الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وأربعين وستمائة
[موقعة المنصورة]
استهلّت والفرنج عَلَى المنصورة [1] والجيش المصريّ بإزائهم، وقد ضعُف حال الفرنج لانقطاع الميرة عَنْهُمْ، ووقع فِي خيلهم مرض وموت، وعَزَم ملكهم الفرنسيس [2] عَلَى أن يركب فِي أوّل اللّيل ويسير إلى دِمياط، فعلم المسلمون بذلك. وكان الفرنج قد عملوا جسرا عظيما من الصَّنَوبر عَلَى النّيل، فسَهَوا عَن قطْعه، فعبر منه المسلمون فِي اللّيل إلى برّهم، وخيامهم على حالها وثقلهم، فبدءوا فِي المسير، وأحدق المسلمون بهم يتخطّفونهم طول اللّيل قتلا وأسرا، فالتجئوا إلى قريةٍ تُسمّى مُنْية أَبِي عَبْد اللَّه [3] وتحصّنوا بها. ودار المسلمون
[1] انظر عن (موقعة المنصورة) في: مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 778، 779، وذيل الروضتين 184، 185، وتاريخ الزمان لابن العبري 294، 295، وتاريخ مختصر الدول، له 259، 260، وأخبار الأيوبيين لابن العميد 160، والمختصر في أخبار البشر 3/ 181، والحوادث الجامعة 121، ونهاية الأرب 29/ 355- 359، والدر المطلوب 379- 381، ودول الإسلام 2/ 153، 154، والعبر 5/ 195، 196، والمختار من تاريخ ابن الجزري 220- 223، وتاريخ ابن الوردي 2/ 182، 183، وعيون التواريخ 20/ 36- 40، ومرآة الجنان 4/ 117، والبداية والنهاية 13/ 178، والعسجد المسبوك 2/ 575، ومآثر الإنافة 2/ 93، وتاريخ ابن خلدون 5/ 360، والسلوك ج 1 ق 2/ 355- 358، وعقد الجمان (1) 17- 22، والنجوم الزاهرة 6/ 364- 370، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 280- 283، وتاريخ ابن سباط 1/ 348، 349، وتاريخ الأزمنة 229، وشذرات الذهب 5/ 239، 240، ومذكرات جوانقيل 108- 163، وحملة لويس التاسع على مصر، للدكتور محمد مصطفى زيادة- القاهرة 1961- ص 87 وما بعدها، والإعلام والتبيين 57- 61.
[2]
هو ملك فرنسا لويس التاسع. ويرد في المصادر: «ريد افرنس» وهو تعريب.France Roide
[3]
في ذيل الروضتين 184 «منية عبد الله من ناحية شرمساح» ، وهي اليوم تعرف بقرية ميت
حولها. وظفر أصطول المسلمين بأصطولهم فغنموا جميع المراكب بمن فيها [1] .
واجتمع إلى الفرنسيس خمسمائة فارس من أبطال الفرنج وقعد فِي حوش [2] المُنْيَة، وطلب الطّواشي رشيد، والأمير سيف الدّين القَيْمُرِيّ، فحضروا إِلَيْهِ، فطلب منهم الأمان عَلَى نفسه وعلى مَن معه، وأن لا يدخلوا بين السُّوقة والرُّعاع، فأجاباه وأمَّناه، وهرب باقي الفرنج عَلَى حميّة، وأحدق المسلمون بهم وبقوا جملة واحدة حملة وحملة حتّى أُبيدت الفرنج، ولم يبق منهم سوى فارسين رفسوا بخيولهم فِي البحر فغرِقوا [3] ، وغنم المسلمون منهم ما لا يوصف، واستغنى خلق. وأُنزِل الفرنسيس فِي حرّاقة [4] ، وأحدقت بِهِ مراكب المسلمين [5] تُضْرَبُ فيها الكوسات [6] والطُّبول، وفي البرّ الشرقيّ أطلاب العساكر سائِرة منصورة، والبرّ الغربيّ فِيهِ العربان والعوامّ فِي لَهْوٍ وسرور بهذا الفتح العظيم، والأسرى تُقاد فِي الحبال [7] .
