المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[من آفات اليد إهلاك المال أو نقصه] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٤

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ رَدُّ التَّابِعِ كَلَامَ مَتْبُوعِهِ وَمُقَابَلَتُهُ وَمُخَالَفَتُهُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السُّؤَالُ عَنْ حِلِّ شَيْءٍ وَحُرْمَتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ لِصَاحِبِهِ وَمَالِكِهِ تَوَرُّعًا]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ تَنَاجِي الْمُكَالَمَةِ بِالسِّرِّ اثْنَيْنِ عِنْدَ ثَالِثٍ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ التَّكَلُّمُ مَعَ الشَّابَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى مَنْ يَتَغَوَّطُ أَوْ يَبُولُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الدَّلَالَةُ بِاللِّسَانِ عَلَى الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ لِمَنْ يُرِيدُ الْمَعْصِيَةَ]

- ‌[السِّتُّونَ آخِرُ آفَاتِ اللِّسَانِ الْإِذْنُ وَالْإِجَازَةُ فِيمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ وَالْإِبَاحَةُ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ] [

- ‌الْأَوَّلُ الْمِزَاحُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ السِّتَّةِ الْمَدْحُ]

- ‌[الثَّالِثُ الشِّعْرُ]

- ‌[الرَّابِعُ السَّجْعُ]

- ‌[الْخَامِسُ الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَعْنِي]

- ‌[السَّادِسُ آخِرُ الْمَبَاحِثِ فُضُولُ الْكَلَامِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعَادَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا النِّظَامُ لِلْعَالِمِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ الْغَيْرِ الْمُنْقَطِعَةِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ الْإِبَاحَةُ مِنْ الْعِبَادَاتِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ اللِّسَانِ مِنْ حَيْثُ السُّكُوتُ كَتَرْكِ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ]

- ‌[تَرْكُ التَّشَهُّدِ مِنْ آفَاتِ]

- ‌[تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ]

- ‌[تَرْكِ النُّصْحِ]

- ‌[تَرْكِ التَّعْلِيمِ]

- ‌[تَرْكِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْقَاضِي بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى]

- ‌[تَرْكِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ]

- ‌[تَتِمَّةٌ مُبَادَرَةُ الْعَاطِسِ بِالْحَمْدِ]

- ‌[تَرْكُ الِاسْتِئْذَانِ فِي دُخُولِ دَارِ الْغَيْرِ]

- ‌[تَرْكُ الْكَلَامِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ]

- ‌[تَرْكُ إنْقَاذِ تَخْلِيصِ الْمَظْلُومِ]

- ‌[تَرْكُ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ سُبْحَانَ أَوْ تَبَارَكَ اللَّهُ]

- ‌[تَرْكُ السُّؤَالِ لِلْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّالِثُ فِي آفَاتِ الْأُذُنِ اسْتِمَاعُ كُلِّ مَا لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[إجَابَةِ دَعْوَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْغِنَاءِ وَاللَّعِبِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي آلَاتِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ بِلَا اضْطِرَارٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْغِنَاءِ بِالِاخْتِيَارِ]

- ‌[رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ مِمَّنْ يَقْرَأُ بِلَحْنٍ وَخَطَإٍ بِلَا تَجْوِيدٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ حَدِيثِ قَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ]

- ‌[مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الرَّابِعُ فِي آفَاتِ الْعَيْنِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْخَامِسُ فِي آفَاتِ الْيَدِ]

- ‌[إحْرَاقُ كُلِّ حَيٍّ بِالنَّارِ أَوْ بِالْمَاءِ الْحَارِّ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ تَصْوِيرُ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ إهْلَاكُ الْمَالِ أَوْ نَقْصُهُ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ الْبَطْنِ]

- ‌[الْقَهْوَةُ حُكْمُ شُرْبِهَا]

- ‌[بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الشِّبَعِ وَكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالتَّنَعُّمِ]

- ‌[الْأَكْلُ عَلَى السُّفْرَةِ]

- ‌[آدَابُ الْأَكْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّابِعُ فِي آفَاتِ الْفَرْجِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّامِنُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الرِّجْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ التَّاسِعُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الْبَدَنِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِعُضْوٍ]

- ‌[الْآفَاتِ الْغَيْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[قَطْعُ الرَّحِمِ]

- ‌[تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ]

- ‌[مُجَالَسَةُ جَلِيسِ السُّوءِ]

- ‌[فَتْحُ الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ وَعَدَمُ دَفْعِهِ]

- ‌[الْقُعُودُ وَسْطَ الْحَلْقَةِ]

- ‌[الِانْحِنَاءُ فِي السَّلَامِ]

- ‌[حُكْم الْوَشْمُ]

- ‌[تَرْكُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[سَفَرُ الْحُرَّةِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ]

- ‌[تَرْكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا]

- ‌[تَرْكُ الزَّكَاةِ]

- ‌[تَرْكُ الْحَجِّ الْفَرْضِ]

- ‌[الْعِينَةُ]

- ‌[نِسْيَانُ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ]

- ‌[الرِّبَا]

- ‌[الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[إيقَادُ الشُّمُوعِ فِي الْقُبُورِ]

- ‌[إمْسَاكُ الْمَعَازِفِ]

- ‌[رُكُوبُ الْبَحْرِ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْغَرَقِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[قِيَامُ الْقَارِئِ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَعَالِمٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ خَاتِمَةُ أَبْوَابِ الْكِتَابِ فِي أُمُورٍ يُظَنُّ أَنَّهَا مِنْ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الدِّقَّة فِي أَمَرَ الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مِنْ الدِّقَّةُ فِي الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة أَنَّهَا بِدْعَة لَمْ تصدر عَنْ النَّبِيّ وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ صِنْفَانِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِيمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّانِي مَا ورد عَنْ أَئِمَّتنَا الْحَنَفِيَّة فِي عَدَمِ الدِّقَّةِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي ذَمِّ الْوَسْوَسَةِ وَآفَاتِهَا]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي عِلَاجِ الْوَسْوَسَةِ]

- ‌[مَرَاتِب الْوَسْوَسَة]

- ‌[النَّوْعُ الرَّابِعُ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّوَرُّع التَّكَلُّفِ فِي تَحْصِيلِ الْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أُمُورٍ مُبْتَدَعَةٍ بَاطِلَةٍ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[من آفات اليد إهلاك المال أو نقصه]

لِقَائِهِ فَالسَّابِقُ إلَى التَّجْدِيدِ لَهُ مِنْ الْمِائَةِ تِسْعُونَ لِاهْتِمَامِهِ بِشَأْنِ التَّمَسُّكِ بِالْأُخُوَّةِ وَالْوَلَايَةِ وَمُسَارَعَتِهِ إلَى تَجْدِيدِهَا وَحَثِّهِ عَلَى ذَلِكَ وَحِرْصِهِ عَلَيْهِ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ السَّمْهُورِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْحَلِيمِيِّ مَعْنَى سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أُحَيِّيكُمْ بِكَوْنِ السَّلَامَةِ الْكَامِلَةِ مِنْ جَمِيعِ مَعَاطِبِ الدَّارَيْنِ وَآفَاتِهَا مَعَ الْأَمْنِ وَالْمُسَالَمَةِ مُحِيطَةً بِكُمْ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِكُمْ إكْرَامًا لَكُمْ بِكُلِّ حَالٍ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا فَلَا يَصِلُكُمْ مِنِّي أَذًى فَقَدْ طَلَبْت لَكُمْ تِلْكَ السَّلَامَةَ الْمَوْصُوفَةَ مِنْ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ الْمَالِكُ لِتَسْلِيمِ عِبَادِهِ وَالْمُسَلِّمُ لَهُمْ وَصَاحِبُ السَّلَامَةِ لَا مُعْطِيَ فِي الدَّارَيْنِ غَيْرُهُ وَلَا مَرْجُوَّ فِيهِمَا إلَّا خَيْرُهُ كَذَا فِي الْفَيْضِ

وَأَمَّا الْمُصَافَحَةُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ فَعَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَفِي رِسَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ جَائِزَةٌ وَفِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ ثُمَّ السُّنَّةُ فِي الْمُصَافَحَةِ إلْصَاقُ صَفْحَةِ الْكَفِّ بِالْكَفِّ وَإِقْبَالُ الْوَجْهِ بِالْوَجْهِ وَأَخْذُ الْأَصَابِعِ لَيْسَ بِمُصَافَحَةٍ بَلْ فِعْلِ الرَّوَافِضِ كَمَا عَنْ الصَّلَاةِ الْمَسْعُودِيَّةِ وَفِي الْمُنْيَةِ أَنَّهَا بِكِلْتَا يَدَيْهِ وَفِي الْخِزَانَةِ بِلَا حَائِلٍ كَالثَّوْبِ وَفِي الشِّرْعَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَنْ يَأْخُذَ الْإِبْهَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَافَحْتُمْ فَخُذُوا الْإِبْهَامَ فَإِنَّ فِيهِ عِرْقًا تَنْشَعِبُ مِنْهُ الْمَحَبَّةُ» كَمَا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ

[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ إهْلَاكُ الْمَالِ أَوْ نَقْصُهُ]

(وَ) مِنْ آفَاتِ الْيَدِ (إهْلَاكُ الْمَالِ أَوْ نَقْصُهُ) بِدُونِ إرَادَةِ وَصْلَةِ نَفْعٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ (أَوْ تَعْيِيبُهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ النَّقْصِ مَا بِحَسَبِ الصُّورَةِ وَالْعَيْبِ مَا بِحَسَبِ الْقِيمَةِ (بِلَا غَرَضٍ مَشْرُوعٍ) وَإِلَّا فَلَيْسَ بِآفَةٍ بَلْ لَيْسَ بِإِهْلَاكٍ وَنَقْصٍ فَتَأَمَّلْ (بِالْقَطْعِ أَوْ الْكَسْرِ) كَكَسْرِ آلَةِ اللَّهْوِ وَدِنَانِ الْخَمْرِ عَلَى وَجْهٍ (أَوْ الْحَرْقِ أَوْ الْغَرَقِ) فِي نَحْوِ الْبَحْرِ فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِغْرَاقِ (أَوْ الْإِلْقَاءِ إلَى مَا لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ) كَقَعْرِ الْبَحْرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَالَ الَّذِي أُهْلِكَ أَوْ نَقَصَ أَوْ تَعَيَّبَ (إنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَظُلْمٌ) وَقَدْ اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ أَنَّ الظُّلْمَ يَجِبُ دَفْعُهُ وَيَحْرُمُ تَقْرِيرُهُ (وَتَعَدٍّ يُوجِبُ الضَّمَانَ) - {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]- (وَإِنْ كَانَ لِنَفْسِهِ فَإِسْرَافٌ) السَّابِقُ إلَى الْخَاطِرِ الْفَاتِرِ إنْ لِغَيْرِهِ فَظُلْمٌ وَإِسْرَافٌ وَإِنْ لِنَفْسِهِ فَإِسْرَافٌ فَقَطْ (وَهُوَ حَرَامٌ) فَيَسْبِقُ إلَى الْفَاتِرِ أَيْضًا أَنَّ حُرْمَةَ مِثْلِهِ مِنْ جِهَتَيْنِ آفَةُ الْيَدِ وَالسَّرَفِ وَإِلَّا فَلَا يَحْسُنُ عَدُّ الْمُصَنِّفِ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ فِي مَحَلَّيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ كَتَدَاخُلِ الْأَقْسَامِ مَعْنًى فَتَأَمَّلْ (لِمَا سَبَقَ وَالْإِعْطَاءُ لِلرِّيَاءِ وَالْمَعْصِيَةِ وَانْتِزَاعُ غَرِيمِ إنْسَانٍ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّهُ ظُلْمٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّعْزِيرَ) لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَمْ يَتَقَدَّرْ فِيهَا حَدٌّ (لَا الضَّمَانَ) الْأَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ الضَّمَانُ لَعَلَّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَتْحَ بَابِ الْإِصْطَبْلِ وَقَفَصِ الطَّيْرِ وَحَلَّ الْحَبْسِ الشَّرْعِيِّ

(وَرَفْعُ الذِّلَّةِ) هِيَ بَاقِي طَعَامِ السُّفْرَةِ عَنْ الْقَامُوسِ الذِّلَّةُ اسْمٌ لِمَا تَحْمِلُ مِنْ مَائِدَةِ صَدِيقِك أَوْ قَرِيبِك (فَإِنَّهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍّ) سَوَاءٌ تُعُومِلَ ذَلِكَ أَوْ لَا سَوَاءٌ وَقَعَ فِي الْعَادَةِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قُبَيْلَ هَذَا الضُّيُوفُ إذَا أَعْطَوْا اللُّقْمَةَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يُعْتَبَرُ تَعَامُلُ النَّاسِ وَلَوْ نَاوَلَ الْخَدَمَ الَّذِينَ عَلَى رَأْسِ الْمَائِدَةِ وَنَاوَلَ الْهِرَّةَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ نَاوَلَ الْكَلْبَ لَا يَجُوزُ إلَّا الْخُبْزَ الْمُحْتَرِقَ، وَالْمُعْتَبَرُ هِيَ الْعَادَةُ وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا انْتَهَى وَفِي التتارخانية أَيْضًا قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَأَمَّا رَفْعُ الذِّلَّةِ فَهُوَ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا بِالْإِذْنِ صَرِيحًا إعْطَاءُ بَعْضِ الضُّيُوفِ بَعْضًا عَلَى التَّعَارُفِ وَفِي

