المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ب) كثرة الشعراء - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٨

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - التكوين الجغرافى والبشرى

- ‌2 - الفتح-عصر الولاة

- ‌(أ) الفتح

- ‌3 - الدولة الأموية

- ‌4 - أمراء الطوائف-المرابطون-الموحدون-بنو الأحمر فى غرناطة

- ‌(أ) أمراء الطوائف

- ‌(ب) المرابطون

- ‌(ج) الموحدون

- ‌5 - المجتمع

- ‌ الحضارة

- ‌الغناء

- ‌المرأة

- ‌6 - التشيع-الزهد والتصوف

- ‌(أ) التشيع

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل-الفلسفة-علم الجغرافيا

- ‌(أ) علوم الأوائل

- ‌(ب) الفلسفة

- ‌(ج) علم الجغرافيا

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - تعرب الأندلس-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب الأندلس

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 - الموشحات والأزجال

- ‌(أ) الموشحات

- ‌ ابن عبادة القزاز

- ‌ يحيى بن بقى

- ‌(ب) الأزجال

- ‌ابن قزمان

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ابن عبد ربه

- ‌ ابن عمار

- ‌ابن الحداد القيسى

- ‌الأعمى التّطيلى القيسى

- ‌الرّصافى محمد بن غالب

- ‌ابن زمرك

- ‌4 - شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ عبد الملك بن هذيل

- ‌يوسف الثالث

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ يحيى الغزال

- ‌السّميسر

- ‌اليكّىّ

- ‌5 - الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ حازم القرطاجنى

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌ابن خاتمة

- ‌2 - شعراء الطبيعة والخمر

- ‌ عبد الرحمن بن مقانا

- ‌ على بن حصن

- ‌ ابن خفاجة

- ‌ محمد بن سفر

- ‌3 - شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ محمد بن سوار

- ‌ ابن وهبون

- ‌(ب) رثاء الدول

- ‌ المعتمد بن عباد

- ‌ابن اللبانة

- ‌ابن عبدون

- ‌4 - شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن العريف

- ‌ ابن عربى

- ‌الششترى

- ‌(ج) شعراء المدائح النبوية

- ‌5 - شعراء الاستنفار والاستصراخ

- ‌ ابن الأبار

- ‌الفصل الخامسالنّثر وكتّابه

- ‌1 - الرسائل الديوانية

- ‌ البزليانى

- ‌ابن أبى الخصال

- ‌ابن عميرة المخزومى

- ‌2 - الرسائل الشخصية

- ‌حبيب

- ‌ابن الدباغ

- ‌ سهل بن مالك

- ‌3 - الرسائل الأدبية

- ‌رسالة التوابع والزوابع لابن شهيد

- ‌(أ) رسالة السيف والقلم

- ‌(ب) رسالة النخلة

- ‌(ج) رسالة أهب الشّاء

- ‌رسالتا ابن زيدون: الهزلية والجدية

- ‌رسالة ابن غرسية فى الشعوبية والردود عليها

- ‌رسائل نبوية ومواعظ

- ‌(أ) رسائل نبوية

- ‌ ابن الجنان

- ‌(ب) مواعظ

- ‌منذر بن سعيد البلّوطى

- ‌4 - أعمال نثرية

- ‌طوق الحمامة لابن حزم

- ‌كتابة التاريخ والتراجم الأدبية

- ‌(أ) المقتبس لابن حيان

- ‌(ب) الذخيرة لابن بسام

- ‌مذكرات عبد الله بن بلقّين

- ‌ قصة حى بن يقظان لابن طفيل

- ‌5 - المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌المقامات اللزومية للسّرقسطى

