الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: فيما يفعله عند إرادة الخروج إلى الحج من منزله
قال عز الدين بن جماعة في منسكه عن بعض العلماء: إِنه يُستحب أن يتصدق بشيء عند سفره وأن يصل رحمه بما أمكن (1).
قال النووي: وإِذا أراد الخروج من منزله صلى ركعتين، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما خلف أحدٌ عند أهْله أفْضل من ركْعتين يْركعُهُما عنْدهُمْ حين يُريدُ سفرًا" رواه الطبراني (2).
(1) هداية السالك: 2/ 311، الباب الخامس فيما يتعلق بالسفر، وعزاه إِلى بعض الشافعية. وانظر (المدخل لابن الحاج: 4/ 51).
(2)
الطبراني عن المطعم بن المقداد، كما جاء في (الأذكار للنووي: 194).
وهو في (فيض القدير: 5/ 443 رقم 7900).
وفي (الكلم الطيب: 93 رقم 166)، وقال ابن تيمية: أخرجه الطبراني، وقال محققه الألباني: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وهو ضعيف الإسناد وعلته الإِرسال.
ولهذا الحديث شاهد رواه عثمان بن سعد بن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينزل منزلًا إِلا ودعه بركعتين".
أخرجه الحاكم في (المستدرك: 1/ 446، كتاب المناسك) وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. =
وقال بعض الشافعية: إِنه يستحب أن يقرأ في الأولى بعد فاتحة الكتاب قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية قل هو الله أحد (1).
وقال النووي: ويستحب أن يقرأ بعد سلامه آية الكرسي ولإِيلاف قريش لآثار فيها عن بعض السلف (2).
ومن الآثار: أن من قرأ آية الكرسي قبل خروجه من منزله لم يصبه شيء يكرهه حتى يرجع (3).
واستحب بعضهم أن يقرأ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} (4).
قال: فإِذا فرغ من هذه القراءة يستحب له أن يدعو بإِخلاص ونيه.
ومن أحسن ما يقول:
"اللَّهُمَّ بك أسْتَعِينُ وعليك أتَوَكَّلُ، اللَّهُمَّ ذلِّلْ لي صعوبةَ أمرِي وسهِّلْ
= وتعقبه الذهبي فقال: كذا قال، وعثمان ضعيف ما احتج به البخاري. (التلخيص: 1/ 446).
(1)
كذا في (أذكار النووي: 194) وفي (أوضح المسالك إِلى أحكام المناسك للسلمان: 32) وفي (مناسك خليل: 9 ب).
(2)
كذا في (الإِيضاح للنووي: 14) وتمام كلامه: "مع ما علم من بركة القرآن في كل شيء وكل وقت".
(3)
انظر: أذكار النووي: 195، الإِيضاح للنووى:14.
(4)
القصص: 85.
علَيَّ مشقَّةَ سَفَري، وارزُقْنِي من الخيْرِ أكْثَر ممَّا أطْلُب، واصرف عنّي كل شرّ، ربّ اشرح لي صدري ونوّر قلبي ويسّر لي أمري، اللهمّ إِنّي أستحفظك وأستودعك نفسي وديني وأهلي وأقاربي، وكل ما أنعمتَ به عليّ وعليهم من آخرة ودنيا، فاحفظنا أجمعين من كل سوء يا كريم" (1).
ويفتتح دعاءه ويختتمه بالتحميد لله تعالى. والصلاة على سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
ورُوي أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أراد أن يخرج إِلى سفر قال:
"اللهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهمّ إِنِّي أعُوذ بك من الضيعَةِ في السَّفَر، والكآبةِ في المُنْقَلَب، اللهمّ اقبض لنا الأمرض وهوِّنْ علينا السفر"(3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أراد سفَرًا
(1) كذا في: (أذكار النووي: 190).
(2)
شأن الدعاء: 13.
(3)
أخرجه النسائي عن أبي هريرة بلفظ قريب. (عمل اليوم والليلة: 350 رقم 503).
وأخرجه أبو داود عن أبي هريرة، وفيه: "
…
اللَهمَ إِني أعوذ بك من وعثاء السفر وسوء المنظر في الأهل والمال، اللَهمَ اطوِ لنا الأرض
…
".
(السنن: 3/ 74، كتاب الجهاد، باب ما يقول الرجل إِذا سافر، 2598).
فليقل لمن يخلف: أستوْدِعُكُم الله الذِي لا يُضَيِّعُ وَدَائِعَه" (1). رواه ابن السِّنِّي.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرًا إِلا قال حين ينهض من جلوسه: "اللهمّ بك انتشرتُ، وإِليك توجَّهْتُ *، وبك اعتَصَمْتُ، أنت ثقتِي ورجائي، اللهمّ اكْفِنِي مَا أهَمَّنِي وَمَا لَا أهْتَمُّ به، ومَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ منِّي، اللهُمّ زَوَّدْنِي التقْوَى واغْفِرْ لِي ذَنْبِي، ووَجِّهْنِي إِلَى الخَيْرِ حيْثُما تَوَجَّهْتُ"(2).
