المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الآفات الغير المختصة بعضو معين] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٤

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ رَدُّ التَّابِعِ كَلَامَ مَتْبُوعِهِ وَمُقَابَلَتُهُ وَمُخَالَفَتُهُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السُّؤَالُ عَنْ حِلِّ شَيْءٍ وَحُرْمَتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ لِصَاحِبِهِ وَمَالِكِهِ تَوَرُّعًا]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ تَنَاجِي الْمُكَالَمَةِ بِالسِّرِّ اثْنَيْنِ عِنْدَ ثَالِثٍ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ التَّكَلُّمُ مَعَ الشَّابَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ السَّلَامُ عَلَى مَنْ يَتَغَوَّطُ أَوْ يَبُولُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الدَّلَالَةُ بِاللِّسَانِ عَلَى الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ لِمَنْ يُرِيدُ الْمَعْصِيَةَ]

- ‌[السِّتُّونَ آخِرُ آفَاتِ اللِّسَانِ الْإِذْنُ وَالْإِجَازَةُ فِيمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ وَالْإِبَاحَةُ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ] [

- ‌الْأَوَّلُ الْمِزَاحُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ السِّتَّةِ الْمَدْحُ]

- ‌[الثَّالِثُ الشِّعْرُ]

- ‌[الرَّابِعُ السَّجْعُ]

- ‌[الْخَامِسُ الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَعْنِي]

- ‌[السَّادِسُ آخِرُ الْمَبَاحِثِ فُضُولُ الْكَلَامِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعَادَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا النِّظَامُ لِلْعَالِمِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ الْغَيْرِ الْمُنْقَطِعَةِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ الْإِبَاحَةُ مِنْ الْعِبَادَاتِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ اللِّسَانِ مِنْ حَيْثُ السُّكُوتُ كَتَرْكِ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ]

- ‌[تَرْكُ التَّشَهُّدِ مِنْ آفَاتِ]

- ‌[تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ]

- ‌[تَرْكِ النُّصْحِ]

- ‌[تَرْكِ التَّعْلِيمِ]

- ‌[تَرْكِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْقَاضِي بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى]

- ‌[تَرْكِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ]

- ‌[تَتِمَّةٌ مُبَادَرَةُ الْعَاطِسِ بِالْحَمْدِ]

- ‌[تَرْكُ الِاسْتِئْذَانِ فِي دُخُولِ دَارِ الْغَيْرِ]

- ‌[تَرْكُ الْكَلَامِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ]

- ‌[تَرْكُ إنْقَاذِ تَخْلِيصِ الْمَظْلُومِ]

- ‌[تَرْكُ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ سُبْحَانَ أَوْ تَبَارَكَ اللَّهُ]

- ‌[تَرْكُ السُّؤَالِ لِلْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّالِثُ فِي آفَاتِ الْأُذُنِ اسْتِمَاعُ كُلِّ مَا لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[إجَابَةِ دَعْوَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْغِنَاءِ وَاللَّعِبِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي آلَاتِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ بِلَا اضْطِرَارٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْغِنَاءِ بِالِاخْتِيَارِ]

- ‌[رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ]

- ‌[اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ مِمَّنْ يَقْرَأُ بِلَحْنٍ وَخَطَإٍ بِلَا تَجْوِيدٍ]

- ‌[اسْتِمَاعُ حَدِيثِ قَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ]

- ‌[مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الرَّابِعُ فِي آفَاتِ الْعَيْنِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْخَامِسُ فِي آفَاتِ الْيَدِ]

- ‌[إحْرَاقُ كُلِّ حَيٍّ بِالنَّارِ أَوْ بِالْمَاءِ الْحَارِّ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ تَصْوِيرُ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ]

- ‌[مِنْ آفَاتِ الْيَدِ إهْلَاكُ الْمَالِ أَوْ نَقْصُهُ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّادِسُ فِي آفَاتِ الْبَطْنِ]

- ‌[الْقَهْوَةُ حُكْمُ شُرْبِهَا]

- ‌[بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الشِّبَعِ وَكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالتَّنَعُّمِ]

- ‌[الْأَكْلُ عَلَى السُّفْرَةِ]

- ‌[آدَابُ الْأَكْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ السَّابِعُ فِي آفَاتِ الْفَرْجِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّامِنُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الرِّجْلِ]

- ‌[الصِّنْفُ التَّاسِعُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الْبَدَنِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِعُضْوٍ]

- ‌[الْآفَاتِ الْغَيْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[قَطْعُ الرَّحِمِ]

- ‌[تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ]

- ‌[مُجَالَسَةُ جَلِيسِ السُّوءِ]

- ‌[فَتْحُ الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ وَعَدَمُ دَفْعِهِ]

- ‌[الْقُعُودُ وَسْطَ الْحَلْقَةِ]

- ‌[الِانْحِنَاءُ فِي السَّلَامِ]

- ‌[حُكْم الْوَشْمُ]

- ‌[تَرْكُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[سَفَرُ الْحُرَّةِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ]

- ‌[تَرْكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا]

- ‌[تَرْكُ الزَّكَاةِ]

- ‌[تَرْكُ الْحَجِّ الْفَرْضِ]

- ‌[الْعِينَةُ]

- ‌[نِسْيَانُ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ]

- ‌[الرِّبَا]

- ‌[الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[إيقَادُ الشُّمُوعِ فِي الْقُبُورِ]

- ‌[إمْسَاكُ الْمَعَازِفِ]

- ‌[رُكُوبُ الْبَحْرِ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْغَرَقِ بِلَا ضَرُورَةٍ]

- ‌[قِيَامُ الْقَارِئِ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَعَالِمٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ خَاتِمَةُ أَبْوَابِ الْكِتَابِ فِي أُمُورٍ يُظَنُّ أَنَّهَا مِنْ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الدِّقَّة فِي أَمَرَ الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مِنْ الدِّقَّةُ فِي الطَّهَارَة وَالنَّجَاسَة أَنَّهَا بِدْعَة لَمْ تصدر عَنْ النَّبِيّ وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ صِنْفَانِ]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِيمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّانِي مَا ورد عَنْ أَئِمَّتنَا الْحَنَفِيَّة فِي عَدَمِ الدِّقَّةِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي ذَمِّ الْوَسْوَسَةِ وَآفَاتِهَا]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي عِلَاجِ الْوَسْوَسَةِ]

- ‌[مَرَاتِب الْوَسْوَسَة]

- ‌[النَّوْعُ الرَّابِعُ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّوَرُّع التَّكَلُّفِ فِي تَحْصِيلِ الْوَرَعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أُمُورٍ مُبْتَدَعَةٍ بَاطِلَةٍ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[الآفات الغير المختصة بعضو معين]

(فِعْلًا دَالًّا) دَلَالَةً عَقْلِيَّةً (عَلَى التَّوْحِيدِ مُقَارِنًا لِلْقَوْلِ) وَهُوَ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (الدَّالِّ عَلَيْهِ) دَلَالَةً وَضْعِيَّةً فَيُجْمَعُ بَيْنَ التَّوْحِيدِ الْفِعْلِيِّ وَالْقَوْلِيِّ (فَتَكُونُ) الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ (كَلِمَةً كَكَلِمَتَيْنِ) فَالْقَوْلُ بِلَا حَرَكَةٍ مَرَّتَيْنِ كَالْقَوْلِ بِالْحَرَكَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً (وَأَصْلُهُ) الْمَقِيسُ عَلَيْهِ (رَفْعُ الْمُسَبِّحَةِ فِي التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي) الْأَحَادِيثِ (الصِّحَاحِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَوْضِعُ سُكُونٍ وَوَقَارٍ حَتَّى كُرِهَ فِيهَا الِالْتِفَاتُ) يَمْنَةً وَيَسْرَةً.

قَالَ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي يَعْنِي لَيْسَ فِي حَقِّ التَّحْرِيكِ الْمَذْكُورِ رِوَايَةٌ لَا مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ وَلَكِنَّ الْمَظْنُونَ قِيَاسًا عَلَى رَفْعِ الْمُسَبِّحَةِ فِي الصَّلَاةِ فِي التَّشَهُّدِ عِنْدَ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ الْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي الصِّحَاحِ الْجَوَازُ بَلْ الِاسْتِحْبَابُ مَعَ نِيَّةِ التَّحْقِيقِ الْمَذْكُورِ بِجَامِعِ التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الرَّفْعِ هِيَ التَّحْقِيقُ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ هَاهُنَا فَالظَّنُّ جَوَازُ التَّحْرِيكِ مَعَ نِيَّةِ التَّحْقِيقِ كَالرَّفْعِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ رَفْعَ الْمُسَبِّحَةِ ثَابِتٌ بِنَصٍّ عَلَى خِلَافِ قِيَاسِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَلِمَ لَقَاسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُونَ، وَتَجْوِيزُ الْغَفْلَةِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ بِجَائِزٍ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَجَرَى فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ حَتَّى فِي صُوَرِ الرَّقْصِ، ثُمَّ قِيلَ فَالظَّنُّ الْغَالِبُ بَلْ الْيَقِينُ عَدَمُ جَوَازِهِ.