- ‌(ب) الرحلات

- ‌رحلة ابن جبير

- ‌خاتمة

الفصل: ‌(ب) كثرة الشعراء

(ب) كثرة الشعراء

كان طبيعيا أن يظل نشاط الشعر بالأندلس محدودا زمن الولاة (92 - 138 هـ) وصدر الدولة الأموية هناك حتى عهد الحكم الربضى (180 - 206 هـ) لأن أكثر العرب الفاتحين للأندلس كانوا يمنية، والشعر إنما ينشط على ألسنة العدنانيين، وربما نظمت أشعار فى تلك الفترة لم يسجلها الرواة، ومع ذلك فقد حدثونا عن شاعر مضرى مبكر فى عصر الولاة لم يلحق زمن الدولة الأموية هو جعونة الكلابى كان مدّاحا للصّميل بن حاتم مستشار يوسف بن عبد الرحمن الفهرى والى الأندلس منذ سنة 129 للهجرة، وأنشدوا بعض شعره، كما أنشدوا أشعارا لعبد الرحمن الداخل مؤسس الدولة الأموية وابنه الأمير هشام وحفيده الحكم الربضى. ويظل الرواة ينشدون أشعارا لأمراء البيت الأموى. وقد أخذ هذا البيت القرشى فى رعاية الشعر منذ أول ولايته فى الأندلس، ويذكرون من الشعراء فى عصر الداخل قاضيه معاوية بن صالح وابن عم جده بشر بن عبد الملك المروانى الداخل إلى الأندلس فى صدر أيامه وحبيب بن عبد الملك المروانى وكانت له عند الداخل مكانة عليّة. واشتهر من الشعراء فى عهد الأمير هشام أبو المخشىّ عاصم بن زيد المتوفى فى دولة ابنه الحكم الربضى، واشتهر لزمن الحكم غربيب بن عبد الله الثقفى الطّليطلى المتوفّى فى أول دولة عبد الرحمن الأوسط ابن الحكم (206 - 238 هـ) وعهده يعدّ-كما مر بنا-بدء الازدهار الحضارى والثقافى بالأندلس، وأيضا بدء الازدهار الأدبى، وحظى بنزول زرياب فى قرطبة لأول حكمه، ودفعه لنهضة غنائية وموسيقية تحدثنا عنها فى غير هذا الموضع. ورافق ذلك نشاط واسع للشعر وإعزاز لمكانته ورعاية متصلة من عبد الرحمن الأوسط لشعرائه، ونعد من مشهوريهم عباس بن ناصح قاضى الحكم الربضى على شذونة والجزيرة، ومرّ بنا-فيما أسلفنا- أن عبد الرحمن الأوسط وجّه به إلى العراق فى التماس الكتب القديمة التى تحمل علوم الأوائل فجلب منها إلى الأندلس كنوزا كثيرة أكبّ عليها الأندلسيون، وبدءوا نهضتهم فى إساغة تلك العلوم ثم الإضافة إليها-فيما بعد-إضافات باهرة. ومن مشهورى الشعراء أيضا فى هذا العهد يحيى الغزال الذى بدأ ظهوره فى عهد الحكم الربضى وعاش طويلا حتى سنة 250 للهجرة، ومثله عباس بن فرناس صاحب قصة الطيران المشهورة، وقد نجم فى عهد الحكم وعاش حتى سنة 274. وكان يعاصرهما عبد الله بن الشّمر منجم الأمير عبد الرحمن الأوسط ونديمه وعثمان بن المثنى مؤدب أبنائه، ومثله

