الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما أفسد الألواحَ والهمَّ والتُّقى
…
كبيض التراقى مُشرفاتِ الحقائب
مِراضِ العيون النُّجْلِ حُوٍّ شفافُها
…
رِقاقِ الثنايا حالكاتِ الذوائبِ
وله قصيدة بديعة، يمدح بها وليَّ الله الشيخ المختار الكنتى، وتستخرج منها ثلاث قصائد، لكل منها بحر، أعنى أنها كلها في بحر الكامل. ثم تقرأ أشطارها الأول، فتكون قافية من بحر المديد، ثم تستخرج من أوائل أشطارها الثواني، قافية من بحر البسيط، وليس من حفظي إلا مطلعها وهو:
طلعتْ ببُرجِكَ للبريَّةِ أسْعُدُ
…
أيَّامَ جاد بك الزّمانُ الأجْود
وله قصيدة أخرى مطلعها:
أمَعالمُ الميمونةِ السُّعْدى هذِهِ
…
أمْ أنتَ ناظرُها بمقلةِ أمْرهِ
وسيمر بك في هذا الكتاب من أمداحه، ما يشهد لما قلت، ورأيت من تآليفه، شرحا على لامية الأفعال لابن مالك، وبلغني إنه شرح مقصورة ابن دريد، وأخبرني بعض الثقاة، إنه مات سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف، أو نحو ذلك، رحمه الله رحمة واسعة.
سيدي محمد بن الشيخ سيديّ
المتقدم، هو العلامة الأريب، اللغوي الأديب. نشأ في نعمة عظيمة، وكلاءة جسيمة. وما ظنك بمن أبوه الشيخ سيديّ، ولما ولد هذا الفتى، تباشرت به تلك الأقطار، واشرأبت إلى مآثره تلك الصحارى والقفار، ولما ميز بين الحيّ واللّيْ، وفرق بين النشر والطيْ. استجلب له أبوه المؤدبين والمتأدبين، وكان يعلمه الكرم كما يعلمه العلوم، ويدقق في محاسبته على ما يبدو منه في عنفوانه، حتى سما ونبل، واقتدى به حذو النعل بالنعل. حتى صار كما قال زهير في هرم بن سنان وأبيه وجده:
هو الجواد فإن يلحق بشأوهما
…
على تكاليفه فمثله لحقا
أو يسبقاه على ما كان من مهل
…
فمثل ما قدما من صالح سبقا
وكان الناس يظنون أن الشيخ سيديّ، لا يسد أحد مسده، فلما مات، وبقى ابنه هذا في موضعه، ما تغير شيء مما كان يجريه أبوه عل الناس، إلا أن مدته لم تطل، فإنه عاش بعده سنة واحدة، وكان رحمه الله شاعرا مجيدا، وصوفيا وحيدا ومن تأمل قصائده الغزليات، وجد في أواخرها، ما يدل على إنه كان على جانب عظيم من التصوُّف، ويقال إنه لما مدح أباه بأرجوزته الطنانة التي أولها:
يا سيدي إني فداكَ اللهَ بي
…
جاري الحماما عنه لي من مذهب
قال له ما حاجتك؟ قال: حاجتي أن لا أعيش بعدك، فاسترجع والده، وبالجملة فكان سيدي محمد هذا، حسنة من حسنات الدهر، وترك قصائد تدل على طول باعه في الآداب، وله من النكت الأدبية، أشياء كثيرة، ومنها إنه كان له نديم، وأصله حداد، وأهل الصحراء يزعمون أن الحداين أصلهم يهود ثم أسلموا، وكان ذلك الشخص اسمه نحن، وكان يدعي إنه شريف، وكان يجيد اللقم، فأعطاه جملا على أن لا يغضب من أبيات نظمها فيه وهي:
ما هزّ عطفيْ كميٍّ يَوْمَ هيْجاءِ
…
بين الأواني كذي النونين والحاءِ
فرد يقوم مقام الجمع وهو لذا
…
يدعى بمضمر جمع بين أسماءِ
يسطو بأسلحة للأكل أربعة
…
يدٍ وفمٍّ وبلعُومٍ وأمعْاءِ
تخال لقماتهِ العظمى براحته
…
كراكر الإِبل أو جماجمَ الشاء
ما بين طلعتها فيها وغيبتها
…
في فيه إلا كلمحِ الطرف للرائي
فتنهوي كدُلِيّ خان ما تِحَها
…
أشْطانُها فترامَتْ بينَ أرْجاء
فبانَ أنَّ الذي يحويهِ من شرفٍ
…
قد صحَّ لكنه بالهاء لا الفاء
وتزوج بامرأة من غير ان يستأذن والدته، فذهبت إليه، تصحبها عجائز، فضربنه، فكتب إلى أبيه يشكوهنَّ:
أمِنْ فعل أمرٍ في الشريعة جائز
…
يروم اهتضامي بينكم كل عاجز
وكان بكم جند البغاو يهابني
…
فصال علىَّ اليوم جند العجائز
فصرت كأني قد أتيت ببدعة
…
وفاحشة من نحو فَعْلَة ماعِز
فلو انَّ أرضي ذات مُعْز رجمنني
…
ولكنها ليست بذات أماعِزِ
وكان سلس العبارة، رقيق الشعر، فصيحا، لم نر من انتقد عليه شيئا، سوى النزر القليل، الذي تعفى عليه جودة معانيه، وسلاسة ألفاظه، فقد انتقد عليه ابن محمد قوله:
انكار من ليس يدري اشدد به غَرَرا
…
إذ هو من جرف الألحان فوق شفا
فإن همزة أشدد، همزة قطع، وهذا لا يقدح لأجل الضرورة، وانتقد عليه قوله أيضا:
لو خضت لجة قاموس وجدت به
…
دراً جلا جَلو مصباح الدجا السُّدفا
فإن جلا، مصدره جلاء لا جلو، وهذا غير صواب. وانتقد عليهم بعضهم أيضا قوله:
ولم يسحر فؤادي قطُّ طرف
…
سوى طرفين فيها ساحِرَين
لأن الطرف لا يثنى ولا يجمع، وهذه مسألة خلاف، والأصح إنه لا يثنى ولا يجمع، كما قيل، ونحن ننقل قول القاموس وشرحه تتميما للفائدة، قالا: الطرف: العين، لا يجمع، لأنه في الأصل مصدر، أو هو اسم جامع للبصر، قاله ابن عباد. وقال الزمخشري: لا يثنى، ولا يجمع، لأنه مصدر، ولو جمع لم يسمع في جمعه أطراف. وقال شيخنا عند قوله لا يجمع، قلت: ظاهره بل صريحه إنه لا يجوز جمعه، وليس كذلك، بل مرادهم إنه لا يجمع وجوبا، كما في حاشية البغدادي على شرح بانت سعاد، وبعد خروجه عن المصدرية، وصيرورته اسما من الاسماء، لا يعتبر فيه حكم المصدرية، ولا سيما ولم يقصد به الوصف، بل جعله اسما كما هو ظاهر، وقيل أطراف، ويرد ذلك قوله تعالى:(فيهنَّ قاصرات الطرف) ولم يقل الأطراف الخ. وإذا فتشت أشعار العرب، لا تكاد تجده مثنى، فقد قال جرير:
فغض الطرف إنك من نمير
…
فلا كعباً بلغت ولا كلابا
ولم يقل الطرفين اهـ.
