الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَالَى فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّقْيِيدُ بِهَذَا الشَّرْطِ قُلْنَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ ذَلِكَ التَّقْيِيدِ مِمَّا ذُكِرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَإِنْ كَانَتْ أَخْبَارَ آحَادٍ فِي أَنْفُسِهَا لَكِنَّهَا مَشْهُورَةٌ فِي الْمَعْنَى فَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ عَلَى كِتَابِهِ تَعَالَى كَمَا فِي آيَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَوَاضِعَ الْقُرْآنِيَّةَ الْمُوجِبَةَ لِهَذَا التَّقْيِيدِ كَثِيرَةٌ جِدًّا قَالَ فِي الْمُبَارِقِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ تَابِعٌ لِلْمَأْمُورِ فَإِنْ وَاجِبًا فَالْأَمْرُ وَاجِبٌ كِفَايَةً وَإِنْ نَدْبًا فَنَدْبٌ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَلِوُجُوبِهِ شَرَائِطُ مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَاقِعًا لِأَنَّ الْحُسْنَ هُوَ الذَّمُّ عَلَى الْوَاقِعِ لَا النَّهْيُ عَنْهُ وَمِنْهَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ كَمَا أَنَّ الشَّارِبَ تَهَيَّأَ لِشُرْبِ الْخَمْرِ بِإِعْدَادِ الْآلَةِ وَمِنْهَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ نَهَاهُ لَا يَلْحَقُهُ مَضَرَّةٌ وَلَا يَزِيدُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَيْضًا فِي مُنْكَرَاتِهِ مُتَعَنِّتًا بِهِ لِإِنْكَارِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ نَهْيَهُ مُؤَثِّرٌ لَا عَبَثٌ انْتَهَى وَلَعَلَّك سَمِعْت تَفْصِيلَهُ فِيمَا مَرَّ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ الْعَوَارِضِ وَالْمَوَانِعِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَوَانِعِ (عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِلَا ضَرَرٍ) إذْ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ» وَفِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ عليه السلام إنِّي مُهْلِكٌ مِنْ قَوْمِك أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ خِيَارِهِمْ وَسِتِّينَ أَلْفًا مِنْ شِرَارِهِمْ فَقَالَ يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارُ فَمَا بَالُ الْأَخْيَارِ؟ فَقَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَغْضَبُوا لِغَضَبِي وَآكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ» وَفِي الْحَدِيثِ «مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عَنْهُ» وَفِي الشِّرْعَةِ أَعْظَمُ الْوَاجِبِ عَلَى مَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَهَلَاكُ النَّاسِ إذَا تَرَكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى يَعُمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِعِقَابِهِ وَلَا يَسْتَجِيبَ لَهُمْ دُعَاءً وَيَحْرِمَهُمْ اللَّهُ الْبَرَكَةَ وَالْخَيْرَ وَالنَّجَاحَ وَقَالَ بِلَالُ بْنُ سَعِيدٍ إنَّ الْمَعْصِيَةَ إذَا أُخْفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إلَّا صَاحِبَهَا وَإِذَا أُعْلِنَتْ ضَرَّتْ الْعَامَّةَ (وَظَنِّ التَّأْثِيرِ) وَإِلَّا فَضَيَاعُ وَقْتٍ وَإِيرَاثُ بُغْضٍ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْغَيْرَةِ وَفِي الشِّرْعَةِ كَانَ الثَّوْرِيُّ إذَا رَأَى الْمُنْكَرَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ بَالَ دَمًا فَجَدِيرٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَمِيَّةِ وَالْغَيْرَةِ وَالصَّلَابَةِ مِثْلَ ذَلِكَ
[تَرْكِ النُّصْحِ]
