المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الرابع: الوقوف بعرفة - إرشاد السالك إلى أفعال المناسك - جـ ١

[ابن فرحون، برهان الدين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌تصدير

- ‌عملي في الدراسة والتحقيق:

- ‌شكر وتقدير

- ‌رموز

- ‌الفصل الأولترجمة المؤلّف ابن فرحون

- ‌نسبه وأصله:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌شيوخه بالمدينة:

- ‌رحلاته:

- ‌توليه القضاء:

- ‌صفاته الخلقية والخُلقية ومستواه العلمي:

- ‌وفاته:

- ‌أثر ابن فرحون في التيار الثقافي والحركة العلمية:

- ‌الفصل الثانيدراسة كتاب "إرشاد السّالك إلى أفعال المناسك

- ‌اسم الكتاب ونسبته إلى مؤلفه:

- ‌الداعي إلى تأليفه

- ‌موضوعاته وتبويبه:

- ‌منهجه وأسلوبه:

- ‌أصوله ومصادره:

- ‌أهميته:

- ‌ملاحظات ومآخذ:

- ‌نسخه المعتمدة:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌الباب الأول: في الترغيب في الحج وفضله

- ‌باب ما جاء في فضل العمرة

- ‌فصل في التجَرُّدِ في الإحْرَام

- ‌فصل: التلبية

- ‌فصل: من مات في حجّ أو عمرة أو بعد قدومه

- ‌باب: ما جاء في حج الماشي والرَّاكب

- ‌فصل: النفقة في الحج

- ‌فصل: الطواف بالبيت

- ‌مسألة:

- ‌مسألة:

- ‌الطواف في المطر

- ‌الدعاء عند محاذاة الميزاب

- ‌فصل: الملتزم والدعاء فيه

- ‌فصل: الدعاء عند الركن اليماني

- ‌فصل: استلام الحجر الأسود

- ‌فصل: الشرب من ماء زمزم

- ‌تنبيه:

- ‌مسألة:

- ‌مسألة:

- ‌الترغيب في دخول الكعبة

- ‌مسألة:

- ‌‌‌مسألة:

- ‌مسألة:

- ‌تنبيه:

- ‌‌‌مسألة:

- ‌مسألة:

- ‌تنبيه:

- ‌فصل: يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: في بيان آداب سفر الحج وفيه فصول:

- ‌الفصل الأول: في الاستخارة (*) في سفر الحج

- ‌الفصل الثاني: فيما يجوز صرفه من المال في الحج

- ‌مسألة:

- ‌فرع:

- ‌تنبيه:

- ‌مسألة:

- ‌الفصل الثالث: فيما يفعله عند إرادة الخروج إلى الحج من منزله

- ‌فصل: فيما جاء في المصافحة والمعانقة وتقبيل الرأس واليد وغيرهما والسلام عند الانصراف

- ‌تنبيه:

- ‌الفصل الرابع: فيما يقال عند الركوب والنزول ودخول القرى

- ‌الفصل الخامس: في آداب سفره في نفسه ومع رفقائه

- ‌مسألة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌مسألة:

- ‌مسألة:

- ‌مسألة:

- ‌الباب الثالث: في أحكام الحج وصفتِه وأركانِه

- ‌فصل: في حج الماشي

- ‌‌‌مسألة:

- ‌مسألة:

- ‌فرع:

- ‌مسألة

- ‌مسألة:

- ‌فصل

- ‌تنبيه

- ‌مسألة:

- ‌‌‌فصلوشرط صحته الإسلام

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فرع:

- ‌مسألة:

- ‌‌‌‌‌فرع:

- ‌‌‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌تنبيه:

- ‌فرع:

- ‌باب: أركان الحج التي لا بد للمحرم من الإتيان بها ولا يجزئ في تركها هدي ولا غيره

- ‌الركن الأول: الإحرام

- ‌الركن الثاني: الطواف

- ‌الركن الثالث: السعي:

- ‌الشرط الثاني: الموالاة:

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌الشرط الثالث: إكمال العدد:

- ‌الشرط الرابع: أن يتقدمه طوافٌ صحيحٌ

- ‌فرع:

- ‌الأولى: اتصاله بالطواف

- ‌الثانية: الطهارة:

- ‌الثالثة: المشي:

- ‌الرابعة: أن يتقدمه طواف واجب

- ‌الخامسة: الرَّمَل:

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌الركن الرابع: الوقوف بعرفة

- ‌الباب الرابع: في التمتع

- ‌[معنى التمتع]

الفصل: ‌الركن الرابع: الوقوف بعرفة

‌فرع:

زاد ابن الحاجب في سنن السعي: تقبيل الحجر عند الخروج إِلى السعي والرقي في الصفا والدعاء (1). وغيرُه ذكره في الفضائل.

‌الركن الرابع: الوقوف بعرفة

(2):

فإِذا كان اليوم السابع من ذي الحجة وهو اليوم (3) المسمى يوم الزينة أتى الناس الذين وصلوا إِلى مكة وغيرهم وقت الظهر إِلى المسجد الحرام، ويخطب الإِمام بعد صلاة الظهر خطبة واحدة لا يجلس فيها على المشهور.

وهذه الخطبة هي الأولى من خُطبِ الحج (4) يذكر فيها فضل الحج ويعلم الناس فيها مناسكهم وما يصنعون من خروجهم إِلى مِنى يوم التروية (5)،

(1) جامع الأمهات: 195.

(2)

الوقوف بعرفة ركن بإِجماع العلماء، ومن فاته فعليه حج قابل، باتفاقهم، وعليه الهدي في قول أكثرهم. (بداية المجتهد: 1/ 276).

(3)

اليوم: سقطت من (ب).

(4)

خطب الحج الثلاث عند مالك وأصحابه، كلها مسنونة. (الكافي: 1/ 415 - 416، النوادر والزيادات: 1/ 186 أ).

(5)

هو ثامن ذي الحجة، واشتق يوم التروية من الري؛ لأنهم كانوا يسقون فيه الماء ليوم عرفة، أي يرتوون فيه من الماء لما بعده.

(ابن الحاج على شرح ميارة للمرشد المعين: 2/ 93، حلية الفقهاء للرازي: 120، غرر المقالة: 177).

ص: 362

ويلبي في أثناء خطبته هذه، وحسن أن يفتتحها (1) بالتلبية، ولا يلبي في الخطبتين اللتين بعدها في يوم عرفة وفي ثاني يوم النحر، ولكنه يكبر فيهما، ويفتتحهما بالتكبير كسائر الخطب (2).

مسألة:

فإِذا زالت الشمس من يوم التروية فطف بالبيت سبعًا، واركع واخرج إِلى مِنى، فإِن خرجت قبل ذلك لا حرج.

وروى ابن المواز عن مالك: يخرج من مكة يوم التروية إِلى مِنى، قدر ما يصلون بها الظهر، فإِذا وصل إِلى منى صلى بها الصلوات لوقتها قصرًا (3) ويبيت بها، إِلى أن يصبح، فيصلي بها الصبح، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).

(1)(ر): أن يستفتحها.

(2)

قوانين الأحكام لابن جزي: 152.

(3)

قصرًا: سقطت من (ر).

(4)

عن إِسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم غدا إِلى عرفات.

أخرجه الترمذي، وقال: إِسماعيل بن مسلم قد تكلموا فيه من قبل حفظه.

(سنن الترمذي: 3/ 227، كتاب الحج باب ما جاء في الخروج إِلى منى والمقام بها، رقم 879).

وعن عبد العزيز بن رفيع قال: "سألت أَنس بن مالك رضي الله عنه، قلت: أخبرني =

ص: 363

وسيأتي وقت السير منها إِلى عرفة قريبًا.

فرع:

وكره مالك المقام بمكة يوم التروية حتى يمسي إِلا من شغل أو يدركه وقت الجمعة قبل أن يخرج إِلى منى، فإِنه يصلي الجمعة قبل أن يخرج.

وقال في موضع آخر: من (1) أقام بها أربعة أيام فهؤلاء عليهم حضور الجمعة (2).

قال أصبغ (3): فأما المسافر فإِن شاء خرج وإِن شاء حضرها، وأحبُّ إِليّ أن

= بشيء عقلته عن النبي صلى الله عليه وسلم: أين صلى الظهر والعصر يوم التروية؟ قال: بمِنى"

أخرجه البخاري.

(الصحيح: 2/ 173) كتاب الحج، باب أين يصلي الظهر يوم التروية.

(1)

(ص): فمن، (ب): فيمن.

(2)

قال ابن حارث: لا جمعة يوم التروية بمنى ولا يوم عرفة بعرفات ولا يوم النحر ولا أيام التشريق. (أصول الفتيا: 87).

(3)

أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع مولى عبد العزيز بن مروان، أبو عبد الله، سكن الفسطاط. روى عن الدراوردي ويحيى بن سلام وغيرهما، وصحب ابن القاسم وابن وهب وأشهب وتفقه بهم. كان فقيهًا نظارًا صدوقًا ثقة. روى عنه الذهبي والبخاري وابن وضاح وغيرهم، وتفقه عليه ابن المواز وابن حبيب وابن مزين. من مؤلفاته تفسير غريب الموطإِ، وآداب الصيام، والزارعة، والرد على أهل الأهواء

ولد بعد سنة 150. ت 225 بمصر وقيل: 224.

(تهذيب التهذيب: 1/ 361، الديباج: 1/ 301، الشجرة: 66، المدارك: 4/ 17).

ص: 364

يصليها لفضيلة المسجد الحرام.

وقال محمد: وأحب إِليّ خروجُه إِلى مِنى ليصلِّي بها الظهر (1).

وإِنما تكلم مالك على من غفل حتى أخذه الوقت.

وفي مَنْسَكِ ابنِ الحاج، قال مالك: وإذا (2) كان يوم التروية يوم الجمعة فليصلِّ (3) الإِمام بمِنى ركعتين بغير خطبة ويسرّ القراءة.

فرع:

وكره مالك أن يتقدم الناس إِلى مِنى قبل يوم التروية (4)، وإلى عرفة قبل يوم عرفة.

واختلف في تقديم الأثقال.

فكره مالك ذلك حماية أن يتقدم الناس بأنفسهم؛ ولأنه لا بد أن يكون معها من يصونها.

وأجازه أشهب.

(1) الكافي: 1/ 371.

(2)

(ب): فإِذا.

(3)

(ر) فيصلي.

(4)

كذا في (مواهب الجليل: 3/ 118) وقال ابن عبد السلام: ذلك على جهة الأولى.

ص: 365

مسألة:

ثم يغدو الإِمام والناس إِلى عرفة بعد طلوع الشمس، ومن غدا قبل ذلك فلا شيء عليه، ولا يجاوز بطنَ مُحَسِّر حتى تطلع الشمس على ثبير (1)؛ وهو جبل بمِنى؛ لأن ما قبل محسر (2) في حكم مِنى، وتقول في مسيرك إِلى عرفة: اللهمّ إِليك توجهت ووجهك الكريم أردت، ونحوك قصدت، وما عندك طلبت، وإِياك رجوت، وبك وثقت، أسألك أن تبارك لي في سفري، وأن تغفر لي ذنوبي، وأن تقضي حوائجي، وأن تجعلني ممَّنْ تُباهِي به من هُوَ أفضلُ مني *، إِنك على كل شيء قدير، اللهمّ اجعلْ ذنبي مغفورًا، وحجّي مبرورًا، وارحمني ولا تخيبني، إِنك على كل شيء قدير (3).

وتلبي وتقرأ القرآن وتكثر من سائر الأذكار والدعوات وتكثر من قوله عز وجل: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (4).

(1) ثبير، بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء، هو جبل المزدلفة على يسار الذاهب إِلى منى. (مشارق الأنوار: 1/ 136، معالم مكة: 55).

(2)

حتى تطلع

محسر: ساقط من (ص).

(3)

أورد النووي دعاء مستحبًّا في السير إِلى عرفة يتطابق مع هذا في بعض عباراته. (الأذكار: 179).

(4)

البقرة: 201.

ص: 366

فرع:

وكره مالك أن يمر إِلى عرفة من غير طريق المأزمين (1) فإِن فعل فلا شيء عليه (2)، والاختيار لذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه (3) وسلم، وليس ذلك من المناسك، ذكره ابن زرقون (4) في شرح الموطإِ، وإِنما يذكر أهل المذهب ذلك في الدفع من عرفات ولم أره لغيره فانظره.

(1) المآزم لغة: المضايق، وأحدهما مأزم بكسر الزاي، والمأزمان: هما جبلان كانا يعرفان بالعلمين.

ونقل عياض عن ابن شعبان قوله: هما جبلا مكة وليسا من المزدلفة.

وقد قال الجزولي: يمضي إِلى عرفات ويستحب أن يمشي على طريق المأزمين، وعد ذلك من السنن التي لا يوجب تركها الدم. (مشارق الأنوار: 1/ 394، مواهب الجليل: 3/ 118).

(2)

الجواهر: 1/ 404.

(3)

قال ابن قيم الجوزية، وهو يصف حجة الرسول صلى الله عليه وسلم "وأفاض من طريق المأزمين، ودخل عرفة من طريق ضب، وهكذا كانت عادته صلوات الله عليه وسلامه في الأعياد أن يخالف الطريق". (مناسك الحج والعمرة: 213).

(4)

محمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد المعروف بابن زرقون الإِشبيلي، أَبو عبد الله، كان قاضيًا عدلًا نزيهًا حافظًا للفقه مبرزًا فيه مع البراعة والمشاركة في الأدب، كان الناس يرحلون إِليه للأخذ عنه والسماع منه لعلو سنده وروايته. من تأليفه:"الأنوار"، جمع فيه بين كتابي المنتقى والاستذكار. ولد سنة 502. ت 586 بإِشبيلية.

(الأعلام: 7/ 10، التكملة: 256، الديباج: 2/ 259، الشجرة: 158 رقم 486).

ص: 367

فرع:

وفي الذخيرة قال مالك: ويُستَحب الذهاب راكبًا (1) لفعله صلى الله عليه وسلم (2)

مسألة:

فإِذا وصل الإِمام إِلى عرفة فلينزل بنَمِرة (3) وهو الموضع الذي يُقال له: الأراك (4) وهو أفضل منازل عرفة، وفيه نزل رسول

(1) الذخيرة: 3/ 255.

(2)

من حديث جابر عبد الله: "

ثم ربك القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إِلى الصخرات

" أخرجه أَبو داود.

(السنن: 2/ 462 كتاب المناسك باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 1905).

(3)

نَمِرة (بفتح النون وكسر الميم) موضع بعرفة، وهو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إِذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف. فيه ضربت قبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكانت عائشة رضي الله عنها تنزل من عرفة به. (مشارق الأنوار: 2/ 34).

وانظر (أخبار مكة: 2/ 188، مجموع الفتاوى: 26/ 129).

(4)

(ر): أراك وما اثبتناه واضح في (ب)، (ص).

وهو اسم واد قرب مكة يتصل بغيقة. (معجم البلدان لياقوت: 1/ 135 أرك، ط. دار صادر).

ويبدو لي أن الصواب: إِلال (على وزن فعال، وقيل: فَعال) وهو الجبل الصغير بعرفة على يمين الإِمام. تحدث عنه الرحالة ابن رشيد الشهير بضبط الأسماء والأماكن =

ص: 368

الله صلى الله عليه وسلم (1).

وينزل الناسُ حيث شاؤُوا من عرَفَة، وما قرب من مواضع منافعهم وكان أخف وأسهل.

فإِذا قرب الزوال، فيُستحب (2) أن تغتسل كغسلك عند دخول مكة، وكذلك تفعل المرأة وإِن كانت حائضًا أو نفساء.

فإِذا زالت الشمس رُحْتَ مع الناس إِلى مسجد عرفة غير ملب على المشهور (3) ثم صليت مع الإِمام الظهر والعصر جمعًا وقصرًا بأذان وإِقامة لكل صلاة (4).

= ونقل نصوصًا ونظمًا متعلقا به.

وانظر (ملء العيبة: 5/ 89 - 91، اللسان: الل، الصحاح: 4/ 1672، النهاية: 1/ 62، معالم مكة: 31).

(1)

جاء في حديث جابر الذي وصف فيه حجة الرسول صلى الله عليه وسلم: (

وأمر (الرسول صلى الله عليه وسلم) بقبة من شعَر تضرب له بنمرة. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تشك قريش إِلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها".

أخرجه مسلم (الصحيح: 1/ 889، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 147).

(2)

(ر): يستحب.

(3)

وهو اختيار مالك، وقال: على ذلك الأمر عندنا. (الكافي: 1/ 371).

(4)

الشرح الصغير: 2/ 55.

ص: 369

وسنة خطبة عرفة قبل الصلاة، ويبدأ بالخطبة إِذا زالت الشمس (1).

قال ابن حبيب: أو قبل الزوال بيسير قدر ما يفرغ من الخطبة وقد زالت الشمس، فإِن عجزت فصلها في رحلك جمعًا وقصرًا بإِقامة لكل صلاة، ومع الإِمام أفضل.

قال ابن حبيب: ولا أحب لأحد أن يترك جمع الصلاتين بعرفة مع الإِمام، فإِن صليت وحدك فلا تتنفل بينهما، فإِذا سلّم الإِمام من صلاة العصر وكنت معه أو وحدك، فاذهب مع الإِمام إِلى موقف عرفات وهي جبال الرحمة.

وعرفة كلها وجبالها وسهلها وطرقها كلها موقف، وليس لموضع منها فضل على غيره لقوله صلى الله عليه وسلم:"عَرَفة كلُّهَا مَوْقِفٌ"(2).

وإِن وقفت عند الصخرات من سفح (3) الجبل حيث يقف الإِمام فهو أفضل (4)؛ لأنه موقف النبي صلى الله عليه وسلم (5)[في جبال] عرفة، ولكنى مع الناس، ولم

(1) أصول الفتيا: 84، التوضيح لخليل: 1/ 221 ب، شرح العمدة: 1183، المدونة: 2/ 172، موسوعة الإِجماع: 1/ 287.

(2)

رواه جابر وأخرجه مسلم. (الصحيح: 1/ 893، كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، رقم 149).

(3)

(ص): سفل.

(4)

(الذخيرة: 3/ 256).

(5)

من حديث جابر: "

ركب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إِلى الصخرات" أخرجه مسلم.

ص: 370

يصب من وقف بمسجد عرفة (1).

وقال أصبغ: لا يجزئ الوقوف فيه (2).

واتفقوا أنه لا يجزئ الوقوف ببطن عُرَنَة (3).

(الصحيح: 1/ 890 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 147).

والصخرات: مفترشات في أسفل جبل الرحمة الواقع بوسط أرض عرفات.

(تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم: 1/ 890).

(1)

(ص): بمسجد عُرنة.

وهذا المسجد كان يعرف بمسجد إِبراهيم. (التتائي على نظم مقدمة ابن رشد: 325).

(2)

الجواهر: 1/ 504.

(3)

عُرَنة (بضم العين المهملة وفتح الراء بعدها نون) وبطن عرنة: واد بين العلمين اللذين على حد عرفة والعلمين اللذين على حد الحرم. وقال التتائي: هو أسفل عرفة، وهو من الحرم وسط الوادي المنخفض، وقال التقي الفاسي: ليست من عرفة ولا من الحرم. وقال المحب الطبري: إِن عرفة تنتهي إِلى وادي عرنة، ونقل عن ابن الزبير قوله: اعلموا أن عرفة كلها موقف إِلا بطن عُرنَة، وقال: أخرجه مالك، وحكى ابن المنذر عن مالك أنه من عرفة ولعل ذلكم رواية غير مشهورة عن مالك، إِذ صرح فقهاء المالكية أن المشهور عدم إِجزاء الوقوف بعرنة. وقد أوصى ابن جزي باجتناب الوقوف ببطن عرنة. وقال الحطاب: الصحيح أن بطن عرنة ليس من عرفة ولا من الحرم، وللخلاف فيها وقع الخلاف في إِجزاء الوقوف بها.

(التتائي على نظم المقدمات: 325، التوضيح: 1/ 223 أ، القِرى: 346 - 347، قوانين الأحكام: 152، مواهب الجليل: 3/ 97، ملء العيبة: 5/ 96).

ص: 371

وتأخذ في التهليل والتكبير في مسيرك إِلى الموقف (1).

فرع:

فإِذا وقفت فاستقبل البيت راكبًا كنت أو ماشيًا ولا تقف على الأرض إِلا أن تكون بك علة تمنعك الركوب * أو تكون بدابّتك علة فلا بأس بذلك (2).

قال مالك: الوقوف على ظهور الدواب سنة، والوقوف على الأرض رخصة (3).

ووقوفك طاهرًا متوضئًا أفضل (4)، وإِن كنت جُنُبًا من احتلام أو على غير وضوء فقد أسأت ولا شيء عليك (5)، ولا تجلسْ إِلا لكلالٍ.

