الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشهورة عارض بها موشحة ابن سهل المارة مفتتحا لها بقوله (1):
جادك الغيث إذا الغيث همى
…
يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما
…
فى الكرى أو خلسة المختلس
وكأنها كانت مسك الختام لفن الموشحات بالأندلس. وحرى بنا أن نفى بما وعدنا من كلمات مجملة عن ثلاثة من كبار الوشاحين بالأندلس، هم
ابن عبادة القزاز
وابن بقى وابن زهر.
ابن عبادة (2) القزّاز
هو أبو عبد الله محمد بن عبادة المعروف بابن القزاز، ترجم له ابن سعيد فى المغرب وقال إنه من حصن بلّور من إقليم غرناطة وظنّه ابن خاتمة من أهل مالقة، واشتهر بأنه شاعر المعتصم بن صمادح أمير المرية، وله فيه مدائح شعرية وموشحات، وفيه يقول:
ولو لم أكن عبدا لآل صمادح
…
وفى أرضهم أصلى وعيشى ومولدى
لما كان لى إلاّ إليهم ترحّل
…
وفى ظلّهم أمسى وأضحى وأغتدى
وكان يلم بالمعتمد بن عباد وله أيضا فيه موشحات ومدائح، ويصفه ابن بسام بقوله عنه:«من مشاهير الأدباء الشعراء وأكثر ما ذكر اسمه وحفظ نظمه فى أوزان الموشحات التى كثر استعمالها عند أهل الأندلس وهو ممن نسج على منوال ذلك الطراز، ورقم ديباجه، ورصّع تاجه، وكلامه نازل فى المديح، أما ألفاظه فى التوشيح فشاهدة له بالتبريز والشفوف» . وربما قسا ابن بسام عليه فى حكمه على مديحه لروعة موشحاته روعة فاق بها كل أقرانه فى زمنه حتى قالوا إنه لم يشق غباره واحد من معاصريه، وهو أحد خمسة أدار عليهم ابن سناء الملك حديثه واختياراته من الموشحات فى كتابه: دار الطراز، هو ومعاصره ابن اللبانة ثم التطيلى ويحيى بن بقى من عصر المرابطين وأبو بكر بن زهر من عصر الموحدين، ومن أروع موشحاته موشح غزلى يتكون قفله من ستة أجزاء بينما يتكون غصنه من أربعة أجزاء، ونكتفى منه بغصن بهر أبا بكر بن زهر، حتى أثر عنه أنه
(1) أزهار الرياض (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) 2/ 213 وهمى: سقط مدرارا.
(2)
انظر فى ابن عبادة القزاز القلائد للفتح بن خاقان: 14 والمغرب 2/ 134 وأزهار الرياض 2/ 252 والذخيرة 1/ 801 وما بعدها والخريدة (طبعة تونس) 2/ 182 ودار الطراز لابن سناء الملك: الموشحات أرقام 9، 15، 18، 21، 23
قال: كل الوشاحين عيال على عبادة القزاز فيما اتفق له من قوله:
بدرتمّ شمس ضحى غصن نقا مسك شمّ
…
ما أتمّ ما أوضحا ما أورقا ما أنمّ
لا جرم من لمحا قد عشقا قد حرم
والألفاظ رشيقة رشاقة لا تحدّ، رشاقة كأنما تطير بها فى خفة فتحدث عبقا، وهو عبق مصدره الدقة فى انتخاب الألفاظ وانتخاب الوزن، إذ هى مشتقة من بحر البسيط الرقيق العذب، إذ تتوالى الأجزاء فى كل سطر على: فاعلن، مستعلن مستعلن فاعلن. وليس هذا بالضبط عروض البسيط فعروض الأجزاء الأربعة المتوالية فيه مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن، وقدم القزاز فى الجزءين الأولين فاعلن على مستفعلن. وبمثل ذلك وبما قدمنا من تكوين الوشاح لعروض بعض موشحاته من تفعيلتين إحداهما من بحر والثانية من بحر آخر على نحو ما مرّ بنا فى قفل موشحتين للتطيلى وابن اللبانة قال ابن بسام إن أكثرها يجرى على الأعاريض المهملة غير المستعملة فظن «ريبيرا» ومن تبعه خطأ بأنه يقصد أعاريض أعجمية لا يعرفها العرب، وهو إنما كان يقصد الأعاريض المهملة غير المستعملة عند العرب التى نص عليها الخليل بن أحمد، بما وضع فى دوائر العروض الخمس من تفاعيل أدارها فيها مقدّما ومؤخرا فى أسبابها وأوتادها ومستخدما إشارات من النقط والحركات تصور ما يحدث فى التفعيلات من زحافات بحيث تجمع الأعاريض أو الأوزان العروضية عند العرب وما يمكن عقلا أن يستخدم من أوزان جديدة أهملها العرب ولم يودعوا فيها من أشعارهم شيئا. وكانت هذه الدوائر وما يداخلها من أعاريض مهملة وكيفية استحداث تلك الأعاريض معروفة للأندلسيين منذ بدأوا فى نظم الموشحات بدليل أن ابن عبد ربه المعاصر للقبرى الوشاح الأول أثبتها مفصلة فى كتابه العقد الفريد. ولابن عبادة بجانب الموشحة التى أنشدناها والتى أعجب ابن زهر بأحد أغصانها إعجابا شديدا أربع موشحات إحداها غزلية، والثانية فى وصف عرض لأسطول المعتصم فى البحر المتوسط يوم المهرجان، وفيها نفس العذوبة والرشاقة التى رأيناها فى الموشحة السابقة كقوله يصف سفن الأسطول فى أحد الأغصان:
وجاريات تجول
…
مثل الجياد السابقه
إنشاء من فى المحول
…
ينشى السحاب الوادقه (1)
(1) المحول: الجدب. الوادقة: الممطرة. وهو يشيد بجود المعتصم وقد أشاد طويلا ببسالته الحربية.