الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَحْوِ السَّرِقَةِ وَالْحَرَامِ وَمِنْ نَحْوِ الْغَيْبَةِ وَالْكَذِبِ وَفُحْشِيَّاتِ الْكَلَامِ، وَيُعَلِّمُهُ فَنَاءَ الدُّنْيَا وَزَوَالَهَا وَأَنَّ الْمَوْتَ مُنْتَظَرٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَيُرَغِّبُهُ فِي نَعِيمِ الْجَنَّةِ وَمَا يَدْعُو إلَيْهَا، وَيُخَوِّفُهُ النَّارَ وَمَا يَكُونُ بَاعِثًا إلَيْهَا وَيَقُولُ إنَّ الْجَنَّةَ لِمَنْ كَانَ قَارِئًا وَعَالِمًا وَالنَّارَ لِمَنْ كَانَ جَاهِلًا وَفَاسِقًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ خُلِقَ جَوْهَرَةً قَابِلَةً لِلنَّقْشِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يَمِيلَانِ بِهِ إلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» فَأَكْلُ الْحَرَامِ مَنْشَأٌ لِكَوْنِ الْوَلَدِ شِرِّيرًا فَإِنَّهُمَا عِنْدَ عَدَمِ اجْتِنَابِهِمَا مِنْ الْحَرَامِ يَكُونُ طَبْعُ الْوَلَدِ مَائِلًا إلَى كُلِّ الشَّرِّ، وَفِي هَذَا الزَّمَانِ أَكْثَرُ النَّاسِ شِرِّيرًا وَفَاسِقًا إنَّمَا هُوَ مِنْ حُصُولِهِمْ مِنْ لُقْمَةِ الْحَرَامِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الشِّرْعَةِ وَيُعَلَّمُ الْكِتَابَ إذَا عَقَلَ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَيُعَلَّمُ السِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ وَلَا يَرْزُقُهُ إلَّا طَيِّبًا وَأَنَّ الْوَلَدَ أَمَانَةُ اللَّهِ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا طَاهِرًا مُطَهَّرًا فَيَجْتَهِدُ فِي صِيَانَةِ دِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَيُؤَدِّبُهُ بِآدَابِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْقُرَبِ فَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمُؤَاخَذٌ بِالتَّقْصِيرِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ يُعَلِّمُهُ أَوَّلًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وقَوْله تَعَالَى {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 116] وَيُلَقِّنُهُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآخِرَ سُورَةِ الْحَشْرِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُحَاسِبْهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُعَوِّدُهُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَثَوَابِهِ لِلْوَالِدِ، وَيُسَوِّي بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطَاءِ، وَيُعَاشِرُ الْأَوْلَادَ بِالْمَرْحَمَةِ وَالْعَطْفِ وَاللِّينِ، وَيُقَبِّلُهُمْ عَنْ شَفَقَةٍ وَرَأْفَةٍ وَيُبَاسِطُهُمْ فِي الْكَلَامِ وَاللَّعِبِ الْمُبَاحِ «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْلِعُ لِسَانَهُ لِلْحَسَنِ» فَإِذَا رَأَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ يَهْتَدِي وَلَا يَضِيقُ قَلْبُهُ بِبُكَاءِ الرَّضِيعِ فَإِنَّهُ ذِكْرٌ وَتَهْلِيلٌ وَتَحْمِيدٌ وَاسْتِغْفَارٌ لِوَالِدَيْهِ.
[قَطْعُ الرَّحِمِ]
(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْآفَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ (قَطْعُ الرَّحِمِ) وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ (م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ» أَيْ قَدَّرَ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي عِلْمِهِ السَّابِقِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ وَقْتَ جُهُودِهِمْ «حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُمْ» أَيْ أَتَمَّ قَضَاءَهُمْ وَالْفَرَاغُ تَمْثِيلٌ وَقَوْلُ الْأَكْمَلِ خَلَقَ إنْ كَانَ بِمَعْنَى أَوْجَدَ فَالْفَرَاغُ عَلَى حَقِيقَتِهِ رُدَّ بِأَنَّ الْفَرَاغَ الْحَقِيقِيَّ بَعْدَ الشُّغْلِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ ثُمَّ إنَّ ذَا بَعْدَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِبْرَازِهِمَا لِلْوُجُودِ أَوْ بَعْدَ خَلْقِهِمَا كَتَبَ فِي اللَّوْحِ أَوْ بَعْدَ انْتِهَاءِ خَلْقِ أَرْوَاحِ بَنِي آدَمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172]«قَامَتْ الرَّحِمُ» حَقِيقَةً بِأَنْ تَتَجَسَّدَ وَتَتَكَلَّمَ، وَالْقُدْرَةُ صَالِحَةٌ، أَوْ هُوَ تَمْثِيلٌ وَاسْتِعَارَةٌ إذْ الرَّحِمُ مَعْنًى وَهُوَ الِاتِّصَالُ الْقُرْبِيُّ مِنْ النَّسَبِ فَشُبِّهَتْ بِمَنْ يَحْتَاجُ إلَى الصِّلَةِ فَاسْتَعَاذَتْ مِنْ الْقَطِيعَةِ وَالْمُرَادُ تَفْخِيمُ شَأْنِهَا «فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ» الْحَقْوُ شَدُّ الْإِزَارِ كِنَايَةً عَنْ كَمَالِ التَّذَلُّلِ وَالتَّوَاضُعِ وَالتَّضَرُّعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى خَوْفًا مِنْ الْقَطِيعَةِ كَمَا أَنَّ أَخْذَ حَقْوِ إنْسَانٍ دَالٌّ عَلَى كَمَالِ تَضَرُّعِ الْآخِذِ وَتَذَلُّلِهِ لِأَجْلِ حُصُولِ مُرَادِهِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْمُسْتَجِيرِ أَنْ يَأْخُذَ بِذَيْلِ الْمُسْتَجَارِ بِهِ أَوْ بِطَرَفِ إزَارِهِ وَرُبَّمَا يَأْخُذُ بِحَقْوِ إزَارِهِ تَفْضِيحًا لِأَمْرِهِ وَمُبَالَغَةً وَتَوْكِيدًا فِي الِاسْتِجَارَةِ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يَحْرُسَهُ وَيَذُبَّ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَاصِقٌ بِهِ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِلرَّحِمِ وَاسْتِعَاذَتِهَا بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْقَطِيعَةِ وَهُوَ أَيْضًا مَجَازٌ إدْنَاءً لِلْمَعْنَى الْمَعْقُولِ إلَى الْمِثَالِ الْمَحْسُوسِ الْمُعْتَادِ بَيْنَهُمْ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى فَهْمِهِمْ وَأَمْكَنَ فِي نُفُوسِهِمْ لَا أَنَّ ثَمَّةَ حَقِيقَةَ قِيَامٍ وَصُورَةَ كَلَامٍ كَمَا تَقُولُ أَرَدْت أَنْ أَقْطَعَ مَحَبَّتَك فَقَامَتْ مَحَبَّتُك فَثَبَتَتْ بِقَلْبِي أَوْ الْمُرَادُ بِقِيَامِهَا قِيَامُ مَلَكٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ عَلَى لِسَانِهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّحِمُ مُصَوَّرَةً بِصُورَةٍ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى «فَقَالَ» تَعَالَى لَهَا «مَهْ» أَيْ اُسْكُتِي وَاكْفُفِي عَنْ هَذَا «قَالَتْ» أَيْ الرَّحِمُ مَقَالًا أَوْ حَالًا «هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك» أَيْ مَقَامِي هَذَا مَقَامُ الْمُسْتَجِيرِ بِك «مِنْ الْقَطِيعَةِ» يَعْنِي سَبَبُ عِيَاذِي بِحَقْوِك خَشْيَةَ أَنْ يَقْطَعَنِي أَحَدٌ «قَالَ» تَعَالَى «نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ» خِطَابٌ لِلرَّحِمِ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ لِمَا بَعْدَ
مَا النَّافِيَةِ «أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَك» بِأَنْ أَعْطِفَ وَأُحْسِنَ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَظِيمِ إحْسَانِهِ «وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَك» كِنَايَةٌ عَنْ حِرْمَانِ إنْعَامِهِ «قَالَتْ بَلَى قَالَ» تَعَالَى «فَذَلِكَ» أَيْ الْحُكْمُ السَّابِقُ حَصَلَ «لَكِ»
بِكَسْرِ الْكَافِ فِيهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ بِالْمَالِ وَنَحْوِ عَوْنٍ عَلَى حَاجَةٍ وَدَفْعِ ضُرٍّ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ وَدُعَاءٍ وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ إيصَالُ الْمُمْكِنِ مِنْ خَيْرٍ وَدَفْعُ الْمُمْكِنِ مِنْ شَرٍّ وَهَذَا إنَّمَا يَطَّرِدُ إنْ اسْتَقَامُوا وَإِلَّا، فَإِنْ فَجَرُوا فَقَطِيعَتُهُمْ فِي اللَّهِ صِلَتُهُمْ بِشَرْطِ بَذْلِ الْجَهْدِ فِي وَعْظِهِمْ وَمِنْ ثَمَّةَ قَتَلَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبَاهُ كَافِرًا غَضَبًا لِلَّهِ وَنُصْرَةً لِدِينِهِ « (ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} [محمد: 22] فَهَلْ يُتَوَقَّعُ مِنْكُمْ {إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} [محمد: 22] أُمُورَ النَّاسِ وَتَأَمَّرْتُمْ عَلَيْهِمْ أَوْ أَعْرَضْتُمْ وَتَوَلَّيْتُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22] » وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لِضَعْفِهِمْ فِي الدِّينِ وَحِرْصِهِمْ عَلَى الدُّنْيَا أَحِقَّاءٌ بِأَنْ يَتَوَقَّعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْ عَرَفَ حَالَهُمْ وَيَقُولَ لَهُمْ هَلْ عَسَيْتُمْ {أُولَئِكَ} [محمد: 23] إشَارَةٌ إلَى الْمَذْكُورِينَ {الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [محمد: 23] لِإِفْسَادِهِمْ وَقَطْعِهِمْ الْأَرْحَامَ {فَأَصَمَّهُمْ} [محمد: 23] عَنْ اسْتِمَاعِ الْحَقِّ {وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23] فَلَا يَهْتَدُونَ إلَى سَبِيلِهِ {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [محمد: 24] يَتَفَحَّصُونَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ الْمَوَاعِظِ وَالزَّوَاجِرِ حَتَّى لَا يَجْتَرِئُوا عَلَى الْمَعَاصِي {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] لَا يَصِلُ إلَيْهَا ذِكْرٌ وَلَا يَنْكَشِفُ لَهَا أَمْرٌ أَوْ بِمَعْنَى بَلْ عَلَى قُلُوبٍ أَغْطِيَتُهَا بِشُؤْمِ أَعْمَالِهِمْ أَيْ الْقَبِيحَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَتَدَبَّرُونَهُ وَلَا يَعْتَنُونَهُ (صب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «أَنَّ الرَّحْمَةَ لَا تَنْزِلُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ»
بِنَحْوِ إيذَاءٍ وَهَجْرٍ، أَرَادَ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ يُسَاعِدُونَ عَلَى قَطِيعَتِهَا وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ لِقُوَّةِ جُرْمِهِ يَعُودُ عَلَى جُلَسَائِهِ بِالْحِرْمَانِ، وَالْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ الْمَطَرُ فَيَحْبِسُ عَنْهُمْ الْمَطَرَ بِشُؤْمِ الْمَعَاصِي، وَهَذَا وَعِيدٌ عَظِيمٌ وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُ هَذَا بِمَا إذَا عَلِمُوا فَلَمْ يَمْنَعُوهُ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِحَالِهِ أَنْ لَا يَكُونَ عُذْرًا بَلْ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِنَاءِ أُولَئِكَ الْقَوْمِ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْتَقِدُونَ بَعْضَهُمْ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى طَلَبِ هَجْرِ الْقَاطِعِ فِي الْمَجْلِسِ وَيَنْبَغِي تَرْكُ مُجَاوَرَتِهِ لِمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُرَافِقُ فِي سَفَرِهِ وَنَحْوِهِ قِيلَ ضَعَّفَهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ فِيهِ أَبُو آدَمَ الْمُحَارِبِيُّ وَهُوَ كَذَّابٌ كَذَا فِي الْفَيْضِ (طب عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا بَعْدَ الصُّبْحِ فِي حَلْقَةٍ) مِنْ النَّاسِ (فَقَالَ أُنْشِدُ اللَّهَ) تَعَالَى أَيْ سَأَلْت بِاَللَّهِ تَعَالَى (قَاطِعَ رَحِمٍ) مَفْعُولٌ ثَانٍ (لَمَّا قَامَ عَنَّا) أَيْ إلَّا قَامَ عَنْ مَجْلِسِنَا وَلَمْ يَجْلِسْ مَعَنَا (فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَدْعُوَ رَبَّنَا) بِحَوَائِجِنَا الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ (وَإِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ مُرْتَجَّةٌ) أَيْ مُغْلَقَةٌ (دُونَ قَاطِعِ رَحِمٍ) فَإِذَا دَعَا مَعَنَا
يُرَدُّ دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ وَبِسَبَبِهِ يُرَدُّ دُعَاؤُنَا عَلَيْنَا.
(اعْلَمْ أَنَّ قَطْعَ الرَّحِمِ حَرَامٌ) كَبِيرَةٌ (وَوَصْلُهَا وَاجِبٌ وَمَعْنَاهُ) أَيْ الْوَصْلُ (أَنْ لَا يَنْسَاهَا) أَيْ الرَّحِمَ (وَيَتَفَقَّدَهَا بِالزِّيَارَةِ) وَبِالْوُصُولِ إلَى الْمَنْزِلِ (أَوْ الْإِهْدَاءِ) لَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِ (أَوْ الْإِعَانَةِ بِالْيَدِ أَوْ الْقَوْلِ وَأَقَلُّهُ) أَدْنَاهُ (التَّسْلِيمُ) بِنَفْسِهِ عَلَيْهِ (أَوْ إرْسَالُ السَّلَامِ) إنْ بَعِيدًا (أَوْ الْمَكْتُوبُ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ) وَقْتًا مُعَيَّنًا بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ الْمَأْلُوفُ لَا كَمَا يَقُولُ بَعْضُ أَبْنَاءِ الزَّمَانِ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَفِي الدُّرَرِ صِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ، وَلَوْ بِسَلَامٍ وَهَدِيَّةٍ وَتَحِيَّةٍ، وَهِيَ مُعَاوَنَةُ الْأَقَارِبِ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ وَالتَّلَطُّفُ بِهِمْ وَالْمُجَالَسَةُ لَهُمْ وَالْمُكَالَمَةُ مَعَهُمْ وَيَزُورُ ذَا الْأَرْحَامِ غِبًّا فَإِنَّ ذَلِكَ يُزِيدُ الْفَتَى حُبًّا بَلْ يَزُورُ أَقْرِبَاءَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَتَكُونُ كُلُّ قَبِيلَةٍ وَعَشِيرَةٍ يَدًا وَاحِدَةً فِي التَّنَاصُرِ وَالتَّظَاهُرِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَلَا يَرُدُّ بَعْضُهُمْ حَاجَةَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَطِيعَةِ وَيَنْزِلُ الْعَمُّ وَالْأَخُ وَالْخَالُ مَنْزِلَةَ الْوَالِدِ وَتَنْزِلُ الْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ مَنْزِلَةَ الْأُمِّ فِي التَّوْقِيرِ وَالطَّاعَةِ، وَفِي الْخِدْمَةِ كَمَا فِي الشِّرْعَةِ (وَيَجِبُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) ، وَفِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ اخْتَلَفُوا فِي الرَّحِمِ الَّتِي يَجِبُ صِلَتُهَا قَالَ قَوْمٌ هِيَ قَرَابَةُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ قَرَابَةُ كُلِّ قَرِيبٍ مَحْرَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ لِلصِّلَةِ دَرَجَاتٌ بِاعْتِبَارِ يُسْرِ الْوَاصِلِ أَوْ عُسْرِهِ وَأَدْنَاهُ تَرْكُ الْمُهَاجَرَةِ عَنْ قَرِيبِهِ.
(وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذِي الرَّحِمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَالْخَالِ (وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ جَوَازُ النِّكَاحِ) لِأَنَّهُ أَمَارَةُ التَّقَاطُعِ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ فُرِضَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَكَرًا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى إذْ عِلَّةُ عَدَمِ جَوَازِ النِّكَاحِ وَالْجَمْعِ لُزُومُ قَطْعِ الرَّحِمِ فِي الْجَوَازِ) ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ يُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ إذْ الْمُعَادَاةُ مُعْتَادَةٌ بَيْنَ الضَّرَائِرِ لَعَلَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْوُجُوبِ فَقَطْ فَإِنَّ اسْتِحْبَابَ صِلَةِ الْأَبَاعِدِ مِنْ الْأَقْرِبَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ شَرْعِيَّةُ الْمَعَاقِلِ وَقِيلَ عَنْ الضَّحَّاكِ فِي قَوْله تَعَالَى عز وجل {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39]- إنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ رَحِمَهُ، وَقَدْ بَقِيَ فِي عُمْرِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَيَزِيدُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عُمْرِهِ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَقْطَعُ رَحِمَهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَيَحُطُّ اللَّهُ تَعَالَى إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِي الشِّرْعَةِ فِي الْحَدِيثِ «صِلَةُ الرَّحِمِ تُزِيدُ الْعُمْرَ» ، وَفِي حَدِيثِ الْأَرْبَعِينَ لِابْنِ الْكَمَالِ «الصَّدَقَةُ وَالصِّلَةُ تُعَمِّرَانِ الدِّيَارَ وَتَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ» .
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ بِأَنَّ الْآجَالَ وَاحِدَةٌ وَمُقَدَّرَةٌ لَا تُسْتَأْخَرُ فَأَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ بِثُبُوتِ الْأَجَلِ الْمُعَلَّقِ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِمَا أُظْهِرَ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَكُتِبَ فِي اللَّوْحِ لَا بِمَا فِي عِلْمِهِ تَعَالَى، وَلِذَا أُوِّلَ مِثْلُ ذَلِكَ بِالْبَرَكَةِ فِي الرِّزْقِ وَبَقَاءِ ذِكْرِ الْجَمِيلِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ كَالْحَيَاةِ وَبِأَنَّهُ فِي مَعْنَى لَوْ بُسِطَ فِي أَجَلِ أَحَدٍ بِعَمَلٍ لَبُسِطَ بِالصِّلَةِ وَبِأَنَّهُ يُثَابُ فِي الْعُمْرِ الْقَلِيلِ ثَوَابَ عَمَلِ الْعُمْرِ الْكَثِيرِ، لَكِنْ أُيِّدَ الْأَوَّلُ بِحَدِيثِ الضَّحَّاكِ آنِفًا لَعَلَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ مِنْ غَوَامِضِ عِلْمِ الْكَلَامِ فَغَايَتُهُ مُتَشَابِهٌ وَلَيْسَ لَنَا إلَّا الْعَمَلُ بِالنُّصُوصِ وَالْآثَارِ الصَّحِيحَةِ كَغَايَةِ صِفَاتِهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ، وَقَدْ فَصَّلْت هَذَا الْمَبْحَثَ فِي رِسَالَةٍ فَرْدَةٍ عَلَى حَدِيثِ لَا يُزِيدُ الْعُمْرَ إلَّا الْبِرُّ.
(وَمِنْهَا إيذَاءُ الزَّوْجَةِ) قَوْلًا أَوْ فِعْلًا تَصْرِيحًا أَوْ تَعْرِيضًا وَكِنَايَةً (زَوْجَهَا وَمُخَالَفَتُهَا إيَّاهُ) فِيمَا لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ (وَعَدَمُ رِعَايَةِ حُقُوقِهِ " ت " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ» سِوَى اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا وَأَدَاءً لِحَقِّهِ
«لَأَمَرْت الزَّوْجَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» لِأَنَّهُ غَايَةُ التَّعْظِيمِ وَنِهَايَةُ التَّكْرِيمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ وَضْعَ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ عَلَى أَخَسِّ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ التُّرَابُ، وَفِيهِ بَيَانُ امْتِنَاعِ السَّجْدَةِ لِغَيْرِهِ تَعَالَى، وَتَأْكِيدُ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَعَنْ التَّنْبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَيْهِ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ أَرِنِي شَيْئًا أَزْدَدْ بِهِ يَقِينًا قَالَ مَا تُرِيدُ قَالَ اُدْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ فَلْتَأْتِك قَالَ فَاذْهَبْ فَادْعُهَا فَذَهَبَ فَقَالَ أَجِيبِي إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَالَتْ عَلَى جَانِبٍ مِنْ جَانِبَيْهَا فَقُطِعَتْ عُرُوقُهَا حَتَّى انْتَهَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ حَسْبِي حَسْبِي فَأَمَرَهَا فَرَجَعَتْ فَدَلَّتْ عُرُوقُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ثُمَّ اسْتَوَتْ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ ائْذَنْ لِي أُقَبِّلْ رَأْسَك وَرِجْلَيْك فَأَذِنَ لَهُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ فَقَالَ ائْذَنْ لِي أَسْجُدْ لَك قَالَ لَا يَسْجُدُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ وَلَوْ كُنْت آمِرًا لِأَحَدٍ بِذَلِكَ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» وَالْحَدِيثُ فِي الْجَامِعِ «لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ» قَالَ شَارِحُهُ وَتَتِمَّتُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ «لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةٌ تَنْبَجِسُ مِنْ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحَسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ» ، ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ قِصَّةٌ «كَانَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ جَمَلٌ اُسْتُصْعِبَ عَلَيْهِمْ فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ فَأَخْبَرُوهُ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّ الزَّرْعَ وَالنَّخْلَ عَطِشَ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام قُومُوا فَدَخَلَ الْحَائِطَ وَالْجَمَلُ فِي نَاحِيَتِهِ فَقَالُوا قَدْ صَارَ كَالْكَلْبِ الْكَلْبُ يَخَافُ عَلَيْك صَوْلَتَهُ قَالَ لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ فَلَمَّا نَظَرَ الْجَمَلُ إلَيْهِ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَخَذَ نَاصِيَتَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ فَقَالُوا هَذَا بَهِيمَةٌ لَا يَعْقِلُ يَسْجُدُ لَك وَنَحْنُ نَعْقِلُ فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَك قَالَ لَا يَصِحُّ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَوْ صَحَّ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةً تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحَسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ انْتَهَى (خ م عَنْهُ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (مَرْفُوعًا «إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ إلَيْهِ» إلَى فِرَاشِهِ بِلَا عُذْرٍ كَالْحَيْضِ وَالْمَرَضِ وَالصَّوْمِ «فَبَاتَ غَضْبَانَ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِطَاعَةِ زَوْجِهَا، وَعَنْ النَّوَوِيِّ لَيْسَ الْحَيْضُ عُذْرًا فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الْفِرَاشِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فَوْقَ الْإِزَارِ، وَفِيهِ أَنَّ سُخْطَ الزَّوْجِ يُوجِبُ سُخْطَ الرَّبِّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَإِنَّمَا غَيَّا بِالصَّبَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْهَا بَعْدَ الصَّبَاحِ لِحُدُوثِ الْمَانِعِ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ فِيهِ غَالِبًا (زحك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا) الْأَقْيَسُ إلَى مَا قَبْلَهُ أَنْ يَقُولَ عَنْهُ بِالضَّمِيرِ «مِنْ حَقِّهِ» أَيْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ «أَنْ لَوْ سَالَ مَنْخَرَاهُ» ثُقْبَا أَنْفِ الزَّوْجِ «دَمًا وَقَيْحًا» تَمْيِيزَانِ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ «فَلَحَسَتْهُ بِلِسَانِهَا» اللَّحْسُ اللَّعْقُ «مَا أَدَّتْ حَقَّهُ» ، وَفِي الْحَدِيثِ أَوَّلُ مَا تُسْأَلُ عَنْهُ الْمَرْأَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ صَلَاتِهَا، ثُمَّ عَنْ حَقِّ زَوْجِهَا، وَفِي الْخَبَرِ أَنَّ «الْمَرْأَةَ إذَا صَلَّتْ وَلَمْ تَدْعُ لِزَوْجِهَا رُدَّتْ صَلَاتُهَا حَتَّى تَدْعُوَ لَهُ» .
(طب عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا «حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا تَصُومَ تَطَوُّعًا» لَعَلَّ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ سِمَنِهَا التَّابِعِ لَهُ جَمَالُهَا أَوْ لِاقْتِضَاءِ الْقُرْبَانِ فِي النَّهَارِ أَوْ لِإِيرَاثِ ضَعْفٍ مَانِعٍ مِنْ الْخِدْمَةِ اللَّائِقَةِ بِهَا «إلَّا بِإِذْنِهِ» ؛ لِأَنَّ إطَاعَةَ الزَّوْجِ وَاجِبَةٌ وَالتَّطَوُّعَ نَفْلٌ وَالْوُجُوبَ مُرَجَّحٌ عَلَى النَّفْلِ «فَإِنْ فَعَلَتْ جَاعَتْ وَعَطِشَتْ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا» وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ نَفْلًا بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ وَأَمَّا قَضَاءٌ أَوْ كَفَّارَةٌ فَجَائِزٌ «وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ» سِوَى الْمُسْتَثْنَيَاتِ السَّابِقَةِ «فَإِنْ فَعَلَتْ لَعَنَتْهَا مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ» مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، أَوْ هُمْ فِي غَيْرِ السَّمَاءِ، وَكَذَا قَوْلُهُ «وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى تَرْجِعَ.» اعْلَمْ أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُطِيعَ زَوْجَهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ) لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ بُضْعَهَا بِمُقَابَلَةِ الْمَهْرِ مِنْ قِبَلِهِ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ (مَتَى شَاءَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَلَا تُمَكِّنْهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ تَحْتَ الْإِزَارِ) أَيْ قُرْبَانَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِدُونِ وَطْءٍ فِيمَا يُدَانِيهِ وَرُبَّمَا يُوقِعُ فِيهِ فَيَحْرُمُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَجْتَنِبُ مَوْضِعَ الدَّمِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ حُرْمَتُهُ دُونَ حُرْمَةِ مَا سِوَاهُ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَا فِي الْجَامِعِ عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ إذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا يَعْنِي مُبَاشَرَةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَالْمُفَاخَذَةِ أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْفَرْجُ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَجَّحَهُ النَّوَوِيّ وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَحَمَلُوا مَا فِي الْجَامِعِ أَيْضًا " كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ " عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لَيْسَ فِي الثَّانِي مَا يَقْتَضِي مَنْعَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ كَذَا فِي الْفَيْضِ (وَ) يَجِبُ (عَلَيْهَا خِدْمَةُ دَاخِلِ الْبَيْتِ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ، وَقَدْ يَخُصُّ (دِيَانَةً) لَا قَضَاءً فَإِنَّهَا تُؤْجَرُ بِالْفِعْلِ (مِنْ الطَّبْخِ وَالْكَنْسِ وَالْغَسْلِ) لِلْأَوَانِي وَالثِّيَابِ (وَالْخَبْزِ، وَلَوْ لَمْ تَفْعَلْ أَثِمَتْ) ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ هَكَذَا» (وَلَكِنْ لَا تُجْبَرُ عَلَيْهَا قَضَاءً) لَكِنْ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ الْمَنْكُوحَةُ أَوْ الْمُعْتَدَّةُ أَبَتْ الْخَبْزَ وَالطَّبْخَ إنْ بِهَا عِلَّةٌ أَوْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ يَأْتِ الزَّوْجُ بِمَنْ يَطْبُخُ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَخْدُمُ بِنَفْسِهَا تُجْبَرُ عَلَيْهَا وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ النِّكَاحَ نَوْعُ رِقٍّ فَعَلَيْهَا طَاعَةُ الزَّوْجِ مُطْلَقًا وَتَخْدُمُهُ فِيمَا تُعُورِفَ فِي دَاخِلِ الْبَيْتِ وَلَا تُعْطِي شَيْئًا مِنْ بَيْتِهِ بِدُونِ إذْنِهِ وَأَهَمُّ الْحُقُوقِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا السِّرُّ وَالصِّيَانَةُ، وَالْآخَرُ تَرْكُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا وَرَاءَ الْحَاجَةِ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ حَرَامًا وَكَانَتْ امْرَأَةُ السَّلَفِ أَوْ ابْنَتُهُ تَقُولُ لِزَوْجِهَا إيَّاكَ وَكَسْبَ الْحَرَامِ فَإِنَّا نَصْبِرُ عَلَى الْجُوعِ وَلَا نَصْبِرُ عَلَى النَّارِ وَلَا تُفَرِّطْ فِي بَذْلِ مَالِهِ، فَإِنْ أَطْعَمَتْ عَنْ رِضًا كَانَ لَهَا مِثْلُ أَجْرِهِ وَإِلَّا كَانَ لَهُ الْأَجْرُ وَعَلَيْهَا الْوِزْرُ.
رُوِيَ أَنَّ السَّمَاءَ بِنْتَ خَارِجَةَ قَالَتْ لِابْنَتِهَا عِنْدَ التَّزْوِيجِ إنَّك خَرَجْت مِنْ الْعُشِّ الَّذِي مِنْهُ دَرَجْت وَصِرْت إلَى فِرَاشٍ لَا تَعْرِفِيهِ وَقَرِينٍ لَمْ تَأْلَفِيهِ فَكُونِي لَهُ أَرْضًا يَكُنْ لَكِ سَمَاءً، وَكُونِي لَهُ مِهَادًا يَكُنْ لَك عِمَادًا، وَكُونِي لَهُ أَمَةً يَكُنْ لَك عَبْدًا، لَا تُلْحِفِي بِهِ فَيَقْلَاكِ وَلَا تُبَاعِدِي عَنْهُ فَيَنْسَاك، إنْ دَنَا فَاقْرُبِي مِنْهُ، وَإِنْ نَأَى فَابْعُدِي عَنْهُ، وَاحْفَظِي أَنْفَهُ وَسَمْعَهُ وَعَيْنَهُ لَا يَشُمُّ مِنْك إلَّا طَيِّبًا وَلَا يَسْمَعُ إلَّا حَسَنًا وَلَا يَنْظُرُ إلَّا جَمِيلًا، وَالْقَوْلُ الْجَامِعُ أَنْ تَكُونَ قَاعِدَةً فِي بَيْتِهَا لَازِمَةً لِمِغْزَلِهَا قَلِيلَةَ الْكَلَامِ لِجِيرَانِهَا هِمَّتُهَا صَلَاحُ شَأْنِهَا وَتَدْبِيرُ بَيْتِهَا مُقْبِلَةً عَلَى صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَتَكُونَ قَانِعَةً مِنْ زَوْجِهَا بِمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَمُقَدِّمَةً حَقَّهُ عَلَى حَقِّ نَفْسِهَا وَحَقِّ سَائِرِ أَقَارِبِهَا مُتَنَظِّفَةً فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا لِيَسْتَمْتِعَ بِهَا إنْ شَاءَ كَذَا فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ.
(وَمِنْهَا الْعَكْسُ) أَيْ إيذَاءُ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا (د عَنْ «حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ
زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ أَنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمْت» وُجُوبًا فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَنَدْبًا فِي الزِّيَادَةِ «وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْت وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ» عِنْدَ اقْتِضَاءِ التَّأْدِيبِ الشَّرْعِيِّ بِذَنْبٍ فَلَا يُضْرَبُ أَصْلًا بِدُونِ ذَنْبٍ فِي الْبَزَّازِيِّ وَيَضْرِبُهَا إذَا شَتَمَتْ الزَّوْجَ، وَعَنْ النِّهَايَةِ إنَّمَا يَضْرِبُهَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ لَا لِمَا يَعُودُ إلَيْهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَضْرِبُهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ ابْنَهُ لَكِنْ فِي النِّصَابِ يَضْرِبُهَا لِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُنْقِصُ جَمَالًا، وَفِي الْحَاشِيَةِ لَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا إذَا كَانَتْ الزِّينَةُ مَمْلُوكَةً لَهَا لَا دَخْلَ لِلزَّوْجِ فِيهَا (وَلَا تُقَبَّحُ) أَيْ وَلَا تَشْتُمْهَا وَلَا تَقُلْ لَهَا قَبِيحًا أَوْ لَا تَقُلْ لَهَا قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَك وَلَا تَنْسُبْهَا إلَى الْقُبْحِ أَوْ لَا تُظْهِرْ قَبَائِحَهَا وَمَعَايِبَهَا بِالتَّوْبِيخِ وَالتَّعْيِيرِ (وَلَا تَهْجُرْ) عِنْدَ غَضَبِك عَلَيْهَا (إلَّا فِي الْبَيْتِ) بِافْتِرَاقِ الْفِرَاشِ وَلَا تَخْرُجْ مِنْ الْبَيْتِ وَلَا تَتْرُكْهَا فِي الْبَيْتِ الْخَالِي فَإِنَّهَا رُبَّمَا تَخَافُ فِي الْبَيْتِ الْخَالِي وَرُبَّمَا يَقْصِدُهَا رَجُلٌ بِسُوءٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
(قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ خَمْسَةٌ أَنْ يَخْدُمَهَا مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ) يَعْنِي يَفْعَلُ الزَّوْجُ خِدْمَتَهَا الْمُتَعَلِّقَةَ بِخَارِجِ الْبَيْتِ (وَلَا يَدَعَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ السِّتْرِ) مِنْ الْبَيْتِ (فَإِنَّهَا عَوْرَةٌ وَخُرُوجُهَا إثْمٌ وَتَرْكٌ لِلْمُرُوءَةِ) وَعَدَّ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَضْرِبُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ فِيهَا الْخُرُوجُ مِنْ الْبَيْتِ، وَعَنْ الْقُنْيَةِ يَضْرِبُ أَيْضًا إنْ ضَرَبَتْ جَارِيَةَ الزَّوْجِ غَيْرَةً، وَأَيْضًا يَضْرِبُهَا فِي شَتْمِهَا إيَّاهُ أَوْ الْأَجْنَبِيَّ أَوْ كَشَفَتْ وَجْهَهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ كَلَّمَتْهُ أَوْ أَعْطَتْ مِنْ بَيْتِهِ زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ شَيْءٍ لَزِمَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ لَكِنْ يَحْتَرِزُ عَنْ الْإِفْرَاطِ وَإِلَّا يَلْزَمُ عَلَى الزَّوْجِ التَّعْزِيرُ.
(وَأَنْ يُعَلِّمَهَا مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَمَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ) كَأَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، فَإِنْ عَلَّمَ الزَّوْجُ فَبِهَا وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْإِذْنُ بِالْخُرُوجِ لِأَجْلِ التَّعَلُّمِ وَإِلَّا يَأْثَمُ وَتَخْرُجُ بِلَا إذْنِهِ إذَا وَقَعَتْ نَازِلَةٌ (وَأَنْ يُطْعِمَهَا مِنْ الْحَلَالِ وَأَنْ لَا يَظْلِمَهَا) بِتَكْلِيفِ مَصَالِحَ خَارِجِ الْبَيْتِ مَثَلًا (وَأَنْ يَتَحَمَّلَ تَطَاوُلَهَا) بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ عَلَيْهِ (نَصِيحَةً لَهَا) وَذُكِرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَشْكُو مِنْ زَوْجَتِهِ فَلَمَّا بَلَغَ بَابَهُ سَمِعَ امْرَأَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ تَطَاوَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ الرَّجُلُ