ص: 137

عبد الله بن بكر الكلاعى الملقب بالنذل، ومثلهما أبو عثمان سعيد بن الفرج الملقب بالرشاش، وكان من آداب الناس فى زمانه وأقومهم على لسان العرب، يقال إنه كان يحفظ أربعة آلاف أرجوزة. ومن مشهورى الشعراء لعهد الأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط (238 - 273 هـ) عبد الله بن حسين بن عاصم الثقفى جليسه، ووزيره عبد الملك بن أحمد بن شهيد وعامر بن عامر بن كليب، ومحمد بن عبد العزيز العتبى وله مدائح كثيرة فى الأمير وابنه القاسم ووزيره هاشم بن عبد العزيز، ومؤمن بن سعيد كبير شعراء قرطبة كما يقول ابن حيان، ولكل هؤلاء تراجم وأشعار فى المغرب والمقتبس. وممن تدور أسماؤهم من الشعراء فى المقتبس لعهد الأمير محمد طاهر بن حزم وتمام بن أحمد بن عامر وعبد الله بن محمد المورورى وأحمد بن محمد بن فرج البلوى. ومن الشعراء المشهورين لعهد الأمير عبد الله بن محمد (275 - 300 هـ) حسب تعداد ابن حيان لهم فى المقتبس ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد، ويقول إنه زعيمهم وسابق حلبتهم وعبيد الله بن يحيى بن إدريس وسيحظى عبد الرحمن الناصر بمدائحهما له حتى وفاتهما لعهده، وعداد ابن عبد ربه فى بيوتات المولدين ومثله عداد ابن إدريس فى بيوتات المولّدين لعهد الدولة المروانية كما يقول ابن حيان. ومضى يعد من شعراء الأمير عبد الله مقدم بن معافى القبرى مخترع الموشحات وهو عربى صليبة كما سنعرف فيما بعد وقاسم بن عبد الواحد العجلى وأحمد بن قلزم وإسحاق المنادى وزيد بن ربيع وسعيد بن عبد ربه المطبّب ابن أخى الشاعر ابن عبد ربه وعبيديس بن محمود، وكان كاتبا فى القصر وله مدائح كثيرة فى الأمير عبد الله، ثم خرج إلى عبيد الله بن أمية المعروف باسم ابن الشاليه الثائر بجيّان فكتب له وامتدحه بشعر كثير، كما امتدح زميله الثائر مثله على الدولة ابن حفصون. ومن أهم الشعراء حينئذ القلفاط محمد بن يحيى المار ذكره وله مدائح فى الأمير عبد الله وأيضا فى كثيرين من الثوار على الدولة. ومر بنا فى الفصل الأول أن الفتن كانت قد تفاقمت لعهد الأمر عبد الله فى ديار كثيرة بالأندلس بين المستعربين والمسالمة والمولدين من جهة وبين العرب من جهة ثانية وكانت من الديار التى حدثت فيها هذه الفتنة إلبيرة ومعها غرناطة، ونشبت بين الطرفين فيهما حروب ووقائع كثيرة. والمهم أن ذلك أدى إلى ظهور شعراء ينتصر كل منهم لجماعته ويهجو متوعدا الجماعة المقابلة، واشتهر من هؤلاء الشعراء بين العرب سعيد بن سليمان بن جودى والى الأمير عبد الله على غرناطة، وشعره يفيض بحمية قوية للعرب وتوعد شديد لخصومهم، وأدار شاعران:

عربى هو الأسدى محمد بن سعيد بن مخارق، ومولّد من أبناء المسالمة هو العبلى عبد الله مناقضات، يناضل فيها كل منهما عن قومه.

ص: 138

ونفر غير قليل من شعراء الأمير عبد الله عاشوا فى عهد حفيده عبد الرحمن الناصر لذى امتد خمسين عاما حتى سنة 350 للهجرة يقول ابن حيان: «اجتمعت له حلبة من فحول الشعراء أمراء الكلام افتنوّا فى تقريظه وتوسعوا فى ذكر عدالته وسماحة كفه وشجاعة قلبه وجزالة رأيه وثقوب فهمه وبصره بتدبير حروبه واتصال فتوحه. . فأبدعوا فيما تناولوه به من ذلك بفضل اقتدارهم ومكانهم من صناعتهم فزادوا دولته حسنا وبهاء وكان المقدمون لديه من طبقتهم عدة خناذيذ (1) مقدّمهم معلمه فى الصبا ابن عبد ربّه، ويليه من نمطه عبيد الله بن يحيى بن إدريس وعبد الملك بن سعيد المرادى وإسماعيل بن بدر وأغلب بن شعيب وحسن بن حسان السّناط وغيرهم من كبار الطارئين عليه من المشرق مثل طاهر بن محمد البغدادى ومحمد بن الحسين الطّبنى الإفريقى (2). ويذكر ابن حيان فى الجزء الخامس الخاص بالناصر من المقتبس لهم مدائح كثيرة كانوا يهنئونه فيها بانتصاراته وخاصة لابن عبد ربه وابن إدريس ولشعراء آخرين مثل جعفر المصحفى ومحمد بن أضحى صاحب الحامّة وعبد الملك بن جهور وزيره وأحمد بن محمد الرازى الذى مر ذكره بين المؤرخين. وكثير من هؤلاء الشعراء باستثناء الأولين يدخلون فى عداد شعراء ابنه الحكم المستنصر (350 - 366 هـ) وفى مقدمتهم جعفر المصحفى مولاه وحاجبه ومحمد بن الحسين الطّبنى ومن شعرائه المهمين وزيره أحمد بن عبد الملك بن شهيد ويحيى بن هذيل ومحمد بن شخيص وأحمد بن فرج الجيّانى صاحب كتاب الحدائق. وكان الحكم مثل أبيه الناصر-شاعرا، وأنشد له صاحب المغرب أشعارا بديعة، وكذلك أنشد لأخوته عبد الله ومحمد وعبد العزيز ولابن أخيهم محمد بن عبد الملك بن الناصر. ويخلفه ابنه المؤيد (366 - 399 هـ) ويحجب له المنصور بن أبى عامر ثم ابناه المظفر والناصر، وتصبح الدولة دولتهم، وليس للمؤيد حول ولا طول، وتنشب بقرطبة فتنة تظل نحو عشرين عاما، ويقضى فيها على الحكم الأموى قضاء مبرما. ومن مشهورى الشعراء فى الدولة العامرية والسنوات العجاف بعدها عبد الملك بن أحمد بن شهيد، وابنه أحمد صاحب رسالة التوابع والزوابع المشهور بجودة نثره وشعره، والبلّينه سعيد بن عثمان المروانى وهو من مداح المنصور بن أبى عامر، والقائد يعلى بن أحمد بن يعلى وعبد الملك بن إدريس الجزيرى كاتب المنصور وابن النظام عبد الرحمن بن محمد والمطرف بن عمر الهشيّمى وعبد الله بن أبى الحسن

