الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا لا ينافى ما كنت أعتقده، بل لنا قرائن كثيرة، تدل على إنه كان في القرن الثالث عشر، منها أن لمليح الذي أرخ به، نعرف من أدركه، وهو رجل كان موجودا من نحو خمس عشرة سنة. فذلك دليل على أن لمليح كان في القرن الثالث عشر، ومنها أن الشيخ سيدي الآتي بعده، كان معاصرا لصاحب الترجمة، وقرأ عليه، وقد مات الشيخ سيدي في حدود سبع وسبعين أو نحو ذلك من القرن الثالث عشرا.
محمد بن سيدي عبد الله
بن الفغ سيدي أحمد بن محمد بن القاضي المتقدم العلوي. كان وحيدا في العلم والصلاح، وله اليد الطولى في العربية والفقه والبلاغة وغير ذلك. وكان غاية في جودة الشعر، ولولا ما هو متصف به من العبادة والاشتغال بطريق الصوفية، ما اشتهر في قطره أحد سواه بالشعر، ولولا دفاعه عن الصوفية لم ينظم بيتا واحدا.
كان لا يشتغل بما لا يعنيه، جواداً يعطى الناس ولا يأخذ منهم، وهو شيخ طريق، والمعتمد عنده الكتاب والسنة.
وقال سيدي العربي بن السايح، في كتاب البغية في ترجمة التيجاني بن باب العلوي: وأخذ الطريقة عن العلامة الأوحد الفاضل الأمجد، أبي عبد الله سيدي محمد المدعو مُحمد الملقب بالخليفة، لقيامه بالخلافة في إعطاء الطريق، بعد وفاة شيخه سيدي محمد الحافظ رضي الله عنه، وله خمسة جدود، كل واحد منهم أعلم أهل زمانه وهم: أبوه سيدي عبد الله بن سيدي أحمد الفغ بن سيدي محمد بن سيدي عبد الله المعروف بالقاضي، وهو الذي تقدم لنا إنه قرأ على الشيخ على الأجهوري
انتهى المراد منه. وهذا صحيح، غير أن قوله سيدي أحمد الفغ، فيه تقديم وتأخير إذ الصحيح الفغ سيدي أحمد.
وقال في أناس مخصوصين:
وارْثُ أن كنت راثياً لأناس
…
فتنوا ليس فيهمُ من رشيدِ
أصبحوا بعد نورهْم وهداهم
…
حسبنا الله في الضلال البعيد
مثل القوم إذ تولوا سراعا
…
عن طريقٍ معبَّدٍ معهودِ
مثلُ ظمآن سار حتى إذا ما
…
كان من منهل قريب الورود
رجع القهقهري يأُمُّ الفيافي
…
تائهاً نائياً عن المقصود
أو كصبٍّ رجا وِصالَ حبيبٍ
…
بعد حرص على اللقاء شديد
منعت وصله مقالةُ واشٍ
…
تركت حِبَّه مديمَ الصُّدود
أو كراءُ شمس الظَهيرةِ صَحْواً
…
قام يسعى لدرْك أمر نكيد
بينما هوَّ مبصرٌ قال أعمى
…
إنه الليل مال للتقليد
صاح من يرتددْ على عقبيه
…
معرضاً عن وفائه بالعهود
لم يضر غيره فنقض عهود الق
…
قوم في الله بالمعاهد مود
وأهل الخبرة بالشعر، يفضلونه على ابنه الآتي بعد، وإنما فضل ابنه عليه عند أكثر الناس لكثرة شعره، غير أن والده شغلته العبادة وإفادة الناس، مع ما كان متصفا به من التصوف الحقيقي، وكفاه شاهدا، أن نابغة قطره وجرير عصره، إدييج المشهور، هاجى كثيرا من فطاحل تلك البلاد فظهر عليهم، حتى تصدى للشيخ سيدي أحمد التجاني ومريديه، فشمر له عن ساعده وقاومه مقاومة شديدة. والناس مختلفون منهم من يقول: أن محمد ظهر عليه، ومنهم من يقول: تكافأ، أما العكس فلم أر من قال به. ومن بديع قوله فيه من قصيدة:
ادييج إذ صار كالعصفور صال على
…
باز حديد شبا منقاره قرم
أو كالضفادع في أحشاء ذي زبد
…
نَقَّتْ فصال عليها سالِخُ الرُّقْم
وله فيه أيضا، من قصيدة:
وإني لحسان الطريق وأهلها
…
أزوُدُ أبا جهل النكيرِ وأوزجرُ
أقيس ذراعاً كلما قاس إصبعاً
…
أخب إذا يعي عليهم وأحضرُ
ووقعت بينهما أشعار كثيرة، لم يقع لي بها اعتناء. وفي البغية، لسيدي العربي ابن السائح بعد كلامه السابق:
وكان لهذا السيد على ما أخبرني به الناظم - يعني التجابي ابن باب الآتي - باع في العلوم، وله في مدح شيخه الحافظ، ومولانا الشيخ رضي الله عنه، قصائد كثيرة. وكان يقال له حسان الطريق، لقوله في قصيدة يمدح بها الشيخ رضي الله عنه، ويرد على المنتقدين على أهل طريقتنا:
وإني لحسان الطريق وأهلها
البيت المتقدم.
