المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(أ) رثاء الأفراد - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٨

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - التكوين الجغرافى والبشرى

- ‌2 - الفتح-عصر الولاة

- ‌(أ) الفتح

- ‌3 - الدولة الأموية

- ‌4 - أمراء الطوائف-المرابطون-الموحدون-بنو الأحمر فى غرناطة

- ‌(أ) أمراء الطوائف

- ‌(ب) المرابطون

- ‌(ج) الموحدون

- ‌5 - المجتمع

- ‌ الحضارة

- ‌الغناء

- ‌المرأة

- ‌6 - التشيع-الزهد والتصوف

- ‌(أ) التشيع

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل-الفلسفة-علم الجغرافيا

- ‌(أ) علوم الأوائل

- ‌(ب) الفلسفة

- ‌(ج) علم الجغرافيا

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - تعرب الأندلس-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب الأندلس

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 - الموشحات والأزجال

- ‌(أ) الموشحات

- ‌ ابن عبادة القزاز

- ‌ يحيى بن بقى

- ‌(ب) الأزجال

- ‌ابن قزمان

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ابن عبد ربه

- ‌ ابن عمار

- ‌ابن الحداد القيسى

- ‌الأعمى التّطيلى القيسى

- ‌الرّصافى محمد بن غالب

- ‌ابن زمرك

- ‌4 - شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ عبد الملك بن هذيل

- ‌يوسف الثالث

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ يحيى الغزال

- ‌السّميسر

- ‌اليكّىّ

- ‌5 - الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ حازم القرطاجنى

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌ابن خاتمة

- ‌2 - شعراء الطبيعة والخمر

- ‌ عبد الرحمن بن مقانا

- ‌ على بن حصن

- ‌ ابن خفاجة

- ‌ محمد بن سفر

- ‌3 - شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ محمد بن سوار

- ‌ ابن وهبون

- ‌(ب) رثاء الدول

- ‌ المعتمد بن عباد

- ‌ابن اللبانة

- ‌ابن عبدون

- ‌4 - شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن العريف

- ‌ ابن عربى

- ‌الششترى

- ‌(ج) شعراء المدائح النبوية

- ‌5 - شعراء الاستنفار والاستصراخ

- ‌ ابن الأبار

- ‌الفصل الخامسالنّثر وكتّابه

- ‌1 - الرسائل الديوانية

- ‌ البزليانى

- ‌ابن أبى الخصال

- ‌ابن عميرة المخزومى

- ‌2 - الرسائل الشخصية

- ‌حبيب

- ‌ابن الدباغ

- ‌ سهل بن مالك

- ‌3 - الرسائل الأدبية

- ‌رسالة التوابع والزوابع لابن شهيد

- ‌(أ) رسالة السيف والقلم

- ‌(ب) رسالة النخلة

- ‌(ج) رسالة أهب الشّاء

- ‌رسالتا ابن زيدون: الهزلية والجدية

- ‌رسالة ابن غرسية فى الشعوبية والردود عليها

- ‌رسائل نبوية ومواعظ

- ‌(أ) رسائل نبوية

- ‌ ابن الجنان

- ‌(ب) مواعظ

- ‌منذر بن سعيد البلّوطى

- ‌4 - أعمال نثرية

- ‌طوق الحمامة لابن حزم

- ‌كتابة التاريخ والتراجم الأدبية

- ‌(أ) المقتبس لابن حيان

- ‌(ب) الذخيرة لابن بسام

- ‌مذكرات عبد الله بن بلقّين

- ‌ قصة حى بن يقظان لابن طفيل

- ‌5 - المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌المقامات اللزومية للسّرقسطى

- ‌(ب) الرحلات

- ‌رحلة ابن جبير

- ‌خاتمة

الفصل: ‌(أ) رثاء الأفراد

العواصف المباغتة. ويقول:

يا من رأى النهر استثار به الصّبا

خيلا لإرهاب الغصون الميّد (1)

لما رأتها سدّدت تلقاءه

قرنت به خيلا تروح وتغتدى

وغدت تدرّعه ولم تبخل لها

شمس الضّحى بمسامر من عسجد

وهو يجعل ريح الصبا كأنها خيل تهبّ لإرهاب الغصون المتمايلة، ولقيته الغصون بخيل ما تزال غادية رائحة وذاهبة آتية، وأخذت تلبس النهر دروعا من ظلالها للقاء خيل الصبا، وأهدتها شمس الضحى مسامر ذهبية كى تحكم تلك الدروع على النهر، وهو خيال بديع.

