الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع: في التمتع
[معنى التمتع]
وهو مأخوذ من المتَاع (1)، ومعناه: أنه انتفع بسبب اعتماره في أشهر الحج، وذلك أنّه يحلُّ من العمرة ويفعل ما يفعله الحلال إِلى أن يحرم بالحج يوم التروية من مكة، ولا يحتاج إِلى أن يخرج إِلى أُفْقِهِ، فقد انتفع بسقوط السفر إِلى أُفْقِهِ والإِحرام من ميقاته. فهذه المدة التي تحلل فيها مع توفر سفر الحج، والإِحرام هو المتاع، ولا يقال: إِن التمتع هو سقوط سفره من الميقات، بل سقوط السفر من بلده.
ولو قيل: إِن التمتُّع (2) هو سقوط السفر من الميقات، لزم عليه أن مَن اعتمر في غير أشهر الحج، ثم أقام حتى حج، أنْ يُسمَّى مُتَمَتِّعًا لسقوط (3) السفر عنه من ميقاته، وهذا لا يقوله أحد.
وصفته: أن يعتمر في أشهر الحج، ثم يحل منها ثم يحج من عامه (4).
(1) انظر (غرر المقالة في شرح غريب الرسالة: 181).
(2)
ب: المتاع.
(3)
ر: بسقوط.
(4)
انظر (التمهيد: 8/ 342 وما بعدها، الرسالة الفقهية: 181، القرى: 81 - 85، الكافي: 1/ 382).
ولوجوب الدم سبعة شروط (1).
الأول: أن يجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد قبل أن يرجع إِلى أفقه أو مِثْل أُفقِه في البُعْد. والأُفْقُ: البلد. فلو عاد ثم حج من عامه لم يكن متمتِّعًا، لأنه أنشأ لكل نُسك سفرًا.
تنبيه:
أطلق المؤلفون هذا الشرط وقيَّده أبو محمد بما إِذا كان يمكنه أن يصل إِلى أفقه ثم يعود من عامه، فلو كان أفقه بإِفريقية فرجع إِلى مصر ثم حج سقط عنه دم التمتع، لأنه لا يمكنه العود إِلى أُفْقِهِ (2).
أما لو رجع الآفاقي فأحرم بالحج من ميقاته، لم يسقطْ عنه الدم للتمتُّعِ (3).
(1) انظر تفصيل الشروط في (المنتقى: 2/ 228)، وفي (المعونة: 1/ 560 وما بعدها)، وفي (شرح الرسالة لابن عمر).
(2)
انظر (مواهب الجليل: 3/ 58).
(3)
للتمتع: سقطت من ب، ص.
وكان الفقهاء قديمًا لا يتصورون ذلك بالنسبة إِلى الآفاقي الذي بلده بعيد عن مكة، فقد قال يوسف بن عمر الأنفاسي ت 761:"أما من لا يمكنه ذلك من أهل إِفريقية وغيرهم فلا يتكلم عليهم؛ لأنه لا يكون ذلك في حقهم لبعدهم من الحجاز وسقط عنهم هدي التمتع إِذا بعدوا من مكة بغير خلاف"(شرح الرسالة لابن عمر، مخطوط خاص أوراقه غير مرقمة). =
الثاني:
أن يكون ذلك في عام واحد. فإِن قلت: فعله العمرة في أشهر الحج يُوجب أن يكونا في عام واحد؟ قلت: لا يوجد ذلك لاحتمال أن لا يحج في ذلك العام ويحج عن غيره، فيسقط عنه الدم في حجه عن غيره على المشهور.
الثالث:
أن يقدم العمرة على الحج، فلو اعتمر بعد فراغ الحج في أشهر الحج لم يكن متمتعًا (1).
الرابع:
أن يفعل العمرة أو شيئًا منها في أشهر الحج، ما خلا حلق الرأس في العمرة، فإِنه إِذا فعله وحده بعد هلال شوال فليس بمتمتع، ولا هدي عليه.
الخامس:
أنْ يحل من العمرة قبل الإِحرام بالحج؛ لأنه لوْ أحرم بالحج قبل تمام العمرة كان قارنًا لا متمتعًا.
= أما اليوم فقد قربت الطائرات المسافات التي كانت تعد بعيدة فلا يسقط الدم إِلا إِذا رجعوا إِلى بلدهم أو ما يساويه، لإمكان ذلك، حيث ينتفي سبب سقوطه. وهكذا يتغير الحكم لتغير علته.
(1)
ص، ر: لم يكن عليه دم - والمعنى واحد.
السادس:
أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، وهو المكيُّ ومن في حكمه؛ لأن المكيَّ لا يربح ميقاتًا.
وبيان ذلك: أن الآفاقي حقُّه أن يخرجَ إِلى أُفْقِه أو إِلى مثل أُفقه، فيحرم من ميقاته؛ فإِذا أحرم من مكة فقد ربح عدم الخروج فيلزمه الدم، وأما المكي * فحكمه أن يحرم من مكة ولا يلزمه الخروج، فهذا معنى قولهم: لأن المكي لا يربح ميقاتًا (1)، وكذلك من كان من أهل (2) ذي طوى فليس عليهم هدي لتمتع ولا قِرَان. قاله مالك وابن القاسم وأشهب.
