الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمير شرقى الأندلس (542 - 568 هـ) كما تلقانا أم عمرو بنت عبد الملك بن زهر الطبيب وأخت أبى بكر وكانت تحذق الطب مثل أبيها وأخيها وكثيرين من أسرتها، وكانت الطبيبة لنساء الأمراء من بنى عبد المؤمن بإشبيلية وأطفالهم وجواريهم، وكانت تستفتى فى الطب لرجالهم فتزيد حظوة (1) عندهم، وتوفيت بعد سنة 580 وتعد بحق- جدّة الطبيبات العربيات المعاصرات. وكثيرات هن العابدات المتبتلات اللائى كن يعظن النساء هناك مثل ناسكة تسمى رشيدة كانت تتجول فى بلدان الأندلس مذكرة للنساء وواعظة. (2) ويذكرون عن محيى الدين بن عربى الصوفى المشهور أن من أهم من دفعوه إلى اعتناق التصوف زوجته مريم بنت محمد بن عبدون بما كان يسمعه من مواعظها ويشاهده من ورعها، وأهم منها فى دفعه إلى التصوف نونّة فاطمة بنت ابن المثنى القرطبية، وقد لزمها سنتين خادما ومريدا، مأخوذا بما كانت تذكره من تنبؤات غريبة. وسنلم فى موضع آخر بإقبال المرأة الأندلسية على التثقف بالشعر، مما هيأ لظهور شاعرات أندلسيات كثيرات.
2 - علوم الأوائل-الفلسفة-علم الجغرافيا
(أ) علوم الأوائل
لم يكن فى إسبانيا قبل فتح العرب لها شئ واضح من علوم الأوائل فى الرياضيات وغير الرياضيات، ويبدو أن العرب أخذوا يجلبون أطرافا منها منذ أواخر القرن الثانى الهجرى مما ترجم فى بغداد عن اليونانية وغيرها، إذ يقول ابن سعيد فى ترجمة الأمير عبد الرحمن الأوسط (206 - 238 هـ) إن أباه الحكم الربضى (180 - 206 هـ) عنى بتعليمه وتخريجه فى العلوم الحديثة والقديمة، حتى إذا استولى على صولجان الحكم بعد أبيه رأى أن يحدث فى الأندلس نهضة علمية بالتعرف الدقيق على علوم الأوائل مع رعاية الدولة لها، إذ يمضى ابن سعيد فى ترجمته قائلا إنه: وجّه عباس بن ناصح إلى العراق فى
(1) انظرها فى الذيل والتكملة للمراكشى 8/ 2/483 وراجع طبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة فى ترجمة أخيها الطيبب أبى بكر ابن زهر، وكانت ابنتها طبيبة مثلها.
(2)
انظر المراكشى 8/ 2/485.
التماس الكتب القديمة، فأتاه بكتاب السند هند وغيره منها، وهو أول من أدخلها الأندلس وعرّف أهلها بها، ونظر هو فيها» (1). وعبد الرحمن الأوسط-بذلك-لم يدخل الكتب الخاصة بعلوم الأوائل من مثل كتاب السند هند المترجم عن السنسكريتية الهندية والخاص بعلم الحساب والهيئة والجداول الفلكية فحسب، بل إنه دفع الأندلسيين إلى تعلمها والتثقف بها. وكان ذلك فاتحة عصر جديد فى الأندلس: عصر دراسة علوم الأوائل، وسرعان ما نجد أندلسيا فى زمنه يقبل على دراسة علم الفلك والهيئة ويصبح منجما له هو عبد الله بن الشّمر، وكان شاعرا فكان الأمير عبد الرحمن الأوسط يجرى عليه راتبا للشعر وراتب للتنجيم، وكان رئيس المنجمين لعهده، وله معه فى التنجيم أخبار طريفة (2).
