الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] وَلَمَّا بَيَّنَ مَذْمُومِيَّةَ الْوَسْوَسَةِ فِي الشَّرْعِ وَآفَاتِهَا
[النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي عِلَاجِ الْوَسْوَسَةِ]
وَلَزِمَ بَيَانُ عِلَاجِهَا لِيُمْكِنَ الِاحْتِرَازُ لِلسَّالِكِ وَيَتَحَقَّقَ فِيهِ التَّقْوَى وَيَحْصُلَ لَهُ الْآثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهَا وَضَعَ لِذَلِكَ نَوْعًا ثَالِثًا فَقَالَ.
(النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي عِلَاجِ الْوَسْوَسَةِ) فِي نَفْسِ السَّالِكِ (وَطَرِيقُ التَّوَقِّي عَنْهَا) قِيلَ: وَيُسَمَّى هَذَا حِفْظَ الصِّحَّةِ (لِمَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْهَا) وَالْخَوْفُ عَلَيْهِ إمَّا (بِالِاسْتِعْدَادِ الطَّبِيعِيِّ) مِنْهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي طَبْعِهِ اسْتِقَامَةٌ بَلْ زَيْغٌ وَانْحِرَافٌ بِحَسَبِ الْخِلْقَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْجِبِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ (وَبِمُقَارَنَةِ أَصْحَابِ الْوَسْوَسَةِ وَتَوَهُّمِهَا خَيْرًا وَوَرَعًا وَتَقْوَى) فَإِنَّ فِيهَا تَأْثِيرًا قَوِيًّا كَمَا سَبَقَ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «اُنْظُرْ مَنْ تُخَالِلُ» .
وَقِيلَ وَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي (اعْلَمْ أَنَّ عِلَاجَهَا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَأَنْ تَعْرِفَ الْآفَاتِ) السَّبْعَ (السَّابِقَةَ وَتُكَرِّرُ مُلَاحَظَتَهَا) وَهِيَ التَّكَبُّرُ وَسُوءُ الظَّنِّ وَالتَّأْدِيَةُ إلَى مَكْرُوهٍ وَالْإِفْضَاءُ إلَى تَأْخِيرِ مَا يَجِبُ أَوْ إلَى تَرْكِهِ وَإِسْرَافُ الْمَاءِ وَتَرْكُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَضُحْكَةُ الشَّيْطَانِ وَمَسْخَرِيَّتُهُ وَاسْتُشْهِدَ عَلَى أَنَّ لِلْعِلْمِ أَثَرًا فِي عِلَاجِهَا فَقَالَ (قش عَنْ عَطَاءِ الرُّوذَبَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ كَانَ فِي) بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ (اسْتِقْصَاءٌ) طَلَبُ الْقُصْوَى الظَّاهِرُ كِنَايَةٌ عَنْ زِيَادَةِ قَدْرِ السُّنَّةِ وَإِلَّا فَقُصْوَى الشَّيْءِ كَمَالُهُ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالسُّنَّةِ (فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَضَاقَ صَدْرِي لَيْلَةً لِكَثْرَةِ مَا صَبَبْت مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يَسْكُنْ قَلْبِي) مِنْ الْمُضَايَقَةِ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ تِلْكَ الْقُصْوَى.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ عَدَمِ السُّكُونِ لِلتَّحَيُّرِ وَالْإِضْرَابِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْقُصْوَى لِلْوَسْوَسَةِ وَعَلَى الْإِحْجَامِ لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ الْوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ (فَقُلْت يَا رَبِّ عَفْوَك عَفْوَك) أَيْ أَسْأَلُ عَفْوَك وَالتَّكْرِيرُ لِكَوْنِ الْمَقَامِ مَقَامَ تَضَرُّعٍ وَأَنَّهُ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ فِي عَمَلِي عَلَى مُوجِبِ الْوَسْوَسَةِ مِنْ كَثْرَةِ الصَّبِّ عَلَى قَدْرِ السُّنَّةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِشْهَادِ؛ إذْ اسْتِغْفَارُهُ مِنْ ذَلِكَ الصَّبِّ يُقْتَضَى كَوْنَهُ إسَاءَةً بَلْ مَعْصِيَةً (فَسَمِعْت هَاتِفًا) صَوْتًا مِنْ الْغَيْبِ (يَقُولُ: الْعَفْوُ فِي الْعِلْمِ) يَعْنِي: الْعَفْوُ دَائِرٌ عَلَى عِلْمِ كَوْنِ الِاسْتِقْصَاءِ وَسْوَسَةً أَوْ إنْ عَلِمْت كَوْنَهُ وَسْوَسَةً فَاَللَّهُ يَعْفُو عَنْك فَعَلِمْت أَنَّ هَذِهِ وَسْوَسَةٌ (فَزَالَ عَنِّي ذَلِكَ) الِاسْتِقْصَاءُ وَالضِّيقُ وَحَصَلَ لِي السُّكُونُ وَانْدَفَعَ عَنْ قَلْبِي الْوَسْوَسَةُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَاصِلَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْهَاتِفِ، وَذَا لَيْسَ مِنْ الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ أَصْلًا غَايَتُهُ الْإِلْهَامُ، وَالْإِلْهَامُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمَعْرِفَةِ كَمَا سَبَقَ غَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ ابْتِدَاءً بَلْ فِي تَأْيِيدِ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ فَافْهَمْ (وَأَنْ تَعْرِفَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَأَنْ تَعْرِفَ (أَنَّ الِاحْتِيَاطَ وَالْوَرَعَ وَالتَّقْوَى بَلْ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ) إنَّمَا هُوَ (فِي الِاقْتِدَاءِ) فِيمَا لَيْسَ مِنْ خَوَاصِّهِ أَوْ بِطَرِيقِ ذِلَّةٍ كَمَا سَبَقَ (بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إذْ مَا يُقْتَدَى بِهِ إمَّا سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ مُبَاحٌ كَمَا فِي الْأُصُولِ (وَأَصْحَابِهِ وَالْمُجْتَهِدِينَ) وَقِيلَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ النَّبِيِّ، وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ لَكِنَّ الْمُقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّهُ عِنْدَ تَعَارُضِ الْحَدِيثِ مَعَ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِينَ يُرَجَّحُ جَانِبُ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا مَرَّ
وَأَنْ تَعْرِفَ مُسَاهَلَتَهُمْ (فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ) بِعَدَمِ الِاسْتِقْصَاءِ بَلْ بِالتَّخْفِيفِ (وَعَدَمِ دِقَّتِهِمْ فِيهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ (وَ) أَنْ تَعْرِفَ (أَفْعَالَهُمْ وَأَقْوَالَهُمْ وَفَتَاوِيَهُمْ فِي الرُّخْصَةِ وَالسَّعَةِ) الْمُؤْذِنِ بِهِمَا حَدِيثُ «بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ» (وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا) فِي الصِّنْفِ الثَّانِي (وَأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْعِبَادَةِ) الظَّاهِرَ مِنْ الْعِبَادَةِ الظَّاهِرَةِ، وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ مُطْلَقِ الْعِبَادَةِ هُوَ الْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ كَمَا فَسَرُّوا قَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة: 5](تَطْهِيرُ الْقَلْبِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ) وَالْمَلَكَاتِ الرَّذِيلَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِتَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ كَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَسَائِرِ مُهْلِكَاتِ الْأَعْمَالِ لَعَلَّ فِي الْكَلَامِ مُسَامَحَةً؛ إذْ الْمُرَادُ كَوْنُ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ فِي الْعِبَادَاتِ قَرِينَةً عَلَى تَخْلِيَةِ تِلْكَ الذَّمِيمَةِ (وَتَحْلِيَتُهُ بِالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ) بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِعِبَادَتَيْنِ ابْتِدَاءً وَأَصَالَةً بَلْ كَوْنُهُمَا عِبَادَةً إمَّا لِكَوْنِهِمَا دَاعِيَتَيْنِ إلَى الْعِبَادَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ لِتَسَبُّبِهَا إيَّاهَا، وَإِلَّا فَهُمَا لَيْسَتَا مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَالْعِبَادَةُ إنَّمَا تَكُونُ بِتِلْكَ الْأَفْعَالِ بَلْ لَعَلَّك قَدْ سَمِعْت سَابِقًا فَافْهَمْ (فَلِذَا) لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ التَّطْهِيرَ وَالتَّخْلِيَةَ الْمَذْكُورَتَيْنِ (كَانَ دِقَّةُ السَّلَفِ) كَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِمْ (فِيهِ) أَيْ فِيهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ مُطَابَقَةً وَالْآخَرِ الْتِزَامًا لَكِنْ يَشْكُلُ بِعَدَمِ اهْتِمَامِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ، وَالِاحْتِجَاجُ وَلُزُومُ الِاتِّبَاعِ وَالْوُقُوفُ عَلَى نَفْسِ الْأَمْرِ إنَّمَا هُوَ بِآرَائِهِمْ، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ وَنَظَرُهُمْ مُخْتَصٌّ بِذَلِكَ وَلِذَا تَرَاهُمْ إنَّمَا يَبْحَثُونَ عَنْهُ كَالطُّفَيْلِيِّ وَالنَّبْعِيِّ (وَفِي الِاحْتِرَازِ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَ) حُقُوقِ (الْحَيَوَانَاتِ) إمَّا عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ أَوْ عَطْفُ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ الْعِبَادِ هُوَ الْإِنْسَانُ مَجَازًا أَوْ الْحَيَوَانُ سَائِرُهُ مَجَازًا أَيْضًا أَوْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً دُخُولُ ذَلِكَ تَحْتَ تَفْرِيعِ قَوْلِهِ: فَلِذَا كَانَ فِيهِ خَفَاءٌ لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مِنْ قَبِيلِ " عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا " أَوْ يَدَّعِي ابْتِدَاءَ كَلَامٍ وَاسْتِقْلَالَ مَرَامٍ فَافْهَمْ.