وكذلك من ترك أهله بمكة من أهل الآفاق وخرج لغزو أو تجارة، فليس عليه هدي لتمتعه ولا لقرانه، إِذا رجع ونيته الإِقامة.
وقيل: إِنما يسقط عن أهل مكة ومن في حكمهم دم التمتع خاصة، وأمَّا دمُ القِرَانِ فلا، وهو قولُ ابن الماجشون، وقاله محمد بن عبد الحكم.
(1) قال الونشريسي في فروقه: "إِنما يجب دم التمتع والقران على الآفاقي دون المكي؛ لأن الآفاقي من حقه أن يأتي بالحج في سفر ثان، فلما تمتع بإِسقاط أحد السفرين أوجب الله عليه الهدي، والمكي لم يسقط سفرًا فيلزمه الهدي لذلك". (عدة البروق: 127 - الفرق: 191).
(2)
أهل: سقطت من ر.
تنبيه:
واعلم أن المُرَاعَى في كونه من حاضري المسجد الحرام أنه يكون مستوطنًا (1) بمكة وقت العمرة، وإِن كان آفاقيًّا كما لو قدم آفاقي بعمرة في شهر رمضان وحل منها في شهر رمضان، ثم استوطن مكة ثم اعتمر في شوال، فحكمه حكم المكي في سقوط الدم.
السابع:
أن تكون العمرة والحجُّ عن نفسه، أو يكونا عمَّن استنابه. أمّا إِن كان أحدهما عن نفسه والآخر عن غيره فالمشهور سقوط الدم (2)؛ لأن كل واحد منهما عن شخص معين يوجب أن يكون الآتي بهما كرجلين، فكما لا يلفق (3) التمتع من فعل رجلين فكذلك لا يلفق (3) من فعل واحد عن رجلين أو عنه وعن غيره، واعتبر في القول الآخر اتحاد الآتي بهما لا تعدد المفعول عنه.
تنبيه:
وهذا التشهير ذكره ابن الحاجب (4) وتعقبه ابن راشد وقال (5): هذان
(1) ب: متوطنًا.
(2)
هذا ما مشى عليه خليل في (التوضيح: 1/ 212 أ).
(3)
ر: لا يكون.
(4)
جامع الأمهات: 190.
(5)
عد ابن راشد شروط وجوب الهدي وجعلها خمسة منها السابع عند ابن فرحون، =
القولان ذكرهما ابن شاس (1) ولم يشهر منهما واحدًا.
والذي حكاه ابن يونس وابن أبي زيد في النوادر أنه متمتع (2) فانظره.
تنبيه:
زاد الباجي شرطين آخرين.
أحدهما: أن تكون العمرة صحيحة.
والثاني: أن يكون مقصوده التمتع (3).
فكرهما في حصر المرض.
فهذه تسعة شروط يتداخل منها الخامس مع الثالث؛ لأن الإِحلال من العمرة قبل الإِحرام بالحج يستلزم تقديم العمرة على الحج، وأهل المذهب كلهم يعدونهما شرطين متباينين وليس كذلك، قاله التادلي.
تنبيه:
وما ذكره الباجي من اشتراط كون العمرة صحيحة نص ابن يونس على خلافه.
= انظر (لباب اللباب: 52 - 53 المُذهب، عند الكلام عن التمتع).
(1)
انظر (الجواهر: 1/ 390 - 391).
(2)
كذا في (النوادر: 1/ 62 أ). وانظر (مواهب الجليل: 3/ 59).
(3)
المنتقى: 2/ 279.
ونصه: ومن اعتمر في أشهر الحج فأفسد عمرته بالوطء ثم حل منها ثم حج من عامه قبل قضاء عمرته فهو متمتع وعليه قضاء عمرته بعد أن يحل من حجه وحجه تَامٌّ.
فرع:
ويجب دم التمتع بإِحرام الحج بعد تمام عمرته في أشهر الحج، وأما إِحرامه بالعمرة فى أشهر الحج فلا يوجب عليه دمًا.
ويجوز له تعيينُ هدي التمتع بالتَّقْلِيدِ والإِشْعَارِ.
فرع:
ولا يجوز نحرُ هديِ التمتع والقِرَان قبل يوم النحر.
فرع:
وإذا مات المتمتع قبل أن يرمي جمرة العقبة فلا هدي عليه على المشهور (1) *، وأما بعدها فقال ابن القاسم: الهدي من رأس ماله، وقال سحنون: لا يكون في رأس ماله ولا في ثلثه، إِلا أن تشاء الورثة ذلك من عندهم.
(1) من هنا يبدأ نقص في ر، مقداره صفحتان: 88، 89.
تم بعون الله تعالى
الجزء الأول من كتاب إِرشاد السالك إِلى أفعال المناسك لابن فرحون
ويليه الجزء الثاني، ومبدؤه الباب الخامس في صفة القرآن