فإِذا خرج من منزله وودع أهله فليقل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك (3).
(1) أخرجه النسائي عن أبي هريرة، وفيه: قال (لموسى بن وردان): ألا أعلمك يا ابن أخي شيئًا علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الوداع؟ قال: بلى، قال: قل: أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. (عمل اليوم والليلة: 352 - 353 رقم 508).
وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة قال: ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
(السنن: 2/ 943 رقم 2825، كتاب الجهاد، باب تشييع الغزاة ووداعهم).
وأورده ابن تيمية في (الكلم الطيب: 93 رقم 167).
وقال محققه الألباني: حديث حسن الإسناد أخرجه ابن ماجه والنسائي وابن السني وأحمد وحسنه الحافظ.
(2)
أذكار النووي: 195.
(3)
من ذلك: سقطت من (ب).
وهو ما روته أم سلمة (1) رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا خرج من بيته قال:
"بسم الله، توكلت على الله، اللهمّ إِنّا نعوذ بك من أن نزلّ أو نضلَّ، أو نَظلم أو نجهَل أو يُجهَل علينا"(2). رواه الأربعة.
وما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا خَرجَ الرَّجُلُ منْ بيتِهِ فقال: بسم الله، توكَّلْتُ على الله، لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بالله،
(1) أم سلمة هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية بن المغيرة القرشية المخزومية، أسلمت قديمًا وتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة وقيل في السنة الثالثة هـ. قال الواقدي ت 59. وقيل: بعدها.
(الإِصابة: 4/ 439، عيون الأثر: 381 - 382).
(2)
(سنن ابن ماجه: 2/ 1278 رقم 3884، كتاب الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إِذا خرج من بيته) بلفظ قريب.
الترمذي عن أم سلمة: كتاب الدعوات، باب ما يقول إِذا خرج من بيته - قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن: 5/ 490 رقم 3427).
النسائي عن أم سلمة، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الضلال. (السنن: 8/ 269 رقم الباب 30).
أبو داود عن أم سلمة، كتاب الأدب، باب ما يقول إِذا خرج من بيته. (السنن: 5/ 327 رقم 5094).
قال: يقالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وكُفِيتَ ووُقِيتَ (1)، فَيَتَنَحَّى له الشيْطانُ، قال: فيقول له شيْطانٌ آخَر: كيف لكَ برجُلٍ قد هُدِيَ وكُفَي ووُقَي". رواه أبو داود (2) والترمذي (3) والنسائي وابن حبان وابن ماجه (4).
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قالَ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا خرج من منزله يقول: "بسم الله لَا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلَّا بالله العَليِّ العَظيمِ، التكْلَانُ عَلَى الله"(5)، رواه الحاكم.
(1) أورد هذا الدعاء السلماني في كتابه (أوضح المسالك: 330) وقال: يستحب هذا الدعاء لكل خارج من بيته.
(2)
كتاب الأدب، باب ما يقول إِذا خرج من بيته، باتفاق في اللفظ إِلا في عبارة: فتتنحى له الشياطين. (السنن: 5/ 328 رقم 5095).
(3)
كتاب الدعوات، باب ما يقول إِذا خرج من بيته منتهيًا عند قوله: وتتنحى عنه الشياطين.
(قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إِلا من هذا الوجه). (السنن: 5/ 490 رقم 3426).
(4)
لفظه عند ابن ماجه: "إِذا خرج الرجل من باب بيته كان معه ملكان مُوكَلان به، فإِذا قال: توكلت على الله، قال: كفيت" قال: فيلقاه قرينان، فيقولان: ماذا تريدان من رجل قد هدي وكفي ووقي؟ .
نقل محمد فؤاد عبد الباقي أن في إِسناده هارون بن هارون بن عبد الله، وهو ضعيف (سنن ابن ماجه: 2/ 1278 - 1279 رقم 3886).
(5)
أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة بلفظ: "
…
لا حول ولا قوة إِلا بالله، التكلان على الله". =
ثم يقصد أقاربه وأصدقاءه فيودعهم ويسْتَحِل منهم، ويسألهم الدعاء.
قال النووي: فقد روي أن الله تعالى جاعل له في دعائهم خيرًا.
= (السنن: 2/ 1278 رقم 3885، كتاب الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إِذا خرج من بيته).
ونقل محمد فؤاد عبد الباقي عن الزوائد أن في إِسناده عبد الله بن حسين، ضعفه أبو زرعة والبخاري وابن حبان.
تنبيه:
فإِن كان في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فليجعل آخر عهده بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم (1) والابتهال عنده والاستمداد فيما يقصده من خيري الدارين، وإن كان في غير المدينة وفي بلده من تُرجى بركتُه، فليقصده ويسأله الدعاء.