وابن الشمر رمز لاهتمام الأندلسيين فى القرن الثالث الهجرى منذ فواتحه بالفلك والتنجيم وما يتصل بهما من الرياضيات، وأخذوا سريعا يهتمون بالكيمياء والفلسفة، واشتهر بذلك كله عباس (3) بن فرناس المتوفى سنة 274 للهجرة فى أوائل أيام الأمير المنذر بن محمد (273 - 275 هـ.)، وفيه يقول ابن سعيد:«كان فيلسوفا حاذقا وشاعرا مفلقا مع علم التنجيم، وهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة. . وكان كثير الاختراع والتوليد واسع الحيل حتى نسب إليه السحر وعمل الكيمياء» ويقول ابن حيان فى المقتبس: «أبدع عباس بن فرناس عندنا فى فنون التعاليم القديمة والحديثة وتفلسف وأغرب فى غير مذهب من الحكمة وخدمة الموسيقى وضرب العود وصوغ اللحون» . وبلغ من علمه بالفلك أن صنع فى بيته قبة على هيئة السماء تتراءى للناظر فيها النجوم والغيوم والبروق والرعود، ويقول ابن سعيد إنه احتال فى تطيير جثمانه، فكسا نفسه الريش على سرق (شقق) الحرير فتهيأ له أن طار فى الجو من ناحية الرصافة بقرطبة واستقل فى الهواء فحلّق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة.
وتأخذ علوم الأوائل وما يتصل بها من الفلسفة فى النمو منذ عصر الأمير محمد
(1) انظر المغرب (طبع دار المعارف) فى ترجمة الأمير عبد الرحمن الأوسط 1/ 45.
(2)
انظر فى ابن الشمر المغرب 1/ 124 والمقتبس (تحقيق د. مكى) ص 65، 477 وابن الفرضى رقم 689 والزبيدى ص 280 والبيان المغرب لابن عذارى 85 وما بعدها والقضاة للخشنى ص 83. والجذوة للحميدى رقم 505 وبغية الملتمس رقم 845.
(3)
راجع فى ابن فرناس المغرب 1/ 333 والمقتبس ص 279 والجذوة رقم 731 والبغية رقم 1247.
(238 - 273 هـ.)، ولم يبق حينئذ كتاب مهم فى علوم الأوائل ببغداد ودمشق والقاهرة والإسكندرية إلا جلب وأكبّ العلماء عليه يدرسونه. وطبيعى لذلك أن يظهر فى عهد المستنصر مسلمة (1) المجريطى المتوفى سنة 398 وهو يفتتح سلسلة الرياضيين الأندلسيين العظام، وسرعان ما يصبح أستاذ مدرسة رياضية أندلسية، ومن أعماله شرحه لقبة الفلك لبطليموس وقد ترجم إلى اللاتينية فى بازل بسويسرا سنة 1536 بعنوان:«سرعة أفلاك السماء ونجومها وطبيعتها وحركتها» وبالمثل ترجمت له إلى اللاتينية رسالة فى الأسطرلاب وزيج محمد بن موسى الخوارزمى أو جداوله الفلكية وقد حوّلها من التاريخ الفارسى إلى التاريخ العربى وزاد فيها جداول حسنة، وله ملخص لزيج البتّانى سماه تعديل الكواكب.
وخلفه فى الرياضيات كثير من التلاميذ مما يدل على أن أمر المنصور بن أبى عامر فى زمن حجابته باحراق كتب علوم الأوائل-كما مرّ بنا-كان حدثا عارضا، وظلّ لعلوم الأوائل رياضيات وغير رياضيات نشاطها فى بلدان الأندلس.
ومن أهم تلاميذ مسلمة الرياضيين أبو القاسم (2) أصبغ بن محمد بن السمح الغرناطى المتوفى سنة 425 وكان رياضيا بارعا فى الحساب والهندسة وهيئة الأفلاك وحركات النجوم وله «المدخل إلى الهندسة» فى تفسير كتاب إقليدس وكتب مختلفة فى الحساب، وكتابان فى الأسطرلاب أحدهما فى التعريف بصورة صنعته والآخر فى العمل به، وله أيضا زيج فلكى انتفع به وبكتاباته الفلكية ألفونس العاشر وعلماؤه. ومن تلاميذ مسلمة ابن الصفّار (3) أحمد بن عبد الله الغافقى، وله زيج جيد ورسالة فى العمل بالأسطرلاب، وكان يعلّم فى قرطبة علوم العدد والهندسة والنجوم، وهاجر منها-زمن الفتنة فى أوائل القرن الخامس الهجرى-إلى دانية لعهد صاحبها مجاهد العامرى وظل بها إلى وفاته سنة 424.