وكان عالي الكعب في معرفة النحو والتاريخ، وغير ذلك. وتوجه من بلاده إلى الحج، ثم رجع من غير ان يحج، لعارض اقتضى ذلك، ولما بلغ إلى الساقية الحمراء قال:
أحمراءُ السَّواقي ما وَرائي
…
الآن غَرُبْتَ أيُّها الانتشائي
تخال نصيص فُتْل العيس شهراً
…
يدومُ من الصباح إلى المساءِ
ولا ينأى به ما كان دانٍ
…
ولا يدنو بهِ ما كان نائي
وكان رحمه الله، إذا قال شيئا من الشعر، يبعث به إلى أبيه، فكان كلما رأى شيئا من شعره يمرقه، حتى قال هذه القصيدة، يحرض الناس فيها على الاستعداد للنصارى، ويأمرهم بمحاربة أهل البغي من قبائل حسَّان، فلما عرضت على والده، قال للتلاميذ: صاحبكم الآن قال الشعر. والقصيدة هاهي:
رُوَيْدَك إنَّني شَبّهْتُ دارا
…
على أمثالها تَقِفُ المَهارى
تأمَّلْ صاحِ هاتيكَ الرَّوابي
…
فذاك التلُّ أحسبه أنارا
وتانِ الرَّمْلتانِ هُما ذواتا
…
عُليَّانٍ وذا خطُّ الشُّقارا
وإنْ تُنْجدْ رأيت بلا مثالٍ
…
جماهيرَ الكناوَيْن الكِبارى
هنالك لا تدعْ منهنَّ رسْما
…
بدا إلا مررت به مرارا
ولا تقبل لعين في رُباها
…
تصونُ دموعَهَا إلا انهمارا
ودرْبين الميامين العوالي
…
فإِنّ على معاهدِها المدارا
إذا كنت الوفيَّ فعلت هذا
…
فراعيت الذِّمامة والجوارا
وإلا خلني وخلاك ذم
…
فإِن لديّ أحداقاً غزاراً
وقَدْني من إعانتك انتظاري
…
أنياً رَيثما أبكى الديارا
وإن كنت الخليَّ ولا وفاءٌ
…
لديك فنستطيَع لي انتظارا
فبلَه اللّوْمَ ثم إليك عَني
…
فلا ضرراً أريد ولا ضِرارا
ولا عارٌ عليكَ فأنت مرؤ
…
ترديت السكينة والوقارا
ولكنا رجالَ الحبّ قومٌ
…
تهيجُ ربا الديار لنا ادكارا
سقانا الحبَّ ساقي الحبِّ صرْفا
…
فنحن كما ترى قوم سُكارى
ترى كلَّ الهوى حَسَنا علينا
…
إذا ما الجاهلون رأوْهُ عارا
وأحرارُ النفوسِ نذُوبُ شوقا
…
فنأتي كلما تأتي اضطرارا
ومن يأتي الأمور على اضطرار
…
فليس كمثل آتيها اختيارا
ترانا عاكفين على المغاني
…
لفرط الشوق نندبها حَيارى
أسارى لوعةً وأسى ننادى
…
وما يغنى النداء عن الأُسارى
ولو في المسلمين اليوم حُرٌّ
…
يَفُكُّ الأسْر أو يحمي الذمارا
لفكوا دينهم وحموه لمّا
…
أراد الكافرون به الصَّغارا
حماة الدين إن الدين صارا
…
أسيراً للصوص وللنَّصارا
فإن بادرتموه تداركوه
…
وإلاّ يَسْبق السيَّفُ البِدارا
بأن تستنصروا موليّ نصيراً
…
لمن والى ومن طلب انتصارا
مجيباً دعوة الداعي مجيراً
…
من الأسواء كلّ من استجارا
وأن تستنفروا جمعاً لُهاما
…
تغص به السَّباسبُ والصَّحارى)
تمرُّ على الأماعز والثنايا
…
قنابلهُ فتتركها غُبارا
ثنى رُبْدُ النعام بحافيته
…
وتعيى دُون معظمه الحُبارى
يلوحُ زُهاؤه لك من بعيدٍ
…
كما رفع العساقيلُ الحِرارَا
تخال سِلاحه شهباً تهارى
…
ونَحْسِبُ ليلها النقعَ المثارا
ولولا النقع إن يلمع بليل
…
لصيَّر ضوْءُهُ الليلَ النهارا
بكل طليعةٍ شهباء تبدى
…
إذا طلعت من الصدإ اخضرارا
وتخفْقُ فوقها بالنَّصرِ رَأى
…
فتحسبها بها روضاً أنارا
وفتياناً يرونَ الضيمَ صاباً
…
وطعم الموت خُرْطوماً عُقارا
أحبوا الملّة البيضا فكانوا
…
عليها من مُرَاوِدِها غَيارا
سُطاةٌ فوقَ متنىْ كلّ ساطٍ
…
قليلٌ من ينالُ له عِذار
بما يحويه من وصف حميدٍ
…
على أحزان فارسه أغارا
وسلهبةٍ مفاصلها ظِمَاءٌ
…
قوائمها رِواء لا تجارا
عليها من محاسنها شهودٌ
…
على أن لا تباع ولا تعارا
بأيديهم مذرَبَّةٌ طوالٌ
…
ترى الأقران أعماراً قصارا
وبيضٌ مرهفاتٌ جرَّدوها
…
وردَّوْها من العلق احمرارا
تفرَّى الأهْبُ قبل الضرب عنها
…
ولا عظم يَفُلُّ لها غِرارا
وكلّ أخي فمينِ أبى اعتدالا
…
وتقويماً عن الغرض ازورارا
مسلُّ شطبيةٍ في المتن منه
…
إلى تسديد شارته أشارا
حَذاه بكالهلالِ موشّحوه
…
بكالجوزاءِ صوْغاً وازدهارا
بوشىٍ حبَّروه وأوْدعوه
…
تصاويراً ترى فيها اعتبارا
من العُدد الأولى آلا سِماكٌ
…
بروحِ الله عيسى لن تُبارا
تلظى النار في الكانون منه
…
إذا ما صافح الزَّندُ الشفارا
وليس لناره شرَرٌ تراما
…
به إلا الموقَّعةَ الحِرارا
فمن يَمْرُرْ قُبالةَ منخريْه
…
يكن كهشيم من رامَ احتظارا
جموعاً تنِطحُ الأعداَء جهراً
…
فتترُكهم جديساً أو وبارا
جموعاً لا يقومُ لها مناوٍ
…
ولا يخشى الصَّديقُ لها مغارا
تصوبُ على بلادِ السِّلم غيثاً
…
وتوقِدُ في بلاد الحربِ نارا
بنصر الله واثقةٌ يقيناً
…
فلا تدرى من الخلقِ الحِذارا
لها إعلاءُ كلمته مرامٌ
…
فلا غنماً ترومُ ولا افتخارا
فمن يك هكذا يحيى حميداً
…
ويستحلى بموطنه القرارا
ومن لا فالمماتُ به جديرٌ
…
ولو للنار بعد الموت صارا
فيا للمسْلمينَ لها أموراً
…
لها الأكباد تنفطرُ انفطارا
تهاونتم بموقِعها وما إن
…
تهاونتم بها إلا اغترارا
لصوصٌ لا تخافُ البأسَ منكم
…
ولا العقبى فترضىَ أن تدارا
ولا ينجو مقيمٌ من أذاهمْ
…
ولا ابنُ تنائف اتخذ السفارا
ولا شِيبٌ عكوفٌ في المصلى
…
ولا عونُ النساءِ ولا العذارا
فبينا الحيُّ خيَّمَ ذا طَلالِ
…
تبوَّأ من فسيح الأرض دارا
بساحته محافلُ حافلاتٌ
…
بأشياخٍ مهذبةٍ طَهارا
وكلِّ فتى يجرُّ الذَّيلَ تِيهاً
…
وتفتُّر المِلاحُ له افترارا
إلى نسبٍ لهم بلغوا ادعاءً
…
به أذواَء حْميَرَ أو نزارا
إلى أن يُبصروا شُعثاً كساهم
…
لباسُ الجوع والخوفِ اغبرارا
رِعاءُ الشاءِ حقاً من رآهم
…
يقولُ هم الرِّعاءُ وما تمارى
هنالِك لا ترى شيئاً نفيساً
