المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فَجَائِزٌ كَمَا سَبَقَ جِنْسُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ إعْطَاءُ - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٤

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ رَدُّ التَّابِعِ كَلَامَ مَتْبُوعِهِ وَمُقَابَلَتُهُ وَمُخَالَفَتُهُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السُّؤَالُ عَنْ حِلِّ شَيْءٍ وَحُرْمَتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ لِصَاحِبِهِ وَمَالِكِهِ تَوَرُّعًا]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ تَنَاجِي الْمُكَالَمَةِ بِالسِّرِّ اثْنَيْنِ عِنْدَ ثَالِثٍ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ التَّكَلُّمُ مَعَ الشَّابَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى مَنْ يَتَغَوَّطُ أَوْ يَبُولُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الدَّلَالَةُ بِاللِّسَانِ عَلَى الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ لِمَنْ يُرِيدُ الْمَعْصِيَةَ]

- ‌[السِّتُّونَ آخِرُ آفَاتِ اللِّسَانِ الْإِذْنُ وَالْإِجَازَةُ فِيمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ وَالْإِبَاحَةُ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ] [

- ‌الْأَوَّلُ الْمِزَاحُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ السِّتَّةِ الْمَدْحُ]

- ‌[الثَّالِثُ الشِّعْرُ]

- ‌[الرَّابِعُ السَّجْعُ]

- ‌[الْخَامِسُ الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَعْنِي]

- ‌[السَّادِسُ آخِرُ الْمَبَاحِثِ فُضُولُ الْكَلَامِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعَادَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا النِّظَامُ لِلْعَالِمِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ الْغَيْرِ الْمُنْقَطِعَةِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ الْإِبَاحَةُ مِنْ الْعِبَادَاتِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ اللِّسَانِ مِنْ حَيْثُ السُّكُوتُ كَتَرْكِ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ]

- ‌[تَرْكُ التَّشَهُّدِ مِنْ آفَاتِ]

- ‌[تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ]

- ‌[تَرْكِ النُّصْحِ]

- ‌[تَرْكِ التَّعْلِيمِ]

- ‌[تَرْكِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْقَاضِي بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى]

- ‌[تَرْكِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ]

- ‌[تَتِمَّةٌ مُبَادَرَةُ الْعَاطِسِ بِالْحَمْدِ]

- ‌[تَرْكُ الِاسْتِئْذَانِ فِي دُخُولِ دَارِ الْغَيْرِ]

- ‌[تَرْكُ الْكَلَامِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ]

- ‌[تَرْكُ إنْقَاذِ تَخْلِيصِ الْمَظْلُومِ]

- ‌[تَرْكُ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ سُبْحَانَ أَوْ تَبَارَكَ اللَّهُ]

- ‌[تَرْكُ السُّؤَالِ لِلْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّالِثُ فِي آفَاتِ الْأُذُنِ اسْتِمَاعُ كُلِّ مَا لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[إجَابَةِ دَعْوَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْغِنَاءِ وَاللَّعِبِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي آلَاتِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ بِلَا اضْطِرَارٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْغِنَاءِ بِالِاخْتِيَارِ]

- ‌[رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ مِمَّنْ يَقْرَأُ بِلَحْنٍ وَخَطَإٍ بِلَا تَجْوِيدٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ حَدِيثِ قَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ]

- ‌[مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الرَّابِعُ فِي آفَاتِ الْعَيْنِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْخَامِسُ فِي آفَاتِ الْيَدِ]

- ‌[إحْرَاقُ كُلِّ حَيٍّ بِالنَّارِ أَوْ بِالْمَاءِ الْحَارِّ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ تَصْوِيرُ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ إهْلَاكُ الْمَالِ أَوْ نَقْصُهُ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ الْبَطْنِ]

- ‌[الْقَهْوَةُ حُكْمُ شُرْبِهَا]

- ‌[بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الشِّبَعِ وَكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالتَّنَعُّمِ]

- ‌[الْأَكْلُ عَلَى السُّفْرَةِ]

- ‌[آدَابُ الْأَكْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّابِعُ فِي آفَاتِ الْفَرْجِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّامِنُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الرِّجْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ التَّاسِعُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الْبَدَنِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِعُضْوٍ]

- ‌[الْآفَاتِ الْغَيْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[قَطْعُ الرَّحِمِ]

- ‌[تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ]

- ‌[مُجَالَسَةُ جَلِيسِ السُّوءِ]