(وَتَرْكِ النُّصْحِ) ظَاهِرُ السَّوْقِ وُجُوبُ النُّصْحِ عِنْدَ ظَنِّ فَائِدَتِهِ فِي الْمَنْصُوحِ لَكِنْ قَالَ الْمُنَاوِيُّ ظَاهِرُ خَبَرِ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» وُجُوبُ النُّصْحِ مُطْلَقًا وَلَمَّا نَظَرَ السَّلَفُ إلَى ذَلِكَ جَعَلُوا النَّصِيحَةَ أَعْظَمَ وَصَايَاهُمْ (وَ) تَرْكِ (الْإِصْلَاحِ عِنْدَ ظَنِّ الْقَبُولِ) وَاخْتِيَارُ الظَّنِّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى مَرْتَبَةِ الْعِلْمِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ شَامِلٌ لِصُورَةِ الشَّكِّ كَمَا قِيلَ إنَّ الشَّكَّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ دَاخِلٌ فِي الظَّنِّ وَلِذَا يُعَبِّرُونَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ عِنْدَ إرَادَتِهِمْ الظَّنَّ الْكَلَامِيَّ
[تَرْكِ التَّعْلِيمِ]
(وَتَرْكِ التَّعْلِيمِ) لَا سِيَّمَا عِلْمُ الْحَلَالِ (وَالْفَتْوَى عِنْدَ التَّعَيُّنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الظَّرْفَ قَيْدٌ لِلتَّعْلِيمِ أَيْضًا وَمَا قَالُوا إنَّ الْقَيْدَ بَعْدَ الْمُتَعَاطِفَاتِ لِلْأَخِيرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلِلْجَمْعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ جَرَيَانِهِ هُنَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ لِلْجَمِيعِ ثُمَّ مَا هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ الْفَتْوَى لَيْسَ مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي أَلْسُنِ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ بَلْ الْجَوَابُ بِالْقَوْلِ فَقَطْ وَلِذَا جَوَّزُوا الْأُجْرَةَ فِي الْخَطِّ دُونَ الْقَوْلِ إذْ لَا تَجُوزُ الْأُجْرَةُ فِي الْوَاجِبِ
[تَرْكِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْقَاضِي بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى]
(وَتَرْكِ الْحُكْمِ) الشَّرْعِيِّ (مِنْ الْقَاضِي بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى) بِالْوَحْيِ مَتْلُوًّا أَوْ غَيْرَ مَتْلُوٍّ فَيَشْمَلُ السُّنَّةَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ تَقْرِيرًا أَوْ سُكُوتًا
[تَرْكِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ]
(وَتَرْكِ السَّلَامِ) فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ (وَرَدِّهِ) فَإِنَّهُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمِيٌّ كَمَا سَبَقَ (إذَا كَانَ مَسْنُونًا) أَيْ مَشْرُوعًا وَإِلَّا فَلَا لَعَلَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا مَرَّ وَذَكَرَ فِي الْفَقِيهَةِ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى الْآكِلِ فِي وَجْهٍ وَلَا عَلَى أُسْتَاذِهِ وَلَا الْخَصْمَانِ عَلَى الْقَاضِي وَلَا عَلَى مَنْ يُدَرِّسُ وَلَا مَنْ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ وَلَوْ سَلَّمَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ وَلَوْ رَدَّ جَازَ وَكَذَا لَا يُسَلِّمُ عَلَى الْقَارِئِ وَالذَّاكِرِ فَلَوْ سَلَّمَ قِيلَ لَا يَجِبُ الرَّدُّ وَالْأَصَحُّ يَجِبُ وَلَا حَالَ الْخُطْبَةِ وَلَا يَجُوزُ الرَّدُّ إنْ سَلَّمَ وَلَا عَلَى مَنْ يَبُولُ أَوْ يَتَغَوَّطُ فَإِنْ سَلَّمَ يَرُدُّ بِقَلْبِهِ فَقَطْ وَلَا يَرُدُّ مُطْلَقًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَرُدُّ بِلِسَانِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا عِنْدَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا عَلَى الْمُصَلِّي وَلَا عَلَى الشَّيْخِ الْمُمَازِحِ وَالْكَذَّابِ وَاللَّاغِي وَلَا عَلَى السَّبَّابِ
