الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقعة قازان بالخزندار
وعَدَّت التتار الفُرات مع الملك قازان فِي ستين ألفا، وأكثر ما قيل إنهم مائة ألف ولم يصحّ. وكثُر الدّعاء، وقَنَتَ النّاس فِي الصّلوات، وعُمِلت الخِتَم بالجامع.
واجتمعت جيوش [1] الإسلام على حمص، وحضر النّاس لقراءة «الْبُخَارِيّ» بدمشق. وأخذ شيخ دار الحديث الأثر وحمله على رأسه إلى الجامع ومعه القضاة ووضعوه تحت النَّسْر، وحفوا به يدعون ويبتلون يوم الرابع والعشرين من ربيع الأول. وأخذ فقهاء المكاتب الصّغارَ وداروا بهم فِي المساجد يدعون ويستغيثون ربهم تبارك وتعالى. وفعلت اليهود والنصارى ذَلِكَ وحملوا توراتهم وإنجيلهم.
وأمّا الجيش فإنّهم تعبوا للمصافّ، وبقوا ملبسين على الخيل يوم الثلاثاء، فلم يجيئهم [2] أحد، وبلغهم أنّ التّتار بقُرب سَلمَية وأنّهم يريدون الرجوع، وذلك شناعة ومكيدة، فركب السّلطان بكرة الأربعاء وساقوا من حمص إلى وادي الخَزْنَدَار، وقد حميت الشمس، فكانت الوقعة فِي يوم الأربعاء، الخامسة من النّهار، السابع والعشرين من الشهر بوادي الخَزْنَدَار، شمال حمص بشرق، على نحو فرسين [3] من حمص أو ثلاثة. والتحم الحرب، ودام الطَّعْن والضَّرْب، واستمرّ بالتّتار القَتْل، ولاحت أمارات النّصر، وثبت المسلمون إلى عبد العصر، وثبت السلطان والخاصكيّة ثباتا كُلّيًا. وانكسرت ميمنة المسلمين، وجاءهم ما لا قِبَل لهم به لأن الجيش لم يتكامل يومئذ، وكانوا بضعة وعشرين ألفا، وكان العدوّ ثلاثة أمثالهم،
[ () ] مرآة الزمان 4/ ورقة 305.
[1]
في الأصل: «جيش» .
[2]
في الأصل. والصواب: «فلم يجبهم» .
[3]
كذا. والصواب: «فرسخين» .
وشرعوا فِي الهزيمة، وقُضي الأمر. فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون. وأخذت الأمراء السلطان ووَلّوا، وتحيَّزوا وحموا ظهورهم، ومروا على حمص وساروا على درب بعلبكّ إلى طريق البقاع [1] ، ومر خلْق من الجيش منكسرين عليهم كَسْفة وكآبة بدمشق.
وأمّا نَحْنُ فوقعت يوم الخميس الظهر بطاقة مضمونها أن أقجبا المشد وجماعة مجرحين وصلوا إلى قارة [2] ، وأن أمر المصاف متماسك بعد، ولم يدروا ما تم بعدهم، فأخفى أُرْجواش نائب المملكة ذَلِكَ، فما أمسينا حَتَّى أُشهر أن الميمنة انكسرت. ثُمَّ قيل إنَّ الجيش جميعه انكسر، فبِتْنا بليلةٍ اللَّهُ بها عليهم، وفترت الهمم عن الدعاء. ودقت البشائر من الغد تطمينا وتبين كذبُها.
ثُمَّ أرسل أرجَواش الأنهار على خندق البلد. ثُمَّ دقت البشائر عصر يوم الجمعة، فلم يعبأ بها الناس، بل بقوا حائرين فِي هَرَج ومرج. وجاء يومئذٍ خلْقٌ من الْجُنْد والأمراء، قد وقفت خيولهم، وراحت أثقالهم وأموالهم، وتمزقوا، وقد رموا الْجَوْشن. واستشهد فِي المَصَافّ جماعة إلى رحمة اللَّه.
وشرع الناس فِي الهرب إلى مصر. وبات الناس ليلة السبت فِي أمرٍ عظيم، وقد أشرفوا على خطة صعبة.
وبَلَغَنا أن التتار قُتِل منهم خمسة آلاف [3] ، وقيل عشرة آلاف. ولم يقتل من الجيش إلا دون المائتين [4] .