ومن تلاميذ مسلمة أيضا الكرمانى (4) عمرو بن عبد الرحمن المتوفى سنة 458 عن تسعين
(1) انظر فى مسلمة المجريطى طبقات الأمم لصاعد (طبع مطبعة السعادة بالقاهرة) ص 107 وابن أبى أصيبعة (نشر مكتبة الحياة ببيروت) ص 482 وتاريخ الفكر الأندلسى لبالنثيا (ترجمة د. حسين مؤنس نشر مكتبة النهضة) ص 448 والعلم عند العرب لألدومييلى (ترجمة د. عبد الحليم النجار) ص 351 وفى مواضع مختلفة (انظر الفهرس) وتاريخ الأدب العربى لبروكلمان 4/ 323.
(2)
راجع طبقات صاعد ص 107 وابن أبى أصيبعة ص 483 وبالنثيا ص 449 وألدومييلى ص 351.
(3)
انظر فى ابن الصفار طبقات صاعد ص 108 وابن أبى أصيبعة ص 484 وبالنثيا ص 450 وألدومييلى ص 351 وبروكلمان 4/ 227.
(4)
راجع فى الكرمانى طبقات صاعد ص 109 وابن أبى أصيبعة ص 484 وبالنثيا ص 455 وألدومييلى ص 351 وبروكلمان 4/ 228.
عاما وقد رحل إلى المشرق وجلب معه-لأول مرة-إلى الأندلس-رسائل إخوان الصفا، واستقر بسرقسطة عند بنى هود فى رعاية المقتدر بالله بن هود أميرها (438 - 474 هـ) وكان يشغف بالرياضيات والفلك والفلسفة، وخلفه ابنه يوسف المؤتمن إلى أن توفى سنة 478 وكان يكبّ على الرياضيات وله فيها كتاب المناظر، وله أيضا كتاب الاستهلال فى الفلك (1).
ولعل فى التلامذة السابقين لمسلمة المجريطى ما يدل من بعض الوجوه على أن أمراء الطوائف كانوا يأخذون أنفسهم بتشجيع العلماء، وكانت منافسة حميدة بينهم، ولا يلبث أن يظهر فى عصرهم علم الرياضيات الزّرقالى (2) القرطبى المتوفى سنة 472 وهو من أعاظم علماء الفلك العرب، وله زيج أو جداول فلكية وأسطرلاب واخترع له أجهزة دقيقة كالزرقالية والصفيحة. وابتكر فى الفلك نظرية جديدة مهمة عن الكواكب السيارة والحركات الدائرية للنجوم، واستخدم ألفونس العاشر وعلماؤه من مؤلفاته رسالة فى العمل بأسطرلاب الصفيحة، وكما ترجمت إلى الإسبانية القديمة أو القشتالية ترجمت إلى اللاتينية ومثلها كتابه «طريقة فى عمل أسطرلاب لرصد الكواكب السبعة وأفلاكها» .
وينتهى عصر أمراء الطوائف وتدخل الأندلس فى حوزة المرابطين منذ سنة 584 للهجرة ويكون للفقهاء سلطان كبير فى عهدهم ولكنه لا يعوق نشاط الرياضيين والفلكيين وغيرهم من أصحاب علوم الأوائل والفلسفة، ويظل المرابطون فى الأندلس حتى أواخر العقد الرابع من القرن السادس الهجرى ويلمع فى عصرهم اسم جابر (3) بن أفلح الإشبيلى وله كتاب فى حساب المثلثات، عرضها فيه بطريقة مبتكرة، وأهم منه كتابه فى علم النجوم الذى سماه إصلاح المجسطى، وفيه عرض ملاحظات دقيقة عن منازل الشمس وحركات الكواكب، وهو أحد الكتب التى تعد بالعشرات مما ترجمه إلى اللاتينية جيرار دى كريمونا المتوفى بطليطلة سنة 583 هـ/1187 م. وتخلف دولة الموحدين دولة المرابطين فى الأندلس منذ العقد الخامس فى القرن السادس الهجرى، ويتألق فى عهدهم بالنصف الثانى من القرن اسم عالم رياضى إشبيلى عربى يعدّ فى طليعة الرياضيين
(1) تاريخ ابن خلدون 4/ 163 وبالنثيا ص 455. وعاش فى بلاط بنى هود من تلامذة مسلمة المجريطى ابن البغونش انظر فيه طبقات صاعد ص 127 وابن أبى أصيبعة ص 495 وبالنثيا ص 453.