(1) قال سحنون وابن حبيب: إِذا تمت الصلاة فخذ في التهليل والتكبير والتحميد. (التوضيح لخليل: 1/ 222 ب).

(2)

الدر الثمين: 373.

(3)

المنتقى: 3/ 19. وانظر (شرح العمدة: 1188).

(4)

استحب الوضوء لأن الوقوف من أعظم المشاهد، ولم يجب للمشقة. (الشرح الصغير: 2/ 56) وانظر (التوضيح لخليل: 1/ 222 ب).

(5)

يصح وقوف غير الطاهر من الرجال والنساء بالإِجمال. (موسوعة الإجماع: 1/ 287).

ص: 372

فصل

وليكن وقوفك بسكينة ووقار، وأكثر من الدعاء لوالديك وأقاربك ومشائخك وأصحابك وأصدقائك وسائر من أحسن إِليك وجميع المسلمين، وأخلص التوبة واترك الإِصرار، وأكثر من الاستغفار والزم الندمَ على سالف الذنوب، والتزم (1) الإِقلاع عنها والعزم على أن لا تعود إِليها، والاستعانة بالله تعالى على ذلك، واجتهد في ذلك الزمن في الذكر والدعاء والابتهال، فهو أفضل أيام السنة للدعاء، وهو معظم الحج ومقصوده والمعول عليه، فينبغي أن تستفرغ جهدك في ذلك واحذر كل الحذر من التقصير في ذلك كله، فإِن ذلك اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره، ويكون للمسلمين من دعائك نصيب وافر، فإِن ذلك يزيدك ولا ينقصك، ولا تتكلف السجع في الدعاء، فإِنه يذهب الانكسار والخضوع والافتقار والمسكنة والذلة والخشوع، إِلا أن يَدعُوَ بدعوات محفوظة له أو لغيره مسجوعة لا يشغل قلبه بترتيبها.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إِذا دعا أحدكم فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإِن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة، والله تعالى أكرم من أن يقبل (2) بعض دعائك ويرد بعضه (3).

(1)(ب): والزم.

(2)

(ص): يقبض، وهو تصحيف.

(3)

قال النووي: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله والثناء عليه ثم =

ص: 373

وهذه أدعية القرآن الكريم، والبداية بها أحسن:

ويبدأ بالفاتحة لاشتمالها على قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (1)، {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (2)، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (3)، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (4)، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (5)، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ

= الصلاة على رسول الله، وكذلك يختم الدعاء بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة معروفة. وقد أورد منها حديثًا أخرجه الترمذي: وقال: حسن صحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إِذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه سبحانه والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء". (الأذكار: 108).

(1)

الفاتحة: 6 - 7.

(2)

البقرة: 127 - 128.

(3)

البقرة: 201.

(4)

البقرة: 250.

(5)

البقرة: 286.

ص: 374

هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (1)، {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا * ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (2)، {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} (3)، {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (4)، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (5)، {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (6)، {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ (7) فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (8)، {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ

(1) آل عمران: 8 - 9.

(2)

آل عمران: 16.

(3)

آل عمران: 38.

(4)

آل عمران: 53.

(5)

آل عمران: 147.

(6)

آل عمران: 191 - 192 - 193 - 194.

(7)

بما أنزلت واتبعنا الرسول: لم يرد في (ر).

(8)

آل عمران: 53.

ص: 375

لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1)، {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالمِينَ} (2)، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَنَا مُسْلِمِينَ} (3)، {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} (4)، {عَلَى اللهِ تَوَكلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالمينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (5)، {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالْصَّالحِينَ} (6)، {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (7)، {وَقُل رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} (8)، {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَّدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} (9)، {رَبِّ لَا تَذَرْنِي

(1) الأعراف: 23.

(2)

الأعراف: 47.

(3)

الأعراف: 126.

(4)

الأعراف: 155 - 156.

(5)

يونس: 85 - 86.

(6)

يوسف: 101.

(7)

إِبراهيم: 40 - 41.

(8)

الإِسراء: 80.

(9)

الكهف: 10.

ص: 376

فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (1)، {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} (2)، {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} (3)، {رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ (4) الظَّالمِينَ} (5)، {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} (6)، {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} (7)، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (8)، {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالحِينَ (83) وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (9)، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا

(1) الأنبياء: 89.

(2)

طه: 25 - 26 - 27 - 28.

(3)

المؤمنون: 29.

(4)

(ب) لا تجعلني من القوم.

(5)

المؤمنون: 94.

(6)

المؤمنون: 97 - 98.

(7)

الفرقان: 65 - 66.

(8)

الفرقان: 74.

(9)

الشعراء من 83 إِلى 89.

ص: 377

تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالحينَ} (1)، {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} (2)، {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} (3)، {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (4)، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِح لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} * (5)، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (6)، {رَّبَّنَا عَلَيكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (7)، {رَبَّنَا أَتْمِم لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8)، {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمِنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا ولِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالمِينَ إِلَّا تَبَارًا} (9)، {قُل أَعَوْذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرَّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ

(1) النمل: 19.

(2)

القصص: 16، (ر)، (ب): أوزعني

فاغفر لي: مكرر في (ص).

(3)

القصص: 17.

(4)

القصص: 24.

(5)

الأحقاف: 15.

(6)

الحشر: 10.

(7)

الممتحنة: 4 - 5.

(8)

التحريم: 8.

(9)

نوح: 28.

ص: 378

غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (1)، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (2)، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأفْضَلُ مَا قُلْتُ أنَا وَالنَّبِيِوُّنَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحيِي وَيمِيتُ (3) وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ"(4).

فيستحب الإِكثار من ذلك.

وفي الترمذي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في الموقف: اللَّهمّ لك الحمد كالذي نقول وخيرًا مما نقول، اللهمّ لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإِليك مآبي، ولك يا ربّ (5) تراثي، اللهمّ إِنّي أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر (6) وشتات الأمر، اللهمّ

(1) الفلق: من 1 إِلى 5.

(2)

الناس: من 1 إِلى 6.

(3)

يحيي ويميت: سقطت من (ر).

(4)

رواه طلحة عن عبيد الله بن كريز بدون زيادة: له الملك

قدير. وأخرجه مالك في الموطإِ، كتاب الحج، جامع الحج. (تنوير الحوالك: 1/ 292).

وبنفس الرواية والتخريج جاء في (كنز العمال: 5/ 66 رقم 21079).

(5)

(ص): ولك رب.

(6)

غير واضحة في (ص).

ص: 379

إِني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح (1).

اللهمّ ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهمّ إِني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا وإِنه لا يغفر الذنوب إِلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إِنك أنت الغفور الرحيم، اللهمّ اغفر لي مغفرة تصلح بها شأني في الدارين، وارحمني رحمة أسعد بها في الدارين، وتب عليّ توبة نصوحًا لا أنكثها أبدًا، وألزمني سبيل الاستقامة لا أزيغ عنها أبدًا، اللهمّ انقلني من ذل المعصية إِلى عز الطاعة وأغنني بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهمّ نوّر قلبي وقبري وأعذني من الشر كله، واجمع لي الخير كله (2).

اللهم إِني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إِثم، ربِّ (3) أسألك أن لا تدع لي ذنبًا إِلا غفرته، ولا همًّا إِلا فرجته، ولا دينا إِلا قضيته ولا مرضًا إِلا شفيته ولا مريضًا إِلا عافيته (4)، ولا

(1) إِلى هنا ينتهي نص الحديث الذي أخرجه الترمذي عن علي.

قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وليس إِسناده بالقوي.

(السنن: 5/ 537، كتاب الدعوات، باب 88 رقم الحديث 3020).

(2)

هذا الجزء من الدعاء الوارد بعد حديث علي الذي أخرجه الترمذي ذكره النووي من الأدعية المأثورة بعرفات. (الأذكار: 180).

(3)

(ر): اللهم.

(4)

(ر): ولا مريضًا

ولا مرضًا إِلا عافيته.

ص: 380

عدوًّا إِلا كفيته، ولا عيبًا إِلا سترته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضى إِلا قضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين *، اللهم اجعل في سمعي نورًا وفي بصري نورًا، اللهمّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري، اللهمّ إِني أعوذ بك من شرّ ما يلج بالليل وشر ما يلج بالنهار، وشرّ ما تهب به الريح (1) وشرّ بوائق الدّهر (2)، اللهمّ اجعلها حجة لا رياء فيها ولا سمعة، اللهمّ صلّ على سيّدنا (3) محمّد وعلى آل محمد كما صلّيت على إِبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إِبراهيم وعلى آل إِبراهيم (4) في العالمين إِنّك حميد مجيد، اللهم اجعلنا ممن صدقه بتوفيقك، واتبعه بإِرشادك وتسديدك، وأمتنا على ملته بنعمتك، واحشرنا في زمرته برحمتك، اللهمّ بنورك اهتدينا وبفضلك استغنينا وفي كنفك أصبحنا وأمسينا، أنت الأول فلا شيء قبلك، أنت الآخر فلا شيء بعدك، نعوذ بك من الفشل

(1) أخرج ابن عبد البر عن علي قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة: لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري، أعوذ بك من وسواس الصدر، وفتنة القبر، وشتات الأمر، وأعوذ بك من شر ما يأتي في الليل والنهار وما تهب به الرياح". (التمهيد: 6/ 40 - 41) وانظر (أسرار الحج: 93).

(2)

اللهم اجعل في سمعي

الدهر، طرف من حديث أخرجه المحاملي في الدعاء عن علي (كنز العمال: 5/ 190 - 191 رقم 12567).

(3)

سيدنا: سقطت من (ب).

(4)

وعلى آل إِبراهيم: سقطت من (ر).

ص: 381

وآلائك، وأن تجعل لنا نورًا في حياتنا، ونورًا في مماتنا، ونورًا في قبورنا، ونورًا في حشرنا، ونورًا نتوسّل به إِليك * ونورًا نفوز به لديك، فإِنّنا ببابك سائلون، ولنوالك متعرضون ولأفضالك راجون، اللهمّ اهدنا إِلى الحق. واجعلنا من أهله، وانصرنا به، اللهمّ اجعل شغل قلوبنا بذكر عظمتك، وفراغ أبداننا في شكر نعمتك، وأنطق ألسنتنا بوصف منتك، وقنا نوائب الزّمان وصولة السلطان، ووساوس الشيطان، واكفنا مؤنة الاكتساب، وارزقنا بغير حساب، اللهمّ اختم بالخير آجالنا، وحقق بفضلك آمالنا، وسهّل في بلوغ رضاك سبيلنا، وحسن في جميع الأحوال أعمالنا، اللهمّ اغفر لنا ولآبائنا كما ربّونا صغارًا، واغفر لهم ما ضيعوا من حقك، واغفر لنا ما ضيّعنا من حقِّك وحقوقهم، واغفر لخاصتنا وعامتنا، وللمسلمين والمسلمات، فإِنك جواد بالخيرات، يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون، يا منقذ الغرقى، ويا منجي الهلكى يا شاهد كل نجوى، يا منتهى كل شكوى، يا من يسمع ويرى (1)، يا حسن العطايا، يا قديم الإِحسان، يا دائم المعروف، يا من لا غِنى لشيء عنه، ولا بد لكل شيء منه، يا من رزق كل شيء عليه ومصير كل شيء إِليه، إِليك ارتفعت أيدي السائلين، وامتدَّتْ أعناق العابدين، نسألك اللهمّ أن تجعلنا في كنفك، وجوارك وحرزك وعياذك، وسترك، وأمانك، اللهمّ إِنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك (2) واقسم لنا من فضلك ما تعصمنا

(1) يا من يسمع ويرى: ساقط من (ب).

(2)

أقسم

معصيتك: ساقط من (ب)، (ر).

ص: 382

والكسل، ومن عذاب القبر، ومن فتنة الغنى والفقر، اللهمّ نبهنا لذكرك في أوقات الغفلة (1) واستعملنا في طاعتك (2) في أيام المهلة، واسلك بنا إِلى جنّتك طريقًا سهلة، اللهمّ اجعلنا ممن آمن بك فهديته، وتوكّل عليك فكفيته وسألك فأعطيته، وتضرع إِليك فرحمته، نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إِثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النّار، اللهمّ يا عالم الخفيات، يا سامع الأصوات، يا باعث الأموات، يا مجيب الدعوات، يا قاضي الحاجات، يا خالق الأرض والسماوات، أنت الذي لا إِله إِلَّا أنت الواحد الذي لا يبخل، والحليم الذي لا يُعجّلُ، لا رادّ لأمرك ولا معقّب لحكمك ربّ كل شيء، وخالق كل شيء، ومالك كل شيء، ومقدر كل شيء، أسألك اللهمّ أن ترزقني علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا، وقلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا، وعملًا زاكيًا، وإِيمانًا خالصًا، وهب لنا إِنابة المخلصين، وخضوع المخبتين، وأعمال الصالحين، ويقين الصادقين، وسعادة المتقين، ودرجات الفائزين، يا أفضلَ من قُصد، وأكرمَ من سُئل، وأحلمَ من عُصي، ما أحلمك على من عصاك، وأقربك ممن دعاك، وأعطفك على من سألك، لك الخلق والأمر، إِن أطعناك فبفضلك، وإِن عصيناك فبعلمك، لا مهتدي إِلا من هديت، ولا ضال إِلا من أضللت، ولا غني إِلا من أغنيتَ، ولا فقير إِلا من أفقرت، ولا معصوم إِلا من عصمت، ولا مستور إِلا من سترت، نسألك (3) أن تهب لنا جزيل عطائك، والسعادة بلقائك، والفوز بجوارك، والمزيد من نِعَمك

(1)(ص): الغفلات.

(2)

(ص): بطاعتك.

(3)

(ب): أسألك.

ص: 383

به من فتنة الدنيا وتغنينا به عن أهلها، واجعل في قلوبنا من السلوّ عنها والمقت لها والبصر بعيوبها مثل ما جعلت في قلوب من فارقها زهدًا فيها ورغبة عنها من أولئك المخلصين المعصومين، يا أرحم الراحمين، اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إِلا غفرته، ولا عيبًا إِلا سترته، ولا همًّا إِلا فرجته، ولا كربًا إِلا كشفته، ولا دينًا إِلا قضيته، ولا عدوًّا إِلا كفيته، ولا فسادًا إِلا أصلحته، ولا مريضًا إِلا عافيته، ولا غائبًا إِلا أدنيته (1)، ولا خُلةً إِلا سددتها، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضى ولنا فيها صلاح إِلا قضيتها فإِنك تهدي السبيل، وتجبر الكسير، وتغني الفقير، اللهم ما كان منا من تقصير فاجبره بسعة عفوك، وتجاوز عنه بفضلك ورحمتك، واقبل منّا ما كان صالحًا، وأصلح منّا ما كان فاسدًا، فإِنه لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا مقدم لما أخّرت، ولا مؤخرًا لما قدمت، ولا مضل لمن هديت، ولا مذل لمن واليت، ولا ناصر لمن عاديت، ولا ملجأ ولا منجى منك إِلا إِليك، قولك حق، ووعدك حق، وحكمك عدل، وقضاؤك فصل، ذلّ كل شيء لعزتك، وتواضع كل شيء لعظمتك * لا يحول دونك شيء، ولا يعجزك شيء، إِليك نشكو قساوة قلوبنا، وجمود أعيننا، وطول آمالنا مع اقتراب آجالنا وكثرة ذنوبنا، فنعم المشكو إِليه أنت، فارحم ضعفنا، وأعطنا لمسكنتنا، ولا تحرمنا لقلة شكرنا، فما لنا إِليك شافع أرجى في أنفسنا منك، فارحم تضرّعنا، واجعل خوفنا كلّه منك، ورجاءنا كله فيك، وتوكّلنا كله عليك، يا من علمه بنا محيط، وقضاؤه فينا سابق، أعذنا من وجوب سخطك، ونزول نقمتك، وزوال نعمتك، فإِنه لا طاقة لنا بالجهد، ولا صبر لنا على البلاء،

(1)(ب): رددته.

ص: 384

اللهمّ إِنّا نسألك النجاة يوم الحساب، والمغفرة والرحمة يوم العذاب، والرضى يوم الثواب، والنّور يوم الظلمة، والري يوم العطش، والفرج يوم الكرب، وقرة عين لا تنفد، ومصاحبة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهمّ إِنه لا بد لنا من لقائك، فاجعل عند ذلك عذرنا مقبولًا، وذنبنا مغفورًا، وعملنا موفورًا، وسعينا مشكورًا، اللهمّ أصبح ذلي مستجيرًا بعزّك، وفقري مستجيرًا بغناك (1)، وخوفي مستجيرًا بحلمك، وأصبح وجهي الفاني مستجيرًا بوجهك الكريم الباقي الدائم (2).

اللهمّ إِني أصبحت لا يمنعني منك أحد إِن أردتني، ولا يعطيني أحد إِن حرمتني، إِلهي لا تحرمني لقلة شكري، ولا تخذلني لقلّة صبري، :{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (3) اللهمّ اجعل الموت خير غائب ننتظره، والقبر خير بيت نعمره، واجعل ما بعده خيرًا لنا منه (4)، رب اغفر لي ولوالدي (5) ولآبائي ولإِخواني وأهل بيتي، وذريتي والمؤمنين، والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهمّ من مات منهم فاغفر له ذنبه ونوّر له قبره، وأنس وحشته، وأمّن روعته، وابعثه آمنًا من عقابك، وقنا بثوابك مع الذين

(1) وفقري مستجيرًا بغناك: ساقط من (ص)، (ب).

(2)

(ص)، (ب): الدائم الباقي.

(3)

يونس: 107.

(4)

في (ب) زيادة: رب العالمين.

(5)

ولوالدي: سقطت من (ب).

ص: 385

أنعمتَ عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين، ومن بقي منا فاهده فيمن هديت، وعافه فيمن عافيت، وتولّه فيمن تولّيت، وبارك له فيما أعطيت، وقه برحمتك شرّ ما قضيت، فإِنك (1) تقضي ولا يقضى عليك، وحبب إِليه طاعتك، وارزقه العون على عبادتك، والحفظ بكفايتك، والعزّ بولايتك، اللهمّ إِنّا نسألك العصمة والرحمة والنعمة (2) ونعوذ بك من الفتنة والمحنة، اللهمّ ألّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إِلى النّور، وجنّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا (3) في أسماعنا وأبصارنا، وأزواجنا وذرياتنا (4) واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك، وأتمها علينا، اللهمّ اجعلنا هداة * في مهتدين، واجعلنا أهل بيت صالحين، وفقنا للدين، واجعلنا من أئمة المتقين يا ذا الفضل العظيم، اللهم إِني أعوذ بك من الكسل والهرم، والغرم والمأثم، اللهمّ إِني أعوذ بك من عذاب النّار، وفتنة القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فتنة الفقر، وشر فتنة المسيح الدجال، اللهمّ اغسل خطاياي بالماء والثلج والبَرَد، ونقّ قلبي من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهمّ إِني أعوذ بك من الهمّ والحزن، وأعوذ

(1)(ر): إِنك.

(2)

والنعمة: سقطت من (ر).

(3)

وبارك لنا: ساقط من (ص).

(4)

طمس في (ر).

ص: 386

بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من ضَلَع الديْن (1)، وقهر الرجال، اللهمّ فالق الإِصباح جاعل اللّيل سكنًا والشمس والقمر حسبانًا، اقض عنّي الدَّيْن، وأغنني من الفقر، ومتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك، اللهمّ يسّرني لفعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين، وإِذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إِليك غير مفتون، ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهمّ اغفر لي خطيئتي، وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهمّ اغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي وكل ذلك مني، اللهمّ فارج الهمّ، كاشف الغمّ، مجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ربّي رحماني (2)، فارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك، اللهمّ إِنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما عندي فاغفر لي ذنوبي، اللهمّ إِني (3) أسألك إِيمانًا يباشر قلبي ويقينًا صادقًا حتى أعلم أنه لن يصيبني إِلا ما كتب الله لي، ورضني بقضائك وبما قسمت لي (4). اللهمّ أعنّي على الدنيا بالقناعة، وعلى الدين بالطاعة، اللهمّ أغنني بالافتقار إِليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك، اللهمّ إِني لا أملك لنفسي نفع ما

(1) ضَلَع الدّيْن: (بالضاد المفتوحة بعدها لام مفتوحة) ثقله، والضّلَع: الأعوجاج، والدَّيْن يثقل صاحبه حتى يميل عن الاستواء والاعتدال. (النهاية: ضلع 3/ 96).

(2)

(ر): أنت رحماني، (ب): أنت ترحمني.

(3)

اللهم إِني: سقطت من (ر).

(4)

وبما قسمت: سقطت من (ر).