…
ولا مُستحسناً إلا مُوَارا
ولم يكُ قدرُ لمحَ الطرفِ إلا
…
وقد سلبوا العِمَامة والخماراً
أجدَّ كمُ بذا يرضى كريمٌ
…
وهلْ حرٌّ يُطيقُ له اصطبارا
ورومٌ عاينوا في الدين ضُعفاً
…
فراموا كلما راموا اختبارا
فإِن أنتمْ سغيتمْ وانتدبتمْ
…
برَغمٍ منهمُ ازدجروا ازدجارا
وإن أنتم تكاسلتم وخمتُمْ
…
برغمٍ منكم ابتدروا ابتدارا
فألفَوْكم كما يبغون فوضى
…
حيارى لا انتدابَ ولا ائتمارا
وما ظنُّوا لعَظمٍ جابروه
…
كُسارى بعد هيْضتهِ انحيارا
وقالوا إنّ للفُرْسِ انتهازاً
…
وثاروا كي ينالوا منه ثارا
ولم أعرفْ وسوفَ ترون عمَّا
…
قليلٍ صُبحَ ليلِكُمُ استنارا
مهىً حورَ المدامع عاطفات
…
تخوصُ بها القراقيرُ البحارا
إذا التفتت لجانبها تلافت
…
حِذارَ الموج لوْحاً أو دسارا
لئن كانت مراكبها المهارى
…
وإن كانت مراودها القفارا
تلطُمها العلوجُ على خدودٍ
…
كسى ألوانَها الفزَعُ اصفرارا
يدرنَ لهم عيوناً حائراتٍ
…
يغَرّقُ فيْضُ عبرتها احورارا
فلاهم يرحمون لها بكاءً
…
ولا يخشونَ أن تجد اقتدارا
وحَلوْها خلاخل من قيود
…
وقد كانت لجيناً أو نضارا
وأغلالاً بأجيادٍ وأيدٍ
…
تعوَّدتِ القِلادةَ والسوارا
تُكلفُها بناتُ الرُّوم قسراً
…
بخدمتها رواحاً وابتكارا
وكانت كلَّما مشَتِ الهُوينا
…
لكسر البيتِ تنبهر انبهارا
فيشددْنَ الحبالَ بكل خصرِ
…
رقيقُ الرَّيطِ كان له إزارا
ويحملنَ الجذوعَ على رؤوسٍ
…
غدائرها تضلُّ بها المدارى
وتكرَهُ للذي كانت تراهُ
…
حلالا وهي طائعةٌ شنارا
فيا للمُسلِمين لما دهاكُمْ
…
إلى كم لا ترُدُّون الحِوارا
أجيبوا داعِيَ المولى تعالى
…
أو اعتذروا ولن تجدوا اعتذارا
أجيبوه بدنيا كم تَعزُّوا
…
وتدَّخرُوا من الأجر ادِّخارا
فإحدى الحُسْنييْن لكم أعِدَّت
…
حَمالةَ قادرٍ حازَ اليَسارا
بجنةٍ اشترى منكم نفوساً
…
ومالاً بأرباحكمُ نجارا
وهذا ما أشرْتُ به عليكم
…
ولوْ لم تجعلوني مستشارا
فإِن أنتم توليتم فحسبي
…
وجاري الله نعم الله جارا
ومن يك جاره المولى تعالى
…
كفاهُ فلن يضامَ ولن يضارا
وربّي شاهدٌ وكفى شهيداً
…
به أني دعوتكمُ جهارا
وكم من ناصحٍ قبلي دعاكم
…
جِهاراً بعد ما يدعو سرارا
وكلٌّ حين يدعو لم يزدكم
…
دوام دعائه إلا فرارا
فربي اغفر لنا ولوالدينا
…
ومن جعلوا هداك لهم منارا
وزدنا مِلةَ الإِسلام عِزًّا
…
ولا تزدِ العدا إلاّ تبارا
وصلّ على الذي حازَت قريشٌ
…
بنُسبتِه الزَّعامة والفَخارا
إلى آلٍ وصحْبٍ معْه قاموا
…
وساروا حيث قامَ وحيث سارا
خذوها من بناتِ الفكر بكرا
…
تغِيرُ الغانياتِ ولن تغارا
لها عن رائد الأفهام خدرٌ
…
حماها قبل هذا أن تزارا
وقال أيضا:
أدَمَعَا تُبْقيانِ بغَرْبِ عَينِ
…
وَقدْ عايَنتُما دارَ الكُنَيْنِ
أليْسَ مِنَ الوَفاءِ لِقاطِنيها
…
إذالةُ ما يُصانُ بكلّ عَينِ
بَلى إنَّ البكاَء على المَغاني
…
بمنْهاجِ الصَّبابَةِ فَرْضُ عينِ
وإنْ لم يَبْق منها غيرُ رَسْمٍ
…
كوَشْمٍ في نواشِرِ مِعْصَمَينِ
فإنَّ لها يَداً دَيْناً علينا
…
وحَتْمٌ أنْ يؤدّى كلُّ دَيْنِ
أفاويقَ الصفاءِ بها ارْتُضِعنا
…
مَدَى حَوْلين كانا كامليْن
ولم يسْحَرْ فؤادِيَ قَطُّ طرْفٌ
…
سِوى طرْفين فيها ساحِرَيْنِ
فذانِكَ تاركا قلبي وَرُوحِي
…
بنيران المحبةِ خالدين
فعوجا يا خليليّ الذيْنِ
…
هما منى بمنزلةِ اليدينِ
عليها باكِييْنِ وحَيّيَاها
…
معي حُيّيتُما مِنْ صاحِبين
قِفا ثم ارْجعا الأبصارَ فيها
…
وعُودا فارْجعاها كرّتين
بها مُتَرَسّمينَ لها وكونا
…
إذا لم تبكيا مُتباكِيَينِ
وإنْ جمدتْ عُيونُكما كلاني
…
إلى عَينين لي نضَّاختين
وكونا عاذِريْن ولا تكونا
…
إذا لم تُسعِداني عاذلين
فما لكما سِوي الذكرى سَبيلٌ
…
علىَّ فَلَستُما بمسَيْطرِينَ
وقدْ حَوتِ المَيامنُ مَنزِلاتٍ
…
ورِيعُ بني المُبارَكِ مَنزِلين
ومَغْنىً حَوْل ذاتِ القَرْم عافٍ
…
وآخرَ دارس بالتيرسَين
ودارٌ حوْل حِقْفِ النّصْفِ أقْوتْ
…
وأُخْرى أَقْفَرَتْ بالتَّوْأَمَين
سقاها كلُّ منْهَمرِ العزالي
…
من الأزَماتِ يغسِلُ كلَّ ريْن
فتصْبحُ غِبَّه الأجْرَاز تحكى
…
مصَانُعها تعَاويذَ اللّجَين
وتشبهُ في غلائِله هدايا
…
برزنَ إلى الزِّفاف بكل زين
معاهدُ عندنا في الحبّ فاقت
…
معاهِدَ منعِج والرَّقمتين
ليالِيَ لا أحاذرُ أن ألاقى
…
صدوداً من سُعاد ولا بُثَيْن
ولم تقلِ العذارى أنت عمٌّ
…
نعدُّك عندنا أحد الأبين
تحنُّ إلى الشباب ولسْت منه
…
على حظٍّ سوى خفي حُنَيْن
فَقًلْتُ لهُنَّ إنْ يَكُ وخْطُ فَوْدِي
…
يَسوءُ الفالِيَاتِ إذا فَلَيني
فكم يَوْمٍ يَعِزُّ على الفَوالي
…
بهِ مِنّي فِرَاقُ المَفْرِقَيْنِ
وكمْ يَوْمٍ وَتَرْتُ بهِ العَذاري
…
كَيوْمِ مُهَلْهِلٍ بالشَّعْثَمَيْنِ
يُجِبْنَ إذا دعا الدَّاعُونَ بأسْمى
…
كأني عِنْدَهُنَّ ابنُ الحُسَيْنِ
تُلاحِظُني العَبُورُ مَعَ الغُمَيْصا
…
فآنَفُ عنهُمَا لِلمِرْزَمَيْنِ
وإنْ أَبْدَتْ ليَ الجَوْزَا وشاحاً
…
سَلَكْتُ بها سَبيلَ الشِّعْرَيَيْنِ
وإن تُشِر الثُّريَّا لي بكفّ
…
خَضيب قلْتُ عَني للِبُطْين
وحيْثُ بنَاتُ نَعْشٍ دُرْنَ حَوْلي
…
تَركْتُ وِصالَها للِفرْقَدَين
وكم شمْسٍ بهالَتِهَا تَحلَّتْ
…
ولاحَتْ بالزَّوالِ خِلالَ غين
وغار البدْرُ إذْ وَلَّتْهُ مِنها
…
نَوَاراً فازدريْتُ النّيّرَيْنِ
ولا عَجَبٌ إذا خُنْتنِّ عَهْدِي
…
وآثَرْتُنَّ إقْصائي وَبَيني