- ‌[فَتْحُ الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ وَعَدَمُ دَفْعِهِ]

- ‌[الْقُعُودُ وَسْطَ الْحَلْقَةِ]

- ‌[الِانْحِنَاءُ فِي السَّلَامِ]

- ‌[حُكْم الْوَشْمُ]

- ‌[تَرْكُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[سَفَرُ الْحُرَّةِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ]

- ‌[تَرْكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا]

- ‌[تَرْكُ الزَّكَاةِ]

- ‌[تَرْكُ الْحَجِّ الْفَرْضِ]

- ‌[الْعِينَةُ]

- ‌[نِسْيَانُ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ]

- ‌[الرِّبَا]

- ‌[الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[إيقَادُ الشُّمُوعِ فِي الْقُبُورِ]

- ‌[إمْسَاكُ الْمَعَازِفِ]

- ‌[رُكُوبُ الْبَحْرِ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْغَرَقِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[قِيَامُ الْقَارِئِ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَعَالِمٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ خَاتِمَةُ أَبْوَابِ الْكِتَابِ فِي أُمُورٍ يُظَنُّ أَنَّهَا مِنْ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الدِّقَّة فِي أَمَرَ الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مِنْ الدِّقَّةُ فِي الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة أَنَّهَا بِدْعَة لَمْ تصدر عَنْ النَّبِيّ وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ صِنْفَانِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِيمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّانِي مَا ورد عَنْ أَئِمَّتنَا الْحَنَفِيَّة فِي عَدَمِ الدِّقَّةِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي ذَمِّ الْوَسْوَسَةِ وَآفَاتِهَا]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي عِلَاجِ الْوَسْوَسَةِ]

- ‌[مَرَاتِب الْوَسْوَسَة]

- ‌[النَّوْعُ الرَّابِعُ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّوَرُّع التَّكَلُّفِ فِي تَحْصِيلِ الْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أُمُورٍ مُبْتَدَعَةٍ بَاطِلَةٍ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فَجَائِزٌ كَمَا سَبَقَ جِنْسُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ إعْطَاءُ

بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فَجَائِزٌ كَمَا سَبَقَ جِنْسُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ إعْطَاءُ الْمَاءِ مُتَعَارَفًا بِالْقِرَاءَةِ لَهُ أَوْ فِي قَبْرِهِ مَثَلًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عُرْفًا كَالْمُشْتَرَطِ شَرْطًا نَعَمْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمَعْرُوفِيَّةُ فِي جَانِبِ الصِّلَةِ فَتَأَمَّلْ وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْكِتَابِ هُنَا مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَارِئٍ مُعَيَّنٍ لِقَصْدِ إينَاسِ الْمَيِّتِ بِالْقُرْآنِ أَوْ إسْمَاعِ الْأَحْيَاءِ أَوْ لِإِعَانَةُ مَنْ يَحْصُرُ وَقْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يَتَفَرَّغُ وَقْتًا لِلِاكْتِسَابِ صَحِيحٌ فَتَكُونُ غَلَّةُ الْوَقْفِ صِلَةً لَا أُجْرَةً فَإِنْ جَعَلَ مَدَارَ الْجَوَازِ عَدَمَ الْعَقْدِ وَعَدَمَ قَصْدِ أَخْذِ الْمَالِ فَيَكُونُ رَاجِعًا إلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا لَكِنْ يَخْفَى حِينَئِذٍ كَوْنُ أَكْثَرِهِمْ قُيُودَاتِهِ حَشْوًا مُوهِمًا بَلْ مُشْعِرًا بِخِلَافِ مَقْصُودِهِ، وَإِنْ جَعَلَ مَدَارَهُ كَوْنَ الْقَارِئِ مُعَيَّنًا أَوْ نَحْوَ الْإِينَاسِ فَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ بَعْضٌ: إذَا كَانَ الْقَارِئُ مُعَيَّنًا يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ مُعَيَّنًا، وَفِي الْوَسِيلَةِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الطَّعَامِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَبَعْدَ الْأُسْبُوعِ.

وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَا يُبَاحُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الضِّيَافَةَ تُتَّخَذُ عِنْدَ السُّرُورِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لِلْمُصِيبَةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْأَطْعِمَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ عِنْدَ السُّرُورِ، وَلَا يُوصِي بِدَفْعِ شَيْءٍ لِمَنْ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرِهِ الْقُرْآنَ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ قَالَ فِي الْمُحِيطَيْنِ وَالْخُلَاصَةِ وَالِاخْتِيَارِ رَجُلٌ أَوْصَى لِقَارِئِ قُرْآنٍ عِنْدَ قَبْرِهِ بِشَيْءٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ

وَنَقَلَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ بِالْأُجْرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الثَّوَابَ لَا لِلْمَيِّتِ وَلَا لِلْقَارِئِ وَقَالَ الْحَافِظُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَيُمْنَعُ الْقَارِئُ لِلدُّنْيَا وَالْآخِذُ وَالْمُعْطِي آثِمَانِ، وَلَا يُوصِي بِتَجْصِيصِ الْقَبْرِ وَلَا تَطْيِينِهِ وَبِنَاءِ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ صَرَّحَ بِهَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ وَعَلَّلُوا بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ عِمَارَةَ الْقُبُورِ لِلْإِحْكَامِ مَكْرُوهَةٌ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» قَالَ التوربشتي رحمه الله قَوْلُهُ: وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ بِالْحِجَارَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، وَالْأُخْرَى أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِ خِبَاءً أَوْ نَحْوَهُ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ انْتَهَى، وَفِي التتارخانية عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «صَفْقُ الرِّيَاحِ وَقَطْرُ الْأَمْطَارِ عَلَى قَبْرِ الْمُؤْمِنِ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ» انْتَهَى وَلَمَّا اقْتَضَى تَحْقِيقُ ذَلِكَ زِيَادَةَ بَسْطٍ وَتَفْصِيلٍ لِكَثْرَةِ الْأَقْوَالِ وَلَمْ يَتَحَمَّلْ الْمَقَامُ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ أَحَالَ مَحَلَّ ذَلِكَ التَّحْقِيقِ إلَى رَسَائِلَ فَقَالَ (وَقَدْ بَيَّنَّا) أَدِلَّةَ (ذَلِكَ) وَتَحْقِيقَهُ عَلَى صَرِيحِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَاقْتِضَاءِ قَوَاعِدِهِمْ (فِي بَعْضِ رَسَائِلِنَا) إذْ لِلْمُصَنِّفِ رَسَائِلُ سِوَاهَا كَمَعْدِلِ الصَّلَاةِ (السَّيْفِ الصَّارِمِ وَإِنْقَاذِ الْهَالِكِينَ وَإِيقَاظِ النَّائِمِينَ وَجَلَاءُ الْقُلُوبِ فَعَلَيْك) أَيُّهَا السَّاعِي لِتَحْقِيقِ هَذَا الْمَطْلَبِ الْخَفِيِّ الْمُهِمِّ (بِهَا وَطَالِعْهَا) لِتَخْرُجَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْأَوْهَامِ وَتَخْلُصَ عَنْ كَدُورَاتِ حَضِيضِ التَّقْلِيدِ، وَتَدْخُلَ فِي أَنْوَارِ الْأَعْيَانِ، وَتَصِلَ إلَى ذُرْوَةِ التَّحْقِيقِ (حَتَّى تَعْلَمَ حَقِيقَةَ مَقَالِنَا) ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا فِيهَا هُوَ النُّقُولُ الصَّحِيحَةُ وَالْمَذَاهِبُ الْمُسْتَقِيمَةُ وَالْحُجَجُ الْيَقِينِيَّةُ

[خَاتِمَة الْكتاب]

ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا التَّصْنِيفُ مِنْ عَظَائِمِ النِّعَمِ الْجَلِيلَةِ لِعِظَمِهِ وَعَدَمِ نَظِيرِهِ وَمِثْلُهُ مَظِنَّةُ الْعُجْبِ وَنَحْوِهِ قَالَ شُكْرًا لَهُ تَعَالَى وَنَفْيًا لِدَوَاعِي نَحْوِ الْعَجَبِ تَبَرُّكًا وَاقْتِبَاسًا بِالْكَلَامِ الْقَدِيمِ (وَ) نَحْنُ (نَقُولُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الأعراف: 43] وَهُوَ الظَّاهِرُ {الَّذِي} [الأعراف: 43] اقْتَضَاهُ الْمَقَامُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: نَقُولُ أَنْتَ وَلِمَنْ خَصَّ هَذَا الْحَمْدَ بِالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ الَّتِي أُحِيلَ تَحْقِيقُهَا إلَى تِلْكَ الرَّسَائِلِ كَمَا يَشْهَدُهُ الذَّوْقُ وَكَمَا نَبَّهَ آنِفًا وَفِيهِ تَنْبِيهٌ أَنَّ الْحَمْدَ كَمَا يَلْزَمُ فِي الْبِدَايَةِ يَلْزَمُ فِي النِّهَايَةِ كَمَا تَحَقَّقَ فِي مَحَلِّهِ، وَفِيهِ أَيْضًا حُسْنُ تَنَاسُبِ النِّهَايَةِ إلَى الْبِدَايَةِ {هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: 43] أَوْصَلْنَا إلَى هَذَا التَّصْنِيفِ فَتَأَمَّلْ {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] فَإِنَّ كُلَّ خَيْرٍ صَدَرَ مِنْ الْعَبْدِ لَيْسَ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ - تَعَالَى.

قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَاللَّامُ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، وَجَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ لَعَلَّ هَذِهِ الْهِدَايَةَ إنَّمَا هِيَ بِتَوْسِيطِ إرَادَةِ الْعِبَادِ عَلَى نَهْجِ حِكْمَتِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى

ص: 271

إيجَادِهِ فِي الْعِبَادِ بِقُدْرَتِهِ الْمُسْتَقِلَّةِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْإِيجَابِيَّةِ الْغَيْرِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ بِمَعِيَّةِ إرَادَةِ الْعِبَادِ مَعَ إرَادَتِهِ - تَعَالَى، وَعَدَمِ تَوْسِيطِهِ بَلْ بِإِيجَادِهِ - تَعَالَى - فِي الْعَبْدِ بِلَا مَدْخَلِيَّةِ إرَادَةِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ جَبْرًا مَحْضًا وَقَدْ عَرَفْت التَّفْصِيلَ فِي الْمَبْحَثِ الِاعْتِقَادِيِّ سَابِقًا فَلَا تَتَجَاسَرْ عَلَى الْإِشْكَالِ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ شُكْرُ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِعَبْدٍ مِثْلِهِ كَمَا يَشْكُرُهُ - تَعَالَى، وَهُوَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ احْتِيَاجُهُ - تَعَالَى - فِي إيجَادِ فِعْلِ الْعَبْدِ إلَى إرَادَةِ الْعَبْدِ، وَهُوَ نَقْصٌ وَاجِبُ تَنْزِيهِهِ وَأَيْضًا فِيهِ حُسْنُ الْخِتَامِ؛ لِأَنَّ إيذَانَ السَّامِعِ بِانْتِهَاءِ الْكَلَامِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَعَهُ لِلنَّفْسِ تَشَوُّفٌ إلَى مَا يُذْكَرُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ تَحْمِيدٍ وَدُعَاءٍ، وَكَذَا اقْتِبَاسُهُ بِقَوْلِهِ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] عَمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْحَقَّةِ وَحَقَائِقِ التَّقْوَى وَفُرُوعَاتِهَا كَالْأَخْلَاقِ وَغَيْرِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ الْمَقَامُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُمَّ إلَى جَمِيعِ مَا وَفَّقَهُ - تَعَالَى - مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ وَالْأَخْلَاقِ وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ تَصْفِيَةِ الْبَاطِنِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إنْ شَاءَ أَقَامَهُ عَلَى الْحَقِّ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ عَنْهُ» وَقِيلَ: لَا تُبْلِنَا بِبَلَايَا تَزِيغُ فِيهَا قُلُوبُنَا {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] إلَى الْحَقِّ كَالتَّصْنِيفِ أَوْ الْعُمُومِ، وَقِيلَ: لَفْظُ إذْ بِمَعْنَى إنْ {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} [آل عمران: 8] تُقَرِّبُنَا إلَيْك وَنَفُوزُ بِهَا عِنْدَك أَوْ تَوْفِيقًا لِلثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ أَوْ مَغْفِرَةً لِلذُّنُوبِ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] مُبَالِغٌ فِي الْعَطَاءِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا غَرَضٍ أَوْ رَحْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَحُسْنِ الْخِتَامِ لَا سِيَّمَا بِرُتْبَةِ الشَّهَادَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى إلْحَاقِ الرِّفْقَةِ الْعَلِيَّةِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ - {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]- وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِحُسْنِ الْخِتَامِ، وَهُوَ غَايَةُ أَمَانِي الْعَارِفِينَ وَنِهَايَةُ قُصْوَى مَقَاصِدِ الْعَابِدِينَ، وَأَسْنَى مَرَاصِدِ الْعُبَّادِ الْمُتَوَرِّعِينَ وَأَعْلَى مَعَالِمِ الزَّاهِدِينَ الْمُتَّقِينَ، وَنَتِيجَةُ إنْزَالِ الْكُتُبِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَخُلَاصَةُ ثَمَرَةِ إرْسَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ فَلْنَسْأَلْ اللَّهَ - تَعَالَى - مُوجِبَاتِ رَحْمَتِهِ وَلْنَفْدِ أَجْسَامَنَا وَأَرْوَاحَنَا فِي تَحَمُّلِ مِحَنِهَا وَتَجَشُّمِ مَشَاقِّهَا وَتَذَوُّقِ أَتْعَابِهَا وَكُلُفَاتِهَا تَضَرُّعًا إلَى اللَّهِ - تَعَالَى بِنَحْوِ دُعَاءِ حَبِيبِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ اللَّهُمَّ اُحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَاسْتَعْمِلْنَا بِسُنَّتِهِ وَتَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ وَاجْعَلْنَا فِي حِزْبِهِ اللَّهُمَّ وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ كَمَا آمَنَّا بِهِ وَلَمْ نَرَهُ وَلَا تُفَرِّقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حَتَّى تُدْخِلَنَا مُدْخَلَهُ وَتَجْعَلَنَا مِنْ رُفَقَائِهِ - {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]- (اللَّهُمَّ صَلِّ) وَسَلِّمْ (عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ) لِنَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَم فَمَنْ سِوَاهُ إلَّا تَحْتَ لِوَائِي» ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَا قَائِدُ الْمُرْسَلِينَ وَلَا فَخْرَ» الْحَدِيثَيْنِ، وَفِي آخَرَ «أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا» ، وَفِي آخَرَ «آدَم وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ» وَالتَّفْصِيلُ فِيمَا سَبَقَ (وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اسْتِحْبَابِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خِتَامِ كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ كَمَا فِي بِدَايَتِهِ وَلَعَلَّك سَمِعْت ذَلِكَ فِي الْبِدَايَةِ تَفْصِيلًا قِيلَ مِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ وَصْفَيْ الْآلِيَّةِ وَالصَّحْبِيَّةِ كَعَلِيٍّ وَالْحَسَنَيْنِ أَوْ انْفَرَدَ بِالصَّحْبِيَّةِ فَقَطْ كَسَائِرِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَوْ بِالْآلِيَّةِ كَأَشْرَافِ الزَّمَانِ، وَقَدْ عَرَفْت قَبْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ إمَّا مِنْ جَانِبِ الْأَبِ فَقَطْ أَوْ هُوَ، وَمِنْ الْأُمِّ مُطْلَقًا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ فِي شَرَفِ الْأَوْلَادِيَّةِ فِي الْمُطْلَقِ، وَأَيْضًا فِي الْجَمْعِ إشَارَةٌ إلَى اسْتِحْبابِيَّتِه وَأَوْلَوِيَّتِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آيَةُ - {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]-، وَفِيهِ إشَارَةٌ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْآلِ

ص: 272

وَالصَّحْبِ، وَفِي تَقْدِيمِ الْآلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَوَدَّةَ الْقُرْبَى أَقْدَمُ مِنْ مَوَدَّةِ الصُّحْبَةِ يَعْنِي: اسْتِحْقَاقُ الْقَرَابَةِ أَوْلَى وَأَقْدَمُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الصُّحْبَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى دَرَجَةِ الْفَضْلِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] لَعَلَّ وَجْهَ التَّكْرِيرِ أَنَّ الْأَوَّلَ لِلنِّعْمَةِ الْخَاصَّةِ وَهَذَا لِلْعَامَّةِ أَوْ الْأَوَّلُ عَلَى الْفَضَائِلِ وَهَذَا عَلَى الْكُلِّ، أَوْ الْأَوَّلُ عَلَى كَوْنِ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ اخْتِيَارِيًّا، وَهَذَا عَامٌّ أَوْ الْأَوَّلُ اسْتِحْقَاقُهُ الْحَمْدَ مِنْ حَيْثُ صِفَاتُهُ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، أَوْ الثَّانِي حِكَايَةُ حَمْدِهِ - تَعَالَى - نَفْسَهُ عَلَى صِفَاتِهِ بِمَعْنَى إكْمَالِ كَمَالِ ضَرَاعَتِهِ كَمَا فَصَّلَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَطَالِعِ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ الثَّانِي هُوَ عَيْنُ الْمُرَادِ مِنْ الْأَوَّلِ عَلَى نَهْجِ التَّأْكِيدِ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ الْحَمْدِ لِقُوَّةِ عَظَمَةِ النِّعَمِ الَّتِي مِنْهَا التَّصْنِيفُ الَّذِي هُوَ أَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ، وَأَعْظَمُ الْأَعْمَالِ الدَّائِمَةِ الْغَيْرِ الْمُنْقَطِعَةِ وَأَقْوَى الصَّدَقَاتِ الْجَارِيَةِ لِجَمْعِهِ جَمِيعَ مُهِمَّاتِ الدِّينِ اعْتِقَادًا وَأَخْلَاقًا وَأَعْمَالًا