ويقول فى وادى المرية بلدته:

اشرب على شدو الحمام فإنّه

أشهى إلىّ من الغريض ومعبد

أتراه أطربه الخليج وقد رأى

تصفيقه تحت الغصون الميّد

وكأنهنّ رواقص من فوقه

وبها من الأزهار شبه مقلّد (2)

وهو يجعل شدو الحمام فى سمعه أروع من غناء مغنّيى مكة والمدينة: الغريض ومعبد المشهورين فى العصر الأموى، ويقول: كأنما أطربه شدو المياه وخريرها تحت الغصون الراقصة المطوقة لجيدها بالأزهار الجميلة، ولعل فى ذلك كله ما يشهد لابن سفر بروعة أخيلته وتصاويره.

‌3 - شعراء الرثاء

(أ) رثاء الأفراد

يتخذ رثاء الأفراد فى الشعر العربى منذ الجاهلية ألوانا ثلاثة، هى الندب أو النواح لموت ذوى الرحم، والتأبين بذكر فضائل الميت تبيانا لخسارة المجتمع فيه، والعزاء بتصوير الموت وأنه سنة من سنن الكون لا مفر منه ولا نجاة. ونجد هذه الألوان الثلاثة ماثلة فى الشعر الأندلسى، ونبدأ بعرض نصوص من ندب الشعراء لبعض أقربائهم من الأبناء

(1) الميد: المتمايلة.

(2)

مقلد: موضع القلادة من العنق.

ص: 323

والزوجات والإخوة، ونلتقى بابن عبد ربه ملتاعا لفقد ابنين له هصر الموت غصن أكبرهما وهو فى ريعان شبابه، أما الثانى فكان صبيا لم يبرح زمن الطفولة، وله فيهما مراث مختلفة، ومن قوله فى الشاب ملتاعا بعد فترة من موته (1):

بليت عظامك والأسى يتجدّد

والصّبر ينفد والبكا لا ينفد

يا غائبا لا يرتجى لإيابه

ولقائه دون القيامة موعد

ما كان أحسن ملحدا ضمّنته

لو كان ضمّ أباك ثمّ الملحد

باليأس أسلو عنك لا بتجلّدى

هيهات أين من الحزين تجلّد

وهو يقول إن حزنه يتجدد وصبره ينفد والبكاء لا ينفد لغياب ابنه غيابا لا أوبة بعده إلى يوم القيامة، ويتمنى لو كان دفن معه. ويقول إنه يسلو عنه باليأس من لقائه، لا بتجلده، فلم يعد له تجلد ولا صبر. وكثير من الزوجات الأندلسيين كن قرّة أعين لأزواجهن، ونرى كثيرين من الشعراء يلتاعون لوعة شديدة حين يختطف الموت منهم زوجاتهم، من مثل قول أبى إسحق الإلبيرى يبكى زوجته (2):

عج بالمطىّ على اليباب الغامر

واربع على قبر تضمّن ناظرى (3)

واقرا السلام عليه من ذى لوعة

صدعته صدعا ما له من جابر

ولو آننى أنصفته فى ودّه

لقضيت يوم قضى ولم أستأخر (4)

وشققت فى خلب الفؤاد ضريحه

وسقيته أبدا بماء محاجرى (5)

وهو ينادى صاحبه أن يقف الركب على قبر محبوبته ويقرأ عليه السلام من ملتاع صدعت بفراقها قلبه صدعا لا يمكن أن يلتئم، ويقول إنه كان من الإنصاف أن ألحد معها فى قبر واحد، فإن لم أمت شققت لها فى سويداء الفؤاد ضريحا وسقيته أبدا بدموعى المنهلّة.

ومات لمعاصره فقيه الأندلس المشهور أبى الوليد الباجى ابنان مغتربان فندبهما ندبا حارّا بقوله (6):

(1) الييمة للثعالبى 2/ 76.

(2)

الديوان (تحقيق د. محمد رضوان الداية-طبع دمشق) ص 74.

(3)

عج: اعطف. اليباب: القفر. الغامر: المغمور بالتراب. اربع: قف.

(4)

قضيت هنا: مت.

(5)

خلب الفؤاد: حجابه. محاجر العينين: ما يحيط بهما.

(6)

المغرب 1/ 405 وانظر أيضا فى ترجمة أبى الوليد الذخيرة 2/ 94 ومعجم الأدباء 11/ 246 وابن خلكان 3/ 408 والقلائد 188 والصلة 197.

ص: 324

رعى الله قبرين استكانا ببلدة

هما أسكناها فى السّواد من القلب

يقرّ بعينى أن أزور ثراهما

وألصق مكنون التّرائب فى التّرب (1)

وأبكى-وأبكى-ساكنيها لعلّنى

سأنجد من صحب وأسعد من سحب (2)

وما ساعدت ورق الحمام أخا أسى

ولا روّحت ريح الصّبا عن أخى كرب

ولا استعذبت عيناى بعدهما كرى

ولا ظمئت نفسى إلى البارد العذب

وهو يدعو الله أن يرعى قبرى ابنيه اللذين يسكنان فى السواد من قلبه، ويقول إنه يسرّ بزيارة قبريهما واحتضان ثراهما، وإنه ليبكى آملا فيمن ينجده ويساعده فى بكائه، ولكن هيهات، فلا منجد لا من الإنسان ولا من ورق الحمام، ولا مروّح عنه لا من ريح الصبا ولا من غيرها. وإنه يبيت مسهدا وقد زهد فى كل متاع الحياة من بارد عذب وغير بارد عذب. وللأعمى التطيلى مرثية بديعة لزوجته آمنة تكاد فيها نفسه تذوب أسى وحسرات، وفيها يقول (3):

أآمن إن أجزع عليك فإننى

رزئتك أحلى من شبابى ومن وفرى

برغمى خلّى بين جسمك والثّرى

وإن كنت لا أخشى التّراب على التّبر (4)

هنيئا لقبر ضمّ جسمك إنّه

مقرّ الحيا أو هالة القمر البدر

إذا جئت عدنا فاطلبينا فقلّما

تقدّمتنى إلا مشيت على الإثر (5)

ولا تعذلينى إن أقمت فربّما

تأخّر بى سعيى وأثقلنى وزرى

والمرثية تكتظ بخواطر وصور بديعة، وهو يتمنى فى مطلعها أن لو واروا جسد زوجته فى صدره مع ما يحتدم فيه من لظى فرقته لها، ويسألها هل احتملت الصبر على الفراق.

أما هو فقد ضعف عن الصبر. ويقول لزوجته لا ترسلى إلىّ بطيفك فدونه سدود من كتائب السهد عليك، كما يقول لها أخبرت إن جيدك أصبح عاطلا من الحلىّ فخذى أدمعى مكانها إن كنت غاضبة على الدر، إن محارتها أو صدفتها عينى ولجتها أو يمّها صدرى.

ويبكى ابن خفاجة ابن أخت له توفى فى عنفوان شبابه بصحراء المغرب فيما يبدو، وجاءه نعيه، وفيه يقول (6):

(1) الترائب: عظام الصدر.

(2)

أسعد: من أسعد إذا أعان على البكاء.

(3)

راجع ديوان الأعمى التطيلى ص 70.

(4)

التبر: فتات الذهب.

(5)

؟ ؟ ؟ : الفردوس.

(6)

؟ ؟ ؟ ص 267.

ص: 325

أرقت أكفّ الدمع طورا وأسفح

وأنضح خدّى تارة ثم أمسح (1)

فيا لغريب فاجأته منيّة

أتته على عهد الشباب تجلّح (2)

ترى بى-إذا أعولت حزنا-حمامة

ترنّ وطورا أيكة تترنّح

وما أتلقّى الركب أرجو تحيّة

توافى له أورقعة تتصفّح

فعرّج على مثوى الحبيب بنظرة

تراه بها عنى هناك وتلمح

وهو يقول إنه يقضى الليل مسهدا تارة يكفكف دمعه وتارة يرسله مدرارا، وطورا يفيض فوّارا وطورا يمسحه. ويأسى لابن أخته أن أسرع إليه الموت غريبا شابا، بل لقد اختطفه اختطافا. ويرقّ له كل ما حوله، فالحمام يرن بهديله والشجر يترنح ويتمايل بأغصانه. ويقول إنه لن يعود يتلقى القادمين ممن كانوا معه ليسألهم هل أرسل إليه معهم تحية أو رسالة وينادى كل من حوله أن يعرج على مثوى الحبيب، ويلقى نظرة عليه، لعله يراه بها عنه أو يلمحه. ويقول أبو عامر بن الحمارة الفيلسوف تلميذ ابن باجة فى زوجته زينب (3):

أزينب إن ظعنت فإنّ ظهرا

أقلّك سوف يركبه المقيم (4)

بأية حجّة أسعى لأنثى

سواك وأنت هامدة هشيم

ولما أن حللت التّرب قلنا

لقد ضلّت مواقعها النّجوم

ألا يا زهرة ذبلت سريعا

أضنّ المزن أم ركد النّسيم

وهو يقول لها إن الدابة التى حملتك إلى المقابر سوف تحملنى قريبا، وسأظل وفيا لك على العهد لا أتزوج بعدك أبدا. والصورة بديعة فى البيت الثالث، فقد تعجّب لهذا النجم الثاقب أن يحل فى التراب ومكانه السماء فى أعلى علّيين، ويعجب أيضا لهذه الزهرة العطرة أن تذبل فى إبّانها وشبابها سريعا، ويتساءل أبخل المزن بقطره أم ركد النسيم، وهى أيضا صورة بديعة.