ص: 76

الْخَانِيَّةِ إنْ عَلِمَ رِضَاهُ فَلَا بَأْسَ (إلَّا بِإِذْنِهِ) صَرِيحًا فَلَا يَكْفِي الْإِذْنُ دَلَالَةً كَالتَّعَامُلِ وَالْعَادَةِ وَعَلِمَ رِضَاهُ بِالْقَرَائِنِ وَقِيلَ أَمَّا رَفْعُهَا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ صَاحِبِهَا فَأَذِنَ لَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّ إذْنَهُ لِحَيَائِهِ ثُمَّ قِيلَ لَكِنَّ اللَّائِقَ إنْ ظَنَّ طِيبَ نَفْسِهِ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ السُّؤَالِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الذِّلَّةُ مِمَّا انْقَطَعَ عَنْهُ الرَّغْبَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَاحِبِهَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ هُوَ الشُّمُولُ لَكِنْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْحُرْمَةِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ الْكِسْرَاتُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ الدَّجَاجَةَ وَالشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَهَذَا مِنْ الْإِلْقَاءِ إلَى النَّهْرِ أَوْ الطَّرِيقِ إلَّا لِأَجْلِ النَّمْلِ كَمَا هُوَ عَادَةُ بَعْضِ السَّلَفِ وَفِيهِ أَيْضًا الثِّمَارُ السَّاقِطَةُ مِنْ الشَّجَرَةِ إنْ فِي الْمِصْرِ لَا يَتَنَاوَلُهَا إلَّا بِعِلْمِ إبَاحَةِ صَاحِبِهَا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً وَإِنْ فِي الْحَائِطِ فَإِنْ مِمَّا تَبَقَّى كَالْجَوْزِ لَا يَسَعُهُ الْأَخْذُ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ الْأَخْذُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ النَّهْيُ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً وَالثِّمَارُ فِي الْأَشْجَارِ الْأَفْضَلُ عَدَمُ الْأَخْذِ فِي مَوْضِعٍ مَا إلَّا بِالْإِذْنِ وَإِنْ فِي مَوْضِعٍ لَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهَا لِكَثْرَتِهَا يَسَعُهُ الْأَكْلُ لَا الْحَمْلُ وَنَحْوُ التُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى مِنْ النَّهْرِ الْجَارِي يَجُوزُ أَكْلُهُ وَإِنْ كَثُرَ وَلَا يَضْمَنُ وَأَمَّا الْحَطَبُ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ فَلَا وَإِلَّا فَنَعَمْ انْتَهَى مُلَخَّصًا (كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ)

وَعَنْ الْبَزَّازِيَّةِ الْمُسَافِرُونَ إذَا خَلَطُوا أَزْوَادَهُمْ أَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا عَلَى عَدَدِ الرُّفْقَةِ وَاشْتَرَوْا طَعَامًا وَأَكَلُوا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ تَفَاوَتُوا فِي الْأَكْلِ

(وَغَمْزُ الْأَعْضَاءِ فِي الْحَمَّامِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ) مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ وَعِنْدَ الْبَعْضِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ الشَّهْوَةِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَجُوزُ غَمْزُ مَا عَدَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ لَعَلَّ هَذَا أَوْفَقُ بِالْقِيَاسِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَجُوزُ لِمَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ الشَّهْوَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ بِاللِّحْيَةِ قِيلَ هَكَذَا وَجَدْته فِي حَاشِيَةِ الْكِتَابِ مَسْمُوعًا مِنْ الْأُسْتَاذِ

وَعَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْإِمَامَ جَوَّزَ لِلْحَمَّامِيِّ النَّظَرَ إلَى عَوْرَةِ الرِّجَالِ انْتَهَى لَعَلَّ ذَلِكَ إمَّا لَا يَكُونُ قَصْدًا أَوْ بِالضَّرُورَةِ

(وَ) مِنْهَا (كُلُّ لَعِبٍ وَلَهْوٍ سِوَى مُلَاعَبَةِ الزَّوْجِ وَالْأَمَةِ) مِمَّا يُفْضِي إلَى الْجِمَاعِ لَا كُلُّ مُلَاعَبَةٍ كَالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ (وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ) مِثْلُ الرَّمْيِ وَالْمُسَابَقَةِ (كَالنَّرْدِ) مِثَالٌ لِمَا هُوَ مُحَرَّمٌ وَحُرْمَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ وَضْعَهُ لِغَرَضٍ بَاطِلٍ وَوَاضِعُهُ مَجُوسِيٌّ فَمَنْ يَلْعَبُ بِهِ يَكُونُ مُجْتَهِدًا فِي إحْيَاءِ سُنَّةِ الْمَجُوسِ الْمُسْتَنْكَرَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (م عَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ» اسْمُ لَعِبٍ مَعْرُوفٍ «فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَكْلُ لِأَنَّ الْغَمْسَ بِالْيَدِ يَكُونُ حَالَةَ الْأَكْلِ غَالِبًا فَيَكُونُ اللَّعِبُ حَرَامًا لِتَشْبِيهِهِ عليه الصلاة والسلام بِالْمُحَرَّمِ (وَفِي رِوَايَةِ د أَبِي مُوسَى فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ) قَالَ فِي الْفَيْضِ قَدْ اتَّفَقَ السَّلَفُ

ص: 77

عَلَى حُرْمَةِ اللَّعِبِ بِهِ وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَلَا يَخْلُو عَنْ نِزَاعٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ دَخَلْت فِي زَمَنِ الْحَدَاثَةِ عَلَى شَيْخٍ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ مَعَ آخَرَ يُعْرَفُ بِأَزْدِشِيرَ فَقُلْت الْأَزْدِشِيرُ وَالنَّرْدَشِيرُ بِئْسَ الْمَوْلَى وَبِئْسَ الْعَشِيرُ (وَالشِّطْرَنْجِ) مِثَالٌ لِلَّهْوِ الْمُحَرَّمِ أَيْضًا فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَكَبِيرَةٌ عِنْدَنَا وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَامُوسِ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ أَيْضًا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ الشِّطْرَنْجَ فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَقَالَ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ وَعَنْ الْكَافِي فِي إبَاحَتِهِ إعَانَةٌ لِلشَّيْطَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَعَنْ التَّجْنِيسِ وَلَوْ قَالَ إنَّ هَذَا اللَّعِبَ لِتَهْذِيبِ الْفَهْمِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَلَوْ حَرُمَ فَأَمَرَ أَنَّهُ طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِآثَارِ الصَّحَابَةِ أَوْ الْقِيَاسِ كَمَا فِي النِّصَابِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُبَاحُ لِتَشْحِيذِ الْخَاطِرِ وَتَزْكِيَةِ الْفَهْمِ وَلَا يُبَاحُ بِقَصْدِ الْقِمَارِ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّكَلُّمِ بِالْفُحْشِ وَفَوْتِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ وَبِكَوْنِهِ أَحْيَانًا وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَأْسًا بِالسَّلَامِ لِشُغْلِهِمْ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ وَلَوْ سَاعَةً وَقَالَ الْأَوْلَى عَدَمُهُ زَجْرًا لَهُمْ وَعَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ أَنْوَارِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى شَكْلِ حَيَوَانٍ أَوْ اقْتَرَنَ بِهِ قِمَارٌ أَوْ فُحْشٌ وَفِي إحْيَائِهِ بِالْإِصْرَارِ كَبِيرَةٌ وَفِي عُمْدَتِهِ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إنْ لَعِبَ بِهِ فِي الْأَحَايِينِ مَرَّةً وَفِي رَوْضَتِهِ رُدَّتْ شَهَادَةُ مُدَاوِمِهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فَمَغْلُوبَةٌ وَتَابِعَةٌ وَالْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] لِأَنَّ الْغَالِبَ التَّشَاغُلُ عَنْ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالْكَلَامِ الْبَاطِلِ فَلَزِمَ عَدَمُ الْجَوَازِ لِتَعَلُّمِ حِيَلِ الْحَرْبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231] وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَوَكِيعٍ أَنَّ قَوْله تَعَالَى - {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة: 3]- الشِّطْرَنْجُ كَذَا فِي النِّصَابِ قِيلَ فِي الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا وَفِي الْخُلَاصَةِ وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ. اهـ. وَقَدْ سَمِعْت دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي حُرْمَتِهِ فَتَأَمَّلْ وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ فَهُوَ مَلْعُونٌ» فَقَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ عَنْ النَّوَوِيِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ كَذِبٌ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْمَرْفُوعِ شَيْءٌ فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ تَعَقَّبَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ الْجَامِعِ الَّذِي الْتَزَمَ عَدَمَ ذِكْرِ الْمَوْضُوعِ فِيهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ يَتَقَوَّى بِأَحَادِيثَ ثَابِتَةٍ وَرَدَتْ فِي ذَمِّ الشِّطْرَنْجِ وَهَذَا حَدِيثُ «مَلْعُونٌ مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّاظِرِ إلَيْهِ كَآكِلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الذَّهَبِيِّ وَأَكْلُ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ ثَمَّةَ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَى تَحْرِيمِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ فَقَدْ لَعِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحْبِ وَمَنْ لَا يُحْصَى مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ الْحُفَّاظُ لَمْ يَثْبُتْ فِي تَحْرِيمِهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَا صَحِيحٌ ثُمَّ قَالَ عَنْ الْمِيزَانِ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُنْكَرٌ وَرَوَى الْجُمْلَةَ الْأُولَى مِنْهُ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمِنْ أَسَانِيدِهِ حَيْوَةُ مَجْهُولٌ وَالْإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ فَلْيُتَأَمَّلْ

(وَ) مِنْهَا (ضَرْبُ الْقَضِيبِ) أَيْ الْعُودِ عَلَى نَحْوِ نُحَاسٍ بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ

ص: 78

(وَالطُّنْبُورُ وَجَمِيعُ الْمَعَازِفِ) قِيلَ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ (وَ) هِيَ (الْمَلَاهِي إلَّا الدُّفَّ بِلَا جَلَاجِلَ فِي لَيْلَةِ الْعُرْسِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ الزِّفَافِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلِنُوا بِالزِّفَافِ وَلَوْ بِالدِّفَافِ (وَإِلَّا طَبْلَ الْغُزَاةِ) لِأَنَّ فِيهِ إعْلَامَ وَقْتِ النُّزُولِ وَالِارْتِحَالِ وَتَشْجِيعَ الْغُزَاةِ عَلَى الْحَرْبِ أَعَادَ أَدَاةَ الِاسْتِثْنَاءِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ خِلَافُ الْمُرَادِ بِعَطْفِهِ عَلَى الْمَعَازِفِ (وَالْحُجَّاجِ وَالْقَافِلَةِ وَ) مِنْهَا (لَعِبُ الْحَمَامِ) قَالُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَلْعَبُ بِهَا وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ حَمَامَاتٌ مَمْلُوكَةٌ يُطَيِّرُهَا فَوْقَ السَّطْحِ مُطَّلِعًا عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيَكْسِرُ زُجَاجَاتِ النَّاسِ بِرَمْيِهِ تِلْكَ الْحَمَامَاتِ يُعَزَّرُ وَيُمْنَعُ أَشَدَّ الْمَنْعِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَبَحَهَا الْمُحْتَسِبُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيُكْرَهُ إمْسَاكُ الْحَمَامَاتِ إنْ كَانَ يَضُرُّ (د عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً» لَعِبًا وَلَهْوًا بِذَلِكَ «فَقَالَ شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً» لِأَنَّهُ يَقْفُو أَثَرَهَا لَاعِبًا بِهَا وَإِنَّمَا سَمَّاهَا شَيْطَانَةً لِأَنَّهَا أَغْفَلَتْهُ عَنْ الْحَقِّ وَأَشْغَلَتْهُ عَمَّا يَهُمُّهُ مِنْ صَلَاحِ الْمَنْزِلَيْنِ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ شَيْطَانًا لِمُبَاعَدَتِهِ عَنْ الْحَقِّ وَإِعْرَاضِهِ عَنْ الْعِبَادَةِ وَاشْتِغَالِهِ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَفِي الْفَيْضِ فَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالْحَمَامِ تَنْزِيهًا لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ وَقِلَّةُ مُرُوءَةٍ وَيَجُوزُ اتِّخَاذُهَا لِفِرَاخِهَا وَأَكْلُهَا وَالْأُنْسُ بِهَا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِعَدَمِ الْإِضْرَارِ لِأَحَدٍ