أَقُولُ كَوْنُ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ بَلْ الْقِيَاسُ كَوْنُ الرَّفْعِ نَفْيًا لِلْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى كَمَا فِي صُوَرِ رَفْعِ الْيَدِ فِي فقعس وصمعج فَإِنَّ رَفْعَ الْيَدِ عِنْدَ افْتِتَاحِ التَّكْبِيرِ مَثَلًا بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ وَلَفْظُ التَّكْبِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِثْبَاتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ قِيَاسِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ امْتِنَاعُ الْقِيَاسِ فِي الْقَرْنِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ عَلَى التَّابِعِينَ وَتَابِعِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا جَوَازُ الْغَفْلَةِ عَلَى أَنَّ الْعُدْمَ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوِجْدَانِ عَدَمُ الْوُجُودِ وَأَيْضًا الْمُلَازَمَةُ فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ صَحَّ مَمْنُوعَةٌ كَيْفَ وَأَنَّ حُرْمَةَ الرَّقْصِ مَنْصُوصَةٌ وَمِنْ شُرُوطِ الْقِيَاسِ عَدَمُ كَوْنِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَنْصُوصًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَرْعَ فِي هَذَا الْقِيَاسِ مَنْصُوصُ الْحُرْمَةِ، نَعَمْ يَشْكُلُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَنْصِبُ الِاجْتِهَادِ وَالِاجْتِهَادُ مُنْقَرِضٌ، وَأَمَّا عَدَمُ انْقِرَاضِ الْمُجْتَهِدِ فِي مَسْأَلَةٍ فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَجْزِيءِ الِاجْتِهَادِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ كَمَا قَالُوا، وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضٌ جَانِبَ جَوَازِ التَّجْزِيءِ هَذَا ثُمَّ أَقُولُ التَّحْقِيقُ لَيْسَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقِيَاسِ بَلْ الظَّاهِرُ هُوَ طَرِيقُ دَلَالَةِ النَّصِّ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ الْمُجْتَهِدُ وَالْعَالِمُ الْعَامِّيُّ كَمَا يُشْعِرُ قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَوْضِعُ سُكُونٍ إلَى آخِرِهِ، فَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ.

عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ كَوْنُهُ قِيَاسًا لَا يَلْزَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ بَلْ يَجُوزُ عَنْ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ وَوَصَلَ ذَلِكَ إلَى الْمُصَنِّفِ فَحَكَى بِهَذَا الْأُسْلُوبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اسْمَعْ مِنِّي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَنَا أَسْمَعُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ نَافِيًا عَنْ يَمِينِهِ مُثْبِتًا إلَى شِمَالِهِ مُغْمِضًا عَيْنَيْهِ» الْحَدِيثَ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ لَا يُلَائِمُ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.

[الْآفَاتِ الْغَيْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ]

(وَمِنْهَا) مِنْ الْآفَاتِ الْغَيْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ (كَشْفُ الْعَوْرَةِ) رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا (عِنْدَ غَيْرِهِ) مَحْرَمًا أَوْ أَجْنَبِيًّا (إلَّا بِعُذْرٍ) مِنْ الْأَعْذَارِ التِّسْعَةِ السَّابِقَةِ (، وَقَدْ مَرَّ فِي آفَاتِ الْعَيْنِ، وَفِي الْخَلْوَةِ أَيْضًا) لِحَدِيثِ «فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» (إلَّا بِعُذْرِ حَلْقِ الْعَانَةِ) وَالدُّبُرِ (وَالْغُسْلِ فِي زَمَانٍ يَسِيرٍ) ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ لِحَاجَةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (وَ) بِعُذْرِ (التَّخَلِّي

ص: 140

وَالِاسْتِنْجَاءِ) بِالْمَاءِ أَوْ الْحَجَرِ (وَ) بِعُذْرِ (التَّدَاوِي) أَيْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَمِنْهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ)، وَلَوْ بِحَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَدَنِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْقُنْيَةِ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِجِلْدِهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِلْآثَارِ الْكَثِيرَةِ كَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» بِأَنْ يَصْرِفَ عَنْ قَلْبِهِ حُبَّ لُبْسِهِ فَلَا يَشْكُلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ} [الزخرف: 71] كَمَا فِي الْمَبَارِقِ لَكِنْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَكُونَ فَائِدَةُ عَدَمِ اللُّبْسِ وَالظَّاهِرُ كَوْنُهُ جَزَاءَ عَمَلِهِ.

لَعَلَّ الْمُرَادَ لَا يَلْبَسُ فِي الْآخِرَةِ فِي الِابْتِدَاءِ لِاحْتِبَاسِهِ بِالْعَذَابِ فَيَجُوزُ فِي الِانْتِهَاءِ (وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) لِلذُّكُورِ، وَفِي الْحَدِيثِ «حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ أَيْ الْخَالِصِ أَوْ الْغَالِبِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» هَلْ التَّحْرِيمُ لِلسَّرَفِ أَوْ الْخُيَلَاءِ أَوْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ أَوْ النِّسَاءِ؟ وُجُوهٌ أَصَحُّهَا الْأَخِيرُ وَأَبْعَدُهَا الْأَوَّلُ. كَيْفَ وَالسَّرَفُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِلْفَرِيقَيْنِ بِغَيْرِ مَيْزٍ، وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ كَمَا فِي الْجَامِعِ عَنْ التِّرْمِذِيِّ (سِوَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ) قَيْدٌ لَهُمَا كَمَا سَنَقِفُ عَلَيْهِ لَا قَيْدٌ فِي الْحَرِيرِ كَمَا تُوهِمُ، مُفَرَّجَةً عِنْدَ الْبَعْضِ وَمَضْمُومَةً عِنْدَ الْآخَرِينَ، وَلَا مَضْمُومَةً وَلَا مَنْشُورَةً عِنْدَ بَعْضٍ وَجُوِّزَ لِدَفْعِ قَمْلٍ وَحَكَّةٍ وَجَرَبٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ نَقْلًا عَنْ التتارخانية.

وَعَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْعَلَمُ الْحَرِيرُ لَوْ زَادَ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ لَا يَحِلُّ، وَأَمَّا جَوَازُ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَلِيَكُونَ أُنْمُوذَجًا وَمُذَكِّرًا لِلْآخِرَةِ وَبَاعِثًا عَلَى مَا يَعْقُبُهُ لُبْسُ حَرِيرِ الْآخِرَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ الْأُخْرَوِيَّةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُكْرَهُ قَلَنْسُوَةُ الْحَرِيرِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ، أَوْ الْكِرْبَاسُ الَّذِي خِيطَ عَلَيْهِ إبْرَيْسَمٌ كَثِيرٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَلَا بَأْسَ عَلَى طَرَفِ الْقَلَنْسُوَةِ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَكَذَا عَلَى طَرَفِ الْعِمَامَةِ وَعَلَمِ الْجُبَّةِ، وَعَنْ أَبِي الْفَضْلِ إذَا كَانَ الْعَلَمُ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ الْقَلَنْسُوَةِ هَلْ يُجْمَعُ؟ قَالَ نَعَمْ، وَعَنْ أَبِي حَامِدٍ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ فِيهِ خِلَافٌ، وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ جَمْعِ الْمُتَفَرِّقِ، وَلَوْ فِي عِمَامَةٍ كَمَا بَسَطَ فِي الْقُنْيَةِ، ثُمَّ اعْتِبَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ قَيْدٌ فِي أَكْثَرِ الْفِقْهِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ عَرْضًا وَفُسِّرَ أَيْ عَرْضُ الثَّوْبِ فَقَالُوا فَيُكْرَهُ، وَلَوْ طُولًا حَيْثُ نُقِلَ عَنْ الْمُجْتَبَى إنَّمَا رَخَّصَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَلَمِ فِي عَرْضِ الثَّوْبِ لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ هُوَ الْإِطْلَاقُ.

وَفِي الْأُسْرُوشَنِيِّ وَالْعَلَمُ الْمُتَفَرِّقُ يُجْمَعُ فِي الْعِمَامَةِ وَالظَّاهِرُ لَا يُجْمَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَطٌّ مِنْهُ قَزًّا أَوْ خَطٌّ مِنْهُ غَيْرَهُ بِحَيْثُ يُرَى كُلُّهُ قَزًّا فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ وَلَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ، وَأَمَّا الرِّجَالُ فَقَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَمَا فَوْقَهُ لَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ وَقِيلَ إنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ يُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا (لِلذَّكَرِ) فَقَطْ كَمَا سَبَقَ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَبَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَحِلُّ لِلنِّسَاءِ أَيْضًا (بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا غَيْرَ أَنَّ الْإِثْمَ فِي الصَّبِيِّ يَكُونُ عَلَى الْمَلْبَسِ) رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الصَّبِيِّ لَا تَتَّصِفُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فَلَوْ لَبَّسَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ نَزْعُهُ وَعَدَمُ سُكُوتِهِ وَتَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ وَالتَّقْرِيرَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ رَاجِعٌ عَلَى الْمُقِرِّ السَّاكِتِ.