ويكثر التأبين عندهم لكثرة رجالات الأندلس من أمراء وخلفاء وحكام ووزراء وقواد وفقهاء وعلماء من كل صنف وأدباء من الكتاب والشعراء، وعادة يذكرون مناقبهم

(1) أكف: أكفكف. أسفح: أصبّ. أنضح: من نضحت العين إذا فارت.

(2)

تجلح: تسرع.

(3)

الرايات ص 128 وانظر فى ترجمته المغرب 2/ 120 والبغية ص 517 والمطرب ص 109 والوافى 2/ 242.

(4)

ظهرا: دابة، ويريد النّعش أقلك: حملك.

ص: 326

ويعددون محامدهم وخصالهم الكريمة، ومن أوائل من أبّنوهم عبد الرحمن الأوسط المؤسس الحقيقى للحضارة العربية فى الأندلس على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع، وفيه يقول شاعره طاهر (1) بن حزم:

ويا حسرتا إذ أظفر الموت بغتة

بمن لم يكن إلا به الموت يظفر

تداعت إلى النّعش السحاب فظلّلت

سريرا عليه السيّد المتخيّر

سقى الله قبرا بالنّخيل غمامة

تكاد إذا حلّت عراها تفطّر (2)

كأنّ ثراه مذ به سكن النّدى

إذا لاعبته الريح مسك وعنبر (3)

وهو يتحسر على عبد الرحمن إذ ظفر به الموت، وكان الموت إنما يظفر به لأنه عدته وسلاحه، ويقول إن السحاب ظلل نعشه فى مسيرته، ويدعو لقبره فى النخيل (مقبرة الأمويين بقرطبة) أن تسقيه غمامة، وتظل هاطلة. ويقول إن ثرى القبر مذ سكنه جثمان عبد الرحمن تفوح منه رائحة المسك والعنبر. ويتوفى سعيد بن جودى زعيم العرب بغرناطة فيؤبّنه مقدّم بن معافى القبرىّ مبتكر الموشحات بقوله (4):

من ذا الذى يطعم أو يكسو

وقد حوى حلف النّدى رمس (5)

لا اخضرّت الأرض ولا أورق ال

عود ولا أشرقت الشّمس

بعد ابن جودىّ الذى لن ترى

أكرم منه الجنّ والإنس

دموع عينى فى سبيل الأسى

على سعيد أبدا حبس (6)

فقد دفن الجود مع سعيد ولم يعد هناك من يطعم أو يكسو، فلا عمت الأرض خضرة ولا أورق الشجر ولا أشرقت الشمس بعد سعيد الذى لن يرى الجن والإنس من يفوقه جودا وكرما. ويقول إنه سيظل يبكيه ملتاعا وستظل دموعه محبوسة عليه أسى وحزنا ولوعة. وكان سعيد يقود العرب ضد ثورة عليهم فى إقليم غرناطة من المسالمة والمولدين والنصارى، ووقوف مقدم معه يدل بوضوح على أنه عربى من سلالة عربية، كما أشرنا إلى ذلك فى حديثنا عن الموشحات. ولابن الحنّاط الكفيف يرثى أبا الحزم بن جهور أمير

(1) المقتبس (تحقيق د. مكى-طبع بيروت) ص 125.

(2)

حلت عرا الغمامة: هطلت كثيرا. تفطر: تشقق، كناية عن غزارة المطر.

(3)

الندى: الجود والكرم.

(4)

المقتبس: الجزء الخاص بالأمير عبد الله بن محمد (انظر الفهرس).

(5)

رمس: قبر.

(6)

حبس جمع حبيس: محبوس وموقوف.

ص: 327

قرطبة ويهنئ بالإمارة بعده ابنه أبا الوليد (1):

إنّا إلى الله فى الرّزء الذى فجعا

والحمد لله فى الحكم الذى وقعا

أب كريم غدا الفردوس مسكنه

وابن نجيب تولّى الأمر واضطلعا (2)

لله شمس ضحى فى الّلحد قد غربت

فأعقبت قمرا بالسّعد قد طلعا

وهو يستسلم لله فيما فجع به من موت أبى الحزم جهور ويستبشر بولاية ابنه أبى الوليد، ويقول إن جهورا أصبح فى الفردوس ونهض ابنه بالحكم، ويقول إن أبا الحزم شمس غربت فطلع سريعا قمر يحمل السعد بعده. ولابن معلّى الطرسونى يرثى عالما من علماء العربية فيما يبدو (3):

رزء بكت منه العلا ومصاب

شقّت عليه جيوبها الأحباب

وطفقت ألتمس العزاء فخاننى

نفس تذوب وأدمع تنساب

وتلجلج النّاعى به فسألته

عود الحديث لعله يرتاب

أنعى إلى الإعراب منك معيده

غضّا كما نطقت به الأعراب

ناحت بك الأقلام غاية وسعها

وبكت بأبلغ جهدها الآداب

وهو يقول إن موت هذا العالم مصاب جلل بكت منه العلا وشقت عليه الأحباب جيوبها حزنا، ويقول انه التمس العزاء فخانته نفسه الذائبة ودمعه المنساب، وتلجلج الناعى فأمّل أن لا يكون النعى صحيحا. وينعيه إلى العربية التى أعادها غضة ناضرة كما نطق بها الأعراب فى القديم، ويقول إن الأقلام والآداب تنوح عليه نواحا لا ينقطع.

