأعطيتني الأعيان والعين والكِسا
…
وبيض الظبا والنُّوقَ والخيل والطِّلْحا
فلا زلتَ للإسلام عيداً منغّصاً
…
تنغصُ حسناء السَّعانين والفصحا
أبوك لحكم الشرع ولاك عَهدَهُ
…
فلم تَلْقَ كدًّا للسؤالِ ولا كدْحا
وأعطاكهُ إذ ليس غيرُك أهله
…
وللعقلِ نورٌ مَيَّزَ الحسنَ والقُبْحا
كفى دُرَّهُ فخراً تحليكَ سمْطَهُ
…
وَمنْعكهُ تلك المعزَّةَ والقدْحا
فأهدى إليكَ الدهرُ بلقيسَ ملكه
…
وأبدى لك الكرسيّ والعرش والصرحا
وولاّكَ ربُّ العرشِ ملك بقاعِهَا
…
وأصحبَكَ التمكينَ والنصرَ والفتحا
إليك بها يا كعبة المجدِ كاعِباً
…
من الشعرِ لا تسطاعُ أركانُها مسحا
إذا شهدَتْ زَكَّى الأعادي حديثها
…
وإنْ أثْخَنَتْ عَنَّا قلوبُهُمُ جَرْحا
أكلّفُها فرْضَ المحالِ أَداَءها
…
لِشُكْرِ نَدًى لا ينتهي مُزْنُهُ سَحًّا
فخذها ابنةَ الحاءِ التي الحمد مبتدا
…
لها وبها خلاّقُها كمّلَ المَدْحا
وقال أيضا يمدح المولى محمد العالم المتقدم:
أثارَ الهوى سجعُ الحمامِ المُغَرّدِ
…
وأَرَّقني الطَّيفُ الذي لم اُطرّدِ
ومسرى نسيمٍ من أكينافِ حائلٍ
…
وَبَرْقٍ سَقى هاميهِ بُرْقَةَ ثَهْمِدِ
وذكر التي بالقلب خَيَّمَ حُبُّها
…
وألبَسني قَهراً علالة مُكمَدِ
فبتُّ أقاسي ليلةً نابغيّة
…
تُعرّفُني هَمَّ السَّليمِ المُسَهّدِ
طويلةُ أذْيالِ الدُّجى دَبَّ نْجْمُهما
…
إلى الغرْبِ مَشْىَ الحائرِ المتردّدِ
وَيُزْعجُ وُرَّادَ الكرى دون مُقلتي
…
بُعُوثُ غَرَامٍ من لدُنْ أُم مَعْبدِ
بنفسيَ عُرْقوبيةُ الوَعدِ ما نَوَت
…
وإن حلفتْ قط الوفاَء بمْوعدِ
تَرُد إلى دين الصبابة والصَّبا
…
فؤادَ الحليمِ الرَّاهِبِ المُتعبّدِ
وَيقصِدُ في قتلِ الأحبةِ قُرْبةً
…
بشرْعةِ دَيَّان الهوَى المُتأَكدِ
فتاةٌ حكاها فرْقدُ الجوّ مَنظراً
…
كما ناسَبتْها نظرَةً أُمُّ فَرْقدِ
مُهفهفةُ الكشحَينِ لم يدْرِ طرْقُها
…
مِنَ الكُحُلِ الخْلقيّ ما كُحْلُ إتمِدِ
إذا ما تثنَّتْ واسْبَكرَّ قَوَامُها
…
عَلِمْتَ بأنّ البانَ لم يَتأَوّدِ
وخاطبَ قاضي شِرْعة الشكلِ رِدْفُها
…
إذا ما أقامَ العِطْف منها بأقْعَدِ
غَضُوبٌ أَرَتْهَا نِخْوَةٌ في عِظامِها
…
أنِ الوَصْمَ وَصْل العاشِقِ المُتَودّدِ
على نَحْوِها تأبى الخليلَ تأنُّفاً
…
وَشُحًّا برَشْفٍ منْ لماها المُبرَّدِ
إذا ما تَرَضّاها تَسَامَتْ بأنفِها
…
صُدُوداً وسامَتْني تَجَرُّعَ جَلْمَدِ
وَأَحْرَقَ صدْرِي مازَها فوْقَ نحْرِها
…
وَأشرَقُ منْ جمرِ الغَضى المتوَقِّدِ
سَبتني فقبَّتْتُ الثرَى مُتَخلّصاً
…
أَمَامَ امتدَاحِ ابنِ الشرِيف محمد
هوَ الوارِثُ الفضْلَ التبئيّ خالصاً
…
منَ العِلم والعَلْيا ومن طيبِ مَحْتِدِ
ثِمالُ اليتَامى والأيامى مُوَكّلٌ
…
بتفْرِيجِ غَمَّاءِ الشَّجِي المتنكّدِ
غَيُورٌ إذا ما الحقُّ غيّرَ مُولَعٌ
…
بقَطعِ لسانِ الباطِليّ اليَلَنْدَدِ
أدِيبٌ أَرِيبٌ ليّنُ الجَنْبِ هَيّنٌ
…
ولكنْ متى عادى فأيُّ مُشَدِّدِ
إذا كشفَتْ عَنْ ساقِهَا الحرْبُ وَالتَظتْ