ص: 387

أرجو، ولا أستطيع دفع ما أكره، وأصبح الخير كله بيدك، وأصبحت فقيرًا إِلى رحمتك، فلا تجعل مصيبتي في ديني ولا تجعل الدنيا أكبر همي ولا مبلغ علمي (1)، ولا تسلط علي بذنوبي من لا يرحمني، اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنّتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا، اللهمّ إِني أسألك كلمة الإِخلاص في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك الرضا بالقدر، ونعيمًا لا ينفد، وقرّة عين لا تنقطع، ولذّة العيش بعد الموت، وشوقًا إِلى لقائك، ولذة النظر إِلى وجهك الكريم *، وأعوذ بك من ضرّاء مضرة ومن فتنة مضلة، اللهمّ زينّا بزينة الإِيمان، وألبسنا لباس التقوى، اللهمّ يا من لا تخفى عليه خافية اغفر لي ما خفي على الناس من خطيئتي، إِلهي سترت عليّ ذنوبًا في الدنيا أنا إِلى سترها يوم القيامة أحوج، إِلهي لا تظهر خطيئتي إِلى المخلوقين (2) ولا تفضحني بها على رؤوس العالمين، اللهمّ طهّر لساني من الكذب، وقلبي من النفاق، وعلمي من الرياء، وبصري من الخيانة، فإِنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، إِليك هربت بأوزاري وذنوبي أحملها على ظهري عالمًا بأن لا منجى ولا ملجأ منك إِلا إِليك، فاغفر لي فإِنك أنت الغفور الرّحيم، اللهمّ إِنك خلقتني ورزقتني وأمرتني ونهيتني وخوفتني من عذاب ما نهيتني عنه،

(1)(ر): ولا منتهى علمي.

(2)

(ر): لأحد من المخلوقين.

ص: 388

ورغبتني في ثواب ما أمرتني به، وسلطت علي عدوًّا وأسكنته صدري وأجريته مجرى دمي، إِن هممت بفاحشة شجعني، وإِن هممت بصالحة بطأني، ولا ينساني إِن نسيت، ولا يغفل عني إِن غفلت، ينتصب لي عند الشهوات، ويتعرض لي عند الشبهات، لا يصرف عني كيده إِلا أنت، اللهمّ أقهر سلطانه علي بسلطانك عليه حتى تشغله عني فأكون من المعصومين فلا حول ولا قوة إِلا بك، اللهمّ رضني بقضائك، وأسعدني بقدرتك حتى لا أحب تأخير شيء عجلته، ولا تعجيل شيء أخّرته، ولا تهتك ستري، ولا تبد عورتي وأمِّن روعتي، واكفني شر عدوي، واقض ديني، وأنعم علي بفكاك رقبتي من النار، اللهمّ ارحم غربتي في الدنيا ومصرعي عند الموت ووحشتي في قبري ومقامي بين يديك، اللهمّ إِن ذنوبي عظيمة، وإن قليل عفوك أعظم منها، اللهمّ امح بقليل عفوك عظيم ذنوبي، اللهمّ فرغني لما خلقتني ولا تشغلني بما تكفلت لي به، ولا تحرمني وأنا أسألك، ولا تعذبني وأنا أستغفرك، اللهمّ إِني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك، أو أذل في عزّك، أو أضام في سلطانك، أو أضطهد (1) والأمر إِليك، اللهمّ إِنّا نحب طاعتك وإن قصرنا عنها، ونكره معصيتك وإِن ركبناها، اللهمّ إِنّا نعوذ بك من نزول سخطك، وزوال نعمتك، فإِنه لا طاقة لنا بالجهد ولا صبر لنا على البلاء، اللهمّ إِنك عفو تحب العفو ولولا العفو أحب الأشياء إِليك ما ابتليت بالذنب أحبَّ الخلق إِليك، فارحمنا واعفُ عنّا وأدخِلْنا الجنّة وإِن لم نكن من أهلها، وخلّصنا من النار وإِن كنا قد استوجبناها، اللهمّ إِني عليك قدمت وأنت

(1) أو اضطهد: سقطت من (ر).

ص: 389

أقدمتني، وإِني إِليك جئت وأنت حملتني، أطعتك بأمرك فلك المنّة، وعصيتك بعلمك فلك الحجة، فبوجوب حجتك وانقطاع حجتي إِلا ما قبلتني ورددتني مغفورًا لي، ، اللهمّ إِن لك عندي حقوقًا فتصدق بها علي، وللناس قبلي تبعات فتحملها عني، وأنا ضيفك فاجعل قراي الجنّة، اللهمّ وسّع علينا في الدنيا، وزهدنا فيها، ولا تقترها علينا وترغبنا فيها * برحمتك يا أرحم الراحمين (1)[كامل]

يَا مَن (2) يَرَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَيَسْمَعُ

أنْتَ المُعَدُّ لِكُلِّ مَا يُتَوَقَّعُ

يَا مَنْ يُرَجَّى لِلشَّدَائِدِ كُلِّهَا

يَا مَنْ إِلَيْهِ المُشْتَكَى وَالْمَفْزَعُ

يَا مَنْ خَزَائِنُ مُلْكِهِ فِي قَوْلِ (كُنْ)

امْنُنْ فَإِنَّ الْخَيْرَ عِنْدَكَ أجْمَعُ

مالِي سِوى فَقْرِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ

وَبالاْفتِقَارِ (3) إِلَيْكَ فَقْرِي أدْفَعُ

مَالِي سِوَى قَرْعِي لِبَابِكَ حِيلَةٌ

فَإِذَا رَدَدْتَ (4) فأيَّ بَابٍ أقْرَعُ

(1) برحمتك يا أرحم الراحمين: سقطت من (ص).

(2)

هذه الأبيات لأبي القاسم عبد الرحمن السهيلي العلامة الأندلسي المالقي صاحب كتاب "الروض الأنف" في السيرة النبوية. ت بمراكش 581.

أنشد السهيلي هذه الأبيات ابنَ دحية، وقال: إِنه ما سأل الله بها حاجةً إِلا أعطاه إِياها وكذلك من استعمل إِنشادها.

أورد ابن فرحون ذلك عند ترجمته للإِمام السهيلي في: (الديباج 1/ 480 - 481).

(3)

(ص): فبالافتقار.

(4)

(ص): فلئن رددت.

ص: 390

وَمَنِ الَّذِي أدْعُو وَأهْتِفُ بِاسْمِهِ

إِنْ كَانَ فَضْلُكَ عَنْ فَقِيرِكَ يُمْنَعُ

حَاشا لِفَضْلِكَ (1) أنْ يُقَنِّطَ عاصيًا

الْفَضْلُ أجْزَلُ وَالْمَوَاهِبُ أوْسَعُ

اللهمّ إِنّا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بِرّ، والسلامة من كل إِثم، وأسألك الفوز بالجنّة والنجاة من النار، اللهمّ أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إِليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في (2) كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شرّ، اللهمّ إِني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من نقمتك، وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك، اللهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، اللهم لا تدع لي ذنبًا إِلا غفرته، ولا همًّا إِلا فرجته، ولا عيبًا إِلا سترته، ولا حاجة إِلا قضيتها، اللهمّ إِني أعوذ بك من كل عمل يخزيني، وأعوذ بك من كل صاحب يرديني، وأعوذ بك من كل أمل يلهيني، اللهمّ اجعلني من أعظم عبادك عندك حظًّا ونصيبًا في هذا اليوم وفيما بعده، من كل خير تقسمه، ونور تهدي به، ورحمة تنشرها، ورزق تبسطه، وضر تكشفه، وصبر تلبسه، وبلاء تدفعه، وفتنة تصرفها، اللهمّ إِني أسألك من الخير كلّه ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشرّ كله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهمّ إِني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شرّ ما استعاذك منه عبادك الصالحون، اللهم أنت السلام ومنك السلام فحيّنا ربّنا بالسلام وأدخلنا

(1)(ص): لجودك، (ب): لمجدك.

(2)

(ص)، (ر): من.

ص: 391

دار السلام تباركت يا ذا الجلال والإِكرام، اللهمّ اغفر لنا وارحمنا وعافنا وارض عنّا (1) وتقبل منا، وأدْخِلنا الجنّة، ونجّنا من النار، وأصلح لنا شأننا كلّه، اللهم إِني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا وعملًا مُتقبَّلًا، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدًا، ويا ذا النعم التي لا تحصى عددًا (2) اجعل لي من أمري فرجًا ومخرجًا، اللهمّ إِنك ندبتنا ورغبتنا في أن نعفو عمن ظلمنا، اللهمّ إِنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا، اللهمّ إِنّك أمرتنا بالرفق والإِحسان إِلى المساكين، اللهمّ إِنّا مساكينك، وقفنا ببابك فلا تردنا خائبين يا أرحم الراحمين *.

(1)(ب): واعف عنا.

(2)

(ر): لا يحصى لها عدد.

ص: 392

فصل

وللدعاء آداب يجب على العبد أن يستعملها حين دعائه، فإِن ذلك أرجى للإِجابة وأنجح للطلبة.

منها: تقديم التوبة من الذنوب (1) والاستغفار مما يذكر منها وما لا يذكر.

منها: إِخلاص العبد وإقباله على دعائه، فإِن الله عز وجل لا يسمع دعاء (2) من قلبه لاهٍ (3).

(1) عد الغزالي ذلك من آداب الدعاء فقال: "الأدب الباطن وهو الأصل في الإِجابة: التوبة ورد المظالم والإِقبال على الله عز وجل بكنه الهمة، فذلك هو السبب القريب في الإِجابة، (الإِحياء: 1/ 315).

(2)

دعاء: سقطت من (ر)، (ص).

(3)

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإِجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ".

قال النووي: إِسناده في كتاب الترمذي ضعيف. (الأذكار: 356).

وقال المنذري: رواه الحاكم وقال: مستقيم الإِسناد تفرد به صالح المري وهو أحد زهاد البصرة. (الترغيب والترهيب: 2/ 492 - 493).

وعن ابن عمر مرفوعًا: "إِن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، فإِذا سألتم الله فاسألوه وأنتم واثقون بالإِجابة، فإِن الله تعالى لا يستجيب دعاء من دعا على ظهر قلب غافل". أخرجه الطبراني، كما جاء في (كنز العمال: 2/ 74).

ص: 393

ومنها الإِخلاص لله تعالى، فإِن الله عز وجل لا يقبل من مُسمَع.

ومنها: أن يكون راغبًا، راهبًا، متذللًا، لقوله تعالى:{كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (1)، ولا يقنط من رحمة الله تعالى، وإِن تأخرت الإِجابة، فقد روي عن رسول الله أنه قال:"يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: دعوت فلم يستجب لي"(2) وقال عليه السلام: "لقد بارك الله لرجل أكثر الدعاء في حاجة أعطيها أو منعها"(3).

نقلته من خط والدي، ولم يرفعه.

ومنها: أنه لا يرفع صوته بالدعاء جدًّا (4)، لما روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ارْبَعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ فَإِنّكُمْ لَا تَدْعُونَ أصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا" (5).

(1) الأنبياء: 90، ونصها:{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} .

(2)

أخرجه البخاري عن أبي هريرة (الصحيح: 8/ 92، كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل).

وأخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح. (عارضة الأحوذي: 12/ 276).

(3)

لم أهتد إِلى تخريجه.

(4)

عد الغزالي من آداب الدعاء: خفض الصوت بين المخافتة والجهر. (الإِحياء: 1/ 313).

(5)

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا إِذا =

ص: 394

ومنها: أنه يقوي رجاءه في الله تعالى، وقد قال سفيان بن عيينة: لا يمنع أحدكم من الدعاء ما يعلمه من نفسه، فإِن الله عز وجل قد أجاب شرّ الخلق وهو إِبليس لما قال:{رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (1).

ومنها: أن يسأل غيره أن يدعو له، ويتمادى هو على الإِصرار وترك الدعاء، بل ينبغي له أن يساعد الداعي له بالإِخلاص في الإِنابة، وطلب الإِجابة له وللداعي له (2)، فإِنه قد جاء في الآثار أن الله تعالى لا ينظر إِلى قلبٍ (3) لاهٍ (4).

وقال يحيى بن معاذ (5): من كان قلبه مع السيئات لم تنفعه

= أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإِنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إِنه معكم إِنه سميع قريب.

أخرجه البخاري (الصحيح: 4/ 16، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير).

وقال العراقي: متفق عليه مع اختلاف اللفظ، ورواه أبو داود. (المغني عن حمل الأسفار: 1/ 313).

(1)

الحجر: 36، ص 79.

(2)

(ر): والداعي له. له وللداعي له: ساقط من (ب).

(3)

(ر): لقلب.

(4)

تقدم تخريجه قريبًا.

(5)

يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي، أبو زكرياء، من أهل الري. كان واعظًا زاهدًا. أقام ببلخ. أثرت عنه حكم سائرة. ت 258 بنيسابور. (الأعلام: 9/ 218، صفة الصفوة: 4/ 71).

ص: 395

الحسنات (1)، فالقلب المصر على المعصية واللّاهي عن التوجه والالتجاء إِلى الله تعالى في قضاء حاجته متلاعب مَمْقُوت، والآيات الكريمة دالّةٌ على ذلك، فقد قال تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (2).

ومعنى فليستجيبوا لي، أي: فليجيبوني بالطاعة. والقلب المصر أو اللاهي غير مجيب، والفاء في قوله {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} جواب الشرط.

وقال عزّ من قائل: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (3) أي يستكبرون عن دعائي ومسألتي، وقيل: عن توحيدي.

وقال عزّ من قال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (4) *.

وقال عزّ من قائل: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (5).

(1) قول يحيى بن معاذ في (حلية الأولياء: 10/ 53) ونصه: "من كان قلبه مع الحسنات لم تضره السيئات، ومن كان مع السيئات لم تنفعه الحسنات".

(2)

البقرة: 186.

(3)

غافر: 60.

(4)

الأعراف: 55، وتمامها:{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .

(5)

الأنعام: 43.

ص: 396

ورُوي عن زيد بن أسلم (1) أنه قال: ما من دَاعٍ يدعُو إِلا كان بين إِحدى ثلاث: إِما أن يُستجاب له، وإِما أن يدخر له، وإِما أن يكفر عنه (2).

ومنها: أن يبتدئ بالصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم في أول دعائه وفي أوسطه، ويختم بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم (3).

(1) زيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان البلوي ثم الأنصاري حليف بني العجلان، أَبو أسامة، صحابي ممن شهد بدرًا وصفين مع الإِمام علي. كان فقيهًا مفسرًا كثير الحديث.

(الاستيعاب: 1/ 532، الإِصابة: 1/ 542 رقم: 2876، التمهيد: 3/ 240، تهذيب التهذيب: 3/ 395).

(2)

أخرجه مالك في الموطإِ، ما جاء في الدعاء.

قال ابن عبد البر: إِنه محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومثله يستحيل أن يكون رأيًا واجتهادًا وإنما هو توقيف، ومثله لا يقال بالرأي. (التمهيد: 5/ 343، حديث: 51 لزيد بن أسلم).

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمن ينصبُ وجهَهُ لله عز وجل يسأله مسألةً إِلا أعطاهُ إِياهَا: إِما عجلها له في الدنيا، وإمَّا ادّخرها لَهُ في الآخرةِ، ما لم يُعَجّل".

(شأن الدعاء للحافظ الخطابي: 13، وقال محققه: رواه أحمد في المسند: 2/ 448، والحاكم: 1/ 497 بسند صحيح ووافقه الذهبي).

وانظر (فتح الباري: 11/ 140 - 141، الترغيب والترهيب: 2/ 478 - 479).

(3)

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إِذا أراد أحدكم أن يسأل فليبدأ بالمدحة =

ص: 397

ومنها: أن يكون في جلوسه على هيئة التشهد، فإِنها الحالة المشروعة في أشرف العبادات، وهي الصلاة.

وأنشد بعضهم (1):

وَإِنِّي لأدْعُو الله وَالأمْرُ ضَيقٌ

عَلَيَّ فَمَا يَنْفَكُّ أنْ يَتَفَرَّجَا

ورُبَّ فَتى ضَاقَتْ عَلَيْهِ أمُورُهُ

أصَابَ لَهَا فِي دَعْوَةِ الله مَخْرَجَا

فخذ نفسك بالاجتهاد في ذلك الزمن، فإِنه موقف عظيمٌ تُسكب فيه العبراتُ، وتُقَالُ فيه العثرات، وتُرجَى فيه الطلبات وهو أعظم مجامع الدنيا، فيه يجتمع عباد الله الصالحون، والأولياء المخلصون، فلا تُضيِعْ ذلك الوقتَ بما

= والثناء على الله بما هو أهله، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بعد، فإِنه أجدر أن ينجح".

أخرجه عبد الرزاق في (المصنف: 10/ 441 رقم 19642).

وذكر نور الدين القاري أن سنده صحيح (شرح الشفا: 3/ 746).

وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث علي: "كل الدعاء محجوب حتى يصلي على محمد وعلى آل محمد". قال المنذري: إِنه موقوف عليه ورواته ثقات.

(عدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين: 28). وانظر (الإِحياء: 1/ 315).

(1)

القائل هو أَبو إِسحاق الثعلبي المفسر، وقبل هذين البيتين:

وإِني لأغضى مقلتيَّ على القذى

وألبس ثوب الصبر أبيض أبلجا

وهناك رواية أخرى لصدر البيت الثاني نصها:

وكم من فتى سدت عليه وجوهه.

(كتاب الأرج في الفرج، للسيوطي: 71).

ص: 398

لا يعود عليك نفعُهُ وتُرجَى (1) بركته، فإِنه إِذا فات لا يستدرك.

مسألة:

وقد تقدم أن أول الوقوف زوال الشمس؛ وأما آخره فطلوع الفجر من اليوم العاشر، ولا يجب استيعابُ الوقت إِجماعًا، وأجمعت الأمة على إِجزاء جزء من الليل (2) فإِن وقف (3) بها نهارًا دون الليل لم يجزه عند مالك (4). ويجزئه عند الشافعي (5) والحنفي (6) وعليه دم.

فلو دفع قبل الليل مغلوبًا عليه، فهل يجزؤه أم لا؟ قولان، ونفي الإِجزاء هو أصل المذهب، وثبوته مراعاة للخلاف (7).

(1)(ص): وترجو.

(2)

التمهيد: 9/ 275، موسوعة الإِجماع: 1/ 286 - 287.

(3)

(ب): أقام.

(4)

الفواكه الدواني: 1/ 373، مناسك التاودي: 20، الكافي: 1/ 405.

(5)

قال النووي عن وقت الوقوف في المذهب الشافعي: هو من زوال الشمس يوم عرفة إِلى طلوع الفجر ليلة العيد، فمن حصل بعرفة في لحظة لطيفة من هذا الوقت صح وقوفه وأدرك الحج. (الهيثمي على شرح الإِيضاح: 314).

(6)

أوضح الكاساني أن وقت الوقوف في المذهب الحنفي من الزوال إِلى آخر الليل، وذكر أن هذا قول عامة العلماء، ثم رد على الإِمام مالك القائل: إِن وقته هو الليل. انظر (البدائع: 2/ 125 - 126).

(7)

لاحظ الحطاب أن هذا الكلام نقله ابن فرحون عن ابن بشير، وأن صاحب القول بالإِجزاء هو يحيى بن عمر. (مواهب الجليل: 3/ 94).

ص: 399

ولو دفع حين الغروب أجزأه عند ابن القاسم.

ولو دفع قبل الغروب ولم يخرج من عرفة حتى غربت الشمس، قال مالك: أجزأه وعليه دمٌ، لعزمه على ترك الليل (1).

فرع:

ومن جاء ليلًا، وقد دفع الإِمام، أجزأه أن يقف قبل طلوع الفجر (2).

وأما من تعمد ترك الوقوف مع الإِمام نهارًا، أو وقف ليلًا وهو غير مراهق فعليه الهدي.

تنبيه:

واجتماع الناس يوم عرفة في مساجد الأمصار وقت الوقوف بعرفة يذكرون ويدعون، تشبهًا بالحجاج، نص عليه الشيخ أبو بكر الطرطوشي: أنه من البدع (3).

(1) كذا في (النوادر: 1/ 167 أ).

(2)

كذا في (م. ن) بزياد: ويدعو الله ويؤخر الصلاة إِلى المزدلفة، منقولًا من كتاب محمد.

(3)

عقد الطرطوشي فصلا (في اجتماع الناس في سائر الآفاق يوم عرفة) أورد فيه أقوال بعض العلماء في هذه البدعة، ثم قال: "إِن هؤلاء الأيمة علموا فضل الدعاء يوم عرفة، ولكن علموا أن ذلك بموطن عرفة لا في غيرها، ولا منعوا من خلا بنفسه فحضرته نية صادقة أن يدعو الله تعالى، وإِنما كرهوا الحوادث في الدين، وأن يظن =

ص: 400

وقد قال ابن الجوزي: أجازه ابن عباس رضي الله عنهما، وكان يفعله (1).

