الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ خِدْمَةِ دَاخِلِ الْبَيْتِ وَالْوَلَدِ عَنْ خِدْمَةِ الْوَالِدِ وَ) كَذَا (الرَّعِيَّةِ عَمَّا أَمَرَ الْوَالِي مِمَّا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ) إذْ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ (إلَّا بِعُذْرٍ) .
[الصِّنْفُ التَّاسِعُ مِنْ التِّسْعَةِ فِي آفَاتِ الْبَدَنِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِعُضْوٍ]
(الصِّنْفُ التَّاسِعُ) مِنْ التِّسْعَةِ (فِي آفَاتِ الْبَدَنِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ مِمَّا ذُكِرَ) مِنْ الْأَعْضَاءِ الثَّمَانِيَةِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْأُذُنِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَالْعَيْنِ (وَهَذِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنْهَا الرَّقْصُ) سَوَاءٌ فِي الذِّكْرِ وَالْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ (وَهُوَ الْحَرَكَةُ الْمَوْزُونَةُ وَالِاضْطِرَابُ) عَطْفٌ عَلَى الرَّقْصِ (وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْزُونَةِ فَكُلُّ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّقْصِ وَالِاضْطِرَابِ (مَنْ لَعِبَ غَيْرُ مُسْتَثْنًى) مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ لَعِبٍ حَرَامٌ إلَّا الرَّمْيَ وَالْمُسَابَقَةَ وَالْمُلَاعَبَةَ لِأَهْلِهِ» (يَدْخُلُ فِيهِمَا) أَيْ النَّوْعَيْنِ (مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ فِي زَمَانِنَا) بِلَا وَجْدٍ حَقِيقِيٍّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَرْتَفِعُ التَّكْلِيفُ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا.
(بَلْ هُوَ أَشَدُّ مِنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ بَعْضُ صُوفِيَّةِ الْعَصْرِ (يَفْعَلُونَهُ عَلَى اعْتِقَادِ الْعِبَادَةِ) إمَّا بِتَصْرِيحِهِمْ أَوْ بِالْقَرَائِنِ الْقَطْعِيَّةِ مِنْهُمْ فَلَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ سُوءِ الظَّنِّ (فَيُخَافُ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ) وَهُوَ الْكُفْرُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَصَرِيحُ الْكُفْرِ عِنْدَ غَيْرِهِ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْكِيلَانِيِّ وَالْبَزَّازِيِّ وَابْنِ كَمَالٍ بَاشَا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْكَارُ الْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي، وَعَنْ بَعْضِ الْمُؤَلِّفِينَ كَالشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ قَالَ لَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ مَنْ أَنْكَرْت عَلَيْهِ الرَّقْصَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا غَابَ عَنِّي لَا يُنْكِرُونَ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ وَيُنْكِرُونَ عَلَيْنَا، وَقَدْ كَانَ هَذَا أَشَدَّ مِنْ ذَاكَ؛ لِأَنَّ شَارِبَهَا يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهَا فَرُبَّمَا يَسْتَغْفِرُ وَيَتُوبُ وَفَاعِلُ ذَاكَ يَعْتَقِدُ كَوْنَهُ عِبَادَةً فَلَا يَسْتَغْفِرُ بَلْ يَتَبَاهَى وَيَرْجُو مِنْ الْخَلْقِ الْمَنْزِلَةَ وَالتَّعْظِيمَ وَهَذَا مَا يُذْكَرُ عَنْ إبْلِيسَ أَنَّهُ قَالَ قَصَمْت ظُهُورَ بَنِي آدَمَ بِالْمَعَاصِي فَقَصَمُوا ظَهْرِي بِالِاسْتِغْفَارِ انْتَهَى.