…
وَساوَتْ صَدُوقَ الملتقى بالمُفنَّدِ
سَقى الرُّمْحَ من نحرِ العَدُوِّ فدَيْتُهُ
…
وقامَ بحق المَشْرَفيّ المهَنّدِ
أَغَرُّ المُحَيَّا طاهرُ البشرِ طاهِرُ السَّ
…
جايا كريمُ اليوْمِ وَالأمْس وَالغدِ
جَزِيلَ النَّدى ما أَفَّ في وجهِ حاجةٍ
…
ولا كفَّ حاشا جُودَهُ كفَّ مُجتدِ
كِلَا الدِّينِ وَالدنيا به ازْدَان وَازْدَهي
…
وَأَمَّنَ شرَّ المُبِطل المتمرِّدِ
فرِيدُ العُلى يقْوى لِرِقةِ طبعِهِ
…
عَنِ الجمعِ بينَ النارِ وَالماءِ في يدِ
حَمِيدُ المساعي سارَ في الرتَبِ العُلى
…
مِنَ المجدِ سَيرَ الفائقِ المتفرد
تُسَاعِدُهُ في ذاكَ نَفْسٌ نفيسةٌ
…
تَعُدُّ الثُّرَيّا للفتى غيرَ مصْعَدِ
دأبتُ على السيرِ المبرّح والسُّرَى
…
أجُوبُ الفيافي فدْفداً بعد فدْفد
مَهامهَ للسارِينَ فيها توقُّعٌ
…
لأهْوَلِ أُغْوَالٍ طواغيتَ مُرَّدِ
يطيرُ لما يُبْدِينَهُ من تلونٍ
…
شَعاعاً فؤادُ الضابطِ المتجلدِ
إلى حضرَةٍ سنيّةٍ حَسَنيّةً
…
منيرَةِ آلاءِ الهدى المتصعدِ
حَوَتْ شَرَفَ العِلمِ الرفيعِ عِمَادُهُ
…
إلى شَرَفِ البيتِ الكريمِ المصمّدِ
فما تمَّ إلا ثمَّ فضلٌ ولا استَوَى
…
سِوى ما تحلّتْ من كمالٍ وسُؤدَد
وَبحرُ ندّى ما لِلْفُرَاتِ انسِجامُهُ
…
وَدِجْلةُ لا تَحكيهِ فُسْحةَ مَوْرِدِ
فأعْتادُ منهُ ما تَعَوَّدْتُ منْ يَدَيْ
…
أبيهِ أميرِ المؤمنين المؤيدِ
هُما والدٌ ما تَوَّجَ الملكُ مِثلَهُ
…
وَمَوْلودُ صِدْقٍ بالمكارم مُرْتد
عَظيمانِ مَعْنِيان بالدينِ وَحدَهُ
…
فأعْطتهُما الدًّنيا سُلالةَ مِقْوَدِ
فلا بَرِحا بدْرَيْنِ عَمَّ سَناهُما
…
وَبحْرَينِ لا يعدُوهما قصدُ مُجتد
أمكنهُ من بكرِ شعرٍ خرِيدةٍ
…
نتيجةِ فكرٍ سَلْسَلِ الطبعِ جَيِّدِ
عَرُوبٌ عروسُ الزيّ أندَلُسِيةٌ
…
مِنَ الأدَبِ الغَصّ الذي روضه ند
مِن اللاءِ يستصبين مينَحْنُ عَنْوَةً
…
ويَعْهدْنَ في الحرَّاقِ أطيَبَ مَعْهَدِ
ويسلبنَ معقولَ ابنِ زَيدُون غِبْطةً
…
بأسْلوبِ ما يَسقين من خمرٍ صرخَدِ
مُهَذّبةٌ يَستمْلحُ الذهنُ سرَّها
…
ويستعْذبُ استرسالها ذوق منشِد
ترقّتْ لما فاقَتْ وَراقَتْ تبرُّجاً
…
على مُعْتلى بُرْج البديع المشيّدِ
وجانَستُهَا لفظاً ومعنىً كما اكتستْ
…
نقِي السّيَرَاءِ البَضَّةُ المُتجَرّدِ
وقيّدْتُ فيها غِزلةً لا ينَالُها
…
سوابقُ فكرِ السابقِ المتصيِّد
وَأَودعْتُهَا مما ابتدَعْتُ خُلاصةً
…
يُبَادِرُها بالمدْحِ ألسُنُ حُسَّدِي
تمنَّى العذارى لوْ تقلّدْنَ سِمْطَها
…
مكان عقودِ الزِبرِجِ المزبَرْجَد
وزخرفتها في معرَض المدْح روضة
…
لِتُسقى بويلٍ من نداهُ مُسرْمَد
رَوي أُنُفاً زان الندى صفحاتِها
…
وقلّدَها أسلاكَ دُرٍّ مُنضدِّ
أرَتْ من رَياحينِ الثناءِ أنيقَها
…
ومنْ زَهَرِ الآدابِ ما لم يُخضَّدِ
هديّةُ مَنْ كسرَى وقيْصَرُ عِندَهُ
…
من النزْرِ في ذاكَ المقامِ المحمدي
تَخادَعْ وإن كنتَ اللبيبَ لِبَهْرَجي
…
ولا تنتِقدْ يا سيدي وابن سيّد
يميناً بما أوْلاكَ موْلَاكَ من عُلاً
