المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تشبه الرجل بالمرأة وبالعكس] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٤

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ رَدُّ التَّابِعِ كَلَامَ مَتْبُوعِهِ وَمُقَابَلَتُهُ وَمُخَالَفَتُهُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السُّؤَالُ عَنْ حِلِّ شَيْءٍ وَحُرْمَتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ لِصَاحِبِهِ وَمَالِكِهِ تَوَرُّعًا]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ تَنَاجِي الْمُكَالَمَةِ بِالسِّرِّ اثْنَيْنِ عِنْدَ ثَالِثٍ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ التَّكَلُّمُ مَعَ الشَّابَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى مَنْ يَتَغَوَّطُ أَوْ يَبُولُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الدَّلَالَةُ بِاللِّسَانِ عَلَى الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ لِمَنْ يُرِيدُ الْمَعْصِيَةَ]

- ‌[السِّتُّونَ آخِرُ آفَاتِ اللِّسَانِ الْإِذْنُ وَالْإِجَازَةُ فِيمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ وَالْإِبَاحَةُ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ] [

- ‌الْأَوَّلُ الْمِزَاحُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ السِّتَّةِ الْمَدْحُ]

- ‌[الثَّالِثُ الشِّعْرُ]

- ‌[الرَّابِعُ السَّجْعُ]

- ‌[الْخَامِسُ الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَعْنِي]

- ‌[السَّادِسُ آخِرُ الْمَبَاحِثِ فُضُولُ الْكَلَامِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعَادَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا النِّظَامُ لِلْعَالِمِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ الْغَيْرِ الْمُنْقَطِعَةِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ الْإِبَاحَةُ مِنْ الْعِبَادَاتِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ اللِّسَانِ مِنْ حَيْثُ السُّكُوتُ كَتَرْكِ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ]

- ‌[تَرْكُ التَّشَهُّدِ مِنْ آفَاتِ]

- ‌[تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ]

- ‌[تَرْكِ النُّصْحِ]

- ‌[تَرْكِ التَّعْلِيمِ]

- ‌[تَرْكِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْقَاضِي بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى]

- ‌[تَرْكِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ]

- ‌[تَتِمَّةٌ مُبَادَرَةُ الْعَاطِسِ بِالْحَمْدِ]

- ‌[تَرْكُ الِاسْتِئْذَانِ فِي دُخُولِ دَارِ الْغَيْرِ]

- ‌[تَرْكُ الْكَلَامِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ]

- ‌[تَرْكُ إنْقَاذِ تَخْلِيصِ الْمَظْلُومِ]

- ‌[تَرْكُ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ سُبْحَانَ أَوْ تَبَارَكَ اللَّهُ]

- ‌[تَرْكُ السُّؤَالِ لِلْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّالِثُ فِي آفَاتِ الْأُذُنِ اسْتِمَاعُ كُلِّ مَا لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[إجَابَةِ دَعْوَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْغِنَاءِ وَاللَّعِبِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي آلَاتِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ بِلَا اضْطِرَارٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْغِنَاءِ بِالِاخْتِيَارِ]

- ‌[رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ مِمَّنْ يَقْرَأُ بِلَحْنٍ وَخَطَإٍ بِلَا تَجْوِيدٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ حَدِيثِ قَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ]

- ‌[مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الرَّابِعُ فِي آفَاتِ الْعَيْنِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْخَامِسُ فِي آفَاتِ الْيَدِ]

- ‌[إحْرَاقُ كُلِّ حَيٍّ بِالنَّارِ أَوْ بِالْمَاءِ الْحَارِّ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ تَصْوِيرُ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ إهْلَاكُ الْمَالِ أَوْ نَقْصُهُ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ الْبَطْنِ]

- ‌[الْقَهْوَةُ حُكْمُ شُرْبِهَا]

- ‌[بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الشِّبَعِ وَكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالتَّنَعُّمِ]

- ‌[الْأَكْلُ عَلَى السُّفْرَةِ]

- ‌[آدَابُ الْأَكْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّابِعُ فِي آفَاتِ الْفَرْجِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّامِنُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الرِّجْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ التَّاسِعُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الْبَدَنِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِعُضْوٍ]

- ‌[الْآفَاتِ الْغَيْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[قَطْعُ الرَّحِمِ]

- ‌[تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ]

- ‌[مُجَالَسَةُ جَلِيسِ السُّوءِ]

- ‌[فَتْحُ الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ وَعَدَمُ دَفْعِهِ]

- ‌[الْقُعُودُ وَسْطَ الْحَلْقَةِ]

- ‌[الِانْحِنَاءُ فِي السَّلَامِ]

- ‌[حُكْم الْوَشْمُ]

- ‌[تَرْكُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[سَفَرُ الْحُرَّةِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ]

- ‌[تَرْكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا]

- ‌[تَرْكُ الزَّكَاةِ]

- ‌[تَرْكُ الْحَجِّ الْفَرْضِ]

- ‌[الْعِينَةُ]

- ‌[نِسْيَانُ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ]

- ‌[الرِّبَا]

