الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يستحقها. ولم يتزوج وبالتالى لم يكن له أسرة ولا أبناء إلى أن توفى سنة 572 وهو فى نحو السادسة والثلاثين من عمره، وشعره-كما يقول ابن الأبار مدون بأيدى الناس متنافس فيه.
ابن زمرك
(1)
هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد، ولد بحى البيازين فى غرناطة سنة 733 لأسرة هاجرت إليها من شرقى الأندلس، وهى أسرة متواضعة حياتها بها غير قليل من الشظف، إذ كان أبوه حدادا، ويقول ابن الأحمر المؤرخ عنه إنه نشأ ضئيلا كالشهاب يتوقد، وحفظ القرآن الكريم سريعا، وأخذ يختلف-مثل أترابه-إلى حلقات الشيوخ ينهل من معارفهم ومحاضراتهم. ويذكرون من شيوخه فى الفقه أبا سعيد بن لب وفى الحديث النبوى أبا البركات ابن الحاج وفى الأصول أبا على منصور الزواوى وفى التصوف أبا عبد الله بن مرزوق وفى العربية أبا عبد الله بن الفخار والشريف الغرناطى أبا القاسم محمد بن أحمد شارح مقصورة حازم وفى الأدب والشعر ابن الخطيب وزير الإمارة المشهور، فهو تلميذه وخريجه وصنيعته، وعنى به فألحقه بدواوين الإمارة وكفل له راتبا حسنا. ونراه حين خلع السلطان محمد الخامس الغنى بالله عن إمارة الأندلس سنة 760 ونفى إلى المغرب والتجأ إلى أبى سالم المرينى يلتحق به فى منفاه مثل أستاذه ابن الخطيب وغيره ممن رفضوا التعاون مع أخيه أبى الوليد إسماعيل مدبر المؤامرة ضده، ولم يهنأ إسماعيل باستيلائه على الإمارة، إذ سرعان ما دار العام وفتك به زوج شقيقته من أبناء عمومته واستولى على صولجان الحكم وهو أبو عبد الله محمد واتخذ لقبا له الغالب بالله، وتطورت الظروف سريعا، فقتل بدوره وعاد محمد الخامس الغنى بالله إلى إمارته فى جمادى الأولى سنة 763 وعاد معه ابن زمرك كما عاد وزيره لسان الدين بن الخطيب، ونرى ابن زمرك يردد لأستاذه دائما فى رسائل وقصائد ولاءه له وحمده وشكره
(1) انظر فى ترجمة ابن زمرك وأشعاره وموشحاته الإحاطة 2/ 3 - 314 والكتيبة الكامنة فى شعراء المائة الثامنة ص 282 ونيل الابتهاج للتنبكتى (طبع فاس) ص 282 وجذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام بمدينة فاس لابن القاضى (طبع فارس) ص 184 والدرر الكامنة لابن حجر 4/ 412 وخصّه السلطان يوسف الثالث (810 - 820 هـ.) بكتاب ضخم سماه البقية والمدرك من كلام ابن زمرك، واطلع المقرى على هذا الكتاب، فنقل عنه ترجمة ضافية له بالجزء الثانى من كتابه أزهار الرياض وهى تشغل فى هذا الجزء من صفحة 7 إلى صفحة 206 وتشتمل على سيرته وكثير من أشعاره وموشحاته.
على ما أنعم به عليه. وتظل الأيام تسير رخاء حتى سنة 773 إذ يترامى إلى ابن الخطيب أن مؤامرة تدبّر للقضاء عليه فيفر فجأة إلى السلطان المرينى عبد العزيز بتلمسان ويحتلّ ابن زمرك منصبه، فيصبح الوزير الأول للسلطان الغنى بالله. ويرسل الغنى بالله إلى السلطان المرينى أبا الحسن النباهى قاضى الجماعة بغرناطة ليتسلم منه ابن الخطيب متّهما بتهمة الإلحاد والزندقة. وأخفق القاضى فى مهمته، إذ حمى ابن الخطيب منه السلطان المرينى، غير أن حاميه لم يلبث أن توفى سنة 774 ونقل المرينيون عاصمتهم إلى فاس، وتجددت مساعى الغنى بالله للقبض على ابن الخطيب، وأخيرا يقبض عليه فى سنة 776 وتقدم من غرناطة لجنة لمحاكمته برياسة ابن زمرك ويمثل أمامها ويعنف به تلميذه القديم وصنيعته فى المحاكمة متهما له بالزندقة والإلحاد لعبارات صوفية وردت على لسانه فى كتابه:«روضة التعريف بالحب الشريف» ويسترسل فى توبيخه. وزجّ به فى غياهب السجون، وبإحدى الليالى دسّ إليه من قتله وأشعلت فيه النار على قبره قبل دفنه، فاسودّت بشرته ووورى التراب مأسوفا عليه لتهمة زائفة دبّرت له كيدا آثما. ونعم ابن زمرك بوزارة الغنى بالله عشرين عاما متوالية أصبح فيها المدبّر لشئون الإمارة حتى ليروى ابن الأحمر المؤرخ سفاراته الموفقة للغنى بالله إلى الملوك وأنه فوّض له فى عقد الصلح بين الملوك بالعدوتين أى بين ملوك المغرب وملوك إسبانيا والبرتغال، ويقال إنه فوّضه فى الصلح مع النصارى تسع مرات. ويتوفى الغنى بالله سنة 793 ويخلفه ابنه يوسف الثانى فيهوى به من حالق إلى غياهب السجون ويردّ إليه بعد نحو عام ونصف حريته ويعيده إلى منصبه، وبعد أيام قليلة يتوفى ويخلفه ابنه محمد السابع فيعزله ويولى مكانه محمد بن عاصم، ثم يعيده إلى منصبه سنة 795 وسرعان ما اقتحم حرس السلطان عليه داره وفتكوا به وبابنين له.
