الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يختم كتابه بباب خاص بها، يتناول ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح وعن بعض المؤرخين من فضلها وفضل أهلها، ويتناول مساجدها وآبارها وجبل أحد المجاور لها.
وهو إِذا يسلك هذا المنهج في الحديث عن آثار الحرمين وأشهر المواضع بهما، وعن الزيارة للحرم النبوي وآدابها، فإِنه يقتفي أثر كثير من المؤلفين في المناسك قبله، ممن تطرقوا إِلى عرض جانب من تاريخ الحرمين وإِلى وصف المواقع والآثار والترجمة لبعض من دفن بالبقيع أو أحد، من أعلام الصحابة وشهداء الغزوات. وذلك مثل المحب الطبري في منسكه الشهير الموسوم بـ "القرى لقاصد أم القرى" وعبد العزيز بن جماعة في منسكه الكبير "هداية السالك".
منهجه وأسلوبه:
في عصر ابن فرحون كان المؤلفون من فقهاء المالكية يتبعون طريقتين في تآليفهم الفقهية، إِحداهما: طريقة التركيز على كتاب يتناولونه بالشرح أو التهذيب أو التعليق أو التقييد أو الاختصار، كما فعلوا بالنسبة لموطإِ الإِمام مالك بن أنس، ومختصر ابن عبد الحكم، ومدونة الإِمام سحنون ورسالة عبد الله بن أبي زيد القيرواني، وتفريع ابن الجلاب، ومختصر ابن الحاجب الفرعي، ومختصر خليل بن إِسحاق الجندي.
وثانيتهما: التصنيف المستقل عن الارتباط بكتاب معين، كما فعل النجم ابن شاس في كتابه "عقد الجواهر الثمينة".
وابن فرحون اتبع الطريقتين في تآليفه الفقهية، ففي كتابه "تسهيل المهمات" كان يدور حول قطب مختصر ابن الحاجب، يشرحه ويعلق عليه ويتعقب من سبقه إِلى شرحه، وفي "تبصرة الحكام" تحرر من الالتزام بالارتباط بكتاب خاص.
وكتابه "إِرشاد السالك إِلى أفعال المناسك" كان فيه متبعًا الطريقة الثانية، فألفه مستقلًا، وصمم أبوابه التي رأيناها بفصولها التي تتضمن أهم مسائل الباب، ويتولد عنها من الفروع ما يناسب، وما يمكن أن يصوره العقل من الصور المفترضة التي يحتاج المكلف إِلى معرفة حكمها إِن وقعت. ويبدو لي أن ابن فرحون في طريقة التفريع كان مقتفيًا أثر ابن شاس في "عقد الجواهر" وكثيرًا ما قلده في التعبير بـ "فرع مرتب".
والتحرر من الدوران حول قطب كتاب آخر يعطي الفرصة للمؤلف كي يختار المخطط الذي يراه مناسبًا لكتابه، وينظم مسائله ومعلوماته تنظيمًا يحقق هدفه من التأليف، وبذلك تظهر شخصيته في التخطيط.
وقد كان ابن فرحون مستفيدًا من عدة أصول ومراجع، وكان جامعًا للمسائل مرتبًا لها وموزعًا إِياها على الأبواب الكبرى التي اختارها لكتابه، وبالإِضافة إِلى ذلك فإِنه يتدخل تدخلًا يتجلى خاصة في:
- شرح الغريب من الألفاظ (1)، وبيان المراد من النص المنقول (2).
- الترجيح بين الآراء المختلفة في المسألة (3).
- الاستطراد بتقديم بعض الإِفادات عن الأعلام (4) الوارد ذكرهم أو المواضع في الحرمين المقدسين (5).
- تعقب بعض الأقوال ومناقشة أصحابها (6).
(1) كما في شرحه لعبارات: الهش، الخبط، العضد، في ص 704 ليتضح الفرق بينها - وكما في شرحه لعبارة: الرفث، في ص 96 - 97.
(2)
انظر ص 140 حيث بين معنى "الحج عرفة".
(3)
كما في مسألة الرقي على الصفا بقدر قامة، فقد ذكر أنَّ الصحيح أنه لا يجب. ص 349. وكما في مسألة الخلاف في وجوب الحج على الفور أو على التراخي، فقد ناصر القول بالفور، مؤيدًا ما ذهب إِليه بالحجج التي رآها مناسبة. ص 235 وما بعدها.
(4)
كما فعل في التعريف بالمحب الطبري ص 349 - 350، وبرحلة ابن رُشَيْد ص 311، وبأسرة الربعي ص 301 - 302.
(5)
مثل المساجد الموجودة بالمدينة المنورة، ص 820 وما بعدها، والآبار فيها ص 844 وما بعدها.
(6)
كما في رده على القائلين بتحريم إِخراج التراب والأحجار من الحرم النبوي ووجوب المبادرة بإِرجاعه إِن وقع إِخراجه، فقد عرض عدة أدلة نقلية وعقلية في الرد على ذلك. انظر ص 526 وما بعدها.
- ملاحظة بعض البدع واستنكارها (1).
- ذكر بعض العادات المألوفة الجارية (2).
وابن فرحون في هذا الكتاب يكتب بأسلوب واضح، ويستعمل العبارات الاصطلاحية، متجنبًا الاختصار المؤدي إِلى الإِخلال، وهو يخرج أحيانًا لبيان معنى أصولي، وتقديم ملحظ مفيد للقارئ (3).
وكان في بعض المواضع يتوخى أسلوب مخاطبة القارئ (4) مبيِّنًا له ما يفعله من المناسك، سالكًا في ذلك طريقة ابن حبيب التي عرفناها من خلال نقل ابن فرحون من الواضحة.
وهو في بعض المناسبات يقدم قواعد فقهية (5) ونظائر (6) فقهية، ولكنه لم يكثر من ذلك، لقلة اهتمامه بجانب التقعيد فيما يبدو لي.
(1) مثل البدع التي لاحظ بعض الزائرين للحرم المدني يظهرونها. ص 769.
(2)
مثل عادة اجتماع الناس بالمساجد يوم عرفة تشبها بالحجاج.
(3)
كما في مسألة التخريج، وهل يُعد الحكم المخرج على حكم آخر قولًا يفتى به أم لا؟ ص 446 فقد استطرد استطرادًا أصوليًا مفيدًا، دون أن يبتعد عن الموضوع.
(4)
انظر ص 742.
(5)
مثل قاعدة مراعاة الخلاف ص 399 وقاعدة: اعتبار العرف ص 273.
(6)
تارة يعنون لها بعبارة نظائر، مثل المسائل التي تشترط لها طهارة واحدة، في ص 330، وتارة يجعل النظائر تحت فرع دون لفت النظر إِلى كونها نظائر، كما في الفرع الذي ذكر تحته خمسة يسقط عنهم الطواف الأول والسعي، وذلك في ص 290.
وأسلوب الفقيه الذي همه تفصيل المسائل تفصيلًا شافيًا وبيان أحكام الفروع بيَانًا واضحًا، يتجلى عنده في الأبواب الفقهية (من 3 إِلى 19) وفي غيرها يتجلى أسلوب الواعظ المرشد إِلى الفضائل والآداب مع مزج بالمعلومات التاريخية في بعض المواطن.
وهذه الأبواب الفقهية لم يكثر فيها ابن فرحون من الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كما فعل في غيرها، فكان بذلك منتهجًا مسلك أغلب فقهاء المذهب المالكي الذين ينصرفون عن دعم الأحكام بأدلتها وربطها بمداركها ويقتصرون على نقل أقوال إِمامهم وأصحابه فيها بتقدير بالغ لهذه الأقوال المعتمدة. وقد كانت هذه الكتب بصبغتها المذكورة تلقى قبول الطلبة فيدرسونها دون أن يتطلع أكثرهم إِلى حجج الأحكام، والذين يشتاقون منهم إِلى ربط المسائل بأدلتها يجدون بغيتهم في تفسير آيات الأحكام وشرح أحاديث الأحكام، وفي بعض الكتب التي اهتم أصحابها بدعم المسائل بأدلتها ومداركها (1).
هذا وقد كانت الإِفادات التاريخية التي قدمها ابن فرحون في أبوابه الأخيرة من الكتاب يحتاج بعضها إِلى تدقيق وتمحيص، وقد كان صاحبنا يشير أحيانًا إِلى الثابت منها (2).
(1) يمكن أن نعد من هذه الكتب "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد الحفيد.
(2)
نرى ذلك في ص 833 حيث يقول: (الثابت عند أهل التاريخ أن الصلاة حولت في مسجد القبلتين).