(2)
انظر الزرقالى فى طبقات صاعد ص 117 وبالنثيا ص 451 وألدومييلى ص 359 (انظر الفهرس).
(3)
انظر فى جابر بالنثيا ص 456 وألدومييلى ص 383.
العالميين، ونقصد البطروجى (1) أبا إسحق نور الدين (من أهل النصف الأول من القرن الثانى عشر الميلادى) وأصله من بطروج قرية كبيرة بقرب قرطبة، وترجع شهرته وأهميته إلى كتابه الفلكى فى علم الهيئة، إذ قوّض فيه نظرية بطليموس فى كتابه المجسطى عن الكواكب السيارة قائلا إنها تتحرك فى مدارات إهليليجية أو بيضاوية حول الشمس، وترجم هذا الكتاب الفلكى سريعا إلى اللاتينية ميشيل سكوت حين نزل طليطلة واطّلع عليه حوالى سنة 614 هـ/1217 م وبذلك أدخل نظرية البطروجى الفلكية مبكرا إلى العالم الغربى وترجمها إلى العبرية موسى بن طبّون سنة 657 هـ/1259 م ونقلها عن العبرية إلى اللاتينية قالينيموس بن داود سنة 935 هـ/1529 ونشرت ترجمته فى البندقية سنة 937 هـ/1531 م. وبدون ريب اطلع كبلر (2) الألمانى (1571 - 1630 م) على تلك النظرية الفلكية وصاغ منها نظريته الفلكية التى استخرج منها نيوتن قانون الجاذبية، وبذلك عدّ كبلر أبا لعلم الفلك الحديث، وهو ليس أباه الشرعى، فأبوه الشرعى الحقيقى هو البطروجى الإشبيلى العربى. وتوقف هذا النشاط فى الدراسات الفلكية بإشبيلية منذ سقطت فى يد فرناند ملك القشتاليين سنة 646 هـ/1248 م.
ولم تسقط إشبيلية وحدها فى أيدى المسيحيين الشماليين من الإسبان بل سقطت قرطبة وغيرها من مدن كثيرة فى الأندلس، وأخذ النشاط فى علوم الأوائل ينحسر عن أكثر تلك المدن وينحاز إلى إمارة غرناطة التى ظلت للعرب فى الجنوب نحو قرنين ونصف وقد هاجر إليها من مدينة مرسية الرّقوطى (3) محمد بن أحمد وتوفى بها سنة 744 هـ/1344 م وكان قد اشتهر بحذقه بالرياضيات فى مسقط رأسه وتوافد عليه الطلاب من كل ملة، وسمع به أمير غرناطة محمد بن يوسف بن الأحمر المعروف باسم الأمير محمد الفقيه فاستدعاه لتدريس الرياضيات للطلاب فى حاضرته، ولبّاه سريعا، ويختتم الرياضيين الأندلسيين فى نهاية القرن التاسع الهجرى القلصادى (4) على بن محمد القرشى وقد بارح غرناطة قبيل سقوطها إلى بلاد المغرب وتوفى ببجاية سنة 891 هـ/1486 م وظلت كتبه تتدارس فى المغرب طويلا وخاصة كتابه كشف الجلباب عن علم الحساب.
(1) راجع فى البطروجى ابن أبى أصيبعة ص 482 وبالنثيا ص 456 وألدومييلى ص 383 وما بعدها.
(2)
راجع بالنثيا ص 535.
(3)
انظر فى الرقوطى بالنثيا ص 457 والإحاطة 3/ 67 وما بعدها.
(4)
راجع فى القلصادى ترجمة واسعة فى نفح الطبيب 2/ 692 وانظر الضوء اللامع للسخاوى 5/ 14 وبالنثيا ص 457 وما بعدها وألدومييلى ص 412. ومقدمة رحلته المطبوعة بتونس بتحقيق الأستاذ محمد أبو الأجفان.