(وَ) مِنْهَا (التَّحْرِيشُ) أَيْ الْإِغْرَاءُ (بَيْنَ الْبَهَائِمِ) كَالدِّيكِ وَالْكَبْشِ وَالتَّيْسِ وَالْكِلَابِ وَمِثْلُهُ إغْرَاءُ الْأُمَرَاءِ الْأَسَدَ مَعَ النَّمِرِ أَوْ مَعَ الْبَقَرِ أَوْ الْجَمَلِ (د ت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ» أَيْ الْإِغْرَاءِ بَيْنَهُمَا وَتَهْيِيجِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَهَلْ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ قَوْلَانِ قَالَ جَدُّنَا الْإِمَامُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مُنَاطَحَةُ الثِّيرَانِ وَالْكُبُوشِ وَمُنَاقِرَةُ الدُّيُوكِ وَنَحْوُ ذَلِكَ

(وَ) مِنْهَا (اتِّخَاذُ ذِي الرُّوحِ غَرَضًا) وَهُوَ الْهَدَفُ الْمَرْمِيُّ بِالسِّهَامِ وَنَحْوِهَا (وَقَتْلُهُ) بِالْعَصَا أَوْ بِالْحَجَرِ أَوْ بِالْجَرْحِ (صَبْرًا) أَيْ مَحْبُوسًا لِلْقَتْلِ مَرْبُوطًا لَهُ وَكَذَا حَبْسُهُ لِتَعْلِيمِ الْبَازِيِ وَنَحْوِ (م عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» قَالَهُ لَمَّا رَأَى النَّاسَ يَرْمُونَ دَجَاجَةً مَحْبُوسَةً وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لَعَنَ فَاعِلَ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ وَلِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ وَكَتَضْيِيعِ مَالٍ بِلَا فَائِدَةٍ وَلِأَنَّهُ لَعِبٌ وَعَبَثٌ (وَفِي رِوَايَةِ " خ م «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ مَنْ اتَّخَذَ ذَا الرُّوحِ غَرَضًا» إمَّا دُعَاءٌ بِاللَّعْنَةِ أَوْ إخْبَارٌ عَمَّا وَقَعَ أَوْ سَيَقَعُ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهَا فَيَكُونُ حَرَامًا بَلْ كَبِيرَةً لِمَا تَقَدَّمَ سَابِقًا (م عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَلُ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ صَبْرًا» أَيْ حَبْسًا وَفِي الْجَامِعِ «نَهَى أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ» وَفِي شَرْحِهِ

ص: 79

بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يُمْسَكُ شَيْءٌ مِنْهَا ثُمَّ يُرْمَى بِشَيْءٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ مِنْ الصَّبْرِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ فِي ضِيقٍ يُقَالُ صَبَرْت الدَّابَّةَ إذَا حَبَسْتهَا بِلَا آلَةٍ وَمِنْهُ قَتْلُ الصَّبْرِ لِلْمُمْسَكِ حَتَّى يُقْتَلَ وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ لِلَعْنِ فَاعِلِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ

(وَ) مِنْهَا (التَّشْبِيكُ) إدْخَالُ بَعْضِ الْأَصَابِعِ فِي بَعْضِهَا (فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الذَّهَابِ إلَيْهِ) وَكَذَا فَرُقْعَةُ الْأَصَابِعِ وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَرَاهَتِهَا فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْمُجْتَبَى الْمُنْتَظِرُ إلَى الصَّلَاةِ وَالْمَاشِي إلَيْهَا كَمَنْ فِي الصَّلَاةِ فِي كَرَاهَتِهَا وَلِذَا كُرِهَ الْمُسَارَعَةُ فِي مَشْيِ الصَّلَاةِ فَيَمْشِي عَلَى هِينَةٍ وَعَلَى صُورَةِ خَشْيَةٍ فَكَأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ (حَدّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَرْفُوعًا «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ» وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ «فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ» أَيْ أَتَى بِهِ كَامِلًا تَامًّا غَيْرَ طَوِيلٍ وَلَا قَصِيرٍ بَلْ مُتَوَسِّطًا بَيْنَهُمَا «ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا» قَاصِدًا «إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» قِيلَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ بِقَوْلِهِ «فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ» أَشْبَهُ بِنَهْيِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي حُكْمِ صَلَاةٍ فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِتَرْكِ الْعَبَثِ وَاسْتِعْمَالِ الْخُشُوعِ كَيْفَ وَقَدْ كَانَ لِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ إلَّا أَنْ يُدَّعَى مَنْعَ حُرْمَتِهِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ أَوْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ شَيْءٍ فِي حُكْمِ شَيْءٍ آخَرَ ثُبُوتُ تَمَامِهِ لَهُ قَالَ فِي الْفَيْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْبِيهِ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِدَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لِكَوْنِهِ دَالًّا عَلَى تَشْبِيكِ الْأَحْوَالِ وَأَنَّ التَّشْبِيكَ مِنْ هَيْئَاتِ التَّصَرُّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَالصَّلَاةُ تُضَادُّ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ التَّشْبِيكَ جَالِبٌ لِلنَّوْمِ وَهُوَ ظِنَّةٌ لِلْحَدَثِ فَلِذَا كُرِهَ تَنْزِيهًا وَأَمَّا التَّشْبِيكُ بِيَدِ غَيْرِهِ فَكَذَا إلَّا لِنَحْوِ مَوَدَّةٍ وَأُلْفَةٍ ثُمَّ مَفْهُومُ الشَّرْطِ لَيْسَ قَيْدًا مُعْتَبَرًا فَمَنْ تَرَكَ حُسْنَهُ وَاكْتَفَى بِمُجَرَّدِ قَدْرِ الْوَاجِبِ بِتَرْكِ النَّدْبِ فَمَأْمُورٌ أَيْضًا وَكَذَا مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِلَا وُضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فِي طَرِيقِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ قِيلَ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ وَقِيلَ بِكَوْنِهِ مُنْكَرًا وَفِي الْجَامِعِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ» الْبَيْتُ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْرَاجِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فَالْمَعْنَى فِي مَحَلِّ إقَامَتِهِ «ثُمَّ أَتَى فِي الْمَسْجِدِ» فَكَذَا أَيْضًا فَالْمُرَادُ مَحَلُّ الْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا «كَانَ فِي صَلَاةٍ» أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ هُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى أَنْ يَعُودَ إلَى مَحَلِّهِ فَلَا يَقُلْ هَكَذَا أَيْ لَا يُشَبِّكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَالْمُشَارُ إلَيْهِ قَوْلُ الرَّاوِي وَشَبَّكَ أَيْ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّ النَّهْيَ عَنْ إدْخَالِ الْأَصَابِعِ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَاءِ إلَى مُلَابَسَةِ الْخُصُومَاتِ وَالْخَوْضِ فِيهَا وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ تَشْبِيكِهِ عليه الصلاة والسلام فَفِيمَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَلَا فِي قَصْدِهِ وَلَا فِي انْتِظَارِهَا وَقِيلَ تَشْبِيكُهُ لِفَائِدَةِ النَّهْيِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَصَدَ بِهِ التَّمْثِيلَ فِي السُّجُودِ لِمَعْنًى فِي اللَّفْظِ بِصُورَةِ الْحِسِّ (وَفِي رِوَايَةٍ «يَا كَعْبُ إذَا كُنْت فِي الْمَسْجِدِ فَلَا تُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِك فَأَنْتَ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَتْ الصَّلَاةَ» وَأَمَّا سُنِّيَّتُهُ فِي الْوُضُوءِ فَلِمُبَالَغَةِ الْغُسْلِ وَإِكْمَالِهِ غَايَتَهُ بِنَصٍّ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَافْهَمْ

(وَ) مِنْهَا (كِتَابَةُ مَا يَحْرُمُ تَلَفُّظُهُ) مِنْ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْبُهْتَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْحِكَايَةِ وَكَانَ لَهُ قَاصًّا (فَإِنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ) كَمَا يُقَالُ الْخَطُّ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَحُسْنُهُ أَحَدُ الْفَصَاحَتَيْنِ زَيْنُهُ زَيْنٌ وَشَيْنُهُ شَيْنٌ، وَيُقَالُ أَيْضًا الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ وَالْمُرَاسَلَةُ نِصْفُ الْمُوَاصَلَةِ (وَكِتَابَةُ الْقُرْآنِ بِالْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْحَدَثِ وَكَذَا مَسُّ هَؤُلَاءِ الْمُصْحَفَ وَالتَّفْسِيرَ وَمَا كُتِبَ فِيهِ آيَةٌ) مِنْ قِرْطَاسٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ دِرْهَمٍ وَفِي التُّحْفَةِ الْمَكْرُوهُ مَسُّ الْمَكْتُوبِ لَا مَوَاضِعُ الْبَيَاضِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْمَكْتُوبِ حَتَّى إنْ مَسَّ الْجِلْدَ وَمَسَّ مَوَاضِعَ الْبَيَاضِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّ الْقُرْآنَ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ وَالْمَنْعُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ انْتَهَى وَلَوْ مَسَّ كُتُبَ الشَّرِيعَةِ ذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَالْبَقَّالِيُّ لَا يُكْرَهُ وَفِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ يُرَخَّصُ لِأَهْلِهَا فِي مَسِّهَا بِالْكُمِّ وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَرُخِّصَ الْمَسُّ بِالْيَدِ فِي كُتُبِ الشَّرِيعَةِ لَا التَّفْسِيرِ وَفِي الْجَامِعِ لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا وَأَنْتَ طَاهِرٌ وَأَمَّا الْمَسُّ بِالْكُمِّ فَإِنْ مُصْحَفًا لَا لِكَوْنِهِ تَابِعًا لَهُ وَإِلَّا نَعَمْ لِلضَّرُورَةِ وَفِي التتارخانية لَا يَمَسُّ

ص: 80

بِمُجَرَّدِ غَسْلِ الْيَدِ وَلَا يَمَسُّ الْبَيَاضَ أَيْضًا وَيَمَسُّ بِغِلَافِهِ وَهُوَ الْجِلْدُ الْمُتَّصِلُ عَلَى مَا صَحَّحَ الْكَافِي وَالْمُنْفَصِلُ كَالْخَرِيطَةِ عَلَى مَا صَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْيَنَابِيعِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْجِلْدُ مَشْدُودًا بِحَبْلٍ جَازَ وَدَفْعُ الْمُصْحَفِ أَوْ اللَّوْحِ الَّذِي عَلَيْهِ الْقُرْآنُ إلَى الصِّبْيَانِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ بَعْضٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَعَلَيْهِ تَصْحِيحُ الْهِدَايَةِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ إنْ جَرَّبَ وَحَصَلَ الشِّفَاءُ بِالْكِتَابَةِ بِالْبَوْلِ وَعَلَى جِلْدِ مَيْتَةٍ وَبِالدَّمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ

(وَيُكْرَهُ تَصْغِيرُ الْمُصْحَفِ) لَفْظًا فَلَا يُقَال مُصَيْحِفٌ وَقَطْعًا فَلَا يُصَغَّرُ حَجْمُهُ كَذَا قِيلَ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إمَّا جَمَعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ جَمَعَ الْحَقِيقَتَيْنِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ بَلْ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ هُوَ الثَّانِي إلَّا أَنْ يُرَادَ بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ مَثَلًا قَالَ فِي الْأُسْرُوشَنِيِّ كُرِهَ تَصْغِيرُ الْمُصْحَفِ وَكِتَابَتُهُ بِقَلَمٍ رَقِيقٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ بِأَحْسَنِ خَطٍّ وَأَبْيَنِهِ عَلَى أَحْسَنِ وَرَقٍ وَأَبْيَضِ قِرْطَاسٍ وَأَفْخَمِ قَلَمٍ وَأَبْرَقِ مِدَادٍ وَيُجَرَّدُ عَمَّا سِوَاهُ مِنْ نَحْوِ النُّقَطِ وَالتَّعْشِيرَاتِ وَوَضْعِ عَلَامَاتِ الْآيِ وَالْحَرَكَاتِ قَالُوا لَا بَأْسَ فِي زَمَانِنَا وَلَا بَأْسَ فِي كِتَابَتِهِ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَتَحْلِيَتِهِ بِهِمَا وَكُرِهَ بَعْضُ ذَلِكَ وَكُرِهَ كِتَابَتُهُ عَلَى الْحِيطَانِ وَالرُّخَامِ وَالْأَرْضِ مَكَانَ النُّقُوشِ لِمَظَانِّ السُّقُوطِ تَحْتَ الْأَقْدَامِ وَقِيلَ لَا بَأْسَ وَيَجُوزُ تَوَسُّدُ الْمُصْحَفِ لِلْحِفْظِ لَا غَيْرُ وَلَا بَأْسَ بِإِمْسَاكِ الْمُصْحَفِ فِي بَيْتِهِ لِلتَّبَرُّكِ بَلْ يُرْجَى الثَّوَابُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهُ أَحَدٌ وَكَذَا إمْسَاكُ الْخَمْرِ لِلتَّخْلِيلِ وَأَمَّا إمْسَاكُ آلَةِ اللَّهْوِ فَإِثْمٌ وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا

وَكُرِهَ لَفُّ شَيْءٍ فِي وَرَقٍ كُتِبَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ وَاسْمُ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَوْ قُرْآنٌ أَوْ حَدِيثٌ أَوْ فِقْهٌ بِخِلَافِ الْكِيسِ لِأَنَّهُ يُعَظَّمُ وَالْقِرْطَاسُ يُسْتَهَانُ وَلَا يَجُوزُ مَحْوُ اسْمِ اللَّهِ بِالْبُزَاقِ

(وَأَخْذُ مَالٍ بِلَا إذْنِهِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ مُدَّةً ثُمَّ يَرُدُّهُ) إلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ نَقْصٌ وَعَيْبٌ) فَإِنْ لَحِقَهُ نَقْصٌ أَوْ عَيْبٌ يَجِبُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَإِلَّا فَيَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ وَالنَّدَمُ (لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ لِيَحْبِسَهُ عَنْ صَاحِبِهِ جِدًّا) قَصْدًا (أَوْ هَزْلًا وَرَوْعُ الْمُسْلِمِ وَإِخَافَتُهُ بِسَلِّ السِّلَاحِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ مِزَاحًا) كَرَفْعِ الْعَصَا وَإِيهَامِ الرَّمْيِ بِالْحَصْيِ وَإِشَارَتِهِ بِنَحْوِ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَفِي الْجَامِعِ مَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ كَسِكِّينٍ وَخِنْجَرٍ وَسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ السِّلَاحِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ تَدْعُو عَلَيْهِ بِالطَّرْدِ وَالْبُعْدِ عَنْ الْجَنَّةِ أَوَّلَ الْأَمْرِ أَوْ عَنْ الرَّحْمَةِ الْكَامِلَةِ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَيْ وَإِنْ هَازِلًا وَفِيهِ أَيْضًا مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إلَى أَخِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إذَا اسْتَحَقَّ الَّذِي يُشِيرُ بِالْحَدِيدَةِ اللَّعْنَ أَوْ الْقَتْلَ فَكَيْفَ بِاَلَّذِي يُصِيبُ بِهَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ إذَا كَانَتْ إشَارَةَ تَهْدِيدٍ جَادًّا أَوْ لَاعِبًا لِإِيقَاعِ الرَّوْعِ، نَعَمْ الْهَازِلُ دُونَ الْجَادِّ (ز طب شَيْخٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ «رَجُلًا أَخَذَ نَعْلَ رَجُلٍ فَغَيَّبَهَا» عَنْ صَاحِبِهَا «وَهُوَ يَمْزَحُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عليه الصلاة والسلام لَا تُرَوِّعُوا» مِنْ الرَّوْعِ «الْمُسْلِمَ فَإِنَّ رَوْعَةَ الْمُسْلِمِ ظُلْمٌ عَظِيمٌ» قِيلَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَبِيرَةٌ لَعَلَّ ذَلِكَ مُفَادٌ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالظُّلْمِ وَتَوْصِيفِهِ بِالْعَظَمَةِ وَفِي الْفَيْضِ لَوْ كَانَ الْفَاعِلُ مَعْرُوفًا بِالْهَزْلِ وَالضَّحِكِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ مِنْهُ (خ م عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ» الْحَمْلُ كِنَايَةٌ عَنْ الْمُقَاتَلَةِ وَالْمُضَارَبَةِ «فَلَيْسَ مِنَّا» إنْ اسْتَحَلَّ وَإِلَّا فَالْمُرَادُ فَلَيْسَ الْمُتَخَلِّقُ بِأَخْلَاقِنَا أَوْ الْعَامِلُ بِسُنَّتِنَا وَالْمُسْتَحِقُّ لِشَفَاعَتِنَا أَوْ اللَّاحِقُ

ص: 81

بِزُمْرَتِنَا وَدَاعِي الْمَجَازِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَنْعِ بِإِيهَامٍ ظَاهِرٍ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ تَأْوِيلُهُ وَجَمَعَ الضَّمِيرَ لِيَعُمَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ (د ت عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولًا» فَاللَّائِقُ أَنْ يَكُونَ تَعَاطِيهِ بَيْنَ الْقَوْمِ إذَا أُرِيدَ النَّظَرُ إلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الْغِمْدِ لَا مَسْلُولًا قَالَ فِي الْفَيْضِ فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي تَنَاوُلِهِ فَيَنْجَرِحُ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ يَسْقُطُ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ فَيُؤْذِيهِ وَفِي مَعْنَاهُ السِّكِّينُ وَنَحْوُهَا.

(وَ) مِنْهَا (الْقَزَعُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ فَمُهْمَلَةٌ وَهُوَ أَنْ يَحْلِقَ بَعْضَ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيَتْرُكَ مِنْهُ مَوَاضِعَ النَّهْيِ وَلِتَقْبِيحِ الصُّورَةِ وَلِتَشِبِّيهِ الْكَفَرَةِ فَإِذَا مُنِعَ مِنْ الصَّبِيِّ فَبِالْأَوْلَى مِنْ الْبَالِغِ ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْأَعَمِّ مِنْ الصَّبِيِّ أَوْ تُجُوِّزَ لَهُ وَفِي الْجَامِعِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «احْلِقُوهُ أَيْ أَزِيلُوا شَعْرَ الرَّأْسِ كُلَّهُ أَوْ اُتْرُكُوهُ كُلَّهُ» فَحَلْقُ الْبَعْضِ مَعَ تَرْكِ الْبَعْضِ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا تَنْزِيهًا بِلَا عُذْرٍ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْقَفَا أَوْ النَّاصِيَةِ أَوْ الْوَسَطِ خِلَافًا لِبَعْضِ مَا فِيهِ مِنْ التَّشْوِيهِ وَتَقْبِيحِ الصُّورَةِ وَزِيِّ أَهْلِ الْفَسَادِ بَلْ زِيِّ الْيَهُودِ وَيَشْمَلُ مَا إذَا تَرَكَ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةً أَوْ حَلَقَ الْأَكْثَرَ وَتَرَكَ مَحَلًّا وَاحِدًا وَهُوَ مِنْ كَمَالِ الْمَحَبَّةِ الْمُصْطَفَى لِلْعَدْلِ فَإِنَّهُ أَمَرَ بِهِ حَتَّى فِي شَأْنِ الْإِنْسَانِ مَعَ نَفْسِهِ فَنَهَاهُ عَنْ حَلْقِ بَعْضٍ وَتَرْكِ بَعْضٍ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لِلرَّأْسِ حَيْثُ جَعَلَ بَعْضَهُ كَاسِيًا وَبَعْضَهُ عَارِيًّا وَنَظِيرُهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ.

وَقَوْلُهُ احْلِقُوهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْحَلْقِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَخَصَّ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِالضَّرُورَةِ لِوُرُودِ النَّهْيِ فِي غَيْرِ الْحَجِّ لِكَوْنِهِ فِعْلَ الْمَجُوسِ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي شَامَةَ الْأَوْلَى تَرْكُهُ لِلتَّشْوِيهِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ إذْ لَمْ يُنْقَلْ حَلْقُهُ عليه الصلاة والسلام بَلْ إثْمٌ فِي غَيْرِ نُسُكٍ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي حَيِّزِ الْمَنْعِ بِلَا رَيْبٍ كَيْفَ وَقَدْ «حَلَقَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَ ابْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -» وَأَعْدَلُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ لَا بَأْسَ بِحَلْقِهِ لِمَزِيدِ التَّنْظِيفِ وَلَا بِتَرْكِهِ لِمَنْ يَدَّهِنُ وَيَتَرَجَّلُ يَعْنِي مَنْ قَدَرَ عَلَى دَهْنِهِ وَتَرْجِيلِهِ فَبَقَاؤُهُ لَهُ أَوْلَى وَمَنْ عَسُرَ عَلَيْهِ لِضَعْفٍ وَفَقْرٍ فَيُلَبَّدُ وَيَتَوَسَّخُ وَيَجْمَعُ الْقَمْلَ فَحَلْقُهُ أَوْلَى.

وَأَمَّا فِي الْأُنْثَى فَحَلْقُهَا لَهُ مَكْرُوهٌ حَيْثُ لَا ضَرَرَ بَلْ إنْ مُفْتَرِشَةً وَلَمْ يَأْذَنْ الْحَلِيلُ حَرُمَ بَلْ عَدَّهُ فِي الْمَطَامِحِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَشَاعَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَلَقَتْ رَأْسَهَا بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا سَقَطَ صَدَاقُهَا وَذَلِكَ صَرْخَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ كَذَا فِي الْفَيْضِ وَأَيْضًا عَنْ الدَّيْلَمِيِّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَقْعَدُ الشَّيْطَانِ الْقَزَعُ فِي رُءُوسِ الصِّبْيَانِ» .

(وَحَلْقُ رَأْسِ الْمَرْأَةِ) عَرَفْت تَفْصِيلَهُ آنِفًا (وَلِحْيَةِ الرَّجُلِ) أَيْ وَحَلْقُ لِحْيَةِ الرَّجُلِ وَفِي التَّقْيِيدِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إزَالَتَهُ لِلْمَرْأَةِ لَيْسَ بِآفَةٍ وَفِي الْجَامِعِ «قُصُّوا الشَّوَارِبِ وَاعْفُوا اللِّحَى» أَيْ وَفِّرُوهَا وَكَثِّرُوهَا مِنْ عَفْوِ الشَّيْءِ وَهُوَ كَثْرَتُهُ وَنَمَاؤُهُ فَحَلْقُهَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقُ فَالْحَلْقُ مُحَرَّمٌ فِي التتارخانية عَنْ التَّجْنِيسِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُحْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى» أَيْ قُصُّوا الشَّوَارِبَ وَاتْرُكُوا اللِّحَى كَمَا هِيَ وَلَا تَحْلِقُوهَا وَلَا تَقْطَعُوهَا وَلَا تُنْقِصُوهَا مِنْ قَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْقَبْضَةُ انْتَهَى وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ مَنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ لِحْيَتَهُ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ وَفِي صَلَاةِ نَفْسِهِ كَرَاهَةٌ وَهُوَ مَلْعُونٌ وَمَرْدُودٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَمْ يُعْلَمُ لَهُ ثَبْتٌ وَمِثْلُهُ مَا نُقِلَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ (وَقَصُّ أَقَلَّ مِنْ قَبْضَةٍ مِنْهَا) مِنْ اللِّحْيَةِ (وَلَوْ بِالْإِذْنِ) بَلْ بِالْأَمْرِ مِنْ صَاحِبِهَا وَعَنْ

ص: 82

أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ حَلْقُ مَا تَحْتَ الذَّقَنِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْقَبْضَةِ فَيَجُوزُ قَصُّ الزَّائِدِ بَلْ مُسْتَحَبٌّ وَفِي الِاخْتِيَارِ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ طُولٌ فَاحِشٌ وَخِلَافُ زِينَةٍ وَفِي الصُّرَّةِ عَنْ النِّهَايَةِ وَاجِبٌ وَرُوِيَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْ طُولِ لِحْيَتِهِ وَعَرْضِهَا» وَعَنْ الْفَتَاوَى مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقْطَعُ الزِّيَادَةَ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَعَنْ الْعَتَّابِيِّ لَا يَحْلِقُ شَعْرَ حَلْقِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي مُشْكِلَاتِ الْقُدُورِيِّ وَفِي التتارخانية عَنْ الْمُلْتَقَطِ لَا بَأْسَ بِجَزِّ الزَّائِدِ عَلَى الْقَبْضَةِ وَلَا بَأْسَ إذَا طَالَتْ لِحْيَتُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَطْرَافِهَا وَعَنْ الْمُضْمَرَاتِ لَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْجَانِبَيْنِ وَشَعْرِ وَجْهِهِ مَا لَمْ يُشْبِهْ الْمُخَنَّثَ

وَعَنْ جَامِعِ الْجَوَامِعِ حَلْقُ عَانَتِهِ بِيَدِهِ وَحَلْقُ الْحَجَّامِ جَائِزٌ إذَا غَضَّ بَصَرَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَازَ لِلرَّجُلِ الْأَخْذُ مِنْ شَعْرِ الْحَاجِبِ وَالْوَجْهِ

وَأَمَّا خِضَابُ اللِّحْيَةِ فَإِنْ بِالسَّوَادِ لَيْسَ بِجَائِزٍ لِوَعِيدٍ عَظِيمٍ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَخْتَضِبُونَ بِهَذَا السَّوَادِ لَا يَجِدُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام هُوَ خِضَابُ أَهْلِ النَّارِ وَأَوَّلُ مَنْ اخْتَضَبَ بِهِ فِرْعَوْنُ وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ» وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَاقِلَ عَنْ الْغُرُورِ وَيَدْعُو إلَى دَارِ السُّرُورِ وَيَكْسِرُ الشَّهَوَاتِ وَيَمِيلُ إلَى الطَّاعَاتِ وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الثَّوَابَ الْمُفْضِيَ إلَى النُّورِ فِي التتارخانية إنَّ لِلْغُزَاةِ لِهَيْبَةِ الْعَدُوِّ فَمَحْمُودٌ وَإِنْ لِتَزْيِينِ نَفْسِهِ لِلنِّسَاءِ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي يُعْجِبُهَا أَنْ أَتَزَيَّنَ لَهَا وَإِنْ كَانَ الْخِضَابُ بِالْحُمْرَةِ فَفِي التتارخانية سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَأَنَّهُ مِنْ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ وَعَلَامَاتِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَحَادِيثُ نَحْوُ أَنَّ «الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ» وَنَحْوُ «اخْتَضِبُوا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ» بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّبْعِ السَّلِيمِ أَوْ بِمَعْنَى الْفَاضِلِ «يُسَكِّنُ الرَّوْعَ» أَيْ الْفَزَعَ لِخَاصَّةٍ فِيهِ عَلِمَهَا الشَّارِعُ وَنَحْوُ اخْتَضَبُوا نَدْبًا بِالْحِنَّا فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي شَبَابِكُمْ وَجَمَالِكُمْ وَنِكَاحِكُمْ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْأَعْضَاءَ وَالْأَعْصَابَ وَفِيهِ قَبْضٌ وَتَرْطِيبٌ وَلَوْنُهُ نَارِيٌّ مَحْبُوبٌ مُهَيِّجٌ لِلْمَحَبَّةِ وَفِي رِيحِهِ عِطْرِيَّةٌ مَعَ قَبْضٍ وَخَضْبُ الْمَرْأَةِ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا مَنْدُوبٌ وَمِنْ التَّرْغِيبِ مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ مَرْفُوعًا «اخْتَضِبُوا فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَكُلَّ مَا ذَرَأَ وَبَرَأَ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي بِحَارِهَا وَالطَّيْرُ فِي أَوْكَارِهَا يُصَلُّونَ عَلَى صَاحِبِ الْخِضَابِ حَتَّى يَنْصُلَ خِضَابُهُ» وَنَحْوُ «اخْتَضِبُوا وَافْرُقُوا» أَيْ اجْعَلُوا شَعْرَ رُءُوسِكُمْ فِرْقَتَيْنِ عَنْ يَمِينٍ وَيَسَارٍ وَخَالَفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَضِبُونَ وَلَا يَفْرُقُونَ وَالْخِضَابُ مُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَنْظِيفُ الشَّعْرِ وَتَقْوِيَتُهُ وَتَحْسِينُهُ وَتَلْيِينُهُ وَشَدُّ الْأَعْضَاءِ وَجَلَاءُ الْبَصَرِ وَتَطْيِيبُ الرِّيحِ وَزِيَادَةُ الْجَمَالِ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ الْكُلُّ مِنْ الْفَيْضِ وَأَمَّا السُّنَّةُ الْفِعْلِيَّةُ فَقِيلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -

ص: 83

كَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ فِي عُمُرِهِ وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَخْتَضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتْمِ كَمَا فِي الشِّرْعَةِ مَعَ شَرْحِهِ (إلَّا لِلتَّدَاوِي) لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّهَا تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا

(وَإِلْقَاءُ قُلَامَةِ الظُّفْرِ) مَا سَقَطَ مِنْهُ (أَوْ الشَّعْرِ إلَى الْكَنِيفِ) مَحَلُّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ (أَوْ الْمُغْتَسَلِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ يُورِثُ دَاءً) فِي التتارخانية يَجِبُ أَنْ يُدْفَنَ وَإِنْ رُمِيَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِيهِ عَنْ الْغِيَاثِيَّةِ تُدْفَنُ أَرْبَعَةٌ الظُّفْرُ وَالشَّعْرُ وَخِرْقَةُ الْحَيْضِ وَالدَّمُ وَقِيلَ كُلُّ مَا انْفَصَلَ عَنْ الْإِنْسَانِ فَفِيهِ حُرْمَةُ الْإِنْسَانِ فَيُدْفَنُ كَالْإِنْسَانِ (كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ) وَغَيْرِهِ

(وَ) مِنْهَا (قَلْعُ الشَّوْكِ وَالْحَشِيشِ الرَّطْبَيْنِ عَلَى الْقَبْرِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ) فَإِنَّ النَّبَاتَاتِ مَا دَامَتْ رَطْبَةً تُسَبِّحُ اللَّهَ فَحِينَئِذٍ يَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ وَيَسْتَأْنِسُ بِتَسْبِيحِهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَيُكْرَهُ قَطْعُ الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ فَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ رَطْبًا يُسَبِّحُ فَيُؤْنِسُ الْمَيِّتَ (بِخِلَافِ الْيَابِسِ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِقَبْرَيْنِ جَدِيدَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَتَنَزَّهُ عَنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ غَرَسَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْت هَذَا؟ قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» عَلَى اتِّفَاقِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ اسْتَدَلَّ بَعْضُ عُلَمَائِنَا عَلَى نَفْعِ الْمَيِّتِ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فَإِذَا خُفِّفَ عَنْهُمَا بِتَسْبِيحِ الْجَرِيدَةِ فَكَيْفَ بِقِرَاءَةِ الْمُؤْمِنِ الْقُرْآنَ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فَلَيْسَ غَرْسُ الْأَشْجَارِ عِنْدَ الْقُبُورِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي شَرْحِ الصُّدُورِ كَمَا فِي الْوَسِيلَةِ وَفِي رِسَالَةِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَوْصَى أَبُو ذَرٍّ الصَّحَابِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِوَضْعِ شَجَرَتَيْنِ رَطْبَتَيْنِ فِي الْقَبْرِ مَعَهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بِكَرَاهَةِ قَطْعِ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ الرَّطْبَيْنِ لِأَنَّ بِتَسْبِيحِهِمَا يَسْتَأْنِسُ الْمَيِّتُ وَيُرْفَعُ عَذَابُهُ

(وَ) مِنْهَا (نَبْشُ الْقَبْرِ) فَيَحْرُمُ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ (وَإِنْ دُفِنَتْ) الْمَرْأَةُ (مَعَ أَنَّ الْوَلَدَ يَتَحَرَّكُ فِي بَطْنِهَا ثُمَّ رُئِيَتْ فِي الْمَنَامِ وَقَالَتْ وَلَدْت) فِي الْقَبْرِ لِأَنَّ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ الْعِلْمِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ مَوْتُ الْوَلَدِ بِمَوْتِ الْأُمِّ وَالْحَيَاةُ نَادِرَةٌ وَلَا حُكْمَ فِي الشَّرْعِ لِلنَّادِرِ (إلَّا إذَا كَانَتْ دُفِنَتْ فِي مِلْكٍ لِغَيْرٍ) بِلَا إذْنِهِ (فَصَاحِبُهُ) حِينَئِذٍ (مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ) بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ بِالْأَمْرِ (وَإِنْ شَاءَ سَوَّى) الْأَرْضَ (وَزَرَعَ فَوْقَهُ) أَوْ انْقَطَعَ بِغَيْرِهِ لَوْ وُضِعَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ أَوْ جَعَلَ رَأْسَهُ فِي مَوْضِعِ رِجْلَيْهِ وَأُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ لَمْ يُنْبَشْ وَلَوْ سَوَّى عَلَيْهِ اللَّبِنَ وَلَمْ يُهِلْ عَلَيْهِ التُّرَابَ نُزِعَ اللَّبِنُ وَرُوعِيَ السُّنَّةُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمِنَحِ لَكِنْ يَجُوزُ لِحَقِّ الْآدَمِيّ كَمَا إذَا وَقَعَ مَتَاعُ شَخْصٍ فِي الْقَبْرِ أَوْ كُفِّنَ فِي ثَوْبِ الْغَيْرِ كَدَفْنِهِ فِي مِلْكِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ امْرَأَةٌ مَاتَ وَلَدُهَا فَدُفِنَ وَهِيَ لَا تَصْبِرُ لَيْسَ لَهَا نَبْشُ قَبْرِهِ

(وَ) مِنْهَا (إدْخَالُ الْأُصْبُعُ فِي الدُّبُرِ وَالْفَرْجِ وَلَوْ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا لِلتَّدَاوِي) وَلِذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ

ص: 84

لَا يَجُوزُ لِلْقَابِلَةِ إزَالَةُ بَكَارَةِ زَوْجَةِ الْعِنِّينِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ بِيَدِهَا بَلْ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ لَيْلَةَ الْعُرْسِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إزَالَتِهَا بِالذَّكَرِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ أَنْ يَكُونَ زَوْجَةُ الْعِنِّينِ حُبْلَى مَعَ بَكَارَتِهَا بِنَاءً عَلَى تَشَرُّبِ الرَّحِمِ مِنْ الْمَنِيِّ الَّذِي فِي فَمِ الْفَرْجِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي

(وَ) مِنْهَا (الِاسْتِنْجَاءُ وَالِامْتِخَاطُ بِالْيَمِينِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (بِالشِّمَالِ وَكَذَا كُلُّ مَا فِيهِ رَفْعُ أَذًى وَخَسَّةٍ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالشِّمَالِ كَإِلْقَاءِ نَجَاسَةٍ (فَإِنَّ الْيَمِينَ) لِشَرَفِهَا مُعَدَّةٌ (لِلْأُمُورِ الشَّرِيفَةِ كَأَخْذِ الْمُصْحَفِ وَالْكُتُبِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيُمْنَى لِطَهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى» وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَعِينَ بِيَسَارِهِ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ الْخُبْزَ بِيَمِينِهِ وَالْبِطِّيخَ بِيَسَارِهِ فَيَأْكُلُ مِنْ هَذَا مَرَّةً وَمِنْ هَذَا أُخْرَى» وَفِي الْجَامِعِ «كَانَ يَأْخُذُ الرُّطَبَ بِيَمِينِهِ وَالْبِطِّيخَ بِيَسَارِهِ فَيَأْكُلُ الرُّطَبَ قَبْلَ بِالْبِطِّيخِ» وَعَنْ الشِّرْعَةِ وَكَانَ «- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ الْخُبْزَ بِيَمِينِهِ وَالْبِطِّيخَ بِيَسَارِهِ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ» وَفِي الْجَامِعِ «لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ» نَدْبًا مُؤَكَّدًا «وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ» لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنَاسِبٌ لِلْأَعْمَالِ الشَّرِيفَةِ مِنْ الْيُمْنِ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ أَوْ مِنْ الْيَمِينِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ وَلِذَا نَسَبَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ إلَى الْيَمِينِ وَعَكْسُهُ فِي أَصْحَابِ الشِّمَالِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ حَقِيقَةً فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُمْكِنٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ نَدْبُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ بِالْيَمِينِ وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ بِالشِّمَالِ وَأَفَادَ نَدْبُ تَجَنُّبِ مَا يُشْبِهُ فِعْلَ الشَّيْطَانِ وَأَنَّ لِلشَّيْطَانِ يَدَيْنِ ظَاهِرُهُ الشُّمُولُ لِلْأَشْيَاءِ الشَّرِيفَةِ وَالْخَسِيسَةِ لَكِنَّ الْقِيَاسَ اخْتِصَاصُهُ بِالشَّرِيفَةِ وَأَمَّا الْخَسِيسَةُ فَبِالْيَسَارِ كَمَا فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ

(وَكَذَا يُقَدِّمُ الْيُمْنَى فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ) وَغَيْرِهِمَا فِي الْجَامِعِ عَلَى تَخْرِيجِ الشَّيْخَيْنِ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ مَا اسْتَطَاعَ فَيُحَافَظُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا لِمَانِعٍ لَيْسَ مِنْهُ بُدٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَا يُسْتَطَاعُ فِيهِ التَّيَامُنُ كَفِعْلِ الْمُسْتَقْذَرَةِ بِالْيَمِينِ كَاسْتِنْجَاءٍ وَتَمَخُّطٍ فِي طَهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ مِمَّا هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْرِيمِ وَالتَّزْيِينِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا مِنْ قَبِيلِ عَامٍّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ لِأَنَّ الْخَلَاءَ وَالْخُرُوجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَنَحْوَهُمَا يُبْدَأُ بِالْيَسَارِ وَفِي التَّأْكِيدِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ سَفَرًا وَحَضَرًا وَفَرَاغَةً وَشُغْلًا وَفِيهِ نَدْبُ الْبُدَاءَةِ بِشِقِّ الرَّأْسِ الْأَيْمَنِ فِي التَّرَجُّلِ وَالْغُسْلِ وَالْحَلْقِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِزَالَةِ فَيُبْدَأُ بِالْيُسْرَى بَلْ مِنْ بَابِ الْعِبَادَةِ وَالتَّزْيِينِ وَالْبُدَاءَةِ بِالرِّجْلِ الْيُمْنَى فِي التَّنَعُّلِ وَفِي إزَالَتِهَا بِالْيُسْرَى وَالْبُدَاءَةِ بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى فِي الْوُضُوءِ وَبِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِي الْغُسْلِ وَنُدِبَ الصَّلَاةُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَفِي مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وَفِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَمَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالتَّزْيِينِ يُبْدَأُ بِالْيُمْنَى وَعَكْسُهُ عَكْسُهُ كَذَا فِي الْفَيْضِ وَفِي مَحَلٍّ آخَرَ مِنْهُ عَنْ النَّوَوِيِّ يُنْدَبُ بِالْبُدَاءَةِ بِالْيُمْنَى فِي كُلِّ مَا فِيهِ تَكْرِيمٌ أَوْ زِينَةٌ كَوُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَلُبْسِ نَعْلٍ وَثَوْبٍ وَخُفٍّ وَسَرَاوِيلَ وَدُخُولِ مَسْجِدٍ وَسِوَاكٍ وَاكْتِحَالٍ وَقَلْمِ ظُفْرٍ وَقَصِّ شَارِبٍ وَنَتْفِ إبْطٍ وَحَلْقِ رَأْسٍ وَسَلَامٍ مِنْ صَلَاةٍ وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَمُصَافَحَةٍ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَخُرُوجٍ مِنْ خَلَاءٍ وَأَخْذٍ وَإِعْطَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ وَفِي الْيَسَارِ فِي ضِدِّهِ كَخَلْعِ نَعْلٍ وَخُفٍّ وَسَرَاوِيلَ وَثَوْبٍ وَدُخُولِ خَلَاءٍ وَخُرُوجٍ مِنْ مَسْجِدٍ وَاسْتِنْجَاءٍ وَفِعْلِ مُسْتَقْذَرٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْيَمِينُ مَحْبُوبُ اللَّهِ وَمُخْتَارُهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ فَأَهْلُ الْجَنَّةِ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلُ السَّعَادَةِ يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ وَكَاتِبُ الْحَسَنَاتِ وَكِفَّةُ الْحَسَنَاتِ الْيَمِينُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. (وَيُؤَخَّرُ) الْيَمِينُ (فِي النَّزْعِ) وَعَنْ الْأَزْهَارِ يُسْتَحَبُّ فِي اللُّبْسِ الِابْتِدَاءُ بِالْكُمِّ الْأَيْمَنِ وَالنَّزْعُ بِالْأَيْسَرِ حَكَى بَعْضٌ عَنْ بَعْضِ الثِّقَاتِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي تُفْعَلُ مُرَتَّبًا لَا فِيمَا يُفْعَلُ مَعًا كَغَسْلِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بِلَا تَرَتُّبٍ وَكَوَضَعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السَّجْدَةِ وَرَفْعِهِمَا مِنْهَا وَكَمَسْحِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ عَقِيبَ الدَّعَوَاتِ

ص: 85

وَلَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ الثِّقَاتِ يَفْعَلُ تَقْدِيمَ الْيَمِينِ عِنْدَ السَّجْدَةِ وَسَأَلْته فَعَزَا إلَى بَعْضِ الْمُعْتَبَرِينَ لَكِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ (وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ)

(وَمِنْهَا التَّخَتُّمُ بِغَيْرِ الْفِضَّةِ) ذَهَبًا أَوْ حَدِيدًا أَوْ غَيْرَهُ (لِلرِّجَالِ) قَالَ فِي التتارخانية فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ هَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الذَّهَبِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالْحَجَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ أَمَّا حُرْمَةُ الذَّهَبِ فَمَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ بَعْضٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ «الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ لَبِسَ خَاتَمَ ذَهَبٍ وَقَالَ كَسَانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَكَذَا وُجِدَ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ عِنْدَ قَتْلِهِ.

وَأَمَّا التَّخَتُّمُ بِالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ فَحَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِحَجَرِ الْيَشْمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِذَهَبٍ وَحَدِيدٍ وَصُفْرٍ بَلْ حَجَرٌ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَأَمَّا التَّخَتُّمُ بِالْعَظْمِ لِأَجْلِ الرَّمْيِ فَقِيلَ عَنْ أُسْتَاذِي إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الرَّمْيِ فَقَطْ وَتَصْحِيحُ الذَّخِيرَةِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْعَقِيقِ وَتَصْحِيحُ قَاضِي خَانْ عَلَى جَوَازِهِ وَبِالْحَجَرِ حَلَالٌ عَلَى اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ وَحَرَامٌ عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي

(وَالْعِبْرَةُ لِلْحَلْقَةِ لَا لِلْفَصِّ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ) الْفَصُّ (مِنْ يَاقُوتٍ) عَنْ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ التَّخَتُّمُ وَالتَّقَلُّدُ بِهِ أَمْنٌ مِنْ الطَّاعُونِ وَمُسَهِّلٌ لِلْحَوَائِجِ الصَّعْبَةِ وَنَافِعٌ لِلْخَفَقَانِ وَالْوَسْوَاسِ إذَا عُلِّقَ وَأَمْنٌ مِنْ الصَّاعِقَةِ (أَوْ عَقِيقٍ) لِحَدِيثِ الْجَامِعِ «تُخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ» وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ قَالَ الشَّارِحُ أَيْ كَثِيرُ الْخَيْرِ وَقَالَ فِي حَدِيثٍ لَهُ شَأْنٌ «مَنْ تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ وُفِّقَ لِكُلِّ خَيْرٍ وَأَحَبَّهُ الْمَلَكَانِ» وَمِنْ خَوَاصِّهِ تَسْكِينُ الرَّوْعِ عِنْدَ الْخِصَامِ وَيَقْطَعُ نَزْفَ الدَّمِ قِيلَ أَرَادَ بِهِ اتِّخَاذَ خَاتَمٍ فَصُّهُ مِنْ عَقِيقٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «تَخَتَّمُوا بِالْخَوَاتِمِ الْعَقِيقِ فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُ أَحَدَكُمْ غَمٌّ مَا دَامَ فِيهِ وَأَنَّ مَنْ تَخَتَّمَ بِهِ أَمِنَ مِنْ الطَّاعُونِ وَتَيَسَّرَتْ لَهُ أُمُورُ الْمَعَاشِ وَيُقَوِّي قَلْبَهُ وَيَهَابُهُ النَّاسُ وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ قَضَاءَ الْحَوَائِجِ» اهـ مُلَخَّصًا (أَوْ فَيْرُوزَجَ) حَجَرٌ أَخْضَرُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَحْجَارِ وَفِي التتارخانية وَظَاهِرُ عُمُومِ النَّهْيِ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ الْفَصُّ مِنْ الْحَجَرِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِلْحَلْقَةِ لَا لِلْفَصِّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ خَاتَمَ فِضَّةٍ فَإِنْ جَعَلَ فَصَّهُ مِنْ جَزَعٍ أَوْ عَقِيقٍ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ زُمُرُّدٍ أَوْ فَيْرُوزَجَ فَلَا بَأْسَ

وَإِنْ نَقَشَ عَلَيْهِ اسْمَ أَبِيهِ أَوْ اسْمَهُ وَمَا بَدَا لَهُ مِنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلَ قَوْلِهِ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ (ت عَنْ «بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى عَلَيْك» حِينَئِذٍ «حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» قِيلَ إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ كَرَاهَةِ رِيحِهِ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ أَنَّهُ زِيُّ بَعْضِ الْكُفَّارِ وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى اتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» فَفِي الْفَيْضِ عَنْ التوربشتي وَخَاتَمُ الْحَدِيدِ وَإِنْ نُهِيَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِذَلِكَ فِي جُمْلَةِ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ لِطَالِبِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ لِقِلَّةِ مَا يَجْعَلُ مَهْرًا لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَيْضِ بَعْدَ ذَلِكَ حَلَّ فِيهِ نِكَاحُ الْمُعْسِرِ وَاتِّخَاذُ خَاتَمِ حَدِيدٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ إذْ الْجَوَازُ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ قَالُوا إنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام الْمَكْرُوهَ لِبَيَانِ جَوَازِ أَصْلِهِ فَافْهَمْهُ وَبِالْجُمْلَةِ يَنْدَفِعُ بِمَا

ص: 86

ذُكِرَ مَا قِيلَ إنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ كَرَاهَةِ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ مُحْتَجًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ «ثُمَّ جَاءَهُ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ صُفْرٍ» نُحَاسٍ «فَقَالَ مَالِي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ» لِأَنَّ صَنَمَهُمْ مِنْ الصُّفْرِ غَالِبًا «ثُمَّ أَتَاهُ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ مَالِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ» بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ «أَهْلِ الْجَنَّةِ» يَعْنِي أَنَّ الذَّهَبَ لَيْسَ مِنْ حِلْيَةِ الرِّجَالِ فِي الدُّنْيَا بَلْ فِي الْجَنَّةِ «قَالَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: مِنْ وَرِقٍ» أَيْ اجْعَلْهُ نَاقِصًا عَنْ مِثْقَالٍ «وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا» وَهُوَ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ نَهْيُ إرْشَادٍ إلَى الْوَرَعِ فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ أَقَلَّ مِنْ مِثْقَالٍ فَإِنْ أَتَمَّهُ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ جَازَ وَعِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ التَّرْكُ أَوْلَى لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَيَجْعَلُ الْفَصَّ إلَى بَاطِنِ الْكَفِّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ لِلزِّينَةِ فِي حَقِّهَا وَيَجْعَلُهُ فِي خِنْصَرِ الْيُسْرَى لِأَنَّهُ فِي الْيُمْنَى تَشْبِيهٌ بِالرَّوَافِضِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُنْيَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَيَجْعَلُهُ فِي الْيُسْرَى فِي الْخِنْصَرِ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «اجْعَلْهُ فِي يَمِينِك» كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ صَارَ ذَلِكَ عَلَامَاتِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَعَنْ مُخْتَصَرِ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ إذَا كَانَ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ الرِّجَالِ وَأَمَّا عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ فَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَبَيَّنَ فِي الْخُلَاصَةِ هَيْئَةَ خَاتَمِ النِّسَاءِ كَوْنُهُ فَصُّهُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٌ (د عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ وَكَانَ فَصُّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ» قَالَ فِي الْفَيْضِ يَعْنِي أَكْثَرَ حَالِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَخَتَّمُ فِي الْيَسَارِ أَيْضًا لَكِنْ الْيَمِينُ أَفْضَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعَكْسُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَنَقَلَ الْعِرَاقِيُّ الْيَسَارَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ الْيَمِينُ أَصَحُّ وَالْيَمِينُ أَحَقُّ بِالزِّينَةِ وَكَوْنُهُ مِنْ شِعَارِ الرَّوَافِضِ لَا أَثَرَ لَهُ انْتَهَى وَعَنْ أَنَسٍ «خَاتَمُ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فِي خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى» لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْكِبْرِ لِقِلَّةِ حَرَكَاتِهَا وَتَخْصِيصُ الْخِنْصَرِ لِضَعْفِهَا وَجَبْرِ نُقْصَانِهَا بِالزِّينَةِ أَيْضًا عَنْ الشِّرْعَةِ (ت س هُنَّ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ يَنْزِعُ خَاتَمَهُ» لِمَا فِيهِ مِنْ اسْمِهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُ النَّزْعُ عِنْدَ الْخَلَاءِ لِكُلِّ مَا فِيهِ اسْمُهُ تَعَالَى وَلَوْ نَحْوَ الدِّرْهَمِ الْمَكْتُوبِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا قِيلَ لَكِنْ قَالُوا إنْ لَمْ يَثِقْ بِتَذَكُّرِهِ بَلْ غَالِبٌ عَلَى ظَنِّهِ النِّسْيَانُ فَلَا يَنْزِعُ (خ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «كَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ» أَيْ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولٌ سَطْرٌ وَاَللَّهُ سَطْرٌ» وَنَقْشُ خَاتَمِ أَبِي بَكْرٍ نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ وَعُمَرَ

ص: 87

كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا يَا عُمَرُ وَعُثْمَانُ لِتَصْبِرَنَّ أَوْ لَتَنْدَمَنَّ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ الْمُلْكُ لِلَّهِ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قُلْ الْخَيْرَ وَإِلَّا فَاسْكُتْ وَأَبِي يُوسُفَ مَنْ عَمِلَ بِرَأْيِهِ قَدْ نَدِمَ وَمُحَمَّدٌ مَنْ صَبَرَ ظَفِرَ وَلَوْ كَانَ فِي الْفَصِّ اسْمُ اللَّهِ أَوْ الرَّسُولِ يُسْتَحَبُّ جَعْلُ فَصِّهِ فِي الْكَفِّ عِنْدَ الْخَلَاءِ وَيُجْعَلُ فِي يَمِينِهِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ ثُمَّ الرَّجُلُ يَجْعَلُ الْفَصَّ فِي الْكَفِّ مُطْلَقًا خِلَافَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ زِينَةٌ فِيهِنَّ وَعَنْ الِاخْتِيَارِ تَرْكُ الْخَاتَمِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ أَفْضَلُ وَنَهَى الْحَلْوَانِيُّ بَعْضَ تَلَامِذَتِهِ عَنْهُ كَمَا حَكَى الْكَرْمَانِيُّ وَعَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ لَا يَتَخَتَّمُ إلَّا ثَلَاثَةٌ أَمِيرٌ أَوْ كَاتِبٌ أَوْ أَحْمَقُ وَفِي التتارخانية جَائِزٌ مُطْلَقًا وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي التتارخانية عَنْ الْغَنَّامِيِّ «أَنَّ مُعَاذًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا نَقْشُ خَاتَمِك يَا مُعَاذُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام آمَنَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ مُعَاذٍ حَتَّى خَاتَمُهُ ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مُعَاذٍ فَوَهَبَهُ لَهُ وَكَانَ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ» ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - حَتَّى وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ فَأَنْفَقَ مَالًا فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ وَوَقَعَ الْخِلَافُ وَالتَّشْوِيشُ بَيْنَهُمْ مِنْ حِينِ وَقَعَ الْخَاتَمُ فِي الْبِئْرِ

