المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محمد بن حنبل بن الفال البوحسني - الوسيط في تراجم أدباء شنقيط

[أحمد بن الأمين الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌قَبيلَةُ إِدَوْعَلِ

- ‌ابن رازكه

- ‌حرم بن عبد الجليل العلوي

- ‌محمد بن سيدي عبد الله

- ‌باب بن أحمد بيب

- ‌سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم

- ‌أُبَّدَّ

- ‌محمد بن سيدي محمد

- ‌التجاني بن باب بن أحمد بيب

- ‌الهادي بن محمد

- ‌حرم بن عبد الله

- ‌محمد الحسن بن محمد عبد الجليل

- ‌إجْدُودْ

- ‌محمد محمود بن اكتوشنِ

- ‌سيدي محمد بن سيدي عبد الله

- ‌العمُّ بنْ أحْمَدُّ فَالْ

- ‌فتىً بنُ الحاج

- ‌سيدي أحمد بن محمد الصُّغير

- ‌محمد لحبيبْ بن لمرابط

- ‌عبدُ الله بنُ أحمد بن الحاج أحماه الله الغلاوي البكري

- ‌النابغة الغلاوي البكري

- ‌قبيلة إديقُب

- ‌ويقال لهم اليعقوبيون

- ‌أمحمد ابن الطلب

- ‌مولود بن أحمد الجواد

- ‌لِمْجَيْدري بن حبيب الله

- ‌المأمون

- ‌البخاري بن المأمون

- ‌شيخنا

- ‌محمد مولود بن محمد بن تكرور

- ‌العتيق بن محمد ابن الطلب

- ‌صُلَاّحي بن المامي

- ‌شعراء بني ديمان

- ‌محمد بن سعيد الديماني

- ‌مَحَنْضْ بَابَ بْنُ أعْبَيْدْ الديماني

- ‌ابن عَبْدَمْ الديماني

- ‌صُلَاّحي الديماني

- ‌المختار بن ألُمَّا

- ‌شعراء أولاد ابْيَيْرِ

- ‌الشيخ سيدي بن المختار بن الهيب الأبييري

- ‌سيدي محمد بن الشيخ سيديّ

- ‌شعراء تجكانت

- ‌المختار بن بون الجكني

- ‌ابْن عَيْدُّ الجكني

- ‌ابن مقامي الجكني

- ‌الإِمام بن محمذ الفغ الجكني

- ‌شعراءُ إِدَا بْلِحْسَنْ

- ‌سيدي عبد الله بن أحمد دام

- ‌محمذ بن السالم

- ‌الأحول

- ‌محمدُّ بن حنبل بن الفال البوحسني

- ‌هبةُ الله بن محمذٍ حبيب الله البوحسني

- ‌أحمد باب بن عينين البوحسني

- ‌ابن الأمين بن الحاج البوحسني

- ‌بُلَاّ بْنُ مكبد البوحسني

- ‌محمد سالم بن يا محمد بن لبيد

- ‌أبو بكر بن فتى بن فال الحسن البوحسني

- ‌اشويعر

- ‌ابن المحمود البوحسني

- ‌عبد الله بن أيّ

- ‌محمد بن لِحْظَانَ البوحسني

- ‌الطائع البوحسني

- ‌شعراء تندغ

- ‌محمذ فال بن متالي

- ‌معاوية بن الشّدُّ التندغي

- ‌المصطفي بن جمال

- ‌أحمد بن أمين بن الفراء التندغي

- ‌شعراء مِدْلِشْ

- ‌بو فمين

- ‌الأحنف المجلسي

- ‌المجدد البوحمدي

- ‌أحمد البدوي المجلسي

- ‌حماد المجلسي

- ‌مولود بن أغشممت المجلسي

- ‌محمد عثمان ابن أغشممت المجلسي

- ‌سيدي أحمد بن الصبار المجلسي

- ‌لِحْرَاكاتْ

- ‌باباه الأحراكي

- ‌امحمد بن هَدَّارْ

- ‌باب الأفراد

- ‌هذا باب جعلناه للأفراد

- ‌وهم من لم ترو لأكثر من واحد من قبيلته

- ‌الشيخ سيدي المختار

- ‌عبد الله بن سيدي محمود

- ‌الشيخ ماء العينين

- ‌مبايعته للسلطان مولاي الحفيظ

- ‌إدْيَيْجَ بن عبد الله الكمليلي

- ‌غالي بن المختار فال البُصاري

- ‌عبد الودود بن عبد الَّ بن انجبنان الألفغي

- ‌محمد مولود بن أحمد فال

- ‌الحسن بن زين بن سيد اسليمان القناني

- ‌اعمر مولود بن شيبة الأنتابي

- ‌محمد محود بن التلاميد التركزي

- ‌ما وقع بينه وبين الشيخ الدراج المغربي

- ‌ما وقع بينه وبين السيد علي ظاهر الوتري

- ‌ما وقع بينه وبين السيد أحمد البرزنجي

- ‌أغلاطه في رحلته

- ‌ما وقع بين محمد محمود المذكور

- ‌وشيخ المالكية الأستاذ سليم البشرى

- ‌سفره إلى اسبنيول

- ‌خروجه من المدينة

- ‌الفصول التي وعدنا بتذييل هذا الكتاب

- ‌الكلام على شنقيط وتخطيطها

- ‌فصل في شنقيط وحدودها وما يتعلق بذلك

- ‌ المغرب)

- ‌الكلام على شنقيط هل هي من السودان أو من

- ‌الكلام على تاريخ عمارة شنقيط

- ‌الكلام على جغرافية بلاد شنقيط

- ‌الكلام على آدرار تفصيلا

- ‌الكلام على طرق حيط آدرار

- ‌الكلام على أظْهَرْ

- ‌الكلام على أوْجفتْ

- ‌الكلام على جانب آدرار الشرقي

- ‌الكلام على واداق

- ‌الكلام على الباطن

- ‌الكلام على هوى آدرار

- ‌الكلام على الزرع في آدرار

- ‌الكلام على أشجار آدرار

- ‌الكلام على لعِصْايبْ

- ‌الكلام على مقطيرْ

- ‌الكلام على الساقية الحمراء

- ‌الكلام على إينشيري

- ‌الكلام على تيرس

- ‌الكلام على الخط

- ‌الكلام على أركيطه

- ‌الكلام على تكانت

- ‌(بكاف معقودة)

