الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قازان بالنِّبَك فوقف لهم وأكل مما قدموا له. وكان المتكلم الصاحب ابن الشَّيْرجيّ، والّذي دعا للملك الخطيب ابن جماعة. وقالوا لهم: قد بعثنا لكم الأمان قبل أن تجيئوا. وذكروا أن الملك ينزل بالمرج وأنه لا يفتح إلا باب واحد.
وحضر يوم السبت إِسْمَاعِيل ومعه الأمير مُحَمَّد فِي خدمتهما طائفة من التَّتَار إلى مقصورة الخطابة بعد الظُّهر فجلسا بها. وحضر الخطيب، وابن القلانسي، وابن الشَّيْرجيّ، وابن مُنَجّا، وابن صَصْرَى، وطائفة، واجتمع الخلْق لسماع الفَرَمان، قرأه رَجُل من أعوان التَّتَار، وبلغ عَنْهُ المجاهد المؤذن [1] .
[كتاب قازان
وهو: «بقوة اللَّه تعالى. ليعلَمْ أمراء التُّومان والألف [2] والمائة وعمومُ عساكرنا من المغول [3] والتازيكا [4] والأرمن والكُرْج وغيرهم ممن هُوَ داخل تحت طاعتنا [5] . إنَّ اللَّه لما نور قلوبنا بنور الإسلام وهدانا إلى ملة النبي عليه السلام أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ 39: 22 [6] . ولما سمعنا أن حكام مصر والشام خارجون عن طرائق الدِّين، غير متمسكين بأحكام الإسلام، وناقضون لعهودهم، حالفون بالإيمان الفاجرة، ليس لديهم وفاء ولا ذمام، ولا
[1] تاريخ سلاطين المماليك 61، 62، السلوك ج 1 ق 3/ 889، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 404، ذيل مرآة الزمان 4/ ورقة 310.
[2]
في تاريخ السلاطين 62 «والألوف» .
[3]
في تاريخ السلاطين 62 «عساكرنا المنصورة من المغل» .
[4]
التازيكا التازيك. وكان هذا اللفظ يطلق أصلا على العرب والمسلمين عامة، ثم استعمله المغول للدلالة على أهل فارس فقط. (السلوك ج 2/ 1021 حاشية. (Quatremere.op.11.2.p.152، 3
[5]
في تاريخ السلاطين 62 «تحت ربقة طاعتنا» ، ومثله في ذيل المرآة 4/ ورقة 309.
[6]
سورة الزمر، الآية 22، وفي الأصل:«في ظلال مبين» .
لأمورهم التئام ولا انتظام. وكان أحدهم إذا تولى سَعى في الْأَرْضِ 2: 205 [1] .
الآية. وشاع أن شعارهم الحَيْف على الرعية، ومد الأيدي الباغية [2] إلى حريمهم وأموالهم، والتخطي عن جادة العدل والإنصاف، وارتكابهم الجور والاعتساف، حَمَلَتْنا الحميَّة الدّينيَّة والحفيظة الإسلامية على أن توجهنا إلى تلك البلاد لإزالة هذا العدوان [3] ، مستصحبين للجم الغفير من العساكر، ونذرنا على أنفسنا إنْ وفَّقنا اللَّهُ تعالى بحَوْله وقوته لفتْح تلك البلاد أنْ نُزيل العدوان والفساد، وبسط العدل فِي العباد [4]، ممتثلين الأمر المطاع الإلهي إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ 16: 90 [5] الآية.
وإجابة إلى ما ندب إليه الرَّسُول صلى الله عليه وآله سلم: «الْمُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حكمهم وأهلهم، وما وَلَّوْا» [6] . وحيث كانت طَويتُنا مشتملة على هذه المقاصد الحميدة، والنُّذور الأكيدة، مَنّ اللَّه علينا بتبلج تباشر النصر المبين [7] ، وأتم علينا سكينته [8] ،
[1] سورة البقرة، الآية 205، وفي تاريخ السلاطين 62 تكملة الآية
…
وَالله لا يُحِبُّ الْفَسادَ 2: 205.
[2]
في تاريخ السلاطين 62 «العادية» .
