الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - أمراء الطوائف-المرابطون-الموحدون-بنو الأحمر فى غرناطة
(أ) أمراء الطوائف
(1)
تقوّض الصرح الشامخ الذى شاده بالأندلس أمراء البيت الأموى وخلفاؤه، ونشأ عن ذلك تفكك الدولة واستقلال مدنها الكبرى بأعمالها وقيام النظام المسمى بنظام أمراء الطوائف أو ملوك الطوائف، وقد بدأ منذ زمن الفتنة (399 - 422 هـ) إذ أخذت العناصر المختلفة تقتسم تلك البلدان، فكان للصقالبة أكثر بلدان الشرق وللعرب والبربر بلدان الموسطة والغرب والجنوب. وتنافست هذه البلدان تنافسا أدى إلى طور حضارى راق كما أدى إلى نهضة واسعة فى الأدب والعلم. وفى الوقت نفسه أخذت تتحارب فيما بينها، بل أدهى من ذلك أن بعض أولئك الأمراء أدى الجزية صاغرا لمسيحيى الشمال مما قوّى فى نفوسهم فكرة استرداد الأندلس من العرب المسلمين. ونقف قليلا عند أهم المدن التى تكوّنت فيها هذه الإمارات.
وأول مدينة نقف عندها قرطبة وقد اجتمع الملأ فيها أو كبار رجالاتها ووقع اختيارهم على أبى الحزم جهور ليكون أمينا على حكمها، وبذلك تأسّس فيها نظام جمهورىّ ارستقراطى يرأس الحكم فيه أبو الحزم جهور، ويساعده مستشارون يأخذ بمشورتهم فى المسائل المهمة، وخلفه فى الحكم سنة 435 ابنه أبو الوليد محمد باتفاق الملأ، وفوّض
(1) انظر فى هؤلاء الأمراء الذخيرة لابن بسام والمغرب لابن سعيد فى بلدانهم والجزء الرابع من تاريخ ابن خلدون والحلة السيراء لابن الأبار فى تراجمها، وكذلك التكملة، والجزء الثانى والثالث من البيان المغرب (طبع باريس) والثانى من أعمال الأعلام (طبع بيروت) وكذلك الرابع بتحقيق د. إحسان عباس (طبع بيروت) ونفح الطيب للمقرى (بتحقيق إحسان) فى مواضع مختلفة والتبيان: مذكرات الأمير عبد الله بن بلقين آخر أمراء غرناطة (طبع دار المعارف) ودول الطوائف لمحمد عبد الله عنان (طبع القاهرة) والصقالبة للعبادى (طبع مدريد) والإسلام فى المغرب والأندلس لبروقنسال (ترجم إلى العربية) طبع القاهرة والتاريخ الأندلسى لعبد الرحمن الحجى ومعالم تاريخ المغرب والأندلس لحسين مؤنس وتاريخ البحرية الإسلامية فى المغرب والأندلس لعبد العزيز سالم والعبادى (طبع بيروت).
التدبير إلى ابنه عبد الملك، فأساء السيرة وحاصره المأمون بن ذى النون، فاستغاث بالمعتمد بن عباد أمير إشبيلية، فوجه إليه ابنه الظافر سنة 462 فى عسكر كثيف ففك ابن ذى النون حصاره، وغدر الظافر بعبد الملك فخلع بنى جهور عن قرطبة ونفاه مع أبيه إلى شلطيش فى الجنوب الغربى للأندلس، واغتال حريز بن عكاشة الظافر ليلا، فأقبل المعتمد بجنوده وهرب ابن عكاشة ولحقته خيل فقتلته، ودخل المعتمد قرطبة وولى عليها ابنه المأمون فظل يدير شئونها إلى أن قتله المرابطون سنة 484 للهجرة.