(1) الخناذيد جمع خنذيد، وهو من الشعراء: المجيد المحسن.

(2)

راجع الجزء الخامس من المقتبس (طبع المعهد الاسبانى العربى للثقافة بمدريد) ص 40 وما بعدها.

ص: 139

ومحمد بن شخيص شاعر المستنصر ويوسف بن هرون الرمادى المتوفى سنة 413 ومحمد بن الحسين الطّبنى وجعفر بن أبى على القالى، وعيسى بن الحسن، وعبادة بن ماء السماء المتوفى سنة 419 وابن الكتّانى محمد بن الحسن المذحجى المطبّب وابن دراج القسطلى وأمية (1) بن غالب المورورى.

ومما يدل بوضوح على كثرة الشعراء فى زمن الدولة الأموية منذ القرن الثالث أن نجد كثيرين من الأندلسيين يعنون بالترجمة لشعرائهم منذ صدر القرن الرابع الهجرى، على نحو ما نجد عند عثمان بن ربيعة المتوفى سنة 310 واسم كتابه «طبقات الشعراء بالأندلس» وتتوالى بعده المصنفات التى تعنى بتاريخ الشعراء الأندلسيين وعرض أشعارهم مثل شعراء الأندلس لابن سعيد الكنانى المتوفى سنة 320 وأخبار شعراء الأندلس لمحمد بن هشام الأموى فى زمن عبد الرحمن الناصر، والشعراء من فقهاء الأندلس لقاسم بن نصير المتوفى سنة 338 وشعراء الأندلس لمحمد بن عبد الرءوف الأزدى المتوفى سنة 343 وشعراء إلبيرة لمطرف بن عيسى الغسانى المتوفى سنة 357 وكتاب الحدائق لأحمد بن فرج الجيانى، ومرّ بنا فى الفصل الماضى أنه ألفه للحكم المستنصر معارضا به كتاب الزهرة لابن داود البغدادى وكان ابن داود وزّع كتابه على مائه باب وأودع فى كل باب مائة بيت، فجعل ابن فرج كتابه-كما مر بنا-فى مائتى باب وفى كل باب مائتا بيت، افتخارا بذلك لأهل موطنه وبيانا لتفوقهم فى الشعر وبراعتهم فيه. وألف بعده ابن الفرضى المتوفى سنة 403 كتابا فى أخبار شعراء الأندلس، وبنفس العنوان ألف عبادة بن ماء السماء كتابا مماثلا، وألف ابن الكتّانى «كتاب التشبيهات من أشعار أهل الأندلس» وهو نماذج من التشبيهات البديعة اختارها للشعراء الأندلسيين حتى زمنه، وقد ألممنا به فى حديثنا عن عناية الأندلسيين بالبلاغة العربية فى الفصل الماضى. وفى سرد تلك الكتب العشرة ما يدل بوضوح على كثرة الشعراء الأندلسيين كثرة مفرطة زمن الدولة الأموية.

ونمضى إلى عصر أمراء الطوائف، وقد أدّت المنافسة بينهم إلى أن يجمع كل منهم حوله كوكبة من الشعراء ولعل إمارة لم تعن بجذب الشعراء إليها كما عنيت إمارة بنى عباد بإشبيلية، فقد أكثروا من إغداقهم على الشعراء، وليس ذلك فحسب، فقد أحالوا إشبيلية

(1) انظر تراجم هؤلاء الشعراء فى المغرب وخاصة فى كتاب مدينة الزاهرة 1/ 197 - 211.