[3]
في تاريخ السلاطين 62 زيادة: «وإماطة هذا العصيان» .
[4]
في تاريخ السلاطين 63 «وبسطنا العدل والإحسان في كافة العباد» .
[5]
سورة النحل، الآية 90، وفي تاريخ السلاطين تكملة الآية
…
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 16: 90.
[6]
رواه مسلم في الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، والحث على الرّفق بالرعية
…
رقم 1827.
ورواه النسائي في آداب القضاة، فضل الحاكم العادل في حكمه، من طريق ابن المبارك، عن سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن عمرو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال:«إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور على يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» . قال محمد في حديث: وكلتا يديه يمين. (سنن النسائي 8/ 221، 222)«وما ولوا» بفتح الواو وضم اللام المخففة أي كانت لهم عليه ولاية.
ورواه الإمام أحمد عن سفيان بالسند السابق، وباللفظ المذكور في المتن أعلاه (المسند 2/ 160) .
وكلمة «وما ولوا» ساقطة من: تاريخ سلاطين المماليك 63.
[7]
في تاريخ السلاطين 63 زيادة: «والفتح المستبين» .
[8]
في تاريخ السلاطين 63: «وأتم علينا نعمته، وأنزل علينا سكينته» .
فقهرنا العدو الطاغية، والجيوش الباغية. فرَّقْناهم أيدي سبإ، ومزقناهم كلَّ مُمزّق، حَتَّى جاء الحق وزهق الباطل [1] ، فازدادت صدورنا انشراحا للإسلام، وقويت نفوسنا بحقيقة الأحكام، منخرطين فِي زُمرة من حُبّب إليهم الإِيمَان [2] ، فَوَجَب علينا رعاية تلك العهود الموثقَّة، والنُّذور المؤكَّدة، فصدرت مراسمنا العالية أن لا يتعرض أحدٌ من العساكر المذكورة على اختلاف طبقاتها بدمشق وأعمالها وسائر البلاد الشامية، وأن يكفوا أظفار [3] التعدي عن أنفسهم وأموالهم وحريمهم وأطفالهم، ولا يحوموا حول حِماهم بوجهٍ من الوجوه، حَتَّى يشتغلوا بصدورٍ مشروحة، وآمال مفسوحة، بعمارة البلاد، وبما هُوَ كل واحد بصدده من تجارة وزراعة. وكان فِي هذا الهرج العظيم وكثرة العساكر تعرِّض بعضُ نفرٍ يسيرٍ إلى بعض الرعايا [4] وأسْرهم، فقتلنا منهم [5] ليعتبر الباقون، ويقطعوا أطماعهم عن النَّهْب والأسْر [6] ، وليعلموا أنا لا نسامح بعد هذا الأمر البليغ البتة، وأن لا يتعرضوا لأحدٍ من أهل الأديان [7] من اليهود والنصارى والصابئة، فإنّهم إنما يبذلون الجزية لتكون أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا، لأنهم من جملة الرعايا [8] . قَالَ عليه السلام:«الإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عنهم» [9] . فسبيل
[1] في تاريخ السلاطين 63: «إن الباطل كان زهوقا» .
[2]
في تاريخ السلاطين 63: «وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة» .
[3]
في تاريخ السلاطين 63 «إظهار» .
[4]
في تاريخ السلاطين 63 «تعرض بعض نفر يسير من السلاحية وغيرهم إلى نهب بعض الرعايا» .
[5]
في تاريخ السلاطين 63 «فقتلناهم» .
[6]
في تاريخ السلاطين 63 زيادة: «وغير ذلك من الفساد» .
[7]
في تاريخ السلاطين 63 زيادة: «على اختلاف أديانهم» .
[8]
في تاريخ السلاطين 63 و 64: «فإنّهم إنما يبذلون الجزية عنهم من الوظائف الشرعية لقول علي عليه السلام: إنما يبذلون الجزية ليكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا والسلاطين موصون على أهل الذمة المطيعين كما هم موصون على المسلمين، فإنّهم من جملة الرعايا» .
[9]
في تاريخ السلاطين 64 «الإمام الّذي على الناس راع عليهم وكل راع مسئول عن رعيته» .