ثُمَّ ظَاهِرُهُ عَدَمُ اهْتِمَامِهِمْ فِي حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - مُطْلَقًا كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَأَيْضًا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ كَوْنَ الِاهْتِمَامِ كُلِّيًّا مُشَكِّكًا وَيَدَّعِيَ قُوَّتَهُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ حَدِيثِ نِصْفِ الدَّانِقِ فِيمَا مَرَّ وَأَيْضًا فِي تَذْكِرَةِ الْقُرْطُبِيِّ عَنْ الْقُشَيْرِيِّ يُقَالُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ ثَوَابُ سَبْعِينَ نَبِيًّا وَلَهُ خَصْمٌ بِنِصْفِ دَانِقٍ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرْضَى خَصْمُهُ قِيلَ يُؤْخَذُ بِدَانِقٍ قِسْطُ سَبْعِمِائَةِ صَلَاةٍ مَقْبُولَةٍ، وَتُعْطَى لِلْخَصْمِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ: لَوْ حَاسَبْتَ نَفْسَك وَأَنْتَ مُوَاظِبٌ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ لَعَلِمْت أَنَّهُ لَا يَنْقَضِي عَلَيْك يَوْمٌ إلَّا وَيَجْرِي عَلَى لِسَانِك مِنْ غِيبَةِ الْمُسْلِمِينَ مَا يُسَاوِي جَمِيعَ حَسَنَاتِك فَكَيْفَ بِبَقِيَّةِ السَّيِّئَاتِ مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَالتَّقْصِيرِ فِي الطَّاعَاتِ وَكَيْفَ تَرْجُو الْخَلَاصَ مِنْ الْمَظَالِمِ فِي يَوْمٍ يُقْتَصُّ فِيهِ لِلْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاءِ انْتَهَى (، وَفِي حِفْظِ اللِّسَانِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ) كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْءَ إذَا عَلِمَ آفَاتِ الْوَسْوَسَةِ ثُمَّ تَيَقَّنَ كَوْنَ أَمْرِ الطَّهَارَةِ عَلَى الرُّخْصَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَتَنَبَّهَ أَنَّ الدِّقَّةَ فِيهَا مُخَالَفَةٌ عَلَى مَنْ يَجِبُ اقْتِدَاؤُهُمْ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ ضَلَالٌ كَفَّتْ عَنْهُ يَدُ التَّوْفِيقِ سِهَامَ الْوَسْوَسَةِ عِنْدَ مُلَاحَظَةِ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْعِلَاجُ بِالْعِلْمِ (وَأَمَّا الْعَمَلُ فَأَنْ يُدَاوِمَ عَلَى الْعَمَلِ بِالْأَقْوَالِ الَّتِي فِيهَا رُخْصَةٌ وَسَعَةٌ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَلَوْ كَانَتْ مَرْجُوحَةً بَعْدُ إنْ لَمْ تَكُنْ مَهْجُورَةً) ؛ إذْ الْمَهْجُورُ كَالْمَعْدُومِ كَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ ارْتِكَابِ الضَّرَرِ الْيَسِيرِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الضَّرَرِ الْكَثِيرِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ ارْتِكَابِ الضَّرَرِ الْجُزْئِيِّ لِلْوَصْلَةِ إلَى النَّفْعِ الْكُلِّيِّ (إلَى أَنْ تَزُولَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَأَنْ يُدَاوِمَ (عَنْهُ الْوَسْوَسَةُ ثُمَّ) إذَا
زَالَتْ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ (يَعُودُ إلَى الِاقْتِصَادِ) ؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ ذَلِكَ الْمَرْجُوحِ إنَّمَا هُوَ لِمَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْمَمْنُوعُ كَمَا قِيلَ الضَّرُورَةُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ «وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ» ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «فَإِنَّ الْمُنْبِتَ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا» (وَالْعَمَلِ بِالْأَقْوَى) مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْمَذَاهِبِ (إذْ الْأَمْرَاضُ تُدَاوَى بِالْأَضْدَادِ) ؛ لِأَنَّ الدِّقَّةَ فِيهَا جَانِبُ الْإِفْرَاطِ، وَالْأَقْوَالُ الْمَرْجُوحَةُ جَانِبُ التَّفْرِيطِ، وَالْأَقْوَالُ الْقَوِيَّةُ جَانِبُ الِاقْتِصَادِ كَمَا فِي حَدِيثِ:«خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا» وَأَيَّدَ مَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ (رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الزُّهَّادِ أَنَّهُ قَالَ اعْتَرَانِي) أَيْ نَزَلَ بِي (وَسْوَسَةٌ وَكُنْت أَغْسِلُ) مُنْذُ زَمَانٍ كَثِيرٍ عَلَى أَيِّ حُكْمٍ كَانَ الِاسْتِمْرَارُ (مِنْ ثَوْبِي كُلَّ مَا أَصَابَ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ فَخَرَجْت يَوْمًا إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَصَابَ ثَوْبِي شَيْءٌ مِنْ طِينِ الطَّرِيقِ فَإِنْ ذَهَبَتْ إلَى غُسْلِهِ تَفُوتُ عَنِّي صَلَاةُ الْفَجْرِ بِالْجَمَاعَةِ) لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِاقْتِضَاءِ مُدَّةٍ كَثِيرَةٍ لِكَثْرَةِ الطِّينِ (فَلَمَّا هَمَمْتُ إلَى غَسْلِهِ هَدَانِي اللَّهُ - تَعَالَى، فَأَلْقَى فِي قَلْبِي أَنْ تَمَرَّغْ فِي الطِّينِ) لِلتَّلَطُّخِ الْكَثِيرِ لِتَذْهَبَ الْوَسْوَسَةُ (ثُمَّ صَلِّ مَعَ الْجَمَاعَةِ بِلَا غَسْلٍ فَفَعَلْت فَزَالَتْ عَنِّي الْوَسْوَسَةُ) وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَأْخُوذَةَ مِمَّنْ يَحْسُنُ بِهِمْ الظَّنُّ مِنْ الْعِلْمِ وَالرَّغْبَةِ وَالثِّقَةِ مَقْبُولٌ فِي مَقَامِ الظَّنِّيَّاتِ فِي مَقَامِ التَّرْغِيبِ وَالتَّنْفِيرِ (وَمِنْ الْأَعْمَالِ الْمُزِيلَةِ لِبَعْضِ الْوَسْوَسَةِ نَضْحُ الْمَاءِ عَلَى فَرْجِهِ) أَيْ رَشُّهُ (بَعْدَ الْوُضُوءِ فَإِذَا أَحَسَّ بَلَلًا) فِي إزَارِهِ أَوْ ثَوْبِهِ (حَمَلَهُ عَلَيْهِ) إنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ كَوْنُهُ بَوْلًا يَعْنِي يُحْمَلُ مَا يَكُونُ فِي الشَّكِّ بَلْ الظَّنِّ الْمُجَرَّدِ كَمَا عَرَفْت قَرِيبًا (ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ جَاءَنِي جَبْرَائِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ «إذَا تَوَضَّأْت فَانْضَحْ) الْمَاءَ عَلَى فَرْجِك حَتَّى تَزُولَ وَسْوَسَتُك» لَعَلَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ تَعْلِيمِ أُمَّتِهِ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ لَيْسَ فِيهِ شَيْطَانٌ بَلْ لَوْ فُرِضَ شَيْطَانٌ لَهُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُوَسْوِسُ بَلْ الْحِكْمَةُ مِنْ إسْلَامِهِ عَدَمُ تِلْكَ الْوَسْوَسَةِ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ عَلَى قَاعِدَتِنَا لَكِنْ يَشْكُلُ بِقِصَّةِ مَنَامِ الْخَلِيلِ فِي ذَبْحِ ابْنِهِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَلْ قَدْ تَسْمَعُ ذَلِكَ فِي حَقِّ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام فَتَأَمَّلْ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُزِيلَةِ لِلْوَسْوَسَةِ (أَنْ لَا يَبُولَ فِي الْمُغْتَسَلِ) مَكَانَ الِاغْتِسَالِ
(س ت. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عليه الصلاة والسلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