- ‌[الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[إيقَادُ الشُّمُوعِ فِي الْقُبُورِ]

- ‌[إمْسَاكُ الْمَعَازِفِ]

- ‌[رُكُوبُ الْبَحْرِ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْغَرَقِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[قِيَامُ الْقَارِئِ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَعَالِمٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ خَاتِمَةُ أَبْوَابِ الْكِتَابِ فِي أُمُورٍ يُظَنُّ أَنَّهَا مِنْ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الدِّقَّة فِي أَمَرَ الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مِنْ الدِّقَّةُ فِي الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة أَنَّهَا بِدْعَة لَمْ تصدر عَنْ النَّبِيّ وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ صِنْفَانِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِيمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّانِي مَا ورد عَنْ أَئِمَّتنَا الْحَنَفِيَّة فِي عَدَمِ الدِّقَّةِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي ذَمِّ الْوَسْوَسَةِ وَآفَاتِهَا]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي عِلَاجِ الْوَسْوَسَةِ]

- ‌[مَرَاتِب الْوَسْوَسَة]

- ‌[النَّوْعُ الرَّابِعُ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّوَرُّع التَّكَلُّفِ فِي تَحْصِيلِ الْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أُمُورٍ مُبْتَدَعَةٍ بَاطِلَةٍ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[تشبه الرجل بالمرأة وبالعكس]

إنِّي أَرَدْت أَنْ أَشْكُوَ إلَيْهِ زَوْجَتِي وَبِهِ مِنْ الْبَلْوَى مِثْلُ مَا بِي فَرَجَعَ فَدَعَاهُ عُمَرُ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ عُمَرُ إنِّي أَتَجَاوَزُ عَنْهَا لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ الْأَوَّلُ أَنَّهَا سَتَرَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّارِ فَيَسْكُنُ بِهَا قَلْبِي مِنْ الْحَرَامِ.

الثَّانِي: أَنَّهَا خَازِنَةٌ لِي إذَا خَرَجْت مِنْ مَنْزِلِي حَافِظَةٌ لَهُ.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا قَصَّارَةٌ لِي تَغْسِلُ ثِيَابِي.

الرَّابِعُ: أَنَّهَا ظِئْرٌ لِوَلَدِي.

الْخَامِسُ: أَنَّهَا خَبَّازَةٌ وَطَبَّاخَةٌ فَقَالَ الرَّجُلُ إنَّ لِي مِثْلَ مَا لَك فَكَمَا تَجَاوَزْت عَنْهَا أَتَجَاوَزُ عَنْهَا.

وَبِالْجُمْلَةِ يَنْبَغِي لِلزَّوْجِ أَنْ يَقُومَ بِحُقُوقِ الْأَهْلِ وَالصَّبْرِ عَلَى أَخْلَاقِهِنَّ وَاحْتِمَالِ الْأَذَى مِنْهُنَّ وَالسَّعْيِ فِي إصْلَاحِهِنَّ وَإِرْشَادِهِنَّ إلَى طَرِيقِ الدِّينِ وَالِاجْتِهَادِ فِي كَسْبِ الْحَلَالِ لِأَجْلِهِنَّ وَالْقِيَامِ بِتَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُؤْجَرُ فِي رَفْعِ اللُّقْمَةِ إلَى فِي امْرَأَتِهِ» .

وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا «مَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَخَدَمِهِ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ» قَالَ شَارِحُهُ قَالَ الْحَرَّانِيُّ وَالْمُنْفِقُ أَعْلَى حَالًا مِنْ الْمُزَكِّي؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّيَ يُخْرِجُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضًا وَالْمُنْفِقَ يَجُودُ بِمَا فِي يَدِهِ فَضْلًا انْتَهَى أَقُولُ لَعَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِمْ مِنْ أَنَّ النَّفَلَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَرْضِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ

(وَمِنْهَا) مِنْ الْآفَاتِ الْغَيْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِعُضْوٍ (إضَاعَةُ الرَّجُلِ أَوْلَادَهُ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْأَرِقَّاءِ وَالدَّوَابِّ فَإِنَّهُ رَاعٍ فَهَذِهِ رَعَايَاهُ يُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ» (خُصُوصًا الْأَوْلَادُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَكِسْوَتُهُمْ) وَأَمَّا الْكِبَارُ إذَا كَانُوا مَرْضَى عَاجِزِينَ عَنْ الْكَسْبِ، أَوْ أَوْلَادُ الْأَشْرَافِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ الِاكْتِسَابُ أَوْ كَانُوا مُتَفَرِّغِينَ لِتَحْصِيلِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ صَارِفِينَ أَوْقَاتَهُمْ إلَيْهَا فَكَذَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَاتُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ بِخِلَافِ الْكِبَارِ الْأَغْنِيَاءِ أَوْ الْقَادِرِينَ عَلَى الِاكْتِسَابِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لِلصِّغَارِ أَمْوَالٌ وَنَفَقَتُهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (وَتَعْلِيمُهُمْ وَتَأْدِيبُهُمْ) كَمَا قِيلَ مَنْ أَدَّبَ أَوْلَادَهُ أَرْغَمَ حُسَّادَهُ، وَأَمَّا إذَا صَدَرَ مِنْهُمْ مُنْكَرٌ فَعَلَيْهِ الْمَنْعُ إذَا امْتَنَعُوا بِمَنْعِهِ وَإِلَّا فَالْهَجْرُ حَتَّى يَمْتَنِعُوا (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] بِالنُّصْحِ وَالتَّأْدِيبِ (وَأَنْ لَا يَلْبَسَ الْحَرِيرَ) إذَا كَانُوا ذُكُورًا، وَكَذَا الذَّهَبُ (وَلَا يُخَضِّبُ أَيْدِي الذُّكُورِ وَأَرْجُلَهُمْ بِالْحِنَّاءِ وَلَا يُفِيدُ) فِي دَفْعِ الْإِثْمِ (قَوْلُهُ أُمُّهُمْ فَعَلَتْ وَأَنَا غَيْرُ رَاضٍ بِهِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) يَقُومُونَ عَلَيْهِنَّ قِيَامَ الْوُلَاةِ عَلَى الرَّعِيَّةِ (وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ) كَمَا مَرَّ مِرَارًا (وَمِنْهَا الْخَلْوَةُ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ) غَيْرِ الْمَحْرَمِ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا، وَعَنْ الْمُلْتَقَى وَلَا بَأْسَ بِسَفَرِ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ، وَالْخَلْوَةُ بِهَا قِيلَ مُبَاحٌ وَقِيلَ لَا انْتَهَى. لَكِنْ مَنَعُوا الْخَلْوَةَ وَالْمُسَافَرَةَ مَعَ الْمَحْرَمِ الرَّضَاعِيِّ كَالْأُخْتِ رَضَاعًا (فَإِنَّهَا حَرَامٌ) بِدَلِيلِ مَا فِي (خ م عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا «لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ» أَجْنَبِيَّةٍ «إلَّا مَعَ ذَاتِ مَحْرَمٍ» .

[تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ]

(وَمِنْهَا تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ يَتَزَيَّنُ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ بِزِيِّ الْآخَرِ (خ م عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا أَنَّهُ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 157

الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ» وَهُوَ الَّذِي يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ فِي كَلَامِهِ وَحَرَكَاتِهِ، وَفِي الْخِضَابِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهَا وَتَارَةً يَكُونُ هَذَا التَّشَبُّهُ جِبِلَّةً وَتَارَةً يَكُونُ بِتَكَلُّفٍ، وَالْمَذْمُومُ هُوَ الثَّانِي إذْ لَا تَكْلِيفَ فِي الْأَفْعَالِ الْغَيْرِ الِاخْتِيَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ وَتَغْيِيرُ خَلْقِ اللَّهِ مُضَادَّةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا مَضْغُ الْعِلْكِ لَهُ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالنِّسَاءِ «وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ» أَيْ الْمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ «وَقَالَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانَةَ» أَيْ: امْرَأَةً كَانَتْ مُتَرَجِّلَةً مِنْ الْمَدِينَةِ (وَأَخْرَجَ عُمَرُ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ (فُلَانًا) رَجُلًا يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ لِلْمُخَنَّثِينَ حُكْمُ الرِّجَالِ الْفُحُولِ، وَكَذَا حُكْمُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَ النِّسَاءَ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ فَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى الْفِتْنَةِ أَوْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الدَّاخِلُ عَلَيْهِنَّ مِمَّنْ يَتَكَلَّفُ الْخُنُوثَةَ كَمَا عَنْ ابْنِ الْمَلِكِ (، وَفِي رِوَايَةٍ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْمُخَالَطَةُ مَعَ النِّسَاءِ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ وَبِهِ تَكَسُّرٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ قِيلَ لَهُ مُخَالَفَةُ النِّسَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدِيءٌ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ مُطْلَقًا.

(وَمِنْهَا إبَاقُ الْمَمْلُوكِ) أَمَةً أَوْ عَبْدًا (وَعِصْيَانُهُ لِمَوْلَاهُ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ (م عَنْ جَرِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ» أَيْ: فَرَّ مِنْ مَوْلَاهُ أَيُّمَا لِلشَّرْطِ مُبْتَدَأٌ، وَمَا مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ وَأَبَقَ خَبَرُهُ لَا صِفَةُ عَبْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَبْقَى بِلَا خَبَرٍ وَجَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ «فَقَدْ بَرِئَ مِنْهُ الذِّمَّةُ» أَيْ الْعَهْدُ. قِيلَ كِنَايَةٌ عَنْ اسْتِحْقَاقِ التَّعْزِيرِ وَالتَّأْدِيبِ وَجَوَازِ الضَّرْبِ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ قَتْلُهُ وَقِيلَ إنَّ الذِّمَّةَ الْإِيمَانُ وَعَهْدُهُ. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ فَقَدْ كَفَرَ بَدَلَ فَقَدْ بَرِئَ قِيلَ فَيُحْمَلُ عَلَى كَوْنِهِ مُسْتَحِلًّا لِلْإِبَاقِ أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْحُرْمَةَ أَوْ يَخْرُجَ عَنْ احْتِرَامِ الْمُسْلِمِينَ (وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ» ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَيُّمَا عَبْدٍ مَاتَ فِي إبَاقِهِ دَخَلَ النَّارَ، وَإِنْ كَانَ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (طط عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (مَرْفُوعًا «أَوَّلُ سَابِقٍ إلَى الْجَنَّةِ مَمْلُوكٌ أَطَاعَ اللَّهَ وَأَطَاعَ مَوَالِيَهُ» لِأَنَّ لَهُ أَجْرَ إطَاعَةِ رَبِّهِ وَأَجْرَ إطَاعَةِ مَوْلَاهُ وَلِأَنَّ