[1] تاريخ حوادث الزمان 1/ 463، مرآة الجنان 4/ 230، السلوك ج 1 ق 3/ 888، عقد الجمان (4) 23، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 405 وفيه أن الناصر دخل بعلبكّ وأقام بها أياما فتسامع به العسكر وتراجع إليه قليلا قليلا، قلما تكامل العسكر قصد التوجه إلى نحو الديار المصرية.
[2]
قارة قارا. وهي بين حمص ودمشق.
[3]
في تاريخ حوادث الزمان لابن الجزري 1/ 463 «فقتلوا من التتار نحو خمسة آلاف وأكثر» .
[4]
خبر وقعة وادي الخزندار في: زبدة الفكرة 9/ ورقة 206 أ- 207 ب، (المطبوع 331) ، والتحفة الملوكية 157، 158، ونزهة المالك، ورقة 120، والدر الفاخر 15- 18، وتاريخ سلاطين المماليك 58، 59، ونهاية الأرب 31/ 384، وتاريخ حوادث الزمان 1/ 462، 463، والمختصر في أخبار البشر 4/ 42، 43، ودول الإسلام 2/ 204، وتاريخ
حدثني ضوء بْن صباح الزَّبِيديّ قال: ما رَأَيْت أنفع من الخاصكية لقد رأيتهم على باب حمص يحملون على التَّتَار عند اصفرار الشمس ويُنْكُون فِي التَّتَار، ثُمَّ يرجعون إلى السلطان.
وقال غيره: ألقى اللَّه الهزيمة فولوا مُدبرين بعد العصر، وبقيت العُدَد والأمتعة مُلقاةً قد ملأت تلك الأرض والرماح والجواشن والخُوَذ [1] .
أما نَحْنُ، فشرع الناس يتحدثون فِي أمر التَّتَار ويذكرون عَنْهُمْ خيرا، وأن ملكهم مُسْلِم، وأن جيشه لم يتبعوا المنهزمين. وبعد تمام الوقعة لم يقتلوا أحدا. وأن من وجدوه أخذوا فَرَسَه وسلاحه وأطلقوه. وكثُرت الحكايات من هذا النَّمط [2] حَتَّى قال إنسان كبير: اسكت، هَؤُلَاءِ خيرٌ من عسكرنا ولا تخدع الناس.
وفي يوم السبت الظهر وقع بالبلد صرخات وصياح مزعج، وخرج الناس، وتهتكت النساء، وقيل: دخل التَّتَار. وازدحم الناس فِي باب الفَرَج، حتى مات نحو العشرة [3] ، منهم النجم البغدادي الَّذِي يقرأ الغزوات تحت قبة عَائِشَة [4] . ثُمَّ سكنت بعد لحظةٍ من غير أصل. فاجتمع أعيان البلد وتحدثوا فِي المصلحة، وهم فخر الدين ابن الشيرجي ناظر البلد، وعز الدين ابن
[ () ] ابن الوردي 2/ 247، 248، ومرآة الجنان 4/ 230، والبداية والنهاية 14/ 6- 12، وتذكرة النبيه 1/ 220، 221، والعبر 1/ 391، والنهج السديد 470، ومآثر الإنافة 2/ 120، وتاريخ ابن خلدون 5/ 413- 415، والسلوك ج 1 ق 3/ 886- 901، ومنتخب الزمان 2/ 376، والنجوم الزاهرة 8/ 117- 128، وتاريخ ابن سباط 1/ 519، 520، وتاريخ الأزمنة 278- 280، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 403، 404، والمقتفي للبرزالي 2/ ورقة 5 أو 6 أ، والنفحة المسكية، ورقة 44، وعقد الجمان (4) 9- 23، والحوادث الجامعة 237، وذيل مرآة الزمان 4/ ورقة 306، 307.
[1]
تاريخ حوادث الزمان 1/ 463، الدر الفاخر 17.
[2]
تاريخ حوادث الزمان 1/ 463، تاريخ سلاطين المماليك 59، الدر الفاخر 18، العبر 5/ 191.
[3]
في تاريخ سلاطين المماليك 59: «نحو من عشرين نفس» ، ومثله في: الدر الفاخر 18.
[4]
في تاريخ حوادث الزمان 1/ 463: «النجم البغدادي المحدث، وصبي معري مقرئ» .