الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذا، أرقى من بوادي نجد
والحجاز، لأن كيفية العقد عند بوادي الحجاز ونجد غريبة جدا، ولا يسوغ لنا أن نكتب ما أخذناه خبره منها. أما المهور عندهم: فإنها بحسب عرف القبيلة، فمن زوايا القبلة من يأخذ نصف المهر، ويرد للزوج نصفه. أما حسان مطلقا، وزوايا آدرار، والحوض، وتكانت: فيأخذونه كله، وأما الجهاز فبحسب العرف.
والوليمة في أرض شنقيط، كلها مخالقة للسنة، سواء في ذلك الزوايا أهل العلم، وحسان أهل الجهل، لأنها عند الكل على ولى المرأة، قبل البناء، ولا يدعى لها أحد مطلقا، وأكثر الأطعمة، يأكله الأوباش، وتحمل منها موائد إلى أقارب الزوج، وتبقى المرأة في كل عيد، تبعث موائد إلى أقارب الزوج، كما أن نساء أقارب زوجها، يبعثن بمثل ذلك إليه، والوليمة في الشرق، باقية على الزوج بعد البناء، ولا ينتقد فيها إلا التكلف المنهي عنه، المبيح لعدم إجابة الدعوة، ودعوة الأغنياء دون الفقراء، فإذا كان أحدهم لين القلب يدعو الفقراء، ويطعمهم من سؤر الأغنياء.
الكلام على التاريخ في شنقيط
السائر في أرض شنقيط، إنما هو التاريخ بالأمور المشهورة، كالحروب والجدوب، وموت الأعاظم. يقول أهل القبلة مثلا: كان ذلك سنة غدرة محمد لحبيب، أو سنة غدرة سيد بن محمد لحبيب، وفتنة أجله مثلا، أو سنة ملكي اصرب ملكي، بمعنى ملتقى، واصرب جمع صربة، بمعنى الوفود التي اجتمعت لعقد الصلح بين الترارزة، ويقولون: كان ذلك سنة شر بني فلان، وبني فلان، أي حربهم، أو سنة خير بني فلان وبني فلان، أي صلحهم، أو سنة اكبيظ الشمس، اكبيظ: بمعنى قبضها، أي كسوفها، وسنة حواطه، وهي سنون محدبة، يزعمون أن المطر حبس سبع سنين، وفيت المواشي، وأكل الناس
الجلود، وهذه اللفظة عربية، وأصلها تحوط أو تحيط. قال أوس بن حجر، يرثى فضالة بن كلدة من أبيات:
والحافظ الناس في تحوط إذا
…
لم يرسلوا تحت عائذ ربعا
ويقول أهل آدرار: سنة غدرة امحمد بن أحمد بن عيد، وسنة غدرة أحمد ابن امحمد. وسنة الطيحة الفلانية، وهذه الأخيرة، مشتركة بينهم كلا، أي يسمون الغارة طيحة، ويقول أهل تكانت: سنة غدرة محمد بن اسويد أحمد، وسنة شر اشراتيت وأبكاك، وسنة شر إدوعيش، وأحيى من عثمان، وهكذا.
ويقول أهل تيرس: سنة النعم الفلاني، أي الخصب، وسنة أذريره وهي سنة أدركنا من يعرف زمنها، قالوا: أن تيرس مكثت أزمنة كثيرة، تتوالى عليها الأمطار، وهي من أجود الأرض في الإبل، وإذا وقع فيها الخصب، تحدث فيها أمور عجيبة، منها أن الفصيل يركب قبل سنة، ومنها أن الناقة تلد في كل سنة. ويحكى أن بعص أهلها، حدَّت إنه شرب لبن أنثى، قبل أن تتم سنة، أو عند تمامها، وصورة ذلك، أن الفحل ضربها، وهي بنت ستة أشهر أو سبعة، فأسقطت جنينها بعد ثلاثة أشهر أو أربعة، فعطفوها على فصيل آخر، فصارت تحلب. وهذا من الأمور الخارقة للعادة، لأن الأنثى لا تلد غالباً قبل أربع سنين، في غير تيرس.
ويحكى أن أهل بارك الله، وهم أعظم قبيلة في تيرس، من الزوايا، مكثوا أربعين سنة، لم يروا جنازة قبل هذه السنة، فصاروا لا يقرؤون أحكام الجنائز، لعدم الاحتياج إلى ذلك. ثم أن الله تعالى سلط بعض القبائل على بعض، فصاروا يقتتلون ويغير بعضهم على بعض، ووقع الجدب، فهربت الناس إلى أرض القبلة، وأصاب هذا البلاء، أدرار وانيشيري. ويحكى أن أهل تيرس، صاروا يهربون عن أولادهم.