وَفِي الْأَشْبَاهِ مَا حَرُمَ عَلَى الْبَالِغِ فِعْلُهُ حَرُمَ عَلَى الْبَالِغِ فِعْلُهُ بِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْقِيَهُ خَمْرًا وَلَا أَنْ يُلْبِسَهُ حَرِيرًا وَلَا أَنْ يُخَضِّبَ يَدَهُ بِحِنَّاءٍ وَلَا إجْلَاسُهُ عِنْدَ التَّبَوُّلِ وَالتَّغَوُّطِ مُسْتَقْبِلًا وَمُسْتَدْبِرًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ، وَفِي هَذَا الْمَحَلِّ أَيْضًا، وَلَوْ مَلَأَ صَبِيٌّ كُوزًا مِنْ حَوْضٍ، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهِ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ انْتَهَى، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُكْرَهُ إلْبَاسُ الصَّبِيِّ الْحَرِيرَ وَالْحُلِيَّ وَالْقُرْطَ وَالْخَلْخَالَ، وَكَذَا اتِّخَاذُ الْجَلَاجِلِ فِي رِجْلِ الصَّغِيرِ انْتَهَى

ص: 141

فَبِالْأَوْلَى فِي الصَّغِيرِ (وَاَلَّذِي لُحْمَتُهُ) وَهُوَ الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْ الثَّوْبِ وَسُدَاهُ قُطْنٌ أَوْ غَيْرُهُ (حَرِيرٌ فَفِي حُكْمِ الْخَالِصِ) لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْجُزْءِ الْأَخِيرِ، وَأَمَّا الَّذِي سُدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ أَوْ كِتَّانٌ فَجَائِزٌ مُطْلَقًا كَالْعَيَالِيِّ وَالْخَزِّ وَالْمُلْحَمِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قِيلَ هَذَا عِنْد غَلَبَةِ اللُّحْمَةِ عَلَى السُّدَى وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَرْئِيُّ إبْرَيْسَمًا يُكْرَهُ كَمَا فِي التتارخانية فَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا يَلْبَسَ إنْ ظَهَرَ الْحَرِيرُ فِرَارًا مِنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الِاتِّفَاقِ.

(إلَّا فِي الْحَرْبِ) فَلُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْحَرْبِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا لُبْسُ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ فَغَيْرُ جَائِزٍ إلَّا فِي الْحَرْبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْجَوَازُ فِي الْحَرْبِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَقِيلَ إنْ قَوِيًّا يَدْفَعُ مَضَرَّةَ السِّلَاحِ، وَإِنْ ضَعِيفًا فَلَا وَقِيلَ إنْ كَانَ مُهَابًا فِي نَظَرِ الْعَدُوِّ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا وَقِيلَ الْجُنْدِيُّ إذَا تَأَهَّبَ لِلْحَرْبِ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْعَدُوُّ وَلَكِنْ لَا يُصَلَّى فِيهِ بِدُونِ خَوْفِ الْعَدُوِّ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لُبْسُ الْحَرِيرِ الْمُصْمَتِ حَرَامٌ عَلَى الذُّكُورِ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا الْقُعُودُ وَالِاضْطِجَاعُ عَلَيْهِ وَتَوَسُّدُهُ فَجَائِزٌ عِنْدَ الْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (خِلَافًا لَهُمَا) فَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَتْرُ الْجِدَارِ وَتَعْلِيقُهُ عَلَى الْأَبْوَابِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِافْتِرَاشِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا الْوَسَائِدُ وَالْبُسُطُ وَالسُّتُورُ مِنْ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ خِلَافًا لَهُمَا قَالَ فِي الدُّرِّ عَنْ الْمُجْتَبَى لَهُ أَنْ يُزَيِّنَ بَيْتَهُ بِالدِّيبَاجِ وَيَتَجَمَّلَ بِأَوَانِي ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِلَا تَفَاخُرٍ وَيَحْسُنُ لِلْفُقَهَاءِ لَفُّ عِمَامَةٍ طَوِيلَةٍ وَلُبْسُ ثِيَابٍ وَاسِعَةٍ وَلَا بَأْسَ بِشَدِّ خِمَارٍ أَسْوَدَ عَلَى عَيْنِهِ مِنْ إبْرَيْسَمٍ بِعُذْرٍ كَالرَّمَدِ وَلَا بَأْسَ بِعُرْوَةِ الْقَمِيصِ وَزِرِّهِ وَالتِّكَّةِ مِنْ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَا بَأْسَ بِإِزَارِ الدِّيبَاجِ وَالذَّهَبِ قَالُوا هَذَا مُشْكِلٌ فَقَدْ رَخَّصَ الشَّرْعُ فِي الْكَفَافِ، وَالْكَفَافُ قَدْ يَكُونُ مِنْ الذَّهَبِ انْتَهَى.

وَعَنْ صَلَاةِ الْجَوَاهِرِ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى سَجَّادَةِ الْإِبْرَيْسَمِ فَإِنَّ الْحَرَامَ هُوَ اللُّبْسُ أَمَّا الِانْتِفَاعُ بِسَائِرِ

ص: 142

الْوُجُوهِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ النَّوْمُ عَلَيْهِ كَاللُّبْسِ، ثُمَّ قَالَ فَإِنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْقُعُودَ عَلَى الدِّيبَاجِ مَكْرُوهٌ، ثُمَّ قَالَ يُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ الْوَسَائِدُ وَالْمَرَافِقُ وَالْبُسُطُ وَالسُّتُورُ مِنْ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجُ الَّذِي سُدَاهُ إبْرَيْسَمٌ وَالْحَرِيرُ الْإِبْرَيْسَمُ الْمَخْلُوطُ وَالْقَلِيلُ مِنْ الْمَلْبُوسِ مُبَاحٌ كَالْأَعْلَامِ فَكَذَا الْقَلِيلُ مِنْ اللُّبْسِ وَالِاسْتِعْمَالِ.

(وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الرِّجَالُ الثِّيَابَ الْمَصْبُوغَةَ بِالْعُصْفُرِ) قِيلَ هُوَ شَيْءٌ أَحْمَرُ يُصْبَغُ بِهِ الثَّوْبُ وَقِيلَ أَصْفَرُ (وَالزَّعْفَرَانُ أَوْ الْوَرْسُ) نَبْتٌ أَصْفَرُ يُجْلَبُ مِنْ دِيَارِ الْيَمَنِ أَيْ الْمَصْبُوغُ بِالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ الْخَالِصَيْنِ وَيَجُوزُ فِي النَّعْلِ وَالْخُفِّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَقِيلَ بِاسْتِحْبَابِ الْأَحْمَرِ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَقِيلَ بِكَرَاهَتِهِ تَنْزِيهًا كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالزَّاهِدِيِّ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ لِأَبِي الْمَكَارِمِ وَقِيلَ بِإِبَاحَتِهِ كَمَا فِي مِسْكِينٍ وَنُقِلَ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَقِيلَ بِحُرْمَتِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ تُحْفَةِ الْمُلُوكِ وَقِيلَ بِكَرَاهَتِهِ تَحْرِيمًا وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَاضِي خَانْ، وَفِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِعَلِيٍّ الْقَارِي اُخْتُلِفَ فِي الْأَحْمَرِ أَنَّهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، أَوْ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ أَحَادِيثَ أُخَرَ أَيْضًا فَسَيُذْكَرَانِ، أَوْ مَكْرُوهٌ إنْ لَمْ تَكُنْ حُمْرَتُهُ خَفِيفَةً وَإِلَّا فَلَا، أَوْ مَكْرُوهٌ إنْ لِلزِّينَةِ وَالشُّهْرَةِ دُونَ الْبُيُوتِ أَوْ مَكْرُوهٌ إنْ صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ؛ لِأَنَّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ وَالْبُرْدَ الْأَحْمَرَ يُصْبَغُ غَزْلُهُمَا فَيُنْسَجُ أَوْ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ بِالْمُعَصْفَرِ فَقَطْ لِوُرُودِ النَّهْي عَنْهُ فَقَطْ وَيُعْكَسُ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ وَاخْتِصَاصُهُ بِمَا يُصْبَغُ كُلُّهُ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَطَ بِهِ لَوْنٌ آخَرُ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ كَالْخُطُوطِ فَجَائِزٌ لِكَوْنِ الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ كَذَلِكَ فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ، وَثَامِنُهَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ تَنَجُّسِ الصَّبْغِ فَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ.

