الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ج) رسالة أهب الشّاء
سمّى ابن برد هذه الرسالة: «البديعة فى تفضيل أهب (جلود) الشّاء على ما يفترش من الوطاء» وهو فيها يردّ على من لامه على استخدام أهب (جلود) الشاء فى الجلوس شتاء وصيفا دون وطئ الفرش ورافهها من قطع البسط والسجاجيد والحشايا. وهو فى فاتحتها يدعو الله أن يلهمه الرشاد ويمنحه الصواب ويعرّفه بركة التواضع وينفّره من الكبر، ويطيل فى المقدمة، ثم يقول للائمه:
ويذكر ابن برد أن من يطلبها يشتريها فى الأضحية تقرّبا إلى ربه وطلبا لكريم ثوابه، ويقول إن رخص ثمنها فضيلة لها مع قلة المئونة والكلفة، ويذكر أن من فضلها أن جعل الله من جنسها كبشا فداء إسماعيل ابن خليله إبراهيم، وسماه فى تنزيله ذبحا عظيما.
ويقول لصاحبه إن الصوف زى النسّاك والمنقطعين للعبادة، وقد استخدمها المعلمون لأنها الأرفق والأرخص والأوفق. ويختم هذه الرسالة الطويلة بالنصح لعائبه أن لا يستقبل
(1) يشير إلى فروة هذه الجلود من الصوف. والوثارة: الفراش الوثير: الوطئ الناعم.
بالذم من يفترشها مغتبطا بها، إذ لا يفترشها إلا الشيوخ الجلّة من العلماء ذوى المهابة والوقار، يقول:
والرسالة تصوّر قدرة ابن برد على صنع الأدلة والبراهين بحيث يأخذ على عائبه فى استخدام جلود الشياه كل المسالك، فهى تدل على فضيلتى التواضع والقناعة بالقياس إلى البسط والسجاجيد الفاخرة والحشايا الثمينة المزدانة. ومما يميزها دفء فروتها فى الشتاء القارس، وليونتها فى المسّ وخفتها فى الحمل والانتقال من موضع إلى موضع. ثم هى لا تحتاج مثل الحشايا والبسط إلى تبطين كما لا تحتاج إلى ترقيع. ثم يعرض ابن برد صورة الخياط، وهو يساوم صاحب الحشية أو السجادة فى أجرة الترقيع والتبطين مخجلا له أمام الناس، ويتفقان على الأجر. وما يزال الخياط يرجئ إنجازه لما يراد منه من تبطين أو ترقيع، ويظل صاحب الحشية أو السجادة يتردد عليه، وجبينه يرشح عرقا من ذل التكرار عليه، والخياط-مع إلحاحه عليه-منصرف عنه مع سوء وقفته أمامه، مشغول بمحادثة صبيانه أو عماله وكأنما يجد فى ذلك متعة له. وهى صورة بديعة تدل على روعة خيال ابن برد مع جمال الصياغة، وهو جمال يطرد فى نثره لما يعمه من نقاء فى اللفظ وصفاء وعذوبة.
(1) يريد أنه عالم يلازم عمودا فى المسجد يلقى محاضرته عنده ويتحلق حوله الطلاب لشهرته.
(2)
قلنسات: جمع قلنسوة.
(3)
المنسأة: عصا غليظة تكون مع الراعى يهش بها على غنمه.
(4)
مهينما: هامسا.