وسُئل عنه أحمد بن حنبل فقال: أرجو أن يكون خفيفًا، وقد فعله جماعة من السلف (2) رحمهم الله تعالى.

= العوام أن من سنة يوم عرفة بسائر الآفاق الاجتماع والدعاء فيتداعى الأمر إِلى أن يدخل في الدين ما ليس منه".

(الحوادث والبدع: 115 - 117).

(1)

ساق ابن الجوزي بسنده أثرًا عن الحسن: أول من صنع ذلك ابن عباس، يعني اجتماع الناس يوم عرفة في المساجد. (مثير الغرام: 199).

(2)

السائل هو الأثرم، وفي جواب الإِمام أحمد بن حنبل أن ممن فعل ذلك من السلف الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع (م. ن: 80، القِرى: 350).

وقد ذكر ابن تيمية أن العلماء اختلفوا في ذلك، وفعله من الصحابة ابن عباس وعمرو بن حريث وبعدهم جماعة من البصريين والمدنيين. وأما أحمد بن حنبل فالمشهور عنه الترخيص فيه وإِن كان لا يستحبه، وقد كرهه طائفة من الكوفيين والمدنيين والنخعي وأبو حنيفة ومالك وغيرهم قائلين: إِنه من البدع مندرج في عمومها؛ واحتج من رخص بفعل ابن عباس دون إِنكار عليه. (اقتضاء الصراط المستقيم: 2/ 638).

ص: 401

فصل: فى الدَّفع من عَرَفة

قال القرافي: والسنة الدفع مع الإِمام *، فإِن تقدمه في السير أجزأه (1).

قال ابن حبيب: وإِذا دفع الإِمام فارفع يديك إِلى الله عز وجل، وسله المغفرة والعفو عنك، وعن والديك وأولادك، وقضاء الحوائج، وادفعْ وعليك السكينةُ والوقارُ، سواءً كنت راكبًا أو ماشيًا، وإِذا كنت ماشيًا فامش الهوينا، وإِن كنت راكبًا فاعنق (2) ولا تهرول. ولا بأس إِن وجدت فرجةً أن تحرِّك شيئًا (3).

ويكون طريقك بين المأزمَيْن (4)، وهما الجبلان بين عرفة والمزدلفة، ومن مرّ على غير المأزمين أو سلك وراءهما (5) فلا شيء عليه.

(1) الذخيرة: 3/ 261.

(2)

العَنَق: (بفتحتين): ضرب من السير فسيح سريع، وهو اسم من أعنق (المصباح: عنق).

(3)

هذا المعنى معزو إِلى ابن حبيب في (النوادر: 1/ 167 أ). وانظر (أسرار الحج: 99).

(4)

قال ابن الحاجب: "ويستحب المرور بين المأزمين". (المختصر: 34 ب).

وفي المطبوع: "يكره المرور بغير بين المأزمين"(جامع الأمهات: 197)

(5)

(ر): قدامها.

ص: 402

والمَأزَم: بالهمزة، المضيق، سمّيا مأزمين للضيق الذي بينهما.

فرع:

ويستحب الإكثار من الذكر وتلاوة القرآن في مسيره إِلى المُزْدَلِفَة (1).

ويقول: اللهمّ إِليْكَ أرْغَبُ، وَإِيَّاكَ أرْجُو، فتقبَّلْ نُسْكِي ووفقني وارزقني من الخير أكثر مما أطلب، ولا تخيّبني إِنّك أنت الله الجواد الكريم (2).

ويكثر من قوله: لا إِله إِلا الله، والله أكبر.

فرع:

قال سند: ومن دفع فلا ينزل ببعض تلك المياه لعشاء أو استراحة (3)

مسألة:

فإِذا وصلت إِلى المزدلفة فابدأ بالصلاة قبل أن تحط رحلك (4)، فتصلي بها المغرب والعشاء جمعًا (5) وقصرًا، بأذانين وإِقامتين في رواية ابن القاسم، وقيل:

(1) المزدلفة: (بضم الميم) وهي المشعر (بفتح الميم) قال الهروي: لاجتماع الناس بها، والازدلاف: الاجتماع، وقال الطبري: لازدلاف آدم وحواء وتلاقيهما بها. (مشارق الأنوار: 1/ 350).

(2)

هذا الدعاء أورده النووي ضمن "فصل في الأذكار المستحبة في الإِفاضة من عرفة إِلى مزدلفة" في: (الأذكار: 180).

(3)

كذا في (النوادر: 1/ 167 أ).

(4)

المغني: 3/ 420.

(5)

الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة سنة مؤكدة، قاله ابن يونس. (التاج والإِكليل: 3/ 119). وانظر: (التمهيد: 9/ 261، مناسك التاودي: 20).

ص: 403

بأذان وإِقامتين، ولا بأس أن تحط رحلك قبل الصلاة مثل: الرحل الخفيف، ما لم تضطر إِلى رحلك لثقل دابتك فلا بأس بذلك.

فرع:

قال ابن الحاج: ولا تتعش قبل صلاة المغرب، وإِن كان خفيفًا.

وافعل ذلك بين صلاة المغرب والعشاء إِن كان خفيفًا، وإِن كان فيه طول فأخّره (1) إِلى بعد العشاء، فهو أولى.

فرع:

ومن أسرع فأتى المزدلفة قبل مغيب الشفق، فقد قال ابن حبيب: لا يصلي حتى يغيب الشفق، وسواء في ذلك الإِمام وغيره.

وقال أشهب: يصلّون حينئذ، وخالفه ابنُ القاسم في هذا.

مسألة:

واختلف فيمن صلّى المغرب والعشاء قبل أن يأتي المزدلفة.

فقال ابن حبيب: لا يجزئه ذلك ويعيدهما، وإِن صلاهما بعد مغيب الشفق.

وقال أشهب: لا يعيدهما (2).

(1)(ب): أخره.

(2)

تمام قول أشهب: "

وبئس ما صنع إِلا أن يكون صلى قبل غيبوبة الشفق فعليه العشاء أبدًا". (النوادر: 1/ 167 ب)، وانظر (الجواهر: 1/ 404).

ص: 404

وقيل: يعيد العشاء الأخيرة فقط.

وقال مالك: لا يصليهما قبل المزدلفة إِلا من به عذر أو بدابّته، ولا يجمع بينهما إِلا بعد مغيب الشفق (1).

وقال محمد: يصلي كل صلاة لوقتها.

فرع:

والصلاةُ مع الإِمام في المزدلفة أفضلُ (2)، فإِن لم يدرك الإِمام أو لم يقدر على الوصول إِليه صلى في رحله.

ولا يتنفل بينهما (3)، ويتنفل بعدهما ما بدا له ولا بد له (4) من الوتر.

(1) جاء في المدونة: "ما قول مالك فيمن صلى المغرب والعشاء قبل أن يأتي المزدلفة؟ قال: قال مالك: أما من لم يكن به علة ولا بدابته وهو يسير بسير الناس فلا يصلي إِلا بالمزدلفة

قال: ومن كان به علة أو بدابته فلم يستطع أن يمضي مع الناس أمهل حتى إِذا غاب الشفق صلى المغرب ثم صلى العشاء يجمع بينهما حيث كان وقد أجزأه". (المدونة: 2/ 176).

(2)

كذا في (النوادر: 1/ 167 ب) نقلا عن ابن حبيب. وانظر (المغني: 3/ 418).

(3)

قال ابن قدامة: السنة أن لا تطوع بينهما، ونقل عن ابن المنذر الإِجماع على أن لا يتطوع الجامع بين الصلاتين، بينهما، وقد روى أسامة وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بينهما. قال ابن قدامة: وحديثهما أصح من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم تطوع بينهما. (المغني: 3/ 420).

(4)

له: سقطت من (ب).

ص: 405

فرع:

والنزول بالمزدلفة المشهور وجوبه، قال القرافي (1)

وإِطلاق الوجوب فيه تسامح، وإِنما هو سنة يجب بتركها الدم.

قال أبو إِبراهيم: ومن تركه لعذر كالمراهق ونحوه فلا دم عليه، ومن تركه من غير عذر فعليه دم؛ خلافًا لعبد الملك (2).

قال أبو إِبراهيم الأعرج: ومن ترك النزول والوقوف معًا فعليه دم، كان له عذر أو لم يكن (3).

والفرق بين النزول والمبيت أن المبيت الاستراحة * بغير شك، والنزول الواجب يحصل بحط الرحل والتمكن من المبيت (4).

ولا يشترط استغراق النصف الأول من الليل، خلافًا للشافعي (5).

(1) نص القرافي: "أما النزول بالمزدلفة فالمشهور وجوبه، ومن تركه من غير عذر فعليه دم، وقاله الأئمة خلافًا لعبد الملك". (الذخيرة: 3/ 263).

(2)

قال أبو إِبراهيم .. لعبد الملك: ساقط من (ب).

(3)

قال أشهب: إِذا لم ينزل مزدلفة حتى طلع الفجر فعليه الهدي. (النوادر: 1/ 167 ب).

(4)

قال سند: النزول الواجب يحصل بحط الرحل والاستمكان من الليث. (مواهب الجليل: 3/ 119).

(5)

يذكر النووي أن الشافعية اتفقوا على أن الدفع من مزدلفة لو وقع بعد نصف الليل =

ص: 406

واختلف عن مالك في القدر المستحق من الزمان بالمزدلفة هل هو الليل كله أو جله أو أقل زمان، حكى ذلك ابن خويز منداد.

فرع:

ويستحب كثرة التنفل والذكر في ليلة المزدلفة فهي من الليالي المشهورة، وقد انضم إِلى شرف الليلة شرف المكان، وكونه في الحرم والإِحرام (1) ومجمع الحجيج، وليلة العيد عقب ذلك الموقف العظيم (2).

مسألة:

فإِذا صلّيت الصبح بالمزدلفة وقفت عند المشعر الحرام تستقبل الكعبة ثم تكبر وتهلل وتحمد الله وتدعو (3) فتقول:

اللهمّ إِني أسألك أن ترزقني في هذا المكان جوامع الخير كله، وأن تصلح لي شأني كله، وأن تصرف عني الشرّ كله، فإِنه لا يفعل ذلك غيرك ولا يجود

= أجزأه وحصل المبيت ولا يترتب عن ذلك دم، سواء كان الدفع بعد نصف الليل لعذر أم لغيره واتفقوا على أنه لو دفع قبل نصف الليل بيسير ولم يعد إِلى المزدلفة فقد ترك المبيت، أما لو دفع قبل نصف الليل وعاد إِليها قبل طلوع الفجر أجزأه المبيت ولا شيء عليه. (المجموع: 8/ 135). وانظر (فتح العزيز: 7/ 387 - 388).

(1)

والإِحرام: سقطت من (ر).

(2)

هذا المعنى الوارد ضمن الفرع أشار إِليه النووي في (الأذكار: 180).

(3)

(ص): وتدعوه.

ص: 407

به إِلا أنت، اللهمّ كما أوقفتنا (1) فيه وأريتنا إِياه فوفقنا لذكرك، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2).

ويكثر من قوله: ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (3)، اللهمّ لك الحمد كلّه، ولك الكمال كلّه، ولك الجلال كلّه، ولك التقديس كله، اللهمّ اغفر لي جميع ما أسلفته، واعصمني فيما بقي، وارزقني عملًا صالحًا ترضى به عني يا ذا الفضل العظيم، اللهمّ إِني أتشفع إِليك بخواص عبادك، وأتوسل إِليك بك وأسألك أن ترزقني جوامع الخير كله، وأنْ تَمُنَّ عليّ بما منَنْتَ به على أوليائك الصالحين (4)، وأن تُصلِحَ حالي في الدنيا والآخرة، يا أرْحَمَ الرَّاحمين (5).

(1)(ص): كما وقفتنا.

(2)

البقرة: 198 - 199.

(3)

عن أنس قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، أخرجه البخاري. (الصحيح: 7/ 163، كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ربّنا آتنا في الدنيا حسنة).

(4)

الصالحين: سقطت من (ر)، (ص).

(5)

هذا الدعاء أورده النووي في (الأذكار: 181).

ص: 408

مسألة:

قال ابن الحاج: المزدلفة والمشعر وجمع (1) وقزح (2) أسماء مترادفة، وعلى هذا فيقف في أي موضع شاء من المزدلفة، والمعروف أن المشعر - موضع خاص في المزدلفة - (3) ودليل الأول قول سعيد بن جبير: ما بين الجبلين موقف (4).

وقال ابن حبيب: المشعر ما بين جبلي المزدلفة، ويقف الإِمام حيث المنارة التي على قزح، ويكون وجهك في وقوفك بالمشعر قبالة البيت، وجاء أنه عليه السلام وقف على قزح، وقال:"هذا قزح وهو موقف، وجمع كلها موقف"(5) نقله ابن الحاج.

(1) سميت جمعًا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء، أو لأنه يجمع فيها بين الصلاتين، أو لأن الناس يجتمعون فيها. (فتح الباري: 4/ 270).

(2)

المشعر الحرام: يقال له قزح، وهو موضع معروف بمزدلفة، والمشعر الحرام وقزح من أسماء المزدلفة، فتكون مزدلفة كلها سميت بالمشعر وبقزح تسمية للكل باسم البعض، كما سميت بدر باسم ماء بها. (المطلع على أبواب المقنع: 197).

وقال الحطاب: المشعر: اسم البناء الذي بالمزدلفة، ويطلق على جميعها. (مواهب الجليل: 3/ 125)

(3)

والمعروف

المزدلفة: ساقط من (ر). وفي (ب): المزدلفة، عوضًا عن: في المزدلفة.

(4)

كذا ورد قول سعيد بن جبير في (النوادر: 1/ 168 أ).

(5)

مما جاء في حديث علي رضي الله عنه في صفة حجه صلى الله عليه وسلم: "

ثم أتى جَمعًا، فصلى بهم الصلاتين جميعًا، فلما أصبح أتى قُزَحَ فوقف عليه، وقال: هذا قزح وهو الموقف، وجمْع كلها موقف". =

ص: 409

مسألة:

قال ابن القاسم: والوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر وبعد صلاة الصبح (1).

قال ابن الحاج: والشأن أن تصلي الصبح حين يتصدع الفجر، ومن وقف بعد الفجر، وقبل أن يصلي الصبح، فهو كمن لم يقف.

فرع:

ومن بات بالمشعر الحرام فلم يقف حتى دفع الإِمام، فلا يقف بعده ولا يتخلف عنه.

فرع:

لو أتى بعد الفجر ونزل بالمزدلفة، فقال ابن القاسم: لا دم عليه، وقال أشهب: عليه الدم (2) قاله * اللخمي.

فرع:

= أخرجه الترمذي وقال: حديث علي حديث حسن صحيح.

(السنن: 3/ 232 رقم 885، كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف).

(1)

نقل ابن أبي زيد عن ابن القاسم قوله: وليقف بالمشعر الحرام ما لم يسفر جدًّا. (النوادر: 1/ 167 ب).

(2)

قول ابن القاسم وقول أشهب أوردهما ابن أبي زيد في (النوادر: 1/ 167).

ص: 410

قال اللخمي: وإن كان قد وقف بعرفة ليلًا وأتى بعد طلوع الشمس، فلا يقف بالمشعر؛ لأن وقت الوقوف قد ذهب.

فرع:

إِذا دفع من عرفة إِلى مِنى ولم ينزل بالمزدلفة، فقال مالك: عليه دم، خلافًا لابن الماجشون، فإِنه قال: لا دم عليه، قاله اللخمي.

وقال ابن رشد في المقدمات: وذهب ابن الماجشون إِلى أن الوقوف بالمشعر فريضة (1).

قال أبو إِبراهيم الأعرج: ولعل له قولين (2).

وإِن نزل بها ثم دفع إِلى مِنى أول الليل أو وسطه فلا دم عليه.

فرع:

وإِذا نزل بالمزدلفة ولم يقف بالمشعر الحرام، فقال مالك وابن القاسم: لا دم عليه (3)، وإِن وقف بالمشعر ولم ينزل بالمزدلفة فعليه الدم.

(1) كذا في (المقدمات: 1/ 305) وتمام كلامه: (لقول الله عز وجل: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198].

(2)

يبدو أن ابن الماجشون له قول واحد، وهو أن الوقوف بالمشعر فريضة لا يجزئ عنه هدي، وقد صرح بهذا ابن رشد في:(البيان: 3/ 426).

وفي المسألة أقوال للفقهاء ساقها أبو الحسن الصغير في (التقييد: 2/ 24 أ، ب).

(3)

انظر (مواهب الجليل: 3/ 119).

ص: 411

فرع:

ولا يقف أحد بالمشعر إِلى طلوع الشمس، ولا إِلى الإِسفار جدًّا، ولكن يدفع قبل ذلك، فإِذا أسفر ولم يدفع الإِمام دفع الناس وتركوه، ومن تأخر إِلى طلوع الشمس فقد أساء، ولا شيء عليه (1).

قال ابن الحاج: ووقت دفع الإِمام من المشعر الإِسفار الذي يجوز تأخير الصلاة إِليه.

وفي طرر التهذيب لأبي الحسن (2): هو الإِسفار الأول لا الثاني (3).

(1) ولكن

ولا شيء عليه: ساقط من (ر).

(2)

علي بن عبد الحق الزرويلي، أبو الحسن الصغير، فقيه مالكي، تولى قضاء فاس فظهرت صرامته في الحق. كان يدرس المذهب المالكي ويستظهر عدة مدونات فقهية من حفظه ت 719 بمدينة فاس.

(الأعلام: 5/ 156، جذوة الاقتباس: 2/ 472 رقم 521، درة الحجال: 2/ 439، الديباج: 2/ 119، سلوة الأنفاس: 3/ 147، الشجرة: 215 رقم 757، كحالة: 7/ 207).

(3)

أوضح أبو الحسن الصغير ذلك عند تعليقه على قول التهذيب: ولا يقف أحد بالمشعر إِلى طلوع الشمس أو الإِسفار، وعبارة أبي الحسن: يريد الإِسفار الثاني. قال ابن القاسم: من لم يدفع من المشعر حتى طلعت الشمس أساء ولا شيء عليه عند مالك. (التقييد: 2/ 24 ب).

ولا يكون الوقوف بعد الإِسفار لمخالفة المشركين الذين كانوا لا يدفعون إِلا بعد طلوع الشمس. (التوضيح لخليل: 1/ 224 ب).

ص: 412

وقاله اللخمي في التبصرة.

فرع:

ويستحب الدفع من المشعر بدفع الإِمام، وواسع للنساء والصبيان أن يتقدموا أو يتأخروا، وإِن قُدِّموا فيكون تقديمهم في آخر الليل قبل صلاة الصبح، فيصلون الصبح بمِنى (1).

وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يقدم ضَعَفَةَ أهْلِه، فيقفون عند المشعر الحرام بالليل (2) فيذكرون الله تعالى ما بدا لهم؛ ثم يدفعون قبل أن يقف الإِمام (3).

وعلى هذا فينبغي لمن رحل ليلًا أن يفعل فعلهم ويقتدي بهم في ذلك، ولا يحرم نفسه الوقوف إِذا فاته الوقوف على سنته.

(1) انظر (تبيين المسالك: 2/ 256).

(2)

في صحيح مسلم: 1/ 941: بالمزدلفة بالليل.

(3)

تمام الحديث: "

وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم مِنى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإِذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم".

(صحيح مسلم: 1/ 941، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إِلى مِنى في أواخر الليالي قبل زحمة الناس

رقم 304).

ص: 413

فرع:

وفي الحاوي لأبي الفرج (1): إِذا أخر الدافع مجيئه من عرفة إِلى المزدلفة حتى فاته المبيت والصلاة بها لم يقف بالمشعر.

قال ابن القاسم: وأرى أن يقف.

وقال مالك: إِن فاته البيت بالمشعر وأراد الصلاة مع الإِمام وقف معه. انتهى.

ومراده: وأدرك معه صلاة الصبح، لقوله: وفاته المبيت.

فرع:

قال ابن حبيب: وتفعل في الدفع من المشعر من الذكر والسكينة مثل فعلك في الدفع من عرفة، وتهرول في بطن مُحَسِّر (2) اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم (3) وأصحابه رضي الله عنهم والأئمة بعده، وهي السنة، ومقدار ما تهرول

(1) عمر بن محمد بن عمرو الليثي: أبو الفرج. أصله من البصرة ونشأ ببغداد وتفقه مع القاضي إِسماعيل، ولي القضاء وألف اللمع في الأصول والحاوي في الفقه. ت 330 وقيل 331 (الديباج: 2/ 127. الشجرة: 79، المدارك: 5/ 22).

وكتابه الحاوي من المخطوطات المفقودة، فيما أعلم.

(2)

مُحَسِّر (بضم ففتح فسين مكسورة مشدودة).

