الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رحمهما الله تعالى، ولم أعرف المختار ولا أحمد، الذي ذكر في أبياته. وقد رأيت
قصيدة رائية له عند العبد اللاوي الفاسي، فكنت أريد أن أنسخها منه، فوقع مانع منع من ذلك. وأول منظومته التي شرحها سيدي العربي بن السائح رحمه الله تعالى:
قال ابن باب العلويّ نسبه
…
المغربيّ المالكيّ مذهبهْ
الحمد للجاعل الأوْلياءِ
…
ورثه الكُمّل الأنبياءِ
والجاعل النبيّ خيرَ الأنبيا
…
وشيخنا أحمد خير الأوليا
حمداً يدومُ بدوام النعم على الخلائق وكل مسلم
الهادي بن محمد
المتفدم، وشقيق محمد المتقدم أيضا. كان فقيها محققا وخنذيدا مفلقا، رزق فهما ثاقبا ورأيا صائبا، أحد الرواة المتقنين والعُبَّاد الناسكين، كان موجودا في أيامنا هذه، وبلغنا موته ونحن بدمشق، سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف. وكان غاية في الظرف ومعرفة آداب المجالس، له اليد الطولى في نسج الشعر ونظم الأزجال العامية، وقلما تساويا عند شخص، بل لابد أن يكون الشخص أتقن لأحدهما من الآخر. وكان الظلمة من قبائل حسّان يخافون من لسانه، لأنه كان يذكر قبائحهم في أزجاله فتحفظها العامة، وكانوا يتأثرون منها أكثر مما لو كان نظمها بالشعر الحقيقي. فمن ذلك قوله فيهم:
مَذَ مِنْ وَخْشِ: فينا يتْمَشَّ
…
مَاهُ آمْخَلِّ شِ: آلاهُ امْخَلِّ شَ
قوله: مذ: أصله ماذا، فساقها على عرف العامة هناك. والوخش: رذال الناس وسقاطهم وهي عربية خالصة. وقوله ماه امخل ش: معناه إنه لا يترك شيئا. وقوله ألاه امخل ش: اصله شاة، وهو من عطف الخاص على العام، وهذا النظم يسمونه كاف (بكاف معقودة) وضابطه أن يكون الشطران مختومان بحرف
واحد بشكل واحد، أعني الأول والثالث، وكذلك الأخيران، أعني الثاني والرابع، وأقله
أربعة أشطار كما تقدم، ولا حد لأكثره.
مَذَ مِنْ عَلاّلْ
…
مَعْدُودْ افْلِعْيَالْ
أنْكُلْ أنَوَالْ
…
أسْرَ مِنْ حَنْشَ
ما خَلَّ سِرْوَالْ
…
إلَا خَلّ فَشَّ
قوله مذ: أصله ماذا كما تقدم، وعلال: فعال من العل، يعني إنه يحلب نوق الناس بعد أن تذهب للرعي من عند أهلها، وهذا عندهم وصف في غاية الذم، ومعنى معدود افلعيال: إنه كل على الناس، فيعدونه في عيالهم، وافلعيال: أصله في العيال، إلا أنا كتبناها على ما يتلفظون به، ولأن بحرهم الذي ينظمون في ميزانه لا يصلح فيه إلا هكذا، لأنا لو قلنا في العيال، ينكسر الوزن في اصطلاحهم، إذا المعتبر عندهم فيه قدر المتحركات، ولا يبالون بالسواكن قلَّت أو كثُرت، وكذلك لا يعدون الهمز المتحرك الواقع في أوائل الأشطار، ويسمون المصراع تافلويت، وما أدرى اشتقاقها، وهذا يسمونه طلعة، وضابطها أن تكون على ستة أشطار، ثلاثة هي الأولى على روى واحد، وبعدها واحد على روى آخر الكاف الذي تقدمها، وبعدها شطران أحدهما مساو للثلاثة التي تقدمته، والآخر على آخر ما قبله وهكذا، وأقل الطلعة ستة، كما تقدم، ولا