الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن أحد الشبان، كان يجتمع عنده السفهاء بمكة، فشكوه إلى الوالي فنفاه إلى عرفات، فكتب إلى أصحابه، بأنهم صاروا إلى الأمن والنزهة، فصاروا يكترون حمير المكارين، ويذهبون إليه، فشكاه أهل عرفات إلى وإلى مكة ايضا، فأحضره، فأنكر، فقيل له: مر بحمير المكارين أن تساق إلى عرفات، فإذا وقفت عند بيته من تلقاء نفسها، فذلك دليل، فأمر بالحمير فسيقت إلى عرفات، فوقفت على بيته،
فصدق ما قيل له، فلمَّا هم بتنكيله. قال له: والله ما في هذا شيء، أشد علينا من أن يسخر منا أهل العراق، ويقولون: إن أهل مكة يحكمون بشهادات الحمير.
فما يؤسف عليه: أن ذلك المفتي رحمه الله، نبذ خط السيد مرتضى بيده، وكلام سيدي العربي بن السائح، وحكم بالجغرافية، على أن الجغرافية ليس فيها ما نسبه إليها.
والقبائل التي سمى لا توجد في آدرار، وقوله تاغانيت، ومركزها تيشيت، غير صحيح أيضا، فتاغانيت هي تاكانت، وليس بها من المدن إلا تيججك والرشيد، أما الرشيد، فليست عامرة دائما، بل قد تمر عليها سنين متتابعة، لا يدخلها غير الحمام. وذلك إذا كان أهلها في الحرب، كما وقع مرارا، وأما تيشيت، فبينها مع تكانت، أربعة أيام، وتعترض بينهما أرض آوكار وتكب، وغير ذلك.
الكلام على تاريخ عمارة شنقيط
كانت شنقيط عيونا تشرب منها الخيل كما تقدم، وقد مضى من تاريخ عمارتها إلى وقتنا هذا وهو عام 1329 خمسمائة سنة تقريبا، وقد بنيت في أول الأمر على موضع مستومشتد، فانتقلت إليها الرمال، حتى أن جوانبها يخشى عليها أن تواريها الحصباء فيما بعد. وهذا يوجد في تلك البلاد، فان منها أماكن دهسة، فالريح تنقلها على طول الأزمنة كما هو مشاهد.
ومن أغرب ما يحكى، أن في بعض صحاري إدر، أوداء عامرة من النخل إلى الآن، فيما يقال، لا أنيس بها. ويقال: إنها كانت بها قرى فدفنتها الريح، وأن بعض أودائها عامر بالنخل، وأن الريح تلحقه لكثرته، وقرب بعضه من بعض، لأنها تنسف الطلع إلى النخل المحاذي له، فيغنيه ذلك عن تأبير الناس. وإذا أفرك، فإن الريح تسقط ثمره تحت النخل، فتأكله الوحوش والذئاب، وربما مر عليه بعض الجيوش الذين يذهبون للنهب، فيتزودون من ثمره. والله أعلم.
قال العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي في رسالته (صحيحة النقل في علوية إدوعل وبكرية محمد غل): وهم يعني (العلويين) كانوا زمانا قبل توطنهم آبير وشنجيط، بتبلبالت. أخبرني الثقة، عن سيدي المختار الكنتي رضي الله عنه، انهم كانت لهم مائة ساقية، وإلى الآن يذكر لنا من مر بتلك الجهة، أن موالى العلويين بها، ويتراجعون أحدا منهم يكون لهم أساسا، ثم لم يزل العلويون قبائل كثيرة، بآبير. بلغنا أن كل من أوَّل اسمه إد (بكسر الهمزة وفتح الدال المهملة) من قبائل الزوايا، خرج من آبير، وكان العلويون فيه أربعين أو اثنتين وأربعين قبيلة، ما بين صميم وحليف. وكانوا يقتلون من قتل، حتى قتل جدنا يحيى قتيلا، فقال بعضهم: نقتله، وقال بعضهم نطرده، ثم طردوه ولم يقتلوه لشرفه فيهم وعلو منزلته، فجال في البلاد، ثم أتى شنجيط، وقد بنيت فيه بيوت قليلة فيها: أعمر يبنى وجد إد يجر ومحمد غل، فأراد النزول معهم فقال بعضهم: خلوه ينزل معكم، لكن سيستبد بالأمر عليكم، فسكن معهم.
وآبير: قريب جدا من شنقيط. ومعنى شنقيط: عيون الخيل، ثم لم تزل عمارة شنقيط تنمو، وتضمحل عمارة آبير، إلى أن لم يبق فيه داع ولا مجيب.
وابتداء عمارة هذا، إلى زوال عمارة ذاك، أربعون سنة. وكان في شنجيط أحد عشر مسجدا، بالمسجد العتيق العامر اليوم، وله اليوم نيف وأربعمائة سنة، والناس يقولون إنه من المدائن السبع، ولا أدري ما المدائن السبع، ولما اختصت بالسبع دون سائر المدائن. فإن كان المراد أنها هي الموجودة زمنه صلى الله عليه وسلم، فالموجود إذ ذاك أكثر. والمراد آبير: لأنه هو القديم، لكنهما كالبلد الواحد.
وكان الركب يمشي من شنجيط إلى مكة كل عام، ويتعلق بهم كل من أراد الحج من سائر الآفاق، حتى إن أهل هذه البلاد، أعني من الساقية الحمراء إلى السودان، إن رووا، لا يعرفون عند أهل المشرق إلا بالشناجطة إلى الآن، وقد تحج الدار
منهم كلها، حتى لا يبقى فيها صغير ولا كبير، من شدة اعتنائهم بالحج، ويحجون من قدروا عليه. وقد بلغنا أن الحاج محمد أحمد، والد أبي كساء أنفق في الحج على أربعين نفسا من غير عياله، وحملها لله تعالى. وقد كان العلويون يقدمون من كان معهم من الزوايا للإمامة، فكانت أولا للسماسدة، ثم جعلوها للأغلال، فتغيروا من ذلك وخرجوا من شنجيط، فذلك سبب خروج السماسدة من شنجيط. وخرج يوما من شنجيط، اثنان وثلاثون ألف جمل موقرة بالملح عشرون لأهله، واثنا عشر لأهل تيشيت. وباعت الرفقة كلها في زار. فتعجب الناس أي البلدين أعمر، مع اتفاق الكلمة، وكانوا إذا مات شيخ، رأسوا عليهم آخر. فبقيت دولتهم بشنجيط دولة دين ودنيا، ثلاثا وثمانين سنة، مدة حياة الشيخ سيدي أحمد بن الوافي فلما توفي، وقعت الحرب بينهم، واعتزل الفتنة من اعتزلها فمنهم من خرج شذر مذر. ومنهم من بقي مع اعتزاله إياها، حتى انقضت الحرب بين أهلها، وقد قتل بتلك الحرب، مائة وأربعون من البيض وما بقي من الكحل، وكانوا