المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[القهوة حكم شربها] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٤

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ رَدُّ التَّابِعِ كَلَامَ مَتْبُوعِهِ وَمُقَابَلَتُهُ وَمُخَالَفَتُهُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السُّؤَالُ عَنْ حِلِّ شَيْءٍ وَحُرْمَتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ لِصَاحِبِهِ وَمَالِكِهِ تَوَرُّعًا]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ تَنَاجِي الْمُكَالَمَةِ بِالسِّرِّ اثْنَيْنِ عِنْدَ ثَالِثٍ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ التَّكَلُّمُ مَعَ الشَّابَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى مَنْ يَتَغَوَّطُ أَوْ يَبُولُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الدَّلَالَةُ بِاللِّسَانِ عَلَى الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ لِمَنْ يُرِيدُ الْمَعْصِيَةَ]

- ‌[السِّتُّونَ آخِرُ آفَاتِ اللِّسَانِ الْإِذْنُ وَالْإِجَازَةُ فِيمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ وَالْإِبَاحَةُ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ] [

- ‌الْأَوَّلُ الْمِزَاحُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ السِّتَّةِ الْمَدْحُ]

- ‌[الثَّالِثُ الشِّعْرُ]

- ‌[الرَّابِعُ السَّجْعُ]

- ‌[الْخَامِسُ الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَعْنِي]

- ‌[السَّادِسُ آخِرُ الْمَبَاحِثِ فُضُولُ الْكَلَامِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعَادَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا النِّظَامُ لِلْعَالِمِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ الْغَيْرِ الْمُنْقَطِعَةِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ الْإِبَاحَةُ مِنْ الْعِبَادَاتِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ اللِّسَانِ مِنْ حَيْثُ السُّكُوتُ كَتَرْكِ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ]

- ‌[تَرْكُ التَّشَهُّدِ مِنْ آفَاتِ]

- ‌[تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ]

- ‌[تَرْكِ النُّصْحِ]

- ‌[تَرْكِ التَّعْلِيمِ]

- ‌[تَرْكِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْقَاضِي بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى]

- ‌[تَرْكِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ]

- ‌[تَتِمَّةٌ مُبَادَرَةُ الْعَاطِسِ بِالْحَمْدِ]

- ‌[تَرْكُ الِاسْتِئْذَانِ فِي دُخُولِ دَارِ الْغَيْرِ]

- ‌[تَرْكُ الْكَلَامِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ]

- ‌[تَرْكُ إنْقَاذِ تَخْلِيصِ الْمَظْلُومِ]

- ‌[تَرْكُ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ سُبْحَانَ أَوْ تَبَارَكَ اللَّهُ]

- ‌[تَرْكُ السُّؤَالِ لِلْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّالِثُ فِي آفَاتِ الْأُذُنِ اسْتِمَاعُ كُلِّ مَا لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[إجَابَةِ دَعْوَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْغِنَاءِ وَاللَّعِبِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي آلَاتِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ بِلَا اضْطِرَارٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْغِنَاءِ بِالِاخْتِيَارِ]

- ‌[رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ مِمَّنْ يَقْرَأُ بِلَحْنٍ وَخَطَإٍ بِلَا تَجْوِيدٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ حَدِيثِ قَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ]

- ‌[مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الرَّابِعُ فِي آفَاتِ الْعَيْنِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْخَامِسُ فِي آفَاتِ الْيَدِ]

- ‌[إحْرَاقُ كُلِّ حَيٍّ بِالنَّارِ أَوْ بِالْمَاءِ الْحَارِّ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ تَصْوِيرُ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ إهْلَاكُ الْمَالِ أَوْ نَقْصُهُ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ الْبَطْنِ]

- ‌[الْقَهْوَةُ حُكْمُ شُرْبِهَا]

- ‌[بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الشِّبَعِ وَكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالتَّنَعُّمِ]

- ‌[الْأَكْلُ عَلَى السُّفْرَةِ]

- ‌[آدَابُ الْأَكْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّابِعُ فِي آفَاتِ الْفَرْجِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّامِنُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الرِّجْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ التَّاسِعُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الْبَدَنِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِعُضْوٍ]

- ‌[الْآفَاتِ الْغَيْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[قَطْعُ الرَّحِمِ]

- ‌[تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ]

- ‌[مُجَالَسَةُ جَلِيسِ السُّوءِ]

- ‌[فَتْحُ الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ وَعَدَمُ دَفْعِهِ]

- ‌[الْقُعُودُ وَسْطَ الْحَلْقَةِ]

- ‌[الِانْحِنَاءُ فِي السَّلَامِ]

- ‌[حُكْم الْوَشْمُ]