وله أيضا يسلم على أهل تيشيت:
سلامٌ كعُرْف الروض غبَّ وكِيفِ
…
وإلاّ فنخلٌ آذنتْ بقطُوفِ
وإلاّ فطعمُ الرَّاح مسك مزاجه
…
يعُمكمْ مِنْ طالبٍ وشريف
وكلِّ أخ ليست بتيشيتَ داره
…
وكل صميم منكم وحليفِ
سلامُ محبٍّ ليس ينسى ودادَ كم
…
على حين ينسى الودَّ كلُّ أسيفِ
أخَلّى لجمع الشمل بيني وبينكم
…
بلادي وأعطى تالدي وطريفي
فكم بكِ يا تيشيتَ من ذي بلاغةٍ
…
أديبٍ فصيحٍ في المقال طريفِ
يغوص ببحر الشعرِ يخرج دُرَّهُ
…
بسيط طويل كامل وخفيفِ
له وافرٌ من حمظهِ متقاربٌ
…
سريع إلى الخيراتِ غير عنيف
له رملٌ للشاردات يردها
…
بمنسرح للمعضلات كشوفِ
ويرمى بِمُجتَثِّ الخظوط لظهره
…
له هزج للذكر غيرُ ضعيف
وفارس علم لا يُشَقُّ غبارهُ
…
وذي خشية عالي المقام عفيف
وذي قلم أزرى بخط ابن مقلةٍ
…
وكان على الحرَّاق أي منيف
وذي شرف من بضعة نبوية
…
موطَّأِ أكناف البيوت ألوف
وذي شرف علماً وآخر جامع
…
لدين جسيم المكرمات نحيف
سقى الله مصراً هْم به كل ممرع
…
من الودف يغشاه بكل مصيف
ومن جيد نظه، قوله يخاطب وليَّ الله ابن أخته الشيخ سيدي أحمد بن الشيخ محمد الحافظ، وكان صغيرا إذ ذاك:
إنّ السيادة في اثنتين فلا تكن
…
يا بن المشايخ فيهما بالزاهدِ
حمل المشقة واحتمال أذى الورى
…
ليس المشمَّرُ للعلى كالقاعدِ
قل للذي طلب العلى بسواهما
…
هيهات تضرب في حديد باردِ
وله أيضا من قصيدة، يتكلم فيها عن حال سيدنا الشيخ سيدي أحمد التجاني رضى الله عنه:
إنْ لم تعاين فضلهُ وكمالهُ
…
وغدوت منه في محل نازح
طالع لتعرفه شوارد علمه
…
تظفر بنور كالمجرة لائح
وإذا تكلم في الحقائق مرة
…
بهر العقول كلام عبد صالح
وله أيضا من قصيدة أخرى:
طالع جواهره واصحب رسائله
…
وما يَبُثُّ من الأنوار والحكمِ
وما يدل على المولى الكريم وما
…
أبانه من مقام الصادق القدمِ
تجدْ ولايته لاحت معالمها
…
كما تُرَى في الدُّجى نارٌ على علم
تجد كلاما جلا عن شأنِ صاحبه
…
أن الزمان بمثل الشيخ ذو عُقُم
قد يحجب الله أقواما ويظهرهُ
…
لآخرين وشتَّ الناس في القِسَمِ
و (شت) هذه فصيحة، يقال أمر شت أي متفرق. قال الطرماح بن حكيم:
شت شعب الحيّ بعد التآم
…
وسجال الربع ربع المقام
وله أيضا من قصيدة نونية يتشوَّق بها إلى فاس. ويبث ما يكابده من شدة الأنفاس وما ذاك إلا لقوله:
وما حبُّ الديار شغفن قلبي
…
ولكن حب من سكن الديارا