(3)

ورد قول ابن حبيب في (تقييد أبي الحسن: 2/ 24 أ).

ص: 414

في بطن محسر هو (1) قدر رمية حجر؛ لأنه ورد ذلك في حديث جابر (2).

قال مالك: وأحب للمحرم الماشي إِذا هبط من محسر أن يسعى على قدميه مثل ما يصنع الراكب، ومن ترك الإِسراع فلا شيء عليه - راكبًا كان أو ماشيًا - فإِذا خرجت من بطن محسر رجعت إِلى السكينة والوقار.

(1)(ص): وهو.

(2)

يعني قوله "حتى أتى محسرًا فحرك قليلًا، ثم سلك الطريق الوسطى

".

(سنن أبي داود: 2/ 462، كتاب الحج، باب ما جاء في الإِفاضة عن عرفات، رقم 886).

ص: 415

فصل

واختلف من أين ينبغي له أخذ الجمرات؟ والذهب أن له أخذَهَا من حيث شاء، واستحب الجمهور أن يأخذها من المُزْدَلِفَة ليلةَ مبيته بها (1) ويلتقطها لقطًا * وهو أفضل من كسرهَا (2).

وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأخذها من وادي محسر (3).

تنبيه (4):

والقدر المستحب لقطه من المزدلفة هي السبع التي يرميها في جمرة العقبة، وليس مراده جميع الجمار، قاله ابن حبيب في مختصر الواضحة.

قال: ووجه ذلك أنه مأمور بالمبادرة برميها عند وصوله إِلى مِنى كما سنذكره.

وقدرها قدر البندقة كما قاله ابن جماعة التونسي.

(1) كذا في (مواهب الجليل: 3/ 127) نقلًا عن التوضيح.

(2)

نص على ذلك ابن الحاجب، وقال ابن المواز عن مالك:"لقطها أحب إِلي من كسرها وليس عليه غسلها، فإِن احتاج إِلى كسرها فلا بأس". (مواهب الجليل: 3/ 127).

(3)

من حديث الفضل بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم: "دخل مُحَسِّرًا - وهو من مِنى - قال: عليكم بحصى الحَذْفِ الذي يُرمى به الجمرة". قال ابن الأثير الجزري: رواه مسلم والنسائي (جامع الأصول: 3/ 249 رقم 1539).

(4)

نص هذا التنبيه: ساقط من (ص).

ص: 416

وقال ابن عطاء الله الإِسكندري: ينبغي أن تكون فوق الفستقة ودون البندقة، ولا تكون من حصى المسجد الحرام ولا مما رمي به، فإِن ذلك مكروه، وتكون الجمار طاهرة. وهي سبعون حصاة لمن لا يتعجل، وتسع وأربعون لمن يتعجل.

قال ابن الحاج: ورمي الجمار بالحجارة، وما عدا الحجارة من حجارة الكُحْل والزرنيخ وشبهها من المعادن أو الذهب.

فإِذا وصلت إِلى مِنى فترمي جمرة العقبة بسبع حصيات على الهيئة التي جئت عليها من ركوب أو مشي، قبل أن تحط رحلك.

قال سند: لأنها تحية الحرم، وذلك ضحى يوم النحر فتكبر مع كل حصاة رافعًا صوتك (1).

فرع:

وفي الذخيرة قال سند: اختلف في تحديد أول وقت (2) رميها، هل هو نصف الليل أو طلوع الفجر أو طلوع الشمس (3).

قوله: نصف الليل، لم أره، والمعروف في المذهب أن أوله طلوع الفجر.

(1) رافعًا صوتك: سقطت من (ر).

(2)

أول وقت: سقطت من (ر).

(3)

لم أعثر على هذا القول في نسخة الذخيرة المخطوطة التي بين يدي ولا في المطبوع. وانظر (نيل الأوطار: 5/ 65).

ص: 417

وقال ابن رشد في البيان: إِنه إِن رمى قبل طلوع الفجر لم يجزه بلا خلاف (1).

وفي التهذيب: الشأن أن يرميها ضحوة، فإِن رميت بعد الطلوع (2)، وقبل طلوع الشمس أجزأك، وأما قبل الفجر فيلزم الإِعادة، والرجال والنساء سواء (3).

قال ابن عطاء الله: قال بعض أصحابنا: ويقول مع كل حصاة: الله أكبر في طاعة الرحمَن وغضب الشيطان (4).

وقال ابن الحاج: تكبر ثلاثًا وتقول: على رغم الشيطان وطاعة الرحمن.

(1) كذا في (البيان: 3/ 439).

(2)

(ص): بعد طلوع الفجر.

(3)

قال مالك: الشأن أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر ضحوة راكبًا كما يأتي الناس على دوابهم، وفي غير يوم النحر يرمي ماشيًا فإِن مشى يوم النحر في رمي جمرة العقبة أو ركب في رمي الجمار في الأيام الثلاثة فلا شيء عليه، وإِن رمى العقبة قبل طلوع الشمس وبعد الفجر أجزأه

وإِن رماها قبل الفجر أعاد الرمي. والرجال والنساء والصبيان في هذا سواء. (التهذيب: 1/ 547).

(4)

نبه على هذا المعنى الحطاب ناقلًا عن ابن عطاء الله عن بعض الأصحاب أنه يقول مع التكبير: هذه في طاعة الرحمن وهذه في غضب الشيطان. (مواهب الجليل: 3/ 126).

ص: 418

تنبيه:

وخُصَّ التكبير دون سائر الذكر للسنة (1)، فإِن سبح ولم يكبّر فقال ابن القاسم: ما سمعت فيه شيئًا (2).

وقال أبو الوليد الباجي: لا شيء عليه عندي؛ لأنه لو ترك التكبير فلا شيء عليه، قاله ابن القاسم (3).

وتقف للرمي من أسفل الجمرة من بطن الوادي وأنت مستقبل القبلة والعقبة (4) عن يمينك.

قال مالك: وإن رماها من فوقها أجزأه.

وقال القاضي عياض: ويرمي جمرة العقبة من حيث تيسر عليه من أعلى العقبة أو أسفلها أو وسطها، كل ذلك يجزئ، والمستحب من بطن الوادي من

(1) روي في حجته صلى الله عليه وسلم أنه رمى الجمرة الكبرى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها. (حجة النبي صلى الله عليه وسلم: 79).

(2)

نص المدونة في ذلك: "قلت: فإِن سبح مع كل حصاة؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئًا والسنة التكبير". (المدونة: 2/ 181).

(3)

عبارة الباجي: "الذى عندي أنه لا شيء عليه؛ لأن ابن القاسم قد قال في المبسوط فيمن رمى ولم يكبر: هو مجزئ، ومعنى ذلك أنه ذكر مشروع في أثناء الحج كسائر الأذكار والأدعية". (المنتقى: 3/ 46).

(4)

(ر): والجمرة.

ص: 419

أسفلها (1) كما جاء في الحديث (2)، هذا كله قول كافة العلماء.

وقال الباجي: من رمى جمرة العقبة من أسفلها فليجعل مِنى عن يمينه ومكة عن يساره، ويستقبل العقبة (3).

فرع:

قال اللخمي: وتوالي الرمي مع التكبير برفع الصوت، ولا تقف عندها للدعاء * ولا لغيره.

قال ابن الحاج: وقل: اللهمّ اجعله حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا.

(1) لم أجد قول عياض هذا في نسخة التنبيهات التي بين يدي. وفي كتابه (الإِعلام بحدود قواعد الإِسلام: 74) قال: "ثم رمى جمرة العقبة من أسفلها ضحى".

(2)

جاء في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم "

مر من بطن الوادي ثم انصرف إِلى المنحر" أخرجه مسلم. (الصحيح: 1/ 892 رقم 147، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم).

وانظر (حجة النبي صلى الله عليه وسلم: 82).

(3)

نص الباجي في ذلك: "وإِن رمى جمرة العقبة فليجعل مِنى عن يمينه ومكة عن يساره، والأصل في ذلك ما روي عن عبد الرحمن بن يزيد أنه حج مع ابن مسعود، فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات، وجعل البيت عن يساره ومِنى عن يمينه، ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة". (المنتقى: 3/ 49).

ص: 420

مسألة:

ووقت أدائها يوم النحر من طلوع الفجر إِلى الغروب وقيل: الأفضل في أدائها من طلوع الشمس إِلى الزوال وما بعده لأهل الأعذار كالمريض والناسي.

ووقع لابن القاسم في العتبية: إِذا زالت الشمس يوم النحر فقد فات الرمي إِلا لمريض أو ناسٍ (1).

وحمل على فوات وقت الفضيلة.

وسيأتي ذكر وقت قضائها في بيان وقت الرمي.

قال ابن المعلى: واستحب بعض المتأخرين من المالكية أن يرجع إِلى مِنى بعد رميه من فوق الجمرة، ولا يرجع على طريقه لئلا يضر الناس بالمزاحمة.

فصل

ثم تنزل في منزلك من مِنى، وتقول:

الحمد لله الذي بلغنيها (2) سالمًا معافى، اللهمّ هذه مِنى قد أتيتها وأنا

(1) البيان والتحصيل: 4/ 51.

(2)

(ر): بلغني.

ص: 421

عبدك، وفي قبضتك، أسألك أن تَمُنَّ عليَّ بِمَا مننتَ به على أوليائك، اللهمّ إِني أعوذ بك من الحرمان والمصيبة في ديني، يَا أرحم الراحمين (1).

فصل

فإِذا نزلت بمِنًى بعد رمي جمرة العقبة، فإِن كان معك هدي بدأت به قبل الحلق فتنحره؛ لأن سائق الهدي لا يحلّ من شيء حتى ينحر هديه.

وتقول عند نحره: بسم الله، اللهمّ منك وإِليك فأسألك أن تتقبل مني كما تقبلت من إِبراهيم خَليلك ونبيك عليه السلام (2).

ولا تذبح حتى ترمي الجمرة، ومن ذبح قبل الرمي أو حلق بعد الرمي وقبل الذبح أجزأه ولا شيء عليه.

فصل

ووقت نحر الهدايا وذبحها بعد الفجر، والأفضل ضحوة، ومن ذبح قبل الفجر أعاد.

(1) أورد النووي هذا الدعاء ضمن: فصل في الأذكار المستحبة بمنى يوم النحر، في (الأذكار: 181 - 182).

(2)

لم أعثر على من أورد نص هذا الدعاء، ويقرب منه ما نقل ابن جماعة عن بعضهم:"إِن قال: اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبل مني أو من فلان، فحسن". (هداية السالك: 1397 - 1398).

ص: 422

والهدي: جزاء الصيد، وما وجب لأجل نقص في حج أو عمرة كدم القِران والتمتع والفساد والفوات وغيرهما، ومن ذلك ما نوى به الهدي من النسك، وإِن لم ينو به هديًا فهو نُسك وليس بهدي.

والنُّسُك: ما وجب لإِلقاء التفث وطلب الرفاهية من اللباس، والدهن والطِّيب ونحو ذلك (1)، ودم النسك لا يختص بزمان ولا مكان (2).

فرع:

وكره مالك أن ينحر هديه أو أضحيته غيره، فإِن استناب أجزأه (3) إِلا أن يكون النائب غير مسلم فلا يجزئه.

وسيأتي بيان أيام النحر.

(1)(ر): وغير ذلك.

قال الإِمام المقري: "كل ما وجب لإِلقاء التفث وطلب الرفاهية من الدماء فنسك، وإِلا فهدي". (كليات المقري: 113، الكلية رقم 153).

(2)

قال الإِمام المقري: "كل نسك فله أن يذبحه حيث شاء، وليس عليه تقليده وإِشعارُه إِلا أن يشاء". (كليات المقري: 114، الكلية رقم 158).

(3)

من سماع ابن القاسم: أحب إِلي أن يلي ذكاة أضحيته بيده. اهـ. وعند الضرورة - كالضعف والكبر والرعشة - يليها غيره. فإِن أمر مسلمًا غيره دون عذر فبئس ما صنع. (التاج والإِكليل: 3/ 244).

ص: 423

فصل

ثم تحلق رأسك (1)، فإِذا نحرت وحلقت فقد حل لك كل شيء إِلا النساء والصيد والطيب (2). فإِن تطيبت قبل طواف الإِفاضة فلا شيء عليك (3) على المشهور.

فرع:

قال اللخمي: الناس في الحلق والتقصير على ثلاثة أوجه: حلاق وتقصير، وتخيير بينهما.

(1) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين".

أخرجه البخاري في (الصحيح: 2/ 188، كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإِحلال).

ومسلم في (الصحيح: 1/ 945 رقم 317، كتاب الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير).

(2)

المقصود: إِذا نحرت وحلقت بعد رمي جمرة العقبة، فقد حل لك غير النساء والصيد والطيب، وهذا هو التحلل الأصغر. وحكم استعمال الطيب قبل الإِفاضة الكراهة. (الشرح الصغير: 2/ 58).

(3)

(ص): فإِن تطيب

فلا شيء عليه.

ص: 424

فالحِلاق: لمن لا وَفْرة (1) له، وللأقرع ولمن لبّد (2) أو عقص أو ظفر من الرجال، إِذا لم يمكن تقصيره كذلك.

والتقصير: فرض النساء، فلا يجوز لهنّ أن يحلقن إِلا لضرر (3) برؤوسهنّ (4)؛ لأن حلْقَهُنَّ مُثلةٌ (5)، وكذلك بنت تسع أو عشر تقصر ولا تحلق، وإِن كانت * صغيرةً جازَ أن تحلقَ أو تقصرَ.

والخِيَار بينهما: لمن له وَفْرَةٌ من الرَّجَال، ولم يلبِّد ولا ظفر ولا عقص.

(1) الوفرة: شعر الرأس إِذا وصل إِلى شحمة الأذن. (النهاية: وفر، 5/ 210).

(2)

لبَد شعره: ألزقه بشيء لزجٍ أو صمغ حتى صار كاللبد، وهو شيء كان يفعله أهل الجاهلية إِذا لم يريدوا أن يحلقوا رؤوسهم في الحج.

وفي الصحاح: التلبيد: أن يجعل المحرم في رأسه شيئًا من صَمغ ليتلبد شعره بقيا عليه لئلا يشعث في الإِحرام ويقمل، وإنما يلبد من يطول مكثه في الإِحرام. (اللسان: لبد).

وسينقل ابن فرحون، قريبًا، عن ابن حبيب شرح التلبيد والعقص والظفر.

(3)

(ب): بضرورة.

(4)

أخرج أبو داود عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على النساء حلق إِنما على النساء التقصير. (مختصر سنن أبي داود: 2/ 420) ولاحظ ابن المنذر أن هذا الحكم مجمع عليه. (الإِجماع: 23).

(5)

البيان والتحصيل: 3/ 434.

ص: 425

قال الشيخ أبو محمد البلنسي (1) في شرح الرسالة: الحِلاق ثلاثة: فرض وسنة ومكروه.

فالفرض: لمن لبّد أو عقص.

والسنة: لمن لم يلبد ولم يعقص.

والمكروه: للنساء لأنه مثله.

قال ابن حبيب: والتلبيد أن يجعل الصمغ في الغاسول ثم يلطخ به رأسه عند الإِحرام، ليمنعه من الشعث.

والعقص: أن يجمع شعره في قفاه إِذا كان مجممًا لئلا يشعث. والعقد مثله.

والظفر: أن يظفر رأسه إِذا كان مُجَمَّمًا، لئلا يشعث.

(1) لعله عبد العزيز بن أحمد بن السيد القيسي الأندلسي البلنسي، أبو محمد رحل إِلى مصر وتوفي بها حوالي سنة 427. (جذوة المقتبس: 269، كحالة: 5/ 241 - 242).

ص: 426

فصل: في موضع الحلاق (1) وصفته ووقته

فأما موضعه فقال الباجي: موضع الحلاق في الحج مِنى وفي العمرة مكة وذلك على وجه الاستحباب، فلو حلق في الحج بمكة أو مِنى أو في الحل فلا شيء عليه إِذا حلق في أيام مِنى (2).

قال ابن الحاج: قال مالك: موضع الحلاق أو التقصير في الحج عند الجمرة أو حيث شاء من مِنًى.

وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: لا ينبغي لأحد أن يحلق خلف العقبة، ذكره في النوادر (3).

وأما وقته فبعد طلوع الفجر ورمي جمرة العقبة ونحر الهدي إِن كان، وأما آخر وقته فآخر أيام الرمي، فإِن لم يحلق فيها حلق وأهدى سواء كان بمكة أو رجع إِلى بلده.

فرع:

فلو توجه للإِفاضة قبل الحلق فذكر وهو بمكة قبل الطواف، فليرجع حتى يحلق ثم يفيض.

(1)(ب): مواضع الحلاق.

(2)

كذا في (المنتقى: 3/ 30) وقد أورده ابن فرحون مختصرا.

(3)

كذا نص ابن أبي سلمة في (النوادر: 1/ 169 ب).

ص: 427

فرع

لو قدم الإِفاضة على الرمي والنحر والحلق، فعن مالك: الإِجزاء مع الهدي، وقيل لا يجزئه، وهو كمن لم يفض، وقيل: يعيد الحلق مع الإِفاضة (1).

وقال الباجي: ومن أفاض قبل الحلق فاختلف فيه (2).

وفي المختصر: أنه يرجع فيحلق ثم يفيض، فإِن لم يفض فلا شيء عليه، وقيل: ينحر ثم يحلق ولا شيء عليه.

فرع:

ومن حلق قبل النحر فلا فدية عليه على الأصح (3)، ومن نحر قبل الرمي فلا فدية عليه.

وأما من حلق قبل أن يرمي فعليه فدية الأذى (4).

(1) مع الإِفاضة: سقطت من (ر).

(2)

الخلاف بين ما رواه محمد عن مالك وما قاله ابن القاسم فيمن أفاض قبل الحلق ففي هذه الرواية: إِن ذكر في أيام مِنى فحلق فلا شيء عليه، وإن ذكر بعدها حلق وأهدى، أما ابن القاسم فقال: إِذا تباعد ذلك بعد الإِفاضة أهدى وليس لذلك حد، وإِن ذكر وهو بمكة قبل أن يفيض فليرجع حتى يحلق ثم يفيض. (المنتقى: 3/ 30).

(3)

(ب): في الأصح.

(4)

قال الإِمام المقري: "كل ما يفعل بمِنى يوم النحر، فلا شيء في تقديم بعضه على =

ص: 428

وهذا فيمن أفرد الحج، وسواء كان قدّم السعي أو أخّره كالمراهق أو المحرم بالحج من مكة، وأما القارن فمشهور مذهب مالك أنَّ حكمَه في ذلك حكم المفرد.

وذكر أبو بكر بن الجهم (1) أن القارن لا يحلق بعد الرمي حتى يطوف ويسعى (2).

تنبيه:

ومعنى هذه الرواية: أن هذا القارن أخر الطواف الأول والسعي إِلى يوم النحر؛ لأن الذي لم يؤخرهما قد طاف وسعى لعمرته، ولم يبق له إِلا

= بعض، إِلا الحلق قبل الرمي، ففيه الدم". (كليات المقري: 113، الكلية رقم 150).

(1)

(ر): أبو محمد بن الجهم، وهو خطأ.

وهو محمد بن أحمد بن محمد بن الجهم بن خنيس المعروف بابن الوراق المروزي. كان جده وراقًا للمعتضد. تفقه أبو بكر مع القاضي إِسماعيل وسمع منه. كان صاحب حديث وسماع وفقه. ألف كتبًا جليلة على مذهب مالك. ت 329 على الراجح.

(الشجرة: 78 رقم 329، طبقات الشيرازي: 166 وفيه اسمه أحمد بن محمد، وقد نبه عياض على خطئه، المدارك: 5/ 19).

(2)

كذا ورد هذا القول لابن الجهم في (النوادر: 1/ 170 أ).

ص: 429

طواف الإِفاضة، ولا شركة للعمرة فيه، وحكمه أن يحلق كما يحلق الحاج، هكذا فسره اللخمي.

فرع:

ومن ضلَّتْ (1) بدنته يوم النحر أخر الحلاق وطلبها ما بينه وبين الزوال، فإِن وجدها وإِلا حلق * وأفاض، وفعل ما يفعله من ليس معه هَدْيٌ، من وطءِ النساءِ وغيره كان ذلك الهدي مما عليه بدلُه أم لا.

فرع:

والحِلَاق يجمع أمريْن: كونه نسكًا من مناسك الحج كالرمي، وكونه تحللًا يبيح بعض ما كان ممنوعًا منه.

فرع:

لو وطئ قبل الحلق حلق بعد ذلك وأهدى، ولو كان قد طاف طواف الإِفاضة (2)، وسواء كان ذلك في أيام مِنى أو بعد أن وصل بلده، وذلك بخلاف الصيد.

فلو صاد (3) بعد طواف الإِفاضة وقبل الحق فلا يلزمه جزاء؛ لأن الصيد

(1)(ر): ومن ضل.

