الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأى أرسطو والفلاسفة المشائين بأن العالم قديم ورأى الغزالى وعامة المتكلمين بأنه محدث، فقال إن قدمه إنما هو بالقوة لا بالفعل، ثم وجد وتشكّل فهو قديم ومحدث، وكذلك المادة قديمة ومحدثة. وقال إن الله يعقل الأشياء فى ذاته لا كما نعقلها نحن على وجه كلى أو جزئى، إذ هو علة الموجودات جميعا والمحرك لها من القوة إلى الفعل.
ومنذ أخذ مترجمو ابن رشد إلى اللاتينية: جيرار الكريمونى (1187 م) وميشيل سكوت الإنجليزى (1235 م) وهرمان الألمانى (1272 م) يذيعون أعماله أخذت تدرس فى الجامعات الأوربية بإيطاليا وفرنسا وإسبانيا بينما كانت الكنيسة تقاومها وخاصة رهبان الدومينيكان، وصبّت الكنيسة لعناتها على سيجر البرابانتى الأستاذ بجامعة باريس وطردته من رحابها فى سنة 1266 إذ عدته زنديقا رشديّا، وعلى الرغم من أن الراهب الدومينيكانى الألمانى ألبرت الكبير وتلميذه الراهب توماس الأكوينى هاجما بعض الآراء والتعاليم المنسوبة إليه خطأ فقد انتفعا أكبر انتفاع بأدلته وبراهينه فى التوفيق بين الفلسفة أو العقل وبين الدين، حتى ليسيران معه فى طريق واحدة متبعين خطاه فيما قرر من وحدانية الله لوحدة العالم وتنزيهه عن كل نقيصة. وظلت فلسفة ابن رشد وتعاليمه وأفكاره تدرس فى الغرب منذ القرن الرابع عشر، وعلى الرغم من أن مجمع لاتران البابوى قرّر سنة 1502 لعن كل من ينظر فى فلسفة ابن رشد ظل له أنصار كثيرون وظل يدرس فى الجامعات الغربية حتى العصر الحديث. ومما لا ريب فيه أنه كان لفلسفته وأفكاره أثر بعيد فى قيام حركة التحرر والإصلاح الدينى فى النهضة الأوربية، ويقول بالنثيا إن تأثير ابن رشد فى تاريخ الفكر الأوربى كان حاسما، وهو تأثير يحتاج بيانه إلى مجلدات طوال وهو يعدّ-بحق-خاتمة الفلاسفة والمفكرين العظام فى الأندلس.
(ج) علم الجغرافيا
تابع الأندلسيون المشارقة فى الاهتمام بعلم الجغرافيا لمعرفة مسالك العالم وممالكه مما أتاح لهم جغرافيون يصفون جزيرتهم، وقد يصفون معها المغرب والعالم العربى والإسلامى، وقد يصفون أنحاء من أوربا الغربية والشرقية، وأضافوا إلى ذلك وصف رحلات لهم كثيرة. والعرب بطبيعتهم رحالة، وبدأوا ذلك فى جاهليتهم حين كانوا يكثرون من الرحلة وراء الكلأ ومساقط الغيث ولغرض الحج، وجعل الإسلام الحج جزءا لا يتجزأ من عبادتهم ومنسكهم، ثم كانت فتوحهم الإسلامية وهجراتهم الطويلة شرقا
إلى أواسط آسيا وغربا إلى الأندلس والمحيط الأطلسى، فكان طبيعيا أن يولعوا بالرحلات والأسفار والتعرف على البلدان القريبة والبعيدة والمسالك المؤدية إليها.
وطبيعى لذلك أن يكون لكل بلد عربى جغرافيوّه ورحّالته، وأن تشارك الأندلس فى ذلك بحظ أو حظوظ، وأول جغرافى مهم نلتقى به فيها أحمد (1) بن محمد الرازى المتوفى سنة 344 للهجرة، وهو مؤرخ وجغرافى ولم يبق من أعماله؟ ؟ ؟ سوى قطعة فى جغرافية الأندلس احتفظت بها ترجمات إسبانية وبرتغالية، ويظن أنها كانت مقدمة لكتابه:«أخبار ملوك الأندلس» وهو فيها يتحدث عن موقع الأندلس وهيئتها ومناخها فى قسميها الغربى والشرقى وأنهارها وجبالها وكورها ومذنها وإنشائها وحدودها وحصونها. وقد استشهد ابن حيان فى كتابه-وكذلك ابن سعيد فى كتاب المغرب-بفقرات من هذه المقدمة الجغرافية. ويبرز من الجغرافيين بعده أبو (2) عبد الله محمد بن يوسف التاريخى القيروانى نزيل الأندلس فى عصر المستنصر (350 - 366 هـ) المتوفى سنة 363 وله كتاب عن مسالك إفريقية وممالكها انتفع به أبو عبيد البكرى فى كتابه المسالك والممالك. ويلقانا فى عصر أمراء الطوائف أحمد (3) بن عمر بن أنس العذرى الدلائى المريّى المتوفى سنة 476 وله كتاب نظام المرجان فى المسالك والممالك وفيه يعرض كور الأندلس وأجزاءها والطرق السالكة إليها، وبه انتفع أيضا أبو عبيد البكرى (4)، وهو عبد الله بن عبد العزيز المتوفى سنة 487 للهجرة، كان آباؤه أمراء ولبة وشلطيش بعد سقوط الخلافة، وأخذهما منهم المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، ونشأ أبو عبيد بقرطبة وتتلمذ على ابن حيان المؤرخ المشهور، وبعد وفاته سنة 469 نزل المريّة، وأرسله ابن صمادح صاحبها فى رسالة إلى المعتمد بإشبيلية، فآثر المقام عنده، حتى إذا خلعه يوسف بن تاشفين سنة 484 هاجر إلى قرطبة وبها توفى. وله فى الجغرافية كتابان: المسالك والممالك، والقسم الخاص بالمغرب منه
(1) انظر فى الرزى جذوة المقتبس للحميدى (طبع القاهرة) ص 97 وتاريخ علماء الأندلس لابن الفرضى رقم 135 وكتاب الجغرافية والجغرافيين فى الأندلس لحسين مؤنس (طبع مدريد) ص 56.