يَعْنِي لَهُمْ آفَتَانِ اعْتِقَادُ الْحَرَامِ حَلَالًا وَعَدَمُ التَّوْبَةِ، ثُمَّ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ حُرْمَةِ الرَّقْصِ فِي الْمَذَاهِبِ فَقَالَ (قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ) قِيلَ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَتِهِ عِنْدَهُ وَقِيلَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (قَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الرَّقْصِ فَقَالَ {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: 37]
أَيْ ذَا مَرَحٍ وَهُوَ الِاخْتِيَالُ - {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ} [الإسراء: 37]- لَنْ تَجْعَلَ فِيهَا خَرْقًا لِشِدَّةِ وَطْأَتِك - {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} [الإسراء: 37]- بِتَطَاوُلِك وَهُوَ تَهَكُّمٌ بِالْمُخْتَالِ وَتَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ بِأَنَّ الِاخْتِيَالَ حَمَاقَةٌ مُجَرَّدَةٌ (وَذَمِّ الْمُخْتَالِ) حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18](وَالرَّقْصُ أَشَدُّ الْمَرَحِ وَالْبَطَرِ) كَأَنَّهُ يَقُولُ الرَّقْصُ مَرَحٌ وَالْمَرَحُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَوْ يُقَالُ الرَّقْصُ بَطَرٌ وَالْبَطِرُ مُخْتَالٌ وَالْمُخْتَالُ لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْمَرَحِ هُوَ التَّكَبُّرُ ابْتِدَاءً أَوْ التَّحَرُّكُ لِأَجْلِ الْكِبْرِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ - {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ} [الإسراء: 37]- الْآيَةَ، وَالْمُخْتَالُ مُتَبَادِرٌ فِي التَّكَبُّرِ كَيْفَ وَلَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ الِاحْتِمَالِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَا حُجَّةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ كَوْنِ الْمَطْلُوبِ حَرَامًا قَطْعِيًّا وَبِالْجُمْلَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ حَاصِلَ أَثَرٍ فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا يَخْلُو عَنْ الْكَلَامِ.
(وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ) مِنْ الْمَالِكِيَّةِ (حِينَ سُئِلَ عَنْ مَذْهَبِ الصُّوفِيَّةِ أَمَّا الرَّقْصُ وَالتَّوَاجُدُ) إظْهَارُ الْوَجْدِ مَعَ عَدَمِهِ (فَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ أَصْحَابُ السَّامِرِيِّ) مَنْسُوبٌ إلَى قَبِيلَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهَا السَّامِرَةُ وَاسْمُهُ مُوسَى بْنُ ظُفْرٍ وَكَانَ مُنَافِقًا (لَمَّا اتَّخَذَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا) أَيْ اتَّخَذَ السَّامِرِيُّ لِبَنِي إسْرَائِيلَ عِنْدَ ذَهَابِ مُوسَى إلَى مِيعَادِ رَبِّهِ عِجْلًا جَسَدًا مِنْ ذَهَبٍ كَالْعِجْلِ رُوِيَ أَنَّ السَّامِرِيَّ لَمَّا صَاغَ الْعِجْلَ أَلْقَى فِي فَمِ الْعِجْلِ تُرَابًا مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جَبْرَائِيلَ عليه الصلاة والسلام، وَقَدْ كَانَ أَخَذَهُ عِنْدَ فَلَقِ الْبَحْرِ أَوْ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ إلَى الطُّورِ فَصَارَ حَيًّا وَقِيلَ صَاغَهُ بِنَوْعٍ مِنْ الْحِيَلِ فَيُدْخِلُ الرِّيحَ فِي جَوْفِهِ فَيُصَوِّتُ (لَهُ خُوَارٌ) صَوْتٌ كَصَوْتِ الْبَقَرِ (قَامُوا) أَيْ أَصْحَابُ السَّامِرِيِّ (يَرْقُصُونَ عَلَيْهِ) فَرَحًا بِهِ (وَيَتَوَاجَدُونَ فَهُوَ) أَيْ الرَّقْصُ (دِينُ الْكُفَّارِ وَعُبَّادِ الْعِجْلِ وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الرَّقْصِ عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.