ص: 140

إلى دار غناء ضخمة، وكانت مجالس المعتضد وابنه المعتمد ندوات كبيرة لالتقاء الشعراء وإنشادهم مدائحهم فى الأميرين، وكانا شاعرين، وخاصة المعتمد إذ كان شاعرا كبيرا وله ديوان شعر منشور. ويترجم ابن بسام فى الذخيرة وابن سعيد فى المغرب لشعراء إشبيلية والوافدين عليها فى عهد المعتضد والمعتمد، وهم يعدون بالعشرات، نذكر منهم لعهد المعتضد أبا عامر بن مسلمة صاحب كتاب الارتياح فى وصف حقيقة الراح ألفه للمعتضد وإسماعيل بن عامر الحميرى الملقب بحبيب صاحب كتاب البديع فى وصف الربيع وأبا جعفر أحمد بن الأبار وأبا حفص عمر بن الحسن الهوزنى وعلى بن غالب بن حصن ومحمد بن ديسم وأحمد بن محمد الإشبيلى وإبراهيم بن خيرة بن الصباغ وعبد الله بن حجاج وأبا القاسم محمد بن عبد الغفور وابن زيدون القرطبى الذى اتخذه وزيرا ومدبّرا لشئون دولته منذ نزوله بإشبيلية سنة 441. وكان ابنه المعتمد راعيا كبيرا للشعر والشعراء، ومن شعرائه أبو الوليد محمد بن عبد العزيز المعلم وزيره وكاتبه وأبو القاسم بن الجد وأبو القاسم بن مرزقان وابن المرعزّى النصرانى الإشبيلى. وكاد أن لا ينجم فى بلد من بلدان الأندلس شاعر كبير إلا ويفد عليه ويقدم مدائحه إليه من مثل ابن عمار الشلبى الذى وفد على أبيه، وانعقدت بينه وبين المعتمد صحبة حتى إذا أفضت الإمارة إليه جاءه فتلقاه بأعظم قبول، وظلت الصلة بينهما وطيدة إلى أن أفسدها ابن عمار. ومن كبار شعراء الأندلس الوافدين عليه من البشرات فى إلبيرة ابن القزاز محمد بن عبادة، ومن المريّة يوسف بن عبد الصمد، ومن مرسية عبد الجليل بن وهبون الذى تغنى طويلا بانتصاره مع يوسف بن تاشفين فى موقعة الزلاقة، ومن دانية ابن اللبانة الذى تفجع على دولته تفجعا مريرا حين نفاه ابن تاشفين إلى أغمات بمراكش. وممن وفد عليه أيضا ومدحه ابن حمديس شاعر صقلية المشهور.

ولعل فى هذا العرض السريع للشعراء المستوطنين والوافدين على إمارة إشبيلية ما يصور-من بعض الوجوه-كثرة الشعراء فى عهد أمراء الطوائف وحقا لم تبلغ إمارة من إماراتهم ما بلغته إشبيلية من رعاية الشعراء حينئذ، غير أنه لم تكد تخلو إمارة من شعراء يحفّون بها وبأمرائها، ولنأخذ مثلا المريّة، فقد كان من أمرائها راع كبير للشعر هو المعتصم بن صمادح الذى ظل على إمارتها نحو أربعين سنة وكان شاعرا، وكذلك كان أبناؤه أبو يحيى وأبو جعفر أحمد وأبو محمد عبد الله وأختهم أم الكرم وكانت تنظم الشعر والموشحات، ومن مداحه يوسف بن عبد الصمد الوافد على المعتمد فى إشبيلية، وأبو حفص بن الشهيد، وابن الطراوة سليمان بن محمد، ومن كبار الشعراء الوافدين

ص: 141

عليه من الأندلس وغيرها الأشكركى يوسف بن محمد وابن القزاز محمد بن عبادة الإلبيرى الذى كان يفد على المعتمد بإشبيلية وابن الحداد محمد بن أحمد الوادى آشى والأسعد بن بلّيطة الطّليطلى وابن شرف القيروانى. وتكتظ الذخيرة وكتاب المغرب بشعراء إمارات الطوائف المختلفة.

