المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مجالسة جليس السوء] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٤

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ رَدُّ التَّابِعِ كَلَامَ مَتْبُوعِهِ وَمُقَابَلَتُهُ وَمُخَالَفَتُهُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السُّؤَالُ عَنْ حِلِّ شَيْءٍ وَحُرْمَتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ لِصَاحِبِهِ وَمَالِكِهِ تَوَرُّعًا]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ تَنَاجِي الْمُكَالَمَةِ بِالسِّرِّ اثْنَيْنِ عِنْدَ ثَالِثٍ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ التَّكَلُّمُ مَعَ الشَّابَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى مَنْ يَتَغَوَّطُ أَوْ يَبُولُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الدَّلَالَةُ بِاللِّسَانِ عَلَى الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ لِمَنْ يُرِيدُ الْمَعْصِيَةَ]

- ‌[السِّتُّونَ آخِرُ آفَاتِ اللِّسَانِ الْإِذْنُ وَالْإِجَازَةُ فِيمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ وَالْإِبَاحَةُ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ] [

- ‌الْأَوَّلُ الْمِزَاحُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ السِّتَّةِ الْمَدْحُ]

- ‌[الثَّالِثُ الشِّعْرُ]

- ‌[الرَّابِعُ السَّجْعُ]

- ‌[الْخَامِسُ الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَعْنِي]

- ‌[السَّادِسُ آخِرُ الْمَبَاحِثِ فُضُولُ الْكَلَامِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعَادَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا النِّظَامُ لِلْعَالِمِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ الْغَيْرِ الْمُنْقَطِعَةِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ الْإِبَاحَةُ مِنْ الْعِبَادَاتِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ اللِّسَانِ مِنْ حَيْثُ السُّكُوتُ كَتَرْكِ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ]

- ‌[تَرْكُ التَّشَهُّدِ مِنْ آفَاتِ]

- ‌[تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ]

- ‌[تَرْكِ النُّصْحِ]

- ‌[تَرْكِ التَّعْلِيمِ]

- ‌[تَرْكِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْقَاضِي بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى]

- ‌[تَرْكِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ]

- ‌[تَتِمَّةٌ مُبَادَرَةُ الْعَاطِسِ بِالْحَمْدِ]

- ‌[تَرْكُ الِاسْتِئْذَانِ فِي دُخُولِ دَارِ الْغَيْرِ]

- ‌[تَرْكُ الْكَلَامِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ]

- ‌[تَرْكُ إنْقَاذِ تَخْلِيصِ الْمَظْلُومِ]

- ‌[تَرْكُ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ سُبْحَانَ أَوْ تَبَارَكَ اللَّهُ]

- ‌[تَرْكُ السُّؤَالِ لِلْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّالِثُ فِي آفَاتِ الْأُذُنِ اسْتِمَاعُ كُلِّ مَا لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[إجَابَةِ دَعْوَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْغِنَاءِ وَاللَّعِبِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي آلَاتِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ بِلَا اضْطِرَارٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْغِنَاءِ بِالِاخْتِيَارِ]

- ‌[رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ مِمَّنْ يَقْرَأُ بِلَحْنٍ وَخَطَإٍ بِلَا تَجْوِيدٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ حَدِيثِ قَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ]

- ‌[مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الرَّابِعُ فِي آفَاتِ الْعَيْنِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْخَامِسُ فِي آفَاتِ الْيَدِ]

- ‌[إحْرَاقُ كُلِّ حَيٍّ بِالنَّارِ أَوْ بِالْمَاءِ الْحَارِّ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ تَصْوِيرُ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ إهْلَاكُ الْمَالِ أَوْ نَقْصُهُ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ الْبَطْنِ]

- ‌[الْقَهْوَةُ حُكْمُ شُرْبِهَا]

- ‌[بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الشِّبَعِ وَكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالتَّنَعُّمِ]

- ‌[الْأَكْلُ عَلَى السُّفْرَةِ]

- ‌[آدَابُ الْأَكْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّابِعُ فِي آفَاتِ الْفَرْجِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّامِنُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الرِّجْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ التَّاسِعُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الْبَدَنِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِعُضْوٍ]

- ‌[الْآفَاتِ الْغَيْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[قَطْعُ الرَّحِمِ]