(الرَّقْصُ فِي السَّمَاعِ) أَيْ فِي حَالَةِ سَمَاعِ الْأَشْعَارِ أَوْ الْأَذْكَارِ أَوْ نَحْوِهِ، وَأَمَّا نَفْسُ السَّمَاعِ فَكَمَا سَمِعْت فِي التَّغَنِّي قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ سَمَاعَ الْأَشْعَارِ بِالْأَلْحَانِ وَالنَّغْمَةِ الْمُسْتَلَذَّةِ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْمُسْتَمِعُ مَحْظُورًا وَلَمْ يَسْمَعْ عَلَى مَذْمُومٍ فِي الشَّرْعِ وَلَمْ يَنْجَرَّ عَلَى مَذْمُومِ هَوَاهُ وَلَمْ يَنْخَرِطْ فِي سِلْكِ لَهْوٍ مُبَاحٌ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَشْعَارَ أُنْشِدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ سَمِعَهَا وَلَمْ يُنْكِرْ، ثُمَّ مَا يُوجِبُ لِلْمُسْتَمِعِ تَوْفِيرَ الرَّغْبَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَتَذَكُّرَ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ مِنْ الدَّرَجَاتِ وَيَحْمِلُهُ عَلَى التَّحَرُّزِ مِنْ الزَّلَّاتِ وَيُؤَدِّي إلَى قَلْبِهِ فِي الْحَالِ صَفَاءَ الْوَارِدَاتِ مُسْتَحَبٌّ فِي الدِّينِ وَمُخْتَارٌ فِي الشَّرْعِ، وَقَدْ جَرَى عَلَى لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الشِّعْرِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ؛ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ حِينَ كَانُوا يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ يَقُولُونَ
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا
…
عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا
فَأَجَابَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ
…
فَأَكْرِمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ
وَعَنْ الشِّبْلِيِّ السَّمَاعُ ظَاهِرُهُ فِتْنَةٌ وَبَاطِنُهُ عِبْرَةٌ (لَا يَجُوزُ) بَلْ يَحْرُمُ (وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَقَالَ الْإِمَامُ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوَاهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إنَّ هَذَا الْغِنَاءَ وَضَرْبَ الْقَضِيبِ) أَيْ الْعُودِ عَلَى وَتِيرَةٍ مَخْصُوصَةٍ (وَالرَّقْصَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ) أَيْ كِتَابِ الْقُرْطُبِيِّ (وَسَيِّدُ الطَّائِفَةِ) الصُّوفِيَّةِ (أَحْمَدُ النَّسَوِيُّ) يُقَالُ هُوَ دَاغِسْتَانِيٌّ
مَعْرُوفٌ بِالْوِلَايَةِ وَمَشْهُورٌ بِالْكَرَامَاتِ مُعَاصِرٌ لِحَضْرَةِ الْخَوَاجَةِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْفَجْدَوَانِيِّ حَكَوْا مُلَاطَفَةً غَرِيبَةً بَيْنَهُمَا (صَرَّحَ بِحُرْمَتِهِ) أَيْ الرَّقْصِ (وَرَأَيْت فَتْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ جَلَالِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ الْكِيلَانِيِّ أَنَّ مُسْتَحِلَّ هَذَا الرَّقْصِ كَافِرٌ) هَذِهِ فَتْوَاهُ وَوَجَّهَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَمَّا عُلِمَ أَنَّ حُرْمَتَهُ بِالْإِجْمَاعِ لَزِمَ أَنْ يَكْفُرَ مُسْتَحِلُّهُ) أَقُولُ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ إنْكَارُ كُلِّ إجْمَاعٍ كُفْرًا أَوْ عُلِمَ هَذَا الْإِجْمَاعُ مِنْ الْإِجْمَاعِ الَّذِي يَكُونُ إنْكَارُهُ كُفْرًا إذْ قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ بَعْضَ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيٌّ كَالْإِجْمَاعِ الَّذِي سَبَقَ فِيهِ خِلَافٌ أَوْ نُقِلَ إلَيْنَا بِغَيْرِ تَوَاتُرٍ، فَإِنْكَارُهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ اتِّفَاقًا وَبَعْضُ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيٌّ كَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَنُقِلَ إلَيْنَا تَوَاتُرًا، فَإِنْكَارُهُ كُفْرٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ بِكُفْرٍ عِنْدَ بَعْضٍ، وَكُفْرٌ إنْ مِنْ الضَّرُورَاتِ الدِّينِيَّةِ وَمُحْتَمِلٌ لِلْكُفْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الضَّرُورَاتِ الدِّينِيَّةِ.