وكان تعدد هذه الإمارات سببا فى أن تتعدد بالأندلس المراكز التى تغدق على الشعراء فيها الأموال والعطايا الجزيلة، مما لم يكن مألوفا زمن الدولة الأموية، إذ كانت قرطبة وحدها هى التى تنثر الدنانير، أما فى هذا العصر فقد أخذت منها هذه المكانة-أو قل بزّتها فيها-مدن كثيرة من مثل إشبيلية والمريّة ومرسية ودانية وبطليوس وطليطلة وسرقسطة وغرناطة، ودفع ذلك إلى ظاهرة مستجدة فى هذا العصر هى ظاهرة الشعراء الجوّالين الذين يرحلون من إمارة إلى إمارة أو من أمير إلى أمير فى طلب النوال والمال مثل أسعد بن بلّيطة الطليطلى وابن القزاز محمد بن عبادة وأبى عامر بن الأصيلى وكان جواب آفاق وعبد الرحمن بن مقانا الأشبونى المبدع، ورأى أن يرجع أخيرا إلى موطنه «القبذاق» ويشتغل فيها بالزراعة بعد أن كلّت قدماه وأضناه التطواف على الإمارات والأمراء (1). وأخذت تشيع حينئذ ظاهرة غريبة هى ظاهرة المداحين المتسوّلين من أهل الكدية الذين يسميهم ابن بسام فى الذخيرة باسم القوّالين، وهم لا ينظمون شعرا ولا مديحا، وإنما ينشدون غرر القصائد على الأبواب وفى الأسواق يستجدون بها الناس بما يسمعونهم من شعر رائع يمتعونهم به، ويذكر ابن بسام من ذلك الشعر قصيدة ابن مقانا:

ألبرق لائح من أندرين

ذرفت عيناك بالدمع المعين (2)

ويقول إن طائفة القوالين فى الأندلس كانوا يتداولون أكثر أبياتها لما تشتمل عليه من عذوبة فى اللفظ وسلاسة (3).

وينتهى عصر الطوائف وأمرائه، وتدخل الأندلس فى عصر المرابطين (484 - 541 هـ) وكانوا مشغولين بحرب النصارى فى الشمال، ولم يكن لهم اهتمام بالشعر والأدب، غير أنهم لم يلبثوا-وخاصة ولاتهم فى الأندلس-أن أشربوا روح الأندلس وثقافتها وعنايتها بالشعر، وطبيعى أن ظلّ يعيش فى عصر المرابطين شعراء كثيرون ممن نشأوا فى عصر أمراء الطوائف، ومن الشعراء فى هذا العصر عبد الله بن سارة وابن أبى

(1) الذخيرة 2/ 787.

(2)

أندرين: قرية بالشام.

(3)

الذخيرة 2/ 791.

ص: 142

الخصال الكاتب وابن الزقاق وابن خفاجة وعبد العزيز بن القبطورنة وعلى بن الإمام ومحمد بن الجراوى الغرناطى وعبد الرحمن بن مالك ويحيى بن الصيرفى وله كتاب فى تاريخ الدولة اللمتونية أو دولة الملثمين أو المرابطين ومحمد بن أحمد بن حجاج وجعفر بن الحاج وأمية بن أبى الصلت والفتح بن خاقان صاحب القلائد والمطمح وابن بسام صاحب الذخيرة وأبو بكر المخزومى الأعمى وأبو العلاء بن الجنّان وابن عائشة الكاتب وأبو بكر بن العربى وابن العريف وأبو أمية بن عصام وعبد الحق بن عطية وعبد المجيد بن عبدون وجعفر بن محمد بن الأعلم ومحمد بن الروح وابن الفخار الأصولى المالقى، ومن كبار الشعراء الوشاحين فى العصر الأعمى التطيلى ويحيى بن بقى واليكّى يحيى بن سهل والأبيض أبو بكر محمد بن أحمد الأنصارى وأبو عبد الله بن أبى الفضل بن شرف وأبو الحسن بن نزار وابن باجة الفيلسوف. ولكل هؤلاء الوشاحين والشعراء تراجم وأشعار فى كتاب المغرب لابن سعيد، وأيضا فإنه ترجم لابن قزمان الواضع النهائى لفن الزجل الأندلسى وديوانه منشور منذ القرن الماضى وقد توفى سنة 555 بعد عصر المرابطين بنحو خمسة عشر عاما، وهو لذلك حرى بأن يلحق بعصرهم.