(2)

(ر)، (ص): وقد طاف للإِفاضة.

(3)

(ر): فإِن هو صاد.

ص: 430

حل له بالإِفاضة، وتأخير الحلق لا يمنع من الصيد.

وأما صفته، فقال الباجي: نقل ابن المواز عن مالك، أن من الشأن أن يغسل رأسه بالخطميّ (1) والغاسول، حين يريد أن يحلق (2).

ومعناه: إِن كان قد لبّد رأسه؛ لأن ذلك أيسر عليه ولا يلزمه بما تساقط من شعره وإِزالة الشعث شيء.

وأما المعتمر فيكره أن يغسل رأسه قبل حلقه أو يقتل شيئًا من الدواب أو يقص شاربه أو أظفاره أو يلبس مخيطًا، بعد تمام السعي وقبل الحلق (3).

قال ابن حبيب: فإِن فعل فلا شيء عليه.

والفرق بينهما: أن الحاج قد وجد منه قبل الحلاق تحلل وهو الرمي، والمعتمر لم يوجد منه قبل الحلاق تحلل (4).

ويبدأ الحالق بالشق الأيمن (5) ويستقبل القبلة، ويستحب أن يكثر من

(1) الخطمي (مشدد الياء، بكسر الخاء وفتحها، الكسر أكثر) عِسْل معروف. (المصباح: خطم).

(2)

كذا في (المنتقى: 3/ 29) وتمام كلامه: ولا بأس أنْ يتنور ويقص شاربه ولحيته قبل أن يحلق.

(3)

كذا ورد معزوًّا إِلى ابن القاسم في (المنتقى: 3/ 29).

(4)

وهو الرمي

تحلل: ساقط من (ر).

(5)

عن عمرو بن دينار قال: أخبرني حجام أنه قص عن ابن عباس فقال: ابدأ بالشق =

ص: 431

الدعاء وقت الحلاق، فإِن الرحمة تغشى الحاج عند حلاقه، فيما ذكر أهل العلم.

ولتقل في دعائك: اللهمّ لك وضَعْتُ شعري، فحطُّ عني وزري وزكِّ لي عملي، واغفِرْ لي ذُنُوبي، اللَّهمَّ اكتُبْ لِي بكل شعرةٍ حسنة، وامْحُ بها عني سيئةً، وامح عنِّي بها سيئة، وارفع لي بها درجةً، واغفر لي وللمحلقين والمقصرين يا أرحم الراحمين يا واسع المغفرة (1).

فإِذا فرغت من حلاقك كبَّرْتَ وقلتَ: الحمد لله الذي قضى عنا نسكنا، اللهمّ زدْنَا إِيمَانًا وتوفيقًا ويقينًا وعونًا، واغفر لنا ولآبَائِنَا ولأمّهَاتِنَا وللمسلمين أجمعين (2).

فرع:

ولا يتم نسك الحلق إِلا بحلاق جميع الرأس والشعر الذي على الأذنين.

= الأيمن، لأنه نسك، اقتداء، فإِن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في أمره كله.

قال المحب الطبري: أخرجه الشافعي. (القِرى: 415).

(1)

هناك صيغة أخرى لدعاء الحلق، في (كنز المطالب، للعدوي: 144) وفي (أذكار النووي: 182).

(2)

وهذا الدعاء أورده النووي ضمن الأذكار المستحبة بمِنى، يوم النحر في (الأذكار: 182).

ص: 432

قال ابن الحاج: قال أبو عمر: أجمع العلماء على أن الحاج لا يحلق ما على أذنيه من الشعر.

قال التادلي في منسكه: وينبغي أن يكون النظر في كونها من الرأس أو من الوجه كما ذكر في الوضوء.

قال الباجي: ويبلغ في الحلق إِلى العظمين اللذين في الصدغين (1). قال ابن حبيب: ولا يجزئ حلق بعض الرأس. حكاه الشيخ أبو بكر وغيره عن مالك (2).

قال سند: الخلاف في استيعاب الرأس حلقًا كالخلاف في استيعابه مسحًا في الوضوء (3).

وأما التقصير فلا يخلو أن يكون المقصر رجلًا أو امرأة، فإِن كان رجلًا

(1) الصدغين، مثنى صُدُغ (بضم الدال) ما انحدر من الرأس إِلى مركب اللحيين.

وقيل: الصدغ ما يلي مؤخرة العين. (غرر المقالة: 94، لسان العرب: صدغ).

(2)

المنتقى: 3/ 29.

(3)

أشار ابن رشد الحفيد إِلى الخلاف في استيعاب الرأس مسحًا في الوضوء بقوله: "اختلفوا في القدر المجزئ منه: فذهب مالك إِلى أن الواجب مسحه كله، وذهب الشافعي وبعض أصحاب مالك وأبو حنيفة إِلى أن مسح بعضه هو الفرض، ومن أصحاب مالك من حد هذا البعض بالثلث، ومنهم من حده بالثلثين، وأما أبو حنيفة فحده بالربع). (بداية المجتهد: 1/ 9).

ص: 433

قصر من جميع شعر رأسه (1) واستوعبه بالتقصير ويجز ذلك جزا من قرب أصوله، فإِن لم يجزه * من قرب أصوله وأخذ منه فقد أخطأ ويجزئه. قاله الباجي (2).

قال الطرطوشي: ومعنى ذلك أن يأخذ منه ما يقع عليه اسم التقصير، وليس ذلك بأن يأخذ الشيء اليسير، وهو ممنوع أن يفعل من ذلك ما تفعله المرأة فتأخذ (3) قدر الأنملة أو فوقها أو دونها قليلًا وتجمع أطراف قرونها ليعم التقصير جميع شعرها.

قال مالك: ليس لذلك عندنا حد معلوم، وما أخذَتْهُ منه أجزأها، ولا بد أن تعم الشعر كله طويله وقصيره. نقله الباجي (4).

تنبيه:

قال أبو عمرو (5) بن القطان في كتاب النظر في أحكام النظر: لا

(1)(ر) من جميع شعره.

(2)

(المنتقى: 3/ 29).

(3)

(ص): فتأخذ منه.

(4)

المنتقى: 3/ 29.

(5)

كذا في (ص)، (ب)، وفي (ر): أبو عمر: ويبدو أن الصواب أبو الحسن علي وهو صاحب كتاب النظر.

ص: 434

يقصر للمرأة رجل سواء كانت شابة أو عجوزًا، بل هي أو امرأة أو محرم (1).

فرع:

ويمر الأقرع الموسى على رأسه (2) لأنها عبادة تتعلق بالشعر، فينتقل إِلى البشرة كالمسح في الوضوء، والدليل فعل عمر رضي الله عنه لذلك.

فرع:

ولا بأس للحاج بعد رمي جمرة العقبة أن يحلق عانته ويقص أظفاره ويأخذ من شاربه (3) ولحيته قبل أن يحلق رأسه (4) بخلاف المعتمر، وقد تقدم

(1) عبارة ابن القطان: الحاجة أو المعتمرة لا ينبغي أن يقصر رأسها رجل، بل هي أو امرأة غيرها

والشواب والعجز في هذا سواء، فإِن إِباحة النظر لا يكون إِلا بدليل، ولم نجده. (النظر في أحكام النظر: 377). وانظر (مختصر أحكام النظر للقباب: 218)

(2)

هذا قول مالك في (المدونة: 2/ 187) وقال ابن المنذر: أجمعوا عليه. (الإِجماع: 23).

(3)

ذكر ابن قدامة أن تقليم الأظافر والأخذ من الشارب مستحبان لمن حلق أو قصر، وأن ابن عمر كان يفعل ذلك. (المغني: 3/ 437).

(4)

نقل الحطاب عن المدونة أن الحاج بعد رمي جمرة العقبة لا بأس أن يبدأ بقلم أظافره، والأخذ من لحيته وشاربه قبل الحلق، ويستحب له إِذا حل من إِحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره من غير إِيجاب.

وقال الشيخ أبو الحسن: يُستحب للمحرم إِذا حل من إِحرامه أن يخالف بين حالة الإِحرام وحالة الإِحلال. (مواهب الجليل: 3/ 128).

ص: 435

الفرق بينهما (1). قاله الباجي.

ومراده بالأخذ من اللحية: أن يأخذ من طولها (2).

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقصر ما زاد على القبضة (3).

وقال ابن حبيب في الواضحة: وبالغ في الأخْذِ من اللحية عند حلاقك رأسك، فإِنه مستحب في ذلك الوقت، ما لا يستحب في غيره (4).

(1) الفرق بينهما أن الحاج قد وجد منه قبل الحلاق تحلل وهو الرمي، والمعتمر لا يوجد منه قبل الحلاق تحلل. (المنتقى: 3/ 29).

(2)

ذكر ابن قدامة أن عطاء وطاوسًا والشافعي يحبون لو أخذ من لحيته شيئًا. (المغني: 3/ 437).

وفسر ابن شعبان قضاء التفث في قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} بحلق الرأس وقص الأظفار وإِماطة الأذى عن الجسد والوجه والرأس. (مواهب الجليل: 3/ 129). وإنما تعفى اللحية في كل وقت؛ لأن فيها جمالًا؛ ولأن حلقها مثلة وتشبيه بالأعاجم في ذلك، وإِذا طالت فلا بأس بالأخذ منها، قاله ابن رشد في (الجامع من المقدمات: 270).

(3)

هذا ما قاله ابن حبيب، وتمام كلامه: ويأخذ من شاربه وأظفاره ولا يأخذ من عارضيه (مواهب الجليل: 3/ 129).

(4)

لاحظ الحطاب أن كلام ابن حبيب هذا نقله ابن هلال في منسكه. (مواهب الجليل: 3/ 128).

ص: 436

فرع:

والحلاق بالموسى؛ فمن حلق بالنورة، فقال ابن القاسم في المدونة: يجزئه (1).

وقال أشهب: لا يجزئه، ورآه تعبدًا فيقتصر (2) فيه على السنة.

فرع:

ومن حل من عمرته في أشهر الحج فالحلاق له (3) أفضل إِلا أن تقرب (4) أيام الحج، ويريد الحج، فليقصر لمكان حلاقه في الحج قاله ابن المواز (5).

(1) عبارة المدونة: "قلت: فإِن حلق الرجل رأسه عن الحلاق بالنورة؟ قال: لا أحفظه عن مالك، وأراه مجزيًا عنه". (المدونة: 2/ 187).

(2)

(ب): فيقصر.

(3)

له: سقطت من (ب).

(4)

في المنتقى: 3/ 29: تفوت، وهو تصحيف.

(5)

وقد وجه ابن المواز هذا الحكم بقوله: "ووجه ذلك ما يريد من تخصيص الحج، الذي هو أفضل النسكين، بالحلاق". (المنتقى: 3/ 29).

ص: 437

فصل: في طواف الإفاضة

وينبغي أن لا يؤخر طواف الإِفاضة بعد الحلق إِلا بقدر ما يقضي حوائجه التي لا بد له منها، فيذهب إِلى مكة فيطوف طواف الإِفاضة.

ويُسمَّى طوافَ الزيارةِ، وطواف الصَّدَر (بفتح الصاد والدال) وطواف الفرض، وطواف الركن (1)، قاله النووي في منسكه (2).

وكره مالك أن يقال: طواف الزيارة، أو يقال: زرنا قبره عليه الصلاة والسلام (3).

(1) في (ر): زيادة عبارة: وطواف النفل، وذلك لا يصح.

(2)

الإِيضاح: 97.

ويلاحظ أن طواف الصدر هو طواف الوداع في المذهب المالكي. قال القاضي عياض: "طواف الوداع: هو طواف الصدَر، بفتح الدال، أي الرجوع، وهو مستحب عندنا". (التنبيهات: 12).

وقال ابن عبد البر: إِنه من سنة الحج (بداية المجتهد: 1/ 273).

وقد سمى القلصادي الفقيه الأندلسي طواف الوداع بطواف الصَّدَر في (رحلته: 143).

(3)

المدونة: 2/ 130.

وعند القاضي عياض أن كراهة إِضافة الزيارة إِلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله عليه =

ص: 438

قال ابن رشد في جامعه: قيل: إِنما كره ذلك لما للزائر من فضل على المزور في صلته (1) بزيارته إِياه، وإِنما تفعل الزيارة تأدية لما يلزم من فعله (2) ورغبته في الثواب عليه (3).

وهذا الطواف ركن من أركان الحج بالإِجماع (4).

قال القرافي في الذخيرة: وتحديد أول وقته مبني على تحديد أول وقت

= الصلاة والسلام: "اللهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعبَدُ". (شرح الشفا، للقاري: 3/ 843 - 847).

وعند ابن رشد: أن الكراهة من وجه أن كلمة أعلى من كلمة، فعبارة الزيارة تستعمل في الموتى. فكره أن يذكر مثلها في النبي صلى الله عليه وسلم، وأورد ابن رشد قولًا آخر، وهو ما تدل عليه الزيارة من الفضل على المزور في صلته بالزيارة، بينما لا يكون في زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم صلة ولا نفع. (البيان والتحصيل: 18/ 118 - 119).

أما الإِمام ابن تيمية فقد علل هذه الكراهة بأن لفظ زيارة الرسول عليه السلام لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ولم يكن معروفًا عند علماء المدينة. (مجموع الفتاوي: 27/ 35).

(1)

(ب): فضيلته، وهو تصحيف، وما أثبتناه يطابق ما في (البيان والتحصيل: 18/ 119).

(2)

(ب): فضله، وما أثبتناه يطابق ما في (البيان: 18/ 119).

(3)

هذا أحد معنيين وجه بهما ابن رشد كراهة مالك للتعبير بالزيارة.

انظر (البيان والتحصيل: 18/ 118 - 119) وانظر (الذخيرة: 3/ 270).

(4)

بداية المجتهد: 1/ 73، حلية العلماء، للقفال: 3/ 297).

ص: 439

الرمي هل هو بعد طلوع الشمس يوم النحر أو طلوع الفجر أو نصف الليل (1).

ولعله يريد بعد نصف الليل * على مذهب الشافعي (2).

ولا يجوز قبل يوم عرفة إِجماعًا.

تنبيه:

قال القاضي عياض: واختلف فيمن طاف غيرَه من طواف قدوم أو وداع أو تطوع ونسي طواف الإِفاضة حتى رجع إِلى بلده؟

وعن مالك وأصحابه: في إِجزاء طواف القدوم عنه روايتان.

وأكثر العلماء ومشهور قولي مالك: أنه لا يجزئه (3).

واختلف أيضًا عندنا: هل يجزئ طواف الوداع عن طواف (4) الإِفاضة؟ والأشهر أنه يجزئ (5).

(1) كذا في (الذخيرة: 3/ 271).

(2)

مناسك النووي بحاشية الهيثمي: 352، المجموع: 8/ 134.

(3)

تقييد أبي الحسن الصغير: 2/ 12 أ.

(4)

طواف: سقطت من (ر).

(5)

وقال ابن رشد الحفيد: "جمهور العلماء على أن طواف الوداع يجزئ عن طواف الإِفاضة إِن لم يكن طاف طواف الإِفاضة، لأنه طواف بالبيت معمول في وقت طواف الوجوب الذي هو طواف الإِفاضة، بخلاف طواف القدوم الذي هو قبل وقت طواف الإِفاضة".

(بداية المجتهد: 2/ 273).

ص: 440

وكذلك طواف التطوع.

يريد: إِذا تطوع يوم النحر وأما قبله فلا يجزئه (1).

وأما تحديد آخر وقته، فالمشهور تمام الشهر، وعليه دم بدخول المحرَّم. والخلاف في آخر وقته مبني على الخلاف في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله، وقيل: العشر منه.

وقيل: إِن أشهر الحج تنقضي بفراغ أيام الرَّمْي.

وفائدة هذا الخلاف تظهر في تأخير طواف الإِفاضة، فعلى المشهور: لا يلزم الدم إِلا من أخره إِلى المحرم (2). وعلى القول الثاني: من أخره إِلى الحادي عشر لزمه الدم. ذكره أبو بكر الطرطوشي في تعليقه الخلاف.

وعلى القول الثالث: إِن أوقعه في اليوم الرابع عشر لزمه الدم.

وفي المدونة: إِن أخره حتى مضت أيام التشريق، فانصرف من مِنى إِلى مكة فلا بأس (3). وإِن أخره أيامًا حتى تطاول طاف وأهدى.

وهذ اخارج عن الأقوال الثلاثة، فيكون رابعًا. قاله ابن عبد السلام.

(1) المدونة: 3/ 166.

(2)

(ر): إِلى آخر المحرم.

(3)

عبارة المدونة: "سألت مالكًا عمن أخر طواف الزيارة حتى مضت أيام التشريق" قال: إِن عجله فهو أفضل، وإِن أخر فلا شيء عليه". (المدونة: 3/ 165).

ص: 441

فرع:

فإِذا طفت طواف الإِفاضة فلا تسع بعده إِن كنت قد سعيت عقيب طواف القدوم، وإِن كنت لم تسع سعيت عقيب طواف الإِفاضة (1).

هذا (2) حكم المفرد والقارن، وأما المتمتع الذي طاف وسعى قبل عرفة ثم أحرم بالحج فإِنه يطوف طواف الإِفاضة ويسعى.

فرع:

فلو أخر غير المتمتع طواف القدوم والسعي عامدًا، حتى خرج إِلى مِنى، فليطف وليسع إِذا رجع من مِنى ويهدي.

وإِن كان ناسيًا أو مراهقًا فلا دم عليه.

قال ابن الجلاب: والقياس عندي في الناسي أن عليه الدم بخلاف المراهق (3).

(1)(ر): فإِذا طاف

فلا سعي بعده إِن كان قد سعى عقيب طواف القدوم، وإِن كان لم يسع سعى عقيب طواف الإِفاضة.

(2)

(ر): هكذا.

(3)

عبارة ابن الجلاب: "إِن ترك الطواف والسعي ناسيًا - والوقت واسع - فلا دم عليه عند ابن القاسم، والقياس عندي أن يلزمه الدم، بخلاف المراهق، وهكذا قال الشيخ أبو بكر الأبهري". (التفريع: 1/ 339).

ص: 442

وقاله الأبهري (1).

فرع:

فإِذا طفت طواف الإِفاضة فقد حل لك (2) النساء والصيد والطيب، بشرط تقدم الحلاق.

فرع:

فإِن حاضت المرأة أو نفست قبل طواف الإِفاضة لم تبرح حتى تفيض، ويحبس عليها كريُّها (3) أقصى جلوس النساء في الحيض والاستظهار (4)، ويحبس في النفاس ستين يومًا (5).

(1) أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهرى، فقيه مالكي عراقي مقرئ حافظ نظار انتهت إِليه الرئاسة ببغداد. أخذ عن أبي الفرج وابن المنتاب وابن بُكَير وسمع من أبي بكر ابن الجهم وأبي زيد المروزي، له تصانيف منها شرح المختصر الكبير والصغير لابن عبد الحكم امتنع من تولي قضاء بغداد عندما طلب لذلك. ولد قبل سنة 290. ت حوالي سنة 375. (الديباج: 2/ 206، شجرة النور: 91 رقم 204).

(2)

(ر): فإِذا طاف

فقد حل له.

(3)

(ص): مكاريها.

والكري: على وزن فعيل: وهو المكاري (مخفف) والجمع: المكارون. (الصحاح: 6/ 2473).

(4)

الذخيرة: 2/ 76 أ.

(5)

قال ابن وهب عن مالك: تقيم الحائض أكثر ما يحبس النساء الحيض وتقيم =

ص: 443

واستحسن في سماع أشهب أن تعينه في العلف (1).

قال القرافي: وحيث قلنا بحبسه فلا يزاد على الكراء الأول.

وأما المحْرَم فيحبس عليها حتى يمكنها النفر. وأما الرفقة فإِن كان حبسها لهم اليومين والثلاثة حبسوا مع الكري، وإِن كان أكثر من ذلك لم يُحبسْ إِلا الكري والمحرم *.

تنبيه:

قال القرافي وغيره: إِنما يُحبَسُ عليها كَرِيُّها إِذا كان يمكنه الانفراد في السفر، كالقرى التي حول مكة شرفها الله تعالى. وأما أهل الآفاق البعيدة الذين لا يسيرون إِلا جملة فلا يحبس عليها الكري، ويفسخ الكراء بينهما، وكراؤه محمول على زمن الحج (2) عادة؛ لأنها لو صرحت له بذلك عند العقد لم يرض، وهي كالمحصر بالعدو، وللكري عليها حق الفسخ (3).

= النفساء أكثر ما يحبس النساء دمها.

قال الباجي: يحبس الكري في مذهب مالك سواء علم بحملها أو لم يعلم، وليس عليها أن تخبره بذلك. (المنتقى: 3/ 63).

(1)

قال مالك في العتيبة: لا أدري هل تعينه النفساء في العلف؟ (المنتقى: 3/ 63).