- ‌الكلام على مبدأ عمارة تيججكة والسبب فيها

- ‌الكلام على صفة تيججكة

- ‌الكلام على تامورِتْ انعاج

- ‌الكلام على أشجار تكانت

- ‌الكلام على الباغصه

- ‌الكلام على اركيبه

- ‌الكلام على اركيبه الكحله

- ‌الكلام على اركيز

- ‌الكلام على أفلَّه

- ‌الكلام على آوكار

- ‌الكلام على الحوض

- ‌الكلام على أظهر

- ‌الكلام على أزواد

- ‌الكلام على أروان

- ‌الكلام على لمرية

- ‌الكلام على تيشيت

- ‌الكلام على آكان

- ‌الكلام على فاي

- ‌الكلام على آوكار

- ‌الكلام على آمشتيل

- ‌الكلام على لعكل

- ‌الكلام على إكيدي

- ‌الكلام على أظهر وانوللان

- ‌الكلام على شمامه

- ‌الكلام على سكان شنقيط وجنسهم

- ‌الكلام على الزوايا

- ‌ما يحمد من أمر الزوايا وما يذم

- ‌الكلام على حسان وسيرتهم

- ‌الكلام على الترارزة

- ‌الكلام على أبناء دامان

- ‌الكلام على حروب الترارزة

- ‌الكلام على غدرة محمد لحبيب

- ‌الكلام على غدرة سيدي بن محمد لحبيب

- ‌الكلام على غدرة اعل بن محمد لحبيب

- ‌الكلام على حروب حسان

- ‌حروب تفرجنت وأبناء بنيوك

- ‌حروب إدوعيش

- ‌الكلام على أولاد امبارك

- ‌الكلام على انمادِي

- ‌الكلام على حسان شنقيط من حيث الشجاعة في

- ‌الحرب

- ‌حرب بكار واشترتيت

- ‌حروب الترارزة

- ‌الكلام على أحيى من عثمان

- ‌حروب الزوايا وحسان

- ‌حرب شرْبَبّهْ

- ‌ناصر الدين

- ‌حروب كنته وإدوعيش

- ‌حروب الزوايا مع بعضهم

- ‌حرب إدوعل البيض والكحل

- ‌حرب أهل شنقيط وأهل وادان

- ‌حرب إدوعل وإدابلحسن

- ‌يوم لِغبيبيري

- ‌يوم ايرْزيكْ

- ‌يوم بوطريفيه

- ‌يوم إبلحنوشه

- ‌يوم تندوجه

- ‌حرب كنته وإدولحاج

- ‌حرب كنته وتجكانت

- ‌حروب تجكانت والأغلال

- ‌حروب انبيز

- ‌حرب كنته وأولاد بسباع

- ‌أي (أبي السباع)

- ‌الكلام على لغات أهل شنقيط وأصلها

- ‌الكلام على كلام أزْناكهْ

- ‌الكلام على اللغة الحسانية

- ‌الكلام على الضاد

- ‌الكلام على العلم في شنقيط

- ‌كيفية التعليم عندهم

- ‌تعب العالم في شنقيط وما يكابده من المشاق

- ‌كيفية إلقاء الدرس عندهم

- ‌تأديب المدرس للطلبة

- ‌الكلام على طلب العلم

- ‌التجارة في شنقيط

- ‌تجارة أهل شنقيط فيما بينهم

- ‌الصناعة في شنقيط

- ‌الزراعةُ في شنقيط

- ‌عاداتهم في الزواج والولائم

- ‌الكلام على التاريخ في شنقيط

- ‌الكلام على المكاتبة في أرض شنقيط

- ‌القضاء في شنقيط

- ‌البيع والشراء في شنقيط

- ‌ما بقي من الشريعة في شنقيط وما ذهب أثره

- ‌الحيوان في شنقيط

- ‌صفة الخيل العتاق في شنقيط

- ‌السباع في شنقيط

- ‌الحيات في شنقيط

- ‌الكلام على المرض والصحة في شنقيط

- ‌الكلام على السحر في شنقيط

- ‌الكلام على أمثال أهل شنقيط

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف العين المهملة

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الواو

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الياء

- ‌الكلام على الطب في شنقيط

- ‌خاتمة الكتاب

الفصل: ‌محمد بن حنبل بن الفال البوحسني

ومنْ شاَء فلينظرْ عَواقبَ مَعشرٍ

جَنى حَرْبنا يَزْجُرْهُ شُؤمُ العواقب

ومما ينسب إليه:

أَضْنَوْكَ بالبينِ حتى قِيلَ مَن راقِ

والْتَفَّتِ السَّاقُ يَوْمَ البَيْنِ بالسَّاقِ

يا أُخْتَ يوسُفَ إني بعدَ بينِكُم

أشْبَهْتُ يَعْقوبَ في حُزْنٍ وأشواقِ

لوْلا القميصُ الذي جاَء البشيرُ بهِ

حَتى انجلى بَثُّ يعقوبَ بن إسحاقِ

وله أيضا:

شَدُّوا المَهاري بأكوارٍ وأحْحداجِ

وأدْلجوا تحتَ ليْلٍ أَلْيَلٍ داجِ

وأصْبَحَتْ دارهم قَفْرًا مُعْطلةً

مبكى دواعي هديل شجوُها شاج

تلوحُ آثارُ مَن بانوا بمعْهدِها

مثلَ البرُودِ وشَتْهَا كفُّ نسَّاج

فما عَلمتُ ولم أشعَرْ ببينهِمُ

إلا بجونٍ مِنَ الغِرْبان شَحّاج

فظلَّ يَشْحَجُ فاهتاجَ الفؤادُ لهُ

لله ما هاج شَحَّاجٌ لمُهتاج

تبًّا لِعيسٍ نأتْ عَني بناعِمةٍ

غَيْداَء رَيَّانةِ الحِجْلين مِغْناج

تَسبى فؤادَ الحليمِ المرعوي بدُجى

ليْلٍ ووجهٍ كضوْءِ الصُّبْحِ وهَّاج

ومات رحمه الله في صدر القرن الثالث عشر، في وقعة تندوج، كما تقدم.

‌محمدُّ بن حنبل بن الفال البوحسني

أصله من تاكنيت، كفخذه أهل محملفك، هكذا ينطق الناس بهم، ولعل الأصل، محم بن فك. وهو من أقارب الأحول، المتقدم قبله.

