الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن الأمين بن الحاج البوحسني
هو العالم الذي لا يغلب في الحجاج، الشقروي، ثم القدمى. تفنن في اللغة والكلام، وغير ذلك. وكان جريئا، سليط اللسان، تخافه الناس. وشذّ في أقوال، أوجبت له ان يرمى بالزندقة، من أهل وقته. قالوا: أنه كان يأمر تلامذته بالأكل في رمضان، ما لم تطلع الشمس، وأنه كان يقول لهم: أمفروا، في ألفاظ يأمرهم أن ينطقوا بها. ثم يقول: إني سأردكم إلى الإسلام. وكان يقول: إن الطلاق بالثلاث، إذا وقع دفعة واحدة، لا يكون إلا واحدة.
وقد ألف العلامة محنض باب الديماني في تضليله. وقيل: إنه كفره، وأكثر العلماء يعتد عليه بما تقدم، ويحط من قدره لذلك، وليس من الصواب تكفيره بمسألة الطلاق المتقدمة للخلاف فيها. فإن شيخ الإسلام ابن تيمية، كان يقول بها أيضا. وذكر الشيخ عليش في حاشيته على الدردير، ما يفيد أن فيها خلافا، ولفظه: والإجماع على لزوم الثلاثة، إذا أوقعها في لفظ واحد. نقله ابن عبد البر وغيره، وفيه نظر، لقول ابن سلمون: اختلف في الطلاق، إذا أوقعه ثلاثا في كلمة. فقيل: انه يلزمه طلقة واحدة. فإن الله تعالى إنما ذكر الثلاث مفرقا، فلا يصح إيقاعه إلا كذلك. وهو قول على، وابن عباس، وجماعة من الصدر الأول. وقال به أهل الظاهر، وطائفة من العلماء. وأخذ به جماعة من شيوخ قرطبة: ابن زنباع، وابن عبد السلام، وأصبغ بن الحباب وغيرهم، من الأندلسيين، وقيل: تلزمه الثلاث، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وهو قول مالك. والذي عليه جمهور فقهاء الأمصار وجل العلماء.
وسئل ابن رشد: في كتاب عقد وثيقة برجعة من الطلاق المذكور دون زوج، فقال: هو رجل جاهل ضعيف الدين، فعل ما لا يسوغ بإِجماع من أهل العلم. إذ
ليس من أهل الاجتهاد، فيسوغ له مخالفة ما أجمع عليه فقهاء الأمصار. وإنما يجب عليه تقليد العلماء في وقته، ولا يسوغ له ان يخالفهم برأيه، فالواجب أن
ينتهي عن ذلك، فإن لم ينته أدب، وكانت جرحة فيه تسقط إمامته وشهادته. اهـ وحاصله وجود الخلاف، ولكن لا يفتى إلا بما عليه فقهاء الأمصار، فلعل مراد الحافظ ابن عبد البر بالإجماع: إجماعهم لا إجماع الأمة. والله أعلم.
وفي إعلام الموقعين لابن القيم: إن المطلق في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وزمن خليفته أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر، كان إذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد، جعلت واحدة. كما ثبت ذلك في الصحيح عن ابن عباس، فروى مسلم في صحيحه عن ابن طاووس، عن أبيه عن ابن عباس:(كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه إناءة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم) اهـ.
وفي بعض الروايات قال ابن عباس رضي الله عنه: (بل كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من إمارة عمر، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم).
ونقل أحاديث تدل على ما عليه الأكثر، وبعضها يدل على ما عليه ابن تيمية. ونقل صحتها عن الإمام أحمد، وضعف ما أخذ به الأكثر. وقال: ان ما عليه ابن تيمة لم تجتمع الأمة ولله الحمد على خلافه، بل لم يزل فيهم من يفتى به قرنا بعد قرن، وإلى يومنا هذا فأفتى به حبر الأمة، وترجمان القرآن: عبد الله بن عباس. كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس (إذا قال: أنت طالق ثلاثا، بفم واحد، فهي واحدة) وأفتى أيضا بالثلاث. أفتى بهذا وهذا. وأفتى بأنها
واحدة. الزبير بن العوَّام، وعبد الرحمن بن عوف، حكاه عنهما ابن وضاح. وعن علي - كرم الله وجهه - وابن مسعود روايتان. كما عن ابن عباس، وأما التابعون، فأفتى به: عكرمة، رواه إسماعيل بن إبراهيم عن
أيوب عنه. وأفتى به طاووس. وأما تابعو التابعين، فأفتى به: محمد بن إسحاق، حكاه الإمام أحمد وغيره عنه، وأفتى به خلاس بن عمر والحارث العكلي. وأما أتباع تابعي التابعين، فأفتى به: داود بن علي، وأكثر أصحابه حكاه عنهم: ابن المغلس وابن حزم وغيرهما. وأفتى به بعض أصحاب مالك، حكاه التلمساني في شرح تفريع ابن الجلاب، قولا لبعض المالكية. وأفتى به بعض الحنفية: حكاه أبو بكر الرازي، عن محمد بن مقاتل، وأفتى به بعض أصحاب أحمد. انتهى الغرض منه.
وقد أشبع الكلام على هذه المسألة، والغرض الاعتذار عن صاحب الترجمة، لان ما وقع فيه خلاف لا يضلل القائل به، ولعل ما تقدم من تضليل العلاّمة محنض باب له إنما، يتعلق بالمسائل الكلامية ونحوها، ولم أقف على شيء من شعره، سوى قصيدته الطنانة، التي هجا به العلامة محنض باب بن اعبيد الديماني، لما نسبه إلى ما تقدم بيانه، وهي:
على أطلال مَيَّ قفوا وحيُّوا
…
وإن لم يبق بالأطلالِ حَيُّ
ولا تلفوا خلياً مَعْ شجيّ
…
فيهلكَ دون صاحبه الشجيُّ
مغانٍ كنتُ فيها ذا فراغٍ
…
وعن غير المجون أنا الغنيُّ
أتت حجج عليها وهْيَ مأتيً
…
لهوج الريج يخلفها الأتيُّ
سَرَتْ أطعانُ ميَّةَ عن برُوقٍ
…
سَرَتْ وهْناً وقائدها سَرِيُّ
بكل ندٍ هبَلٍّ قيسرِيٍّ
…
حواليْهِ هَبَلٌّ قيسرِيُّ
ومنها:
عَلَىَّ على الدنيُّ وإنَّ إذًّا
…
على ذِي المجدِ أن يَعلو الدنيُّ
عليكم بالمَلاءِ فذا زمانٌ
…
ولو كلباً يسُودُ به المَليُّ
والذي يظهر، انه كان في القرن الثالث عشر، لأنه عاصر محنض باب.