الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حروب إدوعيش
كانت إدوعيش أهل ظفر في حروبها، فلذلك كان يقال لهم مفنيين الدول، أي مبيدوهم. لأنهم أبادوا أبناء امبارك، وكانت السيطرة لهم، ولأنهم قد كسروا الترارزة، أعني قبل عصر اعل بن محمد لحبيب بكثير، وأما أبناء احيى من عثمان، فأمرهم معهم مشهور، من السيطرة عليهم.
وكانت إدوعيش يدا واحدة، تحت رئاسة أهل اعمر بن امحمد، ويقال لهم أهل امحمد بن خونه، وكان أشهر رؤسائهم، محمد بن امحمد شين، وكان عادلا، وكان يعتقد كفر قومه، فلذلك كان يضطهدهم، وتقدمت قصته مع ابن باه، في ترجمة
سيدي محمد بن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي، ولما مات، تنازع اخوته مع ابنه اسويد أحمد فانقسموا قسمين. قسم يقال له: اشراتيت، ورؤساؤه اخوته، ومعنى اشراتيت: الدببه، لقبوا بذلك، لأكلهم أموال الناس، وقسم يقال له: أبكاك، ومعناه الصمغ الأسود، ولعلهم لقبوا بذلك، لكثرة ما فيهم من أطراف الناس، ويرأس هذا القسم، أسويد أحمد بن محمد بن امحمد شين، فتغلب اسويد أحمد على أعمامه، وتولى بعده أخوه سليمان، فغدره ابن أخيه المذكور، واسمه محمد بن اسويد أحمد والد سيد أحمد لبات، الفارس المشهور، فغدره عبد لكنته، فتولى بعده أخوه بكار، الذي ملأ صيته أرض شنقيط، وقد اشتهر بالصبر، وسياسة الحرب، وإكرام الزوايا، ولم يدخل إدوعيش أكرم منه، وطال عمره، وكثرت أولاده، وقتله فرانسة، بعدما جاوز المائة، وقد بلغنا ذلك، ونحن بمصر، وكان ذلك آخر أمر إدوعيش.
الكلام على أولاد امبارك
تقدم أن أبناء امبارك، كانوا هم أهل الشوكة، حتى تغلبت عليهم قبائل إدوعيش، ومن انضم اليها، وكانوا أهل أبهة عظيمة، وكرم وعدل ومما يحكى عنهم من النخوة، أن أحدهم كان يعتاد أن يدخل على أمه في كل ضحوة، فيجد عندها
شيئا من اللبن، في قدح نظيف لا يشرب فيه غيره، فدخل عليها يوما على العادة، فلما أدنى اللبن من فمه، اقشعر جلده، فعلم إنه قد شرب منه أحد. فقال لأمه: أصدقيني من شرب من هذا اللبن. فقالت له: شرب منه شقيقك فلان، وهو مثلك، فقال لها: إني رأيته وهو صبي، عض صبيا من الحدادين بأسنانه، فامتنع من الشرب من ذاك الإناء بعد ذلك، ورآه نجس العين.
ومن نخوتهم، أن (الكفيه) المشهور، وقد أدركنا من يعرف شخصه، نزل ببكار بن اسويد أحمد، رئيس إدوعيش، فبنى له بيتا، وكان بكار يذهب إليه بنفسه، ويواكله
في محله، فأتاه ليلة مع من يحمل له شيئا من اللحم، فلما وضعه بين يديه امتنع من أكله، فسأله عن السبب. فقال: إني لست سبعا، فإن هذا الوقت لا يأكل اللحم فيه غير السباع. وخرجا يوما يتريضان على فرسين، فمرا بمنهل غاص بالناس، يسقون إبلهم فيه، فأتوهم باللبن، فشرب منه بكار أولا، وناوله، فامتنع من الشرب، فسأله عن السبب، فصرح له بأنه لا يشرب في المنهل، إلا أوباش الناس، فحقد عليه بكار، فكان هذا سببا في دس من يقتله بعد ذلك واشتهر الكفيه هذا، بالنظم المسمى عندهم بالغناء، ومنه قوله يعتبر بما فعل بهم مشظوف، وكانوا خولا لهم، فحاربوهم وغلبوهم، فقال:
أسْكِ عنْ تصريفْ القيُّومْ
…
وَاسْكِ يَذاك التّصرُّوفْ
مشظوفْ أكبلْ ملْكِ واليُومْ
…
عِدْتْ آنَ مالِكْن مشظوفْ
أسك عندهم: كلمة بمعنى التعجب، ويذاك: بمعنى يا ذلك، والتصروف: مصدر بمعنى التصرف، وأكبل: بمعنى قبل، وعدت: بمعنى صرت، وهي عربية، يعني انهم كانوا ملكه فانعكس الأمر. ومن نظمه أيضا:
مَحَدْ الدّنْييَ مايْلَ
…
شَوْرَكْ واعْليهَ مايِلْ
اعْلمْ بعْدْ إنه زايْلَ
…
وأنتَ واياهَ زايِلْ
محد: بمعنى ما دامت، وشورك: بمعنى إليك، أي ما دامت الدنيا تميل