وَفِي إيثَارِهِ لَفْظَ الْحَمْدِ دُونَ الشُّكْرِ وَالْمَدْحِ عَمَلٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ» وَامْتِثَالٌ وَعَمَلٌ وَاقْتِبَاسٌ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ تَعْلِيمِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَمَّ بِحَمْدِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ ذِهْنٍ ذَاهِلٍ وَقَلْبٍ غَافِلٍ وَقَائِلٍ لَا فَاعِلٍ وَعَالِمٍ لَا عَامِلٍ وَوَاعِظٍ غَيْرِ مُتَّعِظٍ وَنَاصِحٍ غَيْرِ مُتَنَصِّحٍ وَآمِرٍ بِتَقْوَى غَيْرِ مُتَّقٍ كَطَبِيبٍ يُدَاوِي النَّاسَ وَهُوَ مَرِيضٌ وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَغْلَطُونَ فِي اسْمِهِ فِي زَعْمِهِمْ بِحُسْنِهِ وَلَيْسَ بِحَسَنٍ فِي نَفْسِهِ لِتَبَحُّرِهِ فِي الْفُرُطَاتِ وَتَعَمُّقِهِ فِي إكْمَالِ التَّقْصِيرَاتِ لِكَوْنِهِ خَدِيمَ الْأَهْوَاءِ الْهُيُولَانِيَّةِ وَانْتِكَاسِهِ فِي مَهَاوِي سِجِّينِ الدُّنْيَاوِيَّةِ لِعَدَمِ نَظَرِ نَفْسِهِ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَعَدَمِ اتِّقَائِهِ فِي الْيَوْمِ بِرَغَدٍ فَأَيْنَ أَمْرُ «جَاهَدُوا فِينَا» حَتَّى يُتَوَصَّلَ إلَى «لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» وَقَدْ كَانَ مَنْ جَاهَدَ إنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: 144] وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ قَوْلٍ بِلَا عَمَلٍ وَدَعْوَى عِلْمٍ مَعَ تَقْصِيرٍ فِيهِ وَخَلَلٍ، وَمِنْ خَاطِرٍ دَعَانَا إلَى التَّصْنِيعِ فِي كِتَابٍ سَطَّرْنَاهُ أَوْ كَلَامٍ نَظَّمْنَاهُ أَوْ عِلْمٍ أَفَدْنَاهُ، وَمِنْ كُلِّ مَا زَلَّ بِهِ الْقَدَمُ أَوْ طَغَى بِهِ الْقَلَمُ وَنَسْأَلُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَهُ وِزْرًا وَوَبَالًا وَيَجْعَلَهُ ذَرِيعَةَ عَفْوٍ وَغُفْرَانٍ وَسَلَامَةَ بَالٍ وَحَاشَا أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ عَدَّ نَفْسِي مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ بَلْ إنْجَازَ وَعْدٍ سَبَقَ فِي حُضُورِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ خِدْمَةً وَقُرْبَةً لِرَحْمَةِ الْعَالَمِينَ عَسَى أَنْ يَحْشُرَنِي اللَّهُ فِي زُمْرَتِهِ مَعَ الصَّالِحِينَ

وَقَدْ اتَّفَقَ مَسْكِيَّةُ الْخِتَامِ قُبَيْلَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ اللَّيَالِي الْعِظَامِ وَظَهَرَ أَثَرُ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ بِإِشَارَاتٍ قُدْسِيَّةٍ وَتَلْوِيحَاتٍ أُنْسِيَّةٍ لَائِحَةٍ بِالْقَبُولِ وَالْإِحْسَانِ لِكُلِّ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ بِالْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ فَحَمْدًا ثُمَّ حَمْدًا ثُمَّ حَمْدًا لَهُ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى أَفْضَلِ مَنْ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِ كُلٍّ أَجْمَعِينَ فِي السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ مِنْ هِجْرَةِ مَنْ لَهُ الْعِزُّ وَالشَّرَفُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ آمِينَ

ص: 273