وَلَا عَلَى مَنْ يَنْظُرُ وُجُوهَ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَلَا عَلَى الْمُغَنِّي وَلَا عَلَى مَنْ يَلْعَبُ الشِّطْرَنْجَ عِنْدَهُمَا وَلَا عَلَى الذِّمِّيِّ إلَّا عِنْدَ حَاجَتِهِ عِنْدَهُ وَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ الذِّمِّيُّ فَيَرُدُّ بِقَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ فَقَطْ وَلَا يَرُدُّ سَلَامَ السَّائِلِ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيَّة.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ هَلْ يُسَلِّمُ الْمِصْرِيُّ عَلَى الْقَرَوِيِّ أَوْ الْعَكْسُ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَقِيلَ الَّذِي جَاءَ مِنْ الْمِصْرِ يُسَلِّمُ عَلَى الَّذِي جَاءَ مِنْ الْقَرْيَةِ وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ وَالرَّاكِبُ يُسَلِّمُ عَلَى الْمَاشِي وَالْقَائِمُ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَفِي الْفُصُولِ أَيْضًا مَنْ دَخَلَ عَلَى الْقَاضِي أَوْ الْأَمِيرِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَسِعَهُ أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِ هَيْبَةً أَوْ احْتِشَامًا لَهُ وَبِهَذَا أُجْرِيَ الرَّسْمُ أَنَّ النَّاسَ إذَا مَرُّوا عَلَى الْوُلَاةِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ وَإِلَيْهِ مَالَ الْخَصَّافُ انْتَهَى لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ يُنْبِئُ أَنَّ سَعَةَ عَدَمِ السَّلَامِ مُخْتَصٌّ بِزَمَانِ جُلُوسِهِمَا لِلْحُكْمِ وَقَوْلُهُ هَيْبَةً أَوْ احْتِشَامًا يُشْعِرُ بِالْإِطْلَاقِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ وَبِهَذَا أُجْرِيَ إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا احْتِرَازِيٌّ هَذَا وَإِنْ بَعِيدًا عَنْ التَّبَادُرِ لَكِنْ يُؤَيَّدُ بِقَوْلِ بَعْضٍ عَلَى الْقَاضِي حِينَ يَسْمَعُ الدَّعْوَى (ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى مَجْلِسٍ» وَفِي الْجَامِعِ إلَى الْمَجْلِسِ وَفَسَّرَ شَارِحُهُ بِحَيْثُ يَرَى الْجَالِسِينَ وَيَرَوْنَهُ وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمْ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ «فَلْيُسَلِّمْ» عَلَيْهِمْ نَدْبًا مُؤَكَّدًا نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَرَدَّهُ فَرْضٌ «فَإِنْ بَدَا لَهُ» أَيْ ظَهَرَ «أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ» ثَمَّةَ «ثُمَّ إذَا قَامَ» لِيَنْصَرِفَ «فَلْيُسَلِّمْ» عَلَيْهِمْ أَيْضًا نَدْبًا مُؤَكَّدًا وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ بَيْنَ سَلَامِهِ وَقِيَامِهِ وَإِنْ قَامَ فَوْرًا وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ «وَلَيْسَتْ» التَّسْلِيمَةُ «الْأُولَى أَحَقَّ» أَوْلَى «مِنْ» التَّسْلِيمَةِ «الثَّانِيَةِ» أَيْ: كِلْتَا التَّسْلِيمَتَيْنِ حَقٌّ وَسُنَّةٌ وَكَمَا أَنَّ التَّسْلِيمَةَ إخْبَارٌ عَنْ سَلَامَتِهِمْ مِنْ شَرِّهِ عِنْدَ الْحُضُورِ فَكَذَا الثَّانِيَةُ إخْبَارٌ عَنْ سَلَامَتِهِمْ مِنْ شَرِّهِ عِنْدَ الْغَيْبَةِ وَلَيْسَتْ السَّلَامَةُ عِنْدَ الْحُضُورِ أَوْلَى مِنْ السَّلَامَةِ عِنْدَ الْغَيْبَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَمَاعَةِ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ وَفَارَقَهُمْ وَقَوْلُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي السَّلَامُ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ إنَّمَا يُنْدَبُ رَدُّهُ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ إلْقَاءِ رَدِّهِ الشَّاشِيُّ بِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ عِنْدَ الِانْصِرَافِ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْجُلُوسِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الْفَيْضِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ زَادَ فِيهِ رَزِينٌ وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ حِينَ يَقُومَ عَنْهُمْ شَرِيكُهُمْ فِيمَا خَاضُوا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ بَعْدَهُ