- ‌[تَرْكُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[سَفَرُ الْحُرَّةِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ]

- ‌[تَرْكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا]

- ‌[تَرْكُ الزَّكَاةِ]

- ‌[تَرْكُ الْحَجِّ الْفَرْضِ]

- ‌[الْعِينَةُ]

- ‌[نِسْيَانُ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ]

- ‌[الرِّبَا]

- ‌[الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[إيقَادُ الشُّمُوعِ فِي الْقُبُورِ]

- ‌[إمْسَاكُ الْمَعَازِفِ]

- ‌[رُكُوبُ الْبَحْرِ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْغَرَقِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[قِيَامُ الْقَارِئِ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَعَالِمٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ خَاتِمَةُ أَبْوَابِ الْكِتَابِ فِي أُمُورٍ يُظَنُّ أَنَّهَا مِنْ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الدِّقَّة فِي أَمَرَ الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مِنْ الدِّقَّةُ فِي الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة أَنَّهَا بِدْعَة لَمْ تصدر عَنْ النَّبِيّ وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ صِنْفَانِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِيمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّانِي مَا ورد عَنْ أَئِمَّتنَا الْحَنَفِيَّة فِي عَدَمِ الدِّقَّةِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي ذَمِّ الْوَسْوَسَةِ وَآفَاتِهَا]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي عِلَاجِ الْوَسْوَسَةِ]

- ‌[مَرَاتِب الْوَسْوَسَة]

- ‌[النَّوْعُ الرَّابِعُ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّوَرُّع التَّكَلُّفِ فِي تَحْصِيلِ الْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أُمُورٍ مُبْتَدَعَةٍ بَاطِلَةٍ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[القهوة حكم شربها]

لَا يُرَخَّصُ بِمَا تَأْثِيرُهُ ظَنِّيٌّ

[الْقَهْوَةُ حُكْمُ شُرْبِهَا]

وَأَمَّا الْقَهْوَةُ فَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ لَا وَجْهَ لِحُرْمَتِهَا لِانْعِدَامِ شَيْءٍ مِنْ مُوجِبَاتِ الْحُرْمَةِ كَالْإِسْكَارِ وَالضَّرَرِ مِزَاجًا أَوْ بَدَنًا أَوْ عَقْلًا وَلَا تَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ الْعِبَادَاتِ بَلْ تُقَوِّي عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا نَصٌّ عَلَى حُرْمَتِهَا وَلَا نَظِيرَ حَتَّى تُقَاسَ عَلَيْهِ نَعَمْ شُرْبُهَا بِاللَّهْوِ وَالطَّرِبِ عَلَى هَيْئَةِ الْفَسَقَةِ فَهُوَ حَرَامٌ وَفِي الْوَسِيلَةِ أَظْهَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدِ بَعْضِ أَوْلِيَائِهِ وَعُلَمَائِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ الصِّفَاتِ الشَّرِيفَةِ كَمَنْعِ النَّوْمِ وَإِزَالَةِ الْغُمُومِ وَتَنْشِيطِ الْعِبَادَةِ وَتَرْقِيقِ الْغِذَاءِ وَهَضْمِ الطَّعَامِ وَتَسْخِينِ الْبَدَنِ وَتَحْلِيلِ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ وَدَفْعِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهِيَ حَلَالٌ وَأَمَّا الْإِكْثَارُ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ مَرَضٌ خُصُوصًا لِذَوِي الْأَمْزِجَةِ الْيَابِسَةِ وَتَمَامُهُ فِيهَا وَأَيْضًا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ صَرَّحَ بِإِبَاحَتِهَا وَكَذَا فِي بَعْضِ كُتِبَ عَلِيٍّ الْقَارِي كَذَلِكَ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَنْ شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ عَلَى اللُّبَابِ مَا حَاصِلُهُ طَالَ الِاخْتِلَافُ فِي الْقَهْوَةِ حِلُّهَا وَحُرْمَتُهَا وَطَهَارَتُهَا وَنَجَاسَتُهَا فَمَنْ يُفْرِطُ يُفْتِي بِالْإِسْكَارِ وَالنَّجَاسَةِ وَمَنْ يُفَرِّطُ يُفْتِي بِأَنَّ شُرْبَهَا عِبَادَةٌ وَقُرْبَةٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ قَدْ يَضُرُّ بَعْضَ الْأَمْزِجَةِ لِمُضَادَّتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الرُّطُوبَةِ وَالْيُبُوسَةِ وَحِفْظُ الصِّحَّةِ وَاجِبٌ شَرْعًا وَأَنَّ مَنْ اعْتَادَهَا لَا يُفَارِقُهَا كَالْأَفْيُونِ ثُمَّ إنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهَا فِي الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ فَمُبَاحٌ انْتَهَى وَالْمَفْهُومُ مِنْ فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ مَيْلُهُ إلَى جَانِبِ عَدَمِ الْحِلِّ لِتَشْبِيهِ الْفَسَقَةِ وَعَنْ بَعْضٍ أَيْضًا لِلسَّرَفِ لِإِفْضَائِهَا إلَى ثَمَنٍ غَالٍ وَقِيلَ لِإِضَاعَةِ وَقْتٍ كَثِيرٍ إلَى طَبْخِهَا لَعَلَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ كَمَا هُوَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ سِيَّمَا عِنْدَ قَصْدِ النَّشَاطِ وَالتَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَاتِ ثُمَّ أَقُولُ اللَّائِقُ لِلْوَرَعِ وَالْأَوْلَى عَدَمُ شُرْبِهَا بِلَا تَجْرِبَةِ طَبْعٍ وَمُشَاهَدَةِ نَفْعٍ وَتَقَوٍّ لِلطَّاعَةِ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الِاتِّفَاقِ وَأَنَّ الْخِلَافَ وَإِنْ ظَهَرَ ضَعْفُهُ