وَأَدِلَّةُ الْمُجَوِّزِينَ حَدِيثُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ» عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَأَيْضًا فِي الشَّمَائِلِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ مَا رَأَيْت مِنْ النَّاسِ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، وَفِي الْجَامِعِ عَلَى تَخْرِيجِ الْبَيْهَقِيّ كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَهُ الْأَحْمَرَ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ، وَفِي شَرْحِهِ عَنْ الطَّبَرَانِيِّ كَانَ يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ. وَأَدِلَّةُ الْمَانِعِينَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ هَذِهِ مِنْ لِبَاسِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا قَالَهُ حِينَ رَأَى عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ أُمُّك أَمَرَتْك بِهَذَا أَيْ أُمُّك أَمَرَتْك بِهِمَا قَالَ الرَّاوِي قُلْت أَغْسِلُهُمَا قَالَ لَا بَلْ أَحْرِقْهُمَا كَمَا فِي الْمَشَارِقِ، وَحَدِيثُ الْجَامِعِ عَنْ الْبَيْهَقِيّ وَابْنِ عَدِيٍّ إنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ وَإِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ وَكُلَّ ثَوْبٍ ذِي شُهْرَةٍ، وَفِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ عَنْ أَبِي دَاوُد عَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ «مَرَّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ وَعَلَيْهِ حُلَّتَانِ حَمْرَاوَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» وَفِيهِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ إنَّ الْحُمْرَةَ مِنْ زِينَةِ الشَّيْطَانِ، وَكَذَا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَقُولُ وَلِتَوْفِيقِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ بَعْضٌ: الْمَمْنُوعُ مَا يَكُونُ خَالِصًا فِي الْحُمْرَةِ وَالْمُرَخَّصُ مَا يَكُون خُطُوطًا، وَبَعْضٌ آخَرُ: النَّهْيُ تَنْزِيهِيٌّ فَيَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْ وَجْهٍ وَمُرَخَّصًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَقِيلَ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ النَّوَوِيِّ وَرُدَّ بِأَنَّهُ حَرَامٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ، وَبَعْضٌ آخَرُ: الْمَنْعُ عَلَى مَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ، وَالْإِذْنُ عَلَى مَا يَكُونُ الصَّبْغُ قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ وَرُدَّ بِعَدَمِ الْفَرْقِ فِي كَوْنِهَا زِينَةَ الشَّيْطَانِ وَإِيجَابَ الْخُيَلَاءِ وَالطُّغْيَانِ، وَبَعْضٌ: الْجَوَازُ وَلُبْسُهُ عليه الصلاة والسلام -

ص: 143

وَاقِعٌ قَبْلَ النَّهْيِ أَوْ فَعَلَهُ لِبَيَانِ أَصْلِ الْجَوَازِ، وَبَعْضٌ: الْمَنْعُ عِنْدَ قَصْدِ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَالنِّسَاءِ أَوْ التَّكَبُّرِ وَالْجَوَازِ عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ، وَبَعْضٌ: الْمَنْعُ لِتَنَجُّسِ الصَّبْغِ وَالْجَوَازُ بَعْدَ إزَالَتِهِ بِالْغَسْلِ وَرُدَّا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثِ الْحَسَنِ.

ثُمَّ أَقُولُ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ لُبْسَ الْأَحْمَرِ جَائِزٌ قَطْعِيٌّ بَلْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ جَائِزٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَرْدُودٌ لِعَدَمِ دَلِيلِهِ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ انْتِفَاءِ عِلَّتِهِ، إذْ الْكَرَاهَةُ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ أَوْ التَّكَبُّرِ فَإِذَا انْتَفَيَا بِلُبْسِهِ عَلَى قَصْدِ إظْهَارِ نِعَمِهِ تَعَالَى تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ لِمَا فِي أَكْمَلِ الْمَشَارِقِ مِنْ أَنَّ لُبْسَ الْمُعَصْفَرِ جَائِزٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا عَنْ النَّوَوِيِّ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ وَأَيْضًا نَصَّ عَلَى جَوَازِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْمُجْتَبَى وَالْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ وَمُنْتَخَبُ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى، وَفِي الرَّوْضَةِ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ بِلَا كَرَاهَةٍ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ أَيْضًا مِنْ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] الْآيَةَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ لَيْسَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِنَوْعٍ فَيَشْمَلُ كُلَّ لَوْنٍ وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ لُبْسِ الْأَحْمَرِ إنْ قَبْلَ الْآيَةِ فَتَنْسَخُهُ الْآيَةُ، وَإِنْ بَعْدَهَا فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا لَهَا فَبَقِيَتْ عَلَى عُمُومِهَا وَهُوَ قَطْعِيٌّ وَمِنْ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ كَمَا مَرَّ وَالتَّأْوِيلُ بِالْخُطُوطِ غَلَطٌ وَمَحْمَلُ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ الْكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى عَارِضِ التَّشَبُّهِ أَوْ التَّكَبُّرِ فَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِانْتِفَاءِ الْعَارِضِ وَبِهِ يَتَرَقَّى عَنْ مَرْتَبَةِ الْإِبَاحَةِ إلَى مَرْتَبَةِ الِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ لُبْسِهِ عليه الصلاة والسلام الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ وَصَلَاتِهِ بِهَا إمَامًا وَاقْتِدَاءِ الصَّحَابَةِ بِهِ فَتَخْلُصُ الْأُمَّةُ مِنْ نِسْبَةِ لَابِسِ الْأَحْمَرِ إلَى ارْتِكَابِ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ إنْ أَرَادَ مِنْ عَدَمِ الدَّلِيلِ فِي قَوْلِهِ فَمَرْدُودٌ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَدَمَهُ مِنْ أَقْوَالِ الْمَشَايِخِ وَالسَّلَفِ فَمَمْنُوعٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ تُحْفَةِ الْمُلُوكِ، وَإِنْ عَدَمَهُ مِنْ النُّصُوصِ فَقَدْ سَمِعْت الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ أَكِيدَةَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَنْعِ الظَّاهِرَةَ فِي الْحُرْمَةِ، وَالنُّصُوصُ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا، وَقَدْ قَالَ فِي الْفَيْضِ عِنْدَ حَدِيثِ الْحُمْرَةِ مِنْ زِينَةِ الشَّيْطَانِ تَعَلَّقَ بِهَذَا مَنْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ وَلِلسَّلَفِ فِيهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: الْجَوَازُ الْمُطْلَقُ.

الثَّانِي: الْمَنْعُ مُطْلَقًا.

الثَّالِثُ: حُرْمَةُ الْمُشَبَّعِ بِالْحُمْرَةِ وَحِلُّ مَا خَفَّ.

الرَّابِعُ: الْكَرَاهَةُ بِقَصْدِ الزِّينَةِ وَالشُّهْرَةِ وَالْجَوَازُ فِي الْبُيُوتِ.

الْخَامِسُ: جَوَازُ لُبْسِ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ.

السَّادِسُ حُرْمَةُ مَا صُبِغَ بِالْعُصْفُرِ دُونَ غَيْرِهِ.

السَّابِعُ حُرْمَةُ مَا صُبِغَ كُلُّهُ دُونَ مَا فِيهِ لَوْنٌ آخَرُ وَقَوْلُهُ إذْ الْكَرَاهَةُ لِلتَّشَبُّهِ يَرُدُّهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ لَا سِيَّمَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ عَلَيَّ بِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فَانْتَظِرْ جَوَابَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الزِّينَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامَّةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ مُخَصَّصٌ بِنَحْوِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِالْقَطْعِيِّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالظَّنِّيِّ، ثَانِيًا فَالْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ تُخَصِّصُهَا وَإِنْ كَانَتْ أَخْبَارَ آحَادٍ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الزِّينَةِ مُجْمَلًا فَيُفَسِّرُهُ الْأَحَادِيثُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ فَيَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ بَعْدَهَا فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقْيِيدِ التَّخْصِيصُ فَقَدْ عَرَفْت جَوَازَهُ، وَإِنْ تَقَيَّدَ الْمُطْلَقُ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ تَحَمُّلِ عِبَارَتِهِ لِذَلِكَ فَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَشْهُورَةَ الْمَعَانِي وَإِنْ آحَادَ اللَّفْظِ فَيَجُوزُ التَّقْيِيدُ وَالزِّيَادَةُ لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ، عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ التَّارِيخُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَارَنَةِ فَافْهَمْ.