وازدهر الطب فى الأندلس-مثل علوم الرياضة والفلك-ويقول ابن جلجل إنه لم يكن للنصارى الإسبان بصر بالطب ولا بالهندسة والفلسفة حتى عهد عبد الرحمن الأوسط (1)(206 - 238) ويمكن أن نعمم ذلك فى الأندلسيين بعامة، كما مرّ بنا آنفا، فإنهم انتظروا فى ذلك كله حتى جلب لهم هذا الأمير علوم الأوائل من بغداد والمشرق. وكان أول من اشتهر ببراعته فى الطب لعهد ابنه الأمير محمد (238 - 273 هـ) طبيب يسمى حمدين (2) بن أبان وكان-كما يقول ابن جلجل-طبيبا حاذقا، ووفد على قرطبة حينئذ طبيب من المشرق يسمى الحرانى (3) اشتهر بدواء لأوجاع الجوف سماه المغيث، ويذكر ابن جلجل فى عهد الأمير عبد الله بن محمد (275 - 300 هـ) طبيبا يسمى إسحق وآخر يسمى ابن ملوكة (4). ثم أخذ علم الطب فى الازدهار لعهد عبد الرحمن الناصر (300 - 350 هـ) إذ كثر دخول الكتب الطبية من المشرق إلى الأندلس، ومن الأطباء الذين اشتهروا فى صدر دولته يحيى (5) بن إسحق الطبيب السالف، وكان يعالج بنات الناصر وجواريه، وله فى الطب كتاب فى خمسة أسفار. ومن أطباء العيون حينئذ سليمان (6) بن باج، وكان يعاصره سعيد (7) بن عبد الرحمن ابن أخى عبد ربه صاحب كتاب العقد الفريد، توفى سنة 342 وكان حاذقا فى علاج الحميات، وله كتاب فى الصيدلة. ومن الأطباء لعصر المستنصر (350 - 366 هـ) أحمد (8) بن يونس وأخوه عمر وكانا قد رحلا إلى المشرق سنة 340 وتتلمذا لثابت بن سنان بن قرة الطبيب المشهور ببغداد وقرآ عليه كتاب جالينوس، واختلفا إلى ابن وصيف الحرانى وأخذا عنه علاج أمراض العيون، وعادا إلى قرطبة سنة 351 فاستخلصهما المستنصر لنفسه، وتوفى عمر، وظل المستنصر حفيا بأحمد وأسكنه قصره بمدينة الزهراء وكان ماهرا فى علاج أمراض
(1) طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل ص 92.
(2)
انظر فيه ابن جلجل ص 93 وبالنثيا ص 461.
(3)
انظر فى الحرانى ابن جلجل ص 94 وابن أبى أصيبعة ص 486.
(4)
راجع فى ابن ملوكة وإسحق ابن جلجل ص 97 وابن أبى أصيبعة ص 486 ويقول ابن جلجل كان على باب دار ابن ملوكة ثلاثين كرسيا لقعود الناس.
(5)
انظر فى يحيى بن اسحق ابن جلجل ص 100 وابن أبى أصيبعة ص 488.
(6)
راجع فى ابن باج ابن جلجل ص 102 وابن أبى أصيبعة ص 489
(7)
انظر فى سعيد ابن جلجل ص 104 وابن أبى أصيبعة ص 489 والمغرب لابن سعيد 1/ 120 والتكملة لابن الأبار رقم 1195 وبالنثيا ص 462.
(8)
راجع فى أحمد وأخيه عمر ابن جلجل ص 112 وابن أبى أصيبعة ص 487 وبالنثيا ص 464
العيون كما كان صيدلانيا حاذقا، وكان يعاصره محمد (1) بن عبدون الجبلى وكان قد رحل إلى المشرق سنة 347 وأقام بالفسطاط ودبّر مارستانها وعاد إلى قرطبة سنة 360 وخدم المستنصر وابنه المؤيد (366 - 399 هـ). وحاجبه المنصور بن أبى عامر.
وتتوّج النهضة الطبية حينئذ بالزهراوى (2) أبى القاسم خلف بن عباس، وهو منسوب إلى الزهراء مدينة الناصر التى بناها غربى قرطبة، وقد خدمه-فيما يبدو-وخدم ابنه المستنصر وحفيده المؤيد وتوفى سنة 404 هـ/1013 م وقد ألف موسوعة طبية كبيرة فى ثلاثين جزءا، بعنوان كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، وجعلها أقساما ثلاثة: قسما فى الطب العام والأمراض وقسما فى الصيدلة وقسما فى الجراحة، وعنى جيراردى الكربمونى فى القرن الثانى عشر بترجمة قسم الجراحة من الكتاب إلى اللاتينية وترجم أجزاء أخرى منه. وعكف آخرون بعده على ترجمة بعض أجزائه. وتمت ترجمة قسم الصيدلة إلى اللاتينية سنة 1228. وأخذت هذه الترجمات تنتشر فى البلدان الغربية، حتى إذا ظهرت المطبعة فى القرن الخامس عشر اتسع انتشار الكتاب فى الغرب، وظل يدرس فى الجامعات الأوربية من القرن الثانى عشر إلى القرن السابع عشر وخاصة قسم الجراحة منه، إذ ظل الجراحون الأوربيون يعدّون الزهراوى إمامهم فى الجراحة سواء فى جراحة العظام أو فى جراحة الحصاة فى المثانة والمهبل والشق عنها وتفتيتها وعمليات الفتق والدوالى وأمراض النساء والعيون وطب الأسنان وزرعها. وضمّن هذا القسم تصوير آلات الجراحة، وهى تتوالى عنده بالعشرات مع بيان كيفية استعمالها، وهو بكل ذلك يعد أبا للجراحة العالمية، كما يعد البطروجى السالف الذكر أبا لعلم الفلك العالمى.
ويظل علم الطب فى الأندلس مزدهرا فى عصر أمراء الطوائف وكذلك فى عصر المرابطين والموحدين، ويتوارث فى بعض البيوت مثل بيت بنى زهر بإشبيلية، وقد أنجب سلسلة من الأطباء المشهورين فى القرنين الخامس والسادس للهجرة يتقدمهم عبد الملك (3) جدهم وكان ماهرا فى صناعة الطب، وطارت شهرته بها فى عصر أمراء
(1) انظر فى ابن عبدون ابن جلجل ص 115 وابن أبى أصيبعة ص 492.
(2)
راجع فى الزهراوى الصلة لابن بشكوال 368 وابن أبى أصيبعة ص 501 وتاريخ الأدب العربى لبروكلمان 4/ 300 وما بعدها وبالنثيا ص 465 وألدومييلى ص 353، 355.
(3)
انظره فى طبقات الأمم لصاعد ص 129 والتكملة رقم 1691 وابن أبى أصيبعة ص 517 والذيل والتكملة للمراكشى تحقيق د. إحسان عباس 5/ 1/37.
الطوائف إلى أن توفى سنة 467 للهجرة، وعنه تلقن الطب ابنه أبو العلاء (1) طبيب المعتمد بن عباد ثم يوسف بن تاشفين أمير المرابطين وابنه على إلى أن توفى سنة 525 للهجرة، وله فى الطب تصانيف متعددة، ذكرها ابن أبى أصيبعة، وقال إن أمير المرابطين على بن يوسف بن تاشفين أمر بجمعها ونسخها فى السنة التالية لوفاته، ومن أهمها كتاب التذكرة (ويسمى أحيانا باسم كتاب النكت) وقد نشره جبرييل كولان بالعربية والفرنسية فى باريس سنة 1911 وعليه تتلمذ ابنه عبد الملك (2) طبيب المرابطين ثم الموحدين إلى أن توفى سنة 557 للهجرة ولم يكن بزمانه من يماثله فى صناعة الطب واشتغل الأطباء بمصنفاته وقد بقى منها ثلاثة إلى اليوم، هى: كتاب الاقتصاد فى إصلاح الأنفس والأجساد وهو فى الطب الباطنى، وكتاب الأغذية والأدوية وهو فى الصيدلة والأدوية المفردة، وكتاب التيسير، وقد كتبه تلبية لطلب من ابن رشد، وهو فى الطب العملى، وترجم إلى اللاتينية، وطبعت الترجمة فى البندقية سنة 1490 للميلاد، ويقول ألدومييلى:«يعد عبد الملك بن زهر أعظم طبيب عربى عملى (كلينيكى) بعد الرازى» .