(وَ) مِنْهَا (أَخْذُ الرِّشْوَةِ وَإِعْطَاؤُهَا إلَّا لِدَفْعِ الظُّلْمِ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الزَّيْنِيَّةِ هِيَ لُغَةً الْجُعْلُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُغْرِبِ وَقَدْ رَشَاهُ إذَا أَعْطَاهُ الرِّشْوَةَ وَارْتَشَى مِنْهُ أَخَذَهَا وَاصْطِلَاحًا مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ الْحَاكِمَ وَغَيْرَهُ لِيَحْكُمَ لَهُ أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ ثُمَّ قَالَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ الرِّشْوَةُ مَا يُعْطِيهِ لِأَجْلِ أَنْ يُعِينَهُ وَالْهَدِيَّةُ لَا شَرْطَ مَعَهَا قَالَ فِي لُبِّ الْإِحْيَاءِ وَجَامِعُهُمَا أَيْ الْهَدِيَّةِ وَالرِّشْوَةِ صُدُورُهُمَا عَنْ رِضًا لِغَرَضٍ هُوَ أَقْسَامٌ الْأَوَّلُ ثَوَابُ الْآخِرَةِ لِكَوْنِ الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ مُحْتَاجًا أَوْ نَسِيبًا فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِالْحَاجَةِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ عَالِمًا أَوْ صَالِحًا فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِمَا لَوْ اطَّلَعَ لَمْ يَمْتَنِعْ وَالثَّانِي مَقْصُودٌ فِي الْعَاجِلِ وَهُوَ إمَّا مَالٌ كَإِهْدَاءِ الْفَقِيرِ إلَى الْغَنِيِّ طَمَعًا فِي حَاجَتِهِ فَهُوَ هِبَةٌ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَلَا تَحِلُّ إلَّا عِنْدَ الْوَفَاءِ بِالْمَطْمُوعِ وَإِمَّا إعَانَةٌ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ كَإِهْدَاءِ مُحْتَاجٍ لِلسُّلْطَانِ إلَى وَكِيلِهِ فَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ حَرَامًا أَوْ وَاجِبًا فَهُوَ رِشْوَةٌ حَرَامٌ أَوْ مُبَاحًا فِيهِ تَعَبٌ بِحَيْثُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ حَلَّ أَخْذُهُ وَهُوَ جُعْلٌ أَوْ لَا تَعَبَ فِيهِ كَكَلِمَةٍ أَوْ فِعْلَةٍ مِنْ ذِي الْجَاهِ حَرُمَ أَخْذُهُ إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ تَعْوِيضٌ عَنْ الْجَاهِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ تَنْبِيهُ الطَّبِيبِ بِكَلِمَةٍ عَلَى

ص: 88

دَوَاءٍ مُفْرَدٍ دُونَ إزَالَةِ اعْوِجَاجِ السَّيْفِ بِدِقَّةٍ تَزِيدُهُ مَالًا كَثِيرًا لِدِقَّةِ نَظَرِهِ وَحَذَاقَتِهِ.

وَالثَّالِثُ إيقَاعُ الْمَحَبَّةِ فَقَطْ لِتَأْكِيدِ الصُّحْبَةِ وَهُوَ هَدِيَّةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» .

وَالرَّابِعُ: إيقَاعُهَا لِلتَّوَسُّلِ بِهَا إلَى أَغْرَاضٍ بِتَعْيِينِ جِنْسِهَا بِحَيْثُ لَوْ لِجَاهٍ كَعِلْمٍ أَوْ نَسَبٍ فَأَمْرُهُ أَخَفُّ لِأَنَّهُ هَدِيَّةٌ فِي الظَّاهِرِ وَأَخْذُهُ مَكْرُوهٌ أَوْ لِوِلَايَةٍ فَهُوَ رِشْوَةٌ فِي مَعْرِضِ الْهَدِيَّةِ اخْتَلَفُوا فِي حُرْمَتِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى شِدَّةِ كَرَاهَتِهِ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي الزَّيْنِيَّةِ مَا حَاصِلُهُ الرِّشْوَةُ حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى - {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]- وَنَحْوُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي وَلَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» .

وَأَمَّا أَقْسَامُهَا مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فَقَالَ قَاضِي خَانْ هِيَ أَرْبَعَةٌ لِتَقَلُّدِ الْقَضَاءِ فَحَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ وَالْمُعْطِي وَلَا يَصِيرُ قَاضِيًا لِلْقَاضِي لِيَقْضِيَ لَهُ فَحَرَامٌ لَهُمَا أَيْضًا بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِنْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَحَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ فَقَطْ وَنَحْوُهُ إعْطَاؤُهَا لِمُرِيدِ مَالِهِ لِيُخَلِّصَ مَالَهُ وَإِنْ أَعْطَى لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ بِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَلَا طَرِيقَ غَيْرُهُ حَلَّ لَهُ فَقَطْ دُونَ أَخْذِهَا وَحِيلَةُ حِلِّ الْأَخْذِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْآخِذُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ بِمَا يُرِيدُ دَفْعَهُ إلَيْهِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ الرِّشْوَةَ وَأَعْطَاهُ بَعْدَ التَّسْوِيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ وَقَالَ بَعْضٌ يَحِلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ بِرٌّ وَمُجَازَاةُ الْإِحْسَانِ وَبَذْلُ الْمَالِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ لَا يَكُونُ رِشْوَةً فِي حَقِّهِ وَبَذْلُ الْمَالِ لِاسْتِخْرَاجِ حَقٍّ لَهُ عَلَى آخَرَ رِشْوَةٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَخْذُ الْقَاضِي الرِّشْوَةَ ثُمَّ قَضَى، أَوْ قَضَى ثُمَّ ارْتَشَى، أَوْ أَخَذَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْقَاضِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَفِي الْأَقْضِيَةِ الْهَدَايَا ثَلَاثٌ أَوَّلُهَا حَلَالٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ مَعْهُودٌ ثَانِيهَا وَحَرَامٌ لَهُمَا وَهُوَ مَا يُهْدَى لِيُعِينَهُ عَلَى الظُّلْمِ ثَالِثُهَا وَحَلَالٌ لِلْمُهْدِي فَقَطْ لِيَكُفَّ الظُّلْمَ عَنْهُ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا لِيَعْمَلَ لَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ كَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرْطٌ وَلَكِنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا يُهْدِي لِيُعِينَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ قَضَى حَاجَتَهُ بِلَا شَرْطٍ وَطَمِعَ ثُمَّ أَهْدَى فَلَا بَأْسَ فِي الْقَبُولِ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ الْكَرَاهَةِ تَوَرُّعٌ وَهَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَتَبَ الْقَاضِي سِجِلًّا أَوْ تَوَلَّى قِسْمَةً وَأَخَذَ أَجْرَ الْمِثْلِ فَلَهُ ذَلِكَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الرِّشْوَةُ أَرْبَعٌ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ فَحَرَامٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا يَكُونُ قَاضِيًا وَارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ فَكَذَلِكَ وَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَظَاهِرٌ وَأَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ فَحَرَامٌ لِلْآخِذِ فَقَطْ وَمَا يُدْفَعُ لِدَفْعِ الْخَوْفِ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ حَلَالٌ لِلدَّافِعِ فَقَطْ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ وَفِي الْقُنْيَةِ الظَّلَمَةُ تَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ الِاحْتِطَابِ إلَّا بِدَفْعِ شَيْءٍ فَحَرَامٌ لَهُمَا وَمِثْلُهُ مَا يَدْفَعُهُ الْمُتَعَاشِقَانِ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ لَا تُمْلَكُ وَإِذَا أَعْطَى شَيْئًا لِلْقَاضِي قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ فَلِلْقَاضِي تَعْزِيرُهُ أَوْ تَشْهِيرٌ عِنْدَ الْإِمَامِ بَلْ بِنَحْوِ تَسْوِيدٍ وَحَلْقِ جَانِبٍ مِنْ اللِّحْيَةِ لِمَا رَوَى مِنْ أَمْرِ عُمَرَ عُمَّالَهُ بِضَرْبِ شَاهِدِ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ وَتُلْقَى عِمَامَتُهُ فِي عُنُقِهِ وَيُطَافُ بِهِ فِي الْقَبَائِلِ وَالسِّيَاسَةُ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاكِمُ لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ مِنْ غَيْرِ وُرُودٍ فِي الشَّرْعِ فَإِذَا رَأَى الْقَاضِي تَشْهِيرَ الرَّاشِي مَصْلَحَةً لِلْعَامَّةِ تَقْلِيلًا لِلرِّشْوَةِ مَعَ كَثْرَتِهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ كَيْفٌ وَلَهُ أَصْلٌ وَهُوَ شَاهِدُ الزُّورِ انْتَهَى وَفِي الْفَيْضِ الرِّشْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ مَا تُوُصِّلَ بِهِ إلَى إبْطَالِ حَقٍّ أَوْ تَمْشِيَةِ بَاطِلٍ أَمَّا مَا وَقَعَ لِلتَّوَصُّلِ إلَى حَقٍّ أَوْ دَفْعِ ظُلْمٍ فَلَيْسَ رِشْوَةً مَنْهِيَّةً وَهِيَ كَبِيرَةٌ وَفِي السِّفْرِ الثَّانِي مِنْ التَّوْرَاةِ أَيْضًا لَا تَقْبَلَنَّ الرِّشْوَةَ فَإِنَّ الرِّشْوَةَ تُعْمِي أَبْصَارَ الْحُكَّامِ فِي الْقَضَاءِ وَفِي الْأَشْبَاهِ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ حَرُمَ إعْطَاؤُهُ كَالرِّبَا وَمَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَالرِّشْوَةِ وَأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالزَّامِرِ إلَّا فِي مَسَائِلِ الرِّشْوَةِ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ الْأَمِيرِ إلَّا لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ انْتَهَى فَلْيُتَأَمَّلْ

(وَ) مِنْهَا (أَخْذُ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ) كَالِاسْتِئْجَارِ

ص: 89

وَالْمَوْهُوبِ (إذَا عَلِمَ) بِمَعْنَى مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ (أَنَّهَا بِعَيْنِهَا مَغْصُوبَةٌ أَوْ حَرَامٌ) بِغَيْرِ طَرِيقِ الْغَصْبِ كَالْأَخْذِ بِالرِّبَا وَالْعُقُودِ الْبَاطِلَةِ كَمَا سَبَقَ آنِفًا كَمَهْرِ الْبَغْيِ وَالْحُلْوَانِ وَالرِّشْوَةِ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ الْإِطْلَاقُ وَقَدْ قَالُوا الْمُحَرَّمُ الَّذِي قَدْ نَسَبَهُ صَاحِبُهُ وَكَانَ فِي مَحَلٍّ بَعِيدٍ لَا يُمْكِنُ إيصَالُهُ إلَيْهِ فَوَاجِبُ التَّصَدُّقِ (وَأَمَّا الْمَعَاصِي الْعَدَمِيَّةُ) مِنْ الْيَدِ (فَكَقَبْضِ الْيَدِ وَإِمْسَاكِهَا عَنْ إنْقَاذِ الْمَظْلُومِ) تَخْلِيصِهِ مِنْ الظَّالِمِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْحَصْرِ فِيهِ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى نُطْقِهِ بِاللِّسَانِ فَقَطْ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى الْيَدِ فَمِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ الْعَدَمِيَّةِ (عِنْدَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ

(وَ) الْإِمْسَاكِ (عَنْ الرَّمْيِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ م عَنْ عُقْبَةَ) بْنِ عَامِرٍ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ» بِالسِّهَامِ «ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا» أَيْ لَيْسَ مِنْ الْعَامِلِ عَلَى سُنَّتِنَا قَالَ الْمُحَشِّي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْلَالِ وَإِلَّا فَكُفْرٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ الْكُفْرِ لَيْسَ بَيِّنًا وَلَا مُبَيَّنًا