ونمضى إلى عصر الموحدين ونرى ابن سعيد فى كتابه المغرب يترجم فيه لأكثر من أربعين شاعرا نذكر منهم أحمد بن شطرية القرطبى وابن خروف على بن يوسف ومحمد بن الصفار الأعمى القرطبى والهيثم بن أحمد بن الهيثم ومحمد بن عياض اللبلى والخراز البسطى وابن طفيل الفيلسوف وأبا عامر محمد بن الحمارة تلميذ ابن باجة ومحمد بن عبد الواحد الملاحى مؤرخ غرناطة وعبد البر بن فرسان وعبد الله بن عذرة وأحمد بن عبد الملك بن سعيد وصفوان بن إدريس صاحب زاد المسافر والكتندى محمد بن عبد الرحمن وأحمد بن عتيق الفيلسوف المعروف بابن الذهبى والرصافى محمد بن غالب وأحمد بن طلحة ومرج الكحل وأبا عامر بن ينّق الشاطبى ويحيى الجزار السرقسطى.

وترجم ابن سعيد بجانب هؤلاء الشعراء وأشعارهم لطائفة من الوشاحين مع إنشاده لبعض موشحاتهم، منهم أحمد بن حنون وأبو بكر بن زهر وابن حبيب القصرى الفيلسوف وعلى بن المرينى وابن هرودس وعلى بن الفضل وعلى بن حريق وعبد الرحيم بن الفرس وابن موهد الشاطبىّ. وبالمثل ترجم لطائفة من الزجالين مع إنشاده لبعض أزجالهم منهم أبو عمرو بن الزاهر الإشبيلى والبلارج القرمونى وابن الدباغ ومدغليس وابن ناجية اللورقى. ومما يدل بقوة على ازدهار نهضة الشعر فى الأندلس منذ القرن الثالث الهجرى كثرة ناظميه بين الفقهاء واللغويين والنحاة والأطباء

ص: 143

والرياضيين والمتفلسفة وحتى بين العامة وأهل الريف على نحو ما مرّ بنا عن أهل شلب مما حكاه ياقوت. ومن أكبر الأدلة على هذا الازدهار أن المرأة الأندلسية أسهمت فيه إسهاما واسعا بزّت فيه أخواتها فى البلاد العربية الأخرى، مما جعل كتب التراجم الأدبية الأندلسية من مثل المغرب تترجم لغير شاعرة، وقد ترجم المقرى فى النفح لأكثر من عشرين شاعرة، منهن فى القرن الثالث حسانة التميمية بنت الشاعر أبى المخشىّ عاصم بن زيد، ومنهن فى القرن الرابع حفصة بنت حمدون الحجارية وعائشة بنت أحمد القرطبية والشاعرة الغسانية البجانية، ومنهن فى القرن الخامس ولادة بنت الخليفة المستكفى ومهجة بنت التيّانى القرطبية ومريم بنت أبى يعقوب الإشبيلية وأم العلاء بنت يوسف الحجارية والعبادية جارية المعتضد بن عباد واعتماد المعروفة باسم الرّميكية زوجة ابنه المعتمد وأم أبنائه وغاية المنى جارية المعتصم بن صمادح صاحب المرية وأم الكرم ابنته وحواء زوجة القائد المرابطى سير بن أبى بكر والى إشبيلية حتى وفاته، وكانت لها ندوة أدبية تجلس فيها للشعراء تحاضرهم فيها وتستمع إلى أحاديثهم وأشعارهم وتبدى بعض انتقادات على ما تسمع. وممن ترجم لهن المقرى فى القرن السادس نزهون بنت القليعى وحمدة بنت زياد وحفصة بنت الحاج الركونية الغرناطية وورقاء بنت ينتان القرطبية والشاعرة الشلبية وأسماء العامرية، وترجم المقرى فى أواخر عصر الموحدين بالنصف الأول من القرن السابع لأم السعد بنت عصام القرطبية وأختها مهجة. وهو عدد وفير من الشاعرات الأندلسيات لم يتح لأى إقليم عربى، مما يدل بوضوح على شغف الأندلسيين الشديد بفن الشعر شغفا أذكى فى نفوسهم نساء ورجالا جذوة الشعر مما جعل الأندلس تمتلئ شاعرات وشعراء.

