الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجيان وظلت الجزر الشرقية مع بنى غانية حتى سنة 580 إذ صارت لدولة الموحدين.
(ج) الموحدون
(1)
أنشأ هذه الدولة ابن تومرت، وهو مصلح دينى مغربى زار المشرق وتتلمذ على أساتذته من الأشعرية وغيرهم، وعاد إلى المغرب فنظم فيه ثورة واسعة ضد المرابطين وفقهائهم المالكية الذين كانوا يهتمون فى دراسة الفقه بالفروع دون الأصول، وتبعه خلق كثيرون وجعلهم طبقات: الطبقة الأولى سماها الجماعة، وسمى الطبقة الثانية باسم الموحدين وألف منهم جيشا ضخما واقع به المرابطين سنة 524. وتوفى سريعا فخلفه عبد المؤمن بن على حتى وفاته سنة 558 للهجرة، وهو يعد المؤسس الحقيقى للدولة، إذ استطاع القضاء نهائيا على دولة المرابطين، وتبعه المغرب من طرابلس إلى المحيط، وتمّ له ملك أكثر الأندلس منذ سنة 540. وكان ابن الرّنك صاحب قلمرية شمالى نهر تاجه بالقرب من المحيط قد استولى على أشبونة وشنترين وقصر أبى دانس، وهو يعد أول ملوك البرتغال بينما استولى ابن مردنيش على شرقى الأندلس وولى صهره إبراهيم بن همشك على جيان، فنازلهما الموحدون وقضوا عليهما فى الستينيات، وكان النصارى قد استولوا على المرية من يد ابن الرميمى فاستعادوها. وتوفى عبد المؤمن فخلفه ابنه يوسف، وكان مثقفا ثقافة واسعة أتيحت له فى أثناء ولايته لأبيه على الأندلس واتخاذه إشبيلية عاصمة له، وكان مثل أبيه وإمامه ابن تومرت ثائرا على كتب المذاهب الفقهية وما بها من كثرة الفروع والعلل والأقيسة ومعتنقا لمذهب أهل الظاهر، وعبر إلى الأندلس فى سنة 566 لجهاد النصارى، وأعاد عليهم الكرة فى سنة 580 وهى سنة وفاته وخلفه ابنه يعقوب، وكان متعصبا للمذهب الظاهرى تعصبا شديدا، وفى السنة الثانية من حكمه توفى ابن الرنك ملك البرتغال واستولى ابنه شانجه على مدينة شلب، واستردها يعقوب فى السنة التالية ومعها قصر أبى دانس فى الجنوب الشرقى لأشبونة. وعبر إلى الأندلس سنة 591 فى جيش
(1) انظر فى الموحدين بالأندلس الجزء الثانى والثالث من البيان المغرب (طبع باريس) ونفح الطيب وتاريخ ابن خلدون 4/ 165 والمعجب للمراكشى (طبع القاهرة) وكتاب المن بالإمامة على المستضعفين بأن جعلهم الله أئمة وجعلهم الوارثين لابن صاحب الصلاة وتاريخ الدولتين الموحدية والحفصية للزركشى (طبع تونس) والجزءين الثانى والثالث من الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للناصرى وأعمال الأعلام لابن الخطيب (طبع بيروت والمغرب) وعصر المرابطين والموحدين لمحمد عبد الله عنان والتاريخ الأندلسى لعبد الرحمن الحجى ومعالم تاريخ المغرب والأندلس لحسين مؤنس والإسلام فى المغرب والأندلس لبروقنسال بمراجعة د. لطفى عبد البديع.