…
وَعِزّ حُلاُ فاتَتْ بَنان المعَدّدِ
لطابقَتَ وَسْمَ الفاطِمِيّ وسَمْتَهُ
…
فأهلاً وسَهْلاً بالإمامِ المجدِّدِ
تَهنّأ على رَغمِ الحسودِ وَذُلّهِ
…
لذاك الكمال الصَّرفِ واسْعَدْ واسْعِد
وأبجح واهلِكْ واملِك الأرضَ كلّها
…
فأنتَ وليُّ العهدِ وأغْوِرْ وأنجِدِ
وشرّقْ وغَرّبْ فالبلادُ مشوقةٌ
…
بما سوف نُحبي وأشكرِ الله وأحمد
وقال محنض باب بن اعبيد الديماني، الذي تقدمت ترجمته، يخاطب حرم ابن عبد الجليل العلوي، الذي تقدمت ترجمته ايضا، فيما وقع بينهما في مسألة الحبس التي تقدمت:
دعِ المدْحَ يغدُو في مسارحه يرعى
…
ولا ترعه إلا كَلاً طيّبَ المرْعى
ولا تمنَحِ المدحَ المهذّبَ غيرَ مَنْ
…
له ربهُ قد طيبَ الأصلَ والفرْعا
فعَمّمْ به في إبدَوَعْل وخصّصَنْ
…
بنَي شيخنا قاضي القضاة تجد مرعا
فإِنّ لهمْ في سالف الدهرِ رُتبةً
…
عَلَتْ بعليٍّ تَفْرَعُ المرتقى فرْعا
تمادتْ فما تنفكُّ ثمَّ كواكبٌ
…
تضِيءُ لياليها حَنادسَ أو دُرْعا
لهمْ من هجانِ الفكرِ أيُّ نجائبٍ
…
تجوبُ قِفارَ العلمِ تذرعُها ذرْعا
نجائبُ إن ندّتْ أوابِدُ مُشكِلٍ
…
من العلم شلّتها فتتركُها صَرْعا
فلسنا بحمدِ الله بجحد فضلَهمْ
…
وجاحد ضاحي الحق يصرعُهُ صرعا
فجدُّهمُ أستاذ تاشمش كلّهمْ
…
قد ارتضعوا من علمه الخلف والضرعا
فحُقَّ علينا نصرُهْم واحترامُهمْ
…
وتوقيرُهمْ ما أنبتتْ تُرْبةٌ زَرْعا
لقدْ هالني من وجدِ حرْمَةَ شيخِهمْ
…
عَلىَّ شَجًا لا أستطيُع له جرْعا
هنيئاً مريئاً سَلْسَلاً ما بدا لَكم
…
مِن القوْلِ ما باحَتْ إجازَتَهُ شرْعا
لئن كنتُ قد بُلغّتُ عنكم مقالةً
…
فإِني وربي لا أضيقُ بها ذَرْعا
فإِنّ لكم حُرْمةُ الشيخُ حُرْمةً
…
لدينا لها من تالِدِ الحلم أن تُرْعى
وما كان ظني أن إيضاح مُشكِلٍ
…
تنازعَ فيهِ الناسُ تجعلُهُ قَذْعا
رُوَيْداً فما فيما كتبتُ اهتضامُكم
…
وَإنْ تنصِفوني في المقالِ فلا بْدعا
فإِنكم الأشراف الانضاف شأنُكم
…
وكلُّ خصالِ الحمدِ كان لكم طبعاً
وإني لأرجو أن أنالَ رضاكمُ
…
يرجو ولوجَ البابَ مَنْ أدْمَنَ القَرعا
وقال حرم بن عبد الجليل العلوي يجيبه:
إذا صاحَ بازٍ كاسرٌ تَرَكَ السَّجْعا
…
حمام غصون الأيْكِ إذ يختشي الفَجْعا
عجَمْتُمْ أساليبَ الفصاحةِ فاصطفت
…
قرائحكم أسنا أساليبها فرْعا
فأهْدَيْت منْ حَوْكِ البلاغةِ حُلّةً
…
تُحلى مجيداً وَشْيُها الفكرَ أو دِرْعا
يترْجمُ لي عَنْ جَوْدَةِ الطبع وشْيُها
…
فقد جاَء وِتراً لا أطيقُ له شفْعاً
تدِبُّ حُميَّاها لذي الذوقِ والذَّكا
…
إذا قرَعَتْ من منشدِيها لهُ سَمْعا
فلا يحسُنُ العِقدُ النفيسُ جواهراً
…
إذا لم يكنْ في جيدِ غانيةٍ تَلْعا
فإِنكم الأكفا لما قدْ زَفَفْتُموا
…
فمْهرٌ يُواتيها أضيقُ بهٍِ ذَرْعا
بنَو يُؤقِبنَّ اللهِ مؤثّلُ مَجدِهِمْ
…
تَطاوَلَ حتى كاد يخترِقُ السَّبْعا
وخُصَّ بني إذ بارك الله فإِنهمْ
…
حموْا بيضة الإسلام أن تختشي صدعا
فقُطبُ رَحاهمْ وهو بابُ هُدَاهُم
…