وتعدّ إمارة إشبيلية أهم إمارات الطوائف لما قادت من حركة أدبية وعلمية كبرى ولما صار إليها من بلدان كثيرة فى شرقى الأندلس وغربيها، وأول من جمع زمام الحكم بيده بها قاضيها محمد بن إسماعيل اللخمى منذ سنة 414 إلى أن توفى سنة 433 وخلفه ابنه عباد الملقب بالمعتضد وكان جبارا سفاكا للدماء وأحاط نفسه بكوكبة كبيرة من الشعراء واتسع بسلطانه على حساب جيرانه من العرب والبربر بينما كان يرهب المسيحيين فى الشمال رهبة شديدة حتى ليدفع لهم الجزية صاغرا، وبذلك كان معولا كبيرا لهدم الإسلام والعروبة فى الأندلس. وتوفى سنة 461 فخلفه ابنه المعتمد وفى عهده بلغت الإمارة الذروة فى السلطان إذ دان له كثير من البلدان فى غربى الأندلس مثل قرمونة وشريش وشلب وفى شرقيها مثل مالقة ومرسية، وظل مثل أبيه يدفع الجزية صاغرا لملك ليون وقشتالة، وكان شاعرا واجتمع له من الشعراء ما لم يجتمع لأى حاكم أندلسى، وكان مولعا بالشراب ومجالس الغناء، وعزله يوسف بن تاشفين فى عبوره سنة 484 ونفاه إلى أغمات فى المغرب، وبها توفى سنة 488 للهجرة.
وقامت فى الجنوب إمارة ثالثة هى إمارة غرناطة تملكتها صنهاجة وأول أمرائهم بها زاوى بن زيرى الذى اشتهر بهزيمته لخيران أمير المرية حين بايع المرتضى المروانى بالخلافة وزحف به على غرناطة. وخاف الكرة عليه من أهل الأندلس فرحل بما حازه من الأموال والذخائر إلى موطنه فى المغرب، وخلفه بغرناطة ابن أخيه حبوس بن ماكسن (410 - 429 هـ) وورثه ابنه باديس (429 - 465 هـ) وكان من أبطال الحروب وعظم سلطانه بهزيمته لزهير صاحب المرية وقتله سنة 429 هـ وخلفه حفيده عبد الله بن بلقّين، وظل على غرناطة، إلى أن سلمها ليوسف بن تاشفين سنة 484 للهجرة.
وقامت فى الثغر الأعلى إمارة سرقسطة، ثار بها منذر بن يحيى التجيبى ممدوح ابن درّاج، وتوفى سنة 414 فخلفه عليها ابنه المظفر يحيى وبعده ابنه منذر، وكان له ابن عم متهور كثير الحسد له فدخل عليه قصره وقتله، فانتهز الفرصة واليه على لاردة-وقيل
على تطيلة-سليمان بن أحمد بن هود وانقضّ على سرقسطة سنة 431، فهرب القاتل وخلصت له ولعقبه، ووليها بعده ابنه المقتدر أحمد وهو عميد بنى هود وكان فارسا مغوارا وله غزوات مشهورة للمسيحيين فى الشمال، وكان شاعرا وممدّحا للشعراء. وجمع ألفونس السادس ملك ليون وقشتالة جيشا ضخما للاستيلاء على سرقسطة وباءت حملته بالإخفاق الذريع فأعاد الكرة سنة 456 وفاجأ النورمانديون بلدة بربشتر على مسافة 60 كيلو مترا فى الشمال الشرقى من سرقسطة واقتحموها وأنزلوا بأهلها مذبحة بشعة وسبوا منها خمسة آلاف من النساء والعذارى وباعوهن فى الأسواق بيع الإماء، وبارك البابا إسكندر هذا العمل الوحشى الفظيع. واستعاد المقتدر البلدة حين استدار العام ومزّق المعتدين شر ممزق، ودانت له وشقة فى الشمال الغربى من بربشتر وطرطوشة فى الجنوب الشرقى من سرقسطة، وأخرج إقبال الدولة بن مجاهد من دانية على البحر المتوسط وأدخلها فى إمارته، وتوفى سنة 474 وخلفه ابنه المؤتمن يوسف وكان شجاعا باسلا وحاميا للعلماء والشعراء وتوفى سنة 478 فولى بعده ابنه المستعين أحمد، وحين استولى يوسف بن تاشفين على ديار أمراء الطوائف رأى أن يتركه حاجزا بينه وبين المسيحين فى الشمال، وتوفى شهيدا فى حروبه معهم سنة 503 وخلفه ابنه عماد الدولة عبد الملك، وحاول على بن يوسف بن ناشفين أخذ الإمارة منه، فاستعان بالنصارى وتملكها المرابطون حتى سنة 512 إذ حاصرها النصارى واستولوا عليها وأخذوا فى تملك بلاد الثغر الشمالى الأعلى إلى أن ملكوها جميعا.
