الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميع شمامه حتى يغطى أكثر أشجارها التي تقدم وصفها، فإذا كان السيل جاهلا (أي كثيرا) فذلك دليل على سيل حباية، التي تقدمت، ويكون سيلها بعد رجوعه من شمامه، هكذا يقولون. وبعد أن تجف شمامه، يبتدئ أهلها في زرعها، ويكون ذلك غالبا في شهر يناير.
وهواء شمامه، رديء جدا، وماؤها مضر استعمالا وشربا. وهي أرض خصبة بالنسبة إلى ذلك القطر، قريبة من قرى فرانسة. وقد قال بض الأدباء في صفتها:
صاح شمّر معي بكورَ غراب
…
نسترح من بلاد بوله وجانب
سئم القلب ماؤها وغضاها
…
واكتفى من غَنيمها بالإياب
كل أرض لأهلها جعلت شا
…
ما وشامام أهلها في العذاب
انتهى بنا الكلام على شنقيط وتخطيطها وبلدانها، بحسب ما علمناه. وهنا نتكلم على سكانها وجنسيتهم، وبعض شئونهم.
الكلام على سكان شنقيط وجنسهم
سكان شنقيط من حيث الجنس: في الأصل قبائل من البربر، التي كانت تقطن صحراء الغرب. ثم دخلها العرب في الفتوح الإسلامي، وتغلبوا عليهم. فصاروا قسمين: عرباً، وبربراً. ثم تجنسوا جنسين: الزوايا، وحسان. وانقسمت قبائل حسان إلى قسمين: العرب، واللحمة. فصار بهذا الاعتبار سكان شنقيط، ثلاثة أجنس، فالأول: كان يتوغل في البلاد، ينشر فيها دين الإسلام، وهم المجاهدون. والثاني: اشتغل بإحياء العلوم. والثالث: اشتغل بإصلاح الأموال، وكان يدفع للمتعلمين الزكاة، ويعطى الإعانة للمجاهدين. فغلبت على الأول حسان. وعلى الثاني الزوايا. وعلى الثالث اللحمة. فلما وضعت الحرب أوزارها، واجتمعت هذه الطوائف، بقى الزوايا على شأنهم من طلب العلم،
وإقامة الدين. وصارت حسان تتناهب الأموال، ويتقاتل بعضها بعضا، وصار ما كانوا يأخذون من اللحمة ملكا متوارثا، إلى أن صاروا يبتاعون رقاب اللحمة. أعني: إنه يبيع أحدهم من يتولاه للآخر، مع اعترافهم بأنهم أحرار، ولا يعنون بالبيع: الاسترقاق الشرعي، بل مرادهم بيع المكس، الذي يؤخذ من أحدهم. ويسمون اللحمة أزناكه، والأصحاب أيضا، والأمكاس التي يأخذونها عليهم، ليست إلا على الرجال البالغين، واعلم أن
اللحمة أيضا يحملون السلاح، ويشتركون معهم في الحروب ونهب الأموال، وربما حاربوهم، فإذا وقع الصلح يعطونهم ما هو مقرر عندهم.
بقى شنقيط منذ فتحه المسلمون إلى سنة 1317، لا يوجد فيه فرد واحد خارجا عن الإسلام، إلا أن أهله متفاوتون في الاستقامة. فالأغلب على الزوايا: الدين، وربما وجد فيهم بعض السفهاء، كما إنه ربما وجد في حسان، من ينسب إلى الاستقامة، بالنسبة إلى غيره منهم.
ومن أعجب أمرهم: أنهم لا يعدون ظلم اللحمة ظلما، ويقولون: فلان يدافع عن المسلمين، إذا كان ينصر الزوايا على من ظلمهم، ولا يقدح عندهم في استقامته سفك حسان ولا ظلم اللحمة. وربما اعترض علىَّ بعض من وقف على أمور أهل تلك البلاد، بأن بعض زوايا أهل القبلة، له أتباع من اللحمة، يأخذ عليهم المكس، وكذلك بعض أهل تيرس، فهم في هذه كحسان. والجواب: إنا أردنا الأكثرية، ولا ريب في أن الذي قاله صحيح. وحيث أوضحنا لك انقسامهم في الأصل، فلنتكلم على ما هم عليه الآن، فنقول:
ما رأينا منهم من يقر على نفسه بأن أصله من سكان تلك البلاد، إلا أن قبيلة لمتونة حفظ لها التاريخ أصلها. والخلف في لمتونة بين المؤرخين قديم. فالأكثر أنهم من حمير، ودخلوا بلاد المغرب في الجاهلية، وقد مشى عليه صاحب عمود النسب، فقال:
وآل عبادٍ ملوكُ الأندلسْ
…
من نسل ذي الطوق وغالها الندسْ
يوسفٌ العدل ابن تاشفينا
…
الحميريُّ ثم من لمتونا
وقال بعض الشعراء المتقدمين:
قوم لهم شرف العلى من حمير
…
وإذا دعوا لمتونه فهمُ همُ
لما حووا علياء كلِّ فضيلةٍ
…
غلب الحياءُ عليهمُ فتلثموا
وقد ذكر بعض العلماء، انهم من البربر، والأول أصح. إذ يقال: إنهم خرجوا من زمن التبابعة من اليمن، واستوطنوا المغرب الأقصى، وملكوه في القرن الخامس. ومن أشهر ملوكهم: يوسف بن تاشفين، وهو الذي اختط مدينة مراكش. وذكر ابن خلكان: إنه كان لا يحسن العربية، وهذا دليل على انهم تناسوا العربية على القول الأول. أما بقاياهم الموجودة الآن، فأكثرها في أرض الحوض، وقد اجتمعت ببعض أفراد منهم، وما سمعتهم يتكلمون بغير العامية، ولعلهم تناسوا لغتهم الأخيرة. أما القبائل الأخرى، فأغلبها من العرب، والكل يدعي ذلك، سواء كان يتكلم بالعربية أو بالشلحية، ولابد أن يكون فيهم من أصله شلحي، وإلى ذلك يشير ابن الشيخ سيدي، في قصيدته المتقدمة بقوله:
إلى نسب لهم بلغوا ادعاءً
…
به أذواء حمير أو نزارا
وفيهم قبائل، متحقق عند النسابين هناك صدقهم في نسبهم، فمن ذلك: القبيلتان المسمى بمدينتهما القطر كله، وهما إدوعل والأغلال، لم نر من خالف في أن الأولى علوية، والثانية بكرية، وكقبيلة كنت ومدلِشْ، فلا خلاف أنهما من بني أمية، مع تباين مشاربهما، وكذلك إدوعيش وتجكانت، وإدولحاج، فلا خلاف أنهم من حمير. وكذلك إدْيبسات، فلا خلاف انهم من الأنصار، وكإديقب وإدكبهني، من قبائل تشمشه. فالأولى من ذرية جعفر بن