- ‌[تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ]

- ‌[مُجَالَسَةُ جَلِيسِ السُّوءِ]

- ‌[فَتْحُ الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ وَعَدَمُ دَفْعِهِ]

- ‌[الْقُعُودُ وَسْطَ الْحَلْقَةِ]

- ‌[الِانْحِنَاءُ فِي السَّلَامِ]

- ‌[حُكْم الْوَشْمُ]

- ‌[تَرْكُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[سَفَرُ الْحُرَّةِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ]

- ‌[تَرْكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا]

- ‌[تَرْكُ الزَّكَاةِ]

- ‌[تَرْكُ الْحَجِّ الْفَرْضِ]

- ‌[الْعِينَةُ]

- ‌[نِسْيَانُ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ]

- ‌[الرِّبَا]

- ‌[الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[إيقَادُ الشُّمُوعِ فِي الْقُبُورِ]

- ‌[إمْسَاكُ الْمَعَازِفِ]

- ‌[رُكُوبُ الْبَحْرِ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْغَرَقِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[قِيَامُ الْقَارِئِ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَعَالِمٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ خَاتِمَةُ أَبْوَابِ الْكِتَابِ فِي أُمُورٍ يُظَنُّ أَنَّهَا مِنْ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الدِّقَّة فِي أَمَرَ الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مِنْ الدِّقَّةُ فِي الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة أَنَّهَا بِدْعَة لَمْ تصدر عَنْ النَّبِيّ وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ صِنْفَانِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِيمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّانِي مَا ورد عَنْ أَئِمَّتنَا الْحَنَفِيَّة فِي عَدَمِ الدِّقَّةِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي ذَمِّ الْوَسْوَسَةِ وَآفَاتِهَا]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي عِلَاجِ الْوَسْوَسَةِ]

- ‌[مَرَاتِب الْوَسْوَسَة]

- ‌[النَّوْعُ الرَّابِعُ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّوَرُّع التَّكَلُّفِ فِي تَحْصِيلِ الْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أُمُورٍ مُبْتَدَعَةٍ بَاطِلَةٍ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[مجالسة جليس السوء]

عَلَى عَوْرَاتِهِ وَلَا يُضَايِقُهُ فِي وَضْعِ الْجِذْعِ عَلَى جِدَارِهِ وَلَا طَرِيقِهِ إلَى دَارِهِ وَيَسْتُرُ مَا يَنْكَشِفُ لَهُ مِنْ عَوْرَاتِهِ وَيُعِينُهُ إذَا نَابَتْهُ نَائِبَةٌ وَلَا يَغْفُلُ عَنْ تَعَهُّدِ دَارِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ وَلَا يَسْتَمِعْ عَلَيْهِ كَلَامًا وَيَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ حُرَمِهِ وَلَا يُدِيمُ النَّظَرَ إلَى خَادِمِهِ وَيَتَلَطَّفُ لِوَلَدِهِ فِي كَلَامِهِ وَيُرْشِدُهُ إلَى مَا جَهِلَهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.

[مُجَالَسَةُ جَلِيسِ السُّوءِ]

(وَمِنْهَا مُجَالَسَةُ جَلِيسِ السُّوءِ خ م عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ» مَنْفَخَةُ الْحَدَّادِينَ. شَبَّهَ الصَّلَاحَ بِالْمِسْكِ لِطِيبِ رِيحِهِ وَعِزَّةِ وُجُودِهِ وَقُوَّةِ رَغْبَتِهِ وَالسُّوءَ بِالْكِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِإِضْرَامِ النَّارِ وَزِيَادَةِ تَسْعِيرِهَا، وَفَصَّلَ وَجْهَ الشَّبَهِ بِقَوْلِهِ.

«فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أَنْ يُهْدِيَك» أَيْ يَجُودُ عَلَيْك مِنْ مِسْكِهِ «وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ» أَيْ تَشْتَرِيَ «وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً» لِإِرْشَادِهِ لِلْهُدَى وَالتُّقَى إلَى أَنْ يَشْفَعُوا فِي الْآخِرَةِ بِمُجَالَسَتِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ وَمُوَاسَاتِهِمْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «وَنَافِخُ الْكِيرِ إمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَك» أَيْ إمَّا أَنْ تُتَابِعَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ سُوئِهِ فَيُلْهِبُ دِينَك وَحَسَنَاتِك بِنَارِ الْمَعْصِيَةِ «وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً» أَيْ إنْ لَمْ تُتَابِعْهُ تَتَضَرَّرْ بِكَآبَةِ جَهْلِهِ وَفُحْشِهِ وَفِسْقِهِ، وَلَوْ بِمُجَرَّدِ مُجَالَسَتِهِ إذَا اتَّخَذَتْهُ خَلِيلًا وَبِالْجُمْلَةِ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ مَنْ تُؤْذِي مُجَالَسَتُهُ دِينًا أَوْ دُنْيَا وَالتَّرْغِيبُ فِي مُجَالَسَةِ مَنْ تَنْفَعُ مُجَالَسَتُهُ فِيهِمَا، وَفِيهِ إيذَانٌ بِطَهَارَةِ الْمِسْكِ

تَجَنَّبْ قَرِينَ السُّوءِ وَاصْرُمْ حِبَالَهُ

فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِنْهُ مَحِيصًا فَدَارِهِ

وَلَازِمْ حَبِيبَ الصِّدْقِ وَاتْرُكْ مِرَاءَهُ

تَنَلْ مِنْهُ صَفْوَ الْوُدِّ مَا لَمْ تُمَارِهِ

وَلِلَّهِ فِي عَرْضِ السَّمَوَاتِ جَنَّةٌ

وَلَكِنَّهَا مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ

وَقِيلَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْجَلِيسُ الصَّالِحُ لَا يَخْلُو عَنْ ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يُعَلِّمَك مَا يُنْجِيك وَإِمَّا أَنْ تَسْأَلَهُ وَتَطْلُبَهُ وَإِمَّا أَنْ تَغْتَنِمَ بَرَكَاتِ مَجْلِسِهِ، كَمَا قِيلَ الْجُلُوسُ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ إحْيَاءِ لَيْلَةٍ وَالْجَلِيسُ السُّوءُ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَ دِينِك وَإِمَّا أَنْ يَنْشُرَ صِيتَك بِالسُّوءِ وَالْقُبْحِ كَمَا فِي حَدِيثِ (د ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ» لِأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ مُؤَثِّرَةٌ وَالْأَخْلَاقَ سَارِيَةٌ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الصُّحْبَةُ سَارِيَةٌ وَالطَّبِيعَةُ سَارِقَةٌ وَلِذَا قَالُوا فِيمَا نُسِبَ إلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - احْذَرْ عَدُوَّك مَرَّةً وَاحْذَرْ صَدِيقَك أَلْفَ مَرَّهْ مِنْ مَعَانِيهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ كُلَّ أَحَدٍ صَدِيقًا وَخَلِيلًا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَحْوُ حُسْنِ الْخُلُقِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ وَالصَّلَاحِ وَعَدَمِ الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَهَذَا لَا يُوجَدُ إلَّا فِي وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْمَنْعَ عَنْ الصُّحْبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَاتِّخَاذِ الْحَالَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرَائِطِ كَمَا قِيلَ فِيمَا سَبَقَ مِنْ وَصِيَّةِ عَلْقَمَةَ الْعُطَارِدِيِّ لِابْنِهِ اصْحَبْ مَنْ إذَا خَدَمْته صَانَك، وَإِنْ صَحِبْته زَانَك اصْحَبْ مَنْ إذَا مَدَدْت يَدَك بِخَيْرٍ مَدَّهَا، وَإِنْ رَأَى مِنْك حَسَنَةً عَدَّهَا، وَإِنْ رَأَى مِنْك سَيِّئَةً سَدَّهَا إلَى آخِرِهِ. وَفِي هَذَا الْمَعْنَى مَا قِيلَ لَا تَصْحَبْ مِنْ النَّاسِ إلَّا مَنْ يَكْتُمُ وَيَسْتُرُ عَيْبَك وَيَكُونُ مَعَك فِي النَّوَائِبِ وَيُؤْثِرُك فِي الرَّغَائِبِ وَيَنْشُرُ حَسَنَتَك وَيَطْوِي سَيِّئَتَك، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ لَا تُصَاحِبْ إلَّا نَفْسَك. «فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» " د ت " عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الْخُدْرِيِّ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «لَا تُصَاحِبْ إلَّا مُؤْمِنًا» وَكَامِلُ الْإِيمَانِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ سَرَّاقَةٌ، وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ: صُحْبَةُ الْأَخْيَارِ تُورِثُ الْخَيْرَ وَصُحْبَةُ الْأَشْرَارِ تُورِثُ الشَّرَّ