حد لأكثرها، وقوله أفكل أنوال: أصله في كل، وأنوال عندهم تقال لبيوت من الشعر غير كثيرة، وقوله: أسر من حنش: اصله أسرى، أي أكثر منها سرى، أو حنش هي الحية الأنثى، ومذكرها إحنش عندهم، وهذا غير المعروف في لغة العرب، لأن الحنش تقال للذكر والأنثى من الأنواع التي اختلف فيها عندهم، ومعنى ما خل: ما ترك، وسروال: هو المعروف عند المشارقة أيضا، مع أن الصحيح سراويل، وهو مفرد ملحق بالجموع، وقيل: هو جمع، ومفرده سروالة، وأنشدوا عليه قوله:
عليه من اللؤم سروالة
…
وليس يرق لمستعطف
ومنها:
ما فَمْ اتْمَغْفِيرْ
…
وِبْلَاخِيْم اكْبِيرْ
اتْشُوُفْ البِنْدِيرْ
…
مِنْ عِزِّتْ لِعْشَ
يوكَلْ لَيْنْ الخَيْر
…
يَبكَ يِدَّشَّ
قوله: فم، أصله ثم. وهي لغة معروفة في ثم، وليست دخيلة ولا عامية، واتمغفير: معناه التخلُّق بأخلاق بني مغفر، قبيلة كبيرة، وهذه التسمية تطلق على كثير من الترارزة، كما يقال: تمعدد الرجل: إذا صار جسمه كأجسام بني معد، قال:
ربَّيتهُ حتى إذا تمعددا
…
وآض نهداً كالحصان أجردا
كان جزائي بالعصى أن أجلدا
وبنو مغفر: قبيلة كبيرة في نواحس فاس، وهم أخوال ملوك الغرب، إذ أمهم أي ملوك الغرب، السيدة خنائي بنت الشيخ بكار العالمة المشهورة، ذكرها صاحب الاستقصا في تاريخ المغرب الأقصا، وذكر أن لها حواش في هامش نسخة من كتاب الإصابة لابن حجر بخطها، والخيم عندهم حسن السجية، وقريب منه ما في التاج. قال وفي المحكم: هو الخلق، وقيل سعة الخلق، فارسي معرب. وتشوف، بمعنى ترى، والبندير عندهم بمعنى صاحب العظمة والكبرياء، ولعش، أصله العشاء، ويوكل، أصله يأكل، وهذه اللغة هي الدارجة هنالك، وهي صحيحة، مثل أكد ووكد ويبك (بكاف معقودة) بمعنى يبقى، ويدش، بمعنى يتجشأ بذمه بالشره، وبالجملة، فقد أثر فيهم زجله، أكثر مما لو كان نظم فيهم شعرا من أضراب، قفا نبك: لانهم لا يفهمونه.
ومما اتفق، إنه كان يوما راكبا مقبلا من جهة، فرآه أحدهم وهو راكب أيضا يقصده، فعرفه قبل أن يقرب منه، وكان تحت ذلك الراكب شيء من اللحم معلق، فقطعه ورمى به خوفا أن يراه عنده فيظنه ممن وصف، وهذا الزجل يسمونه
الغناء، ويسمون صاحبه مغنيا، سواء كان عالما أو جاهلا، شريفا أو وضيعا، وليس هو بمنزلة المغنى عند المشارقة، فإن ذلك من يغنى للناس ليأخذ منهم أجره، فإن هذا في بلاد شنقيط، لا يتعاطاه إلا طائفة يسمونها إيكاون (بكاف معقودة) ومفردهم إيكو، وعادة أولئك، أن من يحب السماع يذهب إليهم في بيوتهم فيغونه ذكرهم وأنثاهم، صغيرهم وكبيرهم، لا يستحيي بعضهم من بعض، أعني إيكاون، ولهم أوتار يضربونها ولها أعصاب، فإذا حرَّك أحدهم وتره، علم الماهر من الحاضرين يضرب في أي ظهر، وهو ما يقابل البحر الذي أنشده منه بيتا يكون طويلا أو بسيطا، أما الذي يطرب بصوته من غير هذه الطائفة، فيسمونه نشاداً، ويزعم أهل تلك البلاد، أن إيكاون أصلهم يهود أسلموا، ولم أر ما يصحح زعمهم.