ص: 158

عِبَادَتَهُ لِرَبِّهِ أَتْعَبُ وَأَشَقُّ فِي أَثْنَاءِ عِبَادَةِ مَوْلَاهُ لَعَلَّ الْأَوَّلِيَّةَ إضَافِيَّةٌ، أَوْ الْأَوَّلِيَّةَ التَّوْعِيَةُ لَا الشَّخْصِيَّةُ، فَلَا يَشْكُلُ بِسَائِرِ السَّابِقِينَ ثُمَّ دَلَالَةُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَيْسَ بِظَاهِرَةٍ فَافْهَمْ.

(وَمِنْهَا سُوءُ الْمَلَكَةِ) يُقَالُ فُلَانٌ حَسَنُ الْمَلَكَةِ إذَا كَانَ حَسَنَ الصُّنْعِ إلَى مَمَالِيكِهِ فَسُوءُ الْمَلَكَةِ عَدَمُ رِعَايَةِ حُقُوقِ الْمَمَالِيكِ (ت عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيْء الْمَلَكَةِ» أَيْ مَنْ أَضَاعَ حُقُوقَ الْمَمَالِيكِ وَلَمْ يُرَاعِهَا وَأَسَاءَ إلَيْهِمْ قَالَ فِي الْفَيْضِ وَسُوءُ الْمَلَكَةِ، وَإِنْ عَمَّ لَكِنَّهُ غَالِبًا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَمَالِيكِ كَذَا قَالَهُ جَمْعٌ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْقَصْرَ تَقْصِيرٌ إذْ لَا مَلْجَأَ لَهُ هُنَا وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَعَمِّ أَتَمُّ وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] قَالَ الطِّيبِيُّ مُرَادُهُ أَنَّ سُوءَ الْمَلَكَةِ يَدُلُّ عَلَى سُوءِ الْخُلُقِ وَهُوَ شُؤْمٌ وَالشُّؤْمُ يُورِثُ الْخِذْلَانَ وَالْعَذَابَ بِالنِّيرَانِ.

(فَائِدَةٌ)

فِي الْفَيْضِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْجَامِعُ لِلْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ الْخُلُقُ الْحَسَنُ وَالْأَدَبُ وَالِاتِّبَاعُ وَالْإِحْسَانُ وَالنَّصِيحَةُ فَهَذِهِ أُمَّهَاتُ الْأَخْلَاقِ وَقَوَاعِدُ الْأَخْلَاقِ أَرْبَعٌ الْحِكْمَةُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْعِفَّةُ وَالْعَدَالَةُ كَمَا مَرَّ ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ غَرِيبٌ وَرَمَزَ الْمُصَنِّفُ لِحُسْنِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِيهِ فَرْقَدُ السُّنْحِيُّ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَزَادَ «فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْت أَخْبَرْتَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَكْثَرُ الْأُمَمِ مَمْلُوكِينَ وَأَيْتَامًا قَالَ بَلَى فَأَكْرِمُوهُمْ كَرَامَةَ أَوْلَادِكُمْ وَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ قَالُوا فَمَا يَنْفَعُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَرَسٌ مُرْتَبِطَةٌ يُقَاتَلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَمْلُوكُك يَكْفِيك فَإِذَا صَلَّى فَهُوَ أَخُوك» قَالَ الْهَيْتَمِيُّ فِيهِ فَرْقَدٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى.

(ت عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ أَعْفُو عَنْ الْخَادِمِ؟» أَيْ كَمْ مَرَّةً أَعْفُو عَنْ ذُنُوبِ الْخَادِمِ «فَقَالَ اُعْفُ عَنْهُ» لِلنَّدْبِ لَا الْوُجُوبِ «كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً» كِنَايَةً عَنْ الْكَثْرَةِ لَا الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ وَحَاصِلُهُ لِيَكُنْ عَفْوُك أَكْثَرَ مِنْ مُؤَاخَذَتِك وَرُوِيَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ جَارِيَتَهُ جَاءَتْ بِمَرَقَةٍ فَعَثَرَتْ فَصَبَّتْ الْمَرَقَةَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ ضَرْبَهَا فَقَالَتْ يَا مَوْلَايَ اسْتَعْمِلْ قَوْله تَعَالَى - {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134]- قَالَ قَدْ كَظَمْت فَقَالَتْ اعْمَلْ بِمَا بَعْدَهُ {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] قَالَ قَدْ عَفَوْت، وَقَالَتْ الْجَارِيَةُ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] فَقَالَ مَيْمُونٌ أَحْسَنْت إلَيْك فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى (خ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ» بِالرَّفْعِ وَأَحَدَكُمْ مَنْصُوبٌ «بِطَعَامِهِ» لِيَأْكُلَهُ وَالْخَادِمُ يُطْلَقُ عَلَى الْقِنِّ وَالْحُرِّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهُوَ بِغَيْرِ تَاءِ تَأْنِيثٍ لِإِجْرَائِهِ مَجْرَى الْأَسْمَاءِ غَيْرِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَمِثْلُهَا امْرَأَةٌ عَاشِقٌ وَجَوَابُ إذَا مَحْذُوفٌ أَيْ فَلْيُجْلِسْهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِيَأْكُلَ مَعَهُ سُلُوكًا لِسَبِيلِ التَّوَاضُعِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ «فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ» لِلْأَكْلِ لِعُذْرٍ كَقِلَّةِ الطَّعَامِ أَوْ لِكَوْنِهِ أَمْرَدَ يُخْشَى مِنْ الْتِقَائِهِ، أَوْ حَيَاءِ الْخَادِمِ «فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ» بِحَسَبِ حَالِ الطَّعَامِ وَالْخَادِمِ لَيَرُدَّ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ شَهْوَةِ الطَّعَامِ وَتَنْكَسِرَ سَوْرَةُ الْجُوعِ، وَفِي مَعْنَاهُ الطَّبَّاخُ وَحَامِلُ الطَّعَامِ فِي الْإِجْلَاسِ وَالْمُنَاوَلَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ وَهُوَ تَعَلُّقُ نَفْسِهِ بِهِ وَشَمِّ رِيحِهِ وَإِرَاحَةِ صَاحِبِ الطَّعَامِ مِنْ حَمْلِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ.

«أَوْ أَكْلَةٍ أَوْ أَكْلَتَيْنِ» قَالَ الدَّمَامِينِيُّ، فَإِنْ قُلْت مَا هَذَا الْعَطْفُ قُلْت لَعَلَّهُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي أَوْ عَطَفَ أَحَدَ الْمُتَرَادِفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِأَوْ، وَصَرَّحَ بَعْضٌ بِجَوَازِهِ كَالْوَاوِ «فَإِنَّهُ» أَيْ الْخَادِمُ «وَلِيَ» تَحَمَّلَ «حَرَّهُ» مِنْ الْحَرَارَةِ أَيْ تَحَمَّلَ مُقَاسَاةَ شَمِّ لَهَبِ النَّارِ حَالَ الطَّبْخِ «وَعِلَاجَهُ» مِنْ الْمُعَالَجَةِ

ص: 159

أَيْ تَحَمَّلَ مَشَقَّتَهُ بِتَحْصِيلِ الْآلَةِ وَمُزَاوَلَةِ عَمَلِهِ مِنْ نَحْوِ إدْخَالِ الْقِدْرِ وَطَبْخِهِ قِيلَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَمْلُوكِهِ فِي الْمَأْكَلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ طَعَامُهُمَا وَكِسْوَتُهُمَا عَلَى التَّسْوِيَةِ، وَأَمَّا إذَا أَكَلَ الْمَوْلَى الْأَطْعِمَةَ النَّفِيسَةَ وَلَبِسَ الْأَلْبِسَةَ الرَّفِيعَةَ بِخِلَافِ عَبْدِهِ فَجَائِزٌ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تُطْعِمُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ» . وَالْمُرَادُ مِنْ جِنْسِ مَا تَلْبَسُونَ وَتَأْكُلُونَ لَا مِثْلَهُ فَإِذَا أَلْبَسَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَهُوَ يَلْبَسُ مِنْهُمَا الْفَائِقَ كَفَى بِخِلَافِ إلْبَاسِهِ نَحْوَ الْجُوَالِقِ وَلَمْ يَتَوَارَثْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ مِثْلَهُمْ إلَّا الْأَفْرَادَ كَذَا نُقِلَ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ (م عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (مَرْفُوعًا «لِلْمَمْلُوكِ» عَلَى مَالِكِهِ «طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ» بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ مَمَالِيكِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَكِسْوَتِهِمْ كَمَا زِيدَ فِي الْجَامِعِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لَفْظُ بِالْمَعْرُوفِ وَفُسِّرَ بِبَلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ عَلَى اللَّائِقِ بِأَمْثَالِهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الْعُرْفِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فَالْوَاجِبُ مُطْلَقُ الْمُوَاسَاةِ لَا الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.

«وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ» نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ فَفِي الْحَصْرِ لُزُومُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ، وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الْإِحْسَانِ إلَى الْمَمَالِيكِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ وَأُلْحِقَ بِهِمْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ أَجِيرٍ وَنَحْوِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَلَّفَهُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلْيُعِنْهُ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ نَفَقَتِهِ كَسَبَ وَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الِاكْتِسَابِ يُجْبِرُ الْقَاضِي الْمَوْلَى بِبَيْعِهِ، وَفِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يُجْبَرُ بِالِاتِّفَاقِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي الدُّرَرِ قَالَ فِي الْمِفْتَاحِ وَأَمَّا مِلْكُ الْيَمِينِ فَهُوَ مَا أَوْصَى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَ فَمَا أَحْبَبْتُمْ فَأَمْسِكُوا وَمَا كَرِهْتُمْ فَبَدِّلُوا وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ مَلَّكَكُمْ إيَّاهُمْ، وَلَوْ شَاءَ لَمَلَّكَهُمْ إيَّاكُمْ.» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا ابْتَاعَ أَحَدُكُمْ الْخَادِمَ فَلْيَكُنْ أَوَّلُ شَيْءٍ يُطْعِمُهُ الْحَلْوَى فَإِنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِهِ» (اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى تَعْلِيمُ مَمْلُوكِهِ الْقُرْآنَ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ) فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً فَافْهَمْ (وَسَائِرَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَيَأْمُرُهُ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَلَا يَسْتَخْدِمُهُ زَمَانَ أَدَائِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (حَتَّى قَالُوا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُوَضِّئَ عَبْدَهُ وَجَارِيَتَهُ إذَا مَرِضَا وَلَمْ يَقْدِرَا عَلَى الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِمَا) وَلَا يَجِبُ أَنْ يُوَضِّئَ زَوْجَتَهُ.

فَجُمْلَةُ حُقُوقِ الْمَمْلُوكِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي طُعْمَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَلَا يُكَلِّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَلَا يَنْظُرَ إلَيْهِ بِعَيْنِ الْكِبْرِ وَالِازْدِرَاءِ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْ زَلَّتِهِ وَيَتَفَكَّرَ عِنْدَ غَضَبِهِ عَلَيْهِ بِهَفَوَاتِهِ أَوْ جِنَايَتِهِ فِي مَعَاصِيهِ وَخِيَانَتِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي طَاعَتِهِ مَعَ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَوْقَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمِفْتَاحِ لَكِنْ إذَا خَافَ الْإِبَاقَ لَا بَأْسَ بِالْقَيْدِ وَبِالْغُلِّ وَيُكْرَهُ كَالدَّابَّةِ فِي عُنُقِهِ وَهُوَ الْحَدِيدُ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ حَرَكَةِ رَأْسِهِ وَهُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ الظُّلْمَةِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيَزِيدُ السَّيِّدُ فِي إكْرَامِ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ وَرَعًا وَأَبْيَنَ صَلَاحًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْتَخْدِمَ مَنْ يَخْدُمُ رَبَّهُ.

(وَمِنْهَا أَذَى الْجَارِ) قَوْلًا أَوْ فِعْلًا، وَلَوْ ذِمِّيًّا اعْلَمْ أَنَّ لِلْجِوَارِ حَقًّا وَرَاءَ مَا يَقْتَضِيهِ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَفِي الْحَدِيثِ «الْجَارُ الْمُسْلِمُ ذُو الرَّحِمِ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الْإِسْلَامِ وَحَقُّ الرَّحِمِ وَالْجَارُ الْمُسْلِمُ لَهُ حَقَّانِ الْجِوَارُ وَالْإِسْلَامُ وَالذِّمِّيُّ لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ حَقُّ الْجِوَارِ فَقَطْ» وَلَيْسَ حَقُّ الْجَارِ كَفَّ الْأَذَى فَقَطْ بَلْ احْتِمَالُ الْأَذَى بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الرِّفْقِ وَإِسْدَاءِ طَلَبِ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ. يُقَالُ الْجَارُ الْفَقِيرُ يَتَعَلَّقُ بِجَارِهِ الْغَنِيِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَقُولُ يَا رَبِّ سَلْ هَذَا لِمَ مَنَعَنِي مَعْرُوفُهُ وَسَدَّ بَابَهُ دُونِي (خ م عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) وَعَنْ أَبَوَيْهَا (مَرْفُوعًا «مَا زَالَ جَبْرَائِيلُ عليه الصلاة والسلام يُوصِينِي بِالْجَارِ» قَالَ الْعَلَائِيُّ الظَّاهِرُ

ص: 160

جَارُ الدَّارِ لَا جَارُ الْجِوَارِ؛ لِأَنَّ التَّوَارُثَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِجِوَارِ الْعَهْدِ، ثُمَّ نُسِخَ «حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» سَيَحْكُمُ بِتَوْرِيثِ الْجَارِ مِنْ الْجَارِ. وَاسْمُ الْجَارِ يَعُمُّ الْمُسْلِمَ وَالْعَدْلَ وَالْقَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ وَالنَّافِعَ وَأَضْدَادَهُمْ وَلَهُ مَرَاتِبُ فَأَعْلَاهَا مَنْ جَمَعَ صِفَاتِ الْكَمَالِ، ثُمَّ أَكْثَرَهَا وَهَلُمَّ جَرَّا وَعَكْسُهُ مَنْ جَمَعَ ضِدَّهُ كَذَلِكَ فَيُعْطِي كُلًّا حَقَّهُ بِحَسَبِ حَالِهِ وَيَتَرَجَّحُ عِنْدَ تَعَارُضِ الصِّفَاتِ. نَبَّهَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحُقُوقَ إذَا تَأَكَّدَتْ بِالْأَسْبَابِ فَأَعْظَمُهَا الْجِوَارُ وَهُوَ قُرْبُ الدَّارِ فَأَنْزَلَهُ مَنْزِلَةَ الرَّحِمِ وَكَادَ يُثْبِتُ حَقًّا لَهُ فِي الْمَالِ وَلِلْجِوَارِ مَرَاتِبُ: الْمُلَاصَقَةُ وَالْمُخَالَطَةُ بِأَنْ يَجْمَعَهُمَا مَسْجِدٌ أَوْ مَدْرَسَةٌ أَوْ سُوقٌ أَوْ صِفَةٌ كَمَا فِي الْمَعَاقِلِ، وَعَنْ الْقُشَيْرِيِّ مِنْ جِيرَانِك الْمَلَكَانِ فَلَا تُؤْذِهِمَا بِعِصْيَانِك وَرَاعِ حَقَّهُمَا بِمَا تُمْلِي عَلَيْهِمَا مِنْ إحْسَانِك، وَإِذَا كَانَ جَارُ دَارِك مُسْتَحِقًّا لِلْإِحْسَانِ عَلَيْهِ فَجَارُ نَفْسِك وَهُوَ قَلْبُك أَوْلَى وَلَا تَغْفُلْ عَنْ حُلُولِ الْخَوَاطِرِ الْمَزْوِيَّةِ فِيهِ، ثُمَّ جَارُ قَلْبِك وَهُوَ مَعْرِفَتُك أَوْلَى بِأَنْ تُحَافِظَ حَقّهَا، ثُمَّ جَارُ رُوحِك أَوْلَى بِأَنْ تُرَاعِيَ حَقَّهُ، ثُمَّ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ لَا تَغْفُلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] انْتَهَى.

رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا رَمَيْت كَلْبَ جَارِك فَقَدْ آذَيْتَهُ» (خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «وَاَللَّهِ لَا يُؤْمِنُ» إيمَانًا كَامِلًا «ثَلَاثًا» أَيْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ غَايَةُ التَّأْكِيدِ لِغَايَةِ الِاهْتِمَامِ سِيَّمَا مَظَانُّ الْإِهْمَالِ وَعَدَمُ الِاهْتِمَامِ ( «قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» جَمْعُ بَائِقَةٍ أَيْ هَلَكَاتِهِ وَشُرُورَهُ وَغَوَائِلَهُ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» وَهُوَ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إلَى آخِرِ مَا يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وُصِفَ بِالْآخِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا لَيْلَ بَعْدَهُ أَيْ بِوُجُودِهِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ فَلْيَفْعَلْ مَا يَأْتِي فَإِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ سِيَّمَا وَفَرْضُ انْتِفَاءِ الْجَزَاءِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ أَيْ الْإِيمَانِ، وَفِي ذِكْرِهِ تَنْبِيهٌ وَإِرْشَادٌ لِإِيقَاظِ النَّفْسِ وَتَحَرُّكِ الْهِمَمِ لِلْمُبَادَرَةِ لِامْتِثَالِ جَوَابِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ «فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ» بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَلْيُحْسِنْ إلَى جَارِهِ أَيْ مَنْ يُؤْمِنُ بِجِوَارِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى السُّكْنَى فِي جِوَارِهِ بِدَارِ كَرَامَتِهِ فَلْيَكُفَّ الْأَذَى عَنْ جَارِهِ وَيَتَحَمَّلْ مَا صَدَرَ مِنْهُ وَيَبَشَّ فِي وَجْهِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَالْجَارُ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، ثُمَّ الْإِكْرَامُ قَدْ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا وَجَمْعُ الْجَمِيعِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَذَا فِي الْفَيْضِ «وَلَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» أَيْ جِدَارِ الْجَارِ، وَعَنْ الرَّوْضَةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَلَهُ جِيرَانٌ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ رَاضُونَ

ص: 161

عَنْهُ غُفِرَ لَهُ، وَمَنْ آذَى جَارَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ حَرَمَهُ اللَّهُ رِيحَ الْجَنَّةِ وَمَأْوَاهُ النَّارُ أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ يَسْأَلُ الرَّجُلَ عَنْ جَارِهِ كَمَا يُسْأَلُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَمَنْ ضَيَّعَ حَقَّ جَارِهِ فَلَيْسَ مِنَّا» (شَيْخٌ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَنْ آذَى جَارَهُ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ تَعَالَى» اسْتَوْجَبَ عُقُوبَةَ اللَّهِ أَوْ لَا يَرْضَى عَنْهُ اللَّهُ أَوْ يَغْضَبُ عَلَيْهِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْأَذَى لَا تُتَصَوَّرُ فِي شَأْنِهِ تَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا (طب ز عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَا آمَنَ بِي» إيمَانًا كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى قَسْوَةِ الْقَلْبِ وَالشُّحِّ وَسُقُوطِ الْمُرُوءَةِ وَعَظِيمِ اللُّؤْمِ وَخُبْثِ الطَّوِيَّةِ كَمَا قَالَ