وأخذ عنه صناعة الطب ابنه أبو بكر بن زهر الوشاح والشاعر المشهور، الذى انفرد بالإمامة فى الطب لزمنه إلى أن توفى سنة 595 ومرّ بنا فى غير هذا الموضع أن أخته -الملقبة باسم أم عمرو-كانت طبيبة ماهرة، وكانت تعالج نساء الموحدين. واتصل الاهتمام بصناعة الطب فى هذا البيت، فكان عبد الله (3) بن أبى بكر بن زهر طبيبا حاذقا وخدم الناصر الموحدى (595 - 610 هـ) إلى أن توفّى سنة 602 وورث صناعة الطب عنه ابنه أبو العلاء. واشتهر لأبى الوليد بن رشد فيلسوف الأندلس المتوفى سنة 595 كتاب الكليات فى الطب، ويعرض فيه التشريح ووظائف الأعضاء، كما يعرض الأمراض وأعراضها والأدوية والأغذية والعلاج وحفظ الصحة، وقد ترجم إلى اللاتينية فى منتصف القرن الثالث عشر وطبعت الترجمة سنة 1482 وتكررت بعد ذلك طبعاته مع كتب أبى العلاء زهر، وتلقّن صناعة الطب عن ابن رشد ابنه أبو محمد (4) عبد الله وخدم بها الناصر
(1) راجع أبا العلاء فى التكملة رقم 255 وابن أبى أصيبعة ص 517 والمطرب لابن دحية (طبع القاهرة) ص 203 وفيه أنه تطبب زمانا طويلا بالمشرق وتولى رياسة الطب ببغداد ثم بمصر ثم بالقيروان وعاد إلى الأندلس وبذّ بها أهل زمانه.
(2)
انظر فى عبد الملك بن أبى العلاء بن زهر ابن أبى أصيبعة ص 519 والتكملة لابن الأبار (طبعة كوديرا بمدريد) رقم 1717 وبالنثيا ص 471 وألدومييلى ص 397 وما بعدها وكتاب كولان عن حياته ومؤلفاته.
(3)
راجع ابن أبى أصيبعة فى ترجمة أبيه ص 529.
(4)
انظر أيضا ابن أبى أصيبعة بعد ترجمة أبيه ص 533.
الموحدى. وتظل عناية الأندلسيين بالطب متصلة زمن بنى الأحمر بغرناطة، ويؤلف ابن خاتمة المتوفى سنة 770 رسالة فى وصف وباء الطاعون الذى اجتاح مدينة المرية سنتى 749، 750 يصف فيها العدوى وأسبابها ومرض الطاعون وصفا طبيا. ويؤلف معاصره لسان الدين بن الخطيب فى الطب كتابا فى جزءين عن الأمراض والحميات والجراحة.
وكان طبيعيا أن ينشط علم الأدوية أو الصيدلة مع علم الطب إذ هما صنوان، غير أن نشاطه يتسع منذ ترجمة كتاب ديوسقوريدس فى الحشائش والأدوية لعهد عبد الرحمن الناصر، على نحو ما مرّ بنا، وكان له تأثير بعيد فى نهضة علم الصيدلة والأدوية بالأندلس. ومر بنا ذكر أحمد بن يونس طبيب العيون لعهد المستنصر، وكان حاذقا فى صناعة الأدوية والأشربة، ويقول ابن جلجل فى ترجمته إنه تولى خزانة الطب فى قصر المستنصر، ورتّب لها اثنى عشر صبيّا صقالية طبّاخين للأشربة صانعين للمعجونات. ونلتقى فى عصر المؤيد وحاجبه المنصور بن أبى عامر بصيدلى يسمى عبد الرحمن بن إسحق بن الهيثم، إذ ذكر له ابن أبى أصيبعة (1) كتابا يسمى كتاب الكمال والتمام فى الأدوية المسهلة والمقيّئة. وأعظم صيادلة القرن الرابع أبو داود سليمان بن حسان المعروف باسم ابن جلجل (2) مؤلف طبقات الأطباء والحكماء الذى يتردد ذكره فى الهوامش، وأهم كتبه تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديوسقوريدس، وقد فسرها فى الكتاب وأفصح عن مضمونها، وله مقالة فى ذكر أدوية لم يذكرها ديوسقوريدس فى كتابه مما يستعمل فى صناعة الطب، ومقالة ثانية فى أدوية الترياق. وكان يعاصره حامد بن (3) سمجون وله كتاب فى الأدوية المفردة والعقاقير حظى بغير قليل من الشهرة. واطرد نشاط الصيادلة فى عصر أمراء الطوائف، وأهم صيدلى فى عصرهم ابن (4) وافد عبد الرحمن بن محمد المتوفى سنة 466 للهجرة، وفيه يقول صاعد: «تمهّر فى علم الأدوية المفردة حتى ضبط منها ما لم يضبطه أحد فى عصره، وألف فيها كتابا جليلا لا نظير له، جمع فيه ما تضمنه كتاب ديوسقوريدس وكتاب جالينوس المؤلفان فى الأدوية المفردة ورتّبه أحسن ترتيب، وله
(1) راجع ابن أبى أصيبعة ص 493.