ولنرجع لصاحب الترجمة فنقول: إنه كان راوية لأشعار العرب، عالما بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ظريفا لا تمل مجالسته، ولا يسمع في مجالسه إلا ما يعلى الهمم، ويحض على التقوى والدين، ومن جيد شعره قوله يرثى الشيخ سيدي:
الأرضُ بعد الشيخ ثَكلَا يالها
…
قد زُلْزِلَتْ من فَقْدِهِ زِلْزَالَها
أنَّى لها تجِدُ السُّلُوَّ وَرَاَءه
…
عزَّ السُّلُوُّ وَرَاَءهُ أنَّى لها
يا لِلْحَوَائج والخطوبِ إذا دَهَتْ
…
ذهَبَ المُعَدُّ لهنًّ كان فيالها
رُزْءٌ أصاب العالمين جميعَها
…
أطفالها ونساَءها ورجالَها
كهفُ البرِيَّةِ حاملٌ أَعْبَاَءها
…
دون الورى ومصدّق آمالّها
غوثُ الأنام إذا السُّنون تتايَعَتْ
…
والأرضُ أَصْبَحَ ماؤُهَا صَلْصَالَها
كم كاعِبٍ أو فارضٍ أو يافعٍ
…
أو عائل قَدِمَتْ إليه فعالَها
كم عصبة ضربت إليه جيادَها
…
وَعِصَابَةٍ ضَرَبت إليه جِمَاكها
تَبْغي حوائج من يديهِ كثيرة
…
حطت لهنَّ سرُوجَها وَرِحَالهَا
الواهبُ الجردَ العتاق وقد حَمَتْ
…
قَصَب الرهان إذا تجول مَجَالها
إِنَّ العَطِيَّةَ لا يَتِمُّ نفاذُها
…
إلا وَأَرْدَفَ بعدَها أمثالَها
دارٌ رأى إقبالها إدبارَها
…
ورأى الورى إدْبَارَها إقبالَها
ومنها:
مَأوَى الورى قطبُ الرحى مَنْ جاَءهُ
…
يَجِدَ الرَّحى أبداً تحكّ ثِفَالَهَا
ويجدْ كريمة شولهِ معقولةً
…
بالباب قد خَضَبَ النَّجيعُ عِقالَها
تخشى المساء أو الصباح سوامهُ
…
فكلاهما انتظرت بهِ آجالهَا
فالناسُ ينتجعونَ سَيْبَ يمينهِ
…
لا سيفَها وسنانَها وبلالَها
كم ليلة أو بلدةٍ أحياهما
…
بالذكرِ والحَفْرِ المفيض زُلالَها
لمَّا رأى سُبُل الرِّفاقِ مَضَلّةً
…
عَمَرَ البلادَ وهادَها ورِمالهَا
منَع البلادَ مِنْ أن تُصابَ بَسَيئٍ
…
حَتى أجارَ من الرُّعاةِ سَيالَها
وإذا العُدَاةُ مَعَ العُدَاةِ تَقابَلَتْ
…
وضَعَ العُداةُ عن العُداةِ نِبالَها
وحَمى جميعَ العالمينَ حِمايةٍ
…
لَمْ تحمها أسد الشَّرَى أشبالَها
لكنَّما المولى رحيمٌ بالوَرى
…
فالتَحمَدِ المولى الذي أبْقى لها
مَنْ كان وارث سِرِّهِ ومقامِهِ
…
حَذْوَ الرِّجالِ على النّعالِ نعالَها
أتَتِ الخِلَافَةُ مَرْبعاً قد طالما
…
سَحِبتْ بهِ منْ قبلِ ذا أذْيالَها
وتَسنمتْ أرآمُها أرآمَها
…
وتكَنَّستْ أطْلَاؤها أطْلالها
وهذا ما بقى في خاطري منها وهي طويلة. ومن جيد شعره، قوله في موعظة ذكر فيها ثلاثة تجار من النصارى، مشهورين بكثرة المال، اسم أحدهم ويتْ، واسم الآخر ججم، واسم الآخر كزبار (بكاف معقودة).