(2)

(ر): أمر الحج.

(3)

كذا في (الذخيرة: 3/ 271).

ص: 444

فرع:

ولا يلزمها إِذا فاسخها (1) الكري جميع الأجرة، ويحتمل أن يقال بلزومها، لأن الامتناع منها، قاله في الذخيرة (2).

فرع:

وفي الذخيرة: وروي عن سحنون أن من حبسها الحيض عن طواف الإِفاضة فإِنها تطوف، للخلاف في اشتراط الطهارة في الطواف؛ ولأنه يستباح للضرورة كقراءة القرآن للحائض لضرورة النسيان (3) وما هنا أعظم (4).

قال التادلي: وعلى ما قاله سحنون من أنها تطوف كذلك فتؤخر الركوع حتى تطهر وتهدي.

قال التادلي: وخرّج بعض فضلاء الشافعية من أهل عصرنا على أحد قولي مالك، فيمن نسي طواف الإِفاضة، وقد كان طاف للقدوم ولم يذكر حتى رجع إِلى بلده: أنه يجزئه عن طواف الإِفاضة، فكذلك (5) ينبغي قضاء

(1) فاسخها: سقطت من (ر).

(2)

الذخيرة: 3/ 272.

(3)

(ر): خوف النسيان.

(4)

الذخيرة: 3/ 272.

(5)

(ر): وكذلك.

ص: 445

الصلاة بالحيض بخلاف النسيان، فإِذا طافت للقدوم ثم طرأ عليها الحيض قبل الإِفاضة انصرفت وتركت الطواف للضرورة، وكانت بمنزلة من رجع إِلى بلده ناسيًا للطواف وقد كان طاف للقدوم.

قال: وهو تخريج لا بأس به. انتهى.

تنبيه:

واعلم أن التخريج ليس بقول، ولا يجوز أن ينسب لمن خُرِّج على قوله أنه يقول به. نقله التادلي في شرح الرسالة عن الشيخ أبي إِسحاق الشيرازي (1).

وقال ابن عبد السلام من أصحابنا: القول المُخَرَّجُ لا يقلده العامي ولا ينصره الفقيه ولا يختاره المجتهد.

يريد: ولا يجوز الحكم ولا الفتيا به.

فهذا التخريج، وإِن كان ظاهرًا، لا بأس به كما قاله التادلي فلا يجوز أن يقلده العامي ولا يفتي به الفقيه، ولا يخرج عن المذهب بمثل (2) هذا التخريج.

(1) إِبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزأبادي الشيرازي، أبو إِسحاق، علامة شافعي، مفتي عصره، اشتهر بقوة الحجة في المناظرة، بنى له الوزير نظام الملك المدرسة النظامية فكان ألمع مدرسيها. تصانيفه كثيرة منها في الفقه: التنبيه والمهذب. ولد سنة 393. ت ببغداد 476.

(الأعلام: 1/ 44 - 45، تبيين كذب المفتري: 276، شذرات الذهب: 3/ 349، طبقات السبكي: 3/ 88، وفيات الأعيان: 3/ 9).

(2)

(ر): مثل.

ص: 446

تنبيه:

وما يفعله النساء من الأدوية لقطع الدم وحصول الطهر، وإن علمت أنه إِنما يقطع الدم اليوم ونحوه، فلا يجوز لها ذلك، وحكمها حكم الحائض. وإِن استدام انقطاعه نحو ثمانية أيام أو عشرة فقد صَحَّ طوافها إِذا طافت في ذلك الطهر، وإِن عاودها الدم في اليومين والثلاثة إِلى الخمسة فقد طافت وهي محكوم بها حكم (1) الحيض، فكأنها طافت مع وجود الدم. ولم أر نصًا في جواز الإِقدام على ذلك، إِذا كانت جاهلة بتأثيره في الدوام.

وقد سئل الشيخ الإِمام أبو محمد عبد الله المنوفي (2) عن امرأة عالجت استعجال دم الحيض لقصد الخروج من العدة فجاءتها الحيضة فهل تخرج * من العدة؟ فقال: الظاهر أنها لا تخرج من العدة بذلك. وتوقف عن ترك الصلاة والصيام.

قال صاحب التوضيح (3): وإِنما قال: الظاهر، لاحتمال أن استعجاله لا

(1)(ر): بحكم.

(2)

عبد الله بن محمد بن سلمان المنوفي، أبو محمد، من أهل مصر، فقيه جامع بين العلم والعمل والصلاح. أخذ عن ابن الحاج صاحب المدخل، وعنه أخذ خليل بن إِسحاق وبه انتفع وألف تأليفًا في مناقبه. ولد سنة 686. ت 749.

(حسن المحاضرة: 1/ 525 - 526، شجرة النور: 205 رقم 709).

(3)

هو خليل بن إِسحاق بن موسى بن شعيب الجندي، ضياء الدين، أبو المودة، إِمام عالم عامل مجمع على فضله، من أهل التحقيق والمشاركة في فنون علمية. وكتابه =

ص: 447

يخرجه عن الحيض، فعلى بحثه في أن استعجاله لا يؤثر فينبغي أن رفعه لا يؤثر، لا سيما إِذا عاودها بقرب ذلك، والله أعلم.

وقال ابن رشد: وسئل مالك عن المرأة تخاف تعجيل الحيض فيوصف لها شراب تشربه لتأخير الحيض؟ قال: ليس ذلك بصواب وكرهه.

قال ابن رشد: إِنما كرهه مخافة أن تدخل على نفسها الضرر (1) في جسمها (2). انتهى.

فانظر هل هذا مثل (3) الأدوية التي تقطع الدم بعد وجوده أم لا؟ وهو الظاهر فإِن المرأة بعد إِتيان الدم محكوم عليها بأنها حائض ولا يزول حكمه إِلا بدوام انقطاعه (4) أقل مدة ما بين الدمين، فتأمله.

= (التوضيح) شرح جامع الأمهات لابن الحاجب، وهو صاحب (المختصر الفقهي) الذي لقي إِقبالًا، وألف منسكًا، اختلف في تاريخ وفاته والراجح أنه 776.

(حسن المحاضرة: 1/ 460، درة الحجال: 1/ 257، الدرر الكامنة: 2/ 86، الديباج: 1/ 357، نيل الابتهاج: 112).

(1)

(ر): أن تدخل بذلك ضررًا على نفسها.

(2)

كذا في (البيان والتحصيل: 18/ 616) وهذا المعنى وارد في (م. ن: 3/ 460) بزيادة قوله: "والله يعذرها بالعذر ويعطيها بالنية، فمن نوى عمل بر ومنعه منه عذر من الله كتب له إِن شاء الله".

(3)

(ب): من.

(4)

(ب): بانقطاعه.

ص: 448

فصل

فإِذا فرغت من الإِفاضة فينبغي التعجيل بالعود إِلى مِنى (1)، ولا تقيم بمكة للتنفل بالطواف، وخفف (2) أن تقيم لأجل الصلاة إِذا أذن وأنت بمكة.

فإِذا رجعت إِلى مِنى فصل الظهر ثم كبّر، فإِنه يُستحب التكبير عقب خمس عشرة مكتوبة أولها ظهر يوم النحر وآخرها صلاة الصبح من اليوم الرابع وهو آخر أيام التشريق. ويفعل ذلك أهل سائر (3) الآفاق تشبهًا بأهل مِنى، وبيان ذلك: أن أول صلاة يكبر بعدها أهل مِنى هي صلاة الظهر من يوم النحر؛ وآخر ذلك صلاة الصبح يوم الرابع.

وأما صلاة الظهر فإِنهم ينفرون بعد الزوال وقبل الصلاة فيصلون الظهر في المحصب، بهذا وردت السنة (4).

(1) مناسك التاودي: 22.

(2)

(ر): وخفيف.

(3)

(ر): سائر أهل.

(4)

يذكر المحب الطبري أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالمحصب الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة من ليلة الأربعاء رابع عشر ذي الحجة. (حجة المصطفى: 72).

وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب ثم يدخل مكة من الليل فيطوف بالبيت.

(المسوى في شرح الموطإِ: 1/ 398، كتاب الحج، باب التحصيب).

والمحصب (بضم الميم وفتح الحاء والصاد المهملة) مكان متسع بين مكة ومِنى، =

ص: 449

وصفة التكبير (1): الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إِله إِلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، الحمد لله على ما هدانا، اللهمّ اجعلنا لك من الشاكرين.

فرع:

قال ابن حبيب: ينبغي لأهل مِنى وغيرهم أن يكبروا أول النهار، ثم إِذا ارتفع، ثم إِذا زالت الشمس بعد الصلاة والرمي، ثم بالعشي، وكذلك فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه (2).

يريد: ويجهرون (3) بالتكبير.

= أقرب من منى، ويقال له: الأبطح والبطحاء. (الزرقاني على الموطإِ: 2/ 367).

وقد سمي النفر من مِنى إِلى مكة للتوديع والإِقامة بالشِّعب الذي يخرجه إِلى الأبطح للهجوع ساعة من الليل قبل الدخول إِلى مكة، سمي بالتحصيب كما قال الخطابي (مختصر سنن أبي داود: 2/ 431). وانظر (إِكمال الإِكمال: 3/ 406).

(1)

أورد الباجي صفة التكبير مروية عن مالك في المجموعة، وفي المختصر. (المنتقى: 3/ 43).

(2)

المنتقى: 3/ 42.

والمقصود بفعل عمر ما جاء في الموطإِ: "عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئًا فكبر، فكبر الناس بتكبيره، ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبر، فكبر الناس بتكبيره حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت، فيعلم أن عمر قد خرج يرمي".

(3)

(ر): ويجهر.

ص: 450

فرع:

ومن نسي التكبير عقيب الصلاة كبّر إِن كان قريبًا، فإِن تباعد فلا شيء عليه.

وقد قال مالك: يكبر ما دام في مجلسه، فإِذا قام فلا شيء عليه (1).

فرع:

وإن نسي الإِمام التكبير فإِن كان قريبًا قعد وكبر، وإِن تباعد فلا شيء عليه، فإِن (2) ذهب ولم يكبر والقوم جلوس كبروا.

فرع:

ويكبر النساء والمسافرون وأهل البوادي ومن صلى وحده والعبيد وغيرهم.

وفي المختصر: لا تكبر النساء دبر الصلوات.

فرع:

قال الباجي: وأهل الآفاق لا يجهرون بالتكبير في خروجهم إِلى المصلى ولا دبر الصلوات، والحجاج يجهرون به. في كل * الساعات إِلى الزوال من

(1) المنتقى: 3/ 43.

(2)

(ر) وإِن.

ص: 451

اليوم الرابع، فيرمون ثم ينصرفون بالتكبير والتهليل حتى يصلوا الظهر والعصر في المحصب (1).

فرع:

وفي التكبير خلف النوافل قولان: المشهور عدم التكبير (2).

(1) المنتقى: 3/ 42.

(2)

المشهور عدم التكبير: ساقط من (ر).

ص: 452

فصل: في أحكام الرمي (1)

فإِذا زالت الشمس في ثاني يوم النحر فيسن للحاج أن يتوضأ، ويذهب قبل الصلاة ماشيًا، فيرمي الجمار الثلاث يبدأ بالجمرة التي تلي مسجد (2) مِنى فيرميها من فوقها (3) مما يلي مسجد مِنى بسبع حصيات متواليات (4) مع التكبير، يرفع به صوته، ثم يتقدم أمامها مما يلي الجمرة الوسطى ويجعلها خلف ظهره فيدعو ويهلل ويكبر، ويصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم بقدر إِسراع سورة البقرة (5).

(1) الأصل في الرمي - على ما قال ابن رشد - "ما جاء في بعض الآثار أن إِبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أمر ببناء البيت سارت السكينة بين يديه كأنها قبة، فكان إِذا سارت سار، وإِذا نزلت نزل، فلما انتهت إِلى موضع البيت استقرت عليه، وانطلق إِبراهيم صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام، فمر بالعقبة فعرض له الشيطان فأمره فرماه ثم مر بالثانية فعرض له فرماه، ثم مر بالثالثة فعرض له فرماه، فكان ذلك سبب رمي الجمار". (المقدمات: 1/ 294).

(2)

مسجد، سقطت من (ر).

(3)

(ر): يومها.

(4)

(ر) متتابعات.

(5)

كنز المطالب، لحسن العدوي الحمزاوي: 102 - 103.

ص: 453

وفي رفع يديه في الدعاء قولان.

قال ابن حبيب: وإِذا دعا راغبًا بسط يديه فجعل بطونهما إِلى السماء، وإِذا دعا راهبًا جعل بطونهما مما يلي الأرض، وذلك في كل دعاء.

فإِن رمى عن غيره وقف ودعا عنه.

ثم يُثَنِّي بالجمرة الوسطى فيرميها من فوقها كما تقدم، ويتقدم للدعاء (1) أمامها، إِلا أنّه لا يجعلها خلف ظهره، بل يقف يسارها، وهو السنة في ذلك. ولعل ذلك توسعة على الناس في المرور إِلى الجمرة الثالثة.

ويستقبل الكعبة في وقوفه للدعاء كالأولى (2) ومن ترك الوقوف للدعاء (3) فلا شيء عليه.

ثم يثلث برمي جمرة العقبة فيرميها من أسفلها، وقد تقدم بيان ذلك (4) في رمي جمرة العقبة يوم النحر. ولا يقف للدعاء عندها فتلك السنة.

ثم يذهب الإِمام إِلى مسجد مِنى في هذا اليوم بعد تمام الرمي، فيصلي الظهر بالناس، ثم يخطب خطبة واحدة لا يجلس فيها على المشهور.

(1)(ب): في الدعاء.

(2)

(ر): لدعاء الأولى.

(3)

في (ر): زيادة: عند الجمرة يرفعها.

(4)

انظر فيما سلف، ص 417.

ص: 454

وقال ابن حبيب: يجلس في وسطها (1). فيعلم الناس حكم الرمي والمبيت والتكبير وحكم التعجيل وغير ذلك من الأحكام. وهذه هي الخطبة الثالثة.

أما أهل مِنى فيتمون الصلاة كما يتم أهل عرفة الصلاة لو كان بها أهل مقيمون.

ومن لم يحضر مع الإِمام الصلاة والخطبة فإِنه يبدأ بالرمي، ثم يصلّي في رحله أو حيث شاء، والأوْلى الصلاة في المسجد في أيام مِنى لمن قدر.

فصل

قال القرافي: والجمار اسم للحصى لا للمكان، جمعُ جَمرة، والجمرة اسم للحصاة (2).

وإِنما سُمِّيَ الموضعُ جمرةً (3) باسم ما جاوره، وهو اجتماع الحصى فيه.

وقد تقدم في حكم نزوله بالمزدلفة ذكر الموضع الذي تؤخذ منه الجمار،

(1) لم يرد في أحاديث صفة حجة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه جلس في وسط هذه الخطبة.

(2)

عبارة القرافي: الجمرة اسم للحصاة ومنه الاستجمار، أي استعمال الجمار في إِزالة الأذى عن الخارج. (الذخيرة: 3/ 275).

وانظر (المطلع على أبواب المقنع: 198).

(3)

جمرة: سقطت من (ر).

ص: 455

وحكم الرمي بغير الحجارة وحكم طهارتها وعددها (1).

وقد تقدم (2) أيضًا حكم رمي جمرة العقبة يوم النحر، وأنه لا يرمي فيه غيرها.

وقد تقرر أن الرمي في أيام (3) مِنى بعد الزوال وقبل الصلاة.

ومن رمى بعد الصلاة، فقد ترك الأولى، ولا شيء عليه.

فرع:

والقادر على الرمي يباشر ذلك بنفسه، والعاجز عن الرمي يستنيب وعليه دم، ويتحرى وقت رمي نائبه (4) فيدعو ثم يصلي *.

فرع:

وإِذا قدر على حمل المريض، وهو يقوى على الرمي، حمل في محمل أو على ظهر إِنسان أو دابة، ورمى بيده.

وإِن لم يجد من يحمله أو لا يستطيع الرمي رمى عنه غيره.

(1) انظر فيما سلف ص 416 وما بعدها.

(2)

(ص): وتقدم.

(3)

أيام: سقطت من (ب).

(4)

الصاوي على الشرح الصغير: 2/ 63.

ص: 456

فإِن صح المريض في أيام الرمي رمى عن نفسه، وعليه دم سواء رمى عن نفسه بعد أن صح أو اكتفى برمي غيره عنه.

فرع:

ويبدأ النائب بالرمي عن نفسه، فإِن قدَّم الصبيَّ أو المريضَ أجزأه.

فرع:

والصبي الذي لا يحسن الرمي يُرمى عنه، ولا دم، ولا يجزئ رمى واحد عن الصبي وعن نفسه ويعيد الرمي عن نفسه وعن غيره.

فإِن لم يرم الصبي القادر أو لم يرم عن الصغير فالدم على من أحجهما.

وأما تحديد وقت الرمي، فأوله كما تقدم إِذا زالت الشمس.

وتقدم ذكر أول وقت رمي جمرة العقبة (1)، وأما آخر وقت رمي جمرة العقبه يوم النحر فهو (2) الغروب (3).

واختلف في ليلة الحادي عشر، فقيل: الرمي فيها أداء، وقيل: قضاء، وقضاؤها في ثاني يومها، وقيل: آخر الرابع.

(1) تقدم قول المؤلف المعروف في المذهب أن أول وقت رمي العقبة طلوع الفجر. انظر فيما سلف ص 417 وما بعدها.

(2)

(ر): هو.

(3)

الدر الثمين: 377.

ص: 457

وأداء الثلاث من الزوال إِلى الغروب، وقيل: إِلى الاصفرار، ويجزئ بعده فإِن رمى بالليل، فقيل: قضاء، وقيل: أداء (1).

وقضاء الثاني في الثالث وقضاء الثالث في الرابع من يوم النحر، فإِذا خرج الرابع فات الرمي، ولزم الدم (2).

وقال أبو مصعب (3): من نسي جمرة من الجمار فليرم متى ما ذكر، بمنزلة الصلاة.

فرع:

قال محمد: ولا أُحب لأحد أن يرمي إِلا متوضئًا، وهو قول مالك، ولا يعيد إِن كان غير متوضئًا، ولكن لا يتعمد ذلك.

(1) إِذا رمى ليلًا فعليه دم. (الزرقاني على مختصر خليل: 2/ 212).

(2)

الفواكه الدواني: 1/ 376.

(3)

أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو مصعب، من أصحاب مالك ورواة موطئه، أخذ عن بعض أصحابه كالمغيرة، وروى عن الدراوردي وألف مختصرًا في فقه الإِمام مالك. وكان من أهل الثقة في الحديث، روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما. وكان من أعلم أهل المدينة، وقد تولى قضاءها وقضاء الكوفة. ت 242 وسنه تسعون سنة.

(التحفة اللطيفة: 1/ 196، الديباج: 1/ 140، المدارك: 3/ 347).

ص: 458

فرع:

ومن نكس الجمار فرمى الأخيرة ثم الوسطى ثم الأولى، أعاد الوسطى ثم الأخيرة.

وكذلك لو رمى الوسطى ثم الأخيرة ثم الأولى أعاد الوسطى والأخيرة.

ولو رمى الأولى ثم الأخيرة ثم الوسطى أعاد الأخيرة فقط.

فإِن لم يذكر حتى تباعد أعاد الرمي كله.

وهذا مبني على أن الترتيب واجب (1).

وقال ابن بشر: اختلف في الترتيب هل هو من باب الأوجب أو من باب الأوْلى؟

وتستحب الإِعادة على القول بالاستحباب.

فرع:

فلو ترك جمرةً ثم ذكرهَا في يومها أتى بها ولا شيء عليه إِن كانت الأخيرة، وإن كانت الأولى أو الوسطى أتى بها وأعاد ما بعدها، وقيل: يعيد (2).

(1) وهو ما اقتصر على ذكره ميارة في (الدر الثمين: 377).

(2)

(ب): لا يجوز، بدل: يعيد.

ص: 459

وإِن ذكرها بعد مضيِّ يومها أتى بها وأعاد ما بعدها في يومها، وأعاد الجمرة الحاضرة في يوم ذكرها (1) بناء على ما تقدم.

فرع:

واختلف أيضًا في الموالاة في حصى الجمرة الواحدة: هل هي واجبة أو مستحبة؟

وقال القرافي: قيل: الفور شرط مطلقًا، وقيل: مع الذكر.

فرع:

وفي الذخيرة: ومن رمى بسبع (2) حصيات في مرة لم يجزه وهو كواحدة، وكذلك لو رمى في مرة (3) بحصاتين اعتدَّ بواحدة * منهما، والأخرى لغو لا حكم لها.

فرع:

ومن شك في رميه في جمرة واحدة أو في الجمار كلّها، فليبن على يقينه.

(1)(ص): ذكر.