ونلتقى بابن سوار وسنخصه بكلمة مفردة. ويتوفى أبو بكر بن تيفلويت المرابطى حاكم سرقسطة سنة 510 وكان بحرا فياضا وبطلا مغوارا ويرثيه صديقه الفيلسوف ابن باجة بمثل قوله (4):

سلام وإلمام وروح ورحمة

على الجسد النائى الذى لا أزوره

أحقّا أبو بكر تقضّى فما يرى

تردّ جماهير الوفود ستوره (5)

لئن أنست تلك القبور بقبره

لقد أوحشت أمصاره وقصوره

(1) الذخيرة 1/ 449 وانظر فى ترجمة ابن الحناط الذخيرة 1/ 437 وما بعدها والحميدى 53 والصلة 640 والتكملة 387 والمغرب 1/ 121 والخريدة 2/ 297 والوافى 3/ 124.

(2)

اضطلع: نهض

(3)

الذخيرة 3/ 844 والمغرب 2/ 457

(4)

المغرب 2/ 119

(5)

تقضى: مات

ص: 328

وابن باجة، وقد يئس من زيارته لأبى بكر بن تيفلويت يتمنى له سلاما وروحا أوراحة ورحمة. وإنه لفى ذهول فيتساءل أحقا أنه لم يعد يغدو إلى قصره ولم يعد يرى ما كان على أبوابه ونوافذه من ستور كانت تردّ الجماهير؟ ويقول إن كانت القبور وجدت أنسا بقبره فقد خلفت وحشة فى قصوره وأمصاره التى كان يمد عليها سلطانه، وفيه يقول أيضا راثيا مؤبّنا باكيا (1):

يا صدى بالثّغر جاوره

رمم بوركن من رمم (2)

صبّحتك الخيل غادية

وأثارتك فلم ترم

قد طوى ذا الدّهر بزّته

عنك فالبس بزّة الكرم (3)

وهو يقول أيها الجثمان الثاوى بثغر سرقسطة الأعلى بوركت رمم الأموات الذين جاورتهم، ويلتفت إليه قائلا: لقد صبّحتك الخيل التى تعوّدت أن تقودها لمنازلة الأعداء وأثارتك كى تنهض معها، غير أنك لم تبرح مكانك. ثم يقول-وقد أمضّه الحزن-إن يكن الدهر طوى عنك شارة الحياة فالبس شارتك الرائعة شارة الجود المنهلّ المدرار.

ولابن الزقّاق مرثية فى شهيد تقطر لوعة وأسى وهو يبكى فيه شبابه ومضاءه وتنكيله بحملة الصليب شر تنكيل، وهو يستهلها بأن الشهب ناحت عليه وبكى الغيم وانحسر ظل الأنس واغبرّ ضوء الشمس وبكاه حزب الله والإسلام، ويقول لحامليه: قفوا نودعه ونقض حقه من الدموع ولا تسلموه إلى الثرى، بل ادفنوه فى جوانحنا وأحشائنا، ويهتف ملتاعا (4):

أعزز علىّ بضيغم ذى سطوة

أجماته بعد الرّماح رجام (5)

أعزز علىّ بزهرة مطلولة

أمست ولا غير الضّريح كمام

إن راح مهجور الفناء فطالما

هجرت به أرواحها الأجسام

الليل بعدك سرمد لا ينقضى

فكأنما ساعاته أعوام

يا حاملين النّعش أين جياده

يا ملبسيه التّرب أين الّلام (6)

وهو يقول ونفسه تتقطع على هذا الشهيد حسرات تلذع حرقها فؤاده لذعا: إنه يعزّ

(1) المغرب 2/ 119.

(2)

الصدى: جسد الإنسان بعد موته.

(3)

بزة: شارة.

(4)

الديوان ص 263 والمغرب 2/ 336.

(5)

أجمات جمع أجمة: الغابة والشجر الكثيف الملتف وهى مخبأ الأسد. الرجام جمع رجمة: الحجارة تنصب على القبر.

(6)

اللام: الدروع.

ص: 329

عليه أن يصبح غيل هذا الأسد الضرغام وغابه الملتف حجارة ملقاة على قبره تندبه. ولقد كان زهرة غضة أرجة فى عنفوان شبابه، فصهرها الموت، وأبدلها من كمام الزهر حيطان ضريحه. ويقول إن كان قصره أصبح مهجور الفناء فطالما هجرت به أجسام أعدائه أرواحها وسحق ضلوعهم سحقا ذريعا، ويخال كأن الدنيا أصبحت بعده ليلا داجيا لا ينقضى أبدا وطالت ساعات السهد والغم والضيق والحزن العميق، وكأنما يذهل عن موت هذا الشاب البطل الذى تعود أن يراه ممتطيا جواده ممتشقا حسامه لحرب الأعداء، فيتساءل أين جياده، ويعجب أن يلبسه ملحدوه الترب وعادته أن يلبس الدرع ولأمة الحرب لمنازلة الأعداء منازلة ضارية. ومن أروع المراثى الأندلسية مرثية على بن حزمون للبطل أبى الحملات قائد الأعنة ببلنسية وقد استشهد فى بعض معاركه الضارية مع النصارى بعد أن أبلى بلاء عظيما، وجعل ابن حزمون مرثيته موشحة كأنما أراد أن تكون ندبا ونواحا على البطل الصريع، وفيها يقول (1):

نضا لباس الزّرد

وخاض موج الفيلق (2)

ولم يرعه عدد

ذاك الخميس الأزرق (3)

والحور تلثم خدّ

أديمه الممزّق

وكان ذاك الأسد

فى كل خيل يلتقى

إذا رأى الأعلاج وكبّرا

ثم انبرى يماصع (4)

رأيتهم كالدّجاج منفّرا

وسط العرا الواسع

والموشحة من بحر الرجز وهو يقول إن البطل خلع عنه الدّرع وخاض دماء الكتيبة الباسلة وسط موجها المتلاطم يتقدم الصفوف مدافعا ذائدا غير مكترث بأعداد النصارى من الإسبان ولا برماحهم تنوشه، وأخذ يمزّقهم شرّ ممزّق حتى تكاثروا عليه فخرّ صريعا، وحفّت به الحور العين تزفه إلى الفردوس تقبّله وتلثم مواضع الطعنات فى جسده. وكم كان هذا الأسد المغوار يقود الخيل العاديات إلى النصارى يمحقهم محقا، وكان إذا نازلهم فرّوا فى غير نظام كأنهم دجاج منفّر، متناثرين فى كل صوب فزعا وهلعا، وكأنما كان قفلا كبيرا لبلنسية، يصدّ عن حماها العلوج النصارى منزلا بهم صواعق الموت صاعقة من بعد صاعقة إلى أن استشهد مشتريا بجهاده الفردوس ورضوان ربه. ونلتقى بمحمد بن

(1) المغرب 2/ 217.

(2)

الزرد: الدروع. الفيلق: الكتيبة.

(3)

الخميس: جيش الإسبان، ووصفه بالزرقة لزرقة عيونهم.

(4)

يماصع: يجالد بالسيف ونحوه.

ص: 330

عبد الله بن أبى القاسم يرثى عالم العربية ابن الفخار الغرناطى قائلا (1):

قضى من بنى الفخّار أفضل ماجد

جميل المساعى للعلا جدّ شائد (2)

أمولاى من للمشكلات يبينها

فتجلو عمى كلّ القلوب الشواهد

ومن ذا يحلّ المقفلات صعابها

ومن ذا الذى يهدى السبيل لحائد (3)

وهو يصف أستاذه ابن الفخار بجده فى السعى للمعالى وحله لمشكلات النحو ومغلقاته، ملحا فى ذلك حتى تذلّل وتستبين معمياتها وصعابها، وكلما ذلل مسألة معماة أو مشكلة صعبة أخذ يذلل مشاكل ومسائل أخرى أشد عسرا. ويقول أبو عبد الله اللوشى فى رثاء سلطان غرناطة أبى الوليد إسماعيل بن فرج المتوفى لسنة 725 للهجرة:(4)

كادت نجوم الأفق تسقط فى الثّرى

لما شكت شمس العلاء أفولا

لا صمت إلا وهو نار فى الحشا

لا نطق إلا ما يعود عويلا

ضاقت صدور الخلق عن أنفاسهم

إذ ضمّ بطن الأرض إسماعيلا

وهو يبالغ مبالغة مفرطة إذ يقول إن النجوم فى السماء كادت تسقط فى الثرى حين أفلت شمس أميره إسماعيل، وإن الحزن عليه استحال نارا فى الحشا واستحال كل نطق عويلا له وأنينا وضاقت الصدور عن أنفاسها لوعة وأسى.

واللون الثالث من ألوان رثاء الأفراد العزاء، وهو فى أصله الصير على الموت فى الأقرباء وغير الأقرباء، ومن قديم يدعو الشعراء إليه مصورين كيف أن الموت سنة من سنن الكون، فهو الغاية والنهاية لكل إنسان، إذ الناس جميعا لا بد أن يرحلوا عن دنياهم، مما دفع الشعراء-وخاصة من أخذوا بحظ من الفلسفة-إلى التفكير فى حقائق الحياة والموت والوجود والعدم، ونلتقى بابن شهيد وقد هدّه فالج أو شلل، وطال ألمه وتزايد سقمه، فنظم رثاء لنفسه، ومما قاله فيه متعزيا متقبّلا للموت عن رضا:(5)

يقولون قد أودى أبو عامر العلا

أقلّوا فقدما مات آباء عامر (6)

هو الموت لم يصرف بأسجاع خاطب

بليغ ولم يعطف بأنفاس شاعر

ولم يجتنب للبطش مهجة قادر

قوىّ ولا للضّعف مهجة صابر

(1) الكثيبة الكامنة لابن الخطيب ص 212.

(2)

قضى: مات. شائد: بان.

(3)

حائد هنا: ضال.

(4)

الكتيبة الكامنة ص 176.

(5)

الديوان ص 113 والذخيرة 1/ 332.

(6)

أودى: مات. أقلوا: لا تتكلموا.

ص: 331

يحلّ عرى الجبّار فى دار ملكه

ويهفو بنفس الشارب المتساكر (1)

وهو يقول لمن سيبكونه من إخوانه: لا تبكوا ولا تقولوا مات، فالناس-مثل آبائه- جميعا يرحلون عن دنياهم. إنه كأس الموت لا بد للجميع من احتسائه، ولا يستطيع شئ أن ينحّيه عن الناس لا أسجاع خطيب ولا أنفاس شاعر، ولا يفلت من شباكه قوى ولا ضعيف، ولا ملك جبار ولا أحد سكران أو غير سكران. ويقول جعفر حفيد مكى بن أبى طالب المقرئ المشهور فى رثاء عبد الملك بن سراج عالم العربية المتوفى سنة 489 للهجرة (2):

الموت حتم والنفوس ودائع

والعيش نوم والمنى تضليل

لا يعصم العصماء منه شاهق

صعب ولا الورد السّبنتى غيل (3)

يهوى الفتى طول البقاء مؤمّلا

وله رحيل ليس عنه قفول

يلهو ويلعب مطمئنّا ذاهلا

وله رسيم نحوه وذميل (4)

وهو يقول إن الموت حتم لا مفر منه، وما النفوس إلا ودائع له يسترجعها واحدة فى إثر أخرى، وما الحياة إلا برهة قصيرة كبرهة النوم، وما المنى إلا خدع يضلل بها الإنسان نفسه، ولن ينجو منه أحد لا العقاب المعتصم بجبل شاهق ولا الأسد القوى الجرئ فى غيله أو غابه، وإن الفتى ليهوى طول البقاء مؤملا آمالا كبارا غير مفكر فى رحلته الكبرى التى ليس منها قفول ولا رجوع. وإنه ليلعب ويلهو مطمئنا ذاهلا عن حركته المستمرة بين عدو وإبطاء نحو الموت. واغتيل بإشبيلية ذات ليلة شاب من شبابها المأمولين يسمى محمد بن اليناقى كان من المعجبين بالأعمى التطيلى وشعره، وكان يكثر من الافتقاد له، فحزّ فى نفسه اغتياله ونظم نونية بديعة يعزى بها أخاه أبا الحسن، استهلها على هذه الشاكلة (5):

خذا حدّثانى عن فل وفلان

لعلى أرى باق على الحدثان (6)

وعن دول-جسن الديار-وأهلها

فنين، وصرف الدهر ليس بفان (7)

(1) المتساكر: متعاطى السكر والمتظاهر به.

(2)

الذخيرة 1/ 814.

(3)

العصماء هنا: العقاب. شاهق: جبل سامق. الورد السبنتى: الأسد الجرئ.

(4)

رسيم: عدو سريع. ذميل: سير دون السريع.

(5)

الديوان ص 224.

(6)

الحدثان: الليل والنهار.

(7)

جسن: وطئن. صرف الدهر: أحداثه ونوائبه.

ص: 332

وعن هرمى مصر-الغداة-أمتّعا

بشرخ شباب أم هما هرمان

فالناس والدول جميعا لا يبقى منهم باق على الزمان، فالكل يفنى ولا تفنى كوارث الدهر ومصائبه. ويتساءل عن الهرمين الباقيين بمصر هل متّعا بشباب حى ناضر أو هما نشآ هرمين عجوزين لم يعرفا شبابا ولا متاعا بالحياة، ويقول إن كل شئ-حتى فى الكواكب-إلى فراق، ويعود بالذكرى إلى أعزاء العرب فى الجاهلية الذين طحنتهم الحروب، ثم يقول:

فذلّت رقاب من رجال أعزّة

إليهم تناهى عزّ كلّ مكان

وأىّ قبيل لم يصدّع جميعهم

ببكر من الأرزاء أو بعوان (1)