اجْعَلْ جميعَ السَّعْي في الإِلِه
…
لا في التّجارَةِ ولا المَلَاهِ
مُغْتبِطُ الدُّنيا حَرٍ بالنّدَمِ
…
وغيْرُ فاطِرِ السمّا لم يَدُم
فَلْتَسْرَع العِبادُ بالسّباقِ
…
لِرّبها الحيّ القيُّومِ الباقِي
فإنما الدُّنيا كمحْضِ العَدِم
…
لا هِيَ بالبقا ولا بالقِدَمِ
عَنْ جِجَمٍ زَالتْ وقَّلَ عَجَمي
…
وعَرَبيّ في الغِنا كجِجَم
بَعْدَ اشْترائِه لِكلّ عِيرِ
…
عَدَلَ للخُلُودِ في السّعِيرِ
بَعْدَ اشتِراءِ كُنْدَرِ الأغْلالِ
…
أصَبَحَ في القُيُودِ والأغْلالِ
خَلاّ قِلَالَ الشّهْدِ في انتظامِ
…
وهْوَ أعُوذُ بالإِلهِ ظامِ
وقَعَ في عظامِهِ العِظامِ
…
تَزَلّعُ اللّحْم عَنِ العِظام
مِنْ قَصْرِه ولَجَّ في الجحيم
…
ولَمْ يَلِجْ في رحْمةِ الرَّحيم
ولمْ تُفِدْ فِيما إليهِ صَارا
…
يا ويْحهُ مَكائدُ النّصارى
حَلَّ بهِ يا ويْحَهُ الوَبارُ
…
ويَقتَفى سَبيلُه كَزْبارُ
قَبلهُما قَدْ هَلكَتْ وبارُ
…
وأُمَمٌ تَنَعّمُوا وبارُوا
لباسُهُمْ لمّا مَضَوا غُبارُ
…
ودَمُهُمْ إذ قُتلوُا جُبارُ
وأصْبَحتْ مِنْ بَعدِها الدّيارُ
…
وهْيَ يبابٌ ما بها دَيّارُ
لَمْ يَقٍ وِيتاً وهْوَ حَيٌّ مَيتٌ
…
فُلْكٌ ولا حُصْنٌ ولا كُمَيتُ
ولا دَجَاجةٌ ولا حَمامُ
…
لَمّا عَليه أشْرَفَ الحِمامُ
يَرَى الخنَازِيرَ تُداسُ بالعَمَدْ
…
مَا كانَ ذاك ظنَّهُ طُولَ الأمَدْ
تَقْتُلها أرَاذِلُ الرُّعاةِ
…
وكانَ جَبَّاراً قَوِيًّا عَاتِ
كانَ القَتَادُ دُوُنَها والضّالُ
…
حَتى أتاهُ دَاؤُهُ العُضَالُ
تَبًّا لهُ مِنْ مَعْشَرٍ إفْرَنْجِ
…
يَلْعَبُ بالبَّرْدِ وبالشّطْرَنْجِ
فَمالهُ في اللهِ دَمْعٌ ذَارِفُ
…
شَغَلَهُ النَّعيمُ والزَّخارِفُ