(2)

(ر): سميع.

(3)

في مرة: سقطت من (ب)، (ص).

ص: 460

فرع:

ومن بقيت حصاة في يده لا يدري من أي الجمار هي فليرم بها الجمرة الأولى ثم يعيد الوسطى والأخيرة (1)، وقيل: يستأنف الجمار الثلاث (2).

فرع:

ومن رمى حصاةً فوقعت قرب الجمرة فإِن وقعت في موضع حصى الجمرة أجزأه (3) وإن لم تبلغ رأس الموضع (4).

وإِن سقطت في محمل رجل فنفضها صاحب المحمل فسقطت في الجمرة، لم يجزه؛ لأنها لم تقع في الجمرة من فعله.

ولو أصابتِ المحملَ ثم سقطتْ في الجمرةِ أجزأه (5).

ولو شك في وصولها الجمرة فالظاهر عدم الإِجزاء.

ولو رمى الجمرة فتعدتها لم يجزه لعدم الاتصال.

(1)(المنتقى: 3/ 54).

(2)

(ر): كلها.

(3)

الشرح الصغير: 2/ 66 - 67.

(4)

(ب): الجمرة.

(5)

إِنما أجزأه في هذه الحالة؛ لأنها مضت بقوة الرمية الأولى حتى وقعت في الجمرة. قاله خليل في (التوضيح: 1/ 226 ب).

ص: 461

فرع:

ولو أصابت البناء القائم وسقطت في المرْمَى أجزأه، كما إِذا أصابت المحمل ثم سقطت بنفسها في الجمرة.

فرع:

ولو ثبتت في شقوق البناء القائم فأفتى الشيخ خليل صاحب التوضيح بعدم الإِجزاء. وكان شيخه أبو محمد عبد الله المنوفي يميل إِلى الإِجزاء (1).

فرع:

ولو وضع الحصاة وضعًا لم تجزه.

وعن أشهب: إِن نوى بالطرح الرمي أجزأه (2)، فانظر هل يأتي ذلك في الموضع؟

فرع:

فلو رمى الجمار بخمس خمس فذكر قبل غروب الشمس، رمى الأولى بحصاتين وأعاد الثانية والثالثة، وإِن ذكر بعد غروب الشمس فعل ما ذكرنا

(1) ذكر الشيخ خليل صاحب التوضيح أن خليل مفتي مكة كان يفتي في هذه المسألة بعدم الإِجزاء، وأن شيخه المنوفي يميل إِلى الإِجزاء، لأن البناء متصل بالجمرة. (التوضيح: 1/ 226 ب).

(2)

نقل ذلك أبو إِبراهيم الأعْرج عن أشهب في طرره. (م، ن).

ص: 462

وكان عليه دم، وإن لم يذكر إِلا في الغد، وقد رمى، فإِنه يفعل ما ذكرنا، ويعيد رمي يومه.

فرع:

قال ابن رشد: ومن نسي الرمي يومًا أو يومين ثم ذكر (1)، فقال ابن وهب عن مالك: يرمي لما فاته في اليوم الثالث لليومين الماضيين، ويهدي.

قال ابن وهب: إِن كان عامدًا قضى وأهدى، وإِن كان ناسيًا قضى ولا هدي عليه، وإن لم يذكر حتى خرجت أيام الرمي فعليه الهدي وفاته القضاء، خلافًا لأبي مصعب.

تنبيه (2):

الأولى في الهدي في ترك الجمرة الواحدة أو الجمار بدنة، وقيل: في الجمرة الواحدة بقرة وفي الجمار بدنة، فإِن لم يجد البدنة فبقرة وإِلا فشاة.

وأما الحصاة الواحدة فالهدي فيها شاة، ومن لم يقدر على الهدي صام عشرة أيام.

(1)(ر): تذكر.

(2)

تنبيه: سقطت من (ر).

ص: 463

فصل

ومن أراد أن يتعجل (1) فليرم في اليوم الثاني من أيام الرمي، وهو ثالث يوم النحر، ثم ينفرد ولا يقيم بمنى، ويصلي الظهر بالمحصب (2). أو في الطريق.

(1) التعجيل في حق غير الإِمام: جائز مستوى الطرفين، لا مستحب ولا خلاف الأولى، والإِمام يكره له التعجيل. (الصاوي على الشرح الصغير: 2/ 64).

والأصل في التعجيل قوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203].

وللمقري قاعدة نصها:

"لا يُكره الأخذ بالرخص الشرعية كالتعجيل في يومين كما لا تكون أفضل من غيرها من حيث هي رخص لكن يكره تتبعها له لئلا يؤدي إِلى ترك العزائم". (القواعد: 2/ 613، قاعدة 404).

(2)

(ص): في المحصب.

والمحصب: اسم بطحاء خارج مكة محاذية للمقبرة.

وصلاة الظهر بالمحصب إِذا وصله قبل ضيق وقتها، أما لو ضاق وقتها فإِنها تصلى حيث أدركت ولا تؤخر.

والتحصيب مندوب للراجع من منى سواء كان آفاقيًّا أو مكيًا، وقد فعله صلى الله عليه وسلم شكرًا لله؛ وذلك لأن المحصب هو الموضع الذي تحالفت فيه قريش على أنهم لا يبايعون بني هاشم ولا يناكحونهم إِلا أن يسلموا لهم النبي صلى الله عليه وسلم وكتبوا بذلك صحيفة جعلوها في الكعبة فخيبهم الله في ذلك. (الشرح الصغير وحاشية الصاوي: 2/ 69).

ص: 464

ومن كان له ثقل وعيال فله أن يؤخر، ما لم تصفرَّ الشمس، ولا يصلي يومَ النفر بمسجد مِنى غير صلاة الصبح، قاله عبد الحق في تهذيب الطالب، ونقله عن مالك في الموَّازية.

فرع:

وإِذا تعجل سقط عنه رمي اليوم الثالث من أيام الرمي.

وقال ابن حبيب: سنة المتعجل أن يرمي جمار اليوم الثاني بعد الزوال قبل الصلاة ثم يعود من فوره * فيرمي لليوم الثالث، كما كان يفعل لو أقام، ثم ينفر صادرًا إِلى مكة، وليس عليه أن ينزل المحصب.

وكذلك قال ابن شهاب.

والأول (1) هو قول مالك وأصحابه أعني في سقوط الرمي.

وأما نزول المصحب فليس هو محل الخلاف بل حكمهم (2) القصد إِلى مكة لطواف الوداع.

ونقل مكي (3) من أصحابنا في منسكه أن يدفن حصى اليوم الثالث.

(1)(ب): والأولى.

(2)

(ب): حكمهم.

(3)

مكي بن أبي طالب بن محمد بن مختار القيسي، أبو محمد القيرواني ثم الأندلسي، فقيه مقرئ أديب له رواية، وقد غلب عليه علم القرآن وألف فيه عديد المصنفات. أخذ عن شيوخ القيروان وبعض شيوخ المشرق في رحلة حجه ثم استقر بقرطبة فنشر العلم بها. ت أوائل سنة 437. =

ص: 465

فرع:

وأما حكم الرعاة في الرمي فقد رخص لهم أن ينصرفوا لرعي الإِبل، إِذا رموا جمرة العقبة، وأن يخرجوا عن منى في رعيهم، ويقيموا ليلتهم وغدهم، وهو اليوم الثاني، وليلة اليوم الثالث من أيام الرمي (1) ويأتون إِلى منى يوم النفر الأول فيرمون اليومين ثم يتعجلون إِن شاؤوا أو يقيمون (2).

فصل

وأهل مكة في التعجيل حكمهم كأهل الآفاق، على الأصح.

وروى ابن القاسم عن مالك: ليس ذلك لهم، إِلا أن يكون لهم عذر من تجارة أو مرض (3).

= (الأعلام: 8/ 214، إِنباه الرواة للقفطي: 3/ 313، إِيضاح المكنون: 1/ 85 - 2/ 544، بغية الملتمس: 455، بغية الوعاة: 2/ 298، جذوة المقتبس: 351، الديباج: 2/ 342، شذرات الذهب: 3/ 260، وفيات ابن قنفذ: 242، معجم الأدباء: 19/ 167، كحالة: 13/ 3).

(1)

(ص): من أيام منى.

(2)

الزرقاني على الموطإِ: 2/ 372، المنتقى: 3/ 51.

(3)

المحرر الوجيز: 2/ 134 - 135.

ص: 466

فرع:

وهل لمن تعجل من أهل الآفاق أن يبيتوا بمكة ويمضوا على تعجيلهم؟ المذهب أن لهم ذلك.

وقال ابن الماجشون وابن حبيب: لا يصح لهم التعجيل إِلا بشرط أن لا يبيتوا في مكة، وذلك خاص بمن تعجل من أهل مكة، فمن بات من أهل الآفاق بمكة وجب عليه أن يرجع إِلى منى حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث.

وعلى قولهما إِن لم يرجع لزمه الدم.

فرع:

ومن نوى أن يتعجل وغربت عليه الشمس، وهو بمنى، فليس له أن يتعجل فإِن تعجل لزمه الدم بترك المبيت والرمي.

تنبيه:

ويُستثنَى من ذلك من تعجل وطاف للوداع، وخرج مسافرًا، فكان ممره على منى، فغربت عليه الشمس، وهو بمنى، فليمض ولا دم عليه (1).

(1) صاغ ابن فرحون هذه المسألة في لغز من ألغازه الفقهية ونصه:

"فإِن قلت رجل تعجل في يومين فغابت عليه الشمس وهو في منى، ولا يلزمه المبيت في منى ولا رمي يوم الثالث؟

قلت: هذا رجل تعجل وطاف للوداع، وكانت طريقه إِلى بلده على منى كأهل =

ص: 467

فرع:

أما إِن أقام المتعجل بمكة حتى أمسى، فقال مالك: لا أرى عليه شيئًا.

تنبيه:

التعجيل لا يحتاج إِلى نية يحدثها في منى، فلو أفاض من منى إِلى مكة في اليوم الثاني من أيام الرمي، ثم بدا له أن يتعجل ويسافر من مكة قبل أن تغرب الشمس، فذلك له، فإِن غربت عليه الشمس بمكة قبل أن يبدو له فليرجع إِلى منى حتى يرمي من الغد، حكاه ابن رشد عن مالك.

فرع:

ويلزم الحاج المبيت بمنى ليالي منى ثلاث ليال والمتعجل (1) ليلتين.

وقال ابن عبد الحكم عن مالك وابن حبيب عن ابن الماجشون: من أقام بمكة أكثر ليلة ثم أتى منى فبات فيها باقي ليله فلا شيء عليه إِلا أن يبيت ليلة كاملة فيلزمه الدم، ولو كان له عذر من مرض أو غيره لم يسقط عنه الدم حكاه الباجي (2).

= عرفة. فغابت عليه الشمس وهو بمنى، فليس عليه شيء ويمضي في سفره، قاله ابن رشد". (درة الغواص: 172 رقم 232).

(1)

(ب): والتعجيل.

(2)

المنتقى: 3/ 45.

ص: 468

وما حكاه عن ابن عبد الحكم وابن حبيب خلاف ما في المدونة (1).

والمشهور: لزوم الدم إِذا بات بغير منى جل ليلته.

ومن بات وراء العقبة التي * عندها الجمرة ليلة أو جلها فليهد. رواه ابن المواز عن مالك (2).

والجل ما زاد على النصف.

فصل

قال مالك: لا ينبغي لإِمام الحاج أن يتعجل؛ وذلك لأنه يقتدى به، فيقتدي به في التعجيل من لم تكن له نية فيه، وإِقامة شعائر الحج مطلوبة وهو أولى من إِقامها.

وأما تقديم الأثقال إِلى مكة فلا بأس به في حق كل أحد من الحجاج، كتقديم الأثقال إِلى عرفة قبل يومها.

(1) عبارة المدونة: "قال مالك: إِن بات ليلة كاملة أو جلها في غير منى، فعليه لذلك الدم، وإِن كان بعض ليلة فلا يكون عليه شيء". (المدونة: 2/ 171).

(2)

المنتقى: 3/ 45.

ص: 469

فصل: في الرجوع من منى للسفر إلى بلده

ويستحب لمن رجع من منى ممن لم يتعجل أن ينزل بأبطح مكة حيث المقبرة، وهو المحصب أيضًا، فيصلي فيه أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم يدخل مكة بعد العشاء للسنة (1).

ووسع مالك لمن لا يقتدى به في تركه، وكان يفتي بالترك سرًّا (2) لئلا يشتهر ذلك، فتترك السنة، وكان هذا شيء يفعل ثم ترك. قاله ابن الحاج.

قال القرافي: وليس بنسك (3).

والجمهور (4) على أن النزول به ليلة الرابع غير مستحب (5)، واستحبه مالك لمن يُقتَدَى به.

(1) حجة المصطفى: 72.

(2)

سرًّا: سقطت من (ر).

(3)

انظر (الذخيرة: 3/ 282).

(4)

(ر): والمشهور.

(5)

هذا النزول سنة عند الحنفية فيكون تاركه مسيئًا، وقال ابن عباس وعائشة: التحصيب ليس بشيء إِنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال الأكثرون. (المسوى في شرح الموطإِ: 1/ 399).

ص: 470

فصل (1)

فإِذا دخلت مكة وقد كنت طفت للإِفاضة وأنت تريد الرحيل فطف للوداع، وإن كنت تريد الإِقامة فأنت في الطواف بالخيار.

فصل: في طواف الوداع

ويسمى طواف الصَّدَر (2).

وطواف الوداع مندوب إِليه ولا دم في تركه، وهو آخر نسك يفعله الحاج (3)، والنسك: العبادة.

وحكمه أن يتصل بالخروج؛ لأن هذا حكم الوداع، ولو اشتغل بعده بشراء أو بيع أو شغل (4) بجهاز السفر ساعة من نهاره فذلك مغتفر له، وإِنما

(1)(ر): فرع.

(2)

الصَّدَر (بفتح الصاد والدال) هو الرجوع، وفيه لغة أخرى: الصدور.

قاله الجبي في (شرح غريب ألفاظ المدونة: 46).

(3)

عن ابن عباس قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إِلا أنه خفف عن المرأة الحائض". قال ابن عبد الهادي: متفق عليه. (المحرر في الحديث: 1/ 412 رقم 720).

(4)

(ر): أو اشتغل.

ص: 471

يعد فصلًا طويلًا إِذا أقام يومًا وليلة على ما في المدونة (1).

وقال سند: وروي عن مالك أن من ودع وأقام إِلى الغد فهو في سعَةٍ.

وقال ابن القاسم: إِن أقام يومًا أو بعض يوم أعاد (2).

وقال ابن الماجشون: إِن بات لتجديد كراء أو يعد مريضًا لم يُعِدْ.

فرع:

وإِذا طاف للوداع وخرج من المسجد لم يمش إِلى خلفه.

فرع:

ومن طاف للإِفاضة وخرج من فوره، أو أتى بالعمرة بعد الحج فطاف لها وسعى وحلق وأراد السفر، فالطواف في هاتين الصورتين بجزئ عن طواف الوداع إِذا خرج من فوره على ما تقدم.

(1) عبارة المدونة "سألت مالكًا عن الرجل يطوف طواف الوداع، ثم يخرج عن المسجد الحرام ليشتري بعض جهازه أو طعامه يقيم في ذلك ساعة يدور فيها ثم يخرج ولا يعود إِلى البيت؟ فقال: لا شيء عليه ولا أرى عليه في هذا عودة إِلى البيت

". (المدونة: 2/ 261).

(2)

جاء في المدونة: "قلت لابن القاسم: أرأيت من أقام بمكة بعد طواف الوداع يومًا أو بعض يوم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئًا، وأنا أرى أن يعود، فيطوف". (المدونة: 2/ 261).

ص: 472

فرع:

قال الباجي: ويجزئ من الخروج في ذلك الخروج إِلى ذي (1) طوى أو إِلى الأبطح، فمن ودع وأقام بها يومًا وليلة لم يلزمه الرجوع؛ لأنه قد انفصل (2).

فرع:

ومن نسي أو جهل فسافر ولم يطف، ثم ذكر أو علم بما جهل، فإِن كان قريبًا رجع، وإِن كان ممن تلحقه المشقة بالرجوع فلا شيء عليه.

فرع:

ومن خرج من مكة ليعتمر من نحو الجحفة ودع، وإن كان من نحو التنعيم أو الجعرانة لم يودع، وإِذا فرغ من عمرته * فإِن خرج بإِثر فراغه فلا وداع عليه، وإِن أقام بعد عمرته اليوم أو اليومين ودع، والمكي إِذا أراد سفرًا فعليه أن يودع.

فرع:

قال مالك: وطواف الوداع مستحب للنساء والصبيان والعبيد (3).

(1) ذي: سقطت من (ب).

(2)

المنتقى: 2/ 293.

(3)

المدونة: 2/ 261.

ص: 473

تنبيه:

إِذا طاف طواف الإِفاضة قبل يوم النفر، ونوى أن لا يعود إِلى مكة لأجل ما يلحقه من المشقة بمفارقة الجمال، إِذا كان ممن لا ينزل بمكة ولا بالقرب منها بل ينزل في التنعيم أو قريبًا منه (1)، ثم عاد إِلى منى فرمى الجمار ونفر من منى مع الكري وخشي فوات الرفقة إِن طاف للوداع، أو خشي على رحله، فالظاهر أن ذلك يجزئ على الخلاف في طواف الوداع: هل هو نسك يختم به أفعال الحج أو هو نسك مستقل لوداع البيت خاصة؟ وهو ظاهر كلام ابن القاسم أنه لوداع البيت.

وكلام أشهب يدل على أنه نسك، يختم به أفعال الحج.

انظر كلام التادلي في منسكه.

فرع:

ولطواف الوداع ركعتان، ومن نسيهما حتى تباعد أو بلغ بلده ركعهما ولا شيء عليه. وإِن كان بالقرب وهو على طهارته رجع فركعهما، وإِن انتقض وضوؤه ابتدأ الطواف وركعتيه.

وإِن كان توديعه بعد العصر فله أن يركع الركعتين إِذا حلت النافلة في الحرم أو خارجًا عنه.

(1)(ص): منها.

ص: 474

فرع:

وإِذا حاضت المرأة بعد الإِفاضة تركت طواف الوداع (1).

قال سند: فلو طهرت بالقرب رجعت كناسي الطواف (2).

ويستحب له إِذا فرغ من طواف الوداع أن يقف بالملتزم بين الركن والباب أو حيث أمكنه، فيحمد الله تعالى ويشكره على ما منّ به عليه وهداه إِليه، ويكثر من الدعاء فيما شاء من خيري الدنيا والآخرة، فإِنه موضعُ رغبة ومكان إِجابة.

وليقل إِن شاء:

اللهُمَّ إِنِّي عبدُكَ حملتني على ما سخَّرت بنعمتك حتى بلغتني بيتك الحرام، وقضيت عني المناسك، فإِن كنت يا ربّ قبلتَ مني ورضيت عني فازدد عني رضًا وإلا فأسألك أن ترضى عني الآن برحمتِك قبل مفارقة بيتك ومحل أمنك، اللهم قني شرَّ نفسي وشر كل ذي شر وكل ما ينقص أجري أو يحبط عملي، واجمع لي خيري الدنيا والآخرة، واطو لي بعد السفر، وأصلح لي الرفيق، وهوّن علي الطريق، وأقدمني سالمًا مع المسلمين يا أرحم الراحمين (3).

(1) المدونة: 2/ 261.

(2)

(ر): رجعت فتأتي بالطواف.

(3)

لم أعثر على تخريج لصيغة هذا الدعاء وقد أورد النووي دعاء يتضمن معاني قريبة من هذا في (الأذكار: 283) وفي (أسرار الحج: 113) دعاء آخر.

ص: 475

ثم تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتنصرف.

تنبيه:

تقدم أنه إِذا أراد الخروج من المسجد للسعي قبّل الحجر الأسود ثم يخرج، ولم يذكروا أنه يقبل الحجر بعد طواف الوداع وقبل الخروج من المسجد، وهو حسن فتأمله.

وإِذا أخذ في السفر فيستحب له التكبير على كل شرف.

ففي الموطإِ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم * كان إِذا قفل من حج أو غزو يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربّنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده (1) وهزم الأحزاب وحده (2).

(1) في (ب) زيادة: وأعز جنده، وهي غير مذكورة في الموطإِ.

(2)

تنوير الحوالك: 2/ 291، جامع الحج، عن عبد الله بن عمر.

(الزرقاني على الموطإِ: 2/ 392).

وقال ابن أبي زيد القيرواني: "يستحب لمن انصرف من مكة من حج أو عمرة أن يقول: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده". (الرسالة الفقهية: 182). وانظر: (إِتحاف السادة المتقين: 4/ 429، زروق على الرسالة وابن ناجي عليها: 1/ 365، المغني: 3/ 559).

ص: 476