ومن المسائل التي وقعت إذ ذاك، أن رجلا يقال له ابن الديك، كانت عنده امرأة فتعشقها آخر، يقال له: البخاري، ففداها منه بمال، فطلقها. فبينا هو ينتظر انقضاء عدتها ليتزوجها، وقعت أذريره، فخرجت تلك المرأة مع نساء هاربات
على أقدامهن، فأضربهنَّ الجوع، فوجدن بقراً لمحبوبها، فذبحت منه تبيعة، فوفاها محبوبها وكلمها كلاما عنيفا، وهددها بالضرب، وطلب منها أن تقضي له تبيعته. فقال بعض الأدباء يعتبر بحالها:
أنظر إلى معشوقة البخاري
…
وعنها الآئلِ للصّغارِ
كانت لنجل الديك عرساً وهولا
…
يبغي بها من النساء بدلا
ففرق البخارِ بالفداء
…
بينْهما للاعج الأهواء
وكرعا كأسَ الصّبا زمانا
…
وكان من أمرهما ما كانا
غَصَّ بها المِجْوَلُ والحجالُ وطاب منها ذلك المجالُ
وأسْهِرَتْ من هجرها الرجالُ
…
وأعلمت في وصلها الجمالُ
واخضرَّ جلدها من اللباسِ
…
منْ فاخرَات الهند أو دُماسِ
وأسْقيتْ خوالصَ الألبانِ
…
عَنْ كثْرةٍ والدَّهرُ ذو ألوانِ
راحَتْ سعُودُ سَعْدِها أوافِلا
…
وانقلبت رياحُها شمائِلا
وشامَتِ الخُلّبَ في أمصارها
…
ونعِبَ البارَحُ عن يسارها
وأثرتْ عُرَى خَوالصِ الادُمْ
…
في جيدها وغيرُ ربي لم يدمْ
ولم تزلْ في تيلك الحال إلى
…
نعوذُ باللهِ منْ أنواع البلا
أن ذبحت بنت لبون من بَقرْ
…
عاشقِها الذي بها قد اشتهر
فرام أن تَقْضِيّه في الحين
…
بعد كلام غيرِ مستلين
بل همَّ أن يوجعَها بضربها
…
على خدود كان مفتوناً بها
نفْسَ الأريب انتبِهي واعتبرِي
…
وجددي العبرة أيضاً وانظري
بين التلطفِ إلى المعشوقِ
…
وسطوةِ الطالبِ بالحِقوقِ
وبين لمس الجلدِ باغتباطِ
…
وسومه بمؤلم السياطِ
هذا ما تذكرت منها، وأين البخاري هذا، من جميل حيث يقول:
فلو أرسلت يوماً بثينة تبتغي
…
يميني وإن عزّتْ علىَّ يميني
لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها
…
وقلت لها بعد اليمين سليني
سلينيَ مالي يا بُثين فإنما
…
يبينُ عند المال كل ضنين
ومن كُثَيْر، حين مطلت عَزّة عبده، في دين له عليها، فتمثل بقول سيده:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه
…
وعزة ممطول معنّى غريمها
فلما علم أنها محبوبة سيده، قال لها: أنت في حل مما لي عليك، فبلغ ذلك كثير، وقال: أنت جر وما عندك لك، وقال:
سيهلك في الدنيا شفيق عليكم
…
إذا غاله من حادِث الدهر غائلهْ
يودُّ بأن يمسى سقيما لعلها
…
إذا سمعتْ عنه بشكوى تراسله
ويرتاح للمعروف في طلب العلى
…
لتحمد يوماً عند عَزٍّ شمائلهْ
أما الحساب عندهم، فمنه عربي، وهو الحساب بالشهور القمرية، وأسماؤها منه ما أبقوه على أصله، ومنه ما غيروه، يقولون: رمضان، والفطر الأولى والثاني، فالأول شوَّال، والثاني ذو القعدة والعيد. وفي بعض الأحيان يقولون: عيد اللحم، احترازاً من عيد الفطر، وعيد المولد النبوي، وعاشور، أي عاشوراء، واتبيع: بمعنى صفر، والمولود: أي المولد: والبيظ الثلاثة، بمعنى البيض، وهي ربيع الثاني، وجمادى الأولى والثانية، ويقولون: لكصير الأول: ولكصير الثاني: مصغران، بمعنى القصيران، ولو قال قائل مثلا: صفر والمولد الثاني، وجماديان، ورجب وشعبان، ما فهمه إلا من كان من أهل العلم. وأما الأشهر العجمية، ففي ألفاظها بعض اختلاف عن أهل المشرق، يقولون: