الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى هذا فإِن أصول ابن فرحون ومصادره في تأليفى هذا الكتاب جاءت من فنون متنوعة، وأغلبها فقهي من المؤلفات التي صنفها أعلام المالكية وضمنوها ما رُوي عن مؤسس المذهب وكبار أصحابه، ومنها ما ينتمي إِلى صنف الكتب الفقهية العامة، ومنها ما ينضم إِلى مجموعة المؤلفات والرسائل الخاصة بموضوع فقهي، وفي مقدمة هذه المجموعة كتب المناسك التي اقتضت طبيعة موضوع "إِرشاد السالك" أن يكون اعتمادها كثيرًا.
على أن مؤلفنا رجع في بعض المسائل إِلى كتب لفقهاء غير مالكيين واستشهد بأقوالهم، وأحال على كتبهم، وكان ذلك نادرًا في الكتاب،.
ويمكننا أن نعتبر مصادره الفقهية أساسية، لأنها ثرية بالنسبة لأحكام أفعال المناسك، وأن نعتبر غيرها مصادر ثانوية مساعدة، وهذه الأخيرة تشمل التفسير والحديث واللغة والتاريخ والرحلات والتراجم.
أهميته:
تبرز أهمية كتاب "إِرشاد السالك إِلى أفعال المناسك" في موضوعاته التي تحدثنا عنها، وخاصة موضوع أحكام مناسك الحج والعمرة، فقد قدمها وفصلها بما يحقق غاية الحاج الذي يحتاج إِلى ملء وطابه من معرفة المناسك، وحتى بما يحقق غاية العالم، حيث تساعده "مناسك ابن فرحون" على التذكر والاستيعاب والاستعداد للإِرشاد والفتوى في الموسم.
وبالنسبة إِلى مسائله الخارجة عن إِطار المناسك، فهذا الكتاب يعد
ملخصًا لها تلخيصًا كافيًا قد يُغني عن غيره مما ألف فيها، وذلك إِذا كان القارئ من غير الباحثين والمتخصصين: فقد أحسن تلخيص الرقائق المتصلة بالحج والعمرة ودعمها بالأحاديث والآثار المناسبة، وأجاد تلخيص آداب السفر في باب واحد، ولخص معلومات عن الحرمين وجمعها من كتب تاريخية عديدة، وقدم بعض مشاهداته وملاحظاته كشاهد عيان أمين.
وبذل المؤلف جهدًا ملحوظًا في توزيع المسائل على أبوابها المناسبة، كما حاول أن يقسم المادة في كل باب على فصول ومسائل مناسبة، ومحمد في بعض الأبواب إِلى وضع ترجمة مطولة لها، ليساعد القارئ على معرفة الموضوعات الجزئية المندرجة تحت الباب (1).
كما زود الكتاب بمجموعة من الفتاوى الصادرة عن الإِمام مالك (2) وبعض أعلام مذهبه فيما سئلوا عنه (3).
وقد كان ابن فرحون حريصًا على تزويد الحاج بما يحتاج إِلى معرفته -
(1) كما في الباب الخامس عشر.
(2)
مثل: فتواه في قضية المرأة تشرب دواء لتأخير الحيض. ص 447 - 448.
(3)
مثل الفتاوى المتعلقة بمسألة الأيمة المتجددين من المذاهب الأربعة في المسجد الحرام انظر ص 296 وما بعدها.
ومثل فتوى الشيخ أبي محمَّد عبد الله المنوفي في قضية المرأة التي تعالج استعجال الحيض للخروج من العدة، في ص 447.
زيادة على أحكام المناسك - مثل: الأدعية (1) التي ساق منها كثيرًا في مناسباتها، ومثل: التعريف بالمواقيت (2) والمشاعر (3).
وهكذا تظهر قيمة هذا الكتاب العلمية، وتتضح فيه ميزة تنظيم المسائل المتشعبة وحسن ترتيبها وتيسير تناولها، وليس هذا بالأمر الهيِّن، فقد لاحظ الأقدمون من علماء المذهب المالكي صعوبة هذه المسائل، وعسر ضبطها بدقة، ومن ذلك أن الشيخ "أبا عبد الله القوري (4) رحمه الله يقول حاكيًا عن غيره: إِن أحكام الحج على مذهب مالك لا تكاد تنضبط لزمام (5) ".
وقد استطاع برهان الدين بن فرحون أن يضبطها بزمام، ويحسن عرضها بتنظيم تجلت فيه شخصيته الفقهية، ومدى اطلاعه على المصادر والأمهات المعتمدة.
(1) قدم ابن فرحون أدعية كثيرة، أطولها دعاء عرفة في ص 374 وما بعدها.
(2)
ص 244 - 250.
(3)
ص 146.
(4)
أبو عبد الله محمَّد بن قاسم القوري اللخمي المكناسي، نسبة إِلى قورة (بفتح القاف وسكون الواو) بلد قريب من إِشبيلية، وكان من أشهر علماء مكناس متبحرًا في العلم والتصرف فيه، مستحضرًا نوازل الفقه وقضايا التاريخ مع ذكاء ونزاهة وديانة ومروءة. ت. بفاس 872. (شجرة النور: 201 رقم 958، فهرس ابن غازي: 65 تحقيق محمَّد الزاهي، ط 2 دار بوسلامة تونس 1984).
(5)
مواهب الجليل، للحطاب: 2/ 471.