ص: 96

فَالْأَوْلَى عَدَمُهُ مَا لَمْ يُخَالَفْ بِمَشْرُوعٍ مَأْثُورٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَيَنْبَغِي لِلسَّالِكِ أَنْ يُقَلِّلَ الْأَكْلَ) وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «لَا يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاءِ مَنْ مَلَأَ بَطْنَهُ» وَقَالَ «لَا تُمِيتُوا الْقُلُوبَ بِكَثْرَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ» وَقَالَ «مَا مَلَأ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ حَسْبُ ابْنُ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» وَلِذَا يُقَالُ بِقِلَّتِهِ يَعْرُجُ إلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَبِكَثْرَتِهِ يَنْزِلُ إلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ (وَيَجْتَنِبَ عَنْ كَثْرَتِهِ وَمُدَاوَمَةِ الشِّبَعِ فَإِنَّ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي الْقَلِيلِ (صِحَّةَ الْجِسْمِ) فَإِنَّ سَبَبَ الْأَمْرَاضِ كَثْرَةُ الْأَكْلِ وَالْمَرَضُ يُنْقِصُ الْعَيْشَ وَيَمْنَعُ مِنْ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ وَيُحْوِجُ إلَى الدَّوَاءِ وَالْأَطِبَّاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى مُؤَنٍ وَتَبِعَاتٍ وَلَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَالشُّبُهَاتِ (وَجَوْدَةَ الْحِفْظِ) فَإِنَّ الشِّبَعَ يُورِثُ الْبَلَادَةَ بِالْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ إلَى الدِّمَاغِ وَيُعْمِي الْقَلْبَ قِيلَ.

اتَّفَقَ سَبْعُونَ نَبِيًّا عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ كَثْرَةِ الْبَلْغَمِ وَكَثْرَةُ الْبَلْغَمِ مِنْ كَثْرَةِ شُرْبِ الْمَاءِ وَهِيَ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ (وَصَفَاءَ الْقَلْبِ) الَّذِي بِهِ يَتَهَيَّأُ لِإِدْرَاكِ لَذَّةِ الْمُنَاجَاةِ وَالتَّأْثِيرِ بِالذِّكْرِ وَكَمْ مِنْ ذِكْرٍ يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ لَا يَتَلَذَّذُ بِهِ وَلَا يَتَأَثَّرُ وَالسَّبَبُ الْأَظْهَرُ فِيهِ خُلُوُّ الْمَعِدَةِ (وَالذَّكَاءَ) لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ جَوْدَةِ الْحِفْظِ وَالذَّكَاءِ أَنَّ الْأَوَّلَ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْفَهْمِ الَّتِي يَطَّلِعُ بِهَا عَلَى الْعُلُومِ الْخَفِيَّةِ وَالْأَسْرَارِ اللَّطِيفَةِ وَالثَّانِي بِحَسَبِ قُوَّةِ الْحَافِظَةِ (وَخِفَّةَ الْمُؤْنَةِ) لِأَنَّ مَنْ تَعَوَّدَ قِلَّةَ الْأَكْلِ كَفَاهُ يَسِيرٌ مِنْ الْمَالِ وَمَنْ تَعَوَّدَ الشِّبَعَ يَتَقَاضَاهُ بَطْنُهُ فَيَقُولُ مَاذَا يَأْكُلُ الْيَوْمَ فَيَدْخُلُ الْمَدَاخِلَ مِنْ الشُّبُهَاتِ وَالْحَرَامِ أَوْ يَتْعَبُ فِي الْحَلَالِ وَيَمُدُّ يَدَ الطَّمَعِ إلَى الْخَلْقِ (وَإِمْكَانَ الْقَنَاعَةِ) بِالْقَلِيلِ (وَعَدَمَ نِسْيَانِ بَلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَذَابِهِ وَتَذَكُّرَ جُوعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِ النَّارِ) لِأَنَّ الْفَطِنَ لَا يُشَاهِدُ بَلَاءً إلَّا وَيَتَذَكَّرُ بَلَاءَ الْآخِرَةِ فَيَتَذَكَّرُ بِعَطَشِهِ عَطَشَ الْخَلْقِ فِي عَرَصَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَبِجُوعِهِ جُوعَهُمْ فِي النَّارِ حِينَ يَجُوعُونَ فَيُطْعَمُونَ الزَّقُّومَ وَالضَّرِيعَ وَيُسْقَوْنَ الْغَسَّاقَ وَالْمُهْلَ (وَتَيْسِيرَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ لَا سِيَّمَا الْوُضُوءُ) لِأَنَّ بِالشِّبَعِ تَقْعُدُ الْأَعْضَاءُ عَنْ الْعِبَادَةِ وَلِأَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ تَمْنَعُ مِنْ كَثْرَةِ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى زَمَانٍ يَشْتَغِلُ بِالْأَكْلِ وَزَمَانٍ بِشِرَاءِ الطَّعَامِ وَطَبْخِهِ ثُمَّ إلَى غَسْلِ الْيَدِ وَالْخَلَاءِ ثُمَّ كَثْرَةُ التَّرَدُّدِ إلَى بَيْتِ الْمَاءِ لِكَثْرَةِ شُرْبِهِ وَإِلَى الْخَلَاءِ وَغَيْرِهَا وَالْأَوْقَاتُ الْمَصْرُوفَةُ إلَيْهَا لَوْ صَرَفَهَا إلَى الْعِبَادَاتِ لَكَثُرَ رِبْحُهُ (وَتَمَكُّنَ الْإِيثَارِ وَالتَّصَدُّقِ بِمَا فَضَلَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ) فَيَكُونُ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ.

وَفِيهِ فَوَائِدُ أُخْرَى كَكَسْرِ شَهَوَاتِ الْمَعَاصِي وَهِيَ أَكْبَرُهَا فَإِنَّ مَنْشَأَ الْمَعَاصِي كُلِّهَا الشَّهَوَاتُ وَيَنْدَفِعُ بِهِ شَهْوَةُ الْكَلَامِ وَآفَاتُهُ مِنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالْفُحْشِ وَالنَّمِيمَةِ وَشَهْوَةِ الْفَرْجِ، وَالْجُوعُ يَكْفِي شَرَّهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الشَّهَوَاتِ لِلْأَعْضَاءِ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَكَاسْتِيلَاءِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ وَكَالِانْكِسَارِ وَالذُّلِّ وَزَوَالِ الْبَطَرِ وَالْفَرَحِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ الطُّغْيَانِ وَالْغَفْلَةِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَكَدَفْعِ النَّوْمِ وَدَوَامِ السَّهَرِ فَإِنَّ مَنْ شَبِعَ شَرِبَ كَثِيرًا وَمَنْ شَرِبَ كَثِيرًا نَامَ كَثِيرًا وَأَجْمَعَ سَبْعُونَ صِدِّيقًا عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ مِنْ كَثْرَةِ الشُّرْبِ وَفِي كَثْرَةِ النَّوْمِ ضَيَاعُ الْعُمْرِ وَفَوْتُ التَّهَجُّدِ وَبَلَادَةُ الطَّبْعِ وَقَسْوَةُ الْقَلْبِ.

(وَفِي الثَّانِي) أَيْ فِي التَّكْثِيرِ (قَسْوَةُ الْقَلْبِ وَفِتْنَةُ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ إنْ جَاعَ الْبَطْنُ شَبِعَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ وَسَكَنَ) وَلَمْ يَطْلُبْ مَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ شَبِعَ) الْبَطْنُ (جَاعَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ وَهَاجَ) تَحَرَّكَ إلَى مَا يَهْوَاهُ (وَ) فِي الثَّانِي أَيْضًا (قِلَّةُ الْفَهْمِ) لَعَلَّ الْحَقَّ مِنْ النُّسَخِ عَلَى هَذَا (وَالْعِلْمُ فَإِنَّ الْبِطْنَةَ تُذْهِبُ الْفَطِنَةَ وَ) فِيهِ (قِلَّةُ الْعِبَادَةِ) لِصَرْفِ الْوَقْتِ فِي شَهْوَةِ النَّفْسِ مِنْ الطَّعَامِ وَتَحْصِيلِهِ وَطَبْخِهِ وَكَسْبِهِ

ص: 97