كان محمد هذا، من العلماء الأعلام، واشتهر في اللغة في ذلك القطر، حتى قيل بتقدمه على معاصريه فيها. وكان نحويا، وله اليد الطولى في البيان. وكان حريصا على طلب العلم، يقال أنه مكث سبع سنين منقطعا لطلب اللغة، وأنه في تلك السنين، لم يذهب إلى زيارة أهله مع قربهم منه. وقد انتقد عليه بعض

ص: 311

الناس قوله في قصيدة، يمدح بها سيد بن محمد لحبيب، شيخ الترارزة في صفة الخيل:

فتبيتُ نافشة هناك جياده

خضر الجحافل من غمير خلاها

فإن النفش خاص بالغنم، كما نقل عن ابن دريد، وأدخل القاموس الإبل مع الغنم. وعن بعضهم: انه قد يطلق على جميع الدواب، فلا اعتراض إذا، وانتقد عليه بعضهم أيضا قوله:

إن صبا متيما مستهاما

ثم في أوفدى سقيت الغماما

قد من اقتاد حسن قدك قدما

قدر ما إن تكلميه كلاما

لوم في حبها الملامِ اللواغي

ولو استشعر الغرام الملاما

فإن البيت الثاني، اجتمعت فيه خمس قافات، وهذا مستكره على السمع، وقد عاب الأصمعي مثله على إسحاق بن إبراهيم الموصلي في معاتبته للمأمون:

يا سرحة الماء قد سدَّت موارده

أما إليك طريقٌ غيرُ مسدود

لحائمٍ حام حتى لا حوام بهِ

محلإِ عنْ سبيلِ الماءْ مطرود

فقال الأصمعي: أحسنت في الشعر، غير أن هذه الحاءات لو اجتمعت في آية الكرسي لعابتها. وكذلك عيب عليه قوله: م اللواغي. فإن أصله من اللواغى. ونون من، إنما حذفتها العرب قبل آل المظهرة، ولم تحذفها قبل المدغمة، كقول الشاعر:

كأنهما م الآن لم يتغيرا

وقد مرَّ للدار بن من بعدنا عصر

وانتقدوا عليه أيضا من تلك القصيدة. قوله يعني سيد بن محمد لحبيب:

ملك تدين له الملوك مطيعة

وبعزّ خدمته تحوط حماها

لأن الممدوح ليس بملك، ولا قريب منه، ولأنه يعطي الغفر لِتُكنَ

ص: 312

وقائدهم، من صغار قياد السلطان. ومما فضل له عمر بن الخطاب زهير. إنه كان لا يمدح أحدا بغير ما فيه. وقال المعري:

فلا تمدحاني بمين الثناء

فأحسن من ذاك أن تهجواني

وأراد أن يفاضل بين بطنين من أولاد ابيير، اسم أحدهما: أهل احميد (بكسر الدال) واسم الثاني: أهل باب (بضم الموحدة) فقال:

حين دون الجميل أغلق بابُ

فتح البابَ دونه آل بابُ

ليس تخفى علامة الرَّفع فيهمْ

حين خفضٌ لغيرهم إعرابُ

فأجابه شاعر من المعرض بهم. فقال من أبيات لم تحضرني:

ما على معربٍ بخفض عتابُ

وببسم الباقي يساقُ الصوابُ

المعنى: إن أسماء الله تعالى، وقعت مجرورة في القرآن، نحو بسم الله الرحمن الرحيم. فقال ابن حنبل:

الكتابُ العزيز نعمَ الكتابُ

من به احتجَّ ما عليه عتابُ

واعتراضٌ به أحجُّ اعتراضٍ

فبماذا يكون عنهُ الجوابُ

لكن انْسدَّ باب صوبِ مرادي

عنكَ فانسدَّ عنك منهُ الصّوابُ

إنّ نحو النحاةِ لو كان نحوي

لأتى حجة عليّ الكتابُ

إن نحوي في سورة وهبت لي

فنفى الفقر عَنيَ الوهَّابُ

وأحاديثُ ثيباتِ المعالي

كان فيها عن مقصدي إعرابُ

وفنون البديع يفتحُ منها

للمورّي البليغ إن شاَء بابُ

ص: 313

وكان مولعا بالعلم منكبا على طلبه في أول أمره، فلما حصل عليه، اشتغل بتعليمه

للناس، وكان يحضهم في أشعار عليه. ومن جيد شعره، قصيدته التي مدح بها الشيخ سيدي، ثم حض على العلم فيها، وقد عاب عليه بعض الناس فيها كثرة السناد وهي:

