الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون الثّغرة، وجاء الفرنج بأسرهم إليها ورموا بالحجارة، وقتلوا خلقا كثيرا، وصبر النّاس، وكلّما تعِب قومٌ خرجوا وجاء غيرهم إلى أن تعبت الفرنج فطلبوا الأمان، فأمّنهم الأمير عَلَى أن يكونوا أسرى. فنزلوا عَلَى ذَلِكَ، فكانوا مائتين وستّين أسيرا. وأخذ الأمراء خِفيةً نحو خمسين أسيرا، وغنم النّاس طبريّة بما فيها. ووجدنا منهم فِي القلعة قتلى كثيرة وجرحى، وكان يوما مشهودا.
وأُخربت القلعة وقُسّمت عَلَى العسكر.
[فتح عسقلان]
ثمّ رحلنا بآلات الحصار جميعها إلى عسقلان، وقد نزل عليها قبلنا الأمير شهاب الدّين بْن الغَرْز، فأحاطت بِهَا العساكر، ومراكب الفرنج وشوانيهم تحتها، ومراكبنا مُرْسية عَلَى السّاحل، وهي قلعةٌ مليحة ستّة عشر برجا، نصفها فِي البحر، فنزلنا ورمينا بالمجانيق. وجاءت مراكبهم إلى مراكبنا فاقتتلوا، وكانت ساعة مشهودة.
ثمّ هاج البحر واغتلم، واصطدم موجه فكسر شوانينا وطحنها عَلَى السّاحل، وهي خمسة وعشرون. وسلمت شواني الفرنج لأنّهم كانوا مرسيّين في وسط البحر، فأخذنا خشب الشَّواني عملناه ستائر للزَّحْف. وكمل لنا أربع عشرة منجنيقا ترمي عَلَى القلعة، ومناجيقهم لا تَبْطُل ساعة، وأحرقوا ستائر منجنيقين رموها
…
[1] محميّة، وكسروا لنا منجنيقين، وخرّبوا وقتلوا جماعة.
وبعد أيّامٍ شرعنا فِي طمّ الخندق من الثُّقُب، وجاءهم اثنا عشر مركبا نجدة. وكان المدد يأتيهم ويأتينا أيضا.
وخرجوا غير مرّة وقاتلوا، فزحفنا فِي عاشر جُمادى الأولى عليها من كلّ جهة، وقاتل المسلمون قتالا عظيما وملكوا الباشورة، وقُتِل نحو ستّين نفسا، وجُرح خلق. وثبنا عَلَى خنادق القلعة وأخذنا ثُقوبًا في برج وبدنة.
[1] في الأصل بياض مقدار كلمة، لعلّها «بقدور» .
ثُمَّ بعد يومين زحفنا عليهم. ثُمَّ أخذوا الثّقوب منّا وهرب أصحابنا منها، ثُمَّ من الغد استعدْناها منهم.
وفي سادس عشر الشّهر أحرقنا البرج فنقبوه من عندهم وأطفئوا النّار. ثُمَّ تقوّر البرج من الغد، ووقع عَلَى اثني عشر فارسا منهم، فأخرجهم أصحابنا وغنموا سَلْبهم.
ثُمَّ جاءتهم سبْعُ مراكب كبار.
قَالَ: وحجر المنجنيق المغربيّ الّذي لنا وزنه قنطار ورُبع بالشّاميّ.
وطال [1] الحصار وقفز غير واحد، وقفز فارسان من الفرنج فخلع عليهما فخر الدّين. وذكروا أنّ الخُلْف وقع بين الإسبتار والغرب. وانسلخت الباشورة فمات تحتها ثمانية أنفس.
وليلة الخميس ثاني وعشرين جُمادى الآخرة طلع أصحابنا من البرج المنقوب وملكوه وصاحوا، فضربنا الكوسات فِي اللّيل، وعَلَت الصَّيْحات، وتكاثر النّاس، فاندهش الفرنج وخُذلِوا، وهربوا إلى المراكب وإلى الأبراج واحتموا بِهَا. ودخل المسلمون القلعة فِي اللّيل وبذلوا السّيف، وربّما قتل بعضهم بعضا لكثرة العالم وظُلْمة اللّيل وللكسْب. ولم يزالوا ينقلون ذخائرها وأسلحتها طوال اللّيل. ودخلها من الغد الأمير فخر الدّين، وأعطى مَن فِي الأبراج أمانا عَلَى أنفسهم دون أموالهم. وكان فيهم ثلاثة أمراء معتبرين، وكانت الأسرى مائتين وستّين أسيرا، ووجدنا غرقى وأيدي مقطّعة فِي البحر وسببه تعلّقهم بالمراكب للهرب، فيخاف الآخرون لا تغرق المراكب، فيضربون بالسّيوف عَلَى أيديهم يقطعونها.
ثُمَّ شرعنا فِي خراب القلعة، ورحلنا وقد تركناها مأوى للبوم والغِرْبان، ومساكن الأراوي والغزلان، فسبحان الباقي الدّيّان.
[1] في الأصل: «وطار» .