(2)
انظر فى ابن جلجل طبقات الأمم لصاعد وابن أبى أصيبعة ص 493 وجذوة المقتبس للحميدى (طبع القاهرة) ص 208 وبغية الملتمس للضبى (طبع مدريد) ص 285 وبالنثيا ص 465 وألدومييلى ص 354.
(3)
انظر فى ابن سمجون ابن أبى أصيبعة ص 500 وبالنثيا ص 467
(4)
راجع فى ابن وافد طبقات الأمم لصاعد ص 128 وابن أبى أصيبعة ص 496 وبالنثيا ص 467.
نوادر محفوظة فى الإبراء من العلل الصعبة بأيسر العلاج وأقربه. وقد استوطن طليطلة، ووزر فيها-حتى وفاته-لأميرها المأمون بن ذى النون. وتسند كتب الصيدلة حينئذ كتب ألّفت فى الفلاحة والنباتات والأشجار، من أهمها كتاب المقنع فى الفلاحة لابن (1) حجاج الإشبيلى المؤلف سنة 467 وقد نشره مجمع اللغة العربية الأردنى. وهو يفيض فى بيان الزراعة والغراسة لمختلف البقول والفواكه والثمار وخاصة الزيتون مع بيان معالجة الافات والامراض، وعلى شاكلة هذا الكتاب فى الفلاحة كتاب لأبى عبيد البكرى الجغرافى المتوفى سنة 487 وهو فى نباتات الأندلس وأشجارها، وكتاب لابن بصال المتوفى سنة 499 بعنوان:«القصد والبيان» .
ونمضى إلى القرن السادس الهجرى، ونلتقى فيه بصيدلى كبير هو أحمد (2) بن محمد الغافقى المتوفى سنة 559 للهجرة صاحب كتاب الأدوية المفردة فى العقاقير والأعشاب، وسقط الكتاب من يد الزمن، غير أن ابن البيطار احتفظ فى كتبه بنحو مائتى نقل عنه، وأيضا فإن ابن العبرى المتوفى سنة 684 كان قد وضع له مختصرا ونشره جورج صبحى وماكس مايرهوف بالقاهرة. ونلتقى بعده بابن (3) العوام أبى زكريا يحيى بن محمد صاحب كتاب الفلاحة المنشور بمدريد، وهو موسوعة تاريخية نفيسة فى علم النبات، وقد عدّد منه 585 نوعا منها أكثر من خمسين من الأشجار المثمرة. وممن تعمقوا فى دراسة النباتات فى الكتب الإغريقية والعربية أحمد بن محمد بن مفرج المعروف بلقبه ابن الرومية (4) الإشبيلى المتوفى سنة 637 وقد نزل مصر فى طريقه إلى الحج سنة 613 وتجوّل فى الشام والعراق وعاد إلى موطنه، وله تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديوسقوريدس، ومقالة فى تركيب الأدوية، وأعظم ما أهداه إلى الصيدلة تلميذه ابن البيطار (5) أهم صيادلة العرب أندلسيين وغير أندلسيين، وهو ضياء الدين عبد الله بن أحمد، وقد تجول فى نواحى المغرب والشام وآسيا الصغرى وبلاد اليونان والروم، واستقر بالقاهرة وجعله السلطان الكامل
(1) انظر ابن حجاج فى المغرب 1/ 256 وبالنثيا ص 468 ومقدمة كتابه المقنع فى الفلاحة.
(2)
راجع فى الغافقى ابن أبى أصيبعة ص 500 وبالنثيا ص 472 وألدومييلى ص 401.
(3)
راجع فى ابن العوام بالنثيا ص 475 وألدومييلى ص 401 وأعمال مؤتمر المستشرقين فى استوكهلم (1889 م) 2/ 215 - 257 ودائرة المعارف الإسلامية.
(4)
انظر فى ابن الرومية بقية التكملة لابن الأبار طبع الجزائر رقم 304 وابن أبى أصيبعة ص 538 وبالنثيا ص 478 وألدومييلى ص 414.
(5)
راجع فى ابن البيطار ابن أبى أصيبعة ص 601 وفوات الوفيات لابن شاكر (تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد) 1/ 434 وبالنثيا ص 478 وألدومييلى ص 414.