(خ م عَنْ «أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ مَرَّ عَلَى الصِّبْيَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ» أَيْ أَنَسٌ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» أَيْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ فَالسَّلَامُ عَلَى الصِّبْيَانِ سُنَّةٌ لَكِنْ إنْ ظَنَّ رَدَّهُمْ وَفِي الْبُسْتَانِ اُخْتُلِفَ فِي السَّلَامِ عَلَيْهِمْ قِيلَ لَا وَقِيلَ نَعَمْ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ تَسْلِيمُهُمْ إنْ ظَنَّ رَدَّهُمْ فَالْحَدِيثُ حُجَّةُ الْمُخْتَارِ (طب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «أَعْجَزُ النَّاسِ» أَيْ أَضْعَفُهُمْ رَأْيًا «مَنْ عَجَزَ فِي الدُّعَاءِ» وَفِي الْجَامِعِ عَنْ الدُّعَاءِ أَيْ الطَّلَبِ مِنْ اللَّهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الشَّدَائِدِ لِتَرْكِهِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَتَعَرُّضِهِ لِغَضَبِهِ بِإِهْمَالِهِ وَمَا لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَفِيهِ قِيلَ
اللَّهُ يَغْضَبُ إنْ تَرَكْت سُؤَالَهُ
…
وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلَ يَغْضَبُ
وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَوْلَى الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ بِعَدَمِ الدُّعَاءِ «وَأَبْخَلُ النَّاسِ» أَيْ أَمْنَعُهُمْ لِلْفَضْلِ وَأَشَحُّهُمْ «مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ» فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمُؤْنَةِ عَظِيمُ الْمَثُوبَةِ فَلَا يُهْمِلُهُ إلَّا مَنْ بَخِلَ بِالْقُرُبَاتِ وَشَحَّ بِالْمَثُوبَاتِ وَتَهَاوَنَ بِمَرَاسِمِ الشَّرِيعَةِ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ تَبَادُرَ بُخْلِ النَّاسِ مَنْعُ الزَّكَاةِ الَّتِي هِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْقَطْعِيُّ فَرْضِيَّتُهَا وَالسَّلَامُ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ فَكَيْفَ يَكُونُ تَرْكُهُ كَمَنْعِهَا فَضْلًا عَنْ زِيَادَتِهَا
أَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّ أَصْلَ الْبُخْلِ لِتَرْكِ الْأَمْرِ الرَّبَّانِيِّ وَزِيَادَتَهُ لِكَوْنِ بَخِيلَ الْمَالِ مَعْذُورًا فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّهِ إلَى أَنْ يَكُونَ عَدِيلًا لِلرُّوحِ وَأَمَّا السَّلَامُ فَلَيْسَ فِيهِ إتْعَابٌ وَقَهْرُ
نَفْسٍ وَمُؤْنَةٌ إلَّا مُجَرَّدَ تَمَرُّدٍ فَكَانَ أَبْخَلَ مِنْ كُلِّ بِخَيْلٍ (م عَنْهُ) أَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ (مَرْفُوعًا «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ» أَيْ حَقُّ الْحُرْمَةِ وَالصُّحْبَةِ أَوْ الْحُقُوقُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ مُلَائِمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا «سِتٌّ» .
وَفِي الْجَامِعِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» فَلَا يَخْفَى مِنْ إيهَامِ التَّنَاقُضِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا الْوَهْمَ مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا فِي النُّصُوصِ، أَوْ الْخَمْسُ قَبْلَ إعْلَانِ السِّتِّ لَهُ عليه الصلاة والسلام «قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إذَا لَقِيته فَسَلِّمْ عَلَيْهِ» لِأَنَّ السَّلَامَ مَعْنَاهُ الْأَمَانُ أَوْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَقَدْ احْتَقَرَهُ وَاحْتِقَارُهُ احْتِقَارٌ لِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وَعَظَّمَهُ وَشَرَّفَهُ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْجَرَائِمِ.
وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ السَّلَامَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَيَكْفِي سَلَامُ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَالِاسْتِئْذَانُ لِدُخُولِ الدَّارِ مُقَدَّمٌ عَلَى السَّلَامِ وَالسَّلَامُ عَلَى الْكَلَامِ فِي الْقَضَاءِ لَكِنَّ اللَّازِمَ هُوَ الْإِسْمَاعُ وَفِي الْأَصَمِّ قِيلَ يَنْبَغِي قِرَاءَةُ تَحْرِيكِ شَفَتَيْهِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْيَدِ كَمَا هُوَ عَادَةُ أَكْثَرِ الْعَوَامّ لَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ قِيلَ إنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ كَوَضْعِهَا عَلَى صَدْرِهِ وَنَحْوِهِ «وَإِذَا دَعَاك فَأَجِبْهُ» حَيْثُ لَا عُذْرَ قِيلَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقِيلَ لِلنَّدْبِ فَيَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ الْإِثْمُ أَوْ الْكَرَاهَةُ وَقِيلَ: إنْ لِوَلِيمَةِ عُرْسٍ فَوَاجِبٌ وَإِنْ لِغَيْرِهَا فَنَدَبٌ «وَإِذَا اسْتَنْصَحَك» طَلَبَ مِنْك النُّصْحَ «فَانْصَحْ» لَهُ فَأَرْشِدْهُ إلَى مَا فِيهِ خَيْرٌ وَصَلَاحٌ وَلَا تُقَصِّرْ فِي الْإِرْشَادِ بَلْ اُبْذُلْ الْجُهْدَ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشَارَ وَلَا يَتَبَرَّعَ بِالرَّأْيِ فَيَكُونَ رَأْيُهُ مُتَّهَمًا أَوْ مَطْرُوحًا.
«وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ» سَوَاءٌ سُمِعَ حَمْدُهُ صَرِيحًا أَوْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ مِنْ مَقُولَةِ مَنْ يَأْتِيهِ كَالْعِلْمِ «فَشَمِّتْهُ» بِيَرْحَمُك اللَّهُ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ مِنْ الدُّعَاءِ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَعْنَاهُ فَلَيْسَ بِتَشْمِيتٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِالتُّرْكِيِّ " خَيْرًا ولسون "
أَقُولُ إنْ أَرَادَ كَوْنَ هَذَا الْعَطْسِ خَيْرًا فَلِقَوْلِهِ وَجْهٌ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ دُعَاءً لَهُ بِالْخَيْرِ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ عَطَسَ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ فَيَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَنْبَغِي لِمَنْ حَضَرَ أَنْ يَقُولَ يَرْحَمُك اللَّهُ ثُمَّ يَقُولَ الْعَاطِسُ غَفَرَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ أَوْ يَقُولَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَلَا يَقُولَ غَيْرَ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَأَصْلُ التَّشْمِيتِ إزَالَةُ الشَّمَاتَةِ فَاسْتُعْمِلَ فِي الدُّعَاءِ بِالْخَيْرِ لِتَضَمُّنِهِ ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ بِالسِّينِ الْغَيْرِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ مِنْ عُلَمَائِنَا إنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَقَوَّاهُ ابْنُ الْقَيِّمِ «وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ» إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ وَلَوْ لَيْلًا قِيلَ إنْ كَانَ مِنْ الْمَعَارِفِ وَالْأَصْدِقَاءِ كَانَتْ سُنَّةً وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ كَمَا فِي حَدِيثِ «امْشِ مِيلًا عُدْ مَرِيضًا» الْحَدِيثَ وَجَازَ عِيَادَةُ الذِّمِّيِّ إذَا مَرِضَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَجَازَ عِيَادَةُ الْفَاسِقِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمِنَحِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا.
ثُمَّ قِيلَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقِيلَ لِلنَّدَبِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْبَعْضِ تَجِبُ فِي وَقْتٍ وَتُنْدَبُ فِي آخَرَ وَفِي الشِّرْعَةِ وَمِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ وَحُقُوقِ الدِّينِ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ فَإِنَّ الْعَائِدَ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَعُودَ يَوْمًا وَيَتْرُكَ يَوْمًا.
وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ مَرَّةً سُنَّةٌ فَمَا زَادَ فَنَافِلَةٌ وَالْمُسْتَحَبُّ جُلُوسُ الْعَائِدِ عِنْدَ رُكْبَتَيْ الْمَرِيضِ دُونَ رَأْسِهِ بِلَا الْتِفَاتٍ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً مُتَوَجِّهًا إلَى جِهَةِ الْمَرِيضِ بِلَا إكْثَارِ نَظَرٍ إلَيْهِ وَلَا إحْدَادِ نَظَرٍ فِي وَجْهِهِ بِلَا ثِيَابٍ جَدِيدَةٍ وَلَا وَسِخَةٍ وَلَا عُبُوسَةِ وَجْهٍ وَلَا يَتَكَلَّمْ إلَّا بِمَا يُعْجِبُهُ أَيْ يَحُظُّهُ وَيُحَسِّنُهُ مُبَشِّرًا بِنَحْوِ سُرْعَةِ الصِّحَّةِ وَطُولِ الْعُمْرِ وَيُخَفِّفُ الْجُلُوسَ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ أَوْ عَلَى يَدِهِ فَيَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ وَيَسْتَدْعِي مِنْ الْمَرِيضِ فَإِنَّ دُعَاءَهُ مُسْتَجَابٌ
وَلَا يَقُولُ عِنْدَهُ إلَّا خَيْرًا وَيَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ وَالتَّفْصِيلُ فِي الشِّرْعَةِ وَفِي شَرْحِهِ عَنْ السَّرِيِّ أَنَّهُ عَادَهُ رَجُلٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَأَطَالَ الْجُلُوسَ فَقَالَ لَهُ اُدْعُ لِي حَتَّى أَخْرُجَ مِنْ عِنْدِك فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ كَيْفَ يَعُودُ الْمَرِيضَ وَدَخَلَ ثَقِيلٌ عَلَى مَرِيضٍ فَأَطَالَ الْجُلُوسَ ثُمَّ قَالَ مَا تَشْتَكِي قَالَ قُعُودُك عِنْدِي، وَدَخَلَ قَوْمٌ عَلَى مَرِيضٍ فَأَطَالُوا الْجُلُوسَ فَقَالُوا أَوْصِنَا قَالَ أُوصِيكُمْ أَنْ لَا تُطِيلُوا الْجُلُوسَ إذَا عُدْتُمْ مَرِيضًا «وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ» فِي الْحَاشِيَةِ اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ وَاجِبٌ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَسُنَّةٌ وَالْمُسْتَحَبُّ حَمْلُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَ خُطُوَاتٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كَفَّرَتْ عَنْهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً» كَمَا فِي الْحَلَبِيِّ وَيَنْبَغِي لِمُتَّبِعِهَا أَنْ يَكُونَ مُتَخَشِّعًا مُتَفَكِّرًا فِي مَا لَهُ وَلَا يَتَحَدَّثُ بِأَحَادِيثِ الدُّنْيَا وَلَا يَضْحَكُ وَيُكْرَهُ الصَّوْتُ بِالذِّكْرِ وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَقِيلَ تَرْكُهُ الْأَوْلَى وَتَمَامُهُ فِي الْحَلَبِيِّ وَفِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَهَا وَصَلَّى ثُمَّ يَتْبَعُهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطُ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» وَلَا يَبْعُدُ التَّعْبِيرُ بِذِكْرِ الْخَيْرِ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ» قِيلَ عَنْ الشَّيْخِ مَظْهَرُ هَذَا إنْ طَابَقَ الثَّنَاءُ الْوَاقِعَ وَإِلَّا فَمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِثَنَاءِ وَاحِدٍ وَعَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ مُطَابِقٌ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ لِلثَّنَاءِ فَائِدَةٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَيْلِ حَدِيثِ «وَلَكِنَّ اللَّهَ صَدَّقَهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَغَفَرَ لَهُ مَا لَا يَعْلَمُونَ» وَقِيلَ إنْ كَانَ الثَّنَاءُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَصُحِّحَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْهِمُهُمْ ثَنَاءَ الْخَيْرِ النَّاسَ لِمَنْ يُرِيدُ مَغْفِرَتَهُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْجَامِعِ «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا قَذَفَ حُبَّهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ» وَفِي نُسْخَةٍ «قُلُوبِ الْمَلَائِكَةِ» (وَتَرْكِ التَّشْمِيتِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ الْكَافِ (إذَا)(عَطَسَ وَحَمِدَ) اللَّهَ تَعَالَى (إذَا كَانَ) التَّشْمِيتُ (وَاجِبًا) عَلَيْهِ وَلَوْ كِفَايَةً وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّشْمِيتُ وَاجِبًا كَمَا فِي حَالِ الْخُطْبَةِ أَوْ الْعَاطِسِ شَابَّةٌ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَأْتِي بِهِ كَمَا قِيلَ لَكِنْ قِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي الشَّابَّةِ يَأْتِي فِي نَفْسِهِ وَلَا يَتْرُكُهُ وَفِيهِ كَمَا قَالُوا الْعَاطِسُ يُنَكِّسُ رَأْسَهُ وَيُخَمِّرُ وَجْهَهُ وَيَخْفِضُ صَوْتَهُ فَإِنَّ التَّصْرِيحَ بِالْعُطَاسِ حُمْقٌ فَيَجِبُ التَّشْمِيتُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ وَقِيلَ يُفْتَرَضُ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ كِفَايَةً وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي عَطْسِ الْمَرْأَةِ إنْ عَجُوزًا يَرُدُّ عَلَيْهَا بِلِسَانِهِ وَإِنْ شَابَّةً يَرُدُّ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي السَّلَامِ وَكَذَا فِي عَطْسِ الرَّجُلِ وَسَلَامِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَفِي الْعَاطِسِ فَوْقَ الثَّلَاثَةِ إنْ تُشَمِّتُوهُ فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا بَأْسَ
(م عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ» وَأَسْمَعَ مَنْ بِقُرْبِهِ عَادَةً حَيْثُ لَا مَانِعَ لِأَنَّهُ شَكَرَ نِعْمَةَ الْعُطَاسِ الدَّالِّ عَلَى اعْتِدَالِ الْمِزَاجِ وَأَنَّهُ انْفِتَاحُ الْمَسَامِّ وَخِفَّةُ الدِّمَاغِ إذْ بِهِ تَنْدَفِعُ الْأَبْخِرَةُ الْمُخْتَنِقَةُ فَيُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ كَمَا فِي الْمَبَارِقِ «فَشَمِّتُوهُ» بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مِنْ الشَّوَامِتِ وَهِيَ الْقَوَائِمُ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَرُوِيَ بِمُهْمَلَةٍ مِنْ الْقَصْدِ لِأَنَّ الْعُطَاسَ يَحِلُّ مَرَابِطَ الْبَدَنِ وَيَفْصِلُ مَعَاقِدَهُ وَالْأَمْرُ لِلنَّدَبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَالَ الْبَعْضُ إلَى الْوُجُوبِ وَأَيَّدَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فَقِيلَ عَيْنٌ وَقِيلَ كِفَايَةٌ كَذَا فِي الْفَيْضِ «وَإِذَا لَمْ يَحْمَدْ فَلَا تُشَمِّتُوهُ» فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا لِأَنَّ غَيْرَ الشَّاكِرِ لَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ وَيُسَنُّ لِمَنْ عِنْدَهُ ذُكِرَ الْحَمْدُ لِيَحْمَدَهُ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ حَمْدُهُ فَيُشَمَّتُ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ. وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِلَفْظٍ غَيْرِ الْحَمْدِ لَا يُشَمَّتُ وَإِنَّهُ يَلْزَمُ كَوْنُ التَّشْمِيتِ عَلَى صُورَةِ الْخِطَابِ (د عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «شَمِّتْ أَخَاك ثَلَاثًا» قِيلَ الْمُسْتَحَبُّ لِلْعَاطِسِ التَّحْمِيدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَأَمَّا السَّامِعُ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ انْتَهَى ظَاهِرُهُ نَفْيُ اللُّزُومِ فَقَطْ لَا الْجَوَازُ