الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ وَالْإِبَاحَةُ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ] [
الْأَوَّلُ الْمِزَاحُ]
(الْمَبْحَثُ الثَّانِي) مِنْ السِّتَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِآفَاتِ اللِّسَانِ (فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ) وَالْإِبَاحَةُ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ (مِنْ الْعَادَاتِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا نِظَامُ الْمَعَاشِ وَهُوَ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ الْمِزَاحُ) بِالضَّمِّ اسْمُ الْمَزْحِ بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الزَّاي وَبِالْكَسْرِ مَصْدَرُ مَازَحَهُ (ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ لَتُدَاعِبُنَا» مِنْ الْمُدَاعَبَةِ وَهِيَ الْمُمَازَحَةُ أَيْ لَتُمَازِحُنَا مُرَادُهُمْ الِاسْتِفْسَارُ عَنْ جَوَازِ الْمِزَاحِ (قَالَ «إنِّي لَا أَقُولُ إلَّا حَقًّا» فَيَجُوزُ الْمِزَاحُ لَنَا لِأَنَّ قَوْلَهُ وَفِعْلَهُ حُجَّةٌ لَنَا مَا لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ مِنْ خَوَاصِّهِ بِدَلِيلٍ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الِاقْتِدَاء وَالْحَدِيثُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ «إنِّي وَإِنْ دَاعَبْتُكُمْ لَاطَفْتُكُمْ بِالْقَوْلِ فَلَا أَقُولُ إلَّا حَقًّا» قَالَ شَارِحُهُ وَالْمُدَاعَبَةُ مَطْلُوبَةٌ مَحْبُوبَةٌ لَكِنْ فِي مَوَاطِنَ مَخْصُوصَةٍ فَلَيْسَ كُلُّ آنٍ يَصْلُحُ الْمِزَاحُ وَلَا فِي كُلِّ وَقْتٍ يَحْسُنُ الْجِدُّ فَكَوْنُهُ مَحْمُودًا هُوَ الِاقْتِصَادُ لِأَنَّ الْإِفْرَاطَ يُذْهِبُ الْبَهَاءَ وَتَرْكُهُ يَقْبِضُ الْمُؤَانِسَ وَيُوحِشُ الْمُخَالِطَ لَكِنَّ الِاقْتِصَادَ فِيهِ صَعْبٌ جِدًّا لَا يَكَادُ يُوقَفُ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ تَحَرَّجَ عَنْهُ أَكْثَرُ الْحُكَمَاءِ حَيْثُ قِيلَ الْمِزَاحُ مَسْلَبَةٌ لِلْبَهَاءِ مَقْطَعَةٌ لِلْإِخَاءِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «إنِّي لَأَمْزَحُ» بِالْقَوْلِ وَكَذَا بِالْفِعْلِ وَتَخْصِيصُهُ بِالْأَوَّلِ لَيْسَ بِمُعَوَّلٍ عَلَيْهِ «وَلَا أَقُولُ إلَّا حَقًّا» لِعِصْمَتِي مِنْ الزَّلَلِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ «زَوْجُك الَّذِي فِي عَيْنِهِ بَيَاضٌ» وَقَوْلُهُ لِأُخْرَى «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ» وَقَوْلُهُ لِآخَرَ «لَأَحْمِلكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» وَقِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ الْمِزَاحُ سَيِّئَةٌ فَقَالَ بَلْ سُنَّةٌ وَلَكِنْ لِمَنْ يُحْسِنُهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَمْزَحُ لِأَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِالتَّأَسِّي بِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ فَلَوْ تَرَكَ اللَّطَافَةَ وَالْبَشَاشَةَ وَلَزِمَ الْعُبُوسَ لَأَخَذَ النَّاسُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى مَا فِي مُخَالَفَةِ الْغَرِيزَةِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْعَنَاءِ فَمَزَحَ لِيَمْزَحُوا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْعَاقِلُ يَتَوَخَّى بِمِزَاحِهِ أَحَدَ حَالَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا أَحَدُهُمَا إينَاسُ الْمُصَاحِبِينَ وَالتَّوَدُّدُ إلَى الْمُخَالِطِينَ كَمَا قَالَ حَكِيمٌ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اقْتَصِدْ فِي مِزَاحِك فَإِنَّ الْإِفْرَاطَ فِيهِ يُذْهِبُ الْبَهَاءَ وَيُجَرِّئُ السُّفَهَاءَ وَالتَّقْصِيرَ فِيهِ نَقْصٌ بِالْمُؤَانِسِينَ وَتَوَحُّشٌ بِالْمُخَاطَبِينَ وَالثَّانِي أَنْ يَنْفِيَ مِنْ الْمِزَاحِ مَا طَرَأَ عَلَيْهِ وَحَدَثَ بِهِمْ مِنْ هَمٍّ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَلَا يُسْتَعْمَلُ الْمِزَاحُ أَيْضًا فِي أَحْكَامِ الدِّينِ فَإِنَّهُ جَهْلٌ كَذَا فِي الْفَيْضِ (دت عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ» يَعْنِي يُمَازِحُهُ) وَفِيهِ إشْعَارٌ بِالْمَدْحِ بِكَمَالِ ذَكَائِهِ وَفِطْنَتِهِ وَيَقَظَتِهِ وَحُسْنِ اسْتِمَاعِهِ
يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُدْلِعُ» بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ يُخْرِجُ «لِسَانَهُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ» حِينَ صَبَاوَتِهِ وَهَذَا مِزَاحٌ فِعْلِيٌّ «وَيَرَى الصَّبِيُّ لِسَانَهُ فَيَهَشُّ» أَيْ يَتَحَرَّك وَيَرْتَاحُ «إلَيْهِ» وَهَذَا مِزَاحٌ فِعْلِيٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَشَرْطُ جَوَازِهِ) قَوْلًا أَوْ فِعْلًا (أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ كَذِبٌ وَلَا رَوْعُ مُسْلِمٍ) وَإِلَّا فَيَحْرُمُ (دت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ لَعِبًا وَلَا جِدًّا» لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْوِيعٍ وَتَخْوِيفٍ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَتَى لِبَيَانِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَيَانًا إذَا كَانَ فِي أَخْذِ الْعَصَا كَذِبٌ كَأَنْ يَرَى غَصْبَ عَصَاهُ وَهُوَ لَا يُرِيدُهُ أَوْ تَرْوِيعٌ كَأَنْ يُخِيفَهُ بِغَصْبِ عَصَاهُ وَلَا يُرِيدُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ مِنْ قَبِيلِ الْمِزَاحِ الْفِعْلِيِّ هَذَا لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ دَلَالَةَ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فَافْهَمْ (د عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قِيلَ لَا يَضُرُّ إبْهَامُهُمْ لِأَنَّهُمْ عُدُولٌ فَتَدَبَّرْ
أَقُولُ وَذَلِكَ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّ «خَيْرَ الْقُرُونِ قَرْنِي» .
«وَأَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» لَكِنْ يَشْكُلُ بِالْكَلَامِ فِي تَفْصِيلِ مُرْسَلِ التَّابِعِيِّ لَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ الْإِغْنَاءُ عَنْ التَّفْصِيلِ الْمُتَعَذِّرِ أَوْ الْمُتَعَسِّرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ حَضَرَ الْيَوْمَ عُلَمَاءُ الْبَلَدِ «أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْرُونَ» أَيْ يَسِيرُونَ لَيْلًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} [الإسراء: 1]- «مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ» عَلَى نَاقَتِهِ «فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إلَى حَبْلٍ مَعَهُ» أَيْ مَعَ ذَلِكَ النَّائِمِ «فَأَخَذَهُ» أَيْ الْبَعْضُ ذَلِكَ الْحَبْلَ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ «فَفَزِعَ» أَيْ النَّائِمُ بَعْدَ الِاسْتِيقَاظِ لَمَّا لَمْ يَجِدْ حَبْلَهُ (فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا» إذْ «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ يَدِهِ وَلِسَانِهِ» الْحَدِيثَ فَطَبِيعَةُ الْإِسْلَامِ أَوْجَبَتْ السَّلَامَةَ مِنْ التَّرْوِيعِ وَالتَّخْوِيفِ فَفِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ " الْمُسْلِمُ " تَنْبِيهٌ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ كَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَذْهَبِ الْكَلَامِيِّ فِي صَنْعَةِ الْبَدِيعِ وَمِنْ الْقَضَايَا الَّتِي قِيَاسَاتُهَا مَعَهَا فَافْهَمْ وَأَيْضًا سَبَقَ حَدِيثُ «مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنًا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُؤَمِّنَهُ مِنْ إفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَإِنْ هَازِلًا كَإِشَارَتِهِ بِسَيْفٍ أَوْ حَدِيدَةٍ أَوْ أَفَاعِي أَوْ أَخْذِ مَتَاعِهِ فَيَفْزَعُ لِفَقْدِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ الْأَذَى وَالضَّرَرِ عَلَيْهِ انْتَهَى
أَقُولُ فَيَلْزَمُ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ لِمَا قَالُوا مَنْ آذَى غَيْرَهُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُعَزَّرُ وَلَوْ بِغَمْزِ الْعَيْنِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (وَإِكْثَارُهُ) أَيْ الْمِزَاحِ مَعَ وُجُودِ شَرْطِ الْجَوَازِ (مَذْمُومٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ)