(وَلِلشَّيْخِ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي كَشَّافِهِ كَلِمَاتٌ فِيهِمْ) فِي حَقِّهِمْ قِيلَ مِنْهَا فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى - {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]- (يَقُومُ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ (عَلَيْهِمْ الطَّامَّةُ) أَيْ الدَّاهِيَةُ الْعَظِيمَةُ قِيلَ هِيَ قَوْلُهُ فَمَنْ ادَّعَى مَحَبَّتَهُ وَخَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ فَهُوَ كَذَّابٌ وَكِتَابُ اللَّهِ يُكَذِّبُهُ، وَإِذَا رَأَيْت مَنْ يَذْكُرُ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَيُصَفِّقُ بِيَدَيْهِ مَعَ ذِكْرِهَا وَيَطْرَبُ وَيَنْعَرُ وَيُصْعَقُ فَلَا تَشُكَّ فِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا اللَّهُ وَلَا يَدْرِي مَا مَحَبَّةُ اللَّهِ وَمَا تَصْفِيقُهُ وَطَرَبُهُ وَنَعْرَتُهُ وَصَعْقَتُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصَوَّرَ فِي نَفْسِهِ الْخَبِيثَةِ صُورَةً مُسْتَمْلَحَةً مُعَشَّقَةً فَسَمَّاهَا اللَّهَ تَعَالَى بِجَهْلِهِ وَعَادَتِهِ، ثُمَّ صَفَّقَ وَطَرِبَ وَنَعَرَ وَصَعِقَ عَلَى تَصَوُّرِهَا، ثُمَّ إنَّ الِاحْتِجَاجَ بِقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَطَالِبِ لَا يَخْلُو عَنْ خَفَاءٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ اسْتِقْلَالِيٍّ وَابْتِدَائِيٍّ بَلْ لِتَأْيِيدِ مَا ثَبَتَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ لِإِقْنَاعِ الْخُصُومِ لَا لِتَحْقِيقِ الْمَقَامِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَعْرَفُ لِمَعَانِي الْقُرْآنِ وَيُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَعْنًى لِلْقُرْآنِ أَوْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِتَرْوِيجِ مَذْهَبِهِ فَيُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ.
(وَلِصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ أَيْضًا أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ) تَشْنِيعًا وَتَقْبِيحًا (انْتَهَى) كَلَامُ الْبَزَّازِيِّ، وَعَنْ مُنِيرَةَ ابْنِ الْكَمَالِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى السَّمَاعُ وَالرَّقْصُ الَّذِي تَفْعَلُهُ الصُّوفِيَّةُ فِي زَمَانِنَا حَرَامٌ وَلَا يَجُوزُ
الْجُلُوسُ مَعَهُمْ فِي مَجْلِسِهِمْ وَالرَّقْصُ وَالْغِنَاءُ وَالْمَزَامِيرُ فِي الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ
عَمَّنْ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ بِالصُّوفِيَّةِ فَاخْتَصُّوا بِنَوْعٍ لَبِسُوهُ وَاشْتَغَلُوا بِاللَّهْوِ وَالرَّقْصِ وَادَّعَوْا لِأَنْفُسِهِمْ مَنْزِلَةً فَقَدْ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا.