فقدْ خُنْتُنَّ في القُدَماءِ عَبدَيْ
…
نِ قبْلي للِمُهَيْمنِ صالِحَين
ومنْ شرْخِ الشبابِ اعْتَضْتُ حِلْماً
…
وحالُ الحِلْمِ إحْدى الحُسنَينِ
وكنتُ إذا عضزَمْتُ على ارْعِواءِ
…
وَجَدْتُ عَزِيمتَي إسْرَاَء قَيْن
وكمْ سامَرْتُ سُمَّاراً فُتُوًّا
…
إلى المَجْدِ انْتَموْا مِنْ مَحْتدين
حَوَوْا أدَباً على حَسَبٍ فداسُوا
…
أديمَ الفَرْقدينِ بأخْمُصين
أُذاكرِ جمعَهُمْ ويُذَاكِرُوني
…
بكلّ تخالُفٍ في مَذْهَبين
كخُلْفِ اللّيْثِ والنُّعمانِ طَوْراً
…
وخُلْفِ الأشْعرِيّ مَعَ الجُوَيني
وأوْرادِ الجُنْيدِ وفُرْقتيْهِ
…
إذا وَرَدوا شَرَابَ المشْرَبين
وأقوالِ الخليل وسيبويهِ
…
وأهلي كوفة والأخْفشين
نوضّحُ حَيثُ تلْتبسُ المعاني
…
دَقيقَ الفرْقِ بين المعنيين
وأطواراً نميلُ لذِكرِ دارا
…
وكسرى الفارسيّ وذي رُعين
ونَحوَ الستةِ الشُّعراءِ ننحُو
…
ونحوَ مُهَلْهلِ ومُرَقّشيْن
وشِعرَ الأعمييْن إذ أردنا
…
وإن شئنا فشِعر الأعشيين
ونذهبُ تارةً لأبي نواسٍ
…
ونذهبُ تارةً لابن الحسين
وإني والنُّهى تنْهى وتجلو
…
خفايا اللبْسِ في المتشابهيْن
عدتني أنْ أصافيَ كلَّ خلٍّ
…
مخائلُ من مُداهنةٍ ومين
كلا أخوىَّ يُظِهرُ لي وِداداً
…
فاعرفُ ما يَسُرُّ كلا الأخين
فمن يَكُ راغباً في القربِ منِى
…
يجدني دون ماءِ المقلتين
ومن يوثرْ قلايَ فليْسَ شيءٌ
…
يُوَاصلُ بينهُ أبداً وبيني
ألاحِظُ من خليِطيَ كلَّ زيْنٍ
…
كما أغضى له عنْ كلِّ شين
ولا أصْغِي إلى العَوْراءِ حتى
…
يرى أني أصَمَّ المسمعين
وما جَهْلُ الجهولِ بمستفزي
…
وما لي بالدنَّيةِ من يدين
وأحملُ كلَّ ما يأتي خليلي
…
لهُ إلا عُبوس الحاجبين
وليس يهولني منْ مستشيطٍ
…
تهَدُّدُه بنفض المِذْرَوَيْن
وعندي جانبٌ في الهَزل لينٌ
…
وآخرُ عند جِديَ غير لين
وقد يُلفى إذا الجُليّ ادلهَمَّت
…
أسامَة من يُظنُّ أبا الحصين
ومهْما يعْرُني للهمِّ ضيْفٌ
…
يجُرُّ من البلابل ضيفنين
جعلتُ قراهُ أكومَ قيسريًّا
…
هجانَ اللوْنِ جونَ الذِّفريين
كأنّ صِنانه المنباعَ نقسٌ
…
تحدَّر من جوانبِ قمقمين
على ليتين كالتُّرسين مُداً
…
إلى كالقصر رحب القُصْرَيين
يزمُّ عن الكَلَالِ وكلّ نعْتٍ
…
يعابُ سوى انفتالِ المرفقين
رعا روْضِ الحمى غضاً نضيراً
…
فلم يحتجْ لماءٍ الدُّحرضين
وعنْ صدَّا له السّعدانُ أغنى
…
إلى أمدِ انسلاخ جُماديين)
له افتر الكِمامُ بكلّ ثغر
…
وبكّاهُ الغمامُ بكلّ عين
فملكه الرُّعاةُ الأمر حتى
…
كساهُ النّيَّ نسجُ المِشفريْن
نثبطهُ أداهمُ من حديدٍ
…
يَنُوءُ بها مُداني السَّاعدين
إلى أن كاد وهو بلا جَناحٍ
…
يطيرُ بقوةٍ في المنكبين
هناكَ علوْنه بقتودِ رحْلِ
…
حماهُ الكتْرُ مَسَّ المتنيين
فحاوَل أن يبارى في البراري
…
هِجَفَّيْ سابقٍ بالدوْنكين
يسير الخيْطفي حيناً وحيناً
…
يراوحُ بين كلتا الخيزلين
يولىّ المعزَ أخفاقاً خفافاً
…
تغادرُ كلَّ صخْرٍ فلقتين
تَقَاذفُ بينها الظِّرانُ شتى
…
تقاذُفَ أيمنين وأعسرين
به أحيى التّداني كلَّ حين
…
وأدنو للتنائي كلَّ حين
أغادِرُهُ وقبلي مستحيلٌ
…
عليه الأينُ ذا ظِلَعٍ وأين
وأرحِلهُ سليماً مَنسِماهُ
…
وأرجِعُه رثيمَ المنسمين
ولو لم ألقِه أصلاً لطارت
…
بِيَ العزمات بينَ الخافقين
فللعزماتِ أجنحةٌ تُدانى
…
كلمْح الطرفِ بين الشاحطين
فشطْرَ المشرقين تأمُّ آناً
…
وآونةً تأمُّ المغربَين
وليس كمثلِها وَزَرٌ لللاقٍ
…
من الدهر ازورارَ الجانبين
فما حُرٌّ يقِرُّ بدار هُونٍ
…
ولو كانت مقرَّ الوالدين
وأهلُ المرءِ نَيْلُ غِنىً وجاهٍ
…
وهل يسعى الرّجالُ لغير ذين
ومسقَطُ رأسهِ ضرٌّ ونفعٌ
…
وإلا فاتباعُ الفارظين
فمالُ المنْذريْن يُعدُّ فقراً
…
بلا عِزٍّ ومالُ الحارثين
وعِزُّ الحاثَين يعُدُّ ذُلاً
…
بلا مال وعزُّ المنذرين
فعِش حُرًّا فإِن لم تستطعهُ
…
فضرباً في عُراضِ الجَحْفَلين
وهُوْنٌ في أقاصي الناس هَينٌ
…
وهونٌ في العشيرةِ غيرُ هَيْن
فما المنكورُ من أصل وعين
…
بكالمعرُوفِ منْ أصْلٍ وعَين
ولمَّا صاحَ من فوْدي نذيرٌ
…
وصرَّحَ ثانياً بالعارضين
وقبلَ الشّيبِ إيجادي نَعاني
…
فليْسَ الشيْبُ أولَّ ناعِيَين
وداعي القلب بالتجريبِ نادى
…
وداعي الله أندى الداعيين
سَلا قلبي عن الدُّنيا لكوني
…
وما أهواهُ منها فانِيَّيْن
وإني إنْ ظَفِرتُ به فلسْنا
…
على حالٍ تدومُ بباقيين
ولكنّا إذا طَبَقٌ تولى
…
على طبقٍ ترانا راكبين
وعن عهدِ الشّبيبةِ والملاهي
…
وأيامِ الميامنِ والكُنين
سِوى أني استباحَ حَريم صبري
…
هَوى الحرمين أشرفِ موطنَين
وسوف تفي العزائم والمهاري
…
بوعدٍ مُنْجَزٍ من وافيين
فقد منيتني قبل المنايا
…
مرور ركائبي بالدهْنَوَيْن
ينازعنَ الأعنّةَ سالكات
…
ممرَّ الجيش بين العُدوَتين
تبادر بالحجيج ورود بدر
…
ويحدوها الحَنينُ إلى حُنين
قواصِد رابغاً تبغي اغتسالاً
…
وإحراماً لديه وركْعتين
تمرُّ بذي طُوّى متناسياتٍ
…
لفرطِ الشوْقِ كلَّ طّوى وغَيْن
من التنعيم يدعوها كداءٌ
…
إلى البطحاءِ بين الأخشبين
على بابِ السّلامِ مُسَلّماتٍ
…
بتطوافٍ وسعْى عاجلين
تُناخُ لحاجتيْ دنيا وأخرى
…
هناك فتنثني بالحاجتين
ببيت الله مَلمَسُ كلّ حاج
…
تعالى الله عن كيفٍ وأين
حِمىً إنْ أمّه لاجٍ وراجٍ
…
يكونا آمنين وغانمين
فمن يجهْلْ حمايتهُ يسائل
…
أميرَ الجيش عنه وذا اليدين
وقد بقي منها بعض أبيات لم تثبت في حفظي.