مَحَمْ جامعُ الخيراتِ في بابه جمعا
لقدْ وَلجتْ أبوابهُ كلُّ حلقَةٍ
…
تعاني أصولَ الدين والأصلَ والفرعا
فواضلهمْ دأباً غوادٍ روائحٌ
…
فشانِئُهمْ لا يستطِيعُ لها دَفْعا
مناقبهمْ تثنى عليهمْ فمدْحُهمْ
…
حديثٌ معادٌ لا يزيدُهُم رَفْعا
يَغُرُّون بالِحلمِ العدوَّ وَرُبما
…
إذا قمعوهُ عنْ حِمىً أحسنوا القَمْعا
إذا اخْتلَفَ الأقوامُ في حَلّ مشكِلٍ
…
رَعى بعضهم ما لم يكنْ غيرُهُ يَرعى
فقلْ ما ترَى واترُك سواكَ وما يَرَى
…
فتخطئةُ المخطينَ أو غيرِهمْ شنْعا
فهلْ كانتِ الأسلافُ يجبرُ بعضُهمْ
…
سِواهُ على أمْرٍ يرَى غيرَهُ شَرْعا
فلوْ كنْتَ خَطأتَ المقدَّمَ أحمداً
…
لَصدْتَ القَرَى والصَّيْدُ في جوفهِ صَرعا
وإذ طاشَ منكم تالِدُ الحِلم غفلةً
…
بطارفهِ أمسكْتُ إذْ سمتني قذعا
جَري بيننا في راجع الوقف ما جرى
…
ومنشئنا أدْرى بأحسننا صُنْعا
أرِحْ منْ تعاطِيهِ لسانَكَ إنه
…
حَظيرةُ أبناءِ الأمينِ التي ترْعي
وخضْ في حديثٍ غير ذاكَ ولا تعُدْ
…
لذِكرٍ لهُ ما أسْبَلتْ مُزْنَةٌ دَمْعا
وما ارْتادَ قَوْمٌ مسنتُونَ لِقُوتِهمْ
…
وضيفانِهمْ بالزرعِ أو غيرِهِ زرْعا
دُعاءٌ بأبياتِ الخفيفِ جَوابُهُ
…
علىَّ خفيفٌ لكنِ الصفْحُ لي أدْعا
ولسيدي محمد الشيخِ سيديّ الذي تقدمت ترجمته، يخاطب أباه:
يا سيدي إني فِدَاك اللهَ بي
…
جاري الحما عنه لي من مذهبِ
أطنابُكم موْصولةٌ بطنُب
…
لحقّ ذي القرْبى وحقّ الجنبِ
وإنني قِنٌّ لكم لم أشَب
…
وذو انتسابٍ لست بالمؤتَشَب
وذو تعلُّقٍ وذو تحبُّبٍ
…
وذو تملُّقٍ وذو ترَبُّب
وسائلٌ وذاك غيرُ مَشْعب
…
لكنني في نيلِكم كأشعبِ
وكم حقوق لي لم أأنَّبِ
…
إنْ قلتُ أهلها بهم أوصى النبي
لا أنّ إلى منكُم لم يُرْقَبِ
…
غمصاً لما من فضلكم عُلّقَ بي
لكن عدا بي الطوْرَ توْقُ رقبي
…
مِن نسبتي لكم لأعلى مَرقَب
وأحمد الله فلو لم أنَسب
…
إلى حماكم في الورى لم أحسب
ولم تجدْ ركائبي منْ مضرِبِ
…
في مشرق الأرض ولا في المغرب
نعم كفاني لامتلاء جُرُبي
…
علمي بكم ورؤيتي وَقُرُبي
في جَنب ذلك هَباً عندَ هبى
…
ملءُ البرى من فضةٍ وذهب
أمّي فِدَاكم بعدَ أن يُبدأ بي
…
وبأبي لو أن غيرَكمْ أبي
ووجنتي لنعلكم في التيْرَبِ
…
وِقايةٌ من شوكةٍ وعقرب
مَنِ ادّعى عنكم غنىً في مذهب
…
إني إلى مذهبهِ لم أذْهبِ
أمَا دري من جهلهِ المركّب
…
بأنه سوى العمى لم يركبِ
فإنه لولاكمُ لم يُضرَبِ
…
له بسهمٍ ما أقلَّ مَضرَب
ولم يزلْ حياتَهُ في تَعَبِ
…
ولم يزِنْ بين الورى من زَغب
وعذره الجهلُ وعلم الحدب
…
منكم له أدى لسوءِ الأدب
وما على عالي الذرا من نصب
…
في هبَّةِ الصَّبا وَرَمْيةِ الصَّبي
وكيف أغنى عنكمُ ونسبي
…
ونشبي منكم ومنكم حسبي
ومنكمُ دفعي ومنكم جلبي
…
ومنكمُ درعي ومنكم يَلبي
وأسَلى وقضُبي ومَوْكِبي
…
وجَحْفلي وعضُدِي ومَنكِبي
ومعقلي وملجئي ومهرَبي
…
وملبسي ومأكلي ومَشرَبي
ومَركبي وقرَبي وَقرَبي
…
وطاعتي وَزُلَفي وقُرَبي
ومنكم راحي ومنكم ضربي
…