وَقَوْلُهُ وَتَأْوِيلُهُ الْحُلَّةَ بِالْخُطُوطِ غَلَطٌ مَمْنُوعٌ أَيْضًا بِسَنَدِ مَا قَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ إنَّ هَذَا الِاسْمَ مَعْرُوفٌ بِمَا يَكُونُ بِالْخُطُوطِ. عَلَى أَنَّ ضَرُورَةَ تَوْفِيقِ النُّصُوصِ مُوجِبٌ لِنَحْوِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ مَحْمَلُ مَا ذُكِرَ قَدْ عَرَفْت جَوَابَهُ مِنْ نَصِّ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ آنِفًا وَقَوْلُهُ يَتَرَقَّى إلَى مَرْتَبَةِ الِاسْتِحْبَابِ مَمْنُوعٌ بِمَا فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام رَاجِحٌ عَلَى فِعْلِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ.

وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ، وَقَدْ يَفْعَلُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام مَا يَكُونُ مَكْرُوهًا لِأُمَّتِهِ تَعْلِيمًا لِأَصْلِ الْجَوَازِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْخَوَاصِّ لَهُ عليه الصلاة والسلام بِدَلَالَةِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ فِي الْمَنْعِ. كَيْفَ يَكُونُ فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام مُسْتَحَبًّا، وَقَدْ قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ اخْتِصَاصُهُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ صِفَتُهُ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ مَثَلًا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ عَلَى مُخْتَارِنَا.

ثُمَّ أَقُولُ

ص: 144

وَمِنْ الْكُتُبِ الَّتِي صُرِّحَ فِيهَا بِكَرَاهَةِ الْأَحْمَرِ مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ، وَالْخُلَاصَةُ لَكِنْ بِعِبَارَةِ كَرَاهَةِ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ بِالْعُصْفُرِ أَوْ الزَّعْفَرَانِ، والْأُسْرُوشَنِيّ والتتارخانية وَفَوَائِدُ الْفُقَهَاءِ وَشِرْعَةُ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ سُمِعَتْ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا عَنْ الْمُجْتَبَى وَالزَّاهِدِيِّ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهَا، وَفِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ عَنْ الْبَيْهَقِيّ حُرْمَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَرَاهَتُهُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ، وَقَدْ سُمِعَتْ الْحُرْمَةُ أَيْضًا عَنْ تُحْفَةِ الْمُلُوكِ فَالْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ مِنْ التَّجْوِيزِ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ أَوْ التَّرْجِيحِ فَالسَّابِقُ إلَى الْخَاطِرِ أَنَّ الْحُرْمَةَ إفْرَاطٌ وَالْإِبَاحَةَ تَفْرِيطٌ وَالْكَرَاهَةَ اقْتِصَادٌ فَتُحْمَلُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةُ عَلَى أَصْلِ الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَقْوَالِ، فَبَقِيَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ التَّحْرِيمِيَّةِ وَالتَّنْزِيهِيَّة أَوْ يُرَجَّحُ جَانِبُ الْكَرَاهَةِ بِقَاعِدَةِ جَمْعِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عِنْدَ تَعَارُضِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ يُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ وَالْأَوْرَعُ، وَقَدْ سَبَقَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِ كُلِّ كِتَابٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كِتَابٍ مُعْتَبَرٍ وَمُعْتَمَدٍ، وَفِي رِسَالَةِ أَبِي السُّعُودِ لَا يُعْمَلُ بِكُلِّ قَوْلِ كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَلَقِّي الْكُلِّ بِالْقَبُولِ؛ إذْ رُبَّ كِتَابٍ مُعْتَبَرٍ قَلِيلًا مَا يُوجَدُ فِيهِ السَّهْوُ وَالْخَطَأُ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ مَعَ قُوَّةِ وَثَاقَتِهِ قَدْ خَطِئَ فِي مَوَاضِعَ بَلْ قَدْ يُوجَدُ فِي مَوْضِعِ كِتَابٍ صَحِيحٍ خِلَافُ مَا فِي مَوْضِعِهِ الْآخَرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَتَانَةَ وَالْوَثَاقَةَ وَالْكَثْرَةَ وَالشُّهْرَةَ فِي جَانِبِ الْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَإِمَّا تَجْتَمِعُ وَيُوَفَّقُ بِمَا أُشِيرَ أَوْ يُقَالُ بِتَرْجِيحِ الْقَوْلِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ أَوْ بِتَرْجِيحِ مَا تَكُونُ دَلَالَتُهُ آكَدَ وَبِتَرْجِيحِ مَا تُذْكَرُ عِلَّتُهُ عَلَى مَا لَمْ تُذْكَرْ، وَقَدْ عَرَفْت تَقَدُّمَ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَتَعَيَّنَ مِنْ إتْقَانِ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ تَوْفِيقًا أَوْ تَرْجِيحًا أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْكَرَاهَةُ بِلَا ارْتِيَابٍ بَلْ الْأَشْبَهُ أَنْ تَكُونَ تَحْرِيمِيَّةً، وَقَدْ قُرِّرَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ تَنْقَلِبُ كَبِيرَةً بِالْإِصْرَارِ وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَفِي الشِّرْعَةِ وَأَحَبُّ الْأَلْوَانِ الْبَيَاضُ وَلُبْسُ الْأَخْضَرِ سُنَّةٌ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلُبْسُ الْأَسْوَدِ مُسْتَحَبٌّ (وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَةُ الْمِنْطَقَةِ وَحَمَائِلِ السَّيْفِ بِالْفِضَّةِ وَيُكْرَهُ بِالذَّهَبِ) ، وَكَذَا اللُّؤْلُؤُ كَمَا نُقِلَ عَنْ السِّرَاجِ لَكِنْ فِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ، وَكَذَا بِالْفِضَّةِ (وَ) تُكْرَهُ (الْخِرْقَةُ لِمَسْحِ الْعَرَقِ وَالِامْتِخَاطِ إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً) قِيلَ بِأَنْ كَانَتْ ذَاتَ نُقُوشٍ مِنْ الْحَرِيرِ (لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْكِبْرِ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَصْدِهِ وَقِيلَ مُقَيَّدٌ ذَلِكَ بِالنِّيَّةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ كُلُّ مَا فُعِلَ عَلَى وَجْهِ التَّكَبُّرِ يُكْرَهُ، وَمَا لِلْحَاجَةِ لَا (وَيُكْرَهُ سَتْرُ الْحِيطَانِ بِاللُّبُودِ وَنَحْوِهَا لِلزِّينَةِ لَا لِلْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ ثِيَابُ دِيبَاجٍ لَا تُلْبَسُ وَأَوَانٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلتَّجَمُّلِ) لِإِظْهَارِ الْجَمَالِ (لَا لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَمَّا تَطْوِيلُ الثَّوْبِ إلَى مَا تَحْتَ الْكَعْبِ، فَإِنْ كَانَ كِبْرًا فَمَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا) وَعَلَامَتُهُ أَنْ لَا يُلْبَسَ إذَا كَانَ قَصِيرًا (وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَأَمَّا لُبْسُ الثِّيَابِ الرَّفِيعَةِ) ثَمَنًا أَوْ نَسْجًا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ فَجَائِزٌ بَلْ مُسْتَحَبٌّ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَنَحْوِهِمَا) قِيلَ كَمَجَامِعِ الدَّرْسِ، وَقَدْ سَمِعْت سَابِقًا «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ارْتَدَى بِرِدَاءٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ بَلْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ» وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله بِرِدَاءٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ (وَأَمَّا) الثِّيَابُ (الْخَشِنَةُ) أَيْ الْغَلِيظَةُ (وَالْمُرَقَّعَةُ فَمُسْتَحَبَّةٌ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ) بِلُبْسِهَا (الرِّيَاءَ) وَإِلَّا حَرُمَ (وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَسَتْرُ الرَّأْسِ بِاللِّبَاسِ الْمُتَّصِلِ) بَعْضُهُ بِبَعْضٍ

ص: 145

(لِلْمُحْرِمِ وَالْوَجْهِ لِلْمُحْرِمَةِ، وَلُبْسُ ثَوْبِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ) أَمَّا مَعَهُ فَلَا بَأْسَ.

(وَمِنْهَا مُمَاسَّةُ بَدَنِ الْأَجْنَبِيَّةِ مُطْلَقًا) بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا (بِلَا عُذْرٍ إلَّا كَفَّ الْعَجُوزِ لِمَا مَرَّ وَ) مُمَاسَّةُ (عَوْرَةِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا) بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا مَحْرَمًا أَوْ لَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (بِلَا عُذْرٍ) كَالتَّدَاوِي (وَالْمُمَاسَّةُ بِشَهْوَةٍ لِغَيْرِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ) الْحَلَالِ (وَيَدْخُلُ فِي الْمُمَاسَّةِ الْمُضَاجَعَةُ وَالْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ وَمُمَاسَّةُ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى مَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ بِلَا حَائِلٍ مِنْ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ الْحَائِضَيْنِ أَوْ النُّفَسَاءَيْنِ) وَيَحِلُّ مُمَاسَّتُهُ فَوْقَ الْإِزَارِ.

(وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ) أَيْ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْعِلْمِ إنَّمَا تَكُونُ مَادِحَةً إذَا قُرِنَ بِالْعَمَلِ وَالْعَالِمُ لَا يَكُونُ عَالِمًا إلَّا بِالْخَشْيَةِ - {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]- فَالْمُرَادُ لَيْسَ إلَّا الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ (وَالسُّلْطَانِ الْعَادِلِ) فَإِنَّ الظَّالِمَ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ الِاخْتِيَارِيَّ (جَائِزٌ وَتَكَلَّمُوا فِي تَقْبِيلِ يَدِ غَيْرِهِمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْظِيمَ الْمُسْلِمِ لِإِسْلَامِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) ظَاهِرُهُ الشُّمُولُ لِنَحْوِ الْفَاسِقِ وَالظَّالِمِ فَفِيهِ خَفَاءٌ (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَبِّلَ) ظَاهِرُهُ الشُّمُولُ لِنَحْوِ الْوَالِدَيْنِ كَالصُّلَحَاءِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الشُّمُولَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَوْ الْمُقَايَسَةِ (هَذَا) أَيْ الْغَيْرُ (مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَتَاوَى) مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ يُعَانِقَهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله لَا بَأْسَ بِهِ) انْتَهَى كَلَامُ الْخُلَاصَةِ، وَفِي الدُّرَرِ وَكُرِهَ تَقْبِيلُ الرَّجُلِ وَعِنَاقُهُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ لَا يُكْرَهُ، وَعَنْ عَطَاءٍ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ الْمُعَانَقَةِ فَقَالَ أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ كَانَ بِمَكَّةَ فَأَقْبَلَ إلَيْهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فَلَمَّا وَصَلَ إلَى الْأَبْطَحِ قِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَرْكَبَ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَانَقَهُ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُعَانَقَةِ وَتَجْوِيزِهَا، وَالشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ وَفَّقَ بَيْنَهَا فَقَالَ الْمَكْرُوهُ مَا يَكُونُ بِشَهْوَةٍ وَالْجَائِزُ مَا يَكُونُ تَبَرُّكًا وَإِكْرَامًا انْتَهَى وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ تَبَرُّكًا كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام بَعْدَمَا قُبِضَ وَمَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ مِنْ تَقْبِيلِ يَدِ نَفْسِهِ إذَا لَقِيَ غَيْرَهُ فَمَكْرُوهٌ وَلَا رُخْصَةَ فِيهِ وَمَا يَفْعَلُونَ مِنْ تَقْبِيلِ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ فَحَرَامٌ وَالْفَاعِلُ وَالرَّاضِي آثِمَانِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الْوَثَنِ وَهُوَ لَيْسَ بِكُفْرٍ عِنْدَ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّحِيَّةَ وَكُفْرٌ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ.

(وَمِنْهَا السُّكْنَى فِي الْمَسْكَنِ الْمَغْصُوبِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ حَتَّى قِيلَ لَا يَجُوزُ

ص: 146

إجَابَةُ دَعْوَةِ مَنْ سَكَنَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَعِيَادَتُهُ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهَا وَمِنْ أَحَادِيثِ مُسْلِمٍ «مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ، وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقٍّ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى سَبْعِ أَرَضِينَ» ، وَفِي الْجَامِعِ «وَمَنْ اقْتَطَعَ أَرْضًا ظُلْمًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» ، وَفِي شَرْحِهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لِمَالِكٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لَا كَبَيْتِ الْمَالِ وَسَوَاءٌ اقْتَطَعَهَا لِلتَّمَلُّكِ أَوْ لِيَزْرَعَهَا فَيَرُدَّهَا وَيَشْمَلُ غَيْرَ الْمَالِ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ وَسِرْجِينٍ.

(وَمِنْهَا عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا) فِيمَا يُبَاحُ فِي الدِّينِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ غَايَةَ التَّعْظِيمِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِمَنْ لَهُ غَايَةُ الْعَظَمَةِ وَنِهَايَةُ الْأَنْعَامِ وَهُوَ لَيْسَ إلَّا لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْ مُفَسِّرَةً وَلَا نَاهِيَةً {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] بِأَنْ تُحْسِنُوا أَوْ أَحْسِنُوا إحْسَانًا؛ لِأَنَّهُمَا السَّبَبُ الظَّاهِرِيُّ لِلْوُجُودِ وَالتَّعَيُّشِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْبَاءُ بِالْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّ صِلَتَهُ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا} [الإسراء: 23] أَمَّا إنْ الشَّرْطِيَّةِ زِيدَتْ عَلَيْهَا مَا تَأْكِيدًا وَلِذَا صَحَّ لُحُوقُ النُّونِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْفِعْلِ وَأَحَدُهُمَا فَاعِلُ يَبْلُغَنَّ أَوْ بَدَلٌ عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ مِنْ أَلِفِ يَبْلُغَانِ الرَّاجِعِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَكِلَاهُمَا عَطْفٌ عَلَى أَحَدِهِمَا فَاعِلًا أَوْ بَدَلًا وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلْأَلِفِ وَمَعْنَى عِنْدَك أَنْ يَكُونَا فِي كَنَفِك وَكَفَالَتِك.

{فَلا تَقُلْ لَهُمَا} [الإسراء: 23] فَلَا تَتَضَجَّرْ مِمَّا يُسْتَقْذَرُ مِنْهُمَا وَيُسْتَثْقَلُ مِنْ مُؤْنَتِهِمَا {أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَهُوَ صَوْتٌ يَدُلُّ عَلَى التَّضَجُّرِ وَقِيلَ اسْمٌ هُوَ التَّضَجُّرُ، وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ قِيَاسًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَقِيلَ عُرْفًا نَهَى عَمَّا يُؤْذِيهِمَا بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا {وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] وَلَا تَزْجُرْهُمَا عَمَّا لَا يُعْجِبُك بِإِغْلَاظٍ وَقِيلَ النَّهْيُ وَالنَّهْرُ وَالنَّهَمُ أَخَوَاتٌ {وَقُلْ لَهُمَا} [الإسراء: 23] بَدَلَ التَّأْفِيفِ وَالنَّهْرِ {قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] جَمِيلًا لَا سُوءَ فِيهِ {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} [الإسراء: 24] تَذَلَّلْ لَهُمَا وَتَوَاضَعْ لَهُمَا وَإِضَافَتُهُ إلَى الذُّلِّ لِلْبَيَانِ وَالْمُبَالَغَةِ كَمَا أُضِيفَ حَاتِمٌ إلَى الْجُودِ {مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] مِنْ فَرْطِ رَحْمَتِك عَلَيْهِمَا لِافْتِقَارِهِمَا إلَى مَنْ كَانَ أَفْقَرَ خَلْقِ اللَّهِ إلَيْهِمَا {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا} [الإسراء: 24] وَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَهُمَا بِرَحْمَتِهِ الْبَاقِيَةِ وَلَا تَكْتَفِ بِرَحْمَتِك الْفَانِيَةِ، وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ الرَّحْمَةِ أَنْ يَهْدِيَهُمَا {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] رَحْمَةً مِثْلَ رَحْمَتِهِمَا عَلَيَّ وَتَرْبِيَتِهِمَا وَإِرْشَادِهِمَا لِي فِي صِغَرِي وَفَاءً بِوَعْدِك لِلرَّاحِمِينَ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ لُقْمَانَ {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان: 14] أَيْ بِإِحْسَانِهِمَا وَبِرِّهِمَا {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: 14] الْآيَةَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - شِدَّةً بَعْدَ شِدَّةٍ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَشَقَّةً عَلَى مَشَقَّةٍ وَيُقَالُ الْحَمْلُ ضَعْفٌ وَالطَّلْقُ ضَعْفٌ وَالْوَضْعُ ضَعْفٌ وَيُقَالُ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى الْوَلَدِ عَشَرَةُ حُقُوقٍ:

الْأَوَّلُ إذَا احْتَاجَا إلَى الطَّعَامِ أَطْعَمْهُمَا

ص: 147

الثَّانِي: إذَا احْتَاجَا إلَى الْكِسْوَةِ كَسَاهُمَا إنْ قَدَرَ.

الثَّالِثُ: إذَا احْتَاجَا إلَى الْخِدْمَةِ خَدَمَهُمَا.

الرَّابِعُ: إذَا دَعْوَاهُ أَجَابَهُمَا وَحَضَرَهُمَا.

