الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]
(وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ) أَيْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ قَبِيلِ قَدْ أَفْلَحَ لِأَنَّ شَأْنَ عَذَابِ الْعُصَاةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْقَيْدَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَعْطُوفِ (وَلَيْسَ بِنَافِخٍ) لَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْفُخَ الرُّوحَ فِي الصُّورَةِ لِعَدَمِ وُسْعِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ تَعَالَى وَفِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ إنَّ الْوَعِيدَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ الْقَتْلِ لِأَنَّ وَعِيدَهُ بِالْخُلُودِ، وَالْخُلُودُ بِمَعْنَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَأَمَّا هَذَا فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ النَّفْخُ أَبَدًا كَانَ هَذَا الْعَذَابُ أَبَدًا فَيُؤَوَّلُ إمَّا بِالِاسْتِحْلَالِ أَوْ بِالِاسْتِحْقَاقِ الْمُؤَبَّدِ.
أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَرَّرَ فِي الْكَلَامِيَّة أَنَّ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وَاحِدٌ مِنْ تَأْوِيلَاتِ الْخُلُودِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخُلُودُ بِمَعْنَى التَّأَبُّدِ وَأَيْضًا لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إمْكَانِ النَّفْخِ تَأَبُّدُ الْعَذَابِ بَلْ ظَاهِرُ عُذِّبَ وَكُلِّفَ الدَّلَالَةُ عَلَى الِانْقِطَاعِ لَا الِاسْتِمْرَارِ الدَّائِمِيِّ وَأَيْضًا قَوْلُهُ أَوْ بِالِاسْتِحْقَاقِ الْمُؤَبَّدِ يَقْتَضِي كَوْنَ التَّصْوِيرِ كُفْرًا إذْ اسْتِحْقَاقُ الْعَذَابِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِي إنَّمَا هُوَ بِالْكُفْرِ فَافْهَمْ (وَكُلُّ هَذِهِ) الْمَذْكُورَاتِ (آفَاتُ الْأُذُنِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِمَاعُ.
وَأَمَّا آفَاتُهَا مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ) عَنْ الِاسْتِمَاعِ (فَكَعَدِمِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْخُطْبَةِ وَخِطَابِ الْمَتْبُوعِ) لِتَابِعِهِ (كَخِطَابِ الْأَمِيرِ وَالْقَاضِي) لِمَنْ تَحْتَ حُكْمِهِمَا (وَالْوَالِدَيْنِ) لِلْوَلَدِ مَا دَامَ الْخِطَابُ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ وَإِلَّا فَلَا مَعْصِيَةَ لِلْخَالِقِ لِأَجْلِ الْمَخْلُوقِ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِالطَّاعَةِ لِمَنْ لَهُ الْأَمْرُ إنْ وَافَقَ الشَّرْعَ وَكَذَا فِيمَا ذُكِرَ بَعْدَ هَذَا (وَالْأُسْتَاذُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فِي الْعِلْمِ وَبِالْمُهْمَلَةِ فِي الصَّنَائِعِ كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ (وَالْمُحْتَسِبُ) مَنْ نَصَبَهُ الْأَمِيرُ لِأَجْلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَالْمُعْتَذِرُ) الظَّاهِرُ مَنْ يُرِيدُ الِاعْتِذَارَ عَمَّا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ الْقُصُورِ (وَالزَّوْجُ) لِأَنَّ الزَّوْجَ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ (وَالسَّيِّدُ)(وَكَعَدِمِ اسْتِمَاعِ الْقَاضِي كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا) بِأَنْ يَسْمَعَ كَلَامَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ نَحْوُ اسْتِمَاعِ دَعْوَى الْأَشْيَاءِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا الْعُقَلَاءُ كَسِمْسِمَةٍ (وَالْمُفْتِي كَلَامَ الْمُسْتَفْتِي) .
فِي التتارخانية وَمِنْ شَرَائِطِ الْفَتْوَى أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي حَافِظًا لِلتَّرْتِيبِ وَالْعَدْلُ بَيْنَ الْمُسْتَفْتِينَ لَا يَمِيلُ إلَى الْأَغْنِيَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ بَلْ يَكْتُبُ جَوَابَ مَنْ سَبَقَ (وَ) عَدَمُ اسْتِمَاعِ (أُولِي الْأَمْرِ شَكْوَى الْمَظْلُومِ) فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ اسْتِمَاعُ شِكَايَةِ الْمَظْلُومِ لِيَدْفَعَ عَنْهُمْ ظُلْمَ الظَّالِمِينَ بِإِحْقَاقِ حُقُوقِهِمْ فَإِنَّمَا لَا يَرُدُّهُ، وَإِلَّا فَيَحُدُّهُمْ أَوْ يُعَزِّرُهُمْ أَوْ يَقُودُهُمْ وَهَكَذَا فَإِنَّ مَا يَزَعُ السُّلْطَانُ أَكْثَرُ مِمَّا يَزَعُ الْقُرْآنُ (وَالْمَسْئُولُ مِنْهُ كَلَامُ السَّائِلِ الْمُضْطَرِّ) الَّذِي لَيْسَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ وَلَهُ عَجْزٌ عَنْ الْكَسْبِ مَثَلًا (وَالْكُبَرَاءُ وَالْأَغْنِيَاءُ كَلَامُ الضُّعَفَاءِ وَالْفُقَرَاءِ) الْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي (اسْتِكْبَارًا وَاسْتِحْقَارًا) الظَّاهِرُ عِلَّةٌ لِمَجْمُوعِهَا وَقِيلَ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ أَيْضًا (وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ اسْتِمَاعُهُ أَوْ يُسَنُّ كَالْمَوَاعِظِ وَالنَّصَائِحِ) .
[الصِّنْفُ الرَّابِعُ فِي آفَاتِ الْعَيْنِ]
(الصِّنْفُ الرَّابِعُ فِي آفَاتِ الْعَيْنِ اعْلَمْ أَنَّ غَضَّ الْبَصَرِ)
كَفَّ الْبَصَرِ وَحِفْظَهُ مِنْ الْحُرُمَاتِ (مَأْمُورٌ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى)
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] وَمَفْعُولُ قُلْ أَمْرٌ آخَرُ أَيْ قُلْ لَهُمْ غُضُّوا يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ كَمَا نُقِلَ عَنْ تَفْسِيرِ أَبِي السُّعُودِ وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ إذْ بَعْضٌ مِنْ النَّظَرِ كَالْمَحَارِمِ وَمَا مَسَّتْهُ الْحَاجَةُ الضَّرُورِيَّةُ جَائِزٌ وَعَنْ بَعْضِ مِنْ صِلَةٌ زَائِدَةٌ أَيْ يَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ كَمَا فِي النِّصَابِ لَكِنْ يَرِدُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ فَلَا حُجَّةَ لِلْبَوَاقِي فَتَأَمَّلْ فِي ذَيْلِ الْآيَاتِ وَآخِرُ الْآيَةِ {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] مِنْ الزِّنَا فِي عَدَمِ إدْخَالِ كَلِمَةِ مِنْ هُنَا دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ رُخْصَةِ الزِّنَا بِوَجْهٍ مَا {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: 30] وَأَطْهَرُ فِي قُلُوبِهِمْ {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30] مِنْ نَظَرِ الْمُحَرَّمَاتِ فَيُجَازِيكُمْ بِالْعَذَابِ أَوْ كَفِّهِ فَيُجَازِيكُمْ بِالثَّوَابِ إلَى أَنْ يَكُونَ تَرْكُ ذَرَّةٍ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ خَيْرًا مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ التَّشَهِّي وَالْفُرْصَةِ.
قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40]{فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] لَعَلَّك سَمِعْت قِصَّةَ هَارُونَ الرَّشِيدِ فِيهَا {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] عَنْ النَّظَرِ إلَى الْحَرَامِ {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] أَيْ حُلِيَّهُنَّ كَالسِّوَارِ وَالْقِلَادَةِ بَلْ الْأَثْوَابِ أَوْ مَوَاضِعِ زِينَتِهِنَّ أَيْ أَنْفُسِهِنَّ أَوْ بِطَرِيقِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ مُبَالَغَةً عَنْ التَّحَفُّظِ {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] مِنْ الزِّينَةِ الَّتِي لَا تُسْتَرُ غَالِبًا كَالثِّيَابِ وَالْخَاتَمِ لِمَا فِي نَحْوِهِمَا مِنْ الْحَرَجِ أَوْ الْمُرَادِ مَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِنَظَرِ الْأَجَانِبِ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] أَيْ أَزْوَاجِهِنَّ {أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ} [النور: 31] قِيلَ لَمْ يَذْكُرْ الْأَعْمَامَ وَالْأَخْوَالَ لِئَلَّا يَصِفَهَا الْعَمُّ وَالْخَالُ عِنْدَ ابْنِهِمَا إلَى قَوْلِهِ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] فَفِيهِ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى الْمَذْكُورِ (تَأْدِيبٌ وَإِيجَابُ بَعْضِ غَضِّ الْبَصَرِ) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّأْدِيبَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ وَالْإِيجَابَ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَأَيْضًا
قَوْلُهُ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النور: 30] إلَى آخِرِهِ مِنْ قَبِيلِ الْأَمْرِ بِالْأَمْرِ وَقُرِّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّا الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ لَيْسَ بِالْحَقِيقَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ» فَتَأَمَّلْ حَتَّى يَظْهَرَ الْجَوَابُ ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ بَعْضِيَّةَ غَضِّ الْبَصَرِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ كَوْنِ كَلِمَةِ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ أَقُولُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْقُبْهَا الِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَإِنْ دَلَّتْ بِعِبَارَتِهَا عَلَى النِّسْوَانِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ دَلَالَتُهَا عَلَى الرِّجَالِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ حَمْلُهَا عَلَى غَيْرِ التَّبْعِيضِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ الِاسْتِثْنَاءُ وَحَمْلُ اسْتِفَادَةِ التَّبْعِيضِ عَلَى مَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بَعِيدٌ بِالنَّظَرِ إلَى السَّوْقِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِ الْمُقَامِ فَتَأَمَّلْ جِدًّا أَيْضًا (أَعْنِي مَا كَانَ نَحْوَ الْمُحَرَّمِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى فَائِدَةِ الْغَضِّ وَهِيَ التَّزْكِيَةُ وَالطَّهَارَةُ) مِنْ قَوْلِهِ {أَزْكَى لَهُمْ} [النور: 30](لِلْقُلُوبِ) إذْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُحَرَّمِ يَتَحَصَّلُ تَشَهٍّ وَمَيْلٌ وَتَرَقُّبُ فُرْصَةِ مَعْصِيَةٍ فِي الْقَلْبِ (أَوْ تَكْثِيرُ الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ) عَلَى أَحَدِ احْتِمَالِ قَوْلِهِ {أَزْكَى} [النور: 30] .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ {ذَلِكَ أَزْكَى} [النور: 30] عِلَّةً لِلنَّهْيِ فَتَكُونَ مِنْ النُّصُوصِ الْمُعَلِّلَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَأْكِيدِ الْحُكْمِ (إذْ بِالنَّظَرِ) إلَى الْمُحَرَّمِ (تَحْصُلُ خَوَاطِرُ تَشْغَلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) بَلْ خَوَاطِرُ تُوجِبُ الْمُؤَاخَذَةَ كَالنِّيَّةِ الْمُصَمِّمَةِ عَلَى فِعْلِ الْفَسَادِ (وَيَفُوتُ حُضُورُ الْقَلْبِ وَجَمْعِيَّةُ الْخَاطِرِ) عَلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِ بِمَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ النَّظَرِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36]- لَعَلَّ الْمُرَادَ بِحُضُورِ الْقَلْبِ وَجَمْعِيَّةِ الْخَاطِرِ هُوَ الِاسْتِغْرَاقُ فِي مُلَاحَظَةِ جَلَالِهِ وَجَمَالِهِ تَعَالَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الْمُحَاسَبَةُ وَالْمُرَاقَبَةُ الْمُشَارُ إلَيْهِمَا فِيمَا مَرَّ قَالَ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ اعْلَمْ أَنَّ التَّاجِرَ يَسْتَعِينُ بِشَرِيكِهِ فَيُشَارِطُهُ أَوَّلًا ثُمَّ يُرَاقِبُهُ ثَانِيًا ثُمَّ يُحَاسِبُهُ ثَالِثًا ثُمَّ يُعَاقِبُهُ رَابِعًا كَذَلِكَ الْعَقْلُ هُوَ التَّاجِرُ فِي مَتَاعِ الْآخِرَةِ وَشَرِيكُهُ النَّفْسُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحَاسِبَهَا الْآنَ، كُلُّ نَفَسٍ مِنْ أَنْفَاسِ الْعُمْرِ جَوْهَرَةٌ نَفْسِيَّةٌ لَا عِوَضَ لَهَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا كُنُوزًا لَا تَتَنَاهَى أَبَدَ الْآبَادِ فَيَقُولَ فِي صَبِيحَةِ كُلِّ يَوْمٍ مَالِي بِضَاعَةٌ إلَّا الْعُمْرُ فَمَهْمَا فُقِدَ فَنِيَ رَأْسُ الْمَالِ وَوَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ التِّجَارَةِ وَهَذَا الْيَوْمُ الْجَدِيدُ قَدْ أَمْهَلَنِي اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَأَنْسَأَ لِي أَجْلَى وَلَوْ تَوَفَّانِي لَكُنْت أَتَمَنَّى أَنْ يُرْجِعَنِي إلَى الدُّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا أَعْمَلُ فِيهِ صَالِحًا فَإِيَّاكَ ثُمَّ إيَّاكَ أَنْ تُضَيِّعَ هَذَا الْيَوْمَ فَإِنَّ كُلَّ نَفَسٍ جَوْهَرَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ وَصِيَّةً فِي أَعْضَائِهِ السَّبْعَةِ وَيُسَلِّمُهَا إلَيْهَا فَإِنَّهَا رَعَايَا خَادِمَةٌ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ صَارَتْ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ لِجَهَنَّمَ أَمَّا الْعَيْنُ فَيَحْفَظُهَا عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ بَلْ عَنْ الْفُضُولِ فَإِنَّهَا مَسْئُولَةٌ عَنْ فُضُولِ كُلِّ كَلَامٍ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِصَرْفِهَا إلَى مَا خُلِقَتْ هِيَ لَهُ وَكَذَا سَائِرُ السَّبْعَةِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُرَاقَبَةِ مُرَاعَاةُ الْقَلْبِ لِلرَّقِيبِ وَاشْتِغَالُهُ بِهِ وَالْتِفَاتُهُ إلَيْهِ وَلَا يَتِمُّ هَذَا إلَّا بِمَعْرِفَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى الضَّمَائِرِ عَالِمٌ بِالسَّرَائِرِ رَقِيبٌ بِالْأَعْمَالِ وَإِذَا اسْتَوْلَتْ عَلَى الْقَلْبِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ مَالَتْ إلَى جَانِبِ مُلَاحَظَتِهِ، وَالْمُوَافِقُونَ لِهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ هُمْ الْمُقَرَّبُونَ الْمُنْقَسِمُونَ إلَى الصِّدِّيقِينَ وَإِلَى صَاحِبِ الْيَمِينِ.
وَأَمَّا مُرَاقَبَةُ الصِّدِّيقِينَ فَهِيَ مُرَاقَبَةُ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ قَلْبُهُ فِي مُلَاحَظَةِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَيَصِيرَ مُنْكَسِرًا تَحْتَ الْهَيْبَةِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ مُتَّسَعٌ لِلْغَيْرِ أَصْلًا وَتَبْقَى جَوَارِحُهُ مُتَعَطِّلَةً عَنْ الْمُنَاجَاةِ فَضْلًا عَنْ الْمَحْظُورَاتِ وَمِثْلُ هَذَا يَغْفُلُ عَنْ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ حَتَّى لَا يُبْصِرُ مَنْ عِنْدَهُ وَعَيْنُهُ نَاظِرَةٌ إلَيْهِ وَلَا يَسْمَعُ الْكَلَامَ وَلَيْسَ بِهِ صَمَمٌ وَقَدْ يَمُرُّ عَلَى ابْنِهِ وَلَا يُكَلِّمُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِمَنْ عَاتَبَهُ عَلَى عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إذَا مَرَرْت بِي فَحَرِّكْنِي وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَاقَبَةِ لِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ إذْ لَا يَتَحَرَّك إلَّا بِمَا هُوَ فِيهِ وَأَمَّا مُرَاقَبَةُ الْوَرِعِينَ وَهُمْ قَوْمٌ غَلَبَتْ مُطَالَعَةُ جَمَالِ اللَّهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ وَظَوَاهِرِهِمْ وَلَكِنْ لَمْ يُدْهِشْهُمْ ذَلِكَ بَلْ بَقِيَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ يَجْمَعُونَ بَيْنَ مُمَارَسَةِ الْأَعْمَالِ وَالْمُرَاقَبَةِ بِغَلَبَةِ الْحَيَاءِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَيَثْبُتُ فِيهِ فَيَفِرُّ مِنْ الْفَضِيحَةِ فِي الْقِيَامَةِ (وَتَدْعُوك إلَى أُمُورٍ مُحَرَّمَةٍ وَيَجِدُ الشَّيْطَانُ حِينَئِذٍ فُرْصَةً) إذْ هُوَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ يَصِيدُ بِهِ عِبَادَهُ (وَطَرِيقًا إلَى الْإِضْلَالِ وَيَمْلَأُ
الصُّدُورَ بِالْوَسْوَاسِ فَيَفْتَحُ أَبْوَابَ الشُّرُورِ وَالْمَعَاصِي وَتَهْدِيدٌ) عَطْفٌ عَلَى تَأْدِيبٍ أَقُولُ إنَّهُ تَهْدِيدٌ مِنْ حَيْثُ الْإِتْيَانُ وَوَعْدٌ وَتَرْغِيبٌ مِنْ حَيْثُ التَّرْكُ وَالْإِعْرَاضِ كَمَا عَرَفْت مِرَارًا (بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) فَيُجَازِي عَلَى حَسَبِ عَمَلِهِ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] مِمَّا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ (وَكَفَى بِهَذَا) الْقَوْلِ مِنْ الْآيَةِ (تَحْذِيرًا طب حك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ) أَيْ سُمٌّ قَاتِلٌ (مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَتِي أَبْدَلْته إيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ) » .
وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «النَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَجْهُ الْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ، وَالْخُضْرَةُ كَالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ وَالثِّيَابِ يَزِيدَانِ الْبَصَرَ» أَمَّا زِيَادَةُ قُوَّةِ الْبَصَرِ بِبَهْجَةِ جَمَالِ الْخُضْرَةِ وَحُسْنِ الْمَرْأَةِ وَأَمَّا زِيَادَةُ قُوَّةِ بَصِيرَتِهِ بِالِاعْتِبَارِ بِخُضْرَةٍ نَحْوَ الثِّيَابِ وَحَيَاةِ الْأَرْضِ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَكَذَا نَظَرُهُ إلَى جَمَالِ الْمَرْأَةِ يُقَوِّي بَصِيرَةَ هُدَاهُ فَالْمُرَادُ مِنْ النَّظَرِ حَلَائِلُهُ وَإِلَّا فَالْأَجْنَبِيَّةُ تَظْلِمُ الْبَصَرَ وَالْبَصِيرَةَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ فِي الْجَامِعِ لَكِنْ قِيلَ بَاطِلٌ ضَعِيفٌ وَقِيلَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَكَذَا حَدِيثُ الْجَامِعِ «ثَلَاثَةٌ يُجْلِينَ الْبَصَرَ النَّظْرَةُ إلَى الْخُضْرَةِ وَإِلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَإِلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ» .
وَكَذَا حَدِيثُ «ثَلَاثَةٌ يَزِدْنَ فِي قُوَّةِ الْبَصَرِ الْكُحْلُ بِالْإِثْمِدِ وَالنَّظَرُ إلَى الْخُضْرَةِ وَالنَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ» عَلَى مَا سَبَقَ قَالَ السَّخَاوِيُّ كَانَ النَّسَائِيّ يَلْبَسُ الْأَخْضَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَيَقُولُ إنَّ الْأَخْضَرَ مِمَّا يَزِيدُ قُوَّةَ الْبَصَرِ.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَى الْمَأْمُونِ وَالْعَبَّاسُ ابْنُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا فَجَعَلْت أَتَأَمَّلُهُ فَزَجَرَنِي الْمَأْمُونُ قُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ «النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ الْمَلِيحِ يَجْلُو الْبَصَرَ» وَإِنَّ فِي بَصَرِي ضَعْفًا أَرَدْت إنْ أَجْلُوَهُ كَذَا فِي الْفَيْضِ.
(حَدّ هق عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ» الظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ عَلَى مَخْرَجِ الْعَادَةِ وَالْأَغْلَبِ «ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْهَا) خَوْفًا مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى» لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلِمَةِ ثُمَّ الْإِمْهَالُ وَالتَّرَاخِي فَإِنَّ الْفَوْرَ فِي الْغَضِّ وَالْإِعْرَاضِ لَازِمٌ لَعَلَّ فِي الْإِتْيَانِ بِكَلِمَةِ ثُمَّ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْغَضَّ وَلَوْ كَانَ فَوْرًا فَهُوَ كَالتَّرَاخِي أَوْ لِبَعْضِ الْغَضِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَوَامّ كَمُتَّبِعِ الْهَوَى أَوْ إيذَانًا عَلَى اسْتِبْعَادِ ثَوَابِهِ لِغَايَةِ كَثْرَتِهِ «إلَّا أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عِبَادَةً» كَثِيرَةً بِإِعَانَةِ السَّوْقِ «يَجِدُ حَلَاوَتَهَا فِي قَلْبِهِ» لِخُلُوِّ الْقَلْبِ عَنْ الشَّوَاغِلِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْ النَّظَرِ أَوَّلًا فَلَعَلَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِيٍّ بَلْ اتِّفَاقِيٍّ فَمَعْفُوٌّ كَمَا قَالُوا الْأَوَّلُ لَك وَالثَّانِي عَلَيْك ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّمَا ذُكِرَ بَعْضُ ثَوَابِهِ وَإِلَّا فَقَدْ سَمِعْت مِرَارًا حَدِيثَ «تَرْكُ ذَرَّةٍ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ» وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ تِلْكَ الْعِبَادَةَ الَّتِي أَحْدَثَهَا اللَّهُ لِذَلِكَ الْغَضِّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي غَايَةِ كَثْرَةٍ كَمًّا أَوْ فِي غَايَةِ قُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَيْفًا إلَى أَنْ تَكُونَ خَيْرًا مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلَّا الْإِحْسَانَ فَإِنَّ قَهْرَ النَّفْسِ وَمُخَالَفَةَ هَوَاهَا حَسَنَةٌ عَظِيمَةٌ (صف) أَصْفَهَانِيٌّ.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ» لِعَذَابِهِ تَعَالَى وَعُقُوبَتِهِ إيَّاهَا لِنَظَرِهَا نَحْوَ الْمُحَرَّمِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ وَالْمُخَصِّصُ هُوَ الشَّرْعُ فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكَلَامِ الْمُسْتَقِلِّ فَعَلَى هَذَا وَإِنْ دُفِعَ مَحْذُورٌ لَكِنْ اُتُّجِهَ آخَرُ فَتَأَمَّلْ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا عَيْنًا غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ» كَالِاجْتِنَابِ لَا سِيَّمَا الشَّابَّاتُ وَالْأَمْرَدُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَلْحَقَ بِنَحْوِهِ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الظَّلَمَةِ وَمَا بَنَوْا بِالظُّلْمِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ وَقَدْ سَبَقَ عَنْ قَمْعِ النُّفُوسِ أَنَّ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الظَّلَمَةِ يُبْطِلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ فَكَيْفَ بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَوْ يُجَالِسُهُمْ أَوْ يُؤَاكِلُهُمْ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ مِمَّا حَلَّ بِالْخَلْقِ مِنْ تَلْبِيسِ هَذَيْنِ الْخَبِيثَيْنِ انْتَهَى
«وَعَيْنًا سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» لِحِفْظِ الْجَيْشِ أَوْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَعُمَّ السَّبِيلُ لِنَحْوٍ مِنْ سَهَرٍ لِإِحْيَاءِ اللَّيَالِيِ لِنَاشِئَةِ اللَّيْلِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا لَا سِيَّمَا لِلتَّهَجُّدِ «وَعَيْنًا خَرَجَ مِنْهَا مِثْلُ رَأْسِ الذُّبَابِ) مِنْ الدُّمُوعِ (مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَلَا تَبْكِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بُكَاءَ حُزْنٍ بَلْ بُكَاءَ فَرَحٍ وَسُرُورٍ لِمَا تَرَى مِنْ عَظِيمِ إكْرَامِ اللَّهِ لَهَا وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهَذَا الْحَدِيثِ رَاجِعٌ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَفْهُومِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَنَا كَيْفَ وَهُوَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا، وَالْقَوْلُ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ يَجْعَلُ النِّزَاعَ لَفْظِيًّا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي لَا تَغُضُّ بَاقِيَةٌ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَتَكُونُ بَاكِيَةً (طب عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُنَيْدَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «ثَلَاثَةٌ لَا تَرَى أَعْيُنُهُمْ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَشَارَ إلَى شِدَّةِ إبْعَادِهِمْ عَنْ النَّارِ وَمَنْ بَعُدَ عَنْهَا قَرُبَ مِنْ الْجَنَّةِ «عَيْنٌ حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أَيْ الْجِهَادِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الرِّبَاطُ «وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» الْمُرَادُ خَوْفٌ يُسَكِّنُ الْقَلْبَ حَتَّى تَدْمَعَ مِنْهُ الْعَيْنُ قَهْرًا وَيَمْنَعُ صَاحِبَهُ عَنْ مُقَارَنَةِ الذُّنُوبِ وَيَحُثُّهُ عَلَى مُلَازَمَةِ الطَّاعَاتِ فَهَذَا هُوَ الْبُكَاءُ الْمَقْصُودُ وَهَذِهِ هِيَ الْخَشْيَةُ الْمَطْلُوبَةُ لَا خَشْيَةُ الْحُمَقَاءِ الَّذِينَ إذَا سَمِعُوا مَا يَقْتَضِي الْخَوْفَ لَمْ يَزِيدُوا عَنْ أَنْ يَبْكُوا وَيَقُولُوا يَا رَبِّ سَلِّمْ نَعُوذُ بِاَللَّهِ وَمَعَ ذَلِكَ يُصِرُّونَ عَلَى الْقَبَائِحِ وَالشَّيْطَانُ يَسْخَرُ بِهِمْ كَمَا تَسْخَرُ أَنْتَ مِمَّنْ رَأَيْته وَقَدْ قَصَدَهُ سَبُعٌ ضَارٍ وَهُوَ إلَى جَانِبِ حِصْنٍ مَنِيعٍ بَابُهُ مَفْتُوحٌ إلَيْهِ فَلَمْ يَدْخُلْ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى رَبِّ سَلِّمْ حَتَّى جَاءَ السَّبُعُ فَأَكَلَهُ «وَعَيْنٌ كَفَّتْ» بِالتَّشْدِيدِ أَيْ حَفِظَتْ وَأَطْرَقَتْ «عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ» أَيْ النَّظَرِ إلَى مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ النِّسَاءِ وَالْأَمْرَدِ وَاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ (م عَنْ «جَرِيرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَظَرِ الْفَجْأَةِ» بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ «فَقَالَ اصْرِفْ بَصَرَك» عَنْ النَّظَرِ «وَلَا تَدُمْ عَلَيْهِ» فَإِنَّ الْأَوَّلَ اضْطِرَارِيٌّ مَعْفُوٌّ وَالثَّانِيَ اخْتِيَارِيٌّ مُؤَاخَذٌ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَالْغَضُّ يُوجِبُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا عَوَّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا مِنْهُ وَمَنْ أَطْلَقَ لَحَظَاتِهِ دَامَتْ حَسَرَاتُهُ فَإِنَّ النَّظَرَ يُوَلِّدُ الْحُبَّ فِي الْقَلْبِ ثُمَّ يَقْوَى فَيَصِيرُ صَبَابَةً تَنْصِبُ إلَيْهِ الْحُبَّ بِكُلِّيَّتِهَا فَيَصِيرُ غَرَامًا يَلْزَمُ الْقَلْبَ كَلُزُومِ الْغَرِيمِ ثُمَّ يَقْوَى فَيَصِيرُ عِشْقًا وَهُوَ الْحُبُّ الْمُفْرِطُ ثُمَّ يَقْوَى فَيَصِيرُ شَغَفًا وَهُوَ الْحُبُّ الْوَاصِلُ إلَى دَاخِلِ الْقَلْبِ ثُمَّ يَقْوَى فَيَصِيرُ تَتَيُّمًا وَالتَّتَيُّمُ التَّعَبُّدُ فَيَصِيرُ الْمُتَيَّمُ عَبْدًا إلَى مَنْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لَهُ فَيَقَعُ الْقَلْبُ فِي الْأَسْرِ فَيَصِيرُ أَسِيرًا بَعْدَمَا كَانَ أَمِيرًا وَمَسْجُونًا بَعْدَمَا كَانَ مُطْلَقًا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا فِي الطَّرِيقِ وَلَا عَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَشَهَادَةٍ وَتَطْبِيبٍ وَمُعَامَلَةٍ وَلَا يُنَافِيهِ نَقْلُ الْإِمَامِ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَنْعِهِنَّ مِنْ الْخُرُوجِ سَافِرَاتٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوُجُوبِ السَّتْرِ عَلَيْهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَشَفَتْهُ لِعُذْرٍ كَذَا فِي الْفَيْضِ (دت عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ» أَيْ النَّظْرَةَ الْأُخْرَى بَعْدَ الْأُولَى وَأَمَّا قَاعِدَةُ الْمَعَادِ الْمُعَرَّفِ عَيْنُ الْأَوَّلِ فَأَصْلٌ قَدْ يُعْدَلُ عَنْهُ «فَإِنَّ لَك الْأُولَى» يَعْنِي لَا تُؤَاخَذُ بِهَا لِعَدَمِ كَوْنِهَا اخْتِيَارِيَّةً وَالتَّكْلِيفُ عَلَى الِاخْتِيَارِيَّةِ «وَلَيْسَتْ لَك» لِنَفْعِك «الثَّانِيَةُ» بَلْ هِيَ عَلَى ضُرِّك لِأَنَّهَا مُؤَثِّمَةٌ لِكَوْنِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ
(ثُمَّ) أَرَادَ الْمُصَنِّفُ حَصْرَ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْغَضُّ فَقَالَ (إنَّ أَعْظَمَ آفَاتِ الْعَيْنِ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ إنْسَانٍ) أَيْ مَوْضِعِ عَوْرَتِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (قَصْدًا فَنَقُولُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ إنْ كَانَ نَفْسَهُ) أَيْ النَّاظِرِ (أَوْ صَغِيرًا وَصَغِيرَةً لَمْ يَبْلُغَا حَدَّ الشَّهْوَةِ وَقَدَّرَ ذَلِكَ) الْحَدَّ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ
(بِأَنْ لَا يَتَكَلَّمَ) أَيْ ذَلِكَ الصَّغِيرُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَبَعْدَ التَّكَلُّمِ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهِمَا حَرَامٌ عَلَى قَوْلِهِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ مَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبَعْدَ التَّكَلُّمِ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فِي الذَّكَرِ الصَّبِيِّ وَفِيمَا تَحْتَ الصَّدْرِ مَعَ الظَّهْرِ فِي الْأُنْثَى إذَا تَكَلَّمَتْ وَعَقَلَتْ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ (أَوْ) إنْ كَانَتْ (مَنْكُوحَتَهُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) بِخِلَافِ الْفَاسِدِ هُوَ كَالنِّكَاحِ فِي نِكَاحِ الْغَيْرِ أَوْ عِدَّتِهِ أَوْ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ نِكَاحِ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ أَوْ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ أَوْ بِلَا شُهُودٍ (أَوْ أَمَتَهُ الَّتِي لَمْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِمُصَاهَرَةٍ) كَمَوْطُوءَةِ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ أَوْ بِنْتِ أَمَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ أَوْ أُخْتِهَا أَوْ أُمِّ أَمَتِهِ كَذَلِكَ (أَوْ رَضَاعٍ) بِأَنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُرْضِعَةً سَيِّدَهَا أَوْ بِنْتَ الْمُرْضِعَةِ وَإِنْ سَفَلَتْ (أَوْ نِكَاحٍ لِغَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ فَلَا يَنْظُرُ عَوْرَتَهَا» .
وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ» (أَوْ حُرْمَةٍ غَلِيظَةٍ) بِأَنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُطَلَّقَةً بِطَلْقَتَيْنِ لَا يَحِلُّ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَطْؤُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا آخَرَ وَلَا يَكْفِي وَطْءُ الْمَوْلَى قَالَهُ الْمُحَشِّي صُورَتُهُ رَجُلٌ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بِطَلْقَتَيْنِ ثُمَّ وَطِئَ مَوْلَاهَا أَيْ ذَلِكَ الْغَيْرُ إيَّاهَا ثُمَّ يَشْتَرِي الرَّجُلُ تِلْكَ الْأَمَةَ فَالْحُرْمَةُ حِينَئِذٍ غَلِيظَةٌ فَلَا يَنْظُرُ هَذَا الْمَوْلَى إلَى جَمِيعِ أَعْضَاءِ تِلْكَ الْأَمَةِ كَسَائِرِ الْإِمَاءِ (أَوْ بِكَوْنِهَا مُشْرِكَةً) أَوْ مَجُوسِيَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً فَالِاكْتِفَاءُ إمَّا مِنْ قَبِيلِ - {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]- أَوْ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ التَّغْلِيبِ (غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ) .
قِيلَ وَلَوْ يَهُودِيَّةً تَقُولُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ أَوْ نَصْرَانِيَّةً تَقُولُ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ كَذَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ وَكَذَا مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ لَكِنْ لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْمُشْرِكُ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ إنَّمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى لَعَلَّ الْوَطْءَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ تَابِعٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ صِحَّةً وَعَدَمِهَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعَمْرو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وَطْءُ الْمُشْرِكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِوُرُودِ الْأَثَرِ بِجَوَازِ وَطْءِ سَبَايَا الْعَرَبِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى - {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]- وَالنِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ أَوْ تَقُولُ هُوَ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ وَالْعَقْدَ.
وَمَا وَرَدَ مِنْ الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى بَعْدِ الْإِسْلَامِ أَوْ مَنْسُوخٌ بِمَا ذَكَرْنَا كَمَا نُقِلَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ عَلَى الْعَقْدِ وَالْأَثَرُ عَلَى الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِضَرُورَةِ التَّوْفِيقِ، وَأَنَّ التَّأْوِيلَ بِالْحَمْلِ عَلَى مَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ بَعِيدٌ لَا سِيَّمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَؤُلَاءِ الْكِبَارِ مِنْ التَّابِعِينَ مَعَ قُرْبِ عَصْرِهِمْ وَعُلُوِّ كَعْبِهِمْ وَأَيْضًا النَّسْخُ شَيْءٌ عَظِيمٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَرَأَ عَلَيْهِ عِنْدَ إمْكَانِ مَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (أَوْ مُشْتَرَكَةً) مَعَ الْغَيْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ قَوْلَهُ أَوْ كَانَتْ أُخْتَ زَوْجَتِهِ مَثَلًا أَوْ أُخْتَ أَمَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا تَحْرِيمِهَا (يَجُوزُ النَّظَرُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا) مِنْ النَّاظِرِ وَالْمَنْظُورِ إلَيْهِ جَزَاءً لِقَوْلِهِ إنْ كَانَ نَفْسَهُ إلَى آخِرِهِ (إلَى كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُمَا) حَتَّى إلَى فَرْجِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ بَلْ إلَى مَا لَا يَحِلُّ التَّمَتُّعُ بِهِ كَحَلْقَةِ دُبُرِهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ زَوْجَتِك وَأَمَتِك» (لَكِنْ) مَعَ الْجَوَازِ.