وراحتي منكم ومنكم طرَبي
وجَبْرُ كَسرِيّ وجَبْرُ حَرَبي
…
وبُرْءُ دَائيَ وَبُرْءُ جَرَبي
وأنتمُ وسيلتي وسببي
…
لما إليه وجهتي وخببي
وأنتمُ دَرِيئتي من لهبِ
…
نارِ لظى يومِ اشتدادِ الصَّيْهب
أمْ كيف يَغنَى عنكم ذو أرَب
…
لربه منْ عجمٍ وعرَبِ
ومالك الملك الذي لم يُغلب
…
وفضلهُ إن يعطِه لم يُسلَب
والفعل منه عنه لم ينقَّب
…
وحكمه في الكون لم يعقَّبِ
ولاّ كُم من اجْلِ ميراثِ النبي
…
أمرَ الورى مِنَ اقربٍ وأجنبي
رحبُ الفَضا لولاكمُ لم يرحُب
…
ولم تُجَدْ جُزْرٌ يغُرّ السُّحب
وإن يَصِبْ صَوبُ الحيا أو يَصِب
…
لم يُحيى ميتا دونكمْ ويُخَصِب
والدَّرُّ لولا رَغيكم لم يُحلب
…
والدُّرُّ لولا سِعْرُكم لم يُجلب
إذْ لرحى الأكوان حقُّ القُطب
…
أنتمْ وهل تغنى الرحى عن قُطب
فليؤمنِ الحسودُ أو يكذِّبِ
…
ما طُرُقُ الحق كطرُقِ الكذب
وأنتمُ غوْثٌ وغيْثُ المجدِب
…
والنادب الملهوف والمنتَدِب
ألفيتمُ الذين بقُطرِ المغرب
…
طارتْ به في الجوّ عَنْقا مُغرب
وَرَسمهُ عفتْهُ هُوجُ النُّكب
…
ولم تُعجْ له صدُورُ الرُّكب
شدَدْتمُ دُعُمَ كلِّ خَرِبِ
…
منهُ فلمْ يُهْدَمْ ولم يَضطرِبِ
وعنه ذُدْتمْ بشبا ذِي شُطب
…
يُجرّعُ البُغاةَ كأسَ العطب
مَهْما يَسمْهُ الخسْفَ ضَخْمُ القبقَبِ
…
قالت سيوفُ الحق فيه قبقَبِ
فبزغت شمس الهدى في الغيهبِ
…
فابَيضَّ كلُّ أبْيضٍ وأكهَبِ
مُشْرقةً في نورِها المحتجبِ
…
تبارك الله كأن لم تجبِ
من نوره استمدَّ نور الشُّهُبِ
…
فلاحَتْ اسْعُدُ السنين الشُّهُبِ
فطابتِ الحالُ التي لم تَطِبِ
…
وأرطبَ العيشُ الذي لم يُرْطِب
وآض صابُ الدهرِ بنْتَ العِنَبِ
…
واعتاضَ نابهُ ببرْدِ الشنَبِ
بورك فيكُم وفي مطيّبِ
…
ما حُزْتمُوا من طيبهِ المطيّبِ
والله يُبقيكم لنفي الرّيَبِ
…
ونفعنا منْ حاضرٍ وغيَّبِ
وعن سبيل الأبطحيّ اليَثْرِبي
…
جزاكم خيرَ الجزا خيرُ رب
أدْعوهُ في كمالهِ المستوْجب
…
أني متى أدعَّهُ يَستَجبِ
مؤمناً إن غيره لم يهبِ
…
ولا يقي في رغبٍ أو رَهبِ
بالاسم الأعظمِ ومآلهُ اجتبي
…
من صفةٍ واسم وآي الكتب
والأنبياءِ كلّهمْ والنُّخَبِ
…
من رُسلهمْ والمصطفى المنتخب
والآلِ والأصحابِ والمنتسِب
…
والأوْليا والمؤمن المحتسِبِ
وبالملائكة والمقرَّبِ
…
ورُسلهمْ من اقربٍ فأقربِ
أن يُوليَ الرضى الذي لم يُعقَبِ
…
بِسَخَطٍ لكم وطولِ الحِقَبِ
وأن يزيد من عوالي الرُّتَبِ
…
مقامَكمْ دون عنيً ورَتَبِ
وأن يَقي نِعَمَكم منْ سَلَبِ
…
وأن يقيكمْ شرَّ كلّ مِخلَبِ
وحاسِدٍ وراصِدٍ مُرَقّبِ
…
ونافثٍ وغاسِقٍ إنْ يَقِبْ
وعائنٍ وخائنٍ مُختلِبِ
…
وهاتِكٍ وفاتكٍ مستلب
وأن يُبارك لكم في العِقب
…
منكم فيَحظى بثباتِ العَقِبِ
ومنه جَلَّ وهو مولى الرَّغَبِ
…
وفاطِرُ السَّبْعَين دون لَغبِ
أرجو بكم نيلَ جميعِ أرَبى
…
ودرك هملاج هوادِ الربرب
وفوزِ سُهماني بكلّ مَطلَبِ
…
قَصَّرَ عنه كلُّ ماضٍ قُلّبِ)
وَحَمليَ العِبَء بصلْبٍ صُلَّبِ
…
وكونَ بَرْقى غيرَ بَرْقٍ خُلَّب
ومتحِيَ الغربَ بأقوى الكرَب
…
وأن يُفَرّجَ تعالى كُرَبي
وأن أفوتَ درك كلّ طلبِ
…
وأُدرك المطلوبَ دون طلب
وأحرزَ الخَصْلَ بغيرِ تَعَبِ
…
وَأَخْرُزَ الخرْقَ بغيرِ مشعَب
ويستقيمَ عرَجي ونكبي
…
واركبَ النَّجاةَ خَيرَ مَركب
وَتُبْرِدوا من غُلَّتي بِنُغبِ
…
من ثلْجِكم تُزْرِي ببْرِدِ الثغَب
وتسمحوا بنظرةٍ من حَدِبِ
…
بها يقومُ أوَدُ المحدَوْدِب
وتنفحوا بنفحةٍ من طيّبِ
…
طيبكم المطيِّبِ المطيبِ
وتنشِلوا بجذَبة من يُجْذَبِ
…
بها يصل بها فلم يُذَبذَب
حتى أرى بالنائلِ المكتسَب
…
مِنكم إليكم صادِقَ المنتسَب
فيتولَاّني الذِي لم اكسِبِ
…
ولاية منهُ فذاكَ مكسِبي
لا زِلتموا في الحرَمِ المحجَّب
…
والناسُ منْ حُرْمتهِ في عجب
وأنتم في قطرِهِ المرَجَّب
…
وعصره في مكةٍ ورجب
يأتيه فلُّ أربٍ وهرَبِ
…
كلُّ أخي مخافةٍ وتَرَب
فآملٌ سيْحَ جِمامِ القُلُبِ
…
ومشتكٍ هضْم اللُّصُوص الغُلُبِ
وَمُستَرَقٌ رَامَ فكَّ الرَّقبِ
…
وسالِك رام جوازَ العقَب
وسائلٌ عن مشكِلٍ مستَصْعَب
…
وجاهل يمشي كمشي المُصْعَب
فيُلتَقي جميعهمْ بمرْحَب
…
وَتُبسَطُ الكفُّ لهمْ بالرحب
وآدِبٌ بالنقرَى لم يدْرَب
…
والجفلى مهما دعاها يَطرب
تراهم لدى الجناب المُخْصِب
…
على القِرَى كالعَكرِ المُعْصَوْصِب
فمَنْ يَقُمْ يُزَدْ على المطَّلب
…
وَمَنْ يؤبْ فحامِدُ المنقلب
ولا يزَلْ برْقُ ندَاكم يطَّبى
…
أهلَ القريض نحوكم وَالخُطَب
رِكابُهمْ ينهجْنَ كلَّ نَيْسب
…
من سبسبٍ خوارجاً لسَبْسب
لما رأوا مُهدِى الثنا في النصُب
…
إلا لكم لم يذبحوا للِنُّصب
والكلُّ عَدَّ نفسه كالمذنب
…
لعجزه أطنب أم لم يُطْنب
وكلُّ من أصابَ أو لم يُصِبِ
…
تُغْضُونَ عنهُ من علو النصب
فتتحفونهمْ بكلّ أرَب
…
تأسّيًا بالحنفيّ اليثرَبي
أتحفهُ اللهُ بغيث صَيّب
…
من الصلاة والسلام الطيب
والآل والصحب وكل مُجتبى
…
دينَ النبي المجتبى لم يرْثب
ما فاز بالشُرْب قصيرُ الكرَب
…
مِن ازْرق الجمّ قريب المشرب
ولم يؤب فوق ركابٍ خُيَّب
…
مَن انتهوْا لولدِ المسيَّب
جاَءت لقصدِ الزورِ والتقرُّب
…
تسحبُ ذُلاّ خدَّها في التُّرُب
هذَّبها من ليس بالمهذّب
…
لكنه في ضمنها لم يَكذب
تمري الندى الذي بدرّهِ حُبي
…
مهدى الثنا مَرْيَ الصَّبا للسُّحب
ترجو النجاةَ من دواهي الحقب
…
والفوز بالنجح وحسن العقب
وقال أيضا:
ما للمحبينَ مِنْ أسرِ الهوى فادِ
…
ولا مُقيدٌ لقتلاهمْ ولا وادِ
ولا حميمٌ ولا موْلى يرِقُّ لهم
…
بلْ همْ بوادٍ وكلُّ الناس في وادِي
يا رحمتي لهمُ ما كان أصبَرهمْ
…
على مُعاناةِ جمعٍ بين أضدادِ
والناسُ ألْبٌ عليهم واحدٌ فلذا
…
ما إنْ ترى مَن يُواسيهم بإسْعاد
إمَّا عذُولٌ وإمَّا ذو مراقبةٍ
…
أو زاعمُ النصح أو ساعٍ بإفساد
إن أظهروا ما بهم ليموا وإن كتَمُوا
…
لاقوا بما كابدوا تصديعَ أكباد
وهيّنٌ كلما لاقوهُ عندهُم
…
لوَ انَّ أحْبابَهمْ ليسوا بصُدَّاد
يا عاذِلينَ أقُّلوا اللّوْمَ وَيْحكُم
…
إني لمنْ رامَ قَوْدى غيرُ مُنْقاد
ولا يُلينُ قناتي غمزُ غامزِها
…
ولا يقيمُ ثقافُ العذلِ مُنآدي
أحَيْثُ ما كنتُ أو يممْتُ من جهةٍ
…
ألْفِي رَقيباً ولوَّاماً بمرْصادي
ما اعْتادَ قلبي الصّبا لكنَّ من ملكت
…
يَدَ الغَرامِ يعَوَّدْ غيرَ مُعْتاد
يزدادُ باللوْمِ حُب الصادقين هَوًى
…
واهاً لحبٍّ بطول اللوْم مزدادِ
والطرْفُ للِقلب مُرتادٌ ولا عجبٌ
…
في قَفْوِ منتجعٍ آثارَ مرتادِ
والحبُّ أمرٌ عزيزٌ ليس مُرتبطاً
…
في حكمه عند مَن يدريه بالعادي
ما لي وحُبَّ الآلى يتركن منتظماً
…
حَبَّ القلوبِ بألحاظٍ وأجياد
هلِ النساءِ سِوَى لحم على وضَمٍ
…
لمبتغى نُزُلٍ أو مبتغِى زاد
فُهنَّ قدْ هنَّ إذ صَيَّرن مبتذَلا
…
ما عِندَهنَّ لأوباش وأوغاد
لذاك أعرضْتُ عن لهو وعن غَزَل
…
وعنُهما صُنتُ إنشائي وإنشادي
ولي من الفكرِ أبكارٌ مشنَّفةٌ
…
مِن البديع بترصِيع وإرصاد
وإنما بي هَوَى بيضاَء واضحةٍ
…
كَلفْتُ وجداً بها من قبل إيجَادي
حَسناَء مُعرقة في الأكرمين وما
…
كانت لتدعى لآباءٍ وأجْداد
ما للزعانِفِ في وصلٍ لها كمعٌ
…
ولا لهم سرُّها المكنون بالباد
وهذا ما بقي من قصيدته التي تقدمت بعد قوله: فمن يجل. . . الخ:
إلى خيْفِ المُحَصَّبِ رائحاتٍ
…
بكلّ أشَمَّ ضاحي الوجنتينِ
وتغدو بالشروق مبادراتٍ
…
بنا أجْلىْ نَعام جافَليْنِ
من التعريف مُسْياً صادراتٍ
…
يخدْنَ مَنكبات المأزِمينَ
ومن جمعٍ يسِرْنَ مُغلّساتٍ
…
لوقفةِ ساعةٍ بالمشعَرَيْنِ
ببطنِ مُحسَرٍ مُترامياتٍ
…
لأولى الجمرِ دون الأخريَيْن
وترجعُ إنْ أفاضتْ لابثاتٍ
…
ثلاث ليائل أو ليلتينِ
وللبيتِ العتيقِ مُوَدّعاتٍ
…
قد ارتاحت لإِحدى الراحتين
وأخرى لم تكن لِتنالَ إلا
…
مُرور محلّ إحدى الهِجرتين
إليها من كُدًى يهبطن صُبحاً
…
هبوط السيل بين القُنَّتيْن
توَّخى مسجدَ التقوى تحرَّى
…
مُناخَ محمدٍ والصَّاحبين
تَمُرُّ بذي الحُلَيفْةِ حالِفاتٍ
…
على الألباب بين اللاّبتين
فتستقصي بِها الرُّكَباتُ منها
…
من القصوى مكان الرُّكبتين
ولا تُلِقى عِصِىَّ السيرِ إلا
…
إذا وصَلتْ لثاني المسجدين
ضريحِ المصطفى صلى عليه
…
مع التسليم رب المشرقين
يحفُّ خليفتاهُ بهِ فأكرِمْ
…
بهمْ من مصطفىً وخليفتين
وأصحابُ البقيع ومن حَوَتهُ
…
مِن الأبرارِ كلتا البقعتين
جُزوا عَنا برَيحانٍ ورَوْحٍ
…
عليهمْ لن يزالا دائمين
وأوتوا جنتين دنت عليهمْ
…
بخيرِ جَنى ظِلال الجنتينِ
أوْلاك الناسُ أهلُ الله حقاً
…
حماةُ الدينِ بالأسلِ الرُّديني
بهمْ يا ربّ عاملنا جميعاً
…
بلطفك دائماً في الحالتينِ
وبالمأمول جُدْ فضلاً علينا
…
وق الاسْواَء في الدارين نَيْن
وبالحسنى لنا فاختمْ إلهي
…
كتاب الحافظينِ الكاتبين
ولمولود المتقدم مقطعة تقدم منها بيت وهي:
لمثلها من عتاق شَعْشَعاناتِ
…
قضى اللبانةَ معنىُّ اللُّباناتِ
مِلْمَوْجِ شُدَّتْ لطياتٍ بأرحلها
…
ويْلُمّها إبلا شُدّتْ لِطيَّات
راحت برَحْليَّ من فَرَلَّ واكتفلَتْ
…
تلك العشيَّةَ بالسبع الاضيّاتِ
طَوى برَحْليَ أجواز الفلا يَققٌ
…
عَركْركٌ من ذوات العجرفياتِ
جأبُ الشرَاسِيف ينبو عنْ وليتهِ
…
كالأخدَريّ يُبارى أخدريَّات
إذا النّجائب أمست لا حِراك لها
…
تحتَ الوليَّاتِ أشباه البليات
نُجُبٌ ينجيننا من كلّ مَهلكةٍ
…
لم يقتَحمْ هَوْلَها إلا ابن مقلات
زَوَى الأريب عنها خوفها فخَلتْ
…
ألا الوحوشَ جماعاتٍ جماعاتِ
ولوْ تراهنَّ يَفرِين الفرِيَّ بِنا
…
مِنا بكلّ فتى كالنصل مِصلاتِ
ضخمُ الدسيعَةِ لا ينفكّ ديدنهُ
…
نَيْطُ المسرات أو ميط المضَرَّاتِ
معصوصباتٍ على معصوصب خشِنٍ
…
ما بين وهْمٍ عَلندَي أو عَلنداة
مالي أرانيَ مذْ يوْمي وليْلاتي
…
تامت فؤاديَ إحدى اللادِميَّاتِ
أدْمانةٌ من بني المبروك حُمَّ لنا
…
منها لَعَمْرِي إدْمان الصَّباباتِ
وهذا ما بقي من جيميته التي تقدمت بعد قوله: هم الأسود. . الخ:
ما كان أحسن في الهيجا لقاَءهمُ
…
إذا التقى في الوغى القِرْنانِ واعْتلَجا
وَلَاّهُم الدبُرَ الناسُ الألى جَمَعوا
…
لهمْ وما منهمُ إلا بها حَبَجا
خاضوا لإظهار دين المصطفى لججا
…
لاقتْ بهمْ لججاً تستغرِقُ اللججا
يهُزُّ عَضباً كأن الموت صورتهُ
…
في كف أرْوعَ يلقى الموت مبتهجا
تراه همتهُ في الموت تحسبهُ
…
يوفى به نُذُرًا يقضى به حَوَجا
تراه يقتحمُ الهيجا كأنَّ به
…
على كمالِ النُّهي عند اللقا هَوَجا
كم قاسموا البيض والسمرَ الموارن من
…
حمى أعاديهم النسوان والمهجا
فللجحاجح منها كلُّ خَرْعَبةٍ
…
روْدٍ حوى خِدرها منها رشا غَنجا
ترنو إليك بطرْفٍ زانهُ سَقَمٌ
…
فيه إذا نظرت منه تراه سجا
والسمهريُّ توخى ما نخيره
…
منها الكُلى والنَسا والسَّحرَ والثبجا
والمشرفي تولى أمكُناً شَرُفَتْ
…
منها القماحيد واليافوخ والحُججا
وكان مصطفيات المشرفيةِ منْ
…
ذاك العلابيَ والحُلقومَ والودجا
ماذَا تظن بقوْمٍ بالهدى افترنوا
…
يَجرون أين جرى يحجون أين حجا
أرى بمدحي لهم عن مدحهمْ قِصراً
…
حتى كأنَّ بليغَ المدح صار هِجا
يا منْ بقدْرته تقفو إرادتُهُ
…
لم يبغ إذ مرَج البحرين ما مرجا
بنورِ وجهِكَ بالذات العلى وبما
…
من الكمالات في أوصافه اندرجا
وبالنبيّ ومستقفي النبيّ ومَنْ
…
مِنَ أوْليائك ممنْ قبلَهُ اندرجا
اجْعل عُبَيْدَك مولودا من أوَّل مَن
…
في رحمةِ الله فيها خالداً ولجا
وإنني مؤمنٌ بالمصطفى وبما
…
به من الحق من عند المهيمن جا
وافتحْ علينا من ابواب الكرامة يا
…
فتاحُ ما كان منها دوننا ارتتجا
والطفْ بعبدك في حالاته سيما
…
إذ هّو مُنحنِقٌ من ريقهِ بشجا
وثبتنْ قدمى على الصراط إذا
…
ما الاشقيا زَلِجَتْ أقدامُهمْ زلَجا
عليه من صلوات الله أطيبها
…
ما هاج ذكر حبيب للحبيب شجا
معها سلامٌ كأنفاسِ الرياض إذا
…
فيها نسيمُ الصبَّا مع السما مَعَجا
إلى هنا وقف القلم بنا في الكلام، على أدباء شنقيط، وما تيسر لنا من شعرهم، مما حفظناه عنهم، وليعذرني المطلع على ذلك، فإني أول من عُنى بجمعه وتدوينه، ولعل من يأتي بعدي لتوسيع نطاق هذا الباب، يجد كتابي هذا أمامه، فيحذو حذوه،
والله الموفق.