وَفِي النِّصَابِ هَلْ يَجُوزُ الرَّقْصُ فِي السَّمَاعِ؟ الْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَعَنْ الذَّخِيرَةِ وَمَنْ أَبَاحَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ فَذَلِكَ الَّذِي حَرَكَاتُهُ كَحَرَكَاتِ الْمُرْتَعِشِ أَيْ مَا يَكُونُ بِلَا اخْتِيَارٍ وَنُقِلَ عَنْ حَاوِي الْمُنْيَةِ الرَّقْصُ وَضَرْبُ الرِّجْلِ عَلَى الْأَرْضِ وَالْمَشْيُ فِي الذِّكْرِ وَالدَّوَرَانُ كُفْرٌ انْتَهَى لَعَلَّ مُرَادَهُ اسْتِحْلَالُهُ وَاعْتِقَادُ كَوْنِهِ عِبَادَةً، وَعَنْ السُّهْرَوَرْدِيّ وَهُوَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّقَايَا يَقُولُ تَطُوفُ الشَّيَاطِينُ عُرَاةً بِأَطْرَافِ قَوْمٍ يَشْتَغِلُونَ بِالسَّمَاعِ وَالرَّقْصِ وَيَلْعَبُونَ بَيْنَهُمْ وَيَنْفُخُونَ فِي فِيهِمْ فَيَتَوَاجَدُونَ، وَعَنْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ أَنَّهُمْ يَرْقُصُونَ رَقْصَ الْفُجَّارِ وَيَنْهَقُونَ كَالْحِمَارِ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْأَبْرَارِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ مِنْ الْكُفَّارِ، وَعَنْ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي مَوْضِعٍ رُقِصَ فِيهِ حَتَّى يَطْهُرَ أَوْ يُخْرَجَ تُرَابُهُ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُمْ، وَعَنْ الْمَالِكِيِّ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ حَضَرَ بِمَجْلِسِهِمْ لِفِسْقِهِمْ، وَعَنْ الْحَنْبَلِيِّ مَنْ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ كِتَابِ الِاعْتِنَاءِ لِعَلِيٍّ الْقَارِي وَذَكَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ كَلَامًا جَامِعًا لِمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ الْحَصِيرُ الَّذِي رَقَصُوا عَلَيْهِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يُغْسَلَ وَقَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ مَنْ حَضَرَ هَذَا السَّمَاعَ الْمَعْهُودَ يَصِيرُ فَاسِقًا، وَإِنْ اعْتَقَدَ حِلَّهُ صَارَ مُرْتَدًّا وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ يَجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ رَدْعُهُمْ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ إنَّ الشَّاهِدَ إذَا حَضَرَ مَعَهُمْ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَمِثْلُهُ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ وَنُقِلَ عَنْ ابْن الْحَاجِّ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ عَمِلَ فَتْوًى وَمَشَى بِهَا عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَلَفْظُهُ مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرَدُوا عَلَى بَلَدٍ فَقَصَدُوا الْمَسْجِدَ وَشَرَعُوا يُصَفِّقُونَ وَيَرْقُصُونَ فَهَلْ يَجُوزُ فِي الْمَسَاجِدِ شَرْعًا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ يَرْحَمْكُمْ اللَّهُ فَقَالَ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ الْغِنَاءُ لَهْوٌ بَاطِلٌ أَيْ يُشْبِهُ الْبَاطِلَ مَنْ قَالَ بِهِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَقَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ يَجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ زَجْرُهُمْ وَرَدْعُهُمْ وَإِخْرَاجُهُمْ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَحَبْسُهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا حُكْمُهُ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ الْحَصِيرُ الَّتِي يُرْقَصُ عَلَيْهَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى تُغْسَلَ وَالْأَرْضُ الَّتِي يُرْقَصُ عَلَيْهَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى يُحْفَرَ تُرَابُهَا وَيُرْمَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى (قُلْت مَنْ لَهُ إنْصَافٌ) دُونَ تَعَصُّبٍ وَجِدَالٍ (وَدِيَانَةٌ وَاسْتِقَامَةُ طَبْعٍ) فِي فَهْمِ مُقَدِّمَاتِ الْبَرَاهِينِ الْمُنْتِجَةِ لِهَذَا الْمَطْلَبِ وَتَرْتِيبِهَا وَاسْتِلْزَامِهَا لِمَطَالِبِهَا فَيَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ كَوْنُ الْمَطْلُوبِ وُجْدَانِيًّا بَلْ إقْنَاعِيًّا وَالْمَقَامُ تَحْقِيقِيٌّ بُرْهَانِيٌّ كَيْفَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ يَقْتَضِي إلْزَامَ الْمُخَالِفِ طَوْعًا وَكَرْهًا فَافْهَمْ (إذَا رَأَى رَقْصَ صُوفِيَّةِ زَمَانِنَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالدَّعَوَاتِ بِأَلْحَانٍ وَنَغَمَاتٍ) بَعْضِ (صُوفِيَّةِ زَمَانِنَا) أَيْ فِي دِيَارِنَا عِيَانًا، وَفِي الدِّيَارِ الْأُخَرِ سَمْعًا بِالشُّهْرَةِ بَلْ بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِأَخْبَارِ ثِقَةِ الْآحَادِ فَيَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ سُوءُ ظَنٍّ بِالْمُسْلِمِ، وَالْكُلُّ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الظَّنِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حَالَ كُلِّ صُوفِيَّةِ الزَّمَانِ (فِي الْمَسَاجِدِ وَالدَّعَوَاتِ) الْأَوْلَى لِلسِّبَاقِ وَالسِّيَاقِ وَالْمُطَابَقَةِ بِالشُّيُوعِ وَالْأَغْلَبُ أَنْ يُقَالَ الْأَذْكَارُ بَدَلَ الدَّعَوَاتِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِالذِّكْرِ أَوْ يُرَادَ عُمُومُ الْمَجَازِ (بِأَلْحَانٍ وَنَغَمَاتٍ) جَمْعُ نَغْمَةٍ أَيْ جَرْسِ الْكَلَامِ (مُخْتَلِطًا بِهِمْ الْمُرْدُ) جَمْعُ أَمْرَدَ (وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْعُرْيِ) مِنْ الْفَسَقَةِ (مِنْ جُهَّالِ الْعَوَامّ وَالْمُبْتَدِعَةِ الطَّغَامِ) جَمْعُ طَغَامَةٍ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى ضَعِيفِ الرَّأْيِ وَقِيلَ بِمَعْنَى الْأَرْذَلِ (لَا يَعْرِفُونَ الطَّهَارَةَ وَالْقُرْآنَ وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ بَلْ لَا يَعْرِفُونَ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ لَهُمْ زَعِيقٌ) أَيْ صَيْحَةٌ (وَزَئِيرٌ) صَوْتُ الْأَسَدِ أَوْ صَوْتُ الْحَمِيرِ (وَنُهَاقٌ) بِالضَّمِّ أَيْ صَوْتٌ كَصَوْتِ الْحِمَارِ (يُشْبِهُ نُهَاقَ الْحَمِيرِ يُبَدِّلُونَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى) يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ بِالْأَلْحَانِ
الْفَاسِدَةِ وَالنَّغَمَاتِ الْكَاسِدَةِ (وَيُغَيِّرُونَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى) بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي جَوَاهِرِ الْكَلِمَاتِ وَأَدَائِهَا (ثُمَّ يَتَلَفَّظُونَ بِأَلْفَاظٍ مُهْمَلَةٍ) لَا مَعْنَى لَهَا وَضْعًا وَاسْتِعْمَالًا بِلُغَةٍ مِنْ اللُّغَاتِ (وَهَذَيَانَاتٍ كَرِيهَةٍ مِثْلَ هاي وهوي وَهِيَ وهيا يَقُولُ) ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ (لَا مَحَالَةَ) أَلْبَتَّةَ بِلَا شَكٍّ وَلَا تَرَدُّدٍ (إنَّ هَؤُلَاءِ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) لِذَلِكَ الْمُصَنِّفِ (مُمَارَسَةٌ بِالْفِقْهِ وَ) مَعَهُ (عِلْمٌ تَفْصِيلِيٌّ بِحَالِهِمْ) لِأَنَّ الْأَمْرَ بَيِّنٌ لِكُلِّ عَامٍّ وَخَاصٍّ قِيلَ عَنْ الشَّارِحِ الْكُرْدِيِّ إيرَادًا عَلَى الْمُصَنِّفِ أَمَّا قَوْلُهُ هاي وهوي إلَى آخِرِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ يَتَرَاءَى مِنْ شِدَّةِ الذِّكْرِ وَسُرْعَةِ التَّلَفُّظِ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَشَايِخَ الصُّوفِيَّةَ صَرَّحُوا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى فَرَدَّ عَلَيْهِ إنْ أُرِيدَ مِنْ الْمَشَايِخِ جَهَلَةُ الْمُتَشَيِّخَةِ وَمُتَشَقْشِقَةُ الصُّوفِيَّةِ فَلَا اعْتِدَادَ بِقَوْلِهِمْ بَلْ كَثِيرًا مَا أُلْحِقَ فِي خِلَافِهِمْ، وَإِنْ أُرِيدَ الصُّوفِيَّةُ الْمُتَسَنِّنَةُ وَالْمُتَوَرِّعَةُ الْمُتَشَرِّعَةُ فَافْتِرَاءٌ مَحْضٌ لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ نَقْلٍ صَحِيحٍ مِنْ مُعْتَمَدَاتِ كُتُبِهِمْ وَأَنَا أَقُولُ وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُمْ لَا يَكُونُ حُجَّةً بَلْ الْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ أَقْوَالُ فُقَهَائِنَا الْمُخْتَارَةِ وَالْمُفْتَى بِهَا لَا كُلُّهَا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ أَحْكَامِ الشَّرْعِ إنَّمَا هِيَ مِنْهُمْ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ ثُمَّ أَوْرَدَ أَيْضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ جَعْلَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ عَوَامًّا أَوْ جُهَّالًا إلَى آخِرِهِ غَايَةٌ فِي الضَّلَالَةِ وَشَبِيهٌ بِفِعْلِ الْكُفَّارِ فِي تَحْقِيرِهِمْ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَفِي تَسْلِيطِ سُفَهَائِهِمْ عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا يُحْكَى عَنْهُ سُوءُ الْخَاتِمَةِ وَحُقَّ لَهُ ذَلِكَ بِمِثْلِ هَذَا الِاسْتِخْفَافِ وَالِاسْتِحْقَارِ بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْعُبَّادِ وَالزُّهَّادِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ بَعْضِ الظَّنِّ وَالْحُكْمِ بِالْغَيْبِ ضَلَالٌ عَنْ سَوَاءِ الصِّرَاطِ وَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ بِالْمُرَاجَعَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْبِدَعِ انْتَهَى إجْمَالًا.
وَأَنَا أَقُولُ إنَّ طَعْنَ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ بِالْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ مِنْ أَقْوَالِ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الَّتِي هِيَ الْأَدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ لِلْمُقَلِّدِ فَيَكُونُ كَلَامًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ الْقَوِيمِ وَنَهْجِ الدِّينِ الْمُبِينِ لَا سِيَّمَا الْإِجْمَاعُ مِنْ أَهْلِ الْيَقِينِ فَالْحَمْلُ عَلَى الضَّلَالَةِ وَالتَّشْبِيهُ بِالْكُفْرِ وَالْغَوَايَةِ لَيْسَ شَيْئًا غَيْرَ الْكُفْرِ بَلْ زَنْدَقَةٌ لَا تُوجِبُ إلَّا الْقَتْلَ بَلْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إنْ تَابَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَفْعَالِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا (فَالْوَيْلُ) أَيْ الْعَذَابُ الشَّدِيدُ (لِلْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ) وَسَائِرِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الدَّفْعِ وَالْإِهْدَامِ (حَيْثُ يَعْرِفُونَ هَذَا وَيُشَاهِدُونَ وَلَا يُنْكِرُونَ
وَلَا يُغَيِّرُونَ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِمْ) مَعَ أَنَّ التَّغْيِيرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ حِينَ الْقُدْرَةِ (بَلْ يَخَافُونَ مِنْهُمْ) مِنْ إنْكَارِهِمْ وَدُعَائِهِمْ عَلَيْهِمْ لِاعْتِقَادِهِمْ مِنْهُمْ الْكَرَامَةُ وَالْوِلَايَةُ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ وَأَعْدَاءُ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ (وَ) لِذَلِكَ (يَلْتَمِسُونَ الدُّعَاءَ) مِنْهُمْ فَضْلًا عَنْ الزَّجْرِ وَالْإِنْكَارِ بَلْ يُرِيدُونَ تَقَرُّبَهُمْ بِالْعَطَايَا وَالْهَدَايَا وَالزِّيَارَاتِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالْإِحْسَانِ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ وَقَدْ نُقِلَ أَيْضًا عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ وَنُوَّابِهِ إخْرَاجُهُمْ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَحْضُرَهُمْ وَيُعِينَهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَحِينَ اسْتَفْتَى مِنْ شَيْخِ الْأَخْلَافِ جوي زاده أَفْتَى أَنَّ الرَّقْصَ وَالدَّوَرَانَ حَرَامٌ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَحُرْمَتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ بِالِاتِّفَاقِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ الصَّالِحَ اسْتَدَلَّ عَلَى إبَاحَةِ الرَّقْصِ بِوُجُوهٍ اعْتِرَاضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] فَإِنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالرَّقْصُ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ أَقُولُ أَوَّلًا لَسْنَا مَأْمُورِينَ بِاتِّبَاعِ الْمُفَسِّرِينَ بَلْ مَأْمُورِينَ بِاتِّبَاعِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ عَرَفْت أَقْوَالَهُمْ وَثَانِيًا كُلُّ الْحَالِ لَوْ أُرِيدَ عَلَى إطْلَاقِهِ يَشْمَلُ حَالَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالْهَذَيَانَاتِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِكُفْرِهِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] الْآيَةَ فَإِنَّ دَوَرَانَ الصُّوفِيَّةِ وَرَقْصَهُمْ شَبِيهٌ بِالْمَلَائِكَةِ الْحَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ وَالْحُجَّاجِ الطَّائِفِينَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ أَقُولُ إنَّهُ قِيَاسُ شَاهِدٍ عَلَى غَائِبٍ، وَرَأْيٌ فِي مُقَابَلَةِ نَصٍّ قَطْعِيٍّ كَمَا عَرَفْت وَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالنُّصُوصِ سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْخَفِيِّ وَالْمُجْتَهَدِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُجْتَهِدِينَ وَأَنَّ مَدَارَ الْقِيَاسِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ يَصْلُحُ لِذَلِكَ بَلْ تَعَبُّدِيٌّ مَحْضٌ وَأَنَّ دَوَرَانَ الْمَلَائِكَةِ لَوْ سَلِمَ انْفِهَامُهُ مِنْ تِلْكَ الْآيَةِ وَدَوَرَانَ الْحُجَّاجِ خَارِجٌ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَ الْحُجَّاجِ عِبَادَةٌ مَخْصُوصَةٌ بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ عِبَادَةً فِي غَيْرِهِ. أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ طَافَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ يَنْوِي بِهِ الْكَعْبَةَ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرَ انْتَهَى وَأَنَا أَقُولُ لَوْلَا خَشْيَةُ تَفْصِيلِ الْبَاطِلِ بِلَا ضَرُورَةٍ لَحَكَيْت بَاقِيَ أَبَاطِيلِهِ مَعَ بَيَانِ وَجْهِ بُطْلَانِهِ (نَعَمْ) هَذَا دَفْعُ وَهْمٍ نَاشِئٍ مِمَّا سَبَقَ (الذِّكْرُ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جَنُوبِهِمْ جَائِزٌ إذَا كَانَ بِأَدَبٍ وَسُكُونِ أَعْضَاءٍ بِلَا لَحْنٍ وَلَا تَغَنٍّ) ، وَأَمَّا الْجَهْرُ بِالذِّكْرِ فَمَنَعَهُ بَعْضٌ وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ لَكِنَّ حَاصِلَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْجَوَازِ وَتَأْوِيلُ جَانِبِ الْمُخَالِفِ مِنْ الْأَثَرِ، وَأَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ وَحَاصِلُ رِسَالَةِ أَبِي السُّعُودِ هُوَ التَّجْوِيزُ وَالتَّفْضِيلُ مُطْلَقًا وَقَدْ بَسَطْنَا أَدِلَّةَ الطَّرَفَيْنِ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّرْجِيحِ فِي رِسَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِجَوَازِ الْجَهْرِ.
(وَأَمَّا تَحْرِيكُ الرَّأْسِ فَقَطْ يَمْنَةً وَيَسْرَةً تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَالظَّنُّ الْغَالِبُ جَوَازُهُ بَلْ اسْتِحْبَابُهُ إذَا كَانَ مَعَ النِّيَّةِ الْخَالِصَةِ الصَّالِحَةِ فَيَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْعَبَثِ وَاللَّعِبِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبَثَ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَالتَّحْقِيقُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ (فَيَكُونُ) ذَلِكَ التَّحْرِيكُ