فذكر سعد الدّين فِي تاريخه أنّ الفرنسيس لو أراد أن ينجو بنفسه خلص عَلَى خيلٍ سَبَق أو فِي حُرّاقة، لكنّه أقام فِي السّاقة يحمي أصحابه، وكان في
[ () ] الخولي عبد الله، وهي إحدى قرى مركز فارسكور بمحافظة الدقهلية.
[1]
جاء في الدر المطلوب 378 أن عدّة المراكب اثنتان وخمسون مركبا، ثم أخذ المسلمون بعدها اثنين وثلاثين مركبا.
[2]
الحوش: حظيرة واسعة مسيّجة خلف جماعة من الدور لا يمرّ بها وتلقى فيها الأقذار وتجمّع فيها الإبل والحيوانات المريضة ويسكن الفقراء في أكواخ فيها. (تكملة المعاجم العربية 3/ 369) .
[3]
هكذا في الأصل، والمختار من تاريخ ابن الجزري 221 والمؤلّف- رحمه الله ينقل عنه.
والصواب: «سوى فارسين رفسا بخيلهما في البحر فغرقا» .
[4]
الحرّاقة: نوع من السفن الحربية التي تستخدم لحمل الأسلحة النارية وبها مرام تلقى منها النيران على العدوّ. (المواعظ والاعتبار 2/ 194، 195) .
[5]
نحو مائتي قطعة. كما في: المختار من تاريخ ابن الجزري 221.
[6]
الكوسات: صنوجات من نحاس شبه الترس الصغير يدق بأحدها ثم بالآخر بإيقاع مخصوص، وهي من رسوم الأمراء ويسمّون أصحاب العمائم والكوسات. (صبح الأعشى 4/ 9) .
[7]
حتى هنا في: المختار من تاريخ ابن الجزري 221.
الأسرى ملوك وكُنُود [1] ، وأُحصيَ عدّة الأسرى فكانوا نيّفا وعشرين ألف آدميّ، والّذي غرق وقُتِل سبعة آلاف نفْس [2] ، فرأيت القتلى وقد ستروا وجه الأرض من كثرتهم. وكان الفارس العظيم يأتيه وشاقيٌّ يسوقُه وراءه كأذلّ ما يكون، وكان يوما لم يُشاهد المسلمون ولا سمعوا بمثله، ولم يُقتَل فِي ذَلِكَ اليوم من المسلمين مائةُ نفس.
ونفذ الملك المعظّم للفرنسيس وللملوك والكُنُود خِلَعًا، وكانوا نيّفا وخمسين، فلبس الكلّ سواه وقال: أَنَا بلادي بقدر بلاد صاحب مصر كيف ألبس خلعته؟ [3] . وعمل من الغد دعوة عظيمة، فامتنع الملعون أيضا من حضورها وقال: أَنَا ما آكل طعامه، وما يحضرني إلّا ليهزأ بي عسكرُه، ولا سبيل إلى هذا. وكان عنده عقل وثبات ودين فيهم، وكانوا يعتقدون فِيهِ. وكان حَسَن الخلقة.
وانتقى المعظّم الأسرى فأخذ أصحاب الصّنائع، ثُمَّ أمر بضرب أعناق الجميع.
وقال غيره: ثُمَّ حبسوا الإفرنسيس بالمنصورة بدار الطُّواشي صَبيح [4] مُكرمًا غاية الإكرام.