أضْرَمَ الهمَّ سُحَيْراً فالتهبْ

لَمْعُ بَرْقٍ برُبَيَّاتِ الذَّهَبْ

في شمارِيخ ثِقالٍ دُلَّحٍ

كتهادي العِيس في الوعْثِ النُّكُبْ

أسَدِياتٌ عليها ألْوَةٌ

أن نَجُودَ الأرْضَ سَبْتاً وتُرِبْ

جدْنَ ذا الرِّسْلِ بسَيْلٍ مُفعَمِ

والمَراجيعَ بسحساحٍ لَجِبْ

وعلى ذي التَّيْلميتِ اسْتَوْسَقَتْ

لمَزارِ الشيْخِ تَهْدِى بالهِضَبْ

وأنْهَمي بالعينِ مِنها أبْمُنٌ

وبذِي الغاب مياسِيرُ سكُبْ

فحدَتْها الريحُ هَوْناً تَقْترِى

كلَّ وادٍ وَرِهاءٍ وصَبَبْ

يُرْزِمُ الرَّعدْ خطِيباً بينها

كهرِيمِ القَرْمِ في الشَّوْلِ الخِدَبْ

فرنا العقلُ إليها مثلَ ما

نظرَ الصَّبُّ إلى الخوْدِ الوصِبْ

فأجَنّتْ حسداً أهضامها

لرباها والجماهيرُ اللبَبْ

ص: 314

ثمَّ وافتها رواءِ هُمّعاً

لِذُرُورِ القرْنِ لوْ لم يحتجبْ

بسجالٍ من منيفاتِ الذُّرَا

وطُفِ الاكتافِ جِمَّاتِ السَّرَبْ

فكأنَّ المُزْنَ تبكي مُلْحَداً

في رُبا العقلِ بدَمْعٍ منْسَكِبْ

تذَرُ السَّرْحَ صريعاً للقفا

خاشِعَ الأرواقِ مرْفوعَ الطُنَبْ

وتَهُدُّ التَّلَّ مِن أعرافِهِ

بأخادِيدَ تُملّيكَ رُعُبْ

يا لها من غادِبَاتٍ قدْ كفَتْ

مانحَ العُقْلِ لها شَدَّ الكرَبْ

فتَحلَّتْ يِلُجَبنٍ حَوْلهُ

من نَضيرِ النبتِ أبرادٌ قُشُبْ

فأقامَ الذُّبُّ في الرَّوْضِ الغَنا

وأقام البتر في الماءِ الصَّخَبْ

وشنوف الطَّلْحِ قدْ نِيطتْ بهِ

كشُنُوفِ الغِيدِ خُضْراً تضطرِبْ

والحمامُ الوُرْقُ تشدُو بالضحى

فتذُوَبُ النفْسُ شَوْقاً وطرَبْ

رُبَّ بيضاَء خَلوبٍ لحظها

مالها في العُجْمِ شِبهٌ والعرَبْ

تحتَ ليلِ الفَرْعِ منها قمرٌ

فوق غصنٍ فوْق حِقْفٍ مُنكثِبْ

يُقْبِلُ الشَّوْقُ إذا ما أقبلتْ

يُدْبرُ الصبرُ إذا ما تَنقلِبْ

بابليُّ السّحْرِ في أجْفانِها

بابليُّ الرَّاحِ منها في الشنَبْ

زُرْتُ والظلْماءُ مُرْخىً سَدْلُها

غَيْبةَ الواشي وفقْدَ المرْتَقِبْ

رُبَّ تَيهاء نزُوَحٍ ماؤها

يَنْأمُ البُومُ بها كالمنتحِبْ

وتضلُّ الكُدْرُ في أرْجائها

بالحُسا الصُّفْرِ عَن أفراخٍ زُغُبْ

ص: 315

جُبْتُ والليلُ مُغطٍّ قُورَها

بفُتِيّ ومَارسِيلَ نُجُبْ

وقَرِيضٍ بتُّ أبني فَغَدا

مِثلَ نظمِ الغِيد تقصارَ الذهَبْ

آخذاً منْ لحنِ أقْحاحِ اللُّغى

مُضَّغَ القيْصُومِ والشيخ النُّخَبْ

مَنْ لآلى حاضِريهِمْ أصطفى

ومن الأعرابِ رُشافَ العُلَبْ

ما تعاطى اللُّسْنُ في أندئهمْ

وتَعاطْوهُ بأفواهِ القُلُبْ

وأداروهُ عُصوراً بينهمْ

لابتناء الفخرِ أيامَ الغَلَبْ

إنّ خيرَ الزّادِ يا صاحِ التُّقى

فبهِ المجدُ التمسْ لا بالنسَبْ

في التقى عِزٌّ وكثرٌ وغنىً

دون سُلطانٍ وجُندٍ ونَشَبْ

هُوَ دون العلمِ عَنقا مُغْرِبٍ

فاطّلِبْهُ فلنعم المُطَّلَبْ

جَرّع النفْسَ على تحصيلهِ

مَضَضَ المُرَّينِ ذُلٍّ وسغَبْ

وَدَعِ المالَ إلى تطلابهِ

تكتسبهُ فلنعمَ المكتَسَبْ

هو حَلْيُ المرْءِ في أقرانهِ

وهو عند الموت زَحْزاحُ الكُرَبْ

وهو نورُ المرءِ في اللحدِ وإذ

ينسِلُ الأقوام منْ كلّ حدَبْ

يا غريباً يطْلُبُ العلمَ اصْطبِرْ

إنَّ مَبْدأ العلم من قبل غرُبْ

ما سعى في الرّبحِ ساعٍ سَعْيكم

بَلْ سِواكم سعْيُهُ جِدُّ نَصَبْ

إنْ تقُولوا مَنَعَتْنا دَرْسَهُ

أزُمُ الدَّهرِ والأعْوامُ الشهُبْ

قلتُ هلْ يحتالُ في دفعِ العصي

مَنْ أظلَّتْهُ الحُساماتُ القضُبْ

فكأني بذوي العِلمِ غداً

في نعيمٍ وحبُورٍ وطرَبْ

يَحمدُونَ اللهَ أنْ عنهمْ جَلا

كلَّ حُزْنٍ وعناءِ وتَعبْ

ص: 316

بادرو العلمَ بداراً قبلَ أنْ

يبغت الحين بهولٍ وشغبْ

صاح لا تُلْفَ بجهلٍ راضِياً

فذوو الجهلِ كأمثالِ الخُشُبْ

واصحبِ الدائبَ في استنباطِهِ

لا جَهولٍ خِدْنَ لهوٍ ولَعِبْ

إنما القُنْيَةُ عِلمٌ نافعُ

لا العتاق الجُرْدُ والخُورُ الصُّهُبْ

لا يُزَهّدْكَ أخي في العلمِ أنْ

غَمَر الجُهَّالُ أرْبابَ الأدبْ

زَبدُ البحرِ تراهُ رابياً

واللآلى الغُرّ في القَعْرِ رُسُبْ

لا تَسُؤْ بالعلم ظناً يا فتىً

إنّ سُوَء الظنّ بالعلم عَطبْ

إنْ تر العالم نضواً مُرْمِلا

صِفْرَ كَفٍّ لم يُساعِدْهُ سبَب

وترى الجاهلَ قد حازَ الغني

مُحْرِزَ المأمولِ منْ كلّ أربْ

قد تَجوعُ الأسدُ في آجامِها

والذِّئابُ الغُبْسُ تَعتامُ القَتَبْ

رأتِ الدُّنيا خبيثاً مثلها

لم تمالَكْ أن أتَتهُ تَنْسِلبْ

فحَبتْهُ الحبَّ منها خالصاً

وكذاكَ الشكلُ للشكلِ مُحِبْ

ورأتْ ذا العلم فَوَّاحَ الشذا

آبىَ الذّامِ فآلتْ تَصطِحبْ

فقلتْهُ وقلاها يا لهُ

قمرٌ عنهُ قد انجابَ الحُجُبْ

فغِني ذي الجهل فاعلم فتنةٌ

وافتقارُ الحَبْرِ تأسيس الرُّتبْ

فخذِ النصْحَ ولا تَعْبأ بمنْ

بدل النصح فطاوعه تَصبْ

أضْيَعُ الأشْياءِ حُكمٌ بالغٌ

بينَ صُمٍّ ونداءٌ لم يُجَبْ

ولوْ أرْسلْتُ عِناني في مدَى

ما بدا لي مِنْ أساليب العربْ

ومنْ الحثِّ لأرْباب النهى

لقَرَيْتُ الأذنَ منها بالعَجَبْ

لكنَّ الشّعْرُ انقَضَتْ أيَّامُهُ

لا ترى اليوْمَ إليهِ مُنتدِبْ

غيرَ راوٍ خافِضٍ مَرْفوعَهُ

ناصِبٍ مخفوضهُ أو ما انتصَبْ

ونزوحُ الفَهْمِ عنْ ميزانهِ

ليسَ يَدْري كاملاً من مُقتَضَبْ

ص: 317

وليعلم المطالع لها، إذا رأى عدن مناسبة في ترتيبها، أتى لم أكتبها على أصول، بل أمليتها من حفظي. وقد طال عهدي بتعهدها، فربما وقع فيها تقديم وتأخير لذلك. وقال أيضا في ذلك المعنى:

عِمْ صَباحاً أفلحتْ كلَّ فلاح

فِيكَ يا لوْحُ لم أطعْ ألفَ لاحِ

أنتَ يا لوْحُ صاحبي وأنيسي

وشفائي من غُلّتي ولُواحي

فانتِصاحُ امرئ يَرُومُ اعتياضي

طلبَ الوافر منك شَرُّ انتصاح

بكَ لا بالثرا كِلفْتُ قديماً

وَمُحَيَّاكَ لَا وُجوهِ المِلاح

رُبّ خودٍ ماءُ النّعيمِ عليها

جَرَيانًَ الزُّلالِ في الصُّفّاح

تَستبي المُرْعوى بثَغْرِ الأفاحي

وَجَبينٍ مثل انبِلاج الصباح

وعلى ثغرِها بُعَيْدَ كراها

قهوةُ الرَّاحِ بالمَعينِ القَراح

في عُقُودِ الجُمانِ والدُّرّ منها

جيدُ جَيْداء من ظِباء رُماح

خدلةٌ غَصَّ قُلبُهَا وَبُراها

غَصَصَ المِرْطِ فهي غرثى الوشاح

لا تبالي هبَّ الرياحِ إذا ما

أشفق الرُّسْحُ منْ هبوبِ الرياح

أقصد القلب من صميم هواها

فعل نبل صوائبٍ ورماح

قد تسلّيتُ عن رسيس هواها

بك حتى كأنني جدُّ صاح

بل يميناً بواردات البطاح

يتبارَيْن ضمراً كالقداح

بعد ليلٍ سَرَيْنَهُ بعد يوْمٍ

تصل الهجر بانسلاب الرواح

أفتأ الدّهرَ هاجراً للغواني

وَوَصُولا للكتبِ والألواح

وله منظومة جيدة، يحط فيها على أهل الجهل، ومنها:

حلْىُ الفتى إعرابه لا ماله

ولا نجارُه ولا جماله

ص: 318

كلُّ فتىً شبَّ بلا إعرابِ

فهوَّ عندي مثل الغراب

وإن رأيته لخودٍ عاشقا

فقل لها اتّقى الغراب الناعقا

لا انتفعت بالأكل والشراب

من آثرتْ مالا على أعراب

وقال أيضا: يمدح الشيخ سيديَّ، ويعارض مقصورة أبي صفوان الأسدي:

أشاقتكَ بعد توَلي الصّبا

حَمولٌ بكَرْنَ بأدْمِ الظّبا

بدُعْجِ اللواحظِ بيض الوجوهِ

ثِقالِ المُرُوطِ ثقالِ البُرَى

فأوْقدَ في القلب نارَ الغرامِ

أنْ آذنَ بالبيْنِ داعٍ دعا

فبِتُّ كظيماً وباتَ الحِسانَ

مستبشراتٍ بقرب النّوى

فلما طوى الصَّبحُ ثَوْبَ الظلامِ

مسَحْن الكَرى عنْ بُدورِ الدُّجى

وقُرَّبَ بُزْلٌ منْ آلِ الجديلِ

شُمّ الكواهِلِ شُمّ الذُّرا

فشُدَّ الحدوجُ ومُدَّ الخدورُ

عليها وتحت الخدور المَهى

وحَثَّ الحداةُ بها أسْطُراً

ثمانيةً من نخيل رِوى

فأمْسَتْ منازِلُهُمْ بَلْقَعاً

يُرَجّعُ فيها الحمامُ الغِنا

فأعملتُ في إثرِهمْ جَسْرَةً

أنيلَتْ محالاً كصُمّ الصَّفا

عوجَ الصَّباح وسوج الرواحِ

نَعُوب الهجيرِ خَبوبَ السُّرى

كأبي وَرَحْلي على قارحٍ

من الحُقْبِ جأبٍ خميص الحشى

ص: 319

أقامَ بمَرْبَعِهِ قائماً

على أرْبعٍ كقِسيِّ السرى

فلما حدا النَّجمَ هادى الصباح

وآنفهُنّ نصالُ السفى

حدا بنحائصه قارباً

أشَدَّ الحداَء ذُنابي الشبا

فباتتْ تَبارَى فلما انجلى

تبيَّنَ ماءً خِلالَ الأشا

وعندَ شمائلها نابلٌ

خَفيٌّ حَرامٌ عليه الكرى

أبو دَرْدَقٍ سبعةٍ مالَها

من الكسب إلا بناتُ الملا

فجِئنَ السَّرِيَّ على هيلةٍ

فلما سَلَكْنَ شطورَ الشوى

طوى شخصهِ فرمى رميةً

ثنتْها عنِ الحُقْبِ أيدي المنا

فنادى الثُبورَ وأعلا العويل

وخالَ السماحيجَ بَرْقاً خَفا

ألم يعلمْ انّ الفتى مَن إذا

دها الخطبُ ولَاّهُ ركنَ العزا

وهلْ لا أراحَ يداً أفنيتْ

بحفرِ القراميص بين الصُّوى

يؤمُّ الكمال ويغشى الظلالَ

ويلقى النَّوالَ ويلقى الندى

هو البحرُ منهُ جرى الرافدان

ومنه شفى الخافقانِ الصَّدى

فردهُ مضافا تجدْ مَأمناً

وزره مجوداً تجدْ مُرْنوى

وَزُرْهُ جَهولاً تَنلُ حِكمةً

وَزُرْهُ عديماً تنلْ مُقْتنى

ص: 320

فما مُدِلِجٌ مِن هوامى السماكِ

عَريضُ الكلا كلِ جُون الرحى

مُسِفٌّ على الأرْضِ إهدالُهُ

وهاديهِ فيه إذا ما هدى

كأنّ عقائقهُ مَوْهِناً

نيارٌ تُشبُّ بجَزْلِ الغَضا

كأنّ حنين العشار ارتجا

ز حاديهِ فيهِ إذا ما حَدا

أطاعَ الجنوب فلما امترتْ

غزارُ الخلوفِ أطاعَ الصَّبا

وخَيَّمَ سَبعاً يشُقُّ الجيوبَ

فضق عن الماءِ رَحْبُ الفَضا

فَهَزّتْ لهُ الأرْض أعطافَهَا

وأشرقَ خاشِعُها وازدها

كأنّ الصَّوارِمَ مصقُولةً

وجُوهُ جَداولهِ والنَّهى

كأنّ الزّرابيّ مَبثوثةً

وجوهء أباطِحها والرُّبا

بأجود منه ولا زاخراً

يَغِطُّ غطيطاً إذا ما طما

يكلُّ عنْ أدناهُ مرْأى العُيون

وقد نيط أقصاهُ أفق السما

كأنّ غوارِبهُ أجْبُلٌ

غرابيبُ يُضرَمُ فيها الإبا

كأنّ بعبريْهِ سُرَّ الهِجان

أنيختْ بأمْعز جَونِ الحصى

ص: 321

كأنّ القَراقِيرَ في جَوْزِهِ

وقُعْسَ العَدْولي شدوقُ القَطا

بأوسْعَ مما حَوي صَدْرُهُ

وأقْصَعَ منهُ غَليلَ الظَّما

ولا أخْدَرِيٌّ عُرَاضُ اللدِيدِ

أَغْلَبُ جَهْمٌ من أُسْدِ الشّرِى

يُرَبّبُ أَجْرِيهِ في غَيْضَةٍ

مُدَاخَلةٍ مِثلَ نَسْجِ الرِّدا

يَظلُّ بها بينَ أشْبالهِ

عَذُوفاً يُساقِطُ عنهُ العِفا

وإنْ أظلمَ الليلُ أذكى لهُ

سِراجَينِ ما بِهما مِنْ قذى

فقامَ كأنّ لأرْساغِهِ

معامعَ غابٍ إذا ما التظى

وَرجَّعَ زَأْرًا بهِ زُلزلَتْ

منَ الأرْضِ أقْطارُها وانْصَمى

فخافَ الأنيسُ وخافَ الوُحُو

شُ والهامُ في دَوِّهِ والصّدى

فصادَ شُجَاعاً على طِرْفِهِ

وَهَيْقاً وثَوْراً وصاد الفَرى

فباتَ يُحَضْخِضُ أقَصَابَهَا

لِغُثْرٍ تثَاءبُ عَنْ كالمُدَى

ص: 322

بأهْيَبَ مِنهُ على أنهُ

لهُ خُلُقٌ كَسُلافٍ بما

ولا صدَعٌ باتَ في رعْتةٍ

عَلَى مُشْمَخِرٍّ يُسامِي السُّها

بهِ يستَظِلُّ رُكامُ السَّحابِ

إذا التَمّ في جَوّهِ واعْتَمى

رَآهُ مِنَ الطيْرِ وَحْفُ الجناحِ

طُرَاق الخوافي حَثيثُ النجا

فحلق يرتاد قِرْناسَهُ

وجَدُ صُعُوداً فلما وَنى

نَحي جَوْزَهُ مُستغيثاً بهِ

وليس هناكَ لهُ مُلْتَجا

فزَلَّتْ مَخالِبُه داحِضاً

عَنْ أجْرَدَ كالوكْفِ لا يُرْتَقى

فخرَّ عَلَى سَفْحهِ مُقْعَصاً

قَدِ انقضَّ حيزُومُهُ وانفَأى

بآمَنَ ممنْ قدْ آمَنْتموا

وأمْنَعَ ممنْ إليك انْضوى

فذاكَ ولا زِلُتموا مَعْقلاً

مِنْ اللَّزَباتِ لكلّ الورى

وبورِك فيما قد اوتيتموا

ونالَ المُنى مَنْ إليكَ انتهى

ص: 323

وهذه قصيدة أبي صفوان التي أشرنا إليها:

نأت دار ليلى فَشطّ المَزارُ

فَعْيناكَ ما تَطْعَمانِ الكرى

ومَرَّ بفُرْقِتها بارحٌ

فَصدَّقَ ذاكَ غُراب النّوى

فأضحتْ ببغْدانَ في منزِلٍ

لهُ شُرُفاتٌ دُوَيْن السَّما

وجيشٌ ورابطةٌ حَوْلهُ

غِلاظ الرّقابِ كأسْدِ الشَّرى

بأيديهِمُ مُحدَثاتُ الصّقالِ

سُرَيجيةٌ يختلينَ الطُّلى

ومن دونها بلدٌ نازحٌ

يُجيب به البومَ رَجُع الصدى

ومنْ منهلٍ آجنٍ ماؤهُ

سُدًى لا يُعاذُ بهِ قدْ طما

ومنْ حَنَش لا يُجيبُ الرُّقا

ةَ أسْمَرَ ذي حُمَّةٍ كالرِّشا

أصَمَّ صَمُوتٍ طويلِ السُّبا

تِ مُنهرِتِ الشّدْقِ حارى القَرا

ص: 324

له في اليبيس نُفاثٌ يطيرُ

على جانبيهِ كجمرِ الغَضى

وعَينانِ حمرٌ مآقِيهما

تَبُصَّانِ في هامةٍ كالرحا

إذا ما تثأبَ أبدى له

مُذرَّبةً عُصُلاً كالمُدى

كأنَّ حفيفَ الرحا جَرْسُهُ

إذا اصْطكَّ أثناؤهُ وانطوى

ولوْعَضَّ حرفَيْ صَفاةٍ إذاً

لأنَشَبَ أنيابَهُ في الصَّفا

كأنّ مزَاحِفهُ أنسُعٌ

خُرِزْنَ فُرَادى ومنها ثُنى

وقدْ شاقني نَوْحُ قَمْرِيةٍ

طَرْوَبِ العَشِىّ هَتُوفِ الضُّحى

مِنَ الوُرْقِ نَوَّاحةٍ باكرتْ

عَسِيبَ أشاءٍ بذاتِ الغَضى

فغنّتْ عليهِ بلحن لها

يُهيّجُ للصبِّ ما قدْ مضى

مُطوَّقةٍ كُسِيَتْ زينةً

بدعوَةِ نوحٍ لها إذ دعا

ص: 325

فلمْ أرَ باكيةً مِثلَها

تُبكّى ودمعتُها لا تُرى

أضلّتْ فُرَيْخاً فَطافتْ لهُ

وقدْ عَلقتْهُ حِبالُ الردى

فلما بدى اليأسُ مِنهُ بكتْ

عَليهِ وماذا يَرُدُّ البكا

وقدْ صادهُ ضَرِمٌ مُلْحمٌ

خَفُوقُ الجَناحِ حثيثُ النَّجا

حَديدُ المخالبِ عارى الوظي

ف ضارٍ منَ الوُرْقِ فيهِ قنا

تَرى الطيرَ والوحشَ من خوفه

جَوَاحرَ مِنهُ إذا ما اغتدى

فباتَ عَذُوباً على مَرْقبٍ

بشاهقةٍ صَعْبةِ المُرْتقى

فلما أضاَء لهُ صُبحُهُ

ونكّبَ عن منكبيهِ الندى

وحَتَّ بمخلبهِ قارتاً

على خَطمهِ منْ دماءٍ القَطا

فصعّدَ في الجوّ ثمَّ استدا

رَ وطارَ حثيثاً إذا ما انصمى

فآنَسِ سِرْبَ قَطاً قاربٍ

جَنى منهل لم تمِحْهُ الدِّلى

غدَوْنَ بأسْقبةٍ يرتوينَ

لِزُغبٍ مُطرّحةٍ بالفلا

ص: 326

يُبادِرْنَ وِرْداً ولم يرْعوينَ

على ما تَخلَّفَ أو ما ونى

تذكّرْنَ ذا عَرْمَضٍ طامياً

يَجولُ على حافتيهِ الغُثا

بهِ رفقة منْ قَطيً واردِ

وأخرى صوادر عنه روا

فملأنَ أسْقِيَةً لم تُشدَّ

بخَرزٍ وقدْ شدَّ منها العُرا

فأقْعَصَ مِنهُنَّ كُدْرِيَّةً

ومَزَّقَ حَيزُومَها وَالحَشى

فَطارَ وغادَرَ أشلَاءها

تطِيرُ الجَنوبُ بها والصَّبا

يَخَلْنَ حَفيفَ جَناحَيْهِ إذْ

تدَلّى مِنَ الجوّ برْقاً بَدا

فَوَلَّيْنَ مُجْتَهِداتِ النَّجا

جَوافِلَ في طامِساتِ الصُّوى

فأُيْنَ عِطاشاً فَسقّيْنَهُنَّ

مُجاجاتِهنَّ كماءِ السَّلى

وبتْنَ يُراطِنَّ رُقْشَ الظهو

رِ حُمْرَ الحَواصِلِ حُمْرَ اللَّها

فذاكَ وقدْ أغتدِي في الصَّباح

بأجْرَدَ كالسِّيدِ عَبْلِ الشَّوى

ص: 327

لهُ كفلٌ أيّدٌ مُسرِفٌ

وأعمِدَةٌ لا تَشَكَّى الوجى

وأُذنٌ مؤللَّةٌ حَشرةٌ

وَشِدْقٌ رُحابٌ وجَوْفٌ هَوا

ولَحْيانِ مُدًّا إلى مَنْخرٍ

رَحِيبٍ وعثوجٌ طوالُ الخُطا

له تسعة طلن من بعدِ أنْ

قَصُرنَ له تسعة في الشوى

وسبعٌ عَرينَ وسبعٌ كسينَ

وخمسٌ رِواءٌ وَخمسٌ ظِما

وسبعٌ قَرُيْنَ وسَبعٌ يَعُدْ

نَ مِنهُ فما فيهِ عَيْبٌ يُرى

ص: 328

وتسعٌ غِلاظٌ وسبعٌ رِقاقٌ

وصهوةُ عَيْرٍ ومَتْنٌ خَطا

حديدُ الثَّمانِ عريضُ الثمان

شديدُ الصفاقِ شديدُ المَطا

وفيهِ منَ الطيرِ خْمسٌ فمنْ

رأى فرساً مِثلَهُ يقتنى

غُرابانِ فوْقَ قَطاةٍ لهُ

ونَسْرٌ وبعسوبهُ قدْ بدا

جَعلنا لهُ مِنْ خِيارِ اللّقا

حِ خمساً مجاليحَ شُمَّ الذُّرى

يُغادَى بعُضٍّ لهُ دائِباً

ونقفيهِ منْ طلبٍ ما اشتهى

فقاظ صَنيعاً فلما شَتَا

أخذناه بالقودِ حتى انطوى

فَهِجْنا بهِ عانةً في الغُطاط

خماصَ البُطونِ صِحاحَ العُجى

فولّينَ كالبرْقِ في نفرِهِنَّ

جَوافِلَ يكسِرْن صُمَّ الصفا

فصوبهُ العبدُ في إثرِها

فَطوْراً يغيب وطوْراً يُرى

كأنَّ بمنكبهِ إذ جرى

جناحا يقلبُهُ في الهوا

ص: 329

فجدَّل خْمساً فمن مُقعَصٍ

وشاصِ كُرَاعاهُ دامِي الكُلى

وثنتان خَضْخَضَ قُصبَيْهِمَا

وثالثةٌ رَوِيَتْ بالدّما

فَرُحْنا بصيد إلى أهلنا

وقدْ جلَّلَ الأرْضَ ثوبُ الدُّجى

وَرُحْنا بهِ مثلَ وقفِ العرو

سِ أَهيَفَ لا يتشكى الحَفا

وباتَ النساءُ يُعوِذْنَهُ

ويأكلنَ منْ صيدهِ المُشتَوى

وقدْ قيَّدُوهُ وغلّوا لَهُ

تمائمَ ينفَثُ فيها الرُّقى

وقال أيضا، يمدح سيدي بن محمد لحبيب شيخ الترارزة:

زَارَتْكَ إذْ زَارَ الجفُونَ كَراها

مِن بعدِ ما مَلَّ المَطِيُّ سُراها

في جوز مَجهُولٍ تَلَفّعَ ليلةً

طمَسَ النُّجومَ عَجاجُها ودُجاها

باتَتْ تَجُوب وما السُّرى من دينها

تيهاً تُضِلُّ عن الفراخِ قَطاها

حَتى ألمَّتْ والنجومُ غوارِبٌ

بصوارِمٍ نكثَ النُّعاسُ قُوَاها

مُتَوَسّدِينَ يُدِيّ عبْسٍ رُزَّحٍ

طَوَتْ الفلا بذمِيلِها وطَواها

غاصتْ بهمْ في هَوْلِ كلّ متيهةٍ

مَوْزُونةٍ وُهْدانُهَا وَرُباها

لم يؤنسوا إلا السَّرابَ نهارَها

وبلَيْلٍِها إلا نئيمَ صَداها

ص: 330

عجباً لِمَسْرَاها وكان يَعُوقُهَا

عَنْ بيتِ جارتِهَا القَرِيب وَباها

وإذا تعالجُ نَوْأة ناَءتْ بها

عَلْجَانةٌ مِنْ عالجٍ أُخْراها

نفْسي الفداءُ لِرَشفةٍ جادتْ بها

مِن بعدِ بخُلٍ منْ سلافِ ظَماها

وَلِنظرَةٍ نَظرَتْ إلى كما خلتْ

بينَ الخمائلِ ظبْيةٌ بَطَلاها

ولزوْرَةٍ نَعشت حشاشةَ مُهْجتي

مِنْ بعدِ ما حَطَمَ الغرامُ حَشاها

ولفَرْحَةٍ أَهْدَتْ لنا بقدُومِها

بعدَ الصُّدُودِ وبعدَ طول نواها

فرَحَ البلاد إلى الأمير وقدْ جَلا

أعناق صُبح قدُومهِ ظَلْماها

فتباشرَتْ أقطارُها وتَشامختْ

أعْلامُها وتأطَّرتْ بحُلاها

وهَمَتْ غيوثُ الأمنِ فيها هُمَّعاً

حتى استقاَءتْ سُمَّها أفْعاها

وبدَتْ سُيوفُ العدْل فيها لُمَّعاً

حتى رَعَتْ بين الأسُودِ ظِباها

مَلكٌ تدينُ لهُ المُلوكُ مُطِيعة

وبعزِّ خِدْمتهِ تَحوطُ حِماها

سارت به هِمَمٌ عزيز نَيْلُهَا

فبنات نَعْشٍ دونَهَا وسُهاها

حتى افترَى أثرَ الغيوثِ بتيرسٍ

يرعى مرامَى رُبْدِها ومَهاها

تغدو ظعائنهُ لكلّ خَمِيلةٍ

وتَرُوحُ رَغْماً مِنْ أنُوفِ عِداها

ترثو بأعينها إلى أشباهِها

مِن كلّ مُغْزِلةٍ تعودُ رشاها

ورصيص بيضٍ مودعٍ بدِمائِهَا

وأنيقَ أزهارٍ يفوحُ شَذاها

وتبيتُ نافشةً هناك جيادُهُ

خُضرَ الحجافلِ من غميرِ خَلاها

ص: 331

وتَهيمُ مُهْلةً مخَائضُ سَرْحِهِ

تَقْرُو مَواقِعَ قَطرِهِ وحياها

وتظلُّ تَرْعاها عيونُ مهابةٍ

شمّ الشواهِقِ حَصّنَتْ أرْواها

وأتته وافدةً تَخافُ وترتجي

غلْبُ الجبابرِ منْ حصون قُرَاها

فتلطفوا وتملّقوا وتطّقوا

بحبالهِ وتمسكوا بعُراها

ألفى الزوايا كالهشيمِ رمتْ به

بين القفار دَبورُها وَصَباها

فثنى عليها عاطفات حنانهِ

وأقامَ يَرْأَبُ جاهداً مثْآها

فأضاَء ليلتها وجمَّع شملها

وأفرَّ بعد مخافةٍ أحشاها

حتى إذا ملك العلى بزمامها

وحوى المفاخر رافعاً للِواها

صرف العزيمة راجعاً لبلاده

من بعد ما حنّت وطال بكاها

يهدى الظعائن كالنخيل بواسقاً

تعدو الجيادُ أمامَها ووراها

جرد مسوَّمة على أثباجها

أُسْدٌ قديمٌ في الحروب بلادها

من آل أحمدَ زُهرَ أملاك الورى

عزّ البلاد وغيثها وسناها

عبد الشريعةَ مكرِمٌ علماَءها

موْلى مواليها عدوُّ عِداها

أوفى بذمتها وحاط حدودها

وأطال سمك منارها وبِناها

وثنى البغاة عن الضعيفِ ذليلةً

وأقام قسراً درأها وصغاها

وإذا استطالت واستشاطت أمةٌ

يهوى الهوانُ بكل من ناواها

خاض المهالكَ مدلجاً ومهّجْراً

بالخيل حتى يستبيح حماها

بسوابقٍ أشباهِ سيدان الغَضا

قُبٍّ مُعاليً للمُتونِ كُلَاها

ص: 332

تغدو إلى الغاراتِ شعثاً شزّبا

كالطيرِ رائحةً إلى مأواها

توري إذا تعلو الحزون مثيرةً

ناراً ونقعاً من متون صفاها

تهدى به أولى الجياد طمرة

عَبْلٌ على ظمأِ الفصوص شواها

قد عودتْ أن لا تؤوب عن العدا

حتى توطأ في الوغى صرعاها

وتحوز كل ذخيرةٍ مصطانةٍ

وتسوقُ في أصفادها أسراها

وقال أيضا:

نفسي الفداءُ لظبي هاج أحزانا

وغادر القلب من نجواه حيرانا

ويسرد النغمَ يجري في مفاصلنا

جرىَ السُّلافةِ في أوصال نشوانا

بيناهُ يظهرُ لي ليلا على قمرٍ

على قَضِيبٍ كغصنِ البان ريَّانا

إذ قال من لا جزاه الله صالحةً

هذا فلانُ فعاد الوصل هجرانا

فناء عجلان مرتاعا فثبطّهُ

رِدف يثبطُ من قد ناَء عجلانا

وقال أيضا:

لا تملى يا عينُ رعى النُّجومِ

وانْهلَالاتِ دمعِكِ المسجومِ

قد جنيت الهوى شهياً جناه

فاستحالتْ ثمارُهُ كالسُّمومِ

ومنها:

لا يظنُّ الظَّنُونُ أنَّ مُقامِي

باليُنَيْبيعِ لاطّلَابِ العُلومِ

بلْ لِغَرْبيةٍ تَهُبُّ فأشْفى

سقمَ القلبِ من حشايَ الكليم

حبَّبَتْ كلَّ شقرويٍّ إلينا

من حميمٍ لها وغيرِ حميمِ

وله من قصيدة بديعة، تسمى بالزرقاء. يمدح بها الشيخ سيدي، وهذه القصيدة تقرأ في ثلاثة أبحر. أعنى أنها كلها في بحر الكامل، ثم تقرأ أشطارها

ص: 333

الأول: في بحر

المديد. والثواني: في بحر البسيط، أو العكس، مثل قصيدة الشيخ سيدي، التي تقدمت الإشارة إليها ومطلعها:

برزتْ عواتقُ دين أحمد ترفُلُ

وافى بها الغَوْثُ الأغرُّ الأكملُ

وله أيضا من قصيدة:

عجْ بي على دِمنِ النّقي فمغان

نهىِ الإضاةِ فمرْقب الصّيرانِ

فأضى الرعود فملتقى أعراضها

فالدُّومةِ البيضاءِ فالسَّندان

وقال أيضا:

يا أيها الإخوان هل من ضاحك

من شأننا غهو من الأضاحك

كنا بمنزلٍ لنا مبارك

نحيى من العلوم كل هالك

ونتكي طوراً على أرائك

بكر من الآداب غير فارك

بينا نغوص في فروع مالك

فينجلي بالفهم كل حالك

إذ قال ندب ليس بالمشارَك

في الرأي وقّعوا لذي الشكائك

فكتبتْ كالدُرّ والسبائك

ما حاك قبلُ مثلها من حائك

ثمتَ يا أُمام بعد ذلك

سرنا بحوب أمتن الدكادك

فعنّ واد تحت قف نابك

مخفف بسدَّر شوابك

فاختلف الآراء من عشاقك

لَنبق رأوه في أولائك

فبين فاعل وبين تارك

وبين بالع وبين لائك

وبين جاث فيه كالمعارك

وساقط في هوة وسالك

بين الغصون أصعب المسالك

فآب كل كالبعير الآرك

أوصاله تهمى بدمٍّ سافك

لا صوت تسمعينه هنالك

ص: 334