ومن شعره المطرب قوله:
ما حلَّ عُقْدَةَ عَزْمي سِحرُ حوْراء
…
ولا ازدهى طود حلمي برقُ زهراءِ
عصْر الصِّبا أيَقتني فافتديتُ بها
…
سُبلُ الهُداتِ وأخلاقُ الأعِفاء
حبْستُ نَفسي بسجنِ الصَّبر منتضياً
…
عَزمي وقيَّدتُ ألحاظي بإِغضاءِ
كي لا تمرَّ إذاً في وجْهِ غانيةٍ
…
بروضةٍ من رياضِ الحسن غنَّاء
ماءُ الملاحة جارٍ في مسائلها
…
إلى منيرِ أقاحٍ وسط حوَّاء
فتنثني لفؤادي وهي رائدةٌ
…
له فتخبرهُ بالرِّعْى والماء
حتى إذا القيْهلُ التاثتْ حديقته
…
به وهمَّتْ بإزهارٍ فإزهاء
وكادَ يُصبحُ ليْلى بعد دُهمته
…
وآن وقتُ انتباهي بعد إغفائي
سرَّحْتها منْ وثاقي إذ وثقْتُ بها
…
والعجْبُ أصل لما في النفس من داء
فآنْستْ في صِوار العين آنِسةً
…
وفي السَّحائب منها برقُ غرَّاء
فانهدَّ إذ ذاك طوْدُ الحلم وانتكثت
…
مِني عُرى العزم لمحَ الطرْفِ من راء
حتى هممْتُ بشيءٍ ما هممتُ به
…
أزمان لاقَ بأشكالي وأكفائي
حسْناءُ هام بها قلبي ولا عجب
…
كم هام قلبُ فتًى قبلي بحَسناء
هُنَّ اللَّواتي أذقنَ الموتَ عُروةَ
…
والنَّهديَّ عن مقلتي هندٍ وعَفراء
وابن الملوّح قيساً في فتوَّته
…
أصْمين وابنَ ذريحٍ أيَّ إصماء
كم ذا هممْتُ بوصليها فتردَعني
…
عنها روادِعُ من آيٍ وأنباء
فانثنى وأقولُ اللهُ أرحمُ أنْ
…
يولى انتقاماً على وصل الأحِبّاء
ولمْ أزلْ هكذا حتى تُنَهْنِهني
…
عداوةٌ ورَدتْ بين الأخِلاء
هناكَ أزْورُّ كرْهاً عن زيارتها
…
كيْ لا يُجرَّ لها المكروهُ جَرَّائي
وأيُّ شيءٍ على الأحرارِ أشنَعُ منْ
…
تسبُّبٍ في مُعاداةِ الأوِدَّاءِ
هذا وليْسَتْ يدٌ لي إن أعاديَ منْ
…
شدَّت يديْهَا بقلبي بعد إيداء
ولا ودَتني ولا انقادتْ إلى قَوَدي
…
ولم ترقَّ كأرباب الأرقَّاء
وأقبلتْ تتشكّى وهْيَ مُشكيَةٌ
…
كالقَوْس رنّتْ وقد شاكَتْ بحرَّاء
وشافعٌ في محياها شفاعتُه
…
يَمحُو بها حوبَهَا من كلّ حَوْباء
أمّا وعِزّةِ مَنم أهوى علىَّ على
…
هُوني عليها وإبعادي وإقصائي
لوْلا خشَاني عليها سُوَء عاقبةٍ
…
لمَّا يُعقبْ تماديها بإنهاء
لصُلْتُ للوصْل جهْراً لا تُنْهنهِني
…
زُرْقُ الأسِنّةِ في أيدي الأشدَّاء
حتى أمِرَّ حبالاً لا يُغيّرُها
…
طولُ التنائي ولا مشيُ الإماء
فامْزِجَنَّ برُوحي رُوحَها فنُرى
…
رُوحاً بشخصَين مزْجَ الرَّاح بالماء
وحينما شئتُ بتنا في مسرتنا
…
سريْن يكتمنا حيزوم ظلماءِ
أفٌّ على الصُّبح ما دامَ الوصالُ فإِنْ
…
كان التّقاطُعُ فلينعم بسراء
وقال أيضاً:
خَليليَّ عل أحْرى بفيض المدامع
…
من الأربعُ اللائي بكنْ المزارع
أريقا بها ماَء الشؤون وخليا
…
عَزَاليهُ ما بين هامٍ وهامع
فليْس بغَدر صونُنَا عَبراتنا
…
عن السَّح والتّذرافِ بين المرابع
فرَعْيُ الفتى عهْدَ المرابع آيةٌ
…
على إنه يرعى عُهودَ الروابع
وإنْ يَطّلعْ ذو اللوم قولا لعلهْ
…
يكونُ لبعض الأمر غيرَ مُطالع
فما ضيْعةَ الأطْلال تبكي وإنما
…
نؤبّنُ من أعمارنا كلَّ ضائع
وأحْرَ بأن يَبْكِ الفتى فوتَ نفسه
…
لطلعةِ ناعٍ في المفارق طالع
وقال أيضا ينصح بعض إخوانه:
أيها العاقلُ الأريبُ الأبرُّ
…
والفتى الماجِدُ السَّرِى الأغرُّ
اصغ لي تستمعْ نصيحةَ ودٍّ
…
أحْر أنْ لا يأبى النصيحة برُّ
إنْ تقلْ لي أتأمُرُ الناسَ بالب
…
رّ وتنْسَ لِمْ لا فهلا تَبرُّ
قلتُ أمري سِوايَ أمرٌ لنفسي
…
وبكيِّ الصَّحيح يبر الأعَرُّ
اتقِ الله ما استطعت تُقاَهُ
…
في الذي أنت مظهِرٌ ومُسِرُّ
تائباً توبةَ اعترافٍ نصوحاً
…
لا تقل تائباً وأنتَ مُصرُّ
أَعْصِ أمْرَ الهوى لا تتعلَّقْ
…
منكَ نفسٌ بكلّ ظبيٍ يمرُّ
فاقتناصُ الظِباءِ قدْ لا يُسنَّى
…
واتِّبَاعُ الفتى الهوى قد يَضُرُّ
ولكمْ من سعى ليَصْطادَ فاصْطي
…
دَ ولم يَحمه الصَّيودَ المفرُّ
فِرَّ منها حيث استطعت فراراً
…
ثمتَ اكْرُرْ إذا تعين كرُّ
فالكَمِىُّ المحتالُ طوراً مِفرٌّ
…
والكمِيُّ المحتالُ طَوراً مكرُّ
وهبِ الدنيا كزائل ظِلٍ
…
ليْسَ فيها لحادثٍ مستقرُّ
وكغيْثٍ ينْهلُّ حتى إذا ما
…
أعجَبَ النّاس نبتُه يصْفرُّ
فمقيمٌ بها سيَرْحلُ عنها
…
وقويمٌ عماده سيَخِرُّ
كلُّ ذي جدَّةٍ بها سوفَ يبْلى
…
وهِلَالٌ بدا بها يسْتِسرُّ
لا يَلذَّنْ مطعَمٌ لك فيها
…
كلُّ حُلوٍ من بعد الموتُ مُرُّ
وقال أيضا: وكان سافر إلى بني دليم، يريد منهم أن يردوا له إبلا أخذوها، لأحد المنتسبين إليه. وكانت بينهما مسافة بعيدة، مع اختلاف بلديهما، هواء وشكلا. فقال في ذلك:
عَينُ رُودى لترىْ ما لم ترىْ
…
ذلك البحرُ وذي أكمُ متى
كنتِ من قبل تخالين البرا
…
قِبَل الغرب انتهت عند فُوىْ
ولك اليوم مناديحٌ بها
…
فاسرحي فيها ترىْ ما لم ترىْ
يا نسيمَ الرّيح إنْ تمرُرْ بحيْ
…
خَيْمُهمْ فوق الورى خِيماً وحيْ
ولذاتِ اليْمنِ بلّغْ أنَّني
…
إنْ تكُنْ سلمى فإِني بعض طيْ
أو تكُنْ حَجَراً أكن يحيى لها
…
أو تكن حُزوي أكُنْ غيْلان ميْ
ولهُمْ بلّغْ بأنَّا هاهنا
…
نرتجُّ بين ابترخْ فاللُّوَىْ
بين أبناءِ دُلَيْمٍ لأنني
…
نقتفي أحياَءهم حياً فحيْ
نبتَغي أسْؤُرَ غاراتٍ لهمْ
…
أسأروها من ذُوَيْدِ ابن تقي
يُرسِلُ البحرُ علينا ريحهُ
…
ونداهُ كلّ صُبْح وعشيْ
ونرى الطيْرَ به نحسبها
…
إبلاً ترعى بحمْضٍ ونصِيْ
لسْتُ أبغي بَدَلاً في بلدٍ
…
بكِ يا ميمونةٌ ما دُمتُ حيْ
سوفَ يُدنى الأهلَ منَّا عاجِلاً
…
فضْلُ ذي العرش بإِعمال المطِيْ
إنّ لله تعالى فرجاً
…
لا يراهُ غيرُ ذي الكَرْبِ الشّجيْ
وله في سفره إلى أبناء دليم أيضا:
طال في أرْبُع القرارِ قرارِي
…
ليتَ شِعْري ما لي وما للقرارِ
طال مُكْثي وإنما طال فيها
…
باختيار المليكِ لا باختياري
لمْ أكن مُزْمعَ القدُوم إليْها
…
بل رَمتني لها يدُ الأقدار
سئم القلبُ بَردها ونداها
…
وخلاها البليل بالأسْحار
وصُفيَّا بها كحَدّ المواسى
…
وجُذوعاً بها كحدّ الشِّفار
ليت شعْري والعبد ذو إجبار
…
وهو يَبدو في قالَبِ المختار
هلْ يُسنى لنا سجيس الليالي
…
عوْضُ من عوْدةٍ إلى أوكار
حيْثُ تبدو لك المعالِمُ غُرًّا
…
حُسنها سرَّ أعينَ النُّظار
نَمَّقتها يدُ الحيا بلُعاعٍ
…
شاب حُسنَ ابيضاضِها باخضرار
تلك أرْضي التي أحِبُّ وأهوى
…
وهي حقاً منازلُ الأحرار
عذبة الماءِ ليس ينبت فيها
…
شجرٌ غيرُ طيّب الأشجار
تُنْبِتُ السرح والسيال وأرْطىً
…
حاكياً في الرمال وشْمَ العذارى
لا بلادٌ مياهها خمجريرٌ
…
مُنبتاتٌ طعامَ أهل النار
سكنتها تنْفكُّ فوضى
…
لم تميّز من ليلها والنهار
طرقتك الهمُومُ وهي سوارِ
…
فماذا لِطَيْفِها أنت قار
ما قرى طارق البلابل قار
…
مثلُ إعمال يَعْمَلات المهار
صحبتي شمروا فلم يبق إلا
…
شدُّ فُتل المِطي بالأكوار
قرَّبوها بويزلاتٍ عليها
…
من ذُراها كعاليات المنار
فَذُراها لركبها ضامناتٌ
…
بعد شحْط المزار قرب المزار
ملّكتها رعاتُهَا الأمر دهراً
…
ترتعي ما شاَءت من الأزهار
فهي طوْراً بأقحوانٍ وحمْضٍ
…
وهي طوراً بقرقدٍ وجدار
سلختْ في الربيع شهْر جُمادى
…
تتوخى مواقع الأمطار
وقال أيضا:
لعَمرُكَ ما ترتابُ ميمونةُ السُّعْدى
…
بإِنا تركنا السَّعيَ في أمرِها عمدَا
سِوى أننا كنّا عبيدَ مشيئَةٍ
…
ولا عار في أن يُعجزَ السَّيدُ العبدَا
فليْسَ علينا أن يُساعِدنا القضا
…
ولكنْ علينا أننا نبذُل الجهدا
ألم تر أنَّا قد رعيْنا عُهودَها
…
على حينَ لا يرعى سِوانا لها عَهدا
حبسنا عليها وهي جدبٌ سوامنا
…
فما صدَّنا السَّعدان عنها ولا صدَّا
ويظعن عنها الناس حال انتجاعِهم
…
ولم ننتجعْ برقاً يلوحُ ولا رعْدا
وإذ غدرتْ فانفضَّ من كان حولها
…
وفْينا فلم نغدر ولم نخلِف الوعدا
فجئنا لها حتى ضربنا قبابنا
…
على نجدها الميمون أكرم به نجدا
ومَرْجعَ سانيها جعلنا مخيما
…
لئلا نصون الشيبَ عنها ولا المردا
نَظَلُّ وقوفاً صائمينَ على الظما
…
نخالُ سَموم القيظ في جنبها بَرْدا
وتُذرى علينا الرامسات غُبارها
…
فننشقه من حُب إصلاحها وَرْدا
ويشرب كلُّ الناس صفو مياههم
…
ونشربُ منها الطين نحسبهُ شهْدا
بهذا ترى ميمونة أنّ تركنا
…
لها لم يكن منا اختياراً ولا زُهدا
على أننا والأمر عنَّا مُغّيبٌ
…
ولله ما أخفى ولله ما أبدى
منَ الله نرْجو أنْ ييَسر أمرها
…
ويجعل بعد النحس طالِعَهَا سعْدا
فيرأبَ مثآها ويجير كسرَها
…
ويبقيَها ميمونة كاسمِها سُعْدى
ومن رقيق شعره قوله:
رفقاً بنا يا ذوات الأعينِ النُّجُلِ
…
يُنَالُ بالرِّفقِ ما بالعُنْفِ لم يُنَل
نحنُ العبيد الأُلى أنتُنَّ سادتُهمْ
…
فارْعَيْنَ فينا وصاةَ الله بالخَوَل
واحذرْن مما نهى عنه المهيمنُ من
…
تكليفنا غير مسطاعٍ من العمل
وله أيضا:
يا ليْتَ شعريَ هلْ في زورة حرجُ
…
لمنْ لها بعْدَ أن نامَ الورى دَلجُ
منْ أعْظم البرّ مَثوى مغرمٍ دنفٍ
…
عن وصل غانيةٍ في طرفِها دعجُ
لاسيَّمَا إن يكنْ بالقربِ منزلها
…
ولا لها حارس يخشاهُ من يلجُ
وله أيضا: يصف صوت مغن، يقال له: لِمْتَيّنْ، وكان أشج:
صوتُ الأشجِّ هُنيْهَاتٍ فأحيانا
…
كنا من الحزنِ أمْوَاتاً فأحيانا
يا حسنَ ترداده فوق الكثيبِ لنا
…
تأتيكَ من قبل الرَّيانِ أحيانا
وله أيضا:
عَضْبُ من لا أنالهُ باقتناصِ
…
لا تَقِي منهُ كلُّ دِرْعٍ دِلاصِ
صادني فاستغثتُ كلَّ مُغيثٍ
…
لخلاصي ولاتَ حين مناص
لم أزلْ أبتغيهِ جُهدي فلم أص
…
طده واصطادني بغير افتناص
طُلَ يالَ الإِله دمِّي فهَلْ لي
…
من سبيلٍ للعقل أو للقصاص
ليتَ شعري أقد خصِصْت بذا أمْ
…
كلُّ صبّ بمثل ذا ذو اختصاص
يا خليلَّي لم يسفه حليما
…
كاللثا الحوِّ والبطون الخماص
وخدودٍ وأعينٍ وقدودٍ
…
هُنّ حتفُ الغَضنفرِ الوقَاص
فاحذراها واعملا كلَّ سِرْدَا
…
حٍ من العزمِ من جِلَاس قِلاص
كيْ تنالا مخدرات المعالي
…
بنجاها ووخدها البصباص
والبسا من تُقى الإِله دروعاً
…
توقَيا من مكيدة القُنَّاص
وله أيضا:
أزِفَ الرحيلُ فقرْبا أجمالنا
…
ثم أعيا فوق الجمال رحالنا
إنا إذا بلد نبا يوماً بنا
…
حملت لآخر نجبنا أثقالنا
دَيْدَانُنَا أن لا تنيطَ حبالنا
…
إلا بأحْبل منْ يحبُّ وصالنا
نطوى على الشّعث المواصل ما طوى
…
صدراً على أن لا يشدّ حبالنا
ستراً عليه وفي هواهُ ووصلِهِ
…
نعصي ولو آباَءنا عذّالنا
وإذا رماهُ الدهرُ كنَّا دونهَ
…
تُرْساً ونمنحُ من رماهُ نضالناَ
ما إن تقى أموالنا مُهجاتنا
…
كلاّ ولا مهجاتنا أموالنا
وإذا دعاكنَّ الجوابَ وإن سَعا
…
كنا حواليه وكان خلالنا
ويصيبُ من صافَ العدوَّ عِدواؤنا
…
وينالُ من والى الوليَّ نوالَنا
خُلُقاً لنا لا صالحين لغيره
…
خلقاً وليس بصالحٍ إلاّ لنا
هذا وما كنَّا نحُومُ حوالَ منْ
…
كنا نراهُ ولا يحوم حوالنا
وإذا أبى إلاّ القطيعَةَ والجفا
…
ورأى الصَّواب بغيرنا إبدالنا
قمنا فعالجنا الوِصالَ فإِن أبا
…
إلاّ قطيعتنا قطعنا يا لنا
لِمَ لا ألسْنا الأغْنياَء بربنا
…
يا ليت شعري مالنا ما خالنا