وينبغي لقرابة المسافر وأصدقائه أن يُشَيِّعُوه. وكذلك إِن كان المسافر رجلًا عالمًا أو من الصالحين أن يُشَيَّعَ عند خروجه بالمشي معه والدعاء له.
ويدل على مَشْرُوعية ذلك ذكرُ ثَنِيَّات الوداع.
قال العلماء - رحمهم الله تعالى -: هذا الموضع بالمدينة سُمِّي بذلك لأن الحاج من المدينة يُودِّع بها مشيّعه.
وقيل: سميت بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع فيها بعض المسلمين.
فائدة:
وثنيات الوداع: خارج المدينة النبوية في طريق الركب الشامي (2) قريبًا من قبر النفس الزكية (3)، وهي كذا على يمين الذاهب إِلى طريق الشام، وعلى
(1) الشفا: 2/ 71.
(2)
انظر: (مشارق الأنوار: 1/ 136).
(3)
محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله الملقب بالأرقط وبالمهدي وبالنفس الزكية، كان غزير العلم، شجاعًا سخيًّا، ولد بالمدينة سنة 93 ونشأ بها. ت 145. (الأعلام: 7/ 90، شذرات الذهب: 1/ 213).
وسيعرف ابن فرحون بقبر النفس التركية في ص 796.
يسار الطريق متصل بجبل سَلْع (1) وهو موضع مشهور.
قال القاضي عياض في "المدارك"(2) *: ولما انصرف عيسى بن دينار (3) من عند ابن القاسم (4) شيّعه ثلاثة فراسخ، وهي تسعة أميال.
(1) جبل سَلْعَ (بفتح السين وسكون اللام) ما يزال معروفًا وقد أصبح داخل المدينة. (المناسك وأماكن طرق الحج: 408 هامش 3). وانظر (معجم ما استعجم: 3/ 747، سلع)
(2)
4/ 107.
(3)
عيسى بن دينار بن واقد الغافقي، أبو محمد، من أهل الأندلس، رحل فسمع من ابن القاسم وصحبه وعول عليه، وعندما رجع صارت الفتيا تدور عليه بقرطبة. كان عابدًا فاضلًا ورعًا. ت 212 بطيطلة ودفن بها.
(بغية الملتمس: 389 رقم 1144، تاريخ ابن الفرضي: 331 رقم 975، جذوة المقتبس: 279 رقم 678، المدارك: 4/ 105).
(4)
عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري، أبو عبد الله، أشهر أصحاب مالك، روى عن الليث وابن الماجشون، وعنه أصبغ وسحنون وكثيرون. كان عالمًا زاهدًا سخيًّا شجاعًا. ت 191، وسنه 63 سنة.
(الأعلام: 4/ 97، الانتقاء: 50، تذكرة الحفاظ: 356، تهذيب التهذيب: 6/ 252 رقم 24، حسن المحاضرة: 1/ 303، الديباج: 1/ 465، شجرة النور: 85 رقم 24، شذرات الذهب: 1/ 329، العبر: 1/ 307، المدارك: 3/ 244، وفيات الأعيان: 3/ 129 رقم 362).
فرع:
وصفة الموادعة على ما رواه الترمذي (1) والنسائي (2) وابن خزيمة (3) أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول للرجل إِذا أراد سفرًا: ادن منِّي أودعك، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول:"أسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وأمَانَتَكَ وخوَاتِيمَ عمَلِكَ".
وفي كتاب ابن السني عن ابن عمر رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه ودع غلامًا فقال له: "زَوَّدَكَ الله التَّقْوَى (4) وَوَجَّهَكَ فِي الخَيْرِ وَكَفَاكَ الهَمَّ".
ويستحب أن يقول (5) للمسافر إِذا ولّى: "اللَّهمّ اطو له البَعِيدَ، وهَوِّنْ عليه السَّفرَ"، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المروي في ذلك (6).
(1) كتاب الدعوات، باب ما يقول إِذا ودع إِنسانًا، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث سالم. (السنن: 5/ 499 رقم 3443).
(2)
عمل اليوم والليلة، للنسائي: 351 رقم 506.
(3)
صحيح ابن خزيمة: 4/ 137 رقم 2531، باب توديع المسلم أخاه عند إِرادة السفر.
(4)
عن أنس رضي الله عنه قال: "جاء رجل إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إِني أريد سفرًا فزودني، فقال: زودك الله التقوى
…
" قال الترمذي: حديث حسن، وعن الترمذي رواه النووي. (الأذكار: 196، باب أذكاره إِذا خرج).
(5)
(ر): يُقال.
(6)
أخرج الترمذي عن أبي هريرة أن رجلًا قال: يا رسول الله، إِني أريد أن أسافر فأوصني. قال: عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف، فلما أن ولى الرجل قال:"اللَّهمَ اطوِ لَهُ الأرضَ وهوَّنْ عليه السَّفَر". قال الترمذي: هذا حديث حسن.
(السنن: 5/ 500 رقم 3445، كتاب الدعوات، باب 46).