الْخَامِسُ: إذَا أَمَرَاهُ بِأَمْرٍ أَطَاعَهُمَا مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا فِي الشُّبُهَاتِ فَاخْتُلِفَ فَالْأَكْثَرُ الْإِطَاعَةُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الشُّبْهَةِ وَرَعٌ وَرِضَا الْوَالِدَيْنِ حَتْمٌ، وَقَدْ سَبَقَ لَا يَخْرُجُ فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ بِلَا إذْنٍ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ إلَى فَرْضِ الْحَجِّ، فَإِنْ كَانَا أَوْ أَحَدُهُمَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى خِدْمَتِهِ فَلَا يَخْرُجُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ وَعِنْدَ غَلَبَةِ خَوْفِ الطَّرِيقِ لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا بِلَا إذْنٍ، وَكَذَا سَائِرُ كُلِّ سَفَرٍ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ يَضُرُّ بِهِمَا وَيُؤْذِيهِمَا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ، وَفِي كَنْزِ الْعِبَادِ لَا يُسَافِرُ بِغَيْرِ إذْنِ أُسْتَاذِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ عَاقًّا فِي سَفَرِهِ فَلَا يَجِدُ مِنْ بَرَكَاتِ سَفَرِهِ شَيْئًا. انْتَهَى.

السَّادِسُ: الْكَلَامُ بِاللِّينِ بِدُونِ عُنْفٍ.

السَّابِعُ: لَا يَدْعُوهُمَا بِاسْمِهِمَا.

الثَّامِنُ: يَمْشِي خَلْفَهُمَا.

التَّاسِعُ: أَنْ يَرْضَى لَهُمَا مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ وَيَكْرَهَ لَهُمَا مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ.

الْعَاشِرُ: أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُمَا بِالْمَغْفِرَةِ كُلَّمَا يَدْعُو لِنَفْسِهِ، وَعَنْ الصَّحَابَةِ تَرْكُ الدُّعَاءِ لِلْوَالِدَيْنِ يُضَيِّقُ الْعَيْشَ وَطَرِيقُ إرْضَائِهِمَا عِنْدَ مَوْتِهِمَا عَلَى السُّخْطِ إنَّمَا يَكُونُ بِصَلَاحِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِمَا مِنْ صَلَاحِهِ وَبِصِلَةِ قَرَابَتِهِمَا وَأَصْدِقَائِهِمَا وَبِالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ لَهُمَا «قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَبَوَيَّ قَدْ مَاتَا فَهَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّهِمَا عَلَيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ نَعَمْ الِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إلَّا بِهِمَا» .

(خ ت س عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ الْكَبَائِرُ» لَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرَ فَإِنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ لَا يُنَافِي مَا عَدَاهُ وَمَفْهُومُ الْمُخَالِفِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا أَوْ الزِّيَادَةُ لَمْ تُوحِ لَهُ عليه الصلاة والسلام عِنْدَ هَذَا الْبَيَانِ فَلَا يُنَافِي الزِّيَادَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «الْإِشْرَاكُ» بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَحْوِ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ شَيْخٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ نَجْمٍ، ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْإِشْرَاكِ مُطْلَقُ الْكُفْرِ وَتَخْصِيصُ الشِّرْكِ لِغَلَبَتِهِ فِي الْوُجُودِ حَالَتَئِذْ وَاحْتِمَالُ إرَادَةِ تَخْصِيصِهِ رُدَّ بِأَنَّ بَعْضَ الْكُفْرِ أَقْبَحُ مِنْ الشِّرْكِ وَهُوَ التَّعْطِيلُ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مُطْلَقٌ وَالْإِشْرَاكُ إثْبَاتٌ مُقَيَّدٌ ( «وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» مَصْدَرُ عَقَّ يُقَالُ عَقَّ وَالِدَهُ يَعُقُّهُ عُقُوقًا فَهُوَ عَاقٌّ إذَا آذَاهُ وَعَصَاهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ، وَفِي الْفَيْضِ، وَإِنْ عَلَوْا كَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْعُقُوقُ كُلُّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدُ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِهَيِّنٍ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ كَابْنِ الصَّلَاحِ انْتَهَى لَكِنَّ فِيهِ نَوْعَ تَأَمُّلٍ بِمَا ذُكِرَ آنِفًا «وَقَتْلُ النَّفْسِ» بِغَيْرِ حَقٍّ «وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» طط عَنْ ثَوْبَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «ثَلَاثٌ لَا يَنْفَعُ مَعَهُنَّ عَمَلٌ» أَيْ مَعَ كُلٍّ مِنْهُنَّ نَفْعًا تَامًّا أَوْ رَأْسًا إنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ «الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» بِأَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مَا لَمْ يَتَعَنَّتْ الْوَالِدُ وَضَبَطَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ بِوُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي الْمُبَاحِ فِعْلًا وَتَرْكًا وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَذَلِكَ «وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ» حِينَ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ كَكَوْنِهِمْ ضِعْفَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ عَنْ الْبَيْهَقِيّ فِي سَنَدِ الْحَدِيثِ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ (حك طب عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «كُلُّ الذُّنُوبِ يُؤَخِّرُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا» أَيْ مِنْ عُقُوبَتِهَا وَانْتِقَامِهَا «مَا شَاءَ اللَّهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» إمْهَالًا «إلَّا عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعَجِّلُهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ» الدُّنْيَا «قَبْلَ الْمَمَاتِ» وَلَا يَغْتَرُّ الْعَاقُّ بِالتَّأْخِيرِ بَلْ يَقَعُ، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ ظُهُورِهِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

(طط عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إيَّاكُمْ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ» فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ

ص: 148

«يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ» لَا يُتَوَهَّمُ التَّنَافِي بِمَا وَرَدَ أَنَّهُ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ قُوَّةً وَضَعْفًا قِلَّةً وَكَثْرَةً «وَاَللَّهِ لَا يَجِدُهَا» أَيْ رِيحَهَا «عَاقٌّ» نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتُفِيدُ الْعُمُومَ وَتَشْمَلُ الْقِلَّةَ أَيْضًا «وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ» وَاجِبٌ صِلَتُهَا، وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُ «وَلَا شَيْخٌ زَانٍ» لِأَنَّ ارْتِكَابَ الزِّنَا مَعَ خُمُودِ شَهْوَتِهِ نَاشِئٌ مِنْ تَمَرُّدِهِ وَنِسْيَانِ آخِرَتِهِ وَقِلَّةِ خَوْفِ رَبِّهِ «وَلَا جَارٌّ» اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ جَرَّ بِمَعْنَى سَحَبَ «إزَارَهُ خُيَلَاءَ» أَيْ كِبْرًا «إنَّمَا الْكِبْرِيَاءُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» لِأَنَّ الْكِبْرِيَاءَ مِمَّا خُصَّ بِهِ تَعَالَى وَصَدْرُ الْحَدِيثِ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اتَّقُوا اللَّهَ وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ثَوَابٍ أَسْرَعَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ وَإِيَّاكُمْ وَالْبَغْيَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُوبَةٍ أَسْرَعَ مِنْ عُقُوقِ الْبَغْيِ» الْحَدِيثَ وَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ عَنْ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» .

وَفِي رِوَايَةٍ «قَالَ جِئْت أُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْت أَبَوِيَّ يَبْكِيَانِ قَالَ ارْجِعْ إلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا» وَفِي رِوَايَةٍ «أَتَى رَجُلٌ إلَيْهِ عليه الصلاة والسلام، وَقَالَ إنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَقَالَ هَلْ بَقِيَ مِنْ وَالِدَيْك أَحَدٌ فَقَالَ أُمِّي فَقَالَ قَابِلْ اللَّهَ فِي بِرِّهَا فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ وَمُجَاهِدٌ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةٍ «الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ» .

«وَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّهُمَا عَلَى وَلَدِهِمَا؟ قَالَ: هُمَا جَنَّتُك وَنَارُك» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ إنَّ لِي امْرَأَةً وَأُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الْوَالِدَانِ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ شِئْت فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

، وَعَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا فَقَالَ طَلِّقْهَا فَأَبَيْت فَأَتَى عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي عليه الصلاة والسلام طَلِّقْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ طُوبَى لَهُ وَزَادَ اللَّهُ فِي عُمْرِهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَوْ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «صَعِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِنْبَرَ فَقَالَ آمِينَ آمِينَ آمِينَ فَقَالَ أَتَانِي جَبْرَائِيلُ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْ آمِينَ فَقُلْت آمِينَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَمَاتَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأُدْخِلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ فَقُلْ آمِينَ فَقُلْت آمِينَ فَقَالَ وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ فَقُلْ آمِينَ فَقُلْت آمِينَ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ.

«وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَهِدْت أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ وَصَلَّيْت الْخَمْسَ وَأَدَّيْت الزَّكَاةَ وَصُمْت رَمَضَانَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا وَنَصَبَ أُصْبُعَيْهِ مَا لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَةُ الْعُقُوقِ مِنْ النُّصُوصِ مُطْلَقَةً وَلَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ فِي نَفْسِهِ عَلَى إطْلَاقِهَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (اعْلَمْ أَنَّ الْعُقُوقَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمُخَالَفَةِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ) الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الَّذِي اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ مَعْصِيَةً مِثْلَ أَكْلِ صَوْمِ النَّفْلِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَفِيهِ أَيْضًا عُقُوقٌ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ (إذْ لَا طَاعَةَ لِلْمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَإِلَيْهِ) أَيْ فِي عَدَمِ الْإِطَاعَةِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ (أَشَارَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ - {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15] الْآيَةَ) وَالْآيَةُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْإِطَاعَةِ فِي الشِّرْكِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ قَالُوا الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَعَاصِي قِيَاسًا عَلَيْهِ بِجَامِعِ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ

ص: 149

تَعَالَى بِالِاخْتِيَارِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي، أَقُولُ قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ يَعْنِي الْمُشَارَكَةَ فِي مُطْلَقِ الْجِنْسِ مَا لَمْ يَكُنْ جِنْسًا أَبْعَدَ كَافِيَةٌ فِي الْقِيَاسِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ.

وَفِي الْجَامِعِ «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ يُجْزِئُ عَنْ الْجِهَادِ أَيْ: يَقُومُ مَقَامَهُ» فَكَأَنَّهُ لِوَقْعَةٍ خَاصَّةٍ مُقْتَضِيَةٍ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَمَرْتَبَةُ الْجِهَادِ أَعْلَى وَأَعْظَمُ.

وَفِيهِ أَيْضًا بِرُّ الْوَالِدَيْنِ يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ كَمَا فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ أَيْضًا فَفِي السَّفْرِ الثَّانِي مِنْ التَّوْرَاةِ أَكْرِمْ أَبَاك وَأُمَّك لِيَطُولَ عُمْرُك فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكهَا الرَّبُّ إلَهُك، وَفِيهِ أَيْضًا بِرُّوا آبَاءَكُمْ أَيْ وَأُمَّهَاتِكُمْ يَبَرَّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَفِي الْمِفْتَاحِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، وَقَالَ «بِرُّ الْوَالِدَةِ عَلَى الْوَالِدِ ضِعْفَانِ» .

وَقَالَ «الْوَالِدَةُ أَسْرَعُ إجَابَةً قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: هِيَ أَرْحَمُ مِنْ الْأَبِ وَدَعْوَةُ الرَّحِيمِ لَا تَسْقُطُ» قَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْغُلَامُ يُعَقُّ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى فَإِذَا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ أُدِّبَ فَإِذَا بَلَغَ تِسْعَ سِنِينَ عُزِلَ فِرَاشُهُ فَإِذَا بَلَغَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ضُرِبَ عَلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا بَلَغَ سِتَّ عَشَرَةَ زَوَّجَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ أَدَّبْتُك وَعَلَّمْتُك وَأَنْكَحْتُك أَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ فِتْنَتِك فِي الدُّنْيَا وَعَذَابِك فِي الْآخِرَةِ» وَقِيلَ وَلَدُك رَيْحَانَتُك سَبْعًا وَخَادِمُك تِسْعًا، ثُمَّ هُوَ عَدُوُّك أَوْ صَدِيقُك، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَقُّ كَبِيرِ الْإِخْوَةِ عَلَى صَغِيرِهِمْ كَحَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ» انْتَهَى وَفِي الْمُنَاوِيِّ عِنْدَ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ فِي وُجُوبِ احْتِرَامِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيرِهِ وَعَدَمِ مُخَالَفَةِ مَا يُشِيرُ بِهِ وَيَرْتَضِيهِ (وَأَنَّ الْكُفْرَ لَا يَحِلُّ) أَيْ لَا يَجْعَلُ حَلَالًا (الْعُقُوقَ) لِلْوَالِدَيْنِ فِي الْفَيْضِ عَنْ الرَّازِيّ قَوْله تَعَالَى - {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]- غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فَالْعِلَّةُ مُجَرَّدُ كَوْنِهِمَا وَالِدَيْنِ، وَلَوْ كَافِرَيْنِ وَقِيلَ قَوْله تَعَالَى - {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]- أُنْزِلَتْ فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ (حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ) ، وَكَذَا الْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى إمَّا بِعُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ تَغْلِيبٍ أَوْ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ (وَخِدْمَتُهُمَا وَبِرُّهُمَا وَزِيَارَتُهُمَا إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَجْلِبَاهُ إلَى الْكُفْرِ) بِحَدَاثَةِ سِنِّهِ أَوْ بِحَدَاثَةِ إسْلَامِهِ وَلَمْ تَرْسُخْ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ فِي قَلْبِهِ (فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَزُورَ حِينَئِذٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ) وَمُقْتَضَى التَّفْرِيعِ أَنْ يَضُمَّ الْخِدْمَةَ لَا سِيَّمَا الْخِدْمَةُ فِي دَاخِلِ الْبَيْتِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاضْطِرَارِ فَالْهَلَاكُ عِنْدَ عَدَمِ الْخِدْمَةِ قَطْعِيٌّ وَالْجَلْبُ إلَى الْكُفْرِ وَهْمِيٌّ (وَلَا يَقُودُهُمَا إلَى الْبِيعَةِ) مَثَلًا (وَيَقُودُهُمَا مِنْهَا إلَى الْمَنْزِلِ) ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ إلَيْهَا مَعْصِيَةٌ بِخِلَافِهِ إلَى الْمَنْزِلِ.

(تَتِمَّةٌ) فِي تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ فَلَا يُرْضِعُ إلَّا صَالِحَةٌ لَا تَأْكُلُ الْحَرَامَ فَإِنَّ اللَّبَنَ الْحَاصِلَ مِنْ الْحَرَامِ لَا بَرَكَةَ لَهُ، وَإِذَا رَضَعَ مِنْهُ مَالَ طَبْعُهُ إلَى مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْخَبَائِثِ، ثُمَّ يُعَلِّمُهُ آدَابَ الْأَكْلِ بِحَيْثُ لَا يُوَالِي اللُّقَمَ وَلَا يُلَطِّخُ يَدَهُ وَثَوْبَهُ، وَيَذُمُّ عِنْدَهُ سَيِّئَ الْأَخْلَاقِ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَيَمْدَحُ حِسَانَ أَخْلَاقِهِمْ، ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ إلَى الْمَكْتَبِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَيَذْكُرَ عِنْدَهُ أَحَادِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَمَنَاقِبَ الصُّلَحَاءِ، وَيَحْفَظُهُ عَمَّنْ لَا يَضْبِطُ لِسَانَهُ عَنْ الْفُحْشِ وَلَا جَوَارِحَهُ عَنْ الْقَبَائِحِ كَالشُّعَرَاءِ فَإِذَا صَدَرَ مِنْهُ خُلُقٌ جَمِيلٌ أَوْ فِعْلٌ حَسَنٌ يُكْرَمُ وَيُجَازَى عَلَيْهِ بِمَا يَفْرَحُ بِهِ وَيُمْدَحُ بِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ النَّاسِ، فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ أَحْيَانًا يُتَغَافَلُ وَلَا يُكْشَفُ، فَإِنْ عَادَ ثَانِيًا يُعَاقَبُ سِرًّا وَيُهَدِّدُهُ وَيَجْعَلُ الْأَمْرَ عَظِيمًا وَلَا يُكْثِرُ التَّخْوِيفَ بِالْعِقَابِ فِي كُلِّ حِينٍ، وَالْأُمُّ تُخَوِّفُهُ بِالْأَبِ وَتَزْجُرُهُ بِالْقَبَائِحِ، وَيُعَوَّدُ الْخُشُونَةَ مِنْ الطَّعَامِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمِفْرَشِ، وَيُعَوَّدُ التَّوَاضُعَ وَالْحِلْمَ وَالْإِكْرَامَ لِكُلِّ مَنْ عَاشَرَهُ، وَيُعَلَّمُ الْعَطَاءَ وَيُمْنَعُ الْأَخْذَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَيُقَبَّحُ إلَيْهِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالطَّمَعُ، وَيُعَلَّمُ آدَابَ الْجُلُوسِ عِنْدَ النَّاسِ وَيُمْنَعُ مِنْ كَثْرَةِ الْكَلَامِ وَيُؤْذَنُ بَعْدَ الْمَكْتَبِ أَوْ التَّعْلِيمِ بِاللَّعِبِ الْيَسِيرِ لِئَلَّا يَذْهَبَ ذَكَاؤُهُ وَيَمُوتَ قَلْبُهُ وَيُعَلَّمُ طَاعَةَ الْوَالِدَيْنِ وَطَاعَةَ مُعَلِّمِهِ وَمُؤَدِّبِهِ وَمَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ وَقَوَاعِدَ إكْرَامِهِمْ وَيُمْنَعُ مِنْ اللَّعِبِ فِي مَحْضَرِهِمْ وَيُعَلِّمُهُ مِنْ حُدُودِ الشَّرْعِ، وَيُخَوِّفُهُ مِنْ

ص: 150