(قَالُوا الْأَدَبُ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ) أَيْ فَرْجِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ وَالظَّاهِرُ كَذَا عَكْسُهُمَا (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَتَجَرَّدَا» أَيْ الزَّوْجَانِ
«تَجَرُّدَ الْبَعِيرِ» لَعَلَّهُ مِنْ قَبِيلِ سُبْحَانَ مَنْ صَغَّرَ جِسْمَ الْبَعُوضَةِ كَمَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ الْمُبْتَدَأُ هُوَ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْعَوَامِلِ اللَّفْظِيَّةِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ هَذَا النَّهْيُ تَنْزِيهِيٌّ فَلَا مُنَافَاةَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَلَا بِالْجَوَازِ الْمَذْكُورِ وَرُوِيَ عَلَى تَخْرِيجِ الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَزَّارِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذْ أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَتِرْ اسْتَحْيَتْ الْمَلَائِكَةُ وَخَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ وَبَقِيَ الشَّيْطَانُ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ كَانَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَصِيبٌ» ، وَفِي الْجَامِعِ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ» أَرَادَ جِمَاعَ حَلِيلَتِهِ «فَلْيَسْتَتِرْ» فَلْيُغَطِّ هُوَ وَإِيَّاهَا بِثَوْبٍ يَسْتُرُهُمَا نَدْبًا «وَلَا يَتَجَرَّدَانِ» خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ لَا يَنْزِعَانِ الثِّيَابَ عَنْ عَوْرَتَيْهِمَا «تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ» الْعَيْرُ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ حَيَاءً مِنْ اللَّهِ وَأَدَبًا مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَحَذَرًا مِنْ حُضُورِ الشَّيَاطِينِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَخُصَّ ضَرْبُ الْمَثَلِ بِالْحِمَارِ زِيَادَةً فِي التَّنْفِيرِ وَالتَّقْرِيعِ وَاسْتِهْجَانًا لِذَلِكَ الْأَمْرِ الشَّنِيعِ لِأَنَّهُ أَبْلَدُ الْحَيَوَانِ وَأَعْدَمُهُ فَهْمًا وَأَقْبَحَهُ فِعْلًا (وَلِقَوْلِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) وَعَنْ أَبَوَيْهَا (مَا رَأَى) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنِّي) » أَيْ عَوْرَتِي حَذَفَ الْمَفْعُولَ لِاسْتِهْجَانِ ذِكْرِهِ وَكَذَا فِي قَوْلِهَا «وَمَا رَأَيْت مِنْهُ» قَالَ فِي التتارخانية نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى زَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ مِنْ فَرْقِهَا إلَى قَدَمَيْهَا عَنْ شَهْوَةٍ جَائِزٌ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ (وَقِيلَ) النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ (يُورِثُ النِّسْيَانَ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ لَكِنْ فِي الشِّرْعَةِ قُيِّدَ بِكَوْنِ النَّظَرِ حَالَةَ الْوِقَاعِ حَيْثُ قَالَ وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا حَالَةَ الْوِقَاعِ فَإِنَّ مِنْهُ الْعَمَى لِلْوَلَدِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ هُنَا وَأَيْضًا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ أَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ النِّسْيَانَ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ انْتَهَى نَعَمْ فِي الْفَيْضِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الْآتِي هُنَا وَخَصَّ حَالَةَ الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ النَّظَرِ وَإِذَا نَهَى عَنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَفِي غَيْرِهَا أَوْلَى (وَقِيلَ يُورِثُ الْعَمَى) عَمَى الْبَصَرِ أَوْ الْبَصِيرَةِ لِلنَّاظِرِ أَوْ الْوَلَدِ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَيْضًا كَوْنُ النَّظَرِ حَالَ الْوِقَاعِ (وَرُوِيَ فِيهِ) أَيْ فِي إيرَاثِ الْعَمَى (حَدِيثٌ لَكِنْ قِيلَ إنَّهُ مَوْضُوعٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَقِيلَ يُورِثُ الْعَمَى تَأْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَظَاهِرُ هَذَا تَزْيِيفٌ لَهُ وَأَنَّ مِثْلَهُ إنَّمَا يُدْرَكُ بِالشَّرْعِ فَإِذَا بَطَلَ حَدِيثُهُ بَطَلَ حُكْمُهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ مِثْلَهُ قَدْ يُمْكِنُ بِالتَّجْرِبَةِ وَعِلْمِ الطِّبِّ نَعَمْ فِي التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ إشَارَةٌ إلَى نَوْعِ صِحَّتِهِ كَمَا يَأْتِي ثُمَّ عَنْ الْعَسْقَلَانِيُّ مَا وَجَدْت فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ وَمَا رُوِيَ فِيهِ فَمَوْضُوعٌ وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ فَلَا يَنْظُرَنَّ فَرْجَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْعَمَى» عَنْ ابْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى تَخْرِيجِ الدَّيْلَمِيِّ وَالْخَلِيلِيِّ «إذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَنْظُرُ إلَى الْفَرْجِ لِأَنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى» حَيْثُ حَكَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِوَضْعِهِ وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى تَخْرِيجِ الْبَيْهَقِيّ «إذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ فَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الطَّمْسَ» أَيْ الْعَمَى رَوَاهُ السُّيُوطِيّ فِي مَنَاهِجِ السُّنَّةِ وَكَذَا فِي الْفَيْضِ حَكَمَ بِوَضْعِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ صَاحِبُ الْمِيزَانِ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ وَأَيْضًا ابْنِ حِبَّانَ وَأَيْضًا فِيهِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي سَنَدِهِ مَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْجَامِعِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّهُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ هَذَا مُخَالِفٌ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي زَعْمِهِ بِوَضْعِهِ لَعَلَّ لِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ قِيلَ إنَّهُ مَوْضُوعٌ كَمَا أُشِيرَ وَلَمْ يَحْكُمْ بِوَضْعِهِ وَقِيلَ بِالضَّعْفِ وَقِيلَ إنَّهُ مُنْكَرٌ
(وَرَوَى الْفُقَهَاءُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي اللَّذَّةِ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ نُزُولُ الْمَنِيِّ بِالْكَثْرَةِ فَالْوَلَدُ قَوِيُّ الْبِنْيَةِ تَامُّ الْخِلْقَةِ قِيلَ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ التَّوَجُّهِ بِدُونِهِ قَالَ فِي التتارخانية عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ وَقْتَ الْإِيقَاعِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ (وَالْمُحَدِّثُونَ أَنْكَرُوا ثُبُوتَهُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَعَلَّ وَجْهَ بَحْثِهِمْ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي بَحْثِهِمْ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ بَلْ مِنْ الْمَطَالِبِ السَّمْعِيَّةِ فَبِالْآخِرَةِ يَرْجِعُ إلَى الْحَدِيثِ وَلَوْ مَعْنًى فَيَكُونُ لِبَحْثِهِمْ عَنْهُ مَعْنًى مُعْتَدٌّ بِهِ لَكِنْ يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ حَدِيثُ الْجَامِعِ «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك وَمَا مَلَكَ يَمِينُك» قَالَ فِي شَرْحِهِ وَفِيهِ أَنَّ لِلزَّوْجِ نَظَرَ فَرْجِ زَوْجَتِهِ وَحَلْقَةِ دُبْرِهَا وَأَخَذَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ تَمْكِينُ حَلِيلَتِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَيْضِ وَأَيْضًا يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى - {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5]{إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]- وَنَقُولُ أَيْضًا إنَّ قَوَاعِدَنَا عِنْدَ تَعَارُضِ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ وَالْحَدِيثِ تَقْدِيمُ قَوْلِهِمْ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحَدِيثِ مُؤَوَّلًا أَوْ مُخَصَّصًا أَوْ مُعَارَضًا أَوْ مَنْسُوخًا أَوْ مُقَيَّدًا بِحَيْثُ تَخْتَصُّ مَعْرِفَتُهُ بِالْفَقِيهِ دُونَ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَإِنْ كَانَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ نَفْسَهُ (غَيْرَ هَؤُلَاءِ) الْخَمْسَةِ نَفْسُهُ وَصَغِيرَةٌ وَصَغِيرٌ وَمَنْكُوحَتُهُ وَأَمَتُهُ (فَإِنْ كَانَ النَّظَرُ بِعُذْرٍ) كَمَا يَأْتِي (يَجُوزُ) النَّظَرُ (مُطْلَقًا) رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ وَبِدُونِهَا (وَإِلَّا) إنْ لَمْ يَكُنْ بِعُذْرٍ (فَإِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِشَكٍّ فِيهَا) أَيْ فِي الشَّهْوَةِ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَأَنْتَ تَعْرِفُ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ الرِّبَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ بَلْ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ وَقَعَ فِي الشُّبْهَةِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ» وَ «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَفِي التتارخانية إذَا عَلِمْت أَنَّهُ يَقَعُ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ شَكَّتْ وَمَعْنَى الشَّكِّ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ فَأُحِبُّ أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا عَنْهُ وَتَمَامُهُ فِيهَا (فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا) رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً تَحْتَ سُرَّةٍ (وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ أَوْ شَكٍّ (فَإِنْ كَانَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ ذَكَرًا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى تَحْتَ الرُّكْبَةِ مُطْلَقًا) رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً عَنْ النِّصَابِ كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ وَالْمَنْظُورَ إلَيْهِ» وَمَنْ لَمْ يَسْتُرْ الرُّكْبَةَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ لِأَنَّ فِي كَوْنِهَا عَوْرَةً اخْتِلَافًا وَمَنْ لَمْ يَسْتُرْ الْفَخِذَ يُعَنَّفُ عَلَيْهِ وَلَا يُضْرَبُ لِأَنَّ فِي كَوْنِهِ عَوْرَةً اخْتِلَافَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَنْ لَمْ يَسْتُرْ السَّوْأَةَ يُؤَدَّبُ إنْ لَجَّ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِهَا عَوْرَةً قَالَ فِي الْهِدَايَةِ السُّرَّةُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي عِصْمَة رحمه الله وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي التتارخانية كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَرَى بَأْسًا بِنَظَرِ الْحَمَّامِيِّ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ انْتَهَى لَكِنْ لَعَلَّ لَهُ تَأْوِيلًا فَتَأَمَّلْ ثُمَّ فِي التتارخانية عَنْ الْكِتَابِ أَنَّهَا لَا تَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ
فِي الْهِدَايَةِ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ (وَإِنْ كَانَ)
الْمَنْظُورُ إلَيْهِ (أُنْثَى فَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ أَيْضًا أُنْثَى كَالنَّظَرِ إلَى الذَّكَرِ) أَيْ مُطْلَقًا فَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَمْنِ الشَّهْوَةِ فَلَوْ كَانَ لَهَا شَهْوَةٌ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا فَتَغُضُّ بَصَرَهَا قِيلَ اسْتِحْبَابًا هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ وَفِي التَّنْوِيرِ وَالذِّمِّيَّةُ كَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَصَحِّ فَلَا تَنْظُرُ إلَى بَدَنِ الْمُسْلِمَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّاظِرُ أُنْثَى بَلْ ذَكَرًا
(فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْظُورَةُ) إلَيْهَا (حُرَّةً أَجْنَبِيَّةً غَيْرَ مَحْرَمٍ) وَالْكَافِرَةُ كَالْمُسْلِمَةِ وَعَنْ الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ فِي شَعْرِهَا (لِلنَّاظِرِ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا سِوَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا) وَفِي الْقَدَمِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ كَوْنُهَا عَوْرَةً وَأَمَّا ظَهْرُ الْكَفِّ فَعَوْرَةٌ وَفِي التتارخانية نَظَرُ وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ لَكِنْ يُكْرَهُ بِغَيْرِ حَاجَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعَيْهَا لَا سِيَّمَا عِنْدَ اسْتِئْجَارِهَا لِلْخَبْزِ وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ثِيَابِهَا مُبَاحٌ وَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَةِ الْعَجَائِزِ وَلَا بَأْسَ فِي مُعَانَقَتِهَا مِنْ وَرَاءِ الثِّيَابِ إنْ غَلِيظَةً وَلَا بِالنَّظَرِ فِي صَغِيرَةٍ غَيْرِ مُشْتَهَاةٍ وَالْمَسُّ كَذَلِكَ (مُطْلَقًا) بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا كَذَا فُسِّرَ لَكِنْ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ مَا فِي الْمُنْتَقَى مِنْ قَوْلِهِ وَلَا إلَى الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إلَّا إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ وَأَيْضًا فِي التتارخانية فَإِنْ عَلِمَ الشَّهْوَةَ أَوْ شَكَّ فَلْيَجْتَنِبْ بِجَهْدٍ لَكِنْ فِي النِّصَابِ عَنْ الْخَصَّافِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الْأَعْمَشَ خَرَجَ إلَى الرُّسْتَاقِ وَكَانَ النِّسَاءُ فِي شَطِّ نَهْرٍ كَاشِفَاتِ الذِّرَاعِ وَالرُّءُوسِ فَذَهَبَ إلَى أَنْ خَالَطَهُنَّ وَلَمْ يَتَحَامَ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهِنَّ فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ هَذَا فَقَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ لِهَتْكِهِنَّ حُرْمَةَ أَنْفُسِهِنَّ، وَمِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَتَى النَّائِحَةَ حَتَّى هَجَمَ عَلَيْهَا فِي مَنْزِلِهَا فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا حُرْمَةَ لَهَا فِي الشَّرِيعَةِ وَلِذَلِكَ جَوَّزَ نَظَرَ الْمُحْتَسِبِ عِنْدَ تَعْزِيرِهِنَّ سِيَّمَا عِنْدَ كَشْفِ رُءُوسِهِنَّ أَوْ ذِرَاعِهِنَّ أَوْ قَدَمِهِنَّ فَيَنْدَفِعُ مَا يُورِدُ أَنَّ نَظَرَهُنَّ مُنْكَرٌ آخَرُ. اهـ.
(حَتَّى قَالُوا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَظْمِ امْرَأَةٍ بَالِيَةٍ فِي الْقَبْرِ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقَيَّدَ بِشَهْوَةٍ (وَالنَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا) ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ (مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ) خَشْيَةَ إفْضَائِهِ إلَى الْفِتْنَةِ وَلِهَذَا أَمَرَ بِالِالْتِفَاتِ وَفِي النِّصَابِ الْحُرَّةُ تُمْنَعُ مِنْ كَشْفِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ وَالْقَدَمِ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى شَهْوَةِ بَعْضِ النَّاظِرِينَ إلَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا فَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَمُصَافَحَتُهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَنْظُورُ إلَيْهَا حُرَّةً أَجْنَبِيَّةً بَلْ كَانَتْ أَمَةً لِلْغَيْرِ أَوْ مَحْرَمًا لِلنَّاظِرِ (فَكَالنَّظَرِ إلَى الذَّكَرِ مَعَ زِيَادَةِ الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ) فَيَنْظُرُ إلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ لَكِنَّ بِشَرْطِ أَمْنِ الشَّهْوَةِ لَا إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ وَالْجَنْبِ وَكَذَلِكَ الْأُذُنُ وَالْعُنُقُ وَالسَّاعِدُ وَالْكَفُّ وَاللِّسَانُ وَالرِّجْلُ وَمَا حَلَّ نَظَرُهُ حَلَّ مَسُّهُ وَغَمْزُهُ.
(وَالْعُذْرُ) الْمُبِيحُ لِنَظَرِ الْعَوْرَةِ (تِسْعَةٌ الْأَوَّلُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا) إذْ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ إذَا أَرَادُوا إقَامَةَ الشَّهَادَةِ (كَمَا فِي الزِّنَا) كَمَنْ رَأَى مَنْ يَزْنِي فَيَقْصِدُ النَّظَرَ بِنِيَّةِ الْحِسْبَةِ إلَى عَوْرَتِهِمَا كَالسِّكِّينِ فِي الْغِمْدِ (الثَّانِي أَدَاءُ الشَّهَادَةِ) عِنْدَ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ النَّظَرَ حِينَئِذٍ لَا يُبَاحُ إذَا انْتَهَى لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ لَا يُشْتَهَى فَلَا ضَرُورَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (الثَّالِثُ حُكْمُ الْقَاضِي) فَإِنَّ لَهُ النَّظَرَ إلَى وَجْهِهَا وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ.
(الرَّابِعُ الْوِلَادَةُ لِلْقَابِلَةِ) فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَخْذِ الْوَلَدِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ امْرَأَةٌ كَذَلِكَ فَلِلرَّجُلِ الصَّالِحِ ذَلِكَ إنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ (الْخَامِسُ الْبَكَارَةُ فِي الْعُنَّةِ) كَمَا إذَا ادَّعَى الرَّجُلُ الْوَطْءَ وَأَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا لِمَعْرِفَةِ بَكَارَتِهَا وَثُيُوبَتِهَا وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ أَنَّهَا بِكْرٌ أَنْ تَبُولَ عَلَى جِدَارٍ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ فَبِكْرٌ وَإِلَّا فَلَا أَوْ يُرْسَلُ فِي فَرْجِهَا مُخُّ بَيْضَةٍ فَإِنْ دَخَلَ فَثَيِّبٌ وَإِلَّا فَبِكْرٌ أَوْ يُرْسَلُ فِي فَرْجِهَا
أَصْغَرُ بَيْضِ الدَّجَاجِ فَإِنْ دَخَلَ بِلَا عُنْفٍ فَثَيِّبٌ وَإِلَّا فَبِكْرٌ.
(وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ) بِزَوَالِ عُذْرَتِهَا أَوْ بِعُذْرٍ فِي مَوْضِعِ الْعَوْرَةِ (وَسَادِسُهَا الْخِتَانُ) لِلذَّكَرِ (وَالْخَفْضُ) لِلْأُنْثَى وَهُوَ خِتَانُ الصَّغِيرَةِ وَخِتَانُ الرِّجَالِ سُنَّةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي خِتَانِ الْمَرْأَةِ فَفِي آدَابِ الْقَاضِي مَكْرُمَةٌ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ سُنَّةٌ لَكِنْ لَا كَسُنَّةِ الرِّجَالِ وَفِي الِاخْتِيَارِ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ (سَابِعُهَا الْمُدَاوَاةُ) لَهَا (مِنْهَا الِاحْتِقَانُ) وَهُوَ جَعْلُ الدَّوَاءِ فِي أُنْبُوبَةٍ وَنَحْوِهَا وَيَنْفُخُ مِنْ الْفَرْجِ إلَى الْجَوْفِ لَكِنْ يَتَّقِي الشَّهْوَةَ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهُ حَرَامٌ (لِلْمَرَضِ وَالْهُزَالِ) لِأَنَّهُ إذَا فَحُشَ يُفْضِي إلَى السُّلِّ لَكِنْ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى التَّقْيِيدُ بِكَوْنِ الْهُزَالِ فَاحِشًا وَكَوْنُهُ عَلَى وَجْهٍ يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ وَإِلَّا لَا يَحِلُّ، وَفِي التتارخانية لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَوَلَّى عَوْرَةَ إنْسَانٍ بِيَدِهِ عِنْدَ التَّنْوِيرِ إذَا غَضَّ بَصَرَهُ كَمَا يُدَاوِي جُرْحًا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِذَا أَصَابَتْ امْرَأَةً قُرْحَةٌ فَيُعَلِّمُ امْرَأَةً دَوَاءَهَا لِتُدَاوِيهَا وَإِلَّا فَيُدَاوِيهَا بِاسْتِتَارِ جَمِيعِ مَا عَدَا الْقُرْحَةَ غَاضًّا بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمَحَارِمُ وَالْأَجْنَبِيَّاتُ (لَا) لِأَجْلِ (الْجِمَاعِ) فَلَا يَصْلُحُ عُذْرًا لِلنَّظَرِ.
(ثَامِنُهَا إرَادَةُ النِّكَاحِ) حَيْثُ جَازَ النَّظَرُ إلَيْهَا وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُغِيرَةِ «إذَا أَرَدْت أَنْ تَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أَبْصِرْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» (تَاسِعُهَا إرَادَةُ الشِّرَاءِ) إذَا كَانَتْ جَارِيَةً فَيَحِلُّ نَظَرُهُ إلَى شَعْرِهَا وَصَدْرِهَا وَثَدْيِهَا وَعَضُدِهَا وَسَاقِهَا وَإِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَفِي التتارخانية يَجُوزُ مَسُّهَا أَيْضًا (فَفِي هَذِهِ الْأَعْذَارِ يَجُوزُ النَّظَرُ وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَهَا) الِاخْتِيَارِيُّ وَأَمَّا الضَّرُورِيُّ فَلَيْسَ لَهُ تَكْلِيفٌ.
(وَفِي حُكْمِ النَّظَرِ إلَى الْبَدَنِ) الْمُجَرَّدِ عَنْ الثِّيَابِ (النَّظَرُ فَوْقَ ثِيَابِهَا) أَيْ ثِيَابِ الْأَجْنَبِيَّةِ (إنْ كَانَتْ) الثِّيَابُ (رَقِيقَةً وَمُلْتَزِقَةً) بِبَدَنِهَا (تَصِفُهَا) أَيْ تَصِفُ بَدَنَهَا لِضِيقِهَا أَوْ رِقَّتِهَا، وَالْعُرْيَانُ فِي الْوَقْتِ الْخَالِي عَنْ النَّاسِ تَارِكُ الْأَوْلَى فَحَسْبُ.
وَقَالَ الدِّيرِيُّ مَكْرُوهٌ بِلَا حَاجَةٍ كَمَنْ تَغْتَسِلُ عُرْيَانَةً فِي الْمَاءِ الْجَارِي أَوْ غَيْرِهِ فِي الْخَلْوَةِ كَمَا فِي التتارخانية
وَفِي الْأُسْرُوشَنِيَّة إنْ الْبَيْتُ ضَيِّقًا يُبَاحُ تَجْرِيدُهُمَا لِلْجِمَاعِ وَإِلَّا فَلَا وَقُدِّرَ الضِّيقُ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ وَكُرِهَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ بِلَا حَاجَةٍ، وَكَذَا التَّجَرُّدُ عِنْدَ الْغُسْلِ بِلَا إزَارٍ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلَوْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، وَكَذَا عِنْدَ عَصْرِ إزَارِهِ وَحَلْقِ عَانَتِهِ فِي بَيْتِ الْحَمَّامِ الصَّغِيرِ أَثِمَ عِنْدَ بَعْضٍ وَعِنْدَ آخَرَ لَا لَوْ فِي مَكَان وَحْدَهُ إنْ أَمِنَ مِنْ دُخُولِ النَّاسِ عَلَيْهِ، ثُمَّ مِنْ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ نَظَرُ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ قَالَ فِي التتارخانية لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ النَّظَرُ إلَيْهِ عَنْ شَهْوَةٍ وَأَمَّا بِلَا شَهْوَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلِهَذَا لَا يُؤْمَرُ بِالنِّقَابِ وَفِي حُكْمِ الصَّلَاةِ كَالرِّجَالِ وَالسَّلَامِ وَالنَّظَرِ لَا عَنْ شَهْوَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِيهَا عَنْ كِفَايَةِ الشَّعْبِيِّ مَاتَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَرُئِيَ فِي الْمَنَامِ وَقَدْ اسْوَدَّ وَجْهُهُ فَسُئِلَ فَقَالَ رَأَيْت غُلَامًا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَنَظَرْت إلَيْهِ فَاحْتَرَقَ وَجْهِي فِي النَّارِ وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْعُبَّادِ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ قَالَ كُلُّ ذَنْبٍ اسْتَغْفَرْتُ مِنْهُ غُفِرَ لِي إلَّا ذَنْبًا اسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى فَعُذِّبْتُ بِذَلِكَ هِيَ نَظَرِي إلَى غُلَامٍ بِشَهْوَةٍ.
قَالَ الْقَاضِي سَمِعْت الْإِمَامَ يَقُولُ إنَّ مَعَ كُلِّ امْرَأَةٍ شَيْطَانَيْنِ وَمَعَ الْغُلَامِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَيْطَانًا وَالْأَمْرَدُ إذَا كَانَ صَبِيًّا وَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى طَلَبِ الْعِلْمِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُمْنَعَ فِي كَرَاهِيَةِ الْخَانِيَّةِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَبِيحًا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْلِسُهُ فِي دَرْسِهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مَخَافَةَ خِيَانَةِ الْعَيْنِ مَعَ كَمَالِ تَقْوَاهُ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ عَنْ الْكَتَّانِيِّ قَالَ رَأَيْت عَلِيًّا الرَّازِيَّ فِي مَنَامِي فَقُلْت مَا حَالُك قَالَ أَقَامَنِي اللَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ اقْرَأْ كِتَابَك فَقَرَأَتْ الذُّنُوبَ حَتَّى بَلَغْت إلَى ذَنْبٍ فَامْتَنَعَتْ خَجَلًا فَمَا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ اقْرَأْ حَتَّى سَقَطَ جِلْدُ وَجْهِي عَلَى قَدَمِي فَقُلْت أَيُّ شَيْءٍ كَانَ الذَّنْبُ قَالَ نَظَرْت إلَى وَجْهِ غُلَامٍ وَتَأَمَّلْت فِي عَجُزِهِ فَهَذَا حَالُ
مَنْ نَظَرَ فَكَيْفَ حَالُ مَنْ فَعَلَ وَعَنْ سُفْيَانَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ لُوطِيُّونَ صِنْفٌ يَنْظُرُونَ وَصِنْفٌ يُصَافِحُونَ وَصِنْفٌ يَعْمَلُونَ وَفِي النِّصَابِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَ جَالِسًا عَلَى بَابِ دَارِهِ فَرَأَى غُلَامًا صَبِيحًا حَسَنَ الْوَجْهِ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ السِّكَّةِ فَدَخَلَ دَارِهِ فَلَمَّا قَالُوا ذَهَبَ خَرَجَ مِنْ الدَّارِ فَقِيلَ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا مِنْ عِنْدِك أَوَ سَمِعْت شَيْئًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «النَّظَرُ إلَيْهِمْ حَرَامٌ وَالْكَلَامُ مَعَهُمْ حَرَامٌ وَمُجَالَسَتُهُمْ حَرَامٌ»
وَفِي الْبُسْتَانِ وَيُكْرَهُ مُجَالَسَةُ الْأَحْدَاثِ وَالصِّبْيَانِ وَالسُّفَهَاءِ ثُمَّ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ نَظَرُ الشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي انْقَطَعَتْ شَهْوَتُهُ كَمَا فِي التتارخانية
(وَمِنْ آفَاتِ الْعَيْنِ النَّظَرُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ بِطَرِيقِ الِاسْتِخْفَافِ) وَالِاسْتِحْقَارِ (فَإِنَّهُ تَكَبُّرٌ حَرَامٌ وَمِنْهَا مُشَاهَدَةُ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) وَلِذَا لَا يَجِبُ إجَابَةُ دَعْوَةِ وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ وَقِيلَ اللَّهْوُ عَلَى الْمَائِدَةِ وَقِيلَ ذَلِكَ لِلْعَوَامِّ وَأَمَّا لِلْخَوَاصِّ فَمُطْلَقٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(وَمِنْهَا اتِّبَاعُ الْبَصَرِ إلَى انْقِضَاضِ) سُقُوطِ (الْكَوْكَبِ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) وَيُقَالُ إنَّهُ يُفْضِي إلَى زَوَالِ نُورِ الْعَيْنِ
(وَكَذَا) نُهِيَ (عَنْ النَّظَرِ إلَى مَنْ فَوْقَهُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ) وَالِالْتِفَاتِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِازْدِرَاءِ نِعْمَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ وَلَوْ نَظَرَ عَلَى وَجْهِ الْعِبْرَةِ لَا يَضُرُّ كَمَا عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ (وَإِلَى مَنْ دُونَهُ فِي أَمْرِ الدِّينِ) لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعَجَبَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَهُمَا آفَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ مُسْتَقِلَّتَيْنِ كَالنَّظَرِ إلَى الْفُقَرَاءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ كُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ شَاكِرًا صَابِرًا وَمَنْ لَمْ تَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلَا صَابِرًا مَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إلَى مَنْ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى بِهِ وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إلَى مَنْ دُونَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا فَضَّلَهُ بِهِ عَلَيْهِ كَتَبَهُ بِهِ شَاكِرًا صَابِرًا وَمَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَأَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهُ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلَا صَابِرًا» كَذَا فِي الْجَامِعِ قَالَ فِي شَرْحِهِ عَنْ الطِّيبِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ جَامِعٌ لِأَنْوَاعِ الْخَيْرِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا رَأَى مَنْ فَضُلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا طَلَبَتْ نَفْسُهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَاحْتَقَرَ مَا عِنْدَهُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَحَرَصَ عَلَى الِازْدِيَادِ لِيَلْحَقَ بِذَلِكَ أَوْ يُقَارِبَهُ وَإِنْ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا إلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ ظَهَرَتْ لَهُ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَشَكَرَ وَتَوَاضَعَ وَفَعَلَ الْخَيْرَ
(وَمِنْهَا النَّظَرُ إلَى بَيْتِ الْغَيْرِ مِنْ شِقِّ الْبَابِ أَوْ مِنْ ثَقْبٍ أَوْ كَشْفِ سِتْرٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ (فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَنْ اطَّلَعَ» نَظَرَ «إلَى بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ» إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ وَتُهْدَرُ عَيْنُ النَّاظِرِ فَلَا دِيَةَ وَلَا قِصَاصَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يَضْمَنُهَا لِأَنَّ النَّظَرَ لَيْسَ فَوْقَ الدُّخُولِ وَالدُّخُولُ لَا يُوجِبُهُ وَأَوْجَبَ الْمَالِكِيَّةُ الْقِصَاصَ وَهَلْ يُلْحَقُ الِاسْتِمَاعُ بِالنَّظَرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا لِأَنَّ النَّظَرَ أَشَدُّ وَأَشْمَلُ، قَوْلُهُ اطَّلَعَ كُلُّ مُطَّلِعٍ كَيْفَ مَا كَانَ وَمِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ مِنْ بَابٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى الْعَوْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ
(تَنْبِيهٌ) : الْحَدِيثُ يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ فَلَوْ نَظَرَتْ امْرَأَةٌ فِي بَيْتِ أَجْنَبِيٍّ جَازَ رَمْيُهَا عَلَى الْأَصَحِّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ تَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ أَنَّ مَنْ تَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْهَا شَيْءٌ كَذَا فِي الْفَيْضِ (خ م عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ «رَجُلًا» مَجْهُولًا أَوْ التَّنْكِيرُ لِقَصْدِ الْإِبْهَامِ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّنْ شَأْنُهُ كَذَا
«اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام» جَمْعُ حُجْرَةٍ يَعْنِي بَعْضَ بُيُوتِهِ عليه الصلاة والسلام ( «فَقَامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ» نَصْلٍ عَرِيضٍ وَقِيلَ طَوِيلٍ وَقِيلَ سِكِّينٍ «أَوْ بِمَشَاقِصَ فَكَأَنِّي» ضَمِيرُ التَّكَلُّمِ إلَى أَنَسٍ الرَّاوِي «أَنْظُرُ إلَيْهِ» - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «يَخْتِلُ» مِنْ الْخَتْلِ بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْخُدْعَةُ أَيْ يَخْدَعُ وَيُحَاوِلُ «الرَّجُلَ» النَّاظِرُ «لِيَطْعَنَهُ» فَدَلَّ أَيْضًا عَلَى عَظِيمِ خَطَرِهِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُؤَيِّدُ جَانِبَ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا قَوْلُنَا لِأَنَّ النَّظَرَ لَيْسَ فَوْقَ الدُّخُولِ إلَى آخِرِهِ فَرَأْيٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَقُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ الْقِيَاسَ يُتْرَكُ فِي جَنْبِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَأَيْضًا لَا يَرْجِعُ إلَى الْمَجَازِ مَا لَمْ تَتَعَذَّرْ الْحَقِيقَةُ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا كَمَا فِي النِّصَابِ «لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْك بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْته بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ» أَقُولُ حُجَّتُنَا لَيْسَ الْقِيَاسَ السَّابِقَ فَقَطْ بَلْ قَوْله تَعَالَى - {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]- عَلَى أَنَّ كَوْنَ مَا ذُكِرَ قِيَاسًا غَيْرَ مُسَلَّمٍ بَلْ دَلَالَةَ نَصٍّ (حَدّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «أَيُّمَا رَجُلٍ كَشَفَ سِتْرًا» أَيْ أَزَالَهُ «فَأَدْخَلَ بَصَرَهُ» يَعْنِي نَظَرَ إلَى مَا وَرَاءِ السِّتْرِ مِنْ حُرَمٍ أَوْ غَيْرِهِنَّ «قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ» فِي الدُّخُولِ «فَقَدْ أَتَى حَدًّا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ» أَيْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ «وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا» مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ «فَقَأَ عَيْنَهُ» بِنَحْوِ حَصَاةٍ «لَهَدَرَتْ» عَيْنُهُ فَلَا يَضْمَنُهَا الرَّامِي فَفِيهِ أَيْضًا حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ عَرَفْت آنِفًا
(وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى بَابِ رَجُلٍ) أَيْ مَنْفَذِ نَحْوِ بَيْتٍ (لَا سُتْرَةَ عَلَيْهِ) أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ يَسْتُرُ مَا وَرَاءَهُ عَنْ الْعُيُونِ (فَرَأَى عَوْرَةَ أَهْلِهِ) أَيْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَابِ مِنْ ذَلِكَ الْمَنْفَذِ (فَلَا خَطِيئَةَ عَلَيْهِ إنَّمَا الْخَطِيئَةُ عَلَى أَهْلِ الْبَابِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَهْلِ الْمَنْزِلِ فِي تَرْكِهِمْ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ السِّتْرِ وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِمْ بِاطِّلَاعِ الْأَجَانِبِ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ وَفِي نُسَخٍ بَدَلُ الْبَابِ الْبَيْتُ وَهِيَ أَوْفَقُ قَالَ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِيهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ الْمَسْتُورِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَأَنَّهُ يَحْرُمُ الدُّخُولُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (طب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ مَرْفُوعًا «لَا تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا» لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَسْتُورَةٍ فَتَبْدُو عَوْرَةُ أَهْلِهَا «وَلَكِنْ ائْتُوهَا مِنْ جَوَانِبِهَا» تَحَرُّزًا عَنْ ذَلِكَ وَإِذَا أَتَيْتُمْ أَبْوَابَهَا «فَاسْتَأْذِنُوا» مِنْ أَرْبَابِهَا «فَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ فَادْخُلُوا وَإِلَّا فَارْجِعُوا» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا} [النور: 28] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَابِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْفَقَ لِعَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ شَوَاهِدَ قَبِيلِ هَذَا مِنْ نَحْوِ النَّظَرِ إلَى الْفُقَرَاءِ وَمُشَاهَدَةِ الْمَعَاصِي وَاتِّبَاعِ الْبَصَرِ لَعَلَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهَا بَلْ إنَّمَا وَقَفَ عَلَى أُصُولِهَا فَقَطْ أَوْ لِادِّعَاءِ وُضُوحِهَا أَوْ لِقِلَّتِهَا
بَقِيَ أَنَّ آفَاتِ الْعَيْنِ النَّظَرُ إلَى مَكْتُوبِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ عَلَى تَخْرِيجِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