والأرض لا تأبى إذا يأبى لنا
…
مهما عكمنا بالرحال جمالنا
إعمالنا قُتْلَ المهارى فوْقَها
…
حتى ننالَ ببلدةٍ آمالنا
وله أيضا:
أأرقَتْ عيناكَ مِنْ طيفٍ ألَمْ
…
هاج للمحزون مكنون الألَمْ
زار ممن أنت تهوَى موهناً
…
برخيم الصَّوتِ مكحولٍ أحم
ابن بيدٍ باتَ يَسري مُدْلجاً
…
ليله حتى إذا انجاب جثم
عِندَ حدباءِ القَرى أسْأرها
…
خَبْطُها فِيحَ المَوامي والظلم
بين مُعْزٍ وتلالٍ وصُوًى
…
ورمالٍ وبطاحٍ وأكَمْ
وكتب على صديقين له:
يا أيُّها الرَّاكبُ الموموقُ هبك لدىْ
…
أخاً تقوم يداهُ لي مقامَ يَدىْ
أنْتَ الأمينُ على ما آنَ مرسله
…
إلى الأمين الذي دأبى هواهُ ودىْ دنى
بلّغْهُ عني تحايا مالها كفؤٌ
…
إلا اجتماعكما بعدَ الفراق لدىْ
وأنَّ جُندَ الهوى في الصَّدر مُعتَركٌ
…
بكلّ سَهْم ورُمْحٍ سمْهري ورُديْ نِيّ
لذكَ قد سبقتْ لي منْكما عِدَةٌ
…
وأعْدُ كان على أهل السماحةِ ديْنا
وهذا النوع، يسمى عند أهل البديع بالاكتفاء، وله أيضا:
فدتك وقلّتْ للفدا كلُّ غانيهْ
…
منَ العِين والأرآم يا عينَ رابيهْ
وعنك عَفا ربي دِماَء أرقتشها
…
ولم تبذلي فيها قصاصاً ولا ديهْ
ولا أشْمتَ المولي بك الناسَ إنهم
…
غدوا في طلاب الثأر منك سَواسيه
فمنْ حسد قتلى وقتلى من الجوى
…
فلم يبق جَحجَاحٌ ولم تبق غانيهْ
وقد كان سُقم الطرف للعين زينةً
…
ولكنَّها في أعين الحورِ خافيهْ
فأظهرته للناس أنت لكي ترى
…
عليك خفايا الحسن تبدو علانيهْ
لئن صدَأت من غضبك اليوم صفحةٌ
…
فما في صدًى عارٌ على الهنداونيهْ
نهبتِ من الأعمار ما لوْ حَوْيتهِ
…
لُهنّئتِ الدنيا بأنَّكِ باقيهْ
وقال أيضا:
يا معشر البلغاءِ هلْ منْ لوذعي
…
يهدي حجاهُ لمقصدٍ لم يبدعِ
إني همْمتُ بأن أقولَ قصيدةً
…
بكراً فأعياني وجودُ المطلع
لكمُ اليدُ الطولى علىَّ إن أنتمُ
…
ألفيتموهُ ببقعَةٍ أو موضع
فاستعملوا النَّظر السديد ومن يجدْ
…
لي ما أحاولُ منكمُ فليصدع
وحذارِ منْ خلع العذار على الديا
…
ر ووقفة الزُّوار بين الأربُع
وإفاضةِ العبرات في عَرصاتها
…
وتردُّدِ الزّفرات بين الأضلع
وتذاكر السُّمار بالأخبار من
…
أعصار دولة قيصر أو تبَّع
والفينة الشّنبا تجاذبُ مِزهراً
…
والقهوةِ الصَّهبا بكأسٍ مُترع
وتداعى الأبطال في رهج القتا
…
ل إلى النزال بكلّ لدنٍ مشرع
فجميع هذا قد تداولهُ الورى
…
حتى غدا ما فيه موضعُ إصبع
والشعر ليس كما يقول المدع
…
صعب المقَادة مستدقُّ المهيع
كم عزَّ من قُحٍّ بليغ قبلنا
…
أو من أديب حافظٍ كالأصمعي
قلْ غادرت هل غادر الشعراء في
…
بحرِ القصيد لطامعٍ من مطمع
والحول يمكثه زهير حُجَّةٌ
…
أنَّ القَوافَي لسن طوعَ الإِمَّعِ
إنَّ القَريض مزَلَّةٌ مَنْ رامَها
…
فَهْوَ المُكلَّفُ جَمْعَ ما لم يجمع
إن يتبع الندَما أعاد حديثهم
…
بعد الفُشُوِّ وضلَّ إن لم يتبع
والشعر للتطريبِ أوَّلُ وضعه
…
فلغيرِ ذلك قبلنا لم يوضع
واليوم صار منكِدّاً ووسيلة
…
قد كان مقصدها انتفا لم تشرع
وإليه ترتاحُ النفوسُ غُلبّةً
…
فيميلها طَبعاً بغيرِ تطبع
ينساغ للأذهان أوّل مرّة
…
ويزيدُ حُسْناً ثانياً في المرْجع
فيخالُ سيقَ السَّمْعِ مَنْ لم يستمعْ
…
ويعودُ سامعه كأن لم يَسْمع
كالرَّوضِ يغْدُو السَّرْحُ فيه وتَنْثَني
…
عند الرَّواحِ كأنه لم يُرتع
من كان مُسطاعاً له فليأته
…
وليقن راحتهُ امُرُؤ لم يسطع
والجل من شعراء أهل زماننا
…
ما إن أرى في ذا لَهُ من مَطمع
ومنها:
واليوم إما سارقٌ مستوجب
…
قطعَ اليمين وحسمَها فليقطع
أو غاصبٌ متجاسِرٌ لم يثنهِ
…
عنْ همهِ حدُّ العوالي الشُّرَّع
مهما رأى يوماً سواماً رتعاً
…
شن المغار على السوام الرتَّع
فكأنه في عدوه وعدائه
…
فعلُ السُّلَيْك وسلمة بن الأكوع
هذا ما تذكرت منها، وربما وقع فيها تقديم وتأخير، لطول العهد بها. وقال أيضا:
لا تَسمعي زُور واشٍ في محبكم
…
ولا يريبكِ رَيثٌ في زيارته
فليس بيتكِ إلا بيت عاتكةٍ
…
به الفؤاد وإن أمرو بساحَته
وإن تدم هكذا منهم مراقبة
…
كلٌّ تعوَّدَها مغرى بعادته
تركت دين أخي الأنصار منتصراً
…
بما توخى اينُ بُرْدٍ في مقالتهٍ
إذ قال لمَّا تشكي كثرة الرقبا
…
من راقب الناس لم يظفَرْ بحاجته
وإنْ كتمَ الهوى عبءٌ بحامله
…
ويوم تبدو الخفايا يوم راحته
وله من قصيدة يمدح بها أشياخه:
هذا وطب نفساً وثقْ بالهنا
…
فهو البسيط يَداً لمَنْ مَدَّ اليَدَا
نحنُ العَبِدَّانُ الأُلى هُوَّ ربُهمْ
…
والرَّبُّ إنْ يَعْزُزْ يُعِزَّ الأعْبُدا
وكفى اصْطِفاءً كوْنُنا منْ أمَّةٍ
…
وَسطٍ أجابَتْ مصطفاها أحمدا
ولنا استنادٌ بعدُ للعَمَد الأُلى
…
رُفِعوا فكانوا يرفعون المُسندا
لهم التَّصَدُّرُ في قضِيَّاتِ العلى
…
كلٌّ لإِسْنادٍ إليهِ تَجَرَّدا
لا تَخْشَ إنْ رفُعوكَ نَسْخاً كائنا
…
منْ فعلٍ أمْسى في الزّمانِ ولا غدا
وإذ تصرَّف فعلُهمْ في جامِدٍ
…
ما خافَ بعد تصرُّفٍ أن يَجمدا
منهم جميعاً نفتدى بأئمّةٍ
…
متحملين لأمر مَنْ بهمُ افتدا
وإذا سَهوْنا في القيام بأمرنا
…
حَملوهُ عَنَّا رُكّعا أو سُجَّدا
رَووا الصّحاح من الحقَائق أسندتْ
…
عنْ سيدٍ في الفضل يقفوا سَيدا
متواتِراً إسنادها متسلسلاً
…
حتى انتهى للمنتهى متصعدا
طبعوا على كرم النفوسِ جبلَّةً
…
موْرُوثةً فيهم تراثاً مُتْلَدا
لو انهُمْ عمدوا إلى فعل الخنا
…
لأبتْ طباعُ نفوسهم أن تعمدا
قوم هم دُعُمُ الهدى لا تعدُونْ
…
عيناك عنهم إن ترد دعُمَ الهُدى