ص: 163

كَالرِّيحِ إذَا مَرَّتْ عَلَى النَّتْنِ حَمَلَتْ نَتِنًا، وَإِذَا مَرَّتْ عَلَى الطَّيِّبِ حَمَلَتْ طَيِّبًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ أَحَدٌ إلَّا لَهُ مُحِبٌّ وَمُبْغِضٌ، فَإِذَنْ لَا مَخْلَصَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَكُنْ الْمَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الطَّاعَةِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ أَخٌ لِآخِرَتِك فَلَا تُرَاعِ فِيهِ إلَّا الْخُلُقَ، وَأَخٌ تُسَافِرُ بِهِ فَلَا تُرَاعِ فِيهِ إلَّا السَّلَامَةَ مِنْ شَرِّهِ قَالَ فِي الْحُكْمِ لَا تَصْحَبْ مَنْ لَا يُنْهِضُك حَالُهُ وَلَا يَدُلُّك عَلَى اللَّهِ مَقَالُهُ.

وَقَالَ التُّسْتَرِيُّ احْذَرْ صُحْبَةَ ثَلَاثَةٍ الْجَبَابِرَةِ الْغَافِلِينَ وَالْقُرَّاءِ الْمُدَاهِنِينَ وَالصُّوفِيَّةِ الْجَاهِلِينَ أَيْ الَّذِينَ قَنَعُوا بِظَاهِرِ النِّسْبَةِ وَتَحَلَّوْا لِلنَّاسِ بِالزُّهْدِ وَالتَّعَبُّدِ وَهَؤُلَاءِ عَلَى النَّاسِ فِتْنَةٌ وَبَلَاءٌ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَطَعَ ظَهْرِي رَجُلَانِ عَالِمٌ مُتَهَتِّكٌ وَجَاهِلٌ مُتَنَسِّكٌ فَعَلَيْك بِامْتِحَانِ مَنْ أَرَدْت صُحْبَتَهُ لَا لِكَشْفِ عَوْرَةٍ بَلْ لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ. كَذَا فِي الْفَيْضِ لَعَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَدُورُ حَدِيثُ «اسْتَكْثِرْ مِنْ الْإِخْوَانِ فَإِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ شَفَاعَةً» وَمُعْظَمُ فَائِدَةِ عَقْدِ الْأُخُوَّةِ هُوَ التَّبَرُّكُ بِالدُّعَاءِ وَرَجَاءُ انْتِظَارِ الشَّفَاعَةِ وَمُتَابَعَةُ السِّيرَةِ، وَفِي تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ.

وَيَفِرُّ مِنْ الْكَسْلَانِ وَالْمُعَطِّلِ وَالْمُفْسِدِ وَالْفَتَّانِ

عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَأَبْصِرْ قَرِينَهُ

فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي

فَإِنْ كَانَ ذَا شَرٍّ فَجَنِّبْهُ سُرْعَةً

وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ فَقَارِنْهُ تَهْتَدِي

«وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ» لِأَنَّ الْمُطَاعَمَةَ تُوجِبُ الْأُلْفَةَ وَتُؤَدِّي إلَى الْخُلْطَةِ بَلْ هِيَ أَوْثَقُ عُرَى الْمُخَالَطَةِ وَمُخَالَطَةُ غَيْرِ التَّقِيِّ تُخِلُّ بِالدِّينِ وَتُوقِعُ فِي الشُّبَهِ وَالْمَحْظُورَاتِ فَكَأَنَّهُ يَنْهَى عَنْ مُخَالَطَةِ الْفُسَّاقِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حِرْمَانَ غَيْرِ التَّقِيِّ مِنْ الْإِحْسَانِ بَلْ يُطْعِمُهُ وَلَا يُخَالِطُهُ إلَّا بِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ وَالْإِرْشَادِ إنْ مَرْجُوًّا فَالْمَعْنَى لَا تُصَاحِبْ إلَّا مُطِيعًا وَلَا تُخَالِلْ إلَّا تَقِيًّا.

(غَرِيبَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اجْتَمَعَ جَمْعٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِدَعْوَةٍ وَقَدَّمُوا الطَّعَامَ وَاحْتَاجُوا آنِيَةً وَثَمَّةَ إنَاءُ زُجَاجٍ جَدِيدٍ أُعِدَّ لِلْبَوْلِ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فَأَكَلُوا فِيهِ فَنَطَقَ مُنْذُ أَكْرَمَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِأَكْلِ هَؤُلَاءِ السَّادَةِ لَا أَكُونُ وِعَاءً لِلْأَذَى، ثُمَّ انْكَسَرَ نِصْفَيْنِ فَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ؟ قَالُوا لَا. قَالَ قَالَ كَذَا وَقَالَ غَيْرَ هَذَا أَيْضًا قَالَ قُلُوبُكُمْ أَكْرَمَهَا اللَّهُ بِالْإِيمَانِ فَلَا تَرْضَوْا أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِنَجَاسَةِ الْمَعْصِيَةِ وَحُبِّ الدُّنْيَا.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي حَدِيثِ «اسْتَكْثِرُوا مِنْ الْإِخْوَانِ فَإِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ شَفَاعَةً» الْمُرَادُ مِنْ الْإِخْوَانِ هُمْ الْأَخْيَارُ فَكُلَّمَا كَثُرَتْ إخْوَانُكُمْ كَثُرَتْ شُفَعَاؤُكُمْ وَذَلِكَ أَرْجَى لِلْفَلَاحِ وَأَقْرَبُ لِلصَّلَاحِ وَالنَّجَاحِ، ثُمَّ قَالَ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الْأَخْيَارُ إخْوَانُ هَذَا الزَّمَانِ فَيَنْبَغِي الْإِقْلَالُ مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ الرُّومِيِّ

عَدُوُّك مِنْ صِدِّيقِك مُسْتَفَادٌ

فَلَا تَسْتَكْثِرَنَّ مِنْ الصِّحَابِ

فَإِنَّ الدَّاءَ أَكْثَرُ مَا تَرَاهُ

يَكُونُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

قَالَ الْغَزَالِيُّ سَمِعْت ابْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ لِلثَّوْرِيِّ أَوْصِنِي قَالَ أَقْلِلْ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ قُلْت أَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَكْثِرُوا مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ فَإِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ شَفَاعَةً قَالَ لَا أَحْسِبُك رَأَيْت قَطُّ مَا تَكْرَهُ إلَّا مِمَّنْ تَعْرِفُ، ثُمَّ مَاتَ فَرَأَيْته فِي النَّوْمِ فَقُلْت أَوْصِنِي قَالَ أَقْلِلْ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ مَا اسْتَطَعْت فَإِنَّ التَّخَلُّصَ مِنْهُمْ شَدِيدٌ.

(ت عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «لَا تُسَاكِنُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُجَامِعُوهُمْ فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ» لِأَنَّ لِلْمُجَاوَرَةِ تَأْثِيرًا فِي التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِمْ.

(فُرُوعٌ)

وَفِي الْحَدِيثِ «إذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ» وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالْإِخْبَارِ لِيَزْدَادَ حُبًّا وَأَيْضًا «إذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ» وَأَيْضًا «إذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ فَلْيَأْتِهِ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ لِلَّهِ» وَأَيْضًا «إذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ عَبْدًا» يَعْنِي إنْسَانًا «فَلْيُخْبِرْهُ فَإِنَّهُ يَجِدُ مِثْلَ الَّذِي يَجِدُ لَهُ» كُلُّهُ فِي الْجَامِعِ

وَإِذَا اعْتَرَاك الْوَهْمُ مِنْ حَالِ امْرِئٍ

وَأَرَدْت تَنْظُرَ خَيْرَهُ مِنْ شَرِّهِ

فَاسْأَلْ ضَمِيرَك عَنْ ضَمِيرِ فُؤَادِهِ

يُنْبِئُك سِرُّك بِاَلَّذِي فِي سِرِّهِ

وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا «اسْتَكْثِرُوا مِنْ الْإِخْوَانِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ رَبِّي حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ عَبْدَهُ بَيْنَ

ص: 164