جرار، وعلم به ألفونس الثامن ملك قشتالة فجمع له جموعا كثيرة تزيد على مائتى ألف راجل وخمسة وعشرين ألف فارس، والتقيا عند حصن الأرك فى وسط الطريق بين قرطبة وطليطلة، ومنى ألفونس وجيشه بهزيمة ما حقة وتنادوا الفرار الفرار، وفر ألفونس ناجيا بنفسه. وعاد يعقوب إلى إشبيلية مبتهجا بكثرة الأسلاب والغنائم، وأصلح مسجدها وبنى مئذنته التى عرفت باسم الخير الدا، وكان حريّا أن يتبع ألفونس إلى طليطلة ويستولى عليها حتى يفيد الفائدة المرجوة من هذا النصر العظيم، غير أنه اكتفى بعقد معاهدة بينه وبين ألفونس بعدم الاعتداء لمدة عشر سنوات. وتوفى سنة 595 وخلفه ابنه الناصر وكان ضعيفا وشغلته ثورات مختلفة فى المغرب كما شغله استيلاؤه على جزائر البليار من يد بنى غانية، بينما كان ألفونس يعد العدة لمعركة فاصلة بينه وبين الموحدين وأعان ملوك النصارى فى الشمال والبابا والأساقفة فى جنوبى فرنسا واعدين مساعديه بالغفران وجاءه عبّاد الصليب من كل فجّ، والتقى سنة 609 بالناصر وجيش الموحدين فى حصن العقاب إلى الجنوب الشرقى من حصن الأرك، وهزم الناصر وجيشه هزيمة مرة، ولم تدر السنة حتى توفى وخلفه ابنه المستنصر حتى سنة 620 وأخوه المأمون حتى سنة 629 وفى أيامه أعلن استقلاله ابن أبى حفص واليه على تونس، وولى بعده ابنه الرشيد حتى سنة 640 وفى عهده استقل بنو زيان بتلمسان (المغرب الأوسط) وخلفه ابنه السعيد وفى أيامه عظم شأن بنى مرين فى المغرب الأقصى واستولوا على فاس ومكناس وأيضا على وسلا والرباط على شاطئ المحيط ودخلوا مراكش سنة 664 وبذلك انتهى عهد الموحدين.
ومنذ زمن المأمون الموحدى أخذ بعض الثائرين فى الأندلس يعلنون استقلالهم، وفى مقدمتهم ابن هود الملقب بالمتوكل الثائر بمرسيه سنة 625 وملك قرطبة وإشبيلية وغرناطة فضلا عن مالقة والمرية، ولقيه النصارى فى ماردة شرقى بطليوس سنة 626 فهزموه وأخذوها، واستولى صاحب برشلونة على جزائر البليار سنة 627، ولم يلبث ملك قشتالة أن استولى على قرطبة جوهرة الأندلس الكبرى سنة 633 وقتل ابن هود وزيره ابن الرميمى غيلة فى المرية، وثار زيان بن يوسف بن مردنيش ببلنسية سنة 626 وأخذها منه ملك أراجون سنة 635 وسقطت جزيرة شقر سنة 639 ودانية سنة 641 وشاطبة سنة 644 واستولى فرناند الثالث ملك قشتالة على إشبيلية عروس الأندلس سنة 646.
وآلت مرسية لعم المتوكل بن هود بفريضة للنصارى وخدمة، وثار عليه عزيز بن خطاب سنة 635 وهزم فى وقعة مع النصارى فاستدعى أهل مرسية زيان بن يوسف بن مردنيش فدخلها وقتله سنة 636 وعاد أهل مرسية فثاروا على ابن مردنيش وأخرجوه من بلدتهم،
فعادت لبنى هود، وما زال فرناند الثالث ملك قشتالة يغاورها ويحاصرها حتى استولى عليها سنة 664 للهجرة.
(د) بنو الأحمر (1) فى غرناطة
تنتمى هذه الأسرة إلى حفيد الصحابى الجليل سعد بن عبادة سيد الخزرج لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الأحمر والملقب بلقب الغالب بالله، وكان فارسا مقداما، رأس فى قريته أرجونة شمالى جيّان واستولى على جيّان سنة 629 من ابن هود ثم على بسطة ووادى آش شمالى غرناطة، ثم على غرناطة نفسها سنة 635 واتخذها عاصمة وامتدّ سلطانه فى الشرق إلى مالقة والمرية، غير أنه اضطر إلى التخلى عن جيان سنة 643 لملك قشتالة، وعقد معه معاهدة التزم فيها بتقديم عون له فى استيلائه على إشبيلية سنة 646 واتسع بسلطانه شمالى مالقة والمرية حتى لورقة وجنوبيا حتى جبل طارق والجزيرة الخضراء وحتى لبلة وشريش وشذونة فى الجنوب الغربى لغرناطة، ومكّن له من تثبيت ملكه حنكته السياسية وطول مدة حكمه حتى سنة 671.