(2)
راجع فى أبى عبد الله التاريخى الحميدى رقم 90 وبغية الملتمس للضبى رقم 90 والتكملة لابن الأبار رقم 344 ومؤنس ص 73.
(3)
انظر فى الدلائى الحميدى رقم 236 والضبى رقم 446 ومؤنس ص 81.
(4)
راجع فى أبى عبيد البكرى الذخيرة لابن بسام، المجلد الأول من القسم الثانى (تحقيق د. إحسان عباس) ص 232 والقلائد للفتح بن خاقان (طبع بولاق) ص 191 والصلة لابن بشكوال ص 282 وابن أبى أصيبعة ص 500 والمغرب 1/ 347 والحلة السيراء (طبع القاهرة 2/ 180) ومؤنس ص 108 وما بعدها وتاريخ الفكر الأندلسى لبالنثيا ص 309 وما بعدها وألدومييلى ص 360.
مطبوع، والكتاب الثانى معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع فى جزيرة العرب، طبعه وستنفلد قديما، ثم طبعه الأستاذ مصطفى السقا طبعة علمية محققة فى أربع مجلدات ضخمة بالقاهرة، ويقول أبو عبيد فى مقدمته:«هذا كتاب ذكرت فيه جملة ما ورد فى الحديث والأخبار والتواريخ والأشعار من المنازل والديار والقرى والأمصار والجبال والآثار والمياه والآبار والدارات والحرار منسوبة محدّدة ومبوّبة على حروف المعجم مقيدة» واستهلّه بوصف الجزيرة العربية وحدودها الجغرافية وأقسامها: الحجاز وتهامة ونجد واليمن مع بيان مفصل عن قبائلها وما يتصل بها من التنقلات والوقائع والأيام.
ونلتقى فى النصف الأول من القرن السادس الهجرى بجغرافى يسمى محمد (1) بن أبى بكر الزهرى عاش فى المرية أو غرناطة، وله كتاب جغرافى فى وصف ما سماه «الخارطة المأمونية للعالم» وفيه يتحدث عن أقاليم الأرض السبعة وطبيعتها وسكانها ويعنى بالأندلس ووصف مدنها. وقد نشرت منه مقتطفات عن الأندلس ومراكش وصقلية، ويكتظ بالعجائب والغرائب حتى ليمكن أن يوصف بأنه جغرافيا شعبية.
وتلقانا فى الأندلس كتابات جغرافية عند بعض المؤرخين يضعونها فى مقدمات كتبهم عن تاريخ الأندلس أو عن رجالها مثل مقدمة كتاب فرحة الأنفس فى تاريخ الأندلس لابن غالب (2) من مؤرخى القرن السادس الهجرى وهى تعرض كور الأندلس وما تضمه من مدن وحصون وقرى ومسالك وما تشتهر به من صناعة وزراعة مع تفصيل القول عن قرطبة ومسجدها الجامع ومقصورته ومحرابه ومنبره ومع بيان الجبال فى الأندلس والأنهار.
ولابن سعيد المتوفى سنة 682 مقدمة جغرافية نفيسة للقسم الأندلسى من كتابه المغرب، سقطت أوراقها منه، غير أن المقرى احتفظ بها فى النفح، وله فى الجغرافيا كتاب مجمل سماه «كتاب بسط الأرض فى الطول والعرض» ، ويقول الدكتور حسين مؤنس:«يمكن وصفه بأنه جدول بالمدن والجبال والأنهار والبحار وغيرها من الأعلام الجغرافية موقعة على أطوالها وعروضها فى دقة (3)» والأرض عنده تسعة أقاليم مقسمة إلى عشرة أجزاء تبتدئ من جزائر الخالدات فى المحيط الأطلسى، وتنتهى بجزائر السّيلى أى اليابان.
(1) انظر فى الزهراوى د. مؤنس فى كتابه تاريخ الجغرافية والجغرافيين فى الأندلس ص 358 وما بعدها.
(2)
راجع فى ابن غالب ومقدمته تحقيق الدكتور لطفى عبد البديع لها وقد نشرها فى الجزء الثامن من المجلد الأول فى معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، وانظر كتاب د. مؤنس ص 452 وما بعدها.
(3)
انظر د. مؤنس ص 501 وكتاب بسط الأرض لابن سعيد نشر بتطوان.