وإذا أغضينا النظر عن أخلاقية ابن زمرك وجحوده لفضل أستاذه ابن الخطيب والتجنى عليه لمآرب دنيوية زائلة ورجعنا إلى شعره وموشحاته نقرؤهما وجدناه ينزل فيهما منزلا عليّا من شعراء الأندلس فى مختلف عصورهم، ويذكر السلطان يوسف الثالث فى كتابه السالف:«البقية والمدرك من كلام ابن زمرك» أنه خدم جده السلطان الغنى بالله سبعا وثلاثين سنة، منها ثلاثة بالمغرب وباقيها بالأندلس وأنه أنشده فى تلك السنوات ستا وستين قصيدة أو مدحة فى ستة وستين عيدا. ويذكر أيضا أن كل ما فى منازل الغنى بالله من القصور والرياض والضياع من نظم رائق ومدح فائق منقوش فى القباب والطاقات والثياب السلطانية فهو له. وينشد المقرى له فى كتابه أزهار الرياض عن كتاب
«البقية والمدرك» ما يقرب من عشرين قصيدة ومخمسة طويلة ونحو ثلاثين مقطوعة فى مديح الغنى بالله سوى مقطوعات متعددة فى مديح ابن الخطيب ولىّ نعمته وسوى قصيدة فى مديح أبى سالم المرينى وقطع من قصائد للسلطان يوسف الثانى وابنه السلطان محمد وسوى ثلاث مراث فى الغنى بالله ومرثية فى أستاذه الشريف الغرناطى. ومن أهم مدائحه للغنى بالله يائية امتدت إلى نحو مائة وخمسين بيتا استهلها بغزل بديع شغل ثمانية وعشرين بيتا، وخرج منه إلى مديح الغنى بالله قائلا إنه الشمس يعم نفعها وضوؤها القريب والبعيد والغيث الذى يهطل على العفاة دائما والباسل الذى يروى غصون الرماح العطشى دماء الأعداء القانية. ثم يأخذ فى وصف مبانيه فى قصور الحمراء مأخوذا بروعة النقوش وترصيعاتها وزخارفها، يقول:
ولله مبناك الجميل فإنّه
…
يفوق على حكم السعود المبانيا
بنيت له كفّ الثريا معيذة
…
ويصبح معتلّ النواسم راقيا
وتهوى النجوم الزّهر لو ثبتت به
…
ولم تك فى أفق السماء جواريا
وقد جعل ابن زمرك نجمة الثريا عوذة له وتميمة من عيون الحساد لشدة سموقه وارتفاعه، وجعل النسيم العليل فيه كأنه الرّقية التى يستروحها الناس، لما يندفع فيه من مياه تجرى فى قنوات مثبتة فى الحوائط بجميع الغرف لتلطيف الجو. ويمضى ابن زمرك فيصور البهو الذى شاده الغنى بالله وما يتوسطه من حوض كبير من المرمر به نافورة مرمريّة يحملها اثنا عشر أسدا تمج المياه من أفواهها إلى بركة تحيط بها، ويستمر ابن زمرك فى وصفه المبنى الباهر وهذا البهو الرائع والنافورة قائلا:
به البهو قد حاز البهاء وقد غدا
…
به القصر آفاق السماء مباهيا
به المرمر المجلوّ قد شفّ نوره
…
فيجلو من الظّلماء ما كان داجيا
وراقصة فى البهو طوع عنانها
…
تراجع ألحان القيان الغوانيا
إذا ما علت فى الجوّ ثم تحدّرت
…
تحلّى بمرفضّ الجمان النّواصيا (1)
يذوب لجين سال بين جواهر
…
غدا مثلها فى الحسن أبيض صافيا (2)
تشابه جار للعيون بجامد
…
فلم أدر أيّا منهما كان جاريا
وتصويره للنافورة فى الأبيات الأربعة الأخيرة تصوير بديع، وخاصة البيت الأخير،
(1) مرفض الجمان: متناثر اللؤلؤ.
(2)
اللجين: الفضة.