الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الأفراد
هذا باب جعلناه للأفراد
وهم من لم ترو لأكثر من واحد من قبيلته
الشيخ سيدي المختار
بن أبي بكر الكنتي. وقفت على سلسلة نسبه متصلة بعقبة بن نافع الفهري الصحابي، الذي فتح بلاد المغرب، وهذا يعارضه ما ثبت عند النسابين، في أرض الصحراء، من أن كنت من بني أمية، لكن يمكن الجمع بينهما، بأن الشيخ من كنت، بطريق الموالاة لا من طريق النسب، كما يوجد في كثير من الناس. كان الشيخ المذكور، من أفراد عصره علما وصلاحا ولم نر أحدا يطعن في ولايته، وما تقدم من أن ابن بون كان ينكر عليه، يجاب عنه بأنه رجع عن ذلك كما تقدم، على أنه لا يوجد وليّ إلا وله من ينكر عليه من العلماء، ويكفيه أن الشيخ سيدي المتقدم، حسنة من حسناته، روى انه قال: جئته وقد انتهيت من تحصيل العلوم، فردني مبتدئا.
ومن نظر في كتبه، تبين له فضله، سواء كانت في الحقائق أو غيرها، ويكفيه أن ابن الحجاج إبراهيم المتقدم، كان يعتقده ويثنى عليه. أما كراماته، فليس هذا موضع ذكرها، وما رأيت من شعره إلا قصيدة، بقى في ذهني منها ما يتعلق ببيت قبله، وقد ضاع من ذهني، وهو:
من فتنة غَشَتْ بظلمائها
…
أضحى بها العالم كالجاهل
وضلَّ فيها المرء عن رشده
…
زيغاً عن الحق إلى الباطل
فاجعل لنا يا ربنا مخرجا
…
من هولها المقتحم الهائل
وهي طويلة، وكان حيا في أوائل القرن الثالث عشر.
عبد الله بن سيدي محمود
بن المختار بن عبد الله بن أبج الحاجي. كان والد عبد الله المذكور، من أهل الصلاح والفضل، وكانت الناس تعتقد فيه،
وكانت بين قبيلته وقبيلة كنت، خصومة قديمة، فلما وقعت الحرب بين إدولحاج - وهم إذ ذاك مقيمون بمدينتهم المعروفة بوادان - وبين العلويين المقيمين بمدينة شنقيط، انتصرت لهم كنت، فانتصفوا بعد فشلهم، فصارت كنت ترى لها منة عظيمة على إدو لحاج، وأفرطوا في الدالة، حتى صاروا يقتلونهم وتذهب دماؤهم هدرا. وكان سيدي محمود هو رئيس قومه، ولا تطلب منه قبيلة كنت طلبا الا فعله كائنا ما كان، حتى إنهم كانوا يقتلون القتيل من قومه، فيترحى منهم العفو، وحتى أخذوا سلاح قومه كله، وكان إذا أناخ عندهم بطلب الأمان لقومه يقولون: صوت نويقة سيدي محمود.
فلما نشأ عبد الله، غاظه أمرهم، وصار يفكر في حربهم، وكانت لكنت شوكة عظيمة. فاشتغل في أوَّل أمره بالعلم، وانكب عليه، وكان لا ينام لشدة جده واجتهاده، فكان كما قال الشاعر:
أعاذلتي على إتعاب نفسي
…
ورعيى في الدجى روض السهاد
إذا شام الفتى برق المعالي
…
فأهونُ فائتٍ طيبُ الرقاد
وروى أن نسانا كلمه في ذلك، فقال له: أنا أفكر في ثلاث مسائل، لا يمكنني أن أنام قبل أن أنالها، وهي أن أحج، ثم أتزوج بنت محمد بن محمد شين رئيس أهل تكانت، ثم أحارب كنت، وقد نال هذه الثلاث. ولما توجه إلى الحج مر على الوليّ الصالح، الشيخ سيدي المختار الكنتي المتقدم، وكان أبوه أوصاه أن لا يصير تلميذا له، من شدة موجدته على كنت، فلما قرب منه، قال: لامتحننه بثلاث مسائل. فإن فعلها من تلقاء نفسه، صدَّقت ما يحكى عنه أولا: أن يأخذ هذا الجمل ويقيده مع جماله، فإني نويت أن أهديه إليه. ثانيا: أن يأتيني بدواء من امرأته فلانة، ونسيت
