الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنكر، ولو كان ذلك بزيادة أجرة.
مسألة:
قال ابن الحاج في منسكه: وفي كتاب ابن المواز: ولا بأس أن يحج ومعه النصراني يخدمه (1) وقد يكري الحاج مع النصراني للرخص وحسن الصحبة.
قلت: وعلي هذا فلا يكره الكراء مع أهل البدع واستخدامهم، وإِن كان يؤدي إِلي مخالطتهم، إِذا كان له بهم رفق أكثر من غيرهم والله أعلم.
وينبغي له أن يعتمد مع رفقائه بسط الوجه وحسن الخلق والإِيثار بما لا
(1) اختلف الفقهاء في استئجار المسلمِ غيرَ المسلم، قال ابن بطال: عامة الفقهاء يجيزون استئجارهم عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من المذلة لهم، وإِنما الممتنع أن يؤاجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من إِذلال المسلم.
والدليل على جواز استئجار غير المسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا رجلًا من بني الديل - غير مسلم - ليهديهم الطريق عند الهجرة، فأمَّناه ودفعا إِليه راحلتهما.
(البخاري، كتاب الإِجارة، باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إِذا لم يوجد أهل الإِسلام).
وهذه الترجمة تشعر أن البخاري ممن يرون أن هذه الإِجارة تمتنع إِلا عند الحاجة كما جاء في (فتح الباري: 4/ 442). وهو ما صرح به ابن حزم في (المحلى: 7/ 544).
يضره فقده وحمل ما بدر إِليه منهم من أمر مؤلم أو تقصير في حقه، فبذلك ينشرح له صدره ويطيب له سفره.
وذكر ابنُ رُشْدٍ في "البيان والتحصيل" أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخدم أصحابه في سفر الحج ويدور بإِبلهم وهم نيام، وذلك من كرم طباعه (1) رضي الله عنه.
وينبغي له إِذا كان قادرًا علي المشي أن يُريح دابته بما لا يضره من المشي (2).
قال عز الدين بن جماعة: ويجب ذلك في الدابة المستأجرة، حيث جرت العادة، إِلا إِذا كانت مطيقةً، ورضيَ به المالك (3).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صلَّى الفجر في السفر مشى قليلًا وناقته تُقَاد"، رواه البيهقي (4).
(1) كان عمر - عند خدمة أصحابه في السفر - يرتجز ويقول: [الرجز]
لا يأخذ الليل عليك بالهمّ
…
والبس القميص فيه واعتم
وكن شريك رافع واسلم
…
ولتخدم الأقوام حتّى تُخدَم
(البيان والتحصيل: 18/ 567).
(2)
قال خليل بن إِسحاق: "يستحب أن يريح دابته، ولا سيما عند العقبات، ولا يكثر النوم عليها، ولا يحملها ما لا طاقة لها به". (مناسك خليل: 12 أ).
(3)
كذا في (هداية السالك: 2/ 411).
(4)
السنن الكبرى: 5/ 255، كتاب الحج، باب النزول للرواح.
وقال الغزالي: وفي المشي عن الدابة صدقتان:
أحدهما: ترويحُ الدابة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ"(1).
والأخرى: إِدخالُ السرور على مالكها.
قال: وفيه أيضًا راحةٌ للراكب وصحةٌ لبدنه ورياضة، وفي ذلك آثار عن السلف (2).
وقال ابن عطاء الله في "منسكه": في المشي عن الدابة فوائد؛ منها: أن المشي إِلى العبادات أفضل، فليقصد ذلك لعظيم أجره (3).
قال ابن معلّى: قالوا: ويحرم عليه أن يُحمِّل دابته فوق طاقتها وأن يُجوِّعها من غير ضرورة، فإِن حمّلها الجمال فوق طاقتها لزم المستأجر الامتناع من ذلك.
(1) كشف الخفاء: 2/ 116 رقم 1845، برواية البخاري عن أبي هريرة: في كل ذات كبد حرّاء أجر، وقال في رواية: في كل ذات كبد رطبة أجر، وفي الباب عن سراقة عند البيهقي بلفظ: في الكبد الحارة أجر.
(تمييز الطيب من الخبيث: 114 برواية البخاري عن أبي هريرة المذكورة).
(2)
النقل مختصر من كلام الإِمام الغزالي في (الإِحياء: 2/ 255، كتاب آداب السفر، الباب الأول، الفصل الثاني في آداب المسافر). وهذا المعنى ساقه خليل في (مناسكه: 12 أ).
(3)
أجره: سقطت من (ص).
قال سحنون (1) رحمه الله: وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إِذا رأى دابة مثقلة خفف عنها مخافة أن يسأله الله تعالى عما تقلده منها. ويكره ضرب الدابة في الوجه، لنهيه صلى الله عليه وسلم * عن ذلك (2).
قال ابن معلّى: أمّا ضرب الدابة في غير الوجه فمباح؛ لأنها لا تتأدب بالكلام. وقد أجازوا ركوبها بالمهاميز (3) وقد حرك النبي صلى الله عليه وسلم بعيره بالمحجن،
(1) عبد السلام سحنون بن سعيد بن حبيب بن ربيعة التنوخي القيرواني أبو سعيد، الحافظ العابد الإِمام، أخذ عن أئمة المشرق والمغرب، وعنه كثيرون. أخذ المدونة عن ابن القاسم فكان عليها المعول لدى المالكية. ولي القضاء سنة 234 فكان عدلًا، واستمر عليه إِلى وفاته. ولد سنة 160. ت 240 وقبره بالقيروان معروف.
(الأعلام: 4/ 129، البداية والنهاية: 10/ 323، تراجم المؤلفين التونسيين: 3/ 13 رقم 232، الحلل السندسية للسراج: 1/ 769، الديباج: 2/ 30، رياض النفوس: 1/ 249، شذرات الذهب: 2/ 94، طبقات الخشني: 227، الفكر السامي، 4/ 99، المدارك: 4/ 45، مرآة الجنان: 2/ 131).
(2)
عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه.
(صحيح مسلم: 2/ 1673 رقم 2116، كتاب اللباس والزينة باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه).
(3)
قال مالك: أكره المهاميز، ولا يصلح الفساد، وإذا أكثر من ذلك خرقها. (الجامع لابن أبي زيد: 251 - 252).
والمهاميز: جمع مهماز وهو حديدة في مؤخر خف الرائض. (ترتيب القاموس: همز).
لكن يكون ذلك برفق، لا كما يفعله أصحاب القلوب القاسية والأيدي الخاطئة من المبالغة في ضربها، فإِن ذلك تعذيبٌ لها، وهو حرام لنهيه صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان (1).
ولا ينبغي للمسافر اتخاذ الأجراس (2)، ولا يعلقها علي دابته، ولا يقلدها بالأوْتَار (3) فإِنه مكروه، فإِن وقع ذلك من الرفقة ولم يقدر علي إِزالته فلينكره علي قدر استطاعته، ويبرأ إِلى الله تعالى من ذلك.
قال النووي: ويجتنب النّوم علي الدابة (4)، لأنه يثقل بالنوم.
قال ابن معلّى: ويحمل كلامه على كثرة النوم، فإِن في صحيح مسلم أن
(1) من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في هذه البهائم اركبوها صحاحًا واركبوها سمانًا".
(مجمع الزوائد: 3/ 95).
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "اركبوا هذه الدواب سالمة وابتدعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي".
(المستدرك: 1/ 444) وصححه الذهبي (التلخيص: 1/ 444).
(2)
أخرج الحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الجرس مزمار الشيطان" وقال: حديث صحيح علي شرط مسلم. وقال الذهبي: خرجه مسلم بهذا السند.
(المستدرك والتلخيص: 1/ 445).
(3)
قيل لمالك: أتعلق الأجراس في أعناق الإِبل والحمير؟ فكره ذلك؛ قيل: فالقلائد؟ قال: ما سمعت فيها بكراهية إِلا في الوتر. (الجامع: 245 - 246).
(4)
الإِيضاح: 16.
النبي صلى الله عليه وسلم نام علي راحلته (1).
وينبغي له أن يجتنب المخاصمة ومزاحمة الناس في الطريق وعند الموارد جهدهُ، وليصن لسانه من الشتم والغيبة ولعنة الدواب وجميع الألفاظ القبيحة، ولا يوبخ سائلًا، بل يواسيه بما تيسر خصوصًا بالماء في أوقات العطش أو يردُّه (2) بالحُسْنَى، وليلحظ في مخالطته للناس قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ ولم يفسقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ"(3).
وينبغي لمريد الحج أن يلتمس رفقة، فقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم الوِحدة في السَّفَر (4).
وفي الحديث الصحيح: "الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، والاثْنَانِ شَيْطَانان وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ"(5).
(1) في حديث طويل رواه أبو قتادة: "
…
فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فمال عن راحلته، فأتيته ودعمته من غير أن أوقظه". (صحيح مسلم: 1/ 472 رقم 681، المساجد في مواضع الصلاة).
(2)
(ب): ويرد.
(3)
تقدم تخريجه ص 96.
(4)
انظر: (الإِحياء للغزالي: 2/ 252، دار المعرفة بيروت، صحيح ابن خزيمة: 4/ 140، باب استحباب تأمير المسافرين أحدهم على أنفسهم).
(5)
أخرجه أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، في:(المسند: 2/ 186) =
وقال (1) صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الصَّحَابَةِ أرْبَعَةٌ". رواه الترمذي (2).
وخرج البزار في مسنده وابن عبد البر في التمهيد أنه صلى الله عليه وسلم: "إِن الشيطان يَهُمُّ بالوَاحِدِ والاثْنَينِ فإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لم يهم بهم"(3).
= وفيه: والراكبان شيطانان.
وعنه أخرجه ابن خزيمة بلفظ: "الواحد شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة ركب".
وقال الأعظمي: إِسناده حسن. (صحيح ابن خزيمة: 4/ 152 رقم 2570).
(1)
(ر): وعنه.
(2)
عن ابن عباس باللفظ المذكور أعلاه، قال الترمذي: حديث حسن غريب، وروي عن الزهري مرسلًا.
(سنن الترمذي: 4/ 125 رقم 1555، كتاب السير، باب ما جاء في السرايا). وأخرجه الحاكم عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: هذا إِسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف بين الناقلين فيه عن الزهري (المستدرك: 2/ 101، كتاب الجهاد).
(3)
أخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلًا قدم من سفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صحبك؟ قال: ما صحبت أحدًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب). قال ابن حرملة: وسمعت سعيد بن المسيَّب يقول: قال صلى الله عليه وسلم: "إِن الشيطان يهم بالواحد، ويهم بالاثنين فإِذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم".
(سنن البيهقي: 5/ 275، كتاب الحج، باب كراهة السفر وحده).