قِيلَ تَنْزِيهًا لَكِنْ لَا يُلَائِمُهُ مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ (لِمَا سَبَقَ فِي الْمِرَاءِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -) وَهُوَ «لَا تُمَارِ أَخَاك وَلَا تُمَازِحُهُ» (وَوَجْهُهُ) أَيْ النَّهْيِ (أَنَّ كَثْرَتَهُ تُسْقِطُ الْمَهَابَةَ وَالْوَقَارَ) فَهُمَا إنْ لَمْ يَكُونَا لِغَرَضٍ نَفْسَانِيٍّ وَمِيلٍ هَوَائِيٍّ أَمْرَانِ مَرْغُوبَانِ لَا سِيَّمَا مِمَّنْ هُوَ مُقْتَدًى بِهِ كَالْعُلَمَاءِ وَمَنْ هُوَ فِي مَقَامِ الِاحْتِسَابِ (وَيُورِثُ الضَّغِينَةَ) أَيْ الْحِقْدَ (فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِكْثَارِ بَلْ مِنْ طَبِيعَةِ مَا مَازَحَ بِهِ (وَ) يُورِثُ (كَثْرَةَ الضَّحِكِ) فَإِنَّ أَصْلَ الضَّحِكِ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ لِأَنَّ (الْمُمِيتَ لِلْقَلْبِ) هُوَ كَثْرَةُ الضَّحِكِ لَا مُطْلَقُهُ
وَعَنْ بُسْتَانِ الْعَارِفِينَ يُكْرَهُ الضَّحِكُ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ عِنْدَ الْجِنَازَةِ وَعِنْدَ الْمَقَابِرِ وَعِنْدَ الْمَفْجُوعِ بِالْمُصِيبَةِ وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَعِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ وَيُقَالُ الضَّحِكُ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ (ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ» مِنْ التَّعْلِيمِ «مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا فَقَالَ اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ» {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]- وَإِنَّ الْعَمَلَ وَإِنْ كَثُرَ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يُقَارَنْ بِالتَّقْوَى وَإِذَا قَارَنَ وَإِنْ قَلِيلًا فَمَقْبُولٌ فَمَنْ اتَّقَى جَمِيعَ الْمَحَارِمِ يَكُنْ مُتَّقِيًا فَيَصِيرُ عَمَلُهُ وَإِنْ قَلَّ مَقْبُولًا وَمَنْ لَمْ يَتَّقِ وَإِنْ كَثُرَ عَمَلُهُ لَا يَصِيرُ مَقْبُولًا - {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْمُصَنِّفِ «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَك» وَإِنْ قَلَّ «تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ» لِأَنَّ مَعْنَى الْغِنَى عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْغَيْرِ فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ الرِّزْقِ وَلَمْ يَطْلُبْ الزِّيَادَةَ يَكُنْ فَرْدًا سَابِقًا فِي الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ النَّاسِ فَإِنَّ الْغِنَى لَيْسَ بِكَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَالْقَنَاعَةُ غِنًى وَعِزٌّ بِاَللَّهِ وَضِدُّهَا فَقْرٌ وَذُلٌّ لِلْغَيْرِ وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ لَمْ يَشْبَعْ أَبَدًا فَفِي الْقَنَاعَةِ الْعِزُّ وَالْغِنَى وَالْحُرِّيَّةُ وَفِي فَقْدِهَا الذُّلُّ وَالتَّعَبُّدُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الرِّزْقَ بِالْقَسْمِ وَالْحَظِّ لَا بِالْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَلَا فَائِدَةَ لِلْجِدِّ
قَالَ الْحُكَمَاءُ لَوْ جَرَتْ الْأَقْسَامُ عَلَى قَدْرِ الْعُقُولُ لَمْ تَعِشْ الْبَهَائِمُ وَنَظَمَهُ أَبُو تَمَّامٍ فَقَالَ
يَنَالُ الْفَتَى مِنْ عَيْشِهِ وَهُوَ جَاهِلٌ
…
وَيُكْدِي الْفَتَى فِي دَهْرِهِ وَهُوَ عَالِمُ
وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْزَاقُ تَجْرِي عَلَى الْحِجَا
…
هَلَكْنَ إذًا مِنْ جَهْلِهِنَّ الْبَهَائِمُ
«وَأَحْسِنْ إلَى جَارِك» بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ «تَكُنْ مُؤْمِنًا» كَامِلَ الْإِيمَانِ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْإِحْسَانِ فَكُفَّ عَنْ أَذَاهُ وَإِنْ كَانَ مُؤْذِيًا لَك فَيَلْزَمُك الصَّبْرُ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَك فَرَجًا «وَأَحِبَّ» أَيْ ارْضَ «لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك تَكُنْ مُسْلِمًا» بِأَنْ تُحِبَّ لَهُمْ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك مِنْ جِهَةٍ لَا تَزَاحَمُونِ فِيهَا فَإِنْ انْتَفَتْ الْمَحَبَّةُ لِنَحْوِ حِقْدٍ أَوْ حَسَدٍ انْتَفَى عَنْهُ كَمَالُ الْإِيمَانِ قَالَ السَّرِيُّ لِي ثَلَاثُونَ سَنَةً فِي الِاسْتِغْفَارِ مِنْ قَوْلِي الْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَعَ فِي بَغْدَادَ حَرِيقٌ فَاسْتَقْبَلَنِي رَجُلٌ فَقَالَ نَجَا حَانُوتُك فَقُلْت الْحَمْدُ لِلَّهِ فَمُذْ قُلْتهَا فَأَنَا نَادِمٌ حَيْثُ