الثالثة. فلنا أناخ عنده، قال لأحد تلامذته خذ ذلك الجمل، وقيده مع جمالنا، ثم أتاه بالدواء الذي أضمر في نفسه، وقال له: هذا من عند فلانة، ثم فعل الثالثة على وفق ما أضمر، فسلم له، ولم يتلمذ له لأجل
وصاة أبيه، ثم توجه إلى الحج، فحج وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:
ما كنتَ مذْ زمن ترجوهُ هذَاؤهْ
…
هذا شفيعُ الورى بُشرى هذاؤهْ
هذا العتيقُ وذا أبو الفتوح وذي
…
أهلُ البقيعِ أهبَّاهُ وأبناؤهْ
فسلْ بهِ وبهمْ ما كنتَ تطلبُهُ
…
هناك تُقْضى لذي الحوْجاءِ حَوْجاؤهْ
حاشاهُ أن يستغيثَ المستغيثُ به
…
وتستطيلَ عليه الدهرَ أعداؤهْ
ومما قال، وهو بالمدينة المنورة:
يا سيدَ الناسِ ابنَ عبد المطلبْ
…
وخيرَ مدْعُوٍّ وخيرَ منتدبْ
إليكَ جُبْنا كلَّ غوْرٍ وحَدَبْ
…
وكلّ هوْلٍ يشتكي وَبُرْ تَهَبْ
وليس يا سيدنا ليس الأرَبْ
…
منا لديكَ فِضةً ولا ذهبْ
وإنما أرَبنا كشف الحجبْ
…
وحفظُ الإيمان لنا من السَّلَبْ
ولما رجع إلى بلاده قال:
بان الرسولُ وبانتْ عنكَ طيْبتُهُ
…
إنّ الأحبةَ والأوْطانَ أعداءُ
ومن شعره أيضا:
حَبذا أربعٌ لدى أتفيتناتِ
…
بعد لأي عرفتها مقفرات
ظلتُ أذرو الدموعَ فيها وقلّتْ
…
لربوعٍ عرفتها عبرَاتِي
وخشِيتُ احتراق الأربع لولا
…
دِيمُ الدمعِ من لظى زفرَاتي
فعلى الأرْبع المحيلةِ مِني
…
وعلى الحي أطيبُ التحياتِ
وقال أيضا:
قدْ توالتْ زفراتي
…
واسْبَطرَّتْ عَبَراتي
حين أبصرْتُ ربوعا
…
بتلاعِ الفْيتناتِ
وتذكرْتُ سميراً
…
عِندَ تِلكَ السَّمُراتِ
ولما رجع من الحج، أقبلت عليه الناس، واعتقدت فيه، وصار يعاكس كنت، ولا يقبل لهم ضيما، وكان يحرض الناس على التألب عليهم، ويبدي مساويهم نظما ونثرا، ومن ذلك قوله:
ألا يا عباد اللهِ هلاّ تلوتموا
…
ودَبَّرْتموا قولَ الإله فإن بغتْ
وقاتلتموا كنت البغاة فإنهمْ
…
بقية أحلاف اليزيد التي طغتْ
ومن ذلك قوله:
كان لنا مخاطبٍ قد اسْنِدَا
…
كان لِجُلِّ الناسِ جُلهمْ مُدَى
قد نسخوا السنة بعد أحمدا
…
كنسخها الخبر بعد المبتدا
ولما انتصر على كنت في وقائع عديدة، أقبلت عليه قبائل اللحمة، التي كانت تظلمها كنت وإدوعيش، فصار لهم كهفا، وهم له جند، وكذلك الثياب، ويقال لهم: المهاجريون. على اصطلاح الناس في غير القبلة، وهؤلاء قوم كانوا من حسان، فتخلقوا بأخلاق الزوايا، وصاروا يشتغلون بالعلم وتنمية المال، وحسان يظلمونهم لرغبتهم عنهم، والناس ينحلون عبد الله المذكور، كلما وجدوا فيه حماسة من الشعر، سواء كان قديما، أو حديثا، ولما أفرط في قتال كنت، ذكره إنسان صنيع كنت مع قومه، في حرب أهل شنقيط، فقال له:
ظفرنا بحمد الله بالله لا كنتا
…
فمن كُنْتَ لا كانوا ومن أنت لا كنتا
فإن كنت كنتياً كبت بكبتهم
…
وإن لم تكنْ منهم أراك إذا متا
قالوا: ولما أنشد البيتين، وقع ذلك الشخص ميتا من غير سبب، والله اعلم بصحة ذلك. ولا يخفى أن عجز البيت الثاني، ضعيف بالنسبة إلى صدره، وإلى ما قبله.
وقال يتوسل بالعالم الناسك، محمذ فال بن متالي التندغي، الذي تقدمت ترجمته
أنَحْتُ نضو همومي أشتكي حالي
…
إلى الوليّ النقي محمَّذٍ فالِ