وَكُلُّكُمُو قَدْ نَالَ شِبَعًا لِبَطْنِهِ

وَشِبَعُ الْفَتَى إنْ جَاعَ صَاحِبُهُ لُؤْمٌ

«مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ، وَجَارُهُ جَائِعٌ إلَى جَنْبِهِ وَ» الْحَالُ «هُوَ يَعْلَمُ» أَنَّهُ جَائِعٌ (خَرَائِطِيٌّ) أَيْ خَرَّجَ الْخَرَائِطِيُّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْجَارِ؟» فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا قَالَ «إذَا اسْتَعَانَك أَعَنْته، وَإِذَا اسْتَقْرَضَك» طَلَبَ مِنْك قَرْضَ شَيْءٍ «أَقْرَضْته، وَإِذَا افْتَقَرَ عُدْت» مِنْ الْمُعَاوَدَةِ بِمَعْنَى الْجُودِ «عَلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ» وَالْإِحْسَانِ «وَإِذَا مَرِضَ عُدْته» مِنْ الْعِيَادَةِ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ أَوْ نَدْبٍ «، وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْته» مِنْ التَّهْنِئَةِ هِيَ مَا يَكُونُ عِنْدَ السُّرُورِ «وَإِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْته» حَمَلْته عَلَى الصَّبْرِ وَدَعَوْت لَهُ بِالْخَيْرِ «وَإِذَا مَاتَ اتَّبَعْت جِنَازَتَهُ» تَشْيِيعًا لَهَا «وَلَا تَسْتَطِلْ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ فَتَحْجُبَ عَنْهُ الرِّيحَ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تُؤْذِهِ بِقُتَارِ» كَهُمَامِ رِيحُ الْبَخُورِ أَوْ الْقِدْرِ أَوْ الْعَظْمِ الْمُحْرَقِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَامُوسِ «رِيحِ قِدْرِك» فَيَتَأَذَّى بِشَمِّ ذَلِكَ «إلَّا أَنْ تُفَرِّقَ لَهُ» إلَّا أَنْ تُهْدِيَ لِلْجَارِ «مِنْهَا» مِنْ الْقِدْرِ «وَإِنْ اشْتَرَيْت فَاكِهَةً فَأَهْدِ لَهُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ» الْهَدِيَّةَ «فَأَدْخِلْهَا سِرًّا» لِئَلَّا يَتَشَوَّقَ وَيَتَأَذَّى «وَلَا تُخْرِجْ بِهَا وَلَدَك لِيَغِيظَ بِهَا وَلَدَهُ» لِفَقْدِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثَةُ أَخْلَاقٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُسْلِمُونَ أَوْلَى بِهَا أَوَّلُهَا أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ اجْتَهَدُوا فِي بِرِّهِ وَالثَّانِي لَوْ كَانَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ حَاجَةٌ لَأَخَذُوا فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَالثَّالِثُ إذَا لَحِقَ بِجَارِهِمْ دَيْنٌ أَوْ أَصَابَهُ جَهْدٌ اجْتَهَدُوا حَتَّى يَقْضُوا دَيْنَهُ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ تِلْكَ الشِّدَّةِ كَمَا عَنْ الْقُنْيَةِ، وَفِي الشِّرْعَةِ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ طَلَبُ الْجَارِ الصَّالِحِ، وَفِي الْحَدِيثِ «الْتَمِسُوا الْجَارَ قَبْلَ شِرَاءِ الدَّارِ وَالرَّفِيقَ قَبْلَ الطَّرِيقِ» .

وَإِكْرَامُ الْجَارِ مِنْ سُنَّةِ الْإِسْلَامِ، وَفِي الْحَدِيثِ حُرْمَةُ الْجَارِ كَحُرْمَةِ الْأُمِّ، وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَوْجَبَ حَقَّ الْجَارِ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَيُوَاسِيهِ بِمَا أَمْكَنَ وَلَا يَبِيتُ شَبْعَانُ وَجَارُهُ جَائِعٌ وَيُشْرِكُهُ فِي فَضْلِ رِزْقِهِ وَلَا يَمْنَعُ مَصَالِحَ الْبَيْتِ كَالْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالنَّارِ وَالْخَمِيرَةِ وَيَغْتَنِمُ مُجَاوَرَةَ الْمُسْلِمِ الصَّالِحِ فَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ لَيَدْفَعُ بِالْمُسْلِمِ الصَّالِحِ عَنْ مِائَةِ أَلْفِ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الْبَلَاءَ وَيَتَحَمَّلُ مِنْ الْجَارِ مَا لَا يَتَحَمَّلُ مِنْ غَيْرِهِ» انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ جُمْلَةَ حَقِّ الْجَارِ أَنْ يَبْدَأَهُ بِالسَّلَامِ وَلَا يُطِيلُ مَعَهُ الْكَلَامَ وَلَا يُكْثِرُ السُّؤَالَ عَنْ حَالِهِ وَيَصْفَحُ عَنْ زَلَّاتِهِ وَلَا يَطَّلِعُ مِنْ السَّطْحِ

ص: 162