وفي ذلك يقول الصّاحب جمال الدّين ابن مطروح:
قُلْ للفرنسيس إذا جئتَه
…
مقالَ صِدْقٍ من [5] قؤول فصيح [6]
[1] الكنود: مفردها كند، وهو تعريب.Conte
[2]
جاء في (أخبار الأيوبيين لابن العميد 160) إن القتلى من الفرنج بلغوا ما يزيد عن عشرين ألف فارس، وأن الأسرى من الفرنج والخيّالة والرجّالة والصنّاعة والسوقة ما يناهز مائة ألف نفس. وانظر: الدر المطلوب 377.
[3]
العبر 5/ 196.
[4]
وفي: المختصر لأبي الفداء 3/ 181 «وجعل في الدار التي كان ينزلها كاتب الإنشاء فخر الدين بن لقمان، ووكّل به الطواشي صبيح المعظّمي» .
[5]
في المختصر لأبي الفداء: «عن» .
[6]
في المختصر لأبي الفداء: «نصيح» ، وفي تاريخ ابن سباط 1/ 352 «صحيح» .
أتيتَ مصرَ تبتغي ملْكها
…
تحسب أنّ الزّمر والطَّبل [1] ريح
فساقك الحَيْنُ إلى أدهمٍ
…
ضاق بِهِ عَن ناظريْك الفسيح
وكلّ أصحابك أودَعْتَهُم [2]
…
بحُسْن تدبيرك بطْنَ الضّريح
تسعين [3] ألفا لا ترى [4] منهم
…
إلا [5] قتيلا أو أسيرا أو جريح
فقل لهم إنْ أضمروا عودة
…
لأَخْذ الثّأر أو لعقدٍ [6] صحيح
دار ابن لُقْمان على حالها
…
والقيد باق والطواشي صبيح [7]
وكان هذا النّصر العزيز فِي أوّل يوم من السّنة. وبقي الفرنسيس فِي الاعتقال إلى أنْ قتل السّلطان المعظّم ابن الصّالح [8] ، فدخل حسام الدّين ابن أَبِي عليّ فِي قضيته عَلَى أن يسلّم إلى المسلمين دمياط ويحمل خمسمائة ألف دينار، فأركبوه بغلة وساقت معه الجيوش إلى دمياط، فما وصلوا إلّا والمسلمون عَلَى أعلاها بالتّهليل والتكبير، والفرنج الّذين بِهَا قد هربوا إلى المراكب وأَخْلَوها.
فخاف الفرنسيس واصفرّ لونه، فقال الأمير حسام الدّين:«هذه دِمياط قد حصَلَتْ لنا، وهذا الرجل فِي أسِرْنا وهو عظيم النّصرانيّة وقد اطّلع عَلَى عوراتنا، والمصلحة أن لا نطلقه» .
[1] في المختصر لأبي الفداء: «يا طبل» ، وفي تاريخ ابن سباط 1/ 352 «بالطبل» .
[2]
في المختصر لأبي الفداء: «أوردتهم» ، ومثله في: تاريخ ابن سباط.
[3]
في المختصر لأبي الفداء: «خمسون» ، ومثله في: تاريخ ابن سباط.
[4]
في المختصر لأبي الفداء: «يرى» ، ومثله في: تاريخ ابن سباط.
[5]
في المختصر لأبي الفداء: «غير» ، ومثله في: تاريخ ابن سباط.
[6]
في المختصر لأبي الفداء: «لأخذ ثار أو لقصد» ، ومثله في: تاريخ ابن سباط.
[7]
الأبيات- ما عدا الثالث- في: المختصر في أخبار البشر 3/ 182، والدر المطلوب 384، 385، والمختار من تاريخ ابن الجزري 221، 222، وتاريخ ابن الوردي 2/ 183، وعيون التواريخ 20/ 38، 39، وتاريخ ابن خلدون 5/ 361، والسلوك ج 1 ق 2/ 363، 364، والنجوم الزاهرة 6/ 370، وتاريخ ابن سباط 1/ 352، 353، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 382، 383، والإعلام والتبيين 61.
[8]
انظر عن قتله في: ذيل الروضتين 185.