وما إن ينحسر لواء دولة الموحدين عن الأندلس حوالى سنة 625 حتى يأخذ هذا الازدهار الذى رافق الشعر الأندلسى قرونا متعاقبة فى التقلص والنصول، إذ أخذ كثير من ينابيع الحياة التى كان يستمد منها فى الجفاف بسبب ضياع الشطر الأعظم من الأندلس فقد سقطت الحواضر الكبرى فى وسط الأندلس وشرقيها وغربيها فى حجور المسيحيين، ولولا أن أتيح للشطر المتبقى القائد العربى ابن الأحمر حفيد سعد بن عبادة الأنصارى الصحابى لضاعت الأندلس نهائيا من أيدى العرب، ولكنه استطاع أن يصمد للنصارى الشماليين وأن يكوّن دولة فى غرناطة والأجزاء الجنوبية من الأندلس ظل أبناؤه وأحفاده يقومون عليها حتى غلبوا على أمرهم لسنة 897 للهجرة وخرجوا-وخرج معهم جمهور العرب-من الجزيرة. ومنذ واقعة العقاب سنة 609 واندحار جيش

ص: 144

الموحدين فيها أحسّ الأندلسيون أن الخطر تفاقم وأن ديارهم لن تثبت طويلا أمام ضربات العدو، وهو ما أخذ يتراءى لهم سريعا، وكان ذلك سببا فى أن يغادر الأندلس كثيرون من أهلها إلى البلاد المغربية والمشرقية فاستقروا بها حاملين معهم علومهم وآدابهم التى أثروا بها تأثيرا عميقا فى البلاد المغربية، خاصة فى مراكش وبجاية وتونس.

ولابن سعيد صاحب كتاب المغرب المتوفى سنة 685 كتاب نشر مجمل له باسم اختصار القدح المعلّى وهو يعرض فيه شعراء الأندلس فى المائة السابعة ممن جالسهم فى الأندلس وقيّد عنهم بعض أشعارهم أو جالسهم فى البلدان المغربية وخاصة تونس أو فى البلدان المشرقية فى الإسكندرية أو فى القاهرة أو فى دمشق، وقد بلغوا فى كتابه اثنين وسبعين شاعرا، وتراجمهم أكثر تفصيلا وأشعارا من ترجماته فى كتاب المغرب، وممن يذكره بينهم أبو الوليد الشّقندى صاحب الرسالة المشهورة فى فضل الأندلس وتفوقها الثقافى والأدبى، ويذكر إبراهيم بن محمد بن صناديد الجيانى ويقول إن أباه ممدوح مدغليس فى أزجاله. ويتوسع فى الحديث عن علماء اللغة والنحو: الشلوبين والدباج والأعلم البطليوسى منشدا بعض أشعارهم وكان قد أقام بتونس طويلا، ولذلك عنى بالحديث عمن نزل فيها من الأدباء والشعراء الكبار مثل ابن الأبار صاحب التكملة والحلة السيراء وتحفة القادم ومعجم الصدفى وبها توفى سنة 658 ومثل أبى المطرف أحمد بن عميرة وأبى الحجاج يوسف البياسى وابن همشك محمد بن يحيى. وممن ذكر أنهم رحلوا إلى مصر أبو الحجاج يوسف الإشبيلى المطبّب وقد عيّنه المصريون فى مارستان القاهرة.

وكانت مصر دائما ترحب بالمهاجرين إليها من الأندلس مثل ابن دحية الذى أسند إليه السلطان الكامل رياسة مدرسة الحديث ومثل ابن البيطار الذى جعله رئيسا للعشّابين أو الصيادلة فى القاهرة، وهاجر إلى دمشق ابن عربى المتصوف وتوفى بها سنة 638 وهاجر تلميذه ابن سبعين إلى مكة وبها توفى سنة 669. وكتاب اختصار القدح المعلى مهم لأنه يعرض علينا جمهرة كبيرة من شعراء الأندلس فى المائة السابعة. ونلتقى بعده بكتاب «الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة» للسان الدين بن الخطيب وبه ترجمات لمائة شاعر وثلاثة، بدأهم بالوعاظ والمتصوفة من مثل ابن عباد النفزى المتوفى سنة 791 وتلاهم بالمقرئين والمدرسين من الشعراء مثل أبى حيان المهاجر إلى القاهرة، وذكر فى إثرهم طبقة القضاة ثم طبقة الكتاب والشعراء من أمثال ابن خاتمة وابن زمرك. ويكمل كتاب لسان الدين فى شعراء الأندلس فى المائة الثامنة كتاب نثير فرائد الجمان فى نظم فحول الزمان لابن الأحمر إسماعيل بن يوسف المتوفى سنة 807 وقد

ص: 145