وخلفه ابنه محمد الملقب بالفقيه، وسرعان ما هاجمه ألفونس العاشر ملك ليون فاستنجد بالمنصور عبد الحق سلطان المرينيين بالمغرب فأرسل إليه قوة كبيرة، والتقى الجمعان عند إستجة جنوبى قرطبة سنة 674 وانتصر المسلمون انتصارا عظيما. واتفق محمد الفقيه سلطان غرناطة وسلطان بنى مرين على أن تقيم فى مملكة غرناطة قوة مرينية يرأسها قائد مرينى يسمى شيخ الغزاة يدخل فى عداد كبار الشخصيات بغرناطة، واتّفق على أن تكون مالقة قاعدة للقوات المرينية، وعبر المنصور المرينى مرارا وظل يشتبك مع القشتاليين حتى أذعنوا لمسالمة محمد الفقيه، وتوفى سنة 701 وخلفه ابنه محمد المخلوع سنة 708 وولى بعده أخوه نصر حتى سنة 713 إذ تنازل لابن عمه إسماعيل، والتقى بالقشتاليين سنة 718 ودارت عليهم الدوائر، وله فضل فى إقامة بعض منشئات قصر الحمراء واغتيل سنة
(1) انظر فى بنى الأحمر بغرناطة أو بنى نصر كتاب اللمحة البدرية فى الدولة النصرية والإحاطة فى أخبار غرناطة (فى تراجم أمرائهم) وأعمال الأعلام للسان الدين بن الخطيب ونبذة العصر فى أخبار ملوك بنى نصر لمجهول (طبع المغرب) والمغرب لابن سعيد (طبع دار المعارف) 2/ 109 والذخيرة السنية فى تاريخ الدولة المرينية لابن أبى زرع (طبع الرباط) وتاريخ ابن خلدون: الجزء الرابع ونفح الطيب للمقرى (انظر الفهرس) ويوسف الأول سلطان غرناطة لمحمد كمال شبانة (طبع القاهرة) ونهاية الأندلس وتاريخ العرب المنتصرين لمحمد عبد الله عنان (طبع القاهرة) والتاريخ الأندلسى لعبد الرحمن الحجى ومعالم تاريخ المغرب والأندلس لحسين مؤنس.
725 وخلفه ابنه أبو الحجاج يوسف الأول، وفى أيامه استولى القشتاليون على طريف المشرفة على جبل طارق، وحدث وباء كبير سنة 749 ولابن خاتمة الشاعر رسالة فى وصفه. واغتيل أبو الحجاج يوسف الأول سنة 755 وخلفه ابنه محمد الخامس الغنى بالله وله القسط الأوفر من منشئات قصور الحمراء، وتوفى سنة 793 وكانت علاقته حسنة بملك القشتاليين وبالمثل علاقات ابنه يوسف وحفيديه محمد ويوسف المتوفى سنة 820 وتلا يوسف أمراء ضعاف دب الخلاف بينهم وبين أبناء عمومتهم، ولم يلبث القشتاليون أن استولوا على جبل طارق سنة 867 وبذلك أصبحت إمارة غرناطة محاصرة بالقوات النصرانية، بالإضافة إلى ما نشب من حروب بين أبناء الأسرة الحاكمة كانوا يستعينون فيها بملوك قشتالة. وأخذ ذلك ينذر بنهاية إمارة غرناطة وعجّل بها زواج فرناند ملك أراجون من إيزابيلا ملكة قشتالة، فتعاونا على القضاء على الإمارة، وقدما بقوات ضخمة استوليا بها على بعض المدن الصغرى، ثم حاصرا غرناطة آخر معقل للإسلام فى الأندلس، واستسلم أبو عبد الله الصغير وسلم مفاتيح الحمراء لفرناند سنة 897 للهجرة ونصت معاهدة التسليم على أن يحتفظ المسلمون فى غرناطة والأندلس بكامل حقوقهم وبمساجدهم وإقامة شعائرهم الدينية، ولكن الاسبان ضربوا بكل ذلك عرض الحائط ومضوا يضطهدون المسلمين المتبقين أسوأ اضطهاد وسموهم المدجنين، بينما سموا من تنصر منهم ظاهرا الموريسكيين وعقدوا لهم محاكم التفتيش المشهورة إلى أن أصدر الملك فيليب الرابع سنة 1117 هـ/1609 م أمرا بخروجهم من إسبانيا. ومن الغريب أن هذا التعصب الدينى المقيت الذى أخرج المسلمين من الأندلس هو الذى أتاح لأوربا استكشاف أمريكا وطريق رأس الرجاء الصالح إلى الهند فإن فردناند الذى ساعد أرستوف كولمب على اكتشاف أمريكا كان متأثرا-بعد استيلائه على غرناطة-بفكرة حصر الإسلام والمسلمين بين نارين، وتأثر بنفس الفكرة البرتغاليون فى اكتشافهم لطريق الهند.