ومن الإمارات المهمة فى موسطة الأندلس إمارة طليطلة ثار فيها زمن الفتنة فى أواخر الدولة الأموية قاضيها ابن يعيش، وتوفى سنة 419 فتملكها إسماعيل بن ذى النون وأسرته البربرية طوال حقبة أمراء الطوائف، وتوفى سنة 429 فخلفه فيها ابنه المأمون يحيى، وهو أعظم أمرائها قدرا، اجتمع عنده جلّة من الشعراء والكتاب، وعنى ببناء قصر له تأنق فيه غاية التأنق مما جعل الأدباء والشعراء يطنبون فى وصفه، وتوفى سنة 467 وخلفه حفيده القادر يحيى وكان قصير النظر سىّء التدبير، وفغر ألفونس السادس فاه على ثغوره وجعل يطويها-كما يقول ابن سعيد-طى السجل للكتاب، فثار عليه أهل طليطلة وهرب إلى بعض حصونه وتملكها المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس لمدة عشرة أشهر، واستردها القادر بمعونة ألفونس السادس، وأسلمها له سنة 478 على أن يساعده فى أخذ بلنسية، فأخذها لمدة عامين إلى أن قتل سنة 481. وكان قد تملكها زمن الفتنة صقلبيّان هما مبارك ومظفر وصارت لحفيد للمنصور بن أبى عامر يسمى عبد العزيز
سنة 417 وظل يدبر شئونها حتى سنة 452 ووليها بعده ابنه المظفر عبد الملك، واستولى عليها القادر وثار عليه قاضيها ابن جحّاف، وأخذ فارس نصرانى يغير عليها هو السيد القنبيطور واستسلمت له سنة 487 فنكل بأهلها وذبح الآلاف منهم وأحرق قاضيها حيّا، ومات سنة 492 واستولى عليها المرابطون سنة 495.
ومن إمارات الشرق المهمة-بجانب إمارة بلنسية-إمارة دانية تملكها أول الأمر فى مدة أمراء الطوائف مجاهد الصقلبى منذ سنة 405 إلى سنة 436 وكان محبا للعلماء مجزلا العطاء لهم وللشعراء، وكان قد تملك مع دانية جزر البليار، وخلفه ابنه على الملقب بإقبال الدولة ومنه تسلم دانية المقتدر صاحب سرقسطة سنة 468 وخلفه على ميورقة مولاه أغلب وتولاها بعده مبشر الصقلبى وآلت إلى المرابطين.
ومن الإمارات المهمة فى الشرق مرسية، وهى-كما أسلفنا-من بنيان عبد الرحمن الأوسط، وثار بها فى زمن أمراء الطوائف المرتضى المروانى وبايعه الصقالبة الذين تغلبوا على الشرق وذهبوا به إلى غرناطة، فهزمهم زاوى بن زيرى وقتل المرتضى فى المعركة، وخلفه على مرسية أبو عبد الرحمن بن طاهر، وثار عليه أهلها وراسلوا المعتمد بن عباد فأرسل إليهم وزيره ابن عمار الشاعر فأخذها من يده وثار بها لنفسه، وثار عليه القائد عبد الرحمن بن رشيق، وتملكها أبو الحسن بن اليسع باسم المعتمد بن عباد ثم صارت للمرابطين. ومن إمارات الشرق أيضا المرية وهى من بنيان الناصر على البحر المتوسط وقد تملكها الصقالبة ثم معن بن صمادح إلى أن توفى سنة 443 وورثها ابنه المعتصم، وكان شاعرا وكريما جزل العطاء للشعراء، توفى سنة 484 وجيش المرابطين يحاصره.
ومن إمارات الغرب المهمة إمارة بطليوس، تملكها زمن أمراء الطوائف الأفطس عبد الله حتى سنة 430 فورثها عنه ابنه المظفر وهو من أعلم أمراء الطوائف وآدبهم، وخلفه عليها ابنه المتوكل سنة 460 ويؤثر له أنه انتدب أبا الوليد الباجى كبير فقهاء الأندلس فى زمنه ليدعو أمراء الطوائف إلى توحيد كلمتهم ضد نصارى الشمال، غير أن دعوته-بسبب أطماعهم-ذهبت أدراج الرياح، ومن يد المتوكل أخذ المرابطون هذه الإمارة وما كان يتبعها من المدن مثل أشبونة.