(وَ) الْإِمْسَاكِ (عَنْ قَصِّ الْأَظْفَارِ حَتَّى تَطُولَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَسَبَبٌ لِضِيقِ الرِّزْقِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ) وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْمُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْأُسْبُوعُ الْحَدُّ الْفَاضِلُ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ الْحَدُّ الْأَوْسَطُ وَالْأَرْبَعُونَ حَدُّ الِامْتِدَادِ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْأَرْبَعِينَ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ وَقِيلَ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ وَقِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْقَصُّ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ وَإِنْ جَازَ تَرْكُهُ إلَى أَرْبَعِينَ وَأَنْ يَكُونَ الْحَلْقُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ وَفِي الدُّرَرِ يُسْتَحَبُّ قَلْمُ أَظَافِرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام قَالَ «مَنْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ الْبَلَايَا إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَيُسْتَحَبُّ حَلْقُ عَانَتِهِ وَتَنْظِيفُ بَدَنِهِ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً وَفِي الْقُنْيَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظَافِرَهُ وَيُحْفِيَ شَارِبَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ وَيُنَظِّفَ بَدَنَهُ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي كُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا عُذْرَ فِي تَرْكِهِ وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ قِيلَ عَنْ الشِّرْعَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْمَنَ شِكَايَةَ الْعَيْنِ وَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ فَلْيُقَلِّمْ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَكِنْ فِي التتارخانية إنْ جَاوَزَ الْحَدَّ فَأَخَّرَ إلَى الْجُمُعَةِ فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّ مَنْ كَانَ ظُفْرُهُ طَوِيلًا كَانَ رِزْقَهُ ضِيقًا وَإِلَّا فَمُسْتَحَبٌّ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَا يُلْقِي أَظَافِيرَهُ وَلَا شَعْرَهُ الْكَنِيفَ أَوْ الْمُغْتَسَلَ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ يُورِثُ الدَّاءَ عَنْ الْإِحْيَاءِ الْأَدَبُ أَنْ يَبْدَأَ بِمِسْبَحَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِالْبِنْصِرِ ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْيُسْرَى مِنْ الْخِنْصَرِ إلَى الْإِبْهَامِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الرِّجْلِ الْيُمْنَى مِنْ خِنْصَرِهَا إلَى أَنْ يَخْتِمَ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى أَقُولُ هَذَا مَضْمُونُ حَدِيثِ الْمَشَارِقِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ وَفِي الْوَسِيلَةِ عَنْ الْجَوَاهِرِ مِنْ مَضْمُونِ قَوْلِهِ عليه السلام -

ص: 90

«قَلْمُ الْأَظْفَارِ بِالسُّنَّةِ وَالْأَدَبْ يَمِينُهَا خَوَانِسُ يَسَارِهَا أَوْ حَسْبُ» قِيلَ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ

(وَ) إمْسَاكِهَا (عَنْ كَسْرِ الطُّنْبُورِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (وَسَائِرِ آلَاتِ اللَّهْوِ خُصُوصًا إذَا لَمْ يَصْلُحْ لِغَيْرِهِ) أَيْ اللَّهْوُ فَتَرْكُهُ عِنْدَ التَّمَكُّنِ وَالْأَمْنِ مِنْ الْمَضَرَّةِ نَفْسًا أَوْ وَلَدًا أَوْ مَالًا لَعَلَّ هَذَا إمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا وَإِمَّا أَنَّ الْأَوْلَى الْكَسْرُ وَإِعْطَاءُ الضَّمَانِ لَعَلَّ فِي قَوْلِهِ خُصُوصًا إلَى آخِرِهِ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ قَالَ فِي النِّصَابِ إذَا كَسَرَ الْمُحْتَسِبُ الْمَلَاهِيَ أَوْ دِنَانَ الْخَمْرِ أَوْ شَقَّ زِقَّهَا لَا يَضْمَنُ وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُ الْمُحْتَسِبِ ذُكِرَ فِي الْكِفَايَةِ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا مُطْلَقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَطْعًا لِمَادَّةِ الْمَعْصِيَةِ وَشِفَاءً لِصُدُورِ الصُّلَحَاءِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ التَّابِعِينَ لَعَلَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِمَا اُشْتُهِرَ عَنْهُ مِنْ ضَمَانِ مَا لَا يَصْلُحُ لِلَّهْوِ

(وَ) قَبْضِهَا (عَنْ إرَاقَةِ خَمْرِ الْمُسْلِمِ الشَّارِبِ لَهَا) وَأَمَّا خَمْرُهُ لِلتَّخَلُّلِ فَلَا قَيْدَ بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا عَنْ إظْهَارِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَكِنْ إذَا أَرَاقَهُ رَجُلٌ أَوْ قَتَلَ خِنْزِيرَهُ يَضْمَنُ كَمَا فِي النِّصَابِ لَكِنْ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ وَعَنْ النِّهَايَةِ لَا يَضْمَنُ الدِّنَانَ إنْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ فَلَا يَضْمَنُ الْخَمْرَ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا إذَا شَقَّ زِقَّ خَمْرٍ فَإِنْ إمَامًا لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ وَفِي الْمُلْتَقَطِ لَوْ كَسَرَ جُبًّا فِيهَا خَمْرُ مُسْلِمٍ يُرِيدُ أَنْ يَتَّخِذَهَا خَلًّا ضَمِنَ الْكَاسِرُ اتِّفَاقًا وَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِالشَّارِبِ لَهَا

(وَعَنْ مَحْوِ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ الْكَبِيرَةِ) وَيَكْفِي مَحْوُ الرَّأْسِ وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ مِثْلُ النَّمْلِ وَالذُّبَابِ فَيَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ فِي خَاتَمِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صُورَةَ ذُبَابَتَيْنِ كَذَا قِيلَ أَقُولُ: لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَقِيهٍ فَفِيهِ كَلَامٌ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ بَلْ الظَّاهِرُ كَمَا فُهِمَ مِنْ الصَّلَاتِيَّةِ أَنَّ الْكَبِيرَةَ صِفَةٌ لِلصُّوَرِ لَا لِلْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ الْكَبِيرَ كَالْفَرَسِ لَوْ صَغُرَ بِحَيْثُ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ إلَّا بِدِقَّةِ النَّظَرِ فَيَجُوزُ عَدَمُ الْمَحْوِ كَمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَهِيَ بِحِذَائِهِ وَلَك أَنْ تَشْمَلَهُمَا فَافْهَمْ (عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِلَا ضَرَرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْكُلِّ مِنْ الْكَسْرِ وَالْإِرَاقَةِ وَالْمَحْوِ

(وَعَنْ أَخْذِ اللَّقِيطِ) صَغِيرِ بَنِي آدَمَ (وَاللُّقَطَةِ) الْمَالِ الْمُلْتَقَطِ (عِنْدَ خَوْفِ الضَّيَاعِ) بِالْهَلَاكِ وَالْمَوْتِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إنْ خَافَ ضَيَاعَهَا يُفْرَضُ الرَّفْعُ وَإِلَّا فَيُبَاحُ وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْأَفْضَلُ الرَّفْعُ وَإِنْ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ كَقِشْرِ الرُّمَّانِ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَالِالْتِقَاطُ لَهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهُ فَوَاجِبٌ

(وَعَنْ دَفْعِ الظَّالِمِ وَالْحَيَوَانِ عِنْدَ قَصْدِ أَخْذِ الْمَالِ) بِنَحْوِ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ (أَوْ إهْلَاكِهِ أَوْ إضْرَارِ النَّفْسِ) وَأَمَّا الْمُسَافِرُ إذَا رَأَى حَيَوَانًا يَأْكُلُ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنْ أَمْكَنَ الدَّفْعُ بِلَا ضَرَرٍ لَهُ وَلَا بُعْدَ قَافِلَةٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الدَّفْعُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الدَّفْعُ إلَّا بِضَرَرٍ مِنْ جِهَتِهِ مِثْلُ إهْلَاكِ الزَّرْعِ بِوَطْئِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ لِإِخْرَاجِ الْحَيَوَانَاتِ وَإِنْ كَانَ ضَرَرُهُ أَكْثَرَ

(وَعَنْ إنْقَاذِهِمَا) أَيْ الْحَيَوَانِ وَالْمَالِ (مِنْ الْحَرْقِ) بِالنَّارِ (أَوْ الْغَرَقِ) بِالْمَاءِ (أَوْ السُّقُوطِ) مِنْ عُلُوٍّ أَوْ إلَى حَفْرٍ (أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يُوجِبُ التَّلَفَ أَوْ النُّقْصَانَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِلَا ضَرَرٍ) فِيمَا مَرَّ فَيَحْرُمُ إيقَاعُ النَّفْسِ فِي الْهَلَاكِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْخَلَاصِ وَإِلَّا كَانَ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ أَوْ إيقَاعُ الْمَالِ فِيهِ أَوْ فِي النُّقْصَانِ

(وَ) إمْسَاكُ الْيَدِ (عَنْ كَفِّ الصِّبْيَانِ وَالْمَوَاشِي) مِنْ

ص: 91

الْأَنْعَامِ (فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَ) عَنْ (إغْلَاقِ الْبَابِ وَإِطْفَاءُ السِّرَاجِ) عِنْدَ النَّوْمِ (وَتَخْمِيرِ الْإِنَاءِ) تَغْطِيَتِهِ (وَإِيكَاءِ السِّقَاءِ) شَدُّ فَمِ السِّقَايَةِ بِالْوِكَاءِ أَيْ الرَّبْطِ (خ م عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى رِوَايَةِ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ» جُنْحُ اللَّيْلِ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ طَائِفَةٌ مِنْهُ وَقِيلَ ظُلْمَتُهُ وَجَنَحَ اللَّيْلُ دَخَلَ وَأَصْلُهُ الْمِيلُ أَيْ أَقْبَلَ ظَلَامُهُ «أَوْ كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ» أَيْ أَوَّلُهُ وَعَنْ الْمَصَابِيحِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ «فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ» امْنَعُوهُمْ عَنْ الْخُرُوجِ وَمِنْ التَّرَدُّدِ نَدْبًا وَقَالَ الظَّاهِرُ بِهِ وُجُوبًا «فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ» وَتَتَرَدَّدُ عَلَى أَبْوَابِ الْبُيُوتِ لِغَلَبَةِ الظُّلْمَةِ وَالسَّوَادِ بِمُلَاءَمَةِ عُنْصُرِهَا فَحَرَكَتُهُمْ لَيْلًا أَمْكَنُ مِنْهَا نَهَارًا إذْ الظَّلَامُ أَجْمَعُ لِقُوَى الشَّيْطَانِ «فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ الْعِشَاءِ» بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ اللَّيْلِ «فَحُلُّوهُمْ» بِمُهْمَلَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِمُعْجَمَةٍ «وَأَغْلِقْ بَابَك» خِطَابٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلِلْعُمُومِ كَمَا فِي رِوَايَةِ وَأَغْلَقُوا الْأَبْوَابَ «وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَك» وَعَنْ الْمَصَابِيحِ وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ النَّوْمِ «وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ «وَأَوْكِ» أَيْ ارْبِطْ «سِقَاءَك وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَمِّرْ إنَاءَك» أَيْ غَطِّ «وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» عَلَيْهِ «وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا» بِوَضْعِ شَيْءٍ عَلَى رَأْسِ الْإِنَاءِ بِالْعُرُوضِ كَعُودٍ بِذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى فَهَذَا كَافٍ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَجْعَلَ نَحْوِ عُودٍ عَلَى عَرْضِهِ فَإِنْ كَانَ مُسْتَدِيرَ الْفَمِ فَهُوَ كُلُّهُ عَرْضٌ وَإِنْ كَانَ مُرَبَّعًا فَقَدْ يَكُونُ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ فَيَجْعَلُهُ عَلَيْهِ عَرْضًا لَا طُولًا وَالْمُرَادُ إنْ لَمْ يُغَطِّهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ إنْ فَقَدْتُمْ مَا يُغَطِّيهِ فَافْعَلُوا الْمَقْدُورَ وَلَوْ أَنْ تَجْعَلُوا عَلَيْهِ عُودًا بِالْعَرْضِ وَقِيلَ الْمَعْنَى اجْعَلُوا بَيْنَ الشَّيْطَانِ وَبَيْنَ آنِيَتِكُمْ حَاجِزًا وَلَوْ مِنْ عَلَامَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْقَصْدِ إلَيْهِ فَكَافِيَةٌ مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَاصِمَةً بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِهِ وَقَدْ عَمِلَ بَعْضُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَأَصْبَحَ وَأَفْعَى مُلْتَفِتَةً عَلَى الْعُودِ (وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ م) لِمُسْلِمٍ «فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ» بِضَمٍّ «سِقَاءً» أَيْ لَا يَفْتَحُ سِقَاءً مَشْدُودًا «وَلَا يَفْتَحُ بَابًا وَلَا يَكْشِفُ إنَاءً» مَذْكُورًا عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى (وَفِي أُخْرَى «فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا» مِنْ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ «وَبَاءٌ» قِيلَ هُوَ طَاعُونٌ وَقِيلَ أَعَمُّ «لَا يَمُرُّ» ذَلِكَ الْوَبَاءُ «بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ» لَا يَمُرُّ «بِسِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ»

ص: 92