ونبّهنى ناع مع الصبح كلّما

تشاغلت عنه عنّ لى وعنانى

أغمّض أجفانى كأنى نائم

وقد لجّت الأحشاء فى الخفقان

أقول كأنى لست أحفل وانبرت

دموعى فأبدت ما يجنّ جنانى (2)

فكل أعزاء العرب واراهم التراب، وكل قبائلهم تصدعت بأرزاء لا مثيل لها أو مكررة أو معادة، ويقول إنه حين سمع نعى هذا الشاب كان يتشاغل عنه أملا فى أن يكون غلطا وكان ما يلبث أن يتراءى له، وهو بين الظن واليقين وأحشاؤه تخفق، ويحاول أن يكتم حزنه، غير أن دموعه انهملت فأظهرت ما يستره جنانه من الهم والغم والحزن.

ويقول ابن الزقاق معزيا (3):

هو القدر المحتوم إن جاء مقدما

فلا الغاب محروس ولا اللّيث واثب

تساق أبيّات النفوس ذليلة

إليه وتنقاد القروم المصاعب (4)

وما الناس إلا خائضو غمرة الرّدى

فطاف على ظهر التّراب وراسب

وهو يقول إن الموت قدر حتمى للإنسان، ولذلك حين ينزل به لا يستطيع أن يرده غيل ولا أسد متأهب للنزال، وإن الناس جميعا سادة وغير سادة ليساقون إلى ورده، ويخال ابن الزقاق كأن الناس جميعا يخوضون ماء غمرا، فطاف منهم لا بد أن ينشب الموت فيه أظفاره، وراسب سبق صاحبه إلى قاع الموت وقراره. ويقول ابن خفاجة فى صديق مات شابا متعزيا (5):

(1) بكر: لم تسبق. عوان: مكررة.

(2)

الجنان: القلب والعقل.

(3)

الديوان ص 109.

(4)

القروم المصاعب: السادة العظام.

(5)

الديوان ص 217.

ص: 333

إذا ارتجعت أيدى الليالى هباتها

فغاية هاتيك الهبات نهاب

تخبّ بنا فى كلّ يوم وليلة

مطايا إلى دار البلى وركاب (1)

وهل مهجة الإنسان إلا طريدة

تحوم عليها للحمام عقاب (2)

وهو يقول إن الليالى إذا أعادت إلينا هبة سرعان ما تستردها، وكأننا غافلون، فتلك مطايا الموت تعدو بنا فى كل يوم مسرعة إلى دار الفناء، وما أشبه روح الإنسان بطريدة صيد تحوم عليها عقبان الموت ونسوره. ويقول أبو الحسن سهل بن مالك راثيا ومعزيا فى ابن رشد فيلسوف الأندلس المشهور (3):

مضى علم العلم الذى ببيانه

تبيّن خافيه وبان طريقه

رجوعا إلى الصّبر الجميل فحقّه

علينا قضى أن لا تؤدّى حقوقه

أعزّيكم فى البعد عنه فإننى

أهنّيه قربا من جوار يروقه

وما كان فينا منه إلا مكانه

وفى العالم العلوىّ كان رفيقه

وهو يقول إن علم العلم الذى طالما أوضح خفياته وذلّل مشكلاته مات، وليس أمامنا إلا الصبر على هذه الفجيعة الموجعة: الصبر الجميل الذى دعا إليه الذكر الحكيم بقوله:

{وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} وإن التمسك بعرى هذا الصبر وحقوقه ليحول بيننا وبين أن نؤدى لهذا العالم العظيم ما ينبغى من العويل والبكاء. ويقول لرفاقه من تلاميذ ابن رشد: إذا كنت أعزيكم فيه فإنى أهنئه بالجوار الذى يروقه، جوار الملائكة المصطفين الأخيار، وهل كان معنا منه إلا مكانه وجسده، أما روحه فكانت فى العالم الأعلى الذى صعدت إليه. ويقول ابن زمرك فى رثاء سلطان غرناطة الغنى بالله صفيّه وخليله حين توفى لسنة 793 معزيا ابنه وخليفته يوسف (4)

عزاء أمير المسلمين فإنها

مقادير ربّ الخلق فى الخلق يجريها

هو الموت ورد للخليقة كلّها

أواخرها تقفو سبيل أواليها (5)

وما بيننا حىّ وما بين آدم

ألا هكذا سوّى البريّة باريها

وفى موت خير الخلق أكبر أسوة

تصبّر أحرار النفوس وتسليها

(1) تخب: تعدو. ركاب: مطايا معدة للركوب.

(2)

الحمام: الموت.

(3)

اختصار القدح المعلى ص 63.

(4)

أزهار الرياض 2/ 155.

(5)

تقفو: تتبع.

ص: 334