فهمُ الألى كسوا العلى أبعى الحلي
…
فيهم تجلّتْ لؤلؤاً وزبرجدا
سمطا غدوا في جيدها وأساوراً
…
في المعصمين وفي النواظر إثمدا
الراشدون المرشدون إلى العلى
…
الدافعون الذائدون الوُرَّدا
فهم السيول المحييات من اجتدى
…
وهم السيوف المرديات من اعتدى
لحظاتهم تحيى الرميم وعندهم
…
هممٌ قويات يذبْنَ الجلمدا
لو حاولوا نيل السماكِ بعزمهم
…
نالوا الثريا بعده والفرقدا
ولهم بصائرُ نيرات تنجلي
…
حُجُبُ الغيوب بها إلى أن تشهدا
والكيمياءُ من السعادة عندهم
…
إكسيرها يدَعُ الحجارة عسجدا
فإذا هُم نظروا البغاث استنسرت
…
وإذا هُم لحظوا أويسَ استأسَدا
ولديهمُ جَعْلُ السُّكَيتِ مجلّياً
…
ولديهمُ جعلُ الثفالِ خفيددا
طرق الإرادة إن أرادوا طيها
…
تركوا أقل من الذراع الفدفدا
ومتى يحرْ في تيهها ذو حيرة
…
ظهروا له بالدوّ منها أنجُدا
وإذا ادلهمَّ ظلام ليلِ جهالة
…
لاحوا ففاقوا النيراتِ توقدوا
وإذا اشتكى لفح السَّموم أخو صدى
…
أجروا من السَّلْسال بحراً مزبدا
وتقدموا يهدونه في سيره
…
لوردوه حتى يُرُوه الموْردا
راحُ المعرف إن تعاطوا كأسَهَا
…
لم يدفعوا عنها نديماً عربدا
وكذاك إن دهم العدى لم يخذلوا
…
ممن يواليهم جباناً عرَّدا
من كل حامٍ شولَهُ بعقاله
…
تحمى خَشَاهُ مصاله المتمردا
أو كل حامٍ غِيلهُ بمهابةٍ
…
تعدو على غلب الليوث وما عدا
منه فريص الأسد ترعد خيفةً
…
لكن فريص حميّه لنْ تُرعدا
أظفارُه حمرٌ خلقن من الردى
…
وبنانه بيض طبعن على الندا
فبهذه كان القضاءُ مسَلّطَا
…
وبهذه كان العطاءُ معوَّدا
أني يضيق خناقُ منسبٍ لهم
…
أم كيف يخطي رفدهم مسترفدا
أو يختشي من يحتمي بحماهُمُ
…
أو يجتدي جدواهُم أن يطردا
أهدى لهم أبكارَ فكرٍ صنُتُها
…
عن غير تنسى العذارى النُّهدا
غرر الطروس بها حَلِينَ فَأَصبحتْ
…
طرر الجباه لها عليها حُسَّدا
إذ لم تظنَّ الكونَ يحوي غيرها
…
بيضا محلاةً بحَليٍ أسودا
منساغَةً في الذهنِ دون إساغة
…
فتكاد تسبق بالنشيد المنشدا
في كل لفظ رق معنى رائقٌ
…
كأبارقِ الياقوت نحوي الصرخدا
فهْي الحُليُّ لناظرٍ متوسم
…
فحواءُها وهي الحُليُّ لمنْ شدا
أبغي بها مرضاة من برضاه عن
…
حزب التُّقى نال العلى والسؤددا
وقال أيضا في سفره إلى بني دليم:
هاجَ التذَكُّرَ للأوْطانِ في الحِين
…
بَرْقٌ تأَلْقَ مِنْ نحوِ المَيامِين
بَرْقٌُ يحاكي اغتداَء الطير آونَةً
…
ونَبْضَةَ العِرْقِ في بعضِ الأحايين
فقلتُ إذ شمتهُ وهْناً أخاطِبهُ
…
دورَ المَيامِين أو دورَ الكناوين
سَقْيا لها أرْبعاً شطتْ بساكِنها
…
عَن نازِحٍ مُسْتَهَامِ القلب محزون
أخِي اغترابٍ رمى صَرْفُ الزَّمانِ به
…
بحيْثُ يُجمعُ بين الضّبِّ والنُّونِ
سُكناهُ بين أناس جل عقدهُم
…
بيعُ المَلاقيح أو بيع المَضامين
أيمانهم كلُّها لغو ودأيهُمُ
…
غصب الأباعير من كلّ الأناسين
وقال أيضا في (نحن) المتقدم:
لا تنكروا ما ادَّعَاه نحنُ مِنْ شَرَفٍ
…
به استبدَّ عنْ آباءِ وأجدادِ
هو الشريفُ بلا شكٍّ ولا رِيبٍ
…
لكنهُ حلَّ في مِسلاخ حَدَّاد
وله أيضا فيمن يحرم النبغ:
دع الإكثارَ منْ قالٍ وقيلِ
…
كفاكَ اللوْمُ بالكِلمِ القَلِيلِ
أَقِلني إن عَثرتَ على عقاري
…
فخير الصحبِ كلُّ فتى مُقيل
وإلا تزدجر عمَّا عليه
…
جُبْلتَ على التّهوُّرِ والصَّهيل
فإني لستُ منك ولستَ مني
…
وليس رَعيلُ خيلك من رعيلي
ولستَ إلى لقاءِ اللهِ مني
…
بمنزلة الرَّفيق ولا الزميل
ولم تك في الحساب غداً حسيبي
…
ولم تك لِي بمولّي أو وكيلِ
تُلوِّمُ أن تعاطينا كؤوساً
…
تذكرنا كؤوسَ السلسبيل
تحاول أن تحرّمَها عليْنا
…
فليس لما تحاولُ من سبيل
تريد على إباحتها دليلا
…
متى احتاج النهار إلى دليل
أصول الحلِّ عدوها فعدوا
…
نبات الأرض من تلك الأصول
وقبلك ملَّ فيها القولَ قومٌ
…
فما أغنوا بذلك من فتيل
وليس اللوْم فيها اليومَ إلا
…
أحاديثٌ تعدّ من الفضول
وإنّ لها فوائدَ واضحاتٍ
…
يراها كلُّ ذي نظر أصيل
إزالةَ حِقد ذي الحقد المناوي
…
وتَحبيب الخليل إلى الخليل
وجبرَ خواطرٍ وقضاَء حاجٍ
…
ومعرفةَ السخيّ من البخيل
وفوْزاً إن تعاطاها الندامى
…
بتمييز الظريف من الثقيل
وإيقاظَ النواظر من كراها
…
وإبراَء المتيّمِ والعليل
وزاد مسافرٍ ومتاع مُقْوٍ
…
وأنسًا في الإقامة والرحيل
وتحفة قادم وسرورَ أو
…
أرى حين المبيتِ أو المقيل
وفاكهة الشتاء إذا تأَذَّى
…
وجوهُ الناسِ بالشَّمَلِ البليل
وتطربُ مَنْ يدرّسُ كل فنّ
…
وتفرجُ كرب ذي الهم الدخيل
وتلى كل صبّ مستهام
…
عن الخدّين والطرْف الكحيل
وتدفع ذا التلصص فهي أغْنى
…
إذا دفعت من السيف الصقيل
وترضى المسلمين وفي رضاهم
…
يؤمل أن ينال رضي الجليل
وحسبك من فوائدها بهذا
…
دع الإكثارَ من قال وقيل
وله أيضا:
من التّعْذَالِ حَسْبُكَ يا عذولُ
…
فلَوْمُ أخي الغرام هو الفضولُ
فما تغنى الملامةُ من غرام
…
تزول الشامخات ولا يزول
فلوْمُكَهُ عَسِيلٌ وهو صخرٌ
…
مِن اصفاءِ تضمَّنَهَا مَسِيل
فلومك لا يؤثر فيه إلا
…
كما في الصخر أثره العسيل
فلو شاهدت من أودى هواها
…
به ما لمت صبًّا يا عذول
ولكن قد جهلت الأمر منها
…
وليس كعالم الأمر الجهولُ
أغصّ مخلخلاها كلّ حجْلٍ
…
فنادت من يغيثني الحُجول
فقال الثغر عندي الخمرُ لكن
…
نأت داري وما عندي رسول
فقال الفرعُ أرسلني فإِني
…
إلى تقبيل موطئها وصول
إذا لم يعترض من دونها لي
…
فأحبس دونها الكفل الثقيل