الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حذفها دون صلتها. يضربونه فيمن يظهر التأني، وهو يريد العجلة.
(يُومْ أُرْفُودُ يومْ هزْ لِكفُفْ يوم اخْلاصُ يومْ عظْ اشفِفْ) ارفود: بمعنى التزامه، والضمير للدين. والهز: بمعنى التحريك. ولمكفف: اللمم، واحدها كفه، أي لمة. واخلاص: بمعنى قضائه، والضمير للدين أيضا. وعظ: بمعنى عض. واشفف: جمع شفة عندهم. وهذا الجمع غير صحيح، وإنما جمعها شفاه. يضربونه عند الفرح بتحمل الدين، فإن حامله سيندم عند قضائه.
هذا ما تذكرناه من أمثالهم. وفي هذا القدر الكفاية، للدلالة على سيرهم وعاداتهم.
الكلام على الطب في شنقيط
الطب في شنقيط قليل جدا. ولم يشتهر فيه إلا أفراد قليلون في أرض القبلة، وعائلة بأجمعها في تكانت. ومشرب هؤلاء الأطباء مختلف، كما سنبينه.
فممن اشتهر في أرض القبلة: أوفى الإدكففي ومنزع طبه، إنما هو الكتب العربية القديمة. فطبه مبني على العلم. وقد نظم فيه نظما جيداً كبيراً، وبين فيه علل الأمراض وأسبابها، وكيفيات الطعام حارها وباردها. ومن أبرع من أخذ عنه: محمد فال بن باب العلوي، وهو موجود الآن.
أما أوفى المذكور، فلم أره، ولكن وصل إلى من خبره ما يكفي، فإنه كان ماهراً في هذا الشأن، ويحلل البول في الزجاج، كما يفعل أطباء المشرق. وأما محمد فال: فإنه درس كتب أوفى، واستجلب غيرها من الكتب. ونظر فيها نظراً دقيقا. وشاهدت أناسا يُنذر مرضهم بالخطر، فشفاهم الله على يديه. ورأيته يبنج الناس، وأظن إنه تلقاه عن أطباء المشرق، لما حج، فإنه أتى بعقاقير وكتب وآلات لا توجد هناك. وممن اشتهر بالطب أيضا. ابن أوفى المتقدم، وأظنه في قيد الحياة من غير جزم، وكان على طريقة والده. وممن اشتهر أيضا: ابن عمارة التاشدبيتي. ولا أدري منزعه في الطب.
أما تكانت: فقد اشتهر فيها الطالب محمد العلوي وذريته، صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً، ومنزع طبهم، إنما هو فراسة لا تخطئ، ويقال أنهم ورثوا الطب عن جدة لهم، وعندهم فتاوى العلماء، أنهم لا يضمنون لو أخطأ أحدهم، لما جرب من مهارتهم، ولنذكر لك بعض أمور ظهرت منهم تحير. فمنها: أن محمد الأمين ابن زروق، الذي توفي قريبا من سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، ودعاه ابن عمه عبد الرحمن بن أحمد المقري، وكأن أسن تلك لعائلة، ومن عادتهم أن لا يباشر أحدهم علاج شخص، إذا كان معه من هو أسن منه، من أهل بيته، يستطلع رأيه، في شخص: كان يقطع شجرة، فانكسرت شوكة في إنسان عينه، فأخذ الأمين
المذكور ثوباُ وخنق به الشخص، وقال له صوب رأسك ففعل، فلما انحشر الدم سقطت على الأرض. ومن ذلك أن شخصا، أصابه ما أسقط عينه على وجنته، وبقيت معلقة بعروقها. فأتوا به إلى عبد الرحمن المذكور، فما اهتدى إلى ما يفعل، فأرسل لمحمد الأمين المذكور، ففكر هنيهة، فأخذ أذن الشخص فجذبها جذبة قوية، فرجعت عينه إلى موضعها.
ومن ذلك أيضا: أن محمد فال بن عمير التروزي، وكان منقطع النظير في حسان، شجاعة وكرما، أصابته رصاصة في جنبه، واختفت في جوفه، فما قدر أطباء أرضه، على معرفة علاجها، فمرض مدة طويلة، حتى انتفخت بطنه وقل لحمه، وبقى لا يقدر على الجلوس، فضلا عن القيام، وكان أحمد بن عبد الله بن أُداعه العلوي صديقا له، فقال له: أنا أعلم من يقدر على معالجتك، وهو ابن عمي أحمد المقري في تكانت، وكان يبعد نحو خمسة عشر يوماً، فذهب إليه وأحضره، فلما بلع اعمر ابن المختار رئيس الترارزة إنه حضر، بعث إليه، فلما دخل عليه، قال له: والله لا تقتل ابن عمي هذا إلا قتلتك، ومراده أن يخيفه حتى لا يعالجه، لأنه يحب موته لاستبداده عليه، حتى إنه كان هو الرئيس معنى، واعمر رئاسته لفظية، فأخرج موسى عنده، وقال له: والله لأدخلن هذا الموسى في جوفه حتى أواريه،
لأنه فهم غرضه، فلما تأمله، قال له: أتقدر أن تصف لي الحالة التي كنت عليها، حتى أصابتك الرصاصة؟ فقال له: لم يسألني طبيب قبلك عن هذه الحالة. فلما تأمله قال له: أنا أداويك بثلاثة شروط. أن لا تخالفني فيما أقول. وأن تصبر على ما أريد أن أفعل بك. وأن تعطيني ما أطلب منك، فالتزم له ما قال، فأمر بحطب جزل، فلما صار جمراً، تركه يتململ حوله، فأمر أناساً بإمساك يديه ورجليه، ليشق بطنه فأنف ابن عمير من ذلك. وقال له: أعطيني شيئاً صلباً أجعله في يدي، وافعل ما تريد، فشقه من بين ضلعين من أضلاعه، وجعل القيح يسيل،
حتى ملأ منه ثلاثة أقداح، فبرأ في مدة قليلة، وقال له: سل ما تريد من الدنيا. فقال: لا آخذ منك شيئاً، إلا أني آمرك بنصرة من في أرضك من قومي، فرجع إلى أرضه، ولم يأخذ منه شيئاً، غير جمل يبلغ عليه أرضه.
ولنتكلم على نبذة تتعلق بأطباء شنقيط، تباين صنيع أطباء المشرق: الطبيب في أرض شنقيط، إذا طلبه المريض لينظر في مرضه، لا يرى أن له بمجرد جسه أو إرشاده إلى علاج، أن يأخذ منه شيئا. ولو قل: وإنما يأخذ قليلا أن عالجه، مثل ثوب أو شاة، يسمونه ملح اليد. فإذا برأ صار له أن يأخذ شيئا. ولا يتكرر العلاج في مرض واحد. وأهل المروءة منهم، يعالجون الشخص. فإن برأ وطابت نفسه بشيء، يؤخذ منه. وإن لم يفعل، فلا يقولون له كلمة واحدة. وربما قاول بعضهم شخصا، إذا كان مرضه مزمناً، فن برأ أعطاه. وإن مات، ذهبت أتعاب الطبيب أدراج الرياح.