الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَا تُضْرَبُ) لِأَنَّ الضَّرْبَ إنَّمَا يَكُونُ لِلتَّأْدِيبِ وَلَا تَأْدِيبَ لِعَدَمِ الْعَقْلِ (وَلَا تُعْرَكُ أُذُنُهَا) لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ بِلَا فَائِدَةٍ لِعَدَمِ تَعَلُّمِهَا بِالتَّعْلِيمِ
[إحْرَاقُ كُلِّ حَيٍّ بِالنَّارِ أَوْ بِالْمَاءِ الْحَارِّ]
(وَيُكْرَهُ إحْرَاقُ كُلِّ حَيٍّ) بِالنَّارِ أَوْ بِالْمَاءِ الْحَارِّ آذَى أَمْ لَا (قَمْلَةً أَوْ نَمْلَةً أَوْ عَقْرَبًا أَوْ نَحْوَهَا) مِنْ الْمُؤْذِيَاتِ مِثْلُ الْحَيَّةِ وَالْجَرَادِ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ وَقَالَ لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَشَدُّ الْعَذَابِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ هَذَا حَيْثُ أَمْكَنَ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بِالتَّحْرِيقِ هَذَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَقِصَّةُ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ أَوْ كَانَتْ قِصَاصًا بِالْمُمَاثَلَةِ وَذَهَبَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إلَى حِلِّ تَحْرِيقِ الْكُفَّارِ مُبَالَغَةً فِي النِّكَايَةِ وَالنَّكَالِ لِأَعْدَاءِ ذِي الْجَلَالِ لَكِنْ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَنَّهُ رَجَعَ أَمَّا لَوْ تَعَذَّرَ قَتْلُ مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ إلَّا بِإِحْرَاقِهِ فَيَجُوزُ فَقَدْ رَوَى الْحَكِيمُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام بِمِنًى فَمَرَّتْ حَيَّةٌ فَقَالَ اُقْتُلُوهَا فَسَبَقَتْنَا إلَى جُحْرٍ فَدَخَلَتْ فَقَالَ هَاتُوا سَعَفَةً وَنَارًا فَأَضْرِمُوهَا نَارًا» انْتَهَى رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَالَ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» وَلَقَتَلَتُهُمْ لِقَوْلِهِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى مَذْهَبِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَالِكٌ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ سَبَّ النَّبِيَّ فَأَمَرَ كَاتِبَهُ أَنْ يَكْتُبَ يُقْتَلُ فَزَادَ كَاتِبُهُ وَيُحَرَّقُ بِالنَّارِ فَقَالَ أَصَبْت كَذَا فِي الْمَطَامِحِ وَأَنَا أَقُولُ هَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فَإِنَّ كَلَامَ مَالِكٍ هَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ يُحَرَّقُ بَعْدَ قَتْلِهِ وَأَمَّا عَلِيٌّ فَحَرَّقَهُمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ فَلَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ هَذَا أَنْ يُنْسَبَ إلَى مَالِكٍ أَنَّهُ قَائِلٌ بِقَوْلِ عَلِيٍّ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنَاوِيِّ لَكِنْ فِي بَعْضِ حَوَاشِي الْجَلَالِ شَرْحِ عَقَائِدِ الْعَضُدِ عِنْدَ عَدِّ الْكَبَائِرِ عِنْدَ عَدِّ الْإِحْرَاقِ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ وَأَفْتَوْا فِي الْقَمْلِ لِلضَّرُورَةِ وَأَيْضًا فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى جَوَازُ إحْرَاقِ الْجَرَادِ عِنْدَ امْتِنَاعِ دَفْعِ ضَرَرِهَا بِمُعَالَجَةِ غَيْرِ الْإِحْرَاقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إطْلَاقُ كَرَاهَةِ الْإِحْرَاقِ وَقَدْ عَدُّوهُ مِنْ الْكَبِيرَةِ فَتَأَمَّلْ وَعَنْ الْغِيَاثِيَّةِ الْبَهِيمَةُ الْمَوْطُوءَةُ تُذْبَحُ وَتُحَرَّقُ إنْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ، وَيَجُوزُ ذَبْحُ الْحِمَارِ الْمَرِيضِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَرْجُوِّ الِانْتِفَاعِ وَيُكْرَهُ الْكَيُّ فِي الْوَجْهِ وَلَا بَأْسَ بِقَطْعِ الْعُضْوِ لِلْأَكَلَةِ وَلَا بَأْسَ بِشَقِّ الْمَثَانَةِ إذَا كَانَ فِيهَا حَصَاةٌ وَلَا بَأْسَ بِثَقْبِ أُذُنِ الطِّفْلِ وَخِصَاءِ الْحَيَوَانَاتِ سِوَى بَنِي آدَمَ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ وَخِصَاءُ بَنِي آدَمَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَعَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ خِصَاءَ الْفَرَسِ حَرَامٌ وَكَذَا غَيْرُهُ إلَّا عِنْدَ الْمَنْفَعَةِ وَكَذَا خِصَاءُ السِّنَّوْرِ عِنْدَ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ وَأَمَّا سِمَةُ الْبَهَائِمِ فَجَوَّزَهُ بَعْضٌ وَكَرِهَهُ آخَرُ وَلَا بَأْسَ بِكَيِّ الْأَغْنَامِ الْكُلُّ مِنْ التتارخانية وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا بَأْسَ بِكَيِّ الصِّبْيَانِ إنْ لِدَاءٍ وَخِصَاءُ بَنِي آدَمَ مَكْرُوهٌ وَلِذَا يُكْرَهُ كَسْبُ الْخُصْيَانِ وَمِلْكُهُمْ وَاسْتِخْدَامُهُمْ لَكِنْ قَدْ سَمِعْت آنِفًا دَعْوَى الِاتِّفَاقِ فِي الْحُرْمَةِ
(وَالْفَيْلَقُ) هُوَ دُودُ الْقَزِّ (لَوْ أُلْقِيَ فِي الشَّمْسِ لِيَمُوتَ الدِّيدَانُ لَا بَأْسَ بِهِ) فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ الْآدَمِيِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ السَّمَكِ فِي الشَّمْسِ فَلَوْ أُحْرِقَ بِالنَّارِ لِيَمُوتَ بَدَلَ الشَّمْسِ لَا يَجُوزُ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِالشَّمْسِ وَلِلنَّصِّ فِي نَهْيِ الْإِحْرَاقِ
(وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لَا بَأْسَ بِإِحْرَاقِ حَطَبٍ فِيهِ نَمْلٌ) عِنْدَ ضَرُورَةِ الِاحْتِيَاجِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَخْلِيَتِهَا مَا أَمْكَنَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالْإِحْرَاقِ
(وَالْمَثُلَةُ) عَطْفٌ عَلَى " الْقَتْلُ " بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ التَّاءِ وَهِيَ قَطْعُ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ حَيًّا وَتَجِيءُ بِمَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَجَعْلُ الْحَيَوَانِ غَرَضًا لِلرَّمْيِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ قَطْعُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَفِي الدُّرَرِ اسْمٌ مِنْ مَثَلَ بِهِ يَمْثُلُ مَثْلًا كَقَتَلَ يَقْتُلُ قَتْلًا أَيْ نَكَّلَ بِهِ يَعْنِي جَعَلَهُ نَكَالًا وَعِبْرَةً لِغَيْرِهِ كَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ (وَضَرْبُ الْوَجْهِ مُطْلَقًا) بِذَنْبٍ
أَوْ لَا إنْسَانًا أَوْ لَا لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ وَعَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قَالُوا وَيُخَاصَمُ ضَارِبُ الْحَيَوَانِ إلَّا بِوَجْهِهِ لَا لِوَجْهِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُخَاصِمُ ضَارِبَهُ بِلَا وَجْهٍ لِأَنَّهُ إنْكَارٌ فِي وَقْتِ مُبَاشَرَةِ الْمُنْكَرِ وَيَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ وَلَا يُخَاصَمُ الضَّارِبُ بِوَجْهٍ إلَّا إذَا ضَرَبَ الْوَجْهَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ وَلَوْ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الْوَجْهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَضْرِبُوا الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» انْتَهَى (وَالضَّرْبُ) أَيْ ضَرْبُ مَا عَدَا الْوَجْهَ (بِغَيْرِ حَقٍّ) مُطْلَقًا وَأَمَّا بِحَقٍّ كَمُوجِبِ التَّعْزِيرِ وَالتَّأْدِيبِ فَجَائِزٌ بَلْ قَدْ يَجِبُ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْحُكَّامِ وَالْمُحْتَسَبِ بَلْ قَدْ يَعُمُّ وَقَدْ سَبَقَ
وَعَنْ الْبَزَّازِيَّةِ ضَرَبَ الْأُسْتَاذُ أَوْ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ أَوْ الْعَبْدَ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ وَتَلِفَ ضِمْنَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ ضَرَبَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ الِابْنَ فَمَاتَ ضَمِنَا لِأَنَّهُمَا يَضْرِبَانِ لِأَنْفُسِهِمَا لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْمُعَلِّمِ
وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ قَطَعَ الْأُصْبُعَ الزَّائِدِ مِنْ وَلَدِهِ فَهَلَكَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ وَقَالَ آخَرُ يَضْمَنُ وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ
(وَالْغَصْبُ) هُوَ أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ بِلَا إذْنٍ لَا خُفْيَةً (وَالْغُلُولُ) أَيْ الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ وَالسَّرِقَةُ) هِيَ أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً (وَأَخْذُ الزَّكَاةِ) مِنْ مَالِهَا (وَ) أَخْذُ (الْعُشْرِ وَالنَّذْرِ) فَإِنَّ مَصْرِفَ الْعُشْرِ كَمَصْرِفِ الزَّكَاةِ (وَ) أَخْذُ (صَدَقَةِ الْفِطْرَةِ وَ) أَخْذُ (الْكَفَّارَةِ) كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ (وَ) أَخْذُ (اللُّقَطَةِ) أَيْ الِانْتِفَاعُ بِهَا لَا أَخْذُهَا مُطْلَقًا فَإِنَّ رَفْعَهَا أَحَبُّ مِنْ تَرْكِهَا إنْ لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهَا وَأَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا وَالْأَوْلَى عَدَمُ الْأَخْذِ إنْ وُجِدَ مَنْ يَأْخُذُ وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ قَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ خَدَعَتْنِي امْرَأَةٌ وَفَقَّهَتْنِي امْرَأَةٌ وَزَهَّدَتْنِي امْرَأَةٌ أَمَّا الْأُولَى قَالَ كُنْت مُجْتَازًا فَأَشَارَتْ إلَيَّ امْرَأَةٌ إلَى شَيْءٍ مَطْرُوحٍ فِي الطَّرِيقِ فَتَوَهَّمْت أَنَّهَا خَرْسَاءَ وَأَنَّ الشَّيْءَ لَهَا فَلَمَّا رَفَعْته إلَيْهَا قَالَتْ احْفَظْهُ حَتَّى تُسَلِّمْهُ لِصَاحِبِهِ الثَّانِيَةُ سَأَلَتْنِي امْرَأَةٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الْحَيْضِ فَلَمْ أَعْرِفْهَا فَقَالَتْ قَوْلًا تَعَلَّمْت الْفِقْهَ مِنْ أَجْلِهِ الثَّالِثَةُ مَرَرْت بِبَعْضِ الطَّرَقَاتِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ هَذَا الَّذِي يُصَلِّي الْفَجْرَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ فَتَعَمَّدْت ذَلِكَ حَتَّى صَارَ دَأْبِي كَمَا فِي آخِرِ الْأَشْبَاهِ وَوَاجِبٌ إنْ خَافَ الضَّيَاعَ وَقَالَ بَعْضٌ يَحِلُّ أَخْذُهَا وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ وَبِهِ أَخَذَ أَحْمَدُ (وَ) أَخْذُ (مَا وَجَبَ تَصَدُّقُهُ مِنْ الْمَالِ الْخَبِيثِ) وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَا يُكْرَهُ لِرَدَاءَتِهِ وَخِسَّتِهِ وَيُسْتَعْمَلُ لِلْحَرَامِ مِنْ حَيْثُ كَرِهَهُ الشَّارِعُ وَلِلرَّدِيءِ مِنْ الْمَالِ وَكَوْنُ هَذِهِ الْأَخَذَاتِ آفَةً (إنْ كَانَ) الْآخِذُ (غَنِيًّا غِنَى الْأُضْحِيَّةَ) فَإِنْ قِيلَ الشَّرْطُ بَعْدَ الْمُتَعَاطِفَاتِ لِلْأَخِيرِ فَكَيْفَ هُنَا لِلْجَمِيعِ قُلْنَا هَذَا بَعْدَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَوْ سَلِمَ فَالشَّرْطُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِلْجَمِيعِ لَا لِلْأَخِيرِ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْمَالُ الْخَبِيثُ كَالْأَخْذِ مِنْ الْبُيُوعَاتِ الْبَاطِلَةِ بَلْ الْفَاسِدَةِ وَالرِّبَا وَأَرْبَاحِ مَالِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ (وَهُوَ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) وَزْنَ سَبْعَةٍ (أَوْ قِيمَتَهَا فَارِغَيْنِ) أَيْ الدِّرْهَمَ وَالْقِيمَةَ (عَنْ الدَّيْنِ) وَالْمَهْرُ الْمُعَجَّلُ مَحْسُوبٌ لَا الْمُؤَجَّلُ (وَ) عَنْ (الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ) كَدُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا وَآلَاتِ الْمُحْتَرَفِينَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الشَّيْءِ مِمَّا ذُكِرَ لِمَنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَهَا وَكَذَا لِمَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَهَا فَارِغَةً عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ لَكِنَّهُ مُطَالَبٌ مِنْ الْعِبَادِ بِمَا يَسْتَغْرِقُ ذَلِكَ أَوْ يَبْقَى مِنْهُ مَا لَا يَبْلُغُ هُوَ أَوْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ طَعَامُ شَهْرٍ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَجُوزُ صَرْفُ
الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ سَنَةٍ أَقُولُ لَعَلَّ هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَكَسُوبَاتِهَا كَطَلَبَةِ الْعِلْمِ فَمَنْ يُحَصِّلُ أَثَرَ كَسْبِهِ فِي سَنَةٍ كَالزِّرَاعَةِ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ سَنَةً وَمَنْ فِي شَهْرٍ سَنَةً فَكَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ لَهُ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الصَّيْفِ يَجُوزُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ حَوَانِيتُ أَوْ دَارٌ غَلَّتِهِ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَغَلَّتُهَا لَا تَكْفِي لِقُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَلَوْ كَانَ لَهُ ضَيْعَةٌ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يَكْفِي لَهُ وَلِعِيَالِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ فِيهَا بُسْتَانٌ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ مَرَافِقُ الدَّارِ مِنْ الْمَطْبَخِ وَالْمُغْتَسَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ وَالْجَوَاهِرِ انْتَهَى
(أَوْ) كَانَ (هَاشِمِيًّا) وَلَوْ فَقِيرًا بَلْ إلَى مَوَالِيهِمْ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ وَعُشْرُ الْأَرْضِ وَغَلَّةُ الْوَقْفِ إلَى بَنِي هَاشِمٍ لَكِنَّهُ لَوْ دَفَعَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ جَازَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْآخِذِ فَمِنْ قَبِيلِ مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ وَيَجُوزُ إعْطَاؤُهُ ثُمَّ الْهَاشِمِيُّ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ الْعَبَّاسِ لَا بَنُو أَبِي لَهَبٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ قَرَابَتَهُ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَكَغَيْرِهِ كَمَا فِي التتارخانية وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْجَوَازُ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُ صَدَقَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ آخَرَ مِنْهُمْ لَكِنْ فِي النَّهْرِ صَوَابُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْجَوَازُ مُطْلَقًا.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَظَاهِرُ الِاخْتِيَارِ عَنْ الْمُنْتَقَى تَرْجِيحُهُ أَيْضًا فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ عَطِيَّتِهِمْ مِنْ الْخُمُسِ وَلِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ كَمَا حَرَّرْنَا فِي حَوَاشِي الدُّرَرِ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ هُنَا مَنْ أُمُّهُ هَاشِمِيَّةٌ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَهَلْ يَجُوزُ وَضْعُ عَلَامَةٍ خَضْرَاءَ فِي رَأْسِهِ كَمَا لِلْأَشْرَافِ الْهَاشِمِيَّةِ أَمْ لَا وَهَلْ يَكُونُ شَرِيفًا أَمْ لَا أَجَابَ صَاحِبُ الْمِنَحِ النَّسَبُ لِلْآبَاءِ لَا لِلْأُمَّهَاتِ فَلَيْسَ مَنْ أُمُّهُ هَاشِمِيَّةٌ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بِهَاشِمِيٍّ وَأَمَّا وَضْعُ الْعَلَامَةِ الْخَضْرَاءِ بِرَأْسِهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ نَسَبًا شَرِيفًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ حَكَى فِي مَوْضِعٍ ثِقَةٌ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكُرْدِيِّ أَنَّ مَنْ لَهُ أُمٌّ سَيِّدَةٌ يَكُونُ سَيِّدًا حَكَاهُ عَنْهُ الشَّيْخُ حَمِيدُ الدِّينِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ عِيسَى مِنْ أَوْلَادِ إِسْحَاقَ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَشَايِخِنَا خِلَافَهُ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي الصُّرَّةِ.
وَفِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ لِلسُّيُوطِيِّ عَنْ الْبَغَوِيّ أَوْلَادُ بَنَاتِ الْإِنْسَانِ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا مَعْدُودِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبِنْتِ فَلَا يُنْسَبُ أَوْلَادُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ وَلَدِ الرَّجُلِ وَمَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِأَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِيهِ، الْبِنْتُ دُونَ النِّسْبَةِ وَأَمَّا نِسْبَةُ الْحَسَنَيْنِ فَبِنَصٍّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَابْنُ الشَّرِيفَةِ لَا يَكُونُ شَرِيفًا إذَا لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ شَرِيفًا فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ.
وَأَمَّا وَضْعُ الْعَلَامَةِ الْخَضْرَاءِ فَلَيْسَ لَهَا وُقُوعٌ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ بَلْ حَدَثَتْ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِأَمْرِ الْمَلِكِ شَعْبَانَ قَالَ شَارِحُ الْأَلْفِيَّةِ الْمَعْرُوفُ بِالْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ
جَعَلُوا لِأَبْنَاءِ الرَّسُولِ عَلَامَةً
…
إنَّ الْعَلَامَةَ شَأْنُ مَنْ لَمْ يُشْهَرْ
نُورُ النُّبُوَّةِ فِي وَسِيمِ وُجُوهِهِمْ
…
يُغْنِي الشَّرِيفَ عَنْ الطِّرَازِ الْأَخْضَرِ
وَخَطَّ الْفَقِيهُ أَنَّ هَذِهِ الْعَلَامَةَ بِدْعَةٌ مُبَاحَةٌ لَا يَمْنَعُ مَنْ أَتَى مِنْ غَيْرِ شَرِيفٍ وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا مَنْ تَرَكَ مِنْ شَرِيفٍ وَلَمْ يَرِدْ بِلُبْسِهَا شَرْعٌ إبَاحَةً وَمَنْعًا هَذَا غَايَةُ عُصَارَةِ مَا فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ عُرْفَ زَمَانِنَا يَقْتَضِي مَنْعَ تِلْكَ الْعَلَامَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ لُزُومًا عَادِيًّا دَعْوَى السِّبْطِيَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الصُّرَّةِ عَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ وَمَنْ انْتَسَبَ إلَى آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضْرَبُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَيُشْهَرُ وَيُحْبَسُ طَوِيلًا حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ
عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» ، وَمِثْلُهُ فِي الْجَامِعِ بِلَفْظٍ آخَرَ (أَوْ كَانَ الْمُعْطِي) لِمَا ذُكِرَ (أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ) وَإِنْ عَلَا وَإِنْ سَفَلَ قِيلَ هَذَا قَوْلُ بَعْضٍ فَعِنْدَ بَعْضٍ يَطِيبُ الْمَأْخُوذُ وَعِنْدَ بَعْضٍ لَا وَطَرِيقُ الْمُصَنِّفِ مَا هُوَ الْأَحْوَطُ (فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَيْنِ) مِنْ الْمَالِ الْخَبِيثِ وَاللُّقَطَةِ فَيَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ إنْ فَقِيرًا وَلَا يَكُونُ صَغِيرًا بَلْ عَلَى نَفْسِهِ وَعِرْسِهِ إنْ فَقِيرًا فِي اللُّقَطَةِ قِيلَ.
وَكَذَا فِيمَا وَجَبَ تَصَدُّقُهُ مِنْ الْمَالِ الْخَبِيثِ لِأَنَّهُ لَا يُقَاوَمُ بِهِ قُرْبَةٌ (وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ مِمَّنْ يُعْلَمُ أَوْ يُظَنُّ) فَلَا عِنْدَ الشَّكِّ (أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِيهِ لِظَنِّهِ عَلَى صِفَةٍ مِنْ الْفَقْرِ أَوْ الْعِلْمِ أَوْ الصَّلَاحِ أَوْ التَّقْوَى أَوْ الْكَرَامَةِ أَوْ الْوِلَايَةِ أَوْ نَحْوِهَا) مِنْ صِفَاتِ الْخَيْرِ وَالرِّفْعَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْآخِذُ (خَالٍ عَنْهَا) عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَذِرَ. وَيَقُولَ لَعَلَّك ظَنَنْت أَنِّي فَقِيرٌ أَوْ عَالِمٌ أَوْ صَالِحٌ وَلَسْت أَنَا مِثْلَ مَا اعْتَقَدْت ثُمَّ أَقُولُ لَعَلَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ طَرِيقُ التَّقْوَى وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى فَيَجُوزُ إلَّا فِي الْغِنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قِيلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ الْهَدَايَا عَلَى ثَلَاثَةٍ حَلَالٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِلتَّوَدُّدِ وَحَرَامٌ مِنْهُمَا لِلْإِعَانَةِ عَلَى الظُّلْمِ وَحَرَامٌ مِنْ جَانِبِ الْآخِذِ فَقَطْ لِلْكَفِّ عَنْ الظُّلْمِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ حَرُمَ إعْطَاؤُهُ كَالرِّبَا وَمَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَالرِّشْوَةِ وَأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالزَّامِرِ إلَّا فِي مَسَائِلِ الرِّشْوَةِ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ الْأَمِيرِ إلَّا لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُ الرِّشْوَةِ مَتْنًا وَشَرْحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْأَخْذُ مِنْ الْوَقْفِ الْبَاطِلِ كَوَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِدُونِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَوْتِ وَلَوْ كَانَ مُسَجَّلًا وَسَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) وَأَمَّا إذَا أُضِيفَ إلَى الْمَوْتِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّةً يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ قِيلَ نَعَمْ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الْمَنْقُولِ مُطْلَقًا وَيَصِحُّ عِنْدَ الثَّانِي إنْ تَبِعَا لِلْعَقَارِ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا إنْ جَرَى التَّعَامُلُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ التَّعَامُلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا سِيَّمَا عِنْدَ التَّسْجِيلِ قُلْنَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ هَذَا التَّعَارُفِ وَالتَّعَامُلِ مِمَّا يُعْتَدُّ بِهِ هُنَا، الْمَنْقُولَاتُ الَّتِي يَصِحُّ وَقْفُهَا عِنْدَهُ إنَّمَا هِيَ الْمَقْصُودَةُ فِي الِانْتِفَاعِ بِأَعْيَانِهَا وَهُمَا لَيْسَتَا كَذَلِكَ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ وَقْفَهُمَا جَائِزٌ عِنْدَ زُفَرَ وَلَوْ سَلِمَ كَوْنُ قَوْلِهِ ضَعِيفًا فَقَدْ قُرِّرَ فِي الْفِقْهِيَّةِ نُفُوذُ حُكْمِ الْقَاضِي فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَلَوْ مَرْجُوحًا وَقَوْلُهُ وَلَوْ مُسَجَّلًا يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَوَازِ مُطْلَقًا قَالَ فِي التَّاسِعِ عَشَرَ مِنْ شَهَادَاتِ التتارخانية إذَا قَضَى فِي مَحَلِّ خِلَافٍ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ يَنْفُذُ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَبِهِ أَفْتَى حُسَامُ الدِّينِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا قَضَى بِقَوْلٍ مَرْجُوحٍ عَنْهُ جَازَ وَكَذَا لَوْ قَضَى بِقَوْلٍ مُخَالَفِ قَوْلَ عُلَمَائِنَا إنْ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ فَإِنْ قِيلَ قَضَاءُ الْقَاضِي عَلَى وَفْقِ تَقْلِيدِ السُّلْطَانِ، وَسَلَاطِينُ زَمَانِنَا أَمَرُوا قُضَاتَهُمْ فِي مَنْشُورِهِمْ بِالْعَمَلِ بِالْقَوْلِ الْأَقْوَى عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ قُلْنَا ذَلِكَ فِيمَا لَهُ غَايَةُ ضَعْفٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو السُّعُودِ الَّذِي سَمَّوْهُ بِالْخِلَافِ دُونَ مَا سَمَّوْهُ بِالِاخْتِلَافِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَأَيْنَا فِي بَعْضِ رِوَاتِهِمْ بِعَدَمِ الْعَمَلِ بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ إلَّا وَقْفَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْقُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَقْفُ مِائَةِ دِينَارٍ عَلَى مَرْضَى الصُّوفِيَّةِ يَصِحُّ وَيُدْفَعُ الذَّهَبُ إلَى إنْسَانٍ مُضَارَبَةً لِيَسْتَغِلَّهَا وَيَصْرِفُ الرِّبْحَ وَكَذَلِكَ وَقْفُ الدَّرَاهِمِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ انْتَهَى وَقِيلَ قَالَ زُفَرُ بِجَوَازِ وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ يَكُونُ قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ يُبَاعُ فَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ بِضَاعَةً أَوْ مُضَارَبَةً كَالدَّرَاهِمِ قَالُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ قَالَ هَذَا الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَقْفٌ عَلَى
شَرْطِ أَنْ يُقْرَضَ الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا بَذْرَ لَهُمْ فَيَزْرَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْقَرْضِ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَبَدًا جَازَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَبِالْجُمْلَةِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ هُنَا إنَّمَا هُوَ طَرِيقُ الْوَرَعِ وَإِلَّا كَمَا عَرَفْت يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ فِي الْفَتْوَى لَا سِيَّمَا عِنْدَ عُمُومِ الْبَلْوَى وَسَيُفَصَّلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَوْ مِنْ الْوَقْفِ الصَّحِيحِ) أَيْ الْأَخْذِ مِنْهُ آفَةٌ إذَا كَانَ مَا يَأْخُذُهُ (عَلَى خِلَافِ شَرْطِ الْوَاقِفِ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ لِقَوْلِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ أَيْ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَفِي الْمَفْهُومِ وَالدَّلَالَةِ إلَّا فِي مَسَائِلَ:
الْأَوَّلُ: شَرَطَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْزِلُ النَّاظِرَ فَلَهُ عَزْلُ غَيْرِ الْأَهْلِ.
الثَّانِي: شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ وَقْفَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِ سَنَةٍ أَوْ كَانَ فِي الزِّيَادَةِ نَفْعُ الْفُقَرَاءِ فَلِلْقَاضِي الْمُخَالَفَةُ.
الثَّالِثُ: شَرَطَ الْقِرَاءَةَ عَلَى قَبْرِهِ.
الرَّابِعُ: شَرَطَ التَّصَدُّقَ عَلَى سَائِلِ مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ.
الْخَامِسُ: شَرَطَ خُبْزًا مُعَيَّنًا أَوْ لَحْمًا مُعَيَّنًا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ فَيَجُوزُ صَرْفُ الْقِيمَةِ.
السَّادِسُ: شَرَطَ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ فَلِلْقَاضِي الِاسْتِبْدَالُ إنْ أَصْلَحَ.
وَعَنْ الْقُنْيَةِ غَابَ الْمُتَفَقِّهُ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ الرُّسُومِ بِلَا خِلَافٍ إنْ كَانَ مُشَاهَرَةً وَإِنْ كَانَ مُسَانَهَةً وَحَضَرَ وَقْتُ الْقِسْمَةِ وَقَدْ أَقَامَ أَكْثَرَ السَّنَةِ يَحِلُّ لَهُ وَعَنْ الْبَزَّازِيَّةِ غَابَ الْمُتَعَلِّمُ عَنْ الْبَلَدِ أَيَّامًا ثُمَّ رَجَعَ وَطَلَبَ وَظِيفَتَهُ فَإِنْ خَرَجَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ مَا مَضَى وَكَذَا إذَا خَرَجَ وَأَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنْ أَقَامَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لِأَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَطَلَبِ الْقُوتِ وَالرِّزْقِ فَهُوَ عَفْوٌ وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ حُجْرَتَهُ وَتَبْقَى حُجْرَتُهُ وَوَظِيفَتُهُ عَلَى حَالِهِمَا إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مِقْدَارَ شَهْرٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا زَادَ كَانَ لِغَيْرِهِ أَخْذُ حُجْرَتِهِ وَوَظِيفَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَخْتَلِفُ التَّعْلِيمُ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا كَالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ تَحِلُّ لَهُ الْوَظِيفَةُ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ لَا يَحِلُّ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ حُجْرَتَهُ وَوَظِيفَتَهُ انْتَهَى (وَ) أَخْذُهُ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَصَارِفِهِ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ مَا حَاصِلُهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ وَالصُّوفِيِّ الْأَكْلُ مِنْ أَوْقَافِ السَّلَاطِينِ الَّتِي كَانَتْ أَصْلُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِمَا شَرَطُوهُ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ مِنْهَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ قَرَّرَهُ النَّاظِرُ وَبَاشَرَ الْوَظِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُ مَا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ وَإِذَا مَاتَ الْمُدَرِّسُ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَقَبْلَ ظُهُورِهَا وَقَدْ بَاشَرَ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ بَيْنَ وَقْتِ قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إلَى مُدَّةِ مُبَاشَرَتِهِ وَإِلَى مُبَاشَرَةِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَيَبْسُطَ الْمَعْلُومَ عَلَى الْمُدَرِّسِينَ وَيَنْظُرَ كَمْ يَكُونُ مِنْهُ لِلْمُدَرِّسِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ فَيُعْطِيَ بِحِسَابِ مُدَّتِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ زَمَانُ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَإِدْرَاكِهَا كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ لِلطَّرَسُوسِيِّ لَكِنْ قَالَ فِي جِزْيَةِ الدُّرَرِ إمَامُ الْمَسْجِدِ إذَا رَفَعَ الْغَلَّةَ وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَا تُسْتَرَدُّ مِنْهُ غَلَّةُ بَعْضِ السَّنَةِ وَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْحَصَادِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ وَقْتَ الْحَصَادِ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ يَسْتَحِقُّ قَضَاءً كَالْجِزْيَةِ وَمَوْتِ الْقَاضِي فِي خِلَالِ سَنَةٍ وَقَالَ مِحَشَّيْهِ الْمَوْلَى الْوَانِي هَذَا وَمَا يَنْتَمِيهِ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ مَا أُخِذَ صِلَةً وَصَدَقَةً وَأَمَّا إذَا كَانَ أُجْرَةً فَالْوَاجِبُ أَنْ يُسْتَرَدَّ وَيُوَزَّعَ عَلَى الْأَشْهُرِ وَالْأَيَّامِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِأَغْرَاضِ الْوَاقِفِينَ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا (أَوْ) كَانَ مِنْ مَصَارِفِهِ لَكِنْ يَأْخُذُ (أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَتِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِمْ
(وَ) الْأَخْذُ (مِنْ مَمْلُوكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ) وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا إلَّا أَنَّهُ يُهْدِي الْيَسِيرَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ يُضَيِّفُ مَنْ يُطْعِمُ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ اسْتِجْلَابًا لِقُلُوبِ النَّاسِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا أَعْطَاهُ الْمَوْلَى قُوتَ يَوْمِهِ فَدَعَا بَعْضَ رُفَقَائِهِ إلَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ فِيهِ بِخِلَافِ قُوتِ شَهْرِهِ قَالُوا وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ وَفِي التتارخانية الْمَرْأَةُ وَالْأَمَةُ لَا تُطْعِمُ وَلَا تَتَصَدَّقُ إنْ بِالطَّعَامِ الْمُدَّخَرِ كَالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ وَأَلَّا تَتَصَدَّقَ عَلَى الرَّسْمِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى انْتَهَى لَكِنْ إنْ صَرَّحَا بِالْمَنْعِ أَوْ